الامام ابوبكر الشبلي
الإمام أبو بكر الشبلى
تاج الصوفية الامام الشبلي
في رياض المحبة الالهية تتنزل النفحات القدسية والمعارف الربانية على قلوب العارفين الذين رفعت لهم الوية الاصطفاء في سجل الازل فشربت ذواتهم من معين الحب احلى كاسات الوصال وهامت ارواحهم في محيط النور اللانهائي حتى صارت نورا محضا يسبح في النور واحتجبت عن عيون الاغيار بحجاب البشرية واستترت بغلاف هذه الترابية , فالمظهر مع الخلق والجوهر مع الحق والمعنى في قول الشاعر :
وما هو منهمر بالعيش هم
ولكن معدن الذهب الرغام
وفي ذرى المحبة الشامخة نلتقي بعارف من صفوة اولياء الله تعالى هو تاج الصوفية الامام الرباني سيدي ابو بكر الشبلي .
قطب حلقت روحه بالافق الاعلى وارتفعت الى منازل الصديقين, وولي اسكرته انوار التجريد فنطق عن حقائق التوحيد بما يقطع اوهام الحائرين وينير دروب السالكين . فنلتمس زادا من النور المشع من قبس عرفانه لعل جذبة من اشراق فيضه تستل من اعماقنا استار الحجب , وتصل بنا الى ساحل الحقيقة والى افق النور .
ولنأخذ اولا فيما لا بد منه من ترجمته الشخصية بالقدر الموصل لمدخل شخصيته : في تحقيق تسميته ذكر كثير من مؤرخي الصوفية ان اسمه دلف بن جحدر الشبلي بينما ذهب آخرون الى ان اسمه جعفر بن يونس , وقد روى السلمي هذه التسمية الاخيرة في طبقاته عن احد معاصريه , ورأى ذلك مكتوبا على قبر الامام الشبلي ببغداد .
وأيا كان فالكل متفق على الكنية واللقب اللذين اشتهر بهما سيدي ابو بكر الشبلي . وقد ولد ببغداد سنة 247 ولحق بربه سنة 324 عن سبع وثمانين سنة , وهو خراساني الاصل , وقد نشأ في بغداد وكان والده حاجب الحجاب للخليفة الموفق , فتربى الشبلي في ظلال النعمة والمكرمة أخذا بنصيبه من الدين والدنيا , حيث تفقه على مذهب الامام مالك واشتغل بعلم الحديث وروى منه الكثير , ومن مروياته هذا الحديث الذي ذكره السلمي باسناده عن ابي سعيد قال : قال رسول الله لبلال : إلق الله فقيرا ولا تلقه غنيا .
قال : يا رسول الله كيف لي بذلك ؟
قال ما سئلت فلا تمنع , وما رزقت فلا تخبأ .
قال : يا رسول الله كيف لي بذلك ؟
قال : هو ذاك والا فالنار .
ومع روايته للحديث واشتغاله بالعلم فقد ترقى في مناصب الدولة حتى صار واليا بنهاوند والبصرة واصبح مقربا من الخليفة واتسع مجده وشهرته ولكن المقادير كانت تدخر له من العناية ما لم يدر بخلده . فكان بدء عهده بطريق القوم حينما هيأت له الاقدار ان يحضر الى مجلس الصوفي بالعارف سيدي خير النساج . فاستمع الى حديثه في علوم القوم ورأى ما ابداه الشيخ من عجائب احواله وخوارقه , واحس الشبلي بوقع كلمات الشيخ في اعماق نفسه ووجدانه تكشف له عن مدى تفريطه في حق مولاه واعراضه عن طاعة سيده , فانهمرت دموع ندمه وتوبته وقام من مجلس الشيخ وقد تفجرت في اعماقه ذرات الخشية والانابة , وعزم على المضي في طريق مولاه فترك مركزه ورمى بجاهه وشهرته حتى لقد ذهب الى مقاطعة ( ودماوند ) التي اقطعها اياه الخليفة , وقال لاهلها : كنت والي بلدكم فاجعلوني في حل , وبدأ التحول الخطير في حياة العارف الشبلي , لقد صار يحس بتيار جارف من التعلق بالله يهز في اركان نفسه , وماذا يساوي ملك الدنيا باسرها بجانب نعيم لحظة يتصل فيها العبد بخالقه , اليس منه البدء واليه المنتهى ( فإلام الفرار من الله ومتى الفرار اليه ؟ )واسرع الشبلي للقاء الامام الجنيد سيد الطائفة الصوفية ليتلقى عنه اصول الطريق الصوفي ولينخرط في سلك اكرم طائفة , انها طائفة الربانيين من عباد الله .
وعلى اهمية الاستمداد من محيط امدادات القوم جرى بينه وبين الامام الجنيد هذا الحوار الحافل بدرر المعاني , وهو كما يذكره صاحب التبر المسبوك : ان الشبلي قال للجنيد : ( لقد حدثوني عنك ان عندك جوهرة العلم الرباني الذي لا يضل صاحبه ولا يشقى , فاما ان تمنح واما ان تبيع.
فقال الجنيد : لا استطيع ان ابيعها لك فما عندك ثمنها , وان منحتها لك اخذتها رخيصة فلا تعرف قدرها , ولكن وقد رزقت هذا العزم فهو علامة الاذن , وبشير التوفيق , فالق بنفسك غير هياب في عباب هذا المحيط مثلما فعلت انا , ولعلك ان صبرت وصاحبك التوفيق ان تظفر بها , واعلم ان طريقنا طريق المجاهدين الاخذين بقوله تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا فاجعل هذه الاية نصب عينك فهي معراجك الى ما تريد ) .
ووضع الامام الشبلي قدمه على اول الطريق حيث تلقى نسبته الصوفية عن الامام الجنيد عن سيدي السري السقطي عن سيدي معروف الكرخي الذي نهل من نبع آل البيت . حيث اخذ عن سيدي علي الرضا من جهة كما اخذ عن سيدي داود الطائي عن التابعين من جهة اخرى , وكان الارتباط بين سيدي ابي بكر الشبلي وسيدي ابي القاسم الجنيد يفوق في مدلوله حد التصور , وانها صحبة لولاية في طريق الحق وانها خلة الروح على صراط المحبة , ولقد كان كل منهما كبيرا في عين الاخر شامخا في منزلته سامقا في رفعته , ولقد بلغ من تقدير الامام الجنيد لمكانة العارف الشبلي بين اقطاب الصوفية انه قال ( لكل قوم تاج وتاج قومنا الشبلي ) انها كلمة حق من سيد الطائفة , الامام الشبلي خليق بها واهل لها لاننا حينما نقلب صفحات الجهاد الروحي , ونستطلع الجانب العلمي عن العارف الشبلي سنجد – ولا شك – سطور من النور تشير الى سمو هذه الشخصية وعظم منزلها , فمن الناحية العلمية – وقد اشرنا اليها بصدد الحديث عن نشأته – يروي صاحب كتاب تاريخ بغداد بسنده عن الشبلي انه قال ( كتبت الحديث عشرين سنة وجالست الفقهاء عشرين سنة ) ومرة اخرى يقول الشبلي مشيرا الى نفسه ( اعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وغرق في هذه الدجلة التي يرون سبعين قمطرا مكتوبا بخطه وحفظ الموطأ وقرأ بكذا وكذا قراءة ) .
يروي صاحب الرسالة القشيرية ان فقيها من اكابر الفقهاء كانت حلقته بجانب حلقة الشبلي في جامع المنصور : وكان يقال لذلك الفقيه ( ابو عمران ) وكانت تتعطل عليهم حلقاتهم لكلام الشبلي فسال اصحاب ابي عمران يوما الشبلي عن مسالة في الحيض – وقصدوا اخجاله – فذكر مقالات الناس في تلك المسالة والخلاف فيها , فقام ابو عمران وقبل راس الشبلي وقال : يا ابا بكر : استفدت في هذه المسالة عشر مقالات لم اسمعها , وكان عندي من جملة ما قلت ثلاثة اقاويل . أهـ .
وكان للشبلي لسان عال في الطريق ومحجة قوية في الشريعة يشهد بها كل من تصدى لجداله من الفقهاء , فقد كان ابن بشار ينهى الناس عن الاجتماع للشبلي والاستماع لكلامه فجاءه ابن بشار يوما ممتحنا فقال له : كم في خمس من الابل.
فسكت الشبلي فاكثر عليه ابن بشار فقال له الشبلي : ( في واجب الشرع شاة وفيما يلزم امثالنا كلها).
فقال له ابن بشار : هل لك في ذلك امام ؟.
قال : نعم .
قال من ؟
قال : ابو بكر الصديق حيث اخرج ماله فقال له النبي ما خلفت لعيالك ؟
قال : الله ورسوله .
فرجع ابن بشار ولم ينه بعد ذلك احدا عن الاجتماع بالشبلي . لقد كان وراء علم الشبلي بالشرع علم اخر اخذه عن الله الهاما بلا واسطة , وكان يقول عن علم القوم ( ما ظنك بعلم علم العلماء فيه تهمة ) !! فالعلم المكتسب لا يقاس بعلم اهل الله وشتان بين علم اخذ عن الخالق وعلم اخذ عن المخلوق .
وهذه صفحة اخرى من جهاد الشيخ في عبادته وعلمه , لقد دخل عليه ابو بكر بن مجاهد فحادثه فسأله عن حاله فقال : ( ترجو الخير تختم في كل يوم ختمتين او ثلاثا )
قال له الشبلي : ( ايها الشيخ قد ختمت في تلك الزاوية ثلاث عشرة الف ختمة , ان كان فيها شيء فقد وهبته لك واني لفي درسه منذ ثلاث واربعين سنة ما انتهيت الى ربع القران ) ولقد قصد الشبلي بتلاوة القران الكريم وجه الله , اما الثواب فقد وهبه لمن يبتغيه , ولقد كان حسبه ان يناجي مولاه بكلامه ثلاث عشرة الف ختمة , ولم يرد ثمنا لهذه المناجاة لانها خالصة لله , فاي نوع هذا من الاخلاص ؟ انه اخلاص الحب لذات الله بعيدا عن منطق الثواب والعقاب . ثم لنطل على جانب اخر من جوانب الجهاد الروحي عن الامام الشبلي حيث نرى جهاد النفس في طاعة الله وحيث نشرف على مقام المحبة عن هذا الولي .
ان الشبلي منذ عرف طريق القوم قد قطع على نفسه عهدا بالتجرد لمولاه فالحب الذي غمر قلبه لله يأبى ادنى مشاركة فاختط لنفسه طريق الجهاد الاكبر مع نفسه وهواه , وبلغ به الحد في مجاهدته نفسه انه كان يكتحل بالملح حتى لا ينام ويعتاد السهر , وحينما لامه اصحابه في قلة النوم قال لهم ( سمعت الحق يقول لي : من نام غفل ومن غفل حجب , وكان هذا سبب اكتحالي بالملح حتى لا انام ) لقد كان يبيت الليل ساهرا يقطع انفاس السحر في قيام لربه وليسكب في دياجي الليل أنات الخشية والانابة انه الحب الالهي الذي لا يقاس به حب في الوجود , واذا كان عشق المخلوق قد افضى بقيس بن عامر الى الجنون بليلاه فكيف بعشق الخالق ؟
والمحبة الالهية لها وصف لا يعرفه الا من ارتوى من سلافها , وقد وصف الشبلي المحب قائلا : ( المحبة كأس لها وهج ان استقرت في الحواس قتلت , وان سكنت في النفوس اسكرت , فهي سكر في الظاهر ومحبة في الباطن ) .
ومرة اخرى يقول ( المحبة بحار بلا شاطئ وليل بلا آخر وهم بلا فرح وعلة بلا طبيب وبلاء بلا صبر ويأس بلا رجاء ) انها قمة المحبة التي تفنى المحب وتأخذه عن نفسه لمحبوبه , وان الولي لا يصل الا باشراق شمسها في قلبه , فهي دليله ومنهاجه لذا يقول الشبلي ( صراط الاولياء المحبة ) ولكثرة ما بدا على الشبلي من لوائح هذه المحبة مع انه كان على بسطة في الجسم فقد قال له احد اصحابه يا ابا بكر : نراك جسيما بدينا والمحبة تضني ؟
فانشد قائلا :
احب قلبي وما درى بدني
ولو درى ما اقام في السمن
وللامام الشبلي معراج في الحقيقة يسمو الى مراقي يضيق عنها حد العبارة , ولقد عبر عن تلك المراقي السامية في مقام يسميه الصوفية مقام الاستطالة , حيث يؤذن للولي ان يتحدث بما انعم الله به عليه , فلقد سئل مرة من انت ؟ فقال : ( النقطة التي تحت الباء ) .
وهذه العبارة رمز لفنائه في حقيقة الحقائق التي قامت بها العوالم كلها , ولقد حدث ان العارف الحلاج – وهو من اقرب اصحاب الشبلي واحبهم اليه – قد صرح في هذا المقام بما لا تطيقه عقول العامة واشباههم . فكان من امره ما كان , واذ قال العارف الشبلي ( كنت انا والحسين بن منصور شيئا واحدا الا انه ظهر وكتمت ) . ولقد تحدث الشبلي عن مفهوم التصوف والصوفية فاعطى لهذا المفهوم روحا جيدة من نفس مشرعة في الحب والتحقق فهو يعرف التصوف قائلا : ( هو العصمة عن رؤية الاكوان ) اي عن الرؤية القلبية التي يحتجب فيها الانسان بالكون عن الكون . ثم يقول عن الصوفي : ( الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق ) كقوله تعالى : وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي قطعه عن كل غير ثم قال له لَن تَرَانِي .
وقيل له : لم سميت الصوفية بهذا الاسم ؟
فقال : لبقية بقيت عليهم , ولولا ذلك ما تعلقت بهم تسمية , ومرمى عبارته : ان الصوفي حين ينقطع عن نفسه لمولاه لا يتم له هذا الانقطاع تماما اذ يتبقى له جزء من انيته وحقيقته , وهذا هو الجزء هو متعلق التسمية ولولاه لكان عدما محضا والعدم لا تلحقه التسمية .
اما عن المنهج الذي سار عليه الامام الشبلي في تربية المريدين فهو ينحصر في التعلق التام والدائم بالله تعالى . فان صفاء القلب يتعكر بادنى شاغل عن الله .
ومن صور تطبيق هذا المنهج ما ذكره الامام الشعراني من ان العارف الشبلي كان يقول لتلميذه الحصري وهو في بداية امره بالطريق ( ان خطر ببالك من الجمعة الى الجمعة الثانبة غير الله فحرام عليك ان تحضرني ) انها تربية الرجال لولاية الله , فتفريغ القلب من الدنيا هو اول خطوة على طريق الوصول .
يقول الشبلي : ( انا الملك اين الملوك ؟ ان الله لم يحتجب عن خلقه انما الخلق احتجبوا عنه بحب الدنيا ) وهو يسأل من ركن بقلبه الى الدنيا قائلا : (كيف يصح لك شيء من التوحيد وكلما ملكت شيئا من الدنيا ملكك وكلما ابصرت شيئا صرت اسيره ) واذا ففلسفة الزهد عند الشبلي انما هي تحويل القلب من الاشياء الى رب الاشياء , وعندئذ لا يضير الصوفي ان يملك الدنيا باسرها لان قلبه ملك لله وحده , ومن اطرف ما يروى عن الشبلي ما يصور نظرته للدنيا انه كانت عنده جماعة من الفقراء فاصابهم فاقة وشدة فكتب الى وزير الخليفة .
بسم الله الرحمن الرحيم
اما بعد وجه لنا شيئا من دنياك
.
, فكتب اليه الوزير على ظهر الرقعة : يا شبلي سل دنياك من مولاك .
فكتب اليه الشبلي ( انما الدنيا شيء دني ولا يسأل الدني الا من الدني , الدنيا هذه ولك منها عبرة فمن يريد العبرة فهو اقل من العبرة ) .
فوجه اليه الوزير عشرة الاف درهم .
ان الشبلي لم يكن مقصده في هذه الواقعة طلب الدنيا لنفسه , وانما هو طلب حق الفقراء في مال الامة . اما هو فما له والدنيا , انه عاكف في حضرة مولاه يناجيه ويتقرب اليه ويقول : ( الهي ان هربت منك طلبتني وان قصدتك اتعبتني فليس لي معك راحة ولا مع غيرك انس . فالمستغاث منك اليك ) وقال له الامام الجنيد يوما : ( لو رددت امرك الى الله لاسترحت ) فقال له الشبلي ( يا ابا القاسم لو رد الله اليك امرك لاسترحت ) فقال الجنيد ( سيوف الشبلي تقطر دما ) انه العارف المستغرق مع ربه , وهو القائل : ( سهو طرفة عين لاهل المعرفة شرك بالله ) عارف يتحدث عن نفسه وعن حاله مع الله , وسئل متى يكون العارف بمشهد من الحق ؟ فقال : ( اذا بدا الشاهد وفنى الشواهد وذهب الحواس واضمحل الاحساس ) .
وقال في حقيقة الذكر : ليس من استانس بالذكر كمن استانس بالمذكور وانشد قائلا :
ذكرتك لا اني نسيتك لمحة
وايسر ما في الذكر ذكر لساني
وكدت بلا وجد اموت من الهوى
وهام على القلب بالخفقان
فلما اراني الوجد انك حاضري
شهدتك موجودا بكل مكان
فخاطبت موجودا بغير تكلم
ولاحظت معلوما بغير عيان
وبعد : فلماذا نقول عن امام في المعرفة ارتفعت فوق المحبة الالهية اعلامه , وسرت عبر آماد الدهر اقباس انواره لتوقد مصابيح القلوب , وتحدو ركب السائرين الى نهاية المطاف , فمهما يخط القلم فلن يجف النبع ولن تتطاول الاعين لكي تحدق في عين الشمس لتحيط بجوهرها , وانما هو شعاع من الضوء اقتبسناه لنتطلع الى افق مليء بالنور, فرضي الله عن الامام الشبلي في الخالدين , وجمعنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
حضرة السيد الشيخ أبو بكر الشبلي (قدس الله سره)
الشيخ الكبير ، العارف الخطير ، ذو الفضل الجلي .
اسمه
أبوبكر دلف بن حجدر، وقيل (جعفر) الشبلي، ولد سنة 247 هـ تقريبا، وهو خرساني في الاصل، بغدادي المولد والمنشأ. ويقال إن مولده في سامراء. كان واليا في دنباوند وهي ناحية من رسناق الري في الجبال، تاب في مجلس خير النساج ومضى الى أهلها وقال: كنت والي بلدكم فاجعلوني في حل. صحب ابا القاسم الجنيد شيخ الطريقة الصوفية ومن في عصره من الصلحاء. وهو أول من سمى التصوف بعلم الخرق، في مقابل علم الورق (اي الفقه والعلم الظاهر)، وقد ورد ذلك في ابيات شعر منسوبة الى الشبلي، ذكرها علي بن مهدي، حيث وقف في بغداد على حلقة الشبلي فنظر اليه فوجد معه محبرة فأنشأ الشبلي يقول:
تسربلتُ للحرب ثوب الغرق وهمتُ البلاد لوجد القلق
ففيك هتكت قناع الغـوى وعنك نطقتُ لدى من نطق
اذا خاطبوني بعلم الـورق برزت عليهم بعلم الخـرق
معاصريه : صحب الجنيد وأقرانه ، ومن اصحابه الحسين بن محمد وابو الحسن الحصري ومحمد بن احمد بن حمدون الفراء وبندار بن الحسين وابو سهل الصعلوكي .
مسكنه :
بغداد .
حياته : كان في علم التصوف والتحقبق كالبحر العميق وفي علم الحديث والفقه بالغ مبالغ التحقيق ورتبة الاجتهاد .
كان في ملاحظة نظر الجنيد متدرعاً بالرياضات له اقوال معتبرة .
وكلام الجنيد في حقه : لاتنظروا إلى ابي بكر الشبلي بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض فأنه عين من عيون الله .
وقال : لكل قوم تاج ، وتاج هذا القوم الشبلي ، وذاك الشارب رحيق المعرفة .
أشتهر بمجاهداته في أول امره وكان يكتحل بالملح ليعتاد السهر وكان يبالغ في تعظيم الشرع المكرم .
من اقواله :
قال عن التصوف: (هو ترويح القلوب، وتجليل الخواطر بأردية الوفاء، والتخلق بالسخاء والبشر في اللقاء، وهو الجلوس مع الله بلا هم) .
وعن حالات الخطف الصوفي تحدث الشبلي قائلاً : (ان التصوف برقة محدقة)، وهي البرقة التي تقوده الى وحدة الشهود، فالصوفي من لا يرى في الدارين مع الله غير الله، فالله هو الواحد الأحد القادر المهيمن. وكانت مناجاته للهتستولي على فكره وجوارحه وتبعده عن الانتباه الى حاجات نفسه.
وقال الشبلي : ( وتحسبني حياً وإني لَميتٌ وبعضي من الهجران يبكي على بعض )
ويرى الشبلي انه (ليس للمريد فترة ولا لعارف معرفة ولا للمعرفة علاقة ولا للمحب سكون ولا للصادق دعوى ولا للخائف قرار ولا للخلق من الله فرار) .
ومن كراماته :
قال : أعتقدت وقتاً ان لا اكل إلا من الحلال فكنت ادور في البراري فرأيت شجرة فمددت يدي اليها لآكل فنادتني الشجرة أحفظ عليك عقدك لاتاكل مني فاني ليهودي .
وكان يأخذه الوله فيغيب ويرد في اوقات الصلوات إلى حسه حتى لايفوته شيء مما يتوجب عليه منه التكاليف فإذا فرغ من صلاته أخذه الوله وصار لايعقل .
وفاتـه : انتقل في ذي الحجة سنة 334 هـ عن عمر بلغ 87 عام ، وقبره في قصبة الإمام الاعظم ظاهراً يزار .
المصادر :
- ابن الملقن - طبقات الأولياء - ص 126 .
- تذكرة الأولياء - مرتضى بن محمد آل نظمي البغدادي - ص173 – 176 .
- عبد الرؤوف المناوي- الكواكب الدرية ج1 - ص 213 – 217 .
- ابن الملقن - طبقات الأولياء - ص204 .
- ابي عبد الرحمن السلمي - طبقات الصوفية - ص337.
- يوسف النبهان - جامع كرامات الأولياء ج2 - ص8.
- تذكرة الأولياء - مرتضى بن محمد آل نظمي البغدادي - ص 183 – 186