الامام الحسن البصري
الحسن البصري
التابعى الجليل
وصف بأنه من كان من سادات التابعين وكبرائهم، وجمع كل فن من علم وزهد وورع وعبادة ومن القلائل الذين أجرى الله الحكمة على ألسنتهم فكان كلامه حكمة وبلاغة إنه التابعي الجليل الحسن البصري.
نسبه ونشأته:
هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، ولد الحسن في أواخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي وكانت أمه ربما غابت في حاجة فيبكي فتعطيه أم سلمة رضي الله عنها ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فدر عليه ثديها فشربه فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك.
ونشأ الحسن بوادي القرى وكان من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما حدث.
وحكى الأصمعي عن أبيه قال ما رأيت أعرض زندا من الحسن كان عرضه شبرا. وقال أبو عمرو بن العلاء ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج ابن يوسف الثقفي فقيل له فأيهما كان أفصح قال الحسن.
مواقف من حياته:
كان الحسن يقص (يحكى القصص) في الحج فمر به علي بن الحسين فقال له يا شيخ أترضى نفسك للموت قال لا قال فلله في أرضه معاد غير هذا البيت قال لا قال فثم دار للعمل غير هذه الدار قال لا قال فعملك للحساب قال لا قال فلم تشغل الناس عن طواف البيت قال: فما قص الحسن بعدها.
***
وقيل إن رجلا أتى الحسن فقال يا أبا سعيد إني حلفت بالطلاق أن الحجاج في النار فما تقول أقيم مع امرأتي أم أعتزلها فقال له قد كان الحجاج فاجرا فاسقا وما أدري ما أقول لك إن رحمة الله وسعت كل شيء وإن الرجل أتى محمد بن سيرين فأخبره بما حلف فرد عليه شبيها بما قاله الحسن وإنه أتى عمرو بن عبيد فقال له أقم مع زوجتك فإن الله تعالى إن غفر للحجاج لم يضرك الزنا ذكر ذلك.
***
وكان في جنازة وفيها نوائح ومعه رجل فهم الرجل بالرجوع فقال له الحسن يا أخي إن كنت كلما رأيت قبيحا تركت له حسنا أسرع ذلك في دينك
****
وقيل له ألا ترى كثرة الوباء فقال أنفق ممسك وأقلع مذنب واتعظ جاحد.
****
ونظر إلى جنازة قد ازدحم الناس عليها فقال ما لكم تزدحمون ها تلك هي ساريته في المسجد اقعدوا تحتها حتى تكونوا مثله.
***
وحدث الحسن بحديث فقال له رجل يا أبا سعيد عن من فقال وما تصنع بعن من أما أنت فقد نالتك موعظته وقامت عليك حجته.
***
وقال لفرقد بن يعقوب بلغني أنك لا تأكل الفالوذج فقال يا أبا سعيد أخاف ألا أؤدي شكره قال الحسن يا لكع هل تقدر تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه.
***
وقيل للحسن إن فلانا اغتابك فبعث إليه طبق حلوى وقال بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك بهذا
***
ولما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان وذلك في أيام يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلاث ومائة فقال لهم إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده وأخذ عليهم الميثاق بطاعته وأخذ عهدنا بالسمع والطاعة وقد ولاني ما ترون فيكتب إلي بالأمر من أمره فأنفذ ذلك الأمر فما ترون؟! فقال ابن سيرين والشعبي قولا فيه تقية فقال ابن هبيرة ما تقول يا حسن فقال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله وأوشك أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إلا عملك يا ابن هبيرة إن تعص الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصرا لدين الله وعباده فلا تركبن دين الله وعباده بسلطان الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأجازهم ابن هبيرة وأضعف جائزة الحسن فقال الشعبي لابن سيرين سفسفنا له فسفسف لنا.
من كلماته:
ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت.
ورأى الحسن يوما رجلا وسيما حسن الهيئة فسأل عنه فقيل إنه يسخر للملوك ويحبونه فقال لله أبوه ما رأيت أحدا طلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا.
من خطب الحسن البصري .. رحمه الله:
خطب الناس فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه
با ابن آدم: بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا, ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا.
يا ابن آدم! اذا رأيت الناس في الخير فنافسهم فيه, واذا رأيتهم في الشر فلا تغبطهم فيه. الثواء ههنا قليل, والبقاء هناك طويل. أمتكم آخر الأمم, وأنتم آخر أمتكم, وقد أسرع بخياركم, فماذا تنتظرون؟ المعاينة؟ فكأن قد! هيهات هيهات, ذهبت الدنيا بحال بالها, وبقيت الأعمال قلائد في أعناق بني آدم.
فيا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة! أما انه والله لا أمّة بعد أمتكم, ولا نبي بعد نبيكم, ولا كتاب بعد كتابكم! أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم, وانما ينتظر بأولكم أن يلحقه آخركم. من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم, فقد رآه غاديا ورائحا, لم يضع لبنة على لبنة, ولا قصبة على قصبة, ورفع له علم فشمّر اليه, فالوحاء الوحاء! والنجاء النجاء! علام تعرجون؟ أتيتم, ورب الكعبة, قد أسرع بخياركم, وأنتم كل يوم ترذلون, فماذا تنتظرون؟.
ان الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم على علم منه, اختاره لنفسه, وبعثه برسالته, وأنزل عليه كتابه, وكان صفوته من خلقه, ورسوله الى عباده, ثم وضعه من الدنيا موضعا ينظر اليه أهل الأرض, وآتاه منها قوتا وبلغة, ثم قال" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" فرغب أقوام عن عيشه, وسخطوا ما رضي له ربه, فأبعدهم الله وسحقهم.
يا ابن آدم: طأ الأرض بقدمك, فانها عن قليل قبرك, واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك. رحم الله رجلا نظر فتفكّر, وتفكّر فاعتبر, وأبصر فصبر, فقد أبصر أقوام ولم يصبروا, فذهب الجزع بقلوبهم, ولم يدركوا ما طلبوا, ولم يرجعوا الى ما فارقوا.
يا بن آدم! اذكر قول الله تعالى " وكلّ انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" , عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك. خذوا صفاء الدنيا وذروا طدرها, فليس الصفو ما عاد كدرا, ولا الكدر ما عاد صفوا. دعوا ما يريبكم الى مالا يريبكم, ظهر الجفاء, وقلّت العلماء, وعفت السنّ’, وشاعت البدعة, لقد صحبت أقواما ما كانت صحبتهم الا قرّة العين, وجلاء الصدور. ولقد رأيت أقواما لحسناتهم لأشفق من أن ترد عليهم منكم من سيئاتكم أن تعذبوا عليها, وكانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرّم الله عليكم منها.
مالي أسمع حسيسا, ولا أرى أنيسا! ذهب الناس, وبقي النسناس. لو تكاشفتم ما تدافنتم. تهاديتم الأطباق, ولم تتهادوا النصائح.
قال ابن الخطاب: رحم الله امرأ أهدى الينا مساوينا.
أعدّوا الجواب فانكم مسؤولون. المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه, ولكنه أخذه من قبل ربّه. ان هذا الحق قد جهد أهله, وحال بينهم وبين شهواتهم, وما يصبر عليه الا من عرف فضله ورجا عاقبته. فمن حمد الدنيا ذمّ الآخرة, وليس يكره لقاء الله الا مقيم على سخطه.
يا ابن آدم! الايمان ليس بالتحلي ولا بالتمني, ولكنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل.
قالوا عنه :
رجل هو الزهد، والزهد هو.
غير أنه لم يدرك النبي وإنما كان على درجة من الفطنة والزكاة، والخشية والإنابة والعقل والورع، والزهد والتقوى ما جعله يشبه الصحابة الكرام بل قال عنه علي بن زيد لو أدرك أصحاب رسول الله وله مثل أسنانهم ما تقدّموه.
قال عنه أحد العلماء: كان جائعاً عالماً عالياً رفيعاً فقيها ثقة مأموناً عابداً ناسكاً كبير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً.
قال عنه أحد الصحابة: لو أنه أدرك أصحاب رسول الله لاحتاجوا إلى رأيه.
كانت أمه خيرة مولاة لأم سلمة زوج النبي وكان مولده قبل نهاية خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بسنتين.
وكانت أمه تخرج إلى السوق أحياناً فتدعه عند أم سلمة فيصيح جوعاً فتلقمه أم سلمة ثديها لتعلله به، إلى أن تجيء أمه – وإذا برحمة الله تنزل على الثدي فيدر لبناً فيرضع الطفل حتى يرتوي.
فإذا هو يرتوي حكمة وفصاحة وتقى، فما إن شب صاحبنا إلا وينابيع الحكمة تنبع من لسانه وجمال الأسلوب ورصانة العبارة وفصاحة اللسان تتحدر من كلامه.
إنه الحسن بن أبي الحسن يسار، الإمام شيخ الإسلام أبو سعيد البصري المشهور بالحسن البصري، يقال: مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى جميل بن قطبة.
وأمه خيرة مولاة أم سلمة، نشأ إمامنا في المدينة النبوية وحفظ القرآن في خلافة عثمان. وكانت أمه وهو صغير تخرجه إلى الصحابة فيدعون له، وكان في جملة من دعا له عمر بن الخطاب.
قال: اللهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس.
فكان الحسن بعدها فقيهاً وأعطاه الله فهماً ثابتاً لكتابه وجعله محبوباً إلى الناس.
فلازم أبا هريرة وأنس بن مالك وحفظ عنهم أحاديث النبي ، فكان كلما سمع حديثاً عن المصطفى ازداد إيماناً وخوفاً من الله.
إلى أن أصبح من نساك التابعين ومن أئمتهم ومن وعاظهم ودعاتهم، وصار يرجع إليه في مشكلات المسائل وفيما اختلف فيه العلماء، فهذا أنس بن مالك ، سُئل عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن، قالوا: يا أبا حمزة نسألك، تقول: سلوا الحسن؟ قال: سلوا مولانا الحسن. فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا.
وقال أنس بن مالك أيضاً: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين الحسن البصري ومحمد بن سيرين.
وقال قتادة: وما جالست رجلاً فقيهاً إلا رأيت فضل الحسن عليه، وكان الحسن مهيباً يهابه العلماء قبل العامة، قال أيوب السختياني: كان الرجل يجالس الحسن ثلاث حجج (سنين) ما يسأله عن مسألة هيبة.
وكان الحسن البصري إلى الطول أقرب، قوي الجسم، حسن المنظر، جميل الطلعة مهايباً.
قال عاصم الأحول: قلت للشعبي: لك حاجة؟ قال: نعم، إذا أتيت البصرة فأقرئ الحسن مني السلام، قلت: ما أعرفه، قال: إذا دخلت البصرة فانظر إلى أجمل رجل تراه في عينيك وأهيبه في صدرك فأقرئه مني السلام، قال فما عدا أن دخل المسجد فرأى الحسن والناس حوله جلوس فأتاه وسلّم عليه.
وكان الحسن صاحب خشوع وإخبات ووجل من الله، قال إبراهيم اليشكري: ما رأيت أحداً أطول حزناً من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة.
وقال علقمة بن مرثد: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، فأما الحسن بن أبي الحسن البصري. فما رأينا أحداً من الناس كان أطول حزناً منه، وكان يقول أي الحسن: نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا.
فقال: لا أقبل منكم شيئاً، ويحك يا ابن آدم، هل لك بمحاربة الله طاقة؟ إن من عصى الله فقد حاربه، والله لقد أدركت سبعين بدرياً، لو رأيتموهم قلتم مجانين، ولو رأوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب.
قال مطر الوراق: الحسن كأنه رجل كان في الآخرة ثم جاء يتكلم عنها، وعن أهوالها. فهو بخبر عما رأي وعاين.
وقال حمزة الأعمى: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي، وربما جئت إليه وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه فقلت له يوماً: إنك تكثر البكاء، فقال: يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة. فإن استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل، لعله تعالى أن يرحمك.
ثم ناد الحسن: بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار.
وقال حكيم بن جعفر قال لي من رأى الحسن: لو رأيت الحسن لقلت: قد بث عليه حزن الخلائق، من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك النشيج.
قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهماً.
وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي. لله ما أطهر هذه القلوب، ولله ما أزكى هذه النفوس، بالله عليك قل لي: هل أرواحهم خلقت من نور أم أطلعوا على الجنة وما فيها من الحور أو عايشوا النار وما فيها من الدثور أم إنه الإيمان يكسى ويحمل فيكون كالنور نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.
وكان الحسن البصري صاحب مواعظ وتذكير، ولكلامه أثر في النفوس وتحريك للقلوب.
قال الأعمش: ما زال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها.
وكان أبو جعفر الباقي إذا ذكره يقول: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء.
ومن كلامه رحمه الله:
روى الطبراني عنه أنه قال: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، رجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة.
يقول أحدهم: إني لحسن الظن بالله وأرجو رحمة الله، وكذب، ولو أحسن الظن بالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة، يوشك من دخل المفازة (الصحراء) من غير زاد ولا ماء أن يهلك.
عن حميد قال: بينما الحسن في المسجد تنفس تنفساً شديداً ثم بكى حتى أرعدت منكباً ثم قال: لو أن بالقلوب حياةً، لو أن بالقلوب صلاحاً لأبكتكم من ليلةٍ صبيحتها يوم القيامة، إن ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر من عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة.
وجاء شاب إلى الحسن فقال: أعياني قيام الليل (أي حاولت قيام الليل فلم استطعه)، فقال: قيدتك خطاياك.
وجاءه آخر فقال له: إني أعصي الله وأذنب، وأرى الله يعطيني ويفتح علي من الدنيا، ولا أجد أني محروم من شيء فقال له الحسن: هل تقوم الليل فقال: لا، فقال: كفاك أن حرمك الله مناجاته.
وكان يقول: من علامات المسلم قوة دين، وجزم في العمل وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحسن في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة (جوع) وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة.
لا ترديه رغبته ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يقلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نغيته.
وقال له رجل: إن قوماً يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلاً (أي يتصيدون الأخطاء).
فقال: هون عليك يا هذا، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطعمتها في النجاة من النار، فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟
وسُئل الحسن عن النفاق فقال: هو اختلاف السر والعلانية، والمدخل والمخرج، ما خافه إلا مؤمن (أي النفاق) ولا أمنة إلا منافق، صدق من قال: إن كلامه يشبه كلام الأنبياء.
توفي الإمام الحسن البصري وعمره 88 سنة عام عشر ومائة في رجب منها. بينه وبين محمد سيرين مائة يوم.
وفاته:
وتوفي بالبصرة مستهل رجب سنة عشر ومائة رضي الله عنه وكانت جنازته مشهودة قال حميد الطويل توفي الحسن عشية الخميس وأصبحنا يوم الجمعة ففرغنا من أمره وحملناه بعد صلاة الجمعة ودفناه فتبع الناس كلهم جنازته واشتغلوا به فلم تقم صلاة العصر بالجامع ولا أعلم أنها تركت منذ كان الإسلام إلا يومئذ لأنهم تبعوا كلهم الجنازة حتى لم يبق بالمسجد من يصلي العصر وأغمي على الحسن عند موته ثم أفاق فقال لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم.
وقال رجل قبل موت الحسن لابن سيرين رأيت كأن طائرا أخذ أحسن حصاة بالمسجد فقال إن صدقت رؤياك مات الحسن فلم يكن إلا قليلا حتى مات الحسن.
ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما ثم توفي بعده بمائة يوم.
عنه أيضا:
عظيم أن يولد الإنسان في بيت تقى وصلاح ، وأعظم منه أن يكون البيت بيت علم وهداية ، فما بالك أخي القارئ لو كان البيت بيـًتا قرآنيـًا ، فيه القرآن تلي وقرأ ،وعلى أصحابه تنزل ، وما بالك لو كان البيت لإحدى أمهات المؤمنين ؟ هكذا ولد صاحب هذه الترجمة ، فقد كان مولده في بيت أم سلمة رضي الله عنها ، إذ كانت أمه مولاة لها ، وزاده قدر الله ميزة أخرى ، فلم يكن بيت أم سلمة رضي الله عنها مولده فحسب ، بل لقد كان حجرها غطاءه ، وصدرها سقاءه ، فأدفته بصدرها ، وأرضعته لبنها ، وشاء الله أن يدر له منها لبنـًا ، فكان لبنـًا مباركـًا ، غدى به ذرب اللسان ، قوي الحجة والبيان ، إن تحدث فجدير لأن يسمع له ، وإن سئل فجدير بأن يجيب ، إن وعظ علا صوته ، وجرى دمعه ، وبدا إخلاصه ، فيظهر على الناس الأثر ، يسبق فعله كلامه ، كما يسبق ضوء الفجر وهج الشمس .
أمور كثيرة هي التي منَّ الله عليه بها فرفع بين الناس ، وإن لم يكن ذا نسب رفيع ، لكنه رفعه علمه وفضله وتقاه ، طلب الحكام منه النصيحة فنصحهم ، والعظة فوعظهم ، وأعطوه أجرًا فرده وزجرهم ، فهو لا يريد من البشر أجرًا إنما كان شعاره " إن أجري إلا على الله "(هود/9) ، فنعم الأجر هو ، ونعم الرجل كان ، أتدري من هو صاحب هذه الترجمة ؟ إنه حليف الخوف والحزن ، أليف الهم والشجن ، إنه الحسن ،وما أدراك ما الحسن ؟* إنه الحسن البصري .
نسبه :
هو أبو سعيد ، الحسن بن أبي الحسن بن يسار ، كان أبوه مولى لزيد بن ثابت الأنصاري ، وكان يسار من سبي حسان ، سكن المدينة ، وأعتق وتزوج في خلافة عمر رضي الله عنه بأم الحسن وأسمها خيرة، كانت مولاة لأم المؤمنين أم سلمة المخزومية .
نشأته :
ولد الحسن رحمه الله لسنتين بقيتا من خلافه عمر رضي الله عنه وذهب به إلى عمر فحنكه ، ولما علمت أم المؤمنين أم سلمة بالخبر أرسلت رسولاً ليحمل إليها الحسن ، وأمه لتقضي نفاسها في بيت أم سلمة رضي الله عنها ، فلما وقعت عينها على الحسن وقع حبه في قلبها ، فقد كان الوليد الصغير قسيمـًا وسيمـًا ، بهي الطلعة ، تام الخلقة ، يملأ عين مجتليه ، ويأسر فؤاد رائيه ، ويسر عين ناظريه ، وسمته أم المؤمنين رضي الله عنها بالحسن ، ولم تكن البشرى لتقتصر على بيت أم سلمة رضي الله عنها فحسب ؛ بل عمت الفرحة دار الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه ، فهو مولى أبيه .
وكان كرم الله على الحسن أن نشأ في بيت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، وكانت أمه تتركه عند أم المؤمنين ، وتذهب لقضاء حوائجها ، فكان الحسن إذا بكى ألقمته أم المؤمنين ثديها ، فيدر عليه لبنـًا بأمر الله ، على الرغم من كبر سنها فضلا عن أنه لم يكن لها ولد وقتها ، فكانت أم سلمة رضي الله عنها أمـًا للحسن من جهتين : الأولى كونها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي أم له وللمؤمنين ، والثانية كونها أمـًا له من الرضاعة .
ولم يكن الحسن رضي الله عنه قاصرًا في نشأته على بيت أم سلمة رضي الله عنها فحسب ؛ بل كان يدور على بيوت أمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ ، وكان هذا داعيـًا لأن يتخلق الغلام الصغير بأخلاق أصحاب البيوت ، وكان هو يحدث عن نفسه ، ويخبر بأنه كان يصول ويجول في داخل بيوتهنَّ رضي الله عنهنَّ حتى أنه كان ينال سقوف بيوتهنَّ بيديه وهو يقفز فيها قفزًا .
زهده :
عاش الحسن رضي الله عنه دنياه غير آبه بها ، غير مكترث لها ، لا يشغله زخرفها ولا يغويه مالها ، فكان نعم العبد الصالح ، حليف الخوف والحزن ، أليف الهم والشجن، عديم النوم والوسن، فقيهـًا زاهدًا، مشمرًا عابدًا، وفي هذا يقول : إن المؤمن يصبح حزينـًا ويمسي حزينـًا وينقلب باليقين في الحزن، ويكفيه ما يكفي العنيزة، الكف من التمر والشربة من الماء، وقال عنه إبراهيم بن عيسى اليشكري : ما رأيت أحدًا أطول حزنـًا من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة، وقال عنه علقمة بن مرثد : انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين ، فمنهم الحسن .
ولقد شهد له أهل البصرة بذلك، حدث خالد بن صفوان، وكان من فصحاء العرب، فقال لقيت مسلمة بن عبد الملك فقال لي : أخبرني عن حسن البصرة ، فقال خالد : أنا خيرٌ من يخبرك عنه بعلم، فأنا جاره في بيته وجليسه في مجلسه وأعلم أهل البصرة به، إنه امرؤٌ سريرته كعلانيته ، وقوله كفعله، إذا أمر بمعروف كان أعمل الناس به ، وإذا نهى عن منكر كان أترك الناس له، ولقد رأيته مستغنيـًا عن الناس زاهدًا بما في أيديهم، ورأيت الناس محتاجين إليه طالبين ما عنده، فقال مسلمة : حسبك يا خالد حسبك ** كيف يضل قوم فيهم مثل هذا ؟**!!
الحسن والحكام :
لما كان الحسن رضي الله عنه قد طلّق الدنيا برمتها ، وقد رخصت في عينه، فقد هان عنده كل شيء، فلم يكن يعبأ بحاكم ظالم، ولا أمير غاشم، و لا ذي سلطة متكبر، بل ما كان يخشى في الله لومة لائم، ومن ذلك أن الحجاج كان قد بنى لنفسه قصرًا في " واسط " فلما فرغ منه نادى في الناس أن يخرجوا للفرجة عليه، وللدعاء له، فخرج الحسن، ولكن لا للدعاء، بل انتهازًا للفرصة حتى يذكر الناس بالله ويعظ الحجاج بالآخرة، فكان مما قال : ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه، وأن أهل الأرض غروه، ولما حذره أحد السامعين من بطش الحجاج رد عليه الحسن قائـلاً : لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس ولا يكتمونه، وفي اليوم التالي وجه الحجاج إلى الحسن بعض شرطه ثم أمر بالسيف والنطع( البساط من الجلد يوضع تحت المحكوم عليه بقطع الرأس)، فلما جاء الحسن أقبل على الحجاج وعليه عزة المسلم، وجلال المسلم، ووقار الداعية إلى الله، وأخذ يحرك شفتيه يدندن بكلام ويتمتم ببعض الحروف، فلما رآه الحجاج هابه أشد الهيبة، وما زال يقربه حتى أجلسه على فراشه، وأخذ يسأله في أمور الدين، ثم قال له : أنت سيد العلماء يا أبا سعيد، ثم طيبه وودعه، فتعجب الناس من صنيع الحجاج فقالوا : يا أبا سعيد ماذا قلت حتى فعل الحجاج ما فعل؟ وقد كان أحضر السيف والنطع، فقال الحسن : لقد قلت : يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي ، اجعل نقمته بردًا وسلامـًا علي كما جعلت النار بردًا وسلامـًا على إبراهيم .
وكتب إلى عمر بن عبد العزيز لما ولي كتابـًا جاء فيه : إن الدنيا دار مخيـفة ، إنما أهبط آدم من الجنة إليها عقوبة ، واعلم أن صرعتها ليست كالصرعة، من أكرمها يهن، ولها في كل حين قتيل، فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحه يصبر على شدة الدواء خيفة طول البلاء .
ودعاه يومـًا ابن هبيرة ،وكان يزيد بن عبد الملك قد ولي ابن هبيرة العراق وخراسان ، وكان مع الحسن الشعبي ،فسألهما ابن هبيرة في كتب تصل إليه من أمير المؤمنين فيها ما يغضب الله ؛فتكلم الشعبي فتلطف في الكلام، فلما تكلم الحسن زأر كالأسد ،وانطلق كالسهم ،وانقض كالسيف ، قائلاً : يا ابن هبيرة :خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أن الله يمنعك من يزيد، وأن يزيد لا يمنعك من الله، يا ابن هبيرة إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك هذا، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد، يا ابن هبيرة، إنك إن تك مع الله وفي طاعته، يكفك بائقة ( أذى ) يزيد، واعلم يا ابن هبيرة أنه لا طاعة لمخلوقٍ كائنـًا من كان في معصية الخالق .
مكانته العلمية وأسبابها :
كان رضي الله عنه جامعـًا، عالمـًا ، فقيهـًا ، ثقة ، حجة مأمونـًا فصيحـًا، ويعد الحسن رضي الله عنه سيد أهل زمانه علمـًا وعملاً، وأشدهم فصاحة وبيانـًا، وقد برع ـ رحمه الله ـ في الوعظ والتفسير براعة لا تفاق، حتى كان فارس الميدان، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها :
نشأته في بيت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، فقد رضع من ثديها، كما رضع منها علمـًا وفقهـًا .
قربه من بيوت أمهات المؤمنين ، فكان ذلك داعيـًا لأن يتعلم منهنَّ .
لزومه حلقة ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ، فقد أخذ عنه الفقه والحديث والتفسير والقراءات واللغة .
ولوعه بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فقد راعه فيه صلابته في الدين وإحسانه في العبادة، وزهده في الدنيا، وقوته في الفصاحة والبيان .
من روى عنهم :
وقد روى الحسن رضي الله عنه عن عدد كبير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هؤلاء :عمران بن حصين ، والمغيرة ، وعبد الرحمن بن سمرة ، والنعمان بن بشير ، وجابر ، وابن عباس ، وابن سريع ، وأنس ، كما رأى عثمان وطلحة، وكان يحدث هو فيقول أنه أدرك سبعين بدريـًا .
ما قيل فيه :
قال أبو بردة : ما رأيت أحدًا أشبه بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منه
وقال أبو قتادة : ما رأيت أحدًا أشبه رأيـًا بعمر منه .
وقال قتادة : ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد من العلماء إلا وجدت له فضلاً عليه ، وما جالست فقيهـًا قط إلا رأيت فضل الحسن .
وقال الأشعث : ما لقيت أحدًا بعد الحسن إلا صغر في عيني .
وقال عطاء : ذاك إمام ضخم يقتدى به .
من كلامه رضي الله عنه :
كان الحسن رضي الله عنه يتكلم بالحكمة ، قال أبو جعفر الباكر : إن كلامه أشبه بكلام الأنبياء ، وقال حماد بن زيد : سمعت أيوب يقول : كان الحسن يتكلم بكلام كأنه الدر ، وكان من كلامه :
- ابن آدم : إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك .
- فضح الموت الدنيا ، فلم يترك فيها لذي لب فرحـًا .
- ضحك المؤمن غفلة من قلبه .
من مواعظ الحسن البصري:
من مواعظ الحسن البصري رضي الله عنه كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: "إعلم أنّ التفكر يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما يفنى وإن كان كثيرا يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزا، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة الخاتلة التي قد تزينت بخدعها وغرت بغرورها وقتلت أهلها بأملها وتشوفت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلوة، العيون إليها ناظرة، والنفوس لها عاشقة، والقلوب إليها والهة ولألبابها دامغة وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي مُعتبر، ولا الآخر بما رأى من الأول مُزدجر، ولا اللبيب بكثرة التجارب منتفع.
فاحذرها الحذر كله فإنها مثل الحية لين ملمسها وسمها يقتل، فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما عانيت من فجائعها، وأيقنت به من فراقها، وشدد ما اشتد منها الرخاء ما يصيبك، وكن ما تكون فيها احذر ما تكون لها فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور له، أشخصته عنها بمكروه، وكلما ظفر بشيء منها وثنى رجلا عليه انقلبت به، فالسار فيها غار، والنافع فيها غدا خار، وصل الرخاء فيها بالبلاء، وجعل البقاء فيها إلى فناء، سرورها مشوب بالحزن، وءاخر الحياة فيها الضعف والوهن، فانظر اليها نظر الزاهد المفارق ولا تنظر نظر العاشق الوامق، واعلم أنها تزيل الثاوي الساكن وتفجع الغرور الآمن، لا يرجع ما تولى منها فأدبر ولا يدري ما هو ءات فيها ينتظر".
وقال رضي الله عنه: "إن الدنيا دار عمل من صحبها بالنقص لها والزهادة فيها سعد بها نفعته صحبتها، ومن صحبها على الرغبة فيها والمحبة لها شقي بها وأسلمته إلى ما لا صبر له عليه ولا طاقة له به من عذاب الله، فأمرها صغير ومتاعها قليل، والفناء عليها مكتوب، والله تعالى ولي ميراثها، وأهلها محولون عنها إلى منازل ومنها يخرجون، فاحذروا ذلك الموطن وأكثروا ذلك المنفلت، واقطع يا ابن ءادم من الدنيا أكثر همك، ولا تميل إلى الدنيا فترديك منازل سوء مفضية بأهلها إلى ندامة طويلة وعذاب شديد، فلا تكونن يا ابن ءادم مغترا، ولا تأمن ما لم يأتك الأمن منه فإن الهول الأعظم ومفظعات الأمور أمامك لم تخلص منها حتى الآن، ولا بد من ذلك المسلك وحضور تلك الأمور إما يعافيك من شرها وينجيك من أهوالها، وإما الهلكة وهي منازل مخوفة محذورة مفزعة للقلوب، فلذلك فاعدد ومن شرها فاهرب، ولا يلهينك المتاع القليل الفاني، ولا تربص بنفسك فهي سريعة الانتقام من عمرك فبادر أجلك، ولا تقل غدا غدا فإنك لا تدري متى إلى الله تصير فان الحجة لله بالغة، والعذر بارز، وكل مواف الله عمله، ثم يكون القضاء من الله في عباده على أحد أمرين: فمقضي له رحمته وثوابه فيا لها نعمة وكرامة، ومقضي سخطه وعقوبته فيا لها من حسرة وندامة، ولكن حق على من جاءه البيان من الله بأن هذا أمره هو واقع أن يصغر في عينيه ما هو عند الله صغير، وأن يعظم في نفسه ما هو عند الله عظيم".
رسائل مبكية من كلام الحسن البصري رحمه الله :
من الحسن البصري إلى كل ولد آدم
• يا ابن آدم عملك عملك فإنما هو لحمك و دمك فانظر على أي حال تلقى عملك .
• إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها :صدق الحديث ووفاء بالعهد و صلة الرحم و رحمة الضعفاء وقلة المباهاة للناس و حسن الخلق وسعة الخلق فيما يقرب إلى الله
• يا ابن آدم إنك ناظر إلى عملك غدا يوزن خيره وشره فلا تحقرن من الخير شيئا و إن صغر فإنك إذا رأيته سرك مكانه. ولا تحقرن من الشر شيئا فإنك إذا رأيته ساءك مكانه.
فإياك و محقرات الذنوب.
• رحم الله رجلا كسب طيبا و أنفق قصدا و قدم فضلا ليوم فقره و فاقته.
• هيهات .. هيهات ذهبت الدنيا بحال بالها وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم
• أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم و قد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون ؟!!
• يا ابن آدم بع دنياك بآخرتك .. تربحهما جميعا و لا تبيعن آخرتك بدنياك .. فتخسرهما جميعا.
• يا ابن آدم إنما أنت أيام ! كلما ذهب يوم ذهب بعضك فكيف البقاء ؟!
• لقد أدركت أقواما .. ما كانوا يفرحون بشئ من الدنيا أقبل و لا يتأسفون على شئ منها أدبر لهي كانت أهون في أعينهم من التراب فأين نحن منها الآن ؟!
• إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه يقول : ما أردت بكلمتي ؟ يقول : ما أردت بأكلتي ؟
يقول : ما أردت بحديث نفسي ؟ فلا تراه إلا يعاتبها
• أما الفاجر :نعوذ بالله من حال الفاجر.فإنه يمضي قدما و لا يعاتب نفسه .. حتى يقع في حفرته وعندها يقول : يا ويلتى يا ليتني .. يا ليتني .. و لات حين مندم !!!
• يا ابن آدم إياك و الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة و ليأتين أناس يوم القيامة
بحسنات أمثال الجبال فما يزال يؤخذ منهم حتى يبقى الواحد منهم مفلساً
ثم يسحب إلى النار ؟
• يا ابن آدم إذا رأيت الرجل ينافس في الدنيا..فنافسه في الآخرة
• يا ابن آدم نزّه نفسك فإنك لا تزال كريما على الناس و لا يزال الناس يكرمونك ..
ما لم تتعاط ما في أيديهم فإذا فعلت ذلك : استخفّوا بك و كرهوا حديثك و أبغضوك
• أيها الناس:أحبّوا هونا و أبغضوا هونا فقد أفرط أقوام في الحب..حتى هلكوا
و أفرط أقوام في البغض ..حتى هلكوا .
• أيها الناس لو لم يكون لنا ذنوب إلا حب الدنيا لخشينا على أنفسنا منها إن الله عز وجل يقول :{تريدون عرض الدنيا و الله يريد الآخرة }( الأنفال : 67 ) فرحم الله امرءاً ..أراد ما أراد الله عزّ و جلّ .
• أيها الناس لقد كان الرجل إذا طلب العلم : يرى ذلك في بصره و تخشّعه و لسانه ويده
وصلاته و صلته وزهده أما الآن .. !! فقد أصبح العلم ( مصيدة ) و الكل يصيد أو يتصيد إلا من رحم ربك و قليل ما هم.
• توشك العيـن تغيـض و البحيرات تجفّ.
بعضنا يصطاد بعضاً و الـشباك تختلف.
ذا يجئ الأمر رأسـا ذا يدور أو يلف.
و الصغير قد يعــف و الكبير لا يعف.
و الإمام قد يســــــف والصغير لا يسف.
و الثياب قد تصــــون و الثياب قد تشف .
و البغي قد تـــــداري سمــها و تلتـــحف.
و الشتات لا يزال .. يأتلف و يختلف .
و الخطيب لا يزال .. بالعقول يستخف .
و القلـــوب لا تزال.. للشمال تنحرف .
و الصغير بات يدري.. كيف تؤكل الكتف .
لا تخادع يا صـديقي بالحقيقة اعتـــرف.
• لقد رأيت أقواما..كانت الدنيا أهون عليهم من التراب و رأيت أقواما ..يمسي أحدهم و ما يجد إلا قوتا فيقول : لا أجعل هذا كله في بطني ! لأجعلن بعضه لله عز وجل !
فيتصدق ببعضه وهو أحوج ممن يتصدق به عليه !
• يا قوم إن الدنيا دار عمل من صحبها بالنقص لها و الزهادة فيها سعد بها و نفعته صحبتها .ومن صحبها على الرغبة فيها و المحبة لها شقي بها . و لكن أين القلوب التي تفقه ؟ و العيون التي تبصر ؟ والآذان التي تسمع ؟
• أين منكم من سمع ؟!! لم أسمع الله عزّ و جلّ.. فيما عهد إلى عباده و أنزل عليهم في كتابه : رغب في الدنيا أحدا من خلقه و لا رضي له بالطمأنينة فيها و لا الركون إليها
بل صرّف الآيات و ضرب الأمثال : بالعيب لها و الترغيب في غيرها
• أفق يا مغرور تنشط للقبيح و تنام عن الحسن و تتكاسل إذا جدّ الجد !!!
• القلب ينشط للقبيح .. وكم ينام عن الحسن
يا نفس ويحك ما الذي .. يرضيك في دنيا العفن ؟!
أولى بنا سفح الدموع .. و أن يــجلبــبنا الحـــزن
أولى بنا أن نرعــوي أولى بنا لبس ( الكفــــن)
أولى بنا قتل ( الهوى ) في الصدر أصبح كالوثن
فأمامنا سفر طويل .. بــــعده يأتــــي الســــكن
إما إلى ( نار الجحيم ) .. أو الجنان : ( جنان عدن )
أقسمت ما هذي الحياة.. بها المقام أو ( الوطـــن)
فلم التلوّن و الخداع ؟ لم الدخول على ( الفتن ) ؟!
يكفي مصانعة الرعاع .. مع التقلـــب في المحن
تبا لهم مــن مــــعشر ألفوا معاقرة ( النــــتن)
بينا يدبّر للأمــــــين أخو الخيانة ( مؤتمن ) !
تبا لمن يتمـــــــلقون و ينطوون على ( دخن )
تبا لهم فنفـــــــــاقهم قد لطّخ ( الوجه الحسن)
تبا لمن باع ( الجنان ) لأجـــــل ( خضراء الدمن)
• أفيقوا يا أهل الغفلة فالقافلة قد تحركت و عند الصباح ..و يحمد القوم السّرى
{أفأمن أهل القرى أن يأتيها بأسنا بياتاّ وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } ( الأعراف : 97-99)
• لا يزداد المؤمن صلاحا..إلا ازداد خوفا حتى يقول : لا أنجو ! أما الفاسق فيقول : الناس مثلي كثير و سيغفر لي ، و لا بأس علي ، فرحمة الله واسعة والله غفور رحيم !
أكمل يا مغرور ولا تقل : فويل للمصلين ! {قال عذابي أصيب به من أشاء و رحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة و الذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } ( الأعراف : 156-157)
واقرأ يا مغرور ! { إن رحمة الله قريب من المحسنين } ( الأعراف : 56 )
و اقرأ يا مغرور : { و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحاً ثم اهتدى }( طه : 82 ) و اقرأ يا مغرور : { فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم } ( غافر : 7 ) و لكن الفاسق المغرور يخدع نفسه فيؤجل العمل و يتمنى على الله تعالى.
• تباً لطلاب الدنيا وهي دنيا !!! و الله لقد عبدت بنو إسرائيل الأصنام بعد عبادتهم للرحمن و ذلك بحبهم للدنيا
• و الله ما صدّق عبد بالنار..إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت و إن المنافق المخدوع :لو كانت النار خلف هذا الحائط لم يصدق بها ..حتى يتهجم عليها فيراها !
• القلوب .. القلوب إن القلوب تموت و تحيا فإذا ماتت : فاحملوها على الفرائض
فإذا هي أحييت : فأدبوها بالتطوع .
• المؤمن !!! ما المؤمن ؟ و الله ما المؤمن بالذي يعمل شهراً أو شهرين أو عاماً
أو عامين لا و الله ما جعل الله لمؤمن أجلا .... ( دون الموت )
• الذنوب و هل تتساوى الذنوب؟ إن الرجل ليذنب الذنب فما ينساه وما يزال متخوفا منه أبدا حتى يدخل الجنة
• الدنيا .. وهموم الدنيا و التحسر على ما فات يجعل الحسرة حسرات.
• إن المؤمن إذا طلب حاجة فتيسرت ..قبلها بميسور الله عزّ و جلّ و حمد الله تعالى عليها و إن لم تتيسر .. تركها و لم يتبعها نفسه
• ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير و ليس ذلك لأحد إلا المؤمن إن أصابته سراء شكر: فكان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر : فكان خيرا له ) .
• نعمت الدار كانت ( الدنيا ) للمؤمن و ذلك أنه عمل قليلاً و أخذ زاده منها إلى ( الجنة ) .و بئست الدار كانت للكافر و المنافق ذلك أنه تمتع ( ليالي ) و كان زاده منها إلى ( النار ) .{ فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }( آل عمران : 185 )
• إن المؤمن قوّام على نفسه يحاسب نفسه لله عزّ و جلّ و إنما خفّ الحساب يوم الحساب ..على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا و إنما شق الحساب ..على قوم أخذوها من غير محاسبة .
• يا قوم تصبروا و تشددوا فإنما هي ليالٍ تعد و إنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب فيذهب به و لا يلتفت فانقلبوا بصالح الأعمال .
• إن هذا الحق قد أجهد الناس و حال بينهم وبين شهواتهم و إنما صبر على الحق :
من عرف فضله و رجا عاقبته.
• أفق يا مغرور من غفلتك و ابك على خطيئتك.إذا خاف ( الخليل ) ..و خاف ( موسى ) ..كذا خاف ( المسيح ) ..و خاف ( نوح ) ..وخاف ( محمد) خير البرايا
فمالي لا أخاف و لا أنوح ؟!
• و يحك يا ابن آدم هل لك بمحاربة الله طاقة ؟! إنه من عصى ربه فقد حاربه !
• يا هذا أدم الحزن على خير الآخرة لعله يوصلك إليك .وابك في ساعات الخلوة
لعل مولاك يطلع عليك فيرحم عبرتك فتكون من الفائزين .
• يا هذا رطّب لسانك بذكر الله وندّ جفونك بالدموع ..من خشية الله فوالله ما هو إلا حلول القرار :في الجنة أو النار ليس هناك منزل ثالث من أخطأته الرحمة صار و الله إلى العذاب .
• السنة .. السنة وطّنوا النفوس على حبها وتعظيمها و الحنين إليها فقد جاء في الأثر :
لما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ..حنّت الجذع ..كما يحنّ الفصيل إلى أمه
و بكت بكاء الصبي !! يا عباد الله ! الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
شوقاً إليه !فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه .
• و اعلم يا هذا أن خطاك خطوتان : خطوة لك و خطوة عليك فانظر أين تغدو ؟
و أين تروح ؟
• الموت .. الموت { كل نفس ذائقة الموت } ( آل عمران : 185 ) ( الأنبياء : 35 ) ( العنكبوت : 57 ) يحق لمن يعلم : أن الموت مورده و أن الساعة موعده
و القيام بين يدي الله تعالى مشهده يحق له أن يطول حزنه .
• يا هذا صاحب الدنيا بجسدك وفارقها بقلبك و ليزدك إعجاب أهلها بها ..زهدا فيها
و حذرا منها فإن الصالحين كانوا كذلك .
• { كل نفس ذائقة الموت } فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب فرحا .
• و اعلم يا هذا أن المؤمن في الدنيا كالغريب لا يأنس في عزها و لا يجزع من ذلها
للناس حال و له حال .
• و احذر ( الهوى ) فشرُ داء خالط القلب : الهوى
• و احرص على العلم و أفضل العلم : الورع و التوكل
• و اعلم أن العبد لا يزال بخير ما إذا قال.. قال لله و إذا عمل .. عمل لله
• واعلم أن أحب العباد إلى الله ..الذين يحببون ( الله ) إلى عباده و يعملون في الأرض نصحا .
• و احذر الرشوة فإنها إذا دخلت من الباب ..خرجت الأمانة من النافذة
• و احذر الدنيا فإنه قلّ من نجا منها وليس العجب لمن هلك ..كيف هلك ؟
و لكن العجب لمن نجا ..كيف نجا ؟! فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة و إلا فإني لا أخالك ناجيا .ورغم هذا فالدنيا كلها : أولها و آخرها ما هي إلا كرجل نام نومة
فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه !!!
• كيف نضحك ؟ و لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا فقال : لا أقبل منكم !!
• يا هذا بع دنياك بآخرتك ..تربحهما جميعا .و لا تبع آخرتك بدنياك .. فتخسرهما جميعا .
• يا هذا كفى بالموت واعظا و رب موعظة دامت ساعة ثم تنقضي و خير موعظة ما دام أثرها
• نراع إذا ( الجنائز ) قابلتنا و يحزننا بكاء الباكيات كروعة ثلة لمغار سبع
فلما غاب : عادت راتعات !!
وفاته رضي الله عنه :
في العام العاشر بعد المائة الأولى وفي غرة رجب ليلة الجمعة وافقت المنية الحسن رضي الله عنه ،فلما شاع الخبر بين الناس ارتجت البصرة كلها رجـًا لموته رضي الله عنه ، فغسل وكفن ، وصلى عليه في الجامع الذي قضى عمره فيه ؛داعيـًا ومعلمـًا وواعظـًا ، ثم تبع الناس جنازته بعد صلاة الجمعة ، فاشتغل الناس في دفنه ولم تقم صلاة العصر في البصرة لانشغال الناس بدفنه .
رحم الله أبا سعيد ، وتقبله في الصالحين ، وجمعنا الله به في دار كرامته