شبكه الطريقه القادريه الكباشيه
الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 829894
ادارة المنتدي الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 103798
شبكه الطريقه القادريه الكباشيه
الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 829894
ادارة المنتدي الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 103798
شبكه الطريقه القادريه الكباشيه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شبكه الطريقه القادريه الكباشيه

منتدي تعريف بسيره وكتب الشيخ إبراهيم الكباشي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
>الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Rufaai10 منتدي الشيخ ابرهيم الكباشي توثيق لحياة مليئه بالعلم والتصوف والجهاد يحتوي علي كتبه واقواله وسيرته ومدائحه >الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Rufaai10"

 

 الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 4:00 pm


ذكر اختصاصه برد الشمس عليه
عن الحسن بن علي قال كان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر علي وهو يوحى اليه فلما سري عنه قال: يا علي صليت العصر? قال: لا. قال. اللهم إنك تعلم أن كان في حاجتك وحاجة نبيك فرد عليه الشمس. فردها عليه فصلى وغابت الشمس. خرجه الدولابي قال. وقال علماء الحديث وهو حديث موضوع ولم ترد الشمس لأحد وإنما حبست ليوشع بن نون. وقد خرجه الحاكمي عن أسماء بنت عميس ولفظه. قالت كان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر علي فكره أن يتحرك حتى غابت الشمس فلم يصل العصر ففزع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له علي أنه لم يصل العصر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عز وجل أن يرد الشمس عليه فأقبلت الشمس لها خوار حتى ارتفعت قدر ما كانت في وقت العصر قال: فصلى ثم رجعت. وخرج أيضا عنها: أن علي بن أبي طالب دفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوحى الله اليه أن يجلله بثوب فلم يزل كذلك إلى أن أدبرت الشمس، يقول: غابت أو كادت تغيب ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم سري عنه فقال: أصليت يا علي? قال: لا قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم رد الشمس على علي فرجعت الشمس حتى بلغت نصف المسجد.
ذكر اختصاصه بادخال النبي صلى الله عليه وسلم إياه معه في ثوبه يوم توفي واحتضانه إياه إلى أن قبض
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما حضرته الوفاة ادعو الى حبيبي، فدعوا له أبا بكر فنظر إليه ثم وضع رأسه ثم قال: ادعوا لي حبيبي فدعوا له عمر فلما نظر اليه وضع رأسه ثم قال: ادعوا لي حبيبي. فدعوا له علياً فلما رآه أدخله معه في الثوب الذي كان عليه فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه. أخرجه الرازي.
ذكر اختصاصه بأقربية العهد به يوم مات
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: عدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة بعد غداة يقول: جاء علي?- مراراً- وأظنه كان بعثه لحاجة فجاء بعد فظننت أن له حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب فكنت من أدناهم إلى الباب فأكب عليه علي فجعل يساره ويناجيه ثم قبض من يومه ذلك صلى الله عليه وسلم فكان من أقرب الناس به عهداً. أخرجه أحمد.
ذكر قدم اختصاصه بتزويج فاطمة عليها السلام
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني. قال: وما ذاك? قال: تزوجني فاطمة. قال: فسكت عنه قال: فرجع أبو بكر إلى عمر فقال هلكت وأهلكت، قال: وما ذاك? قال: خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأعرض عني. قال: مكانك حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأطلب مثل الذي طلبت فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه، فقال: يا رسول الله، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني، قال: وما ذاك? قال تزوجني فاطمة، فسكت عنه فرجع إلى أبي بكر، فقال إنه ينتظر أمر الله بها، قم بنا إلى علي حتى نأمره يطلب مثل الذي طلبنا، قال علي: فأتياني وأنا أعالج فسيلا لي، فقالا إنا جئناك من عند ابن عمك بخطبة، قال علي فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقعدت بين يديه، فقلت يا رسول الله، قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وإني وإني، قال: وما ذاك? قلت تزوجني فاطمة، قال: وما عندك? قلت. فرسي وبزتي، قال: أما فرسك فلا بد لك منها وأما بزتك فبعها قال: فبعتها بأربعمائة وثمانين، قال: فجئت بها حتى وضعتها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض منها قبضة، فقال. أي بلال ابغنا بها طيباً وأمرهم أن يجهزوها، فحمل لها سريراً مشرطاً بالشرط ووسادة من أدم حشوه ليف، وقال لعلي: إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك. فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وأنا في جانب، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ها هنا أخي قالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته ابنتك، قال: نعم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فقال لفاطمة: ائتني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فأتت به بماء فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ومج فيه ثم قال: تقدمي فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها، وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال لها: أدبري فأدبرت فصب بين كتفيها وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بماء قال علي فعلمت الذي يريد فقمت فملأت القعب ماء وأتيته به فأخذه ومج فيه ثم قال تقدم فصب على رأسي وبين ثديي ثم قال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم، ثم قال: أدبر فأدبرت فصب بين كتفي وقال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ثم قال لعلي: ادخل بأهلك بسم الله والبركة. أخرجه أبو حاتم وأخرجه أحمد في المناقب من حديث أبي يزيد المدائني وقال: فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي لا تقرب امرأتك حتى آتيك فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بماء فقال فيه ما شاء الله أن يقول ثم نضح منه على وجه. ثم دعا فاطمة فقامت إليه تعثر في ثوبها وربما قال في مرطها من الحياء فنضح عليها أيضاً وقال لها: إني لم آل أن أنكحك أحب أهلي إلي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سواداً وراء الباب. فقال: من هذا? قالت أسماء، قال: أسماء بنت عميس. قالت نعم قال: أمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم جئت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت نعم فدعا لي دعاء إنه لأوثق عملي عندي، قال ثم خرج ثم قال لعلي: دونك أهلك ثم ولي في حجرة فما زال يدعو لهما حتى دخل في حجرته وأخرج عبد الرزاق في جامعه من هذا الحديث عن عكرمة قال: لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم علياً فاطمة، قال لها: ما ألوت أن أنكحك أحب أهلي إلي. وأخرج الدولابي جملة معنا عن أسماء بنت عميس وقدم فيه علياً في النضح والدعاء كما تقدم عن احمد، وقال ثم قال لأم أيمن ادعي لي فاطمة، فجاءت وهي خرقة من الحياء، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكني فقد أنكحتك أحب أهل بيتي إلي. ثم نضح صلى الله عليه وسلم عليها ودعا لها ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى سواداً بين يديه فقال: من هذا? قالت أنا، قال: أسماء بنت عميس?. قلت نعم، قال: جئت في زفاف بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تكرمينه?. قلت نعم، فدعا لي.
شرح الفسيل- الودي الصغار، والجمع- فسلان. والنضح الرش. ونضح البيت رشه. والخرقة. المستحية من الخرق بالتحريك أي الدهش من الخوف والحياء تقول منه خرق بالكسر فهو خرق.

وعن أنس رضي الله عنه قال: لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة قال: يا أم أيمن زفي ابنتي إلى علي ومريه أن لا يعجل عليها حتى آتيها. فلما صلى العشاء أقبل بركوة فيها ماء فتفل فيها ما شاء الله وقال: اشرب يا علي وتوضأ، واشربي يا فاطمة وتوضئي. ثم أجاف عليهما الباب فبكت فاطمة، فقال: ما يبكيك? وقد زوجتك أقدمهم إسلاماً وأحسنهم خلقا? أخرجه أبو الخير الحاكمي.
وعن بريدة، رضي الله عنه. قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة، فخطبها علي فزوجها. أخرجه أبو حاتم والنسائي.
وعن جابر رضي الله عنه قال: حضرنا عرس علي فما رأيت عرسا كان أحسن منه، حشونا البيت طيبا وأتينا بتمر وزيت فأكلنا وكان فراشهما ليلة عرسهما إهاب كبش. أخرجه أبو بكر بن فارس.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بعلي قالت: يا رسول الله زوجتني برجل فقير لا شيء له. فقال صلى الله عليه وسلم: أما ترضين يا فاطمة? إن الله اختار من أهل الأرض رجلين جعل أحدهما أباك، والآخر بعلك. أخرجه الملاء في سيرته.

ذكر أن تزويج فاطمة من علي كان بأمر الله عز جل ووحي منه
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر لم ينزل القضاء بعد ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول له مثل قوله لأبي بكر، فقيل لعلي لو خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة لخليق أن يزوجكها، قال: وكيف وقد خطبها أشرف قريش فلم يزوجها قال: فخطبها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: قد أمرني ربي عز وجل بذلك قال أنس: ثم دعاني النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام فقال لي يا أنس اخرج وادع لي أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب؛ وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة، والزبير، وبعدة من الأنصار قال فدعوتهم فلما اجتمعوا عنده صلى الله عليه وسلم وأخذوا مجالسهم وكان علي غائبا في حاجة النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوي من عذابه وسطواته، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وإن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سبباً لاحقاً، وأمرا مفترضا أو شج به الأرحام وألزم الأنام، فقال عز من قائل "وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وظهراً وكان ربك قديرا" فأمر الله تعالى يجري إلى قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب، يمحو الله ويثبت وعنده أم الكتاب، ثم إن الله عز وجل أمرني أن أزوج فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب فاشهدوا أني قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك علي بن أبي طالب. ثم دعا بطبق من بسر فوضعه بين أيدينا ثم قال: انهبوا فنهبنا، فبينا نحن ننتهب إذ دخل علي على النبي صلى الله عليه وسلم فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه ثم قال: إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة: على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذلك. فقال: قد رضيت بذلك يا رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: جمع الله شملكما، وأسعد جدكما، وبارك عليكما وأخرج منكما كثيراً طيبا. قال أنس: فوالله لقد أخرج منهما كثيراً طيبا. أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي.
شرح- أو شج به الأرحام: أي شبك بعضها في بعض. يقال: رحم واشجة أي مشتبكة. وعنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فغشيه الوحي، فلما أفاق قال تدري ما جاء به جبريل? قلت الله ورسوله أعلم. قال: أمرني أن أزوج فاطمة من علي، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وبعدة من الأنصار. ثم ذكر الحديث بتمامه وقال: وشج به الأرحام وقال: فلما أقبل علي قال له؛ يا علي: إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، وقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة أرضيت? قال: رضيت يا رسول الله، قال ثم قام علي فخر ساجداً شاكراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: جعل الله منكما الكثير الطيب، وبارك الله فيكما. قال أنس: فوالله لقد أخرج منهما الكثير الطيب أخرجه أبو الخير أيضاً.

وعن عمر وقد ذكر عنده علي قال: ذاك صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تزوج فاطمة ابنتك من علي، أخرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر أن الله زوج فاطمة عليا بمشهد من الملائكة
عن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، إذ قال صلى الله عليه وسلم لعلي هذا جبريل يخبرني أن الله عز وجل زوجك فاطمة، وأشهد على تزويجك أربعين ألف ملك، وأوحى إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدر والياقوت فنثرت عليهم الدر والياقوت، فابتدرت إليه الحور العين يلتقطن من أطباق الدر والياقوت، فهم يتهادونه بينهم إلى يوم القيامة. أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر اختصاصه بإعطائه الراية يوم خيبر وبفتحها
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأعطين الراية غداً رجلا يفتح الله على يديه. قال قبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب? قالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله، قال: فأرسلوا إليه فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرىء حتى كأن لم يكن به وجع؛ وأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال: ابتديء على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً، خير لك من أن يكون لك حمر النعم. أخرجاه وأبو حاتم.
شرح- قوله يدوكون- أي يخوضون ويموجون- وقوله: ابتدىء على رسلك- أي امض على مؤدتك كما تقول على هينتك- وحمر النعم- أفخرها عند العرب ويجوز أن يكون المراد والله أعلم يكون لك حمر النعم فتنفقها في سبيل الله، وهداية رجل على يديك أفضل لك من ذلك، لأن يملكها ويقتنيها، إذ لا فضل في ذلك إلا زينة الدنيا، ولا تعدل وإن عظمت شيئاً من ثواب الآخرة، وهكذا كلما ورد نحو خير من الدنيا، وما فيها: خير مما طلعت عليه الشمس والله أعلم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأدفعن الراية اليوم إلى رجل يحب الله ورسوله فتطاول القوم فقال: أين علي? فقالوا: يشتكي عينه، فدعاه فبزق في كفيه ومسح بهما عين علي ثم دفع إليه الراية ففتح الله عليه. أخرجه أبو حاتم. وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله عليه. قال عمر: فما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فتشارفت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فأعطاه إياها وقال امش ولا تلتفت فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ رسول الله، فقال علي: علام أقاتل? فقال صلى الله عليه وسلم: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل. أخرجه مسلم وأبو حاتم بتغيير بعض اللفظ.
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان علي قد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان به رمد فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علي فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما كانت الليلة التي فتحها الله في صباحها قال صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله أو قال: يحب الله ورسوله، يفتح الله عليه فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا هذا علي، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الله عليه- أخرجاه.
وعنه قال: خرجنا إلى خيبر وكان عمي عامر يرتجز بالقوم وهو يقول:



والله لولا الله ما اهتـدينـا


ولا تصدقنا ولا صـلـينـا

ونحن عن فضلك ما استغنينا


فثبت الأقـدام إن لاقـينـا

وأنزلن سكينة عـلـينـا


فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا? قالوا عامر، فقال: غفر الله لك يا عامر وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل خصه إلا استشهد، قال عمر: يا رسول الله لو متعتنا بعامر.
فلما قدمنا خيبر خرج مرحب يخطر بسيفه وهو ملكهم وهو يقول:



قد علمت خيبر أني مرحب


شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلتهب


فنزل عامر فقال:


قد علمت خيبر أني عامـر


شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا بضربتين فوقع سيف مرحب في فرس عامر فذهب ليسفل له فوقع سيفه على نفسه فقطع أكحله فكان فيها نفسه وإذا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت يا رسول الله بطل عمل عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال هذا? قلت ناس من أصحابك، فقال صلى الله عليه وسلم: بل له أجره مرتين، ثم أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي فألقيته وهو أرمد فقال: لأعطين الراية اليوم رجلا يجب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فبصق في عينيه فبرىء وأعطاه الراية، وخرج مرحب فقال:


قد علمت خيبر أني عامـر


شاكي السلاح بطل مغامر
فقال علي:


أنا الذي سمتني أمي حـيدره


كليث غابات كريه المنظـره

أو فيهم بالصاع كيل السندره


قال فضربه ففلق رأسه فقتله وكان الفتح على يد علي بن أبي طالب. أخرجه أبو حاتم وقال هكذا روي في فرس عامر وإنما هو في عامر، وأخرجه مسلم بتغيير بعض لفظه، وأخرجه أحمد عن بريدة الأسلمي ولم يذكر فيه قصة عامر، وقال بعد قوله شاكي السلاح بطل مجرب:


أطعن أحياناً وحيناً أضرب
وقال فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على عاتقه حتى عض السيف فيها بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته، قال: وما ينام الناس مع علي حتى فتح الله له ولهم.
شرح- ألقيته: وجدته؛ وتلافيته تداركته- شاكي السلاح: وشائك السلاح بمعنى وهو الذي ظهرت حدته وشوكته- مغامر: المغامرة المباطشة، تقول غامره إذا باطشه وقاتله ولم يبال بالموت.
وقد تقدم ذكر ذلك في خصائص أبي بكر- والأكحل عرق في البدن يفصد ولا يقال عرق الأكحل- يسفل: التسفيل التصويب حيدرة: من أسماء الأسد.
وقد تقدم في ذكر اسمه- والليث اسم للأسد أيضاً- والغابات: جمع غاية وهي الأجمة من القصب، وغابة اسم موضع بالحجاز- والسندرة: مكيال ضخم كالقفقل، ويروي أكيلهم بالسيف كيل السندرة.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية وهزها ثم قال: من يأخذها بحقها فجاء فلان فقال أنا، فقال امض، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي كرم وجه محمد لأعطينها رجلا لا يفر: هاك يا علي فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر، وفدك، وجاء بعجوتها وقديدها. خرجه أحمد.
وعن بريدة رضي الله عنه قال: لما كان حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصن أهل خيبر أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء عمر بن الخطاب ونهض معه من نهض من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. فلما كان الغد تصادر بها أبو بكر وعمر فدعا علياً وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه من الناس من نهض، ثم ذكر قتل مرحب وقال: فما ينام آخر الناس حتى فتح الله لهم وله. أخرجه الغيباني والحافظ الدمشقي في الموافقات، وعنه قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له، ثم أخذه عمر من الغد فخرج ورجع ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح عليه.. فبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غداً، فلما أصبح صلى الله عليه وسلم قام قائماً فدعا باللواء والناس على مصافهم فدعا علياً وهو أرمد فتفل في عينه ودفعه إليه ففتح له، قال بريدة: وأنا ممن تطاول لها. أخرجه أحمد في المناقب.

وعن سلمة رضى الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق برايته وكانت بيضاء إلى بعض حصون خيبر فقاتل ورجع ولم يكن فتح وقد جهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه، ليس بفرار. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال: خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك. قال سلمة: فخرج والله بها يهرول هرولة وإنا خلفه أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن فاطلع عليه يهودي من رأس الحصن فقال من أنت? قال. أنا علي بن أبي طالب، قال: يقول اليهودي علوتم وما أنزل على موسى، أو كما قال، فما رجع حتى فتح الله على يديه. أخرجه ابن إسحاق.
وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود وقد طرح ترسه من يده فتناول علي باباً كان عند الحصن فترس به نفسه فلم يزل بيده حتى فتح الله عز وجل عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا ثامنهم نجتهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه. أخرجه أحمد. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن علي بن أبي طالب حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون فافتتحوها، وبعد ذلك لم يحمله أربعون رجلا وفي طريق ضعيف ثم اجتمع عليه سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب. أخرجهما الحاكمي في الأربعين.

ذكر اختصاصه بأنه وزوجته وابنيه أهل البيت
عن سعيد قال أمر معاوية سعدا أن يسب أبا تراب فقال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن يكون في واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وخلفه في بعض مغازيه فقال له علي: تخلفني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية. وذكر القصة: وسيأتي.
ولما نزلت هذه الآية، "فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة والحسن والحسين. وقال: اللهم هؤلاء أهلي. خرجه مسلم والترمذي.
وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. خرجه الترمذي، وقال حسن صحيح.
وعن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، قال: قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: يا عم لم كان صغو الناس إلى علي? فقال: يا ابن أخي إن علياً كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم وكان له من السطة في العشيرة والقدم في الإسلام والصهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم والفقه في السنة والنجدة في الحرب والجود في الماعون.
ولما نزل قوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وعلياً وحسناً وحسيناً في بيت أم سلمة، وقال اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً أخرجه القلعي ومعناه في الصحيح وستأتي أحاديث هذا الذكر مستوفاة في فضل أهل البيت من كتاب مناقب القرابة والذرية.
شرح- صغو الناس: أي ميلهم، قال أبو زيد: يقال صغوه معك بفتح الصاد وكسرها. وصغاة: أي ميله، تقول منه صغا يصغو ويصغي صغيا، وكذلك صغى بالكسر يصغا. السلطة: المتوسطة تقول: وسطت القوم أسطهم وسطا. وسطة أي توسطتهم وأشار والله أعلم إلى التمكن فيهم لأن من توسط شيئاً تمكن منه. والنجدة والشجاعة، تقول نجد الرجل بالضم فهو نجد ونجد وتجيدو تجيد وجمع نجد انجاد مثل يقظ وأيقاظ، وجمع نجيد نجد ونجداء ورجل ذو نجدة أي ذو بأس والرجس القذر، يطلق على العقاب والغضب كما في قوله تعالى "ويجعل الرجس على الذين لا يعلون" قال الفراء والرجز لغة فيه.

ذكر أن بيوته أوسط بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن سعيد بن عبيدة قال جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر له محاسن عمله ثم قال لعل ذلك يسوؤك قال نعم قال فأرغم الله أنفك ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله قال ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم قال لعل ذلك يسوؤك قال أجل قال فأرغم الله أنفك انطلق فاجهد على جهدك أخرجه البخاري والمخلص.
ذكر اختصاصه وزوجه وبنيه بأنه صلى الله عليه وسلم حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم
عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين أنا حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم. خرجه الترمذي.
وعن أبي بكر الصديق قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خيم خيمة وهو متكىء على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء الولادة.

ذكر اختصاصه بانتفاء الرمد عن عينيه أبداً بسبب تفل النبي صلى الله عليه وسلم فيهما
عن علي رضي الله عنه قال ما رمدت منذ تفل النبي صلى الله عليه وسلم في عيني أخرجه أحمد.
وعنه قال ما رمدت عيناي منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية. أخرجه أبو الخير القزويني.

ذكر اختصاصه بلبس لباس الشتاء في الصيف ولبس لباس الصيف في الشتاء لعدم وجدان الحر والبرد
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان أبي يسمر مع علي وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف فقيل له لو سألته فسأله فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر فقلت يا رسول الله إني أرمد العين قال فتفل في عيني وقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد. فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذ وقال: لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ليس بفرار. فتشوف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعطانيها. أخرجه أحمد.
ذكر اختصاصه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيه الراية فلا ينصرف حتى يفتح عليه
عن عمر بن حبشي قال خطبنا الحسن حين قتل علي فقال لقد فارقكم رجل إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعطيه الراية فلا ينصرف حتى يفتح عليه ما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه كان يرصدها لخادم لأهله أخرجه أحمد.
ذكر اختصاصه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعثه بالسرية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا ينصرف حتى يفتح عليه
عن الحسن أنه قال حين قتل علي لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون بعلم ولا أدركه الآخرون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه بالسرية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح عليه أخرجه أحمد وأبو حاتم ولم يقل بعلم وأخرجه الدولابي بزيادة ولفظه: لما قتل علي قام الحسن خطيبا فقال فتلتم والله رجلا في ليلة نزل فيها القرآن وفيها رفع عيسى بن مريم وفيها قتل يوشع فتى موسى والله ما سبقه أحد كان قبله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه بالسرية وذكر الحديث.
ذكر اختصاصه بتنويه الملك باسمه يوم بدر
عن أبي جعفر محمد بن علي قال نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان؛


لا سيف إلا ذو الفقار


ولا فتى إلا علـي
أخرجه الحسن بن عرفة العبدي.
شرح- ذو الفقار- اسم سيف النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو العباس: سمي بذلك لأنه كانت فيه حفر صغار- والفقرة الحفرة التي فيها.
قال أبو عبيد والمفقر من السيوف الذي فيه حزوز.

ذكر اختصاصه بحمله راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وفي المشاهد كلها
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان علي آخذاً راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، قال الحكم يوم بدر والمشاهد كلها. أخرجه أحمد في المناقب.
وعن علي عليه السلام قال: كسرت يد علي يوم أحد فسقط اللواء من يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوه في يده اليسرى، فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة أخرجه الحضرمي.

ذكر اختصاصه بكتابه كتاب الصلح يوم الحديبية
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان كاتب كتاب الصلح يوم الحديبية علي بن أبي طالب، قال عبد الرزاق قال معمر: فسألت عنه الزهري فضحك أو قال تبسم، وقال هو علي، ولو سألت هؤلاء لقالوا: هو عثمان يعني بني أمية، خرجه في المناقب والغساني.
ذكر اختصاصه يوم الحديبية بتهديد قريش ببعثه عليهم
عن علي عليه السلام قال: لما كنا يوم الحديبية؛ خرج لنا أناس من المشركين منهم سهيل بن عمر وناس من رؤساء المشركين، فقالوا يا رسول الله خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا فارددهم إلينا، فإن كان بهم فقه في الدين فسنفقهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف: على الدين، قد امتحن الله قلبه على الإيمان فقالوا: من هو يا رسول الله? وقال أبو بكر: من هو يا رسول الله? وقال عمر: من هو يا رسول الله، قال: هو خاصف النعل وكان أعطى علياً نعله يخصفها، ثم التفت علي إلى من عنده وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح.
ذكر اختصاصه بالقتال على تأويل القرآن كما قاتل النبي صلى الله عليه وسلم على تنزيله
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله قال أبو بكر أنا هو يا رسول الله، قال: لا قال عمر أنا هو يا رسول الله؛ قال: لا ولكن خاصف النعل وكان أعطى علياً نعله يخصفها؛ أخرجه أبو حاتم.
وعنه قال كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم يخرج علينا من بعض بيوت نسائه فقمنا معه فانقطعت نعله فخلف عليها علي يخصفها فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضينا معه ثم قام ننتظره وقمنا معه، فقال: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا ولكن خاصف النعل. قال فجئنا نبشره؛ قال وكأنه قد سمعه.
شرح- أصل الخصف الضم والجمع- وخصف النعل إطباق طاق على طاق، ومنه يخصفان عليهما من ورق الجنة.
وقوله استشرفنا أي تشوفنا وتطلعنا تقول استشرفت الشيء واستكشفته بمعنى وهو أن تضع يدك على حاجبك كالذي يستظل به من الشمس؛ حتى يتبين لك الشيء؛ حكاه الهروي.

ذكر اختصاصه بسد الأبواب الشارعة في المسجد إلا بابه
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب إلا باب علي، أخرجه الترمذي، وقال حديث غريب.
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال. كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد، قال فقال يوما سدوا هذه الأبواب إلا باب علي. قال فتكلم في ذلك أناس قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإني أمرت بسد هذه الأبواب إلا باب علي. فقال فيه قائلكم: وإني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته. أخرجه أحمد.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال لقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعمة زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر. أخرجه أحمد.
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال عمر: ثلاث خصال لعلي لأن يكون لي خصلة منهن أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم: تزويج فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وسكناه في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعطاء الراية يوم خيبر أخرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن عبد الله بن شريك عن عبد الله بن الرقم الكسائي قال خرجنا إلى المدينة زمن الجمل فلقينا سعد بن مالك فقال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي أخرجه أحمد.
قال السعدي: عبد الله بن شريك كذاب، وقال ابن حبان؛ كان غالياً في التشيع يروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات. وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس وجابر؛ وإنما الصحيح ما أخرج في الصحيحين عن أبي سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبقى باب في المسجد إلا سد، إلا باب أبي بكر. وإن صح الحديث عن علي أيضا حمل ذلك على حالين مختلفين توفيقاً بين الحديثين.

ذكر اختصاصه بالمرور في المسجد جنباً
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال علي بن المنذر. قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث? قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك. أخرجه الترمذي.
ذكر اختصاصه بأنه حجة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليا مقبلا فقال؛ يا أنس قلت؛ لبيك قال: هذا المقبل حجتي على أمتي يوم القيامة.
ذكر اختصاصه بأنه باب دار الحكمة
عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. أخرجه الترمذي وقال حسن غريب.
ذكر اهتصاصه بأنه باب دار العلم وباب مدينة العلم
عن علي عليه السلام قال: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا دار العلم وعلي بابها. أخرجه في المصابيح في الحسان، وأخرجه أبو عمر وقال: أنا مدينة العلم وزاد: فمن أراد العلم فليأته من بابه.
ذكر اختصاصه بأنه أعلم الناس بالسنة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: من أفتاكم بصوم عاشوراء? قالوا علي قالت؛ أما إنه أعلم الناس بالسنة. أخرجه أبو عمر.
ذكر اختصاصه بأنه أكبر الأمة علما وأعظمهم حلماً
عن معقل بن يسار قال؛ وصب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك في فاطمة تعودها? فقلت؛ نعم. فقام متوكئاً علي فقال: إنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك. قال، فكأنه لم يكن علي شيء حتى دخلنا على فاطمة فقلنا، كيف تجدينك? قالت، لقد اشتد حزني، واشتدت فاقتي، وطال سقمي.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل؛ وجدت بخط أبي في هذا الحديث قال: أو ما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلماً وأكثرهم علما وأعظمهم حلما. أخرجه أحمد وأخرجه القلعلي وقال؛ زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة ثم ذكر الحديث.
وعن عطاء- وقد قيل له أكان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أعلم من علي، قال؛ ما أعلم أخرجه القلعي.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب.
وعن المغيرة نحوه، أخرجهما القلعي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: والله لقد أعطي تسعة أعثار العلم، وايم الله لقد شارككم في الشعر العاشر. أخرجه أبو عمر. وعنه وقد سأله الناس فقالوا، أي رجل كان عليا? قال، كان مملئا جوفه حكما وعلما وبأساً ونجدة مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد في المناقب.
شرح- البأس- الشدة في الحرب، يقول بؤس الرجل بالضم ببؤس بأساً فهو بئيس على فعيل أي شجاع- والنجدة: الشجاعة، تقول منه نجد ينجد بالضم فهو نجيد ونجد ونجد.
وروي أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر، فقال له علي: إن الله تعالى يقول "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" وقال تعالى "وفصاله في عامين" فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين. فترك عمر رجمها وقال: لولا علي لهلك عمر، أخرجه العقيلي، وأخرجه ابن السمان عن أبي حزم بن أبي الأسود.
وعن سعيد بن المسيب قال، كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن أخرجه أحمد وأبو عمر.
وعن محمد بن الزبير قال: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه من الكبر فقلت؛ يا شيخ من أدركت? قال؛ عمر قلت: فما غزوت? قال: اليروموك. قلت: فحدثني بشيء سمعته قال خرجنا مع قتيبة حجاجا فأصبنا بيض نعام- وقد أحرمنا- فلما قضينا نسكنا ذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عمر، فأدبر وقال اتبعوني حتى انتهى إلى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب حجرة منها، فأجابته امرأة فقال، أثم أبو حسن? قالت: لا. فمر في المقتاة، فأدبر وقال اتبعوني، حتى انتهى إليه وهو يسوي التراب بيده فقال مرحباً يا أمير المؤمنين فقال إن هؤلاء أصابوا بيض حمام وهم محرمون قال ألا أرسلت إلي? قال: أنا أحق بإتيانك قال: يضربون الفحل قلائص أبكارا بعدد البيض، فما نتج منها أهدوه. قال عمر: فإن الإبل تخدج. قال علي: والبيض يمرض، فلما أدبر قال عمر: اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو حسن إلى جنبي. أخرجه ابن البختري.

ذكر اختصاصه بإحالة جمع من الصحابة عند سؤالهم عليه
عن أذينة العبدي قال: أتيت عمر فسألته: من أين أعتمر? قالت: ائت عليا فسله. أخرجه أبو عمر وابن السمان في الموافقة.
وعن أبي حازم قال: جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب، فهو أعلم. قال: يا أمير المؤمنين جوابك فيها أحب إلي من جواب علي. قال: بئس ما قلت، لقد كرهت رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزره بالعلم غزراً، ولقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه منه أخرجه أحمد في المناقب.
شرح. الغزارة. بالعين المعجمة الكثرة وقد غزر الشيء بالضم كثر.
وعن عائشة رضي الله عنها. وقد سئلت عن المسح على الخفين فقال أئت عليا فسله. أخرجه مسلم.
وعن ابن عمر أن اليهود جاءوا إلى أبي بكر فقالوا: صف لنا صاحبك فقال: معشر اليهود لقد كنت معه في الغار كإصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء وإن خنصري لفي خنصره، ولكن الحديث عنه صلى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت يونيو 25, 2011 11:48 pm


ذكر اختصاصه بالرقي على منكبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال
عن علي عليه السلام قال: انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا الكعبة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس. وصعد على منكبي فذهبت لأنهض به فرأى مني ضعفا، فنزل، وجلس لي نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال: اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه، قال فنهض، قال: فتخيل إلي، إن شئت لنلت أفق السماء؛ حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفراء ونحاس، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير ثم نزلت، فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس أخرجه أحمد وصاحب الصفوة وأخرجه الحاكمي.
وقال- بعد قوله فصعدت على الكعبة- فقال لي، ألق صنمهم الأكبر وكان من نحاس موتد بأوتاد من حديد إلى الأرض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عالجه، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه فقال اقذفه فقذفته. ثم ذكر باقي الحديث وزاد. فما صعد حتى الساعة.
شرح التمثال- الصورة، والجمع التماثيل.
وقوله أزواله أي أحاوله وأعالجه، والمزاولة، المحاولة. والمعالجة والقذف الرمي إما بالحجارة أو بالغيب. وقوله توارينا أي استترنا.

ذكر اختصاصه بحمل لواء الحمد يوم القيامة والوقوف في ظل العرش بين ابراهيم والنبي صلى الله عليه وسلم وأنه يكسى إذا كسي النبي صلى الله عليه وسلم
عن محدوج بن زيد الدهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أما علمت يا علي أنه أول من يدعى به يوم القيامة بي فأقوم عن يمين العرش في ظله فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعي بالنبيين بعضهم على أثر بعض فيقومون سماطين عن يمين العرش ويكسون حللا خضراء من حلل الجنة، ألا وإني أخبرك يا علي أن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة، ثم أبشر أول من يدعي بك لقرابتك مني فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد، تسير به بين السماطين آدم وجميع خلق الله تعالى يستظلون بظل لوائي يوم القيامة وطوله مسيرة ألف سنة سنانه ياقوتة حمراء قبضته فضة بيضاء، زجه درة خضراء له ثلاث ذوائب من نور ذؤابة في المشرق وذؤابة في المغرب والثالثة في وسط الدنيا مكتوب عليه ثلاثة أسطر، الأول بسم الله الرحمن الرحيم الثاني الحمد لله رب العالمين، الثالث لا إله إلا الله محمد رسول الله. طول كل سطر ألف سنة وعرضه مسيرة ألف سنة، فتسير باللواء والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش، ثم تكسى حلة من الجنة، ثم ينادي مناد من تحت العرش. نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي. أبشر يا علي إنك تكسى إذا كسيت وتدعى إذا دعيت، وتحيى إذا حييت. أخرجه أحمد في المناقب.
وفي رواية وأخرجهما الملاء في سيرته قيل يا رسول الله وكيف يستطيع علي أن يحمل لواء الحمد? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكيف لا يستطيع ذلك وقد أعطي خصالا شتى، صبراً كصبري، وحسنا كحسن يوسف، وقوة كقوة جبريل.
وعن جابر بن سمرة انهم قالوا. يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة? قال: من عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا? علي بن أبي طالب. أخرجه نظام الملك في أماليه.
وأخرج المخلص الذهبي عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كسا نفراً من أصحابه ولم يكس علياً، فكأنه رأى في وجه علي فقال: يا علي أما ترضى أنك تكسى إذا كسيت وتعطى إذا أعطيت.
شرح- السماطان- من الناس والنخل- الجانبان، يقال. مشى بين السماطين.

ذكر اختصاصه بثلاث بسبب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤت النبي صلى الله عليه وسلم مثلهن
روى أبو سعيد في شرف النبوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي، أوتيت ثلاثا لم يؤتهن أحد ولا أنا، أوتيت صهراً مثلي ولم أؤت أنا مثلك، أو أوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي، ولم أؤت مثلها زوجة وأوتيت الحسن والحسين من صلبك، ولم أؤت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم.
وأخرج معناه ابن موسى الرضا في مسنده وزيادة في لفظه، يا علي. أعطيت ثلاثا لم يجتمعن لغيرك. مصاهرتي وزوجك وولديك، والرابعة لولاك ما عرف المؤمنون.
وقوله ولولاك ما عرف المؤمنون معناه مستفاد مما ذكرنه في قوله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه، علي حمل المولى على الناصر.
وقد تقدم في مناقب أبي بكر، أو يكون لما كان حب علي علما للمؤمنين كما تقدم في أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق جاز إطلاق ذلك لأن العلامة تعرفه فلولاه ما حصلت تلك العلامة.

ذكر اختصاصه بأربعة ليست لأحد غيره
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره هو أول عربي وعجمي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحفه، وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره وهو الذي غسله وأدخله قبره. أخرجه أبو عمر.
ذكر اختصاصه بخمس أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم فيه كانت أحب اليه من الدنيا وما فيها
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت في علي خمسا هو أحب إلي من الدنيا وما فيها: أما واحدة فهو تكأتي بين يدي الله عز وجل حتى يفرغ من الحساب، وأما الثانية فلواء الحمد بيده: آدم ومن ولده تحته، وأما الثالثة فواقف على عقر حوضي يسقي من عرف من أمتي، وأما الرابعة فساتر عوراتي ومسلمي إلى ربي عز وجل، وأما الخامسة فلست أخشى عليه أن يرجع زانيا بعد إحصان ولا كافرا بعد إيمان. أخرجه أحمد في المناقب.
شرح. عقر الحوض: آخره بضم العين واسكان القاف وضمها لغتان واتكأة: بزنة الهمزة ما يتكأ عليه والكثير الاتكاء أيضاً.

ذكر اختصاصه بعشر
عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه سبعة رهط فقالوا: يا بن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو من هؤلاء. قال: بل أقوم معكم. وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى. قال: فانتدوا يتحدثون فلا أدري ما قالوا؛ قال: فجاء ينفض ثوبه، ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له عشر، وقعوا في رجل قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبداً يحب الله ورسوله. قال: فاستشرف لها من استشرف، فقال: أين علي? قالوا: هو في الرحا يطحن. قال: فما كان أحدكم يحن فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثا فأعطاه إياها، فجاء بصفية بنت حي. قال: ثم بعث فلانا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه وقال: لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه. قال: وقال لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة. قال. وعلي معه جالس؛ فأبوا؛ قال: علي. أنا أواليك في الدنيا والآخرة. قال: فتركه ثم أقبل على رجل منهم، فقال أيكم يواليني في الدنيا والآخرة? فأبوا؛ فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. قال: أنت وليي في الدنيا والآخرة قال. وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة قال. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين، فقال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً قال. وكان شرا على نفسه فلبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه، قال. فكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعلي نائم. قال. وأبو بكر يحسب أنه نبي الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فقال له علي: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم انطلق نحو بئر ميمون فأدركه. فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار؛ قال. وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتضور فدلف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه فقالوا. إنك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضور وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك. قال. وخرج بالناس في غزوة تبوك. قال؛ فقال له علي؛ أخرج معك? قال؛ فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست ببنبي? إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت ولي كل مؤمن بعدي قال: وسد أبواب المسجد إلا باب علي، قال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره قال: وقال: من كنت مولاه فإن عليا مولاه. قال: وأخبرنا الله عز وجل في القرآن أنه قد رضي على أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم. هل حدثنا أنه سخط عليهم بعد? قال وقال عمر: يا نبي الله ائذن لي أضرب عنقه- يعني حاطبا- قال وكنت فاعلا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم. أخرجه بتمامه أحمد والحافظ أبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه.
شرح انتدوا: أي جلسوا في النادي وكذلك تنادوا والتنادي والندى والمنتدى والندوة مجلس القوم ومتحدثهم فاستعير للمكان الذي جلسوا فيه وتحدثوا لأنهم اتخذوه لذلك أو لعله كان مكانا معداً لذلك أف وتف؛ أي قذر له يقال أفاً له وأفة وتفة والتنوين للتنكير وقد أفف تأفيفاً إذا قال له أف، ومنه قوله تعالى "ولا تقل لهما أف" وفيه ست لغات حكاها الأخفش، أف، أف أف، بالكسر والفتح والضم دون تنوين، وبالثلاثة مع التنوين، وتفا: اتباع، قاله الجوهري. ويمكن أن يقال معناه القذر لأن التف وسخ الأظفار. والنفث، شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل لا ريق معه تقول منه نفث ينفث بكسر الفاء وضمها، والنفاثات في العقد، السواحر وأوله النفخ ثم النفث ثم التفل ثم البزق. وقد تقدم من حديث مسلم أنه بصق في عينه، فيكون أطلق على البصق نفث أو بالعكس لأنه أوله. والتضور، الصياح والتلويع ند الضرب. وقوله؛ أنت مني بمنزلة هارون من موسى تقدم الكلام فيه مستوف في فضل خلافة أبي بكر.

ذكر قصة لبس علي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ونومه مكانه على ما ذكره ابن عباس في الحديث آنفا
قال ابن إسحاق؛ لما رأت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم صارت له شيعة وأنصار من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارار وأصابوا فيهم منعة، فحذروا خروج النبي صلى الله عليه وسلم. فاجتمعوا في دار الندوة التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها يتشاورون ما يصنعون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إبليس قد تصور لهم في صورة شيخ فوقف على الباب، فلما رأوه قالوا من الشيخ? قال شيخ من أهل نجد، سمع بالذي اتعدتم عليه فحضر ليسمع، وعسى لا يعدمكم منه رأي! فقالوا ادخل فدخل معهم. فقال قائل، احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قباه زهيرا والنابغة، ومن مضى منهم من هذا الموت. فقال الشيخ النجدي، ما هذا برأي، والله لئن حبستموه- كما تقولون- ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فيثبون عليكم وينزعونه، فانظروا في غير هذا الرأي. فقال قائل؛ نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا، فما نبالي أين يذهب إذا غاب عنا قال الشيخ النجدي؛ لا والله ما هذا لكم برأي ألم تروا إلى حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به!? والله لئن فعلتم ذلك ما آمن أن يحل على حي من أحياء العرب فيغلب عليهم بذلك حتى يبايعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم قال أبو جهل: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جليداً نسيباً وسيطا فيها، ثم يعطى كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بعقل فعقلنا لهم، فقال الشيخ النجدي؛ القول ما قال أبو جهل، هذا الرأي لا أرى غيره، فتفرق القوم وهم على ذلك مجمعون، فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي نم على فراشي واتشح ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم. وكان صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام. قال: فاجتمعوا، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ حفنة من تراب في يده وأخذ الله على أبصارهم فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس: "وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون" حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع التراب على رأسه، ثم انصرف إلى حيث أراد، فأتاهم آت فقال: ما تنتظرون ههنا? قالوا: محمداً. قال: حسيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه تراباً وانطلق لحاجته، فما ترون ما بكم? قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يطلعون فيرون علياً على الفراش متسجياً ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائماً عليه برده فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي من الفراش فقالوا: لقد صدقنا الذي كان حدثنا. قال: وأنزل الله تعالى في ذلك: "وإذ يمكر بك الذين كفروا" إلى "والله خير الماكرين" وقوله "شاعر نتربص به" إلى "فإني معكم من المتربصين" قال وأذن الله جل وعز لنبيه في الهجرة.
ذكر اختصاصه بما نزل فيه من الآي
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية" قال: نزلت في علي بن أبي طالب كانت معه أربعة دراهم فأنفق في الليل درهما وفي النهار درهما ودرهما في السر ودرهما في العلانية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا? قال أن أستوجب على الله ما وعدني فقال: ألا إن لك ذلك. فنزلت الآية. وتابع ابن عباس مجاهد وابن النائب ومقاتل وقيل نزلت فيمن يربط الخيل في سبيل الله؛ قاله أبو الدرداء وأبو أمامة.
ويروى عن ابن عباس أيضا.
وروي عنه أيضا أنها نزلت في علي وعبد الرحمن بن عوف. حمل علي إلى أهل الصفة وسق تمر ليلا وحمل إليهم عبد الرحمن دراهم كثيرة نهارا. أخرجه الواحدي وأبو الفرج في أسباب النزول.

ومنها قوله تعالى "إنما وليكم الله ورسوله.. الآية" نزلت فيه. أخرجه الواحدي وستأتي القصة مشروحة في صدقتة.
ومنها قوله تعالى: "أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا" الآية: قال ابن عباس نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط لأشياء بينهما. أخرجه الحافظ السلفي.
وعنه أن الوليد قال لعلي: أنا أحد منك سناناً وأبسط لساناً وأملأ الكتيبة؛ فقال له علي: اسكت فانما أنت فاسق- وفي رواية أنت فاسق- تقول الكذب. فأنزل الله ذلك تصديقا لعلي، قال قتادة: لا والله ما استووا في الدنيا ولا عند الله ولا في الآخرة ثم أخبر عن منازل الفريقين فقال تعالى "أما الذين آمنوا... الآية" أخرجه الواحدي.
ومنها قوله تعالى: "أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه" قال مجاهد نزلت في علي وحمزة وأبي جهل.
وروي عنه في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل وقيل في عمار والوليد بن المغيرة وقيل. المؤمن والكافر؛ ذكره ابن الجوزي.
ومنها قوله تعالى "سيجعل لهم الرحمن ودا" قال ابن الحنيفة: لا يبقي مؤمن إلا وفي قلبه ود لعلي وأهل بيته. أخرجه الحافظ السلفي.
ومنها قوله تعالى "هذان خصمان اختصموا في ربهم" إلى قوله "وهدوا إلى صراط الحميد".
وعن أبي ذر أنه كان يقسم لنزلت هذه الآية في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. أخرجه البالسي.
ومنها قوله تعالى "أفمن شرح الله صدره للإسلام" الآية نزلت في علي وحمزة وأبي لهب وأولاده، فعلي وحمزة شرح الله صدرهما للإسلام وأبو لهب وأولاده قست قلوبهم. ذكره الواحدي وأبو الفرج.
ومنها قوله تعالى "ويطعمون الطعام على حبه" الآية، نزلت في علي وسيأتي ذكرها في فصل صدقته إن شاء الله تعالى من فصل فضائله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس آية في كتاب الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا" إلا وعلي أولها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير أخرجه أحمد في المناقب.

الفصل السابع
في أفضليته
وقد أجمع أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر أن علياً أفضل الناس بعد عثمان هذا مما لم يختلف فيه وإنما اختلفوا في علي وعثمان واختلف أيضا بعض السلف في علي وأبي بكر قال أبو قاسم عبد الرحمن بن الحباب السعدي في كتابه المسمى بالحجة لسلف هذه الملة في تسميتهم الصديق بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في ذلك أبو عمرو غلطاً ظاهرا لمن تأمله يعني ذكر الخلاف في فضل علي على أبي بكر وذلك أنه ذكر في كتابه تعريضا لا تصريحا أنه كان من جملة من يعتقد ذلك أبو سعيد وأبو سعيد ممن روى عن علي أن أبا بكر خير الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يعتقد في علي أنه خير من أبي بكر وقد روى عن علي ذلك، وإذا تقرر أن أهل السنة أجمعوا على ذلك علم أن ابن عمر لم يرد بأحاديثه المتقدم ذكرها في باب الثلاثة نفي أفضلية علي بعد عثمان ويدل على ذلك أنه قد جاء في بعض طرق حديثه: فقال رجل لابن عمر يا أبا عبد الرحمن، فعلي قال ابن عمر علي من أهل البيت لا يقاس بهم، علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في درجته إن الله عز وجل يقول "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم" فاطمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في درجته وعلي مع فاطمة عليها السلام أخرجه علي بن نعيم البصري وهذا أدل دليل على أنه لم يرد بسكوته عن ذكر على في أفضليته وإنما سكت عنه لما أبداه لما سئل عنه، كأنه قال أفضل الناس من أصحابه لا من أهل بيته.
وعن يحيى بن معين قال من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة، ومن قال أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة.
وذكر من يقول أبو بكر وعمر يقول أبو بكر وعمر وعثمان ثم يسكتون محتجين بحديث ابن عمر، وتكلم فيهم بكلام وقال هذا قائل بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة كما قدمناه؛ وكان يقول أبو بكر وعمر وعلي وعثمان.

وعن أبي جعفر النفيلي- وقد سئل عن تفضيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمر ثم عثمان ثم علي قيل له فإن أحمد بن حنبل ويعقوب بن كعب يقفان على عثمان فقال أخطآ معاً، أدركت الناس من أهل السنة والجماعة على هذا أخرجه خيثمة ابن سليمان.
وعن أحمد بن حنبل- وقد سئل عن تفضيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمر ثم عثمان ثم علي بن أبي طالب في الخلافة ويذهب إلى حديث سفينة: تكون خلافة رحمة ثلاثين سنة قيل يا أبا عبد الله فتعنف من قال علي في الإمامة والخلافة، قال لا قال أحمد ولا يعجبني من وقف عن علي في الخلافة قال ونترحم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين أخرجه خيثمة بن سليمان وهذا السياق يشعر بأن أحمد يتوقف على ما ورد، فلما ورد حديث ابن عمر مقصورا في التفضيل مطلقا على عثمان لم يتعده، ولما ورد ما يعم خلافة علي وقيد تفضيله بها ورأى الإمامة في معناها فلذلك لم يعنف قائلها، قال أبو عمر وغيره: وقد توقف جماعة من أهل السنة وأئمة السلف في علي وعثمان لم يفضلوا واحدا منهما على الآخر منهم مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وابن معمر؛ وأهل السنة اليوم على تقديم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي؛ وعليه عامة أهل الفقه والحديث إلا خواص من جملتهم فإنهم على ما ذكرناه.
وعن عبد الله قال كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب أخرجه أحمد في المناقب، وهو محمول عند من يقول بالترتيب المتقدم على أنه كذلك بعدهم.

الفصل الثامن
في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
تقدم من أحاديث هذا الفصل طائفة من باب العشرة وباب ما دونها وباب الأربعة.
وعن زيد بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي وأنت أخي ورفيقي، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إخواناً على سرر متقابلين". أخرجه أحمد في المناقب.
وعن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: "يا علي يدك في يدي تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل". أخرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة تشاق إلى ثلاثة علي وعمار وسليمان" أخرجه ابن السدي، أو عند غيره علي وعمار وبلال وفي رواية: المقداد.
وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي". أخرجه ابن السري.
وعن علي عليه السلام قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على المنامة، فاستسقى الحسن والحسين قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة لنا بكى فحلبها فدرت فجاءه الحسن فنحاه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت فاطمة: يا رسول الله كان أحبهما إليك قال لا ولكنه يعني الحسين استسقى قبله، ثم قال: "إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة". أخرجه أحمد في المسند. والبكي: القليلة اللبن.
وعن عبد الله قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع المهاجرين والأنصار إلا من كان في سرية أقبل علي يمشي وهو متغضب فقال من أغضبه فقد أغضبني فلما جلس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالك يا علي?" قال آذاني بنو عمك فقال: "يا علي أما ترضى أنك معي في الجنة والحسن والحسين. وذرياتنا خلف ظهرونا وأزواجنا خلف ذرياتنا، وأشياعنا عن إيماننا وشمائلنا" أخرجه أحمد في المناقب وأبو سعد في شرف النبوة.
وعن عبد الله بن ظالم قال جاء رجل إلى سعيد بن زيد فقال إني أحببت عليا حبا لم أحبه شيئاً قط؛ قال: نعم ما رأيت، أحببت رجلا من أهل الجنة. خرجه أحمد في المناقب. وخرجه الحضرمي وقال: نعم ما صنعت أحببت رجلا من أهل الجنة.

ذكر ماله في الجنة
عن علي عليه السلام قال؛ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا علي إن لك كنزاً في الجنة، وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة" أخرجه أحمد، وأخرجه الهروي في غريبة وقال: "إن لك بيتا في الجنة". وقال في تفسير ذو قرنيها. أي طرفيها يعني الجنة وقال أبو عبيدة أحسبه ذو قرني هذه الأمة فأضمر الأمة ولم يجر لها ذكراً كما في قوله تعالى: "حتى توارت بالحجاب" وقيل أراد الحسن والحسين. قال الهروي في قوله تعالى "ويسألونك عن ذي القرنين" قال: إنما سمي ذا القرنين لأنه دعا قومه إلى عبادة الله عز وجل فضربوه على قرنه الأيمن فمات ثم أحياه الله عز وجل فضربوه على قرنه الأيسر فمات فأحياه الله تعالى. قال ومن ذلك قول علي حين ذكر قصة ذي القرنين قال: وفيكم مثله فنرى أنه إنما عني نفسه، لأنه ضرب على رأسه ضربتين إحداهما يوم الخندق والأخرى ضربة ابن ملجم فيجوز أن تكون الإشارة إلى ذلك بقوله "وأنك ذو قرنيها" أي قرني هذه الأمة كما كان ذو القرنين في تلك الأمة.
وعن علي قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرف المدينة فمررنا على حديقة فقلت يا رسول الله ما أحسن هذه الحديقة قال: لك في الجنة أحسن منها ثم أتينا على حديقة أخرى فقلت يا رسول الله ما أحسنها! قال لك في الجنة أحسن منها، حتى أتينا على سبع حدائق، أقول يا رسول الله، ما أحسنها: فيقول لك في الجنة أحسن منها. أخرجه أحمد في المناقب. وفي رواية فلما خلا الطريق اعتنقني وأجهش باكيا فقلت: يا رسول الله ما يبكيك? فقال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي فقلت في سلامة من ديني فقال: في سلامة من دينك.
شرح الجهش: أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء كالصبي يفزع إلى أمه وقد تهيج للبكاء، وقد تقدم ذكر ذلك والضغن والضغينة الحقد وقد ضغن عليه بالكسر ضغنا. والشيعة: الأتباع، ومنه قولهم حياكم الله وأشاعكم السلام، أي جعله صاحبا لكم وتابعا.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي إن لك في الجنة ما لو قسم على أهل الأرض لوسعهم.

ذكر أنه يزهر بأهل الجنة
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما أسري بي إلى السماء أخذ جبريل بيدي وأقعدين على دنوك من درانيك الجنة، وناولني سفرجلة، فكنت أقلبها إذا انفلقت وخرجت منها حوراء لم أر أحسن منها، فقالت: السلام عليك يا محمد. قلت: وعليك السلام، من أنت? قالت: أنا لارضية المرضية، خلقني الجبار من ثلاثة أصناف: أعلاي من عنبر، ووسطي من كافور، وأسفلي من مسك؛ عجنني بماء الحيوان، ثم قال: كوني. فكنت. خلقني لأخيك وابن عمك علي بن أبي طالب. أخرجه الإمام علي بن موسى الرضى في مسنده.
ذكر قصره وقبته في الجنة
عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وإن قصري في الجنة وقصر إبراهيم في الجنة متقابلان، وقصر علي بن أبي طالب بين قصري وقصر إبراهيم فياله من حبيب بين خليلين". أخرجه أبو الخير الحاكمي.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة ضرب لي قبة حمراء عن يمين العرش وضرب لإبراهيم قبة من ياقوتة خضراء عن يسار العرش وضرب فيما بيننا لعلي بن أبي طالب قبة من لؤلؤ بيضاء؛ فما ظنكم بحبيب بين خليلين!?" أخرجه الحاكمي وقال: قال الحاكم: هذا البورقي يعني راوي الحديث قد وضع في المناكير عن الثقات ما لا يحصى.

ذكر ذود علي المنافقين عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة، تذود بها المنافقين عن الحوض". أخرجه الطبراني.
وعن علي عليه السلام قال: لأذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم رايات الكفار والمنافقين كما يذاد غريب الإبل عن حياضها. أخرجه أحمد في المناقب.

ذكر نافته يوم القيامة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعلي يوم القيامة ناقة من نوق الجنة، فتركبها وركبتك مع ركبتي وفخذك مع فخذي، حتى تدخل الجنة". أخرجه أحمد في المناقب.
الفصل التاسع
في ذكر نبذ من فضائله
تقدم أنه أول من أسلم وأول من صلى، وأجمعوا أنه صلى إلى القبلتين وهاجر، وشهد بدراً والحديبية وبيعة الرضوان والمشاهد كلها غير تبوك. استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها على المدينة وعلى عمال بها، وأنه أبلى ببدر وأحد والخندق وخيبر بلاء عظيما، وأنه أغنى في تلك المشاهد وقام القيام الكريم، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة منها يوم بدر على خلف فيه؛ ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي أخرجه أبو عمر.
وقد تقدم في خصائصه أن لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بيده في كل زحف فيحمل الكل على الأكثر تغليباً للكثرة، وهو شائع في كلامهم، توفيقاً بين الروايتين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يغز لم يعط سلاحه إلا علياً أو أسامة. أخرجه أحمد في المناقب، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة في حديث: تحرك حراً. وثبت له أفضل فضيلة بالمصاهرة وأقرب القرابة، وقد تقدمت أحاديثهما.
ومن أدل دليل على عظيم منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعه في المؤاخاة كما تقدم، فإنه صلى الله عليه وسلم جعل يضم الشكل إلى الشكل يؤلف بينهما إلى أن آخى بين أبي بكر وعمر، وادخر عليا لنفسه وخصه بذلك، فيالها مفخرة وفضيلة!! وقد روي أن معاوية قال الضرار الصدائي: صف لي علياً. فقال: اعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتصفنه. قال: أما إذ لا بد من وصفه، كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس إلى الليل ووحشته وكان غزيرة العبرة طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعان ماخشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين ويقرب المساكين ولا يطمع القوي في باطه ولا ييأس الضعيف من عدله؛ وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري، إي تعرضت أم إلي تشوقت? هيهات! هيهات! قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها فعمرك قصير وخطرك قليل آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق! فبكى ماية وقال: رحم الله أبا حسن، كان والله كذلك؛ فيكف حزنك عليه يا ضرار? قال حزن من ذبح واحدها في حجرها أخرجه الدولابي وأبو عمر وصاحب الصفوة.
وعن الحسن بن أبي الحسن وقد سئل عن علي بن أبي طالب قال: كان علي والله سهماً صائباً من مرامي الله على عدوه، ورباني هذه الأمة وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله عز وجل، ولا بالسرقة لمال الله عز وجل، أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة؛ ذلك علي بن أبي طالب. أخرجه القلعي.
وقد تقدم في باب الأربعة وصف ابن عباس له؛ وفضائله أكثر من أن تعد. قال أحمد بن حنبل والقاضي إسماعيل بن اسحاق لم يرد في فضائل أحد من الصحابة بالأسنانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ذكر محبة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم له
تقدم في الخصائص ذكر أحبية الله ورسوله له، وهي متضمنة المحبة مع الترجيح فيها على الغير.
عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أن يبحهم، قيل يا رسول الله، فسمهم لنا، قال: علي منهم يقول ذلك ثلاثاً وأبو ذر وسلمان والمقداد، أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم". أخرجه أحمد والترمذي وقال: حسن غريب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن علياً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه وعانقه وقبل بين عينيه، فقال العباس: أتحب هذا يا رسول الله? فقال: "يا عم والله لله أشد حبا له مني" أخرجه أبو الخير القزويني.

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ذكر عنده علي وقول الناس فيه فقال عبد الرحمن: قد جالسناه وجاريناه وواكلناه وشاربناه وقمنا له على الأعمال، فما سمعته يقول شيئاً مما يقولون، أو لا يكفيكم أن يقولوا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبه وشهد بيعه الرضوان وشهد بدراً? أخرجه أحمد في المناقب.
ذكر فضل منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عبد الله بن الحارث قال: قلت لعلي بن أبي طالب: أخبرني بأفضل منزلتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم قال: بينما أنا نائم عنده وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته قال: "يا علي ما سألت الله عز وجل من الخير إلا سألت لك مثله، وما استعذت الله من الشر إلا استعذت لك مثله". أخرجه المحاملي.
ذكر أنه ما اكتسب مكتسب مثل فضله
عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اكتسب مكتسب مثل فضل على يهدي صاحبه إلى الهدى ويرد عن الردى". أخرجه الطبراني.
ذكر الحث على محبته والزجر عن بغضه
تقدم في الخصائص في ذكر "من احبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني" طرف من ذلك.
وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة". أخرجه أحمد والترمذي وقال. حديث غريب.
وعنه أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى: "أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. وأخرجه الترمذي ولفظه: عهد إلى من غير قسم، وقال: حسن صحيح.
وعن أم سلمة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يحب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن". أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
شرح ذرأ: خلق من ذرأ الله لخلق النسمة: النفس وكل ذي روح فهو نسمة.
وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق" أخرجه أحمد في المسند.
وعن المطلب بن عبد الله بن حطب عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس أصيكم بحب ذي قرنيها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب فإنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني". أخرجه أحمد في المناقب.
وعن الحارث الهمداني قال: رأيت عليا على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: قضاء قضاة الله عز وجل على لسان نبيكم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أن لا يحبني، إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. أخرجه ابن فارس.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بعضهم عليا. أخرجه أحمد في المناقب، وأخرجه الترمذي عن أبي سعيد ولفظه: قال إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. وقال: غريب.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بثلاث: بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلاة وبغضهم علي بن أبي طالب. أخرجه ابن شادن.
وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يستمسك بالقضيب الأحمر الذي غرسه الله في جنة عدن فليستمسك بحب علي بن أبي طالب" أخرجه أحمد في المناقب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حب علي يأكر الذنوب كما تأكل النار الحطب". أخرجه الملاء.
وعن أنس رضي الله عنه قال: دفع علي بن أبي طالب إلى بلال درهما يشتري به بطيخا؛ قال: فاشتريت به فأخذ بطيخة فقورها فوجدها مرة فقال يا بلال رد هذا إلى صاحبه، وائتني بالدرهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "إن الله أخذ حبك على البشر والشجر والثمر والبذر فما أجاب إلى حبك عذب وطاب وما لم يجب خبث ومر". وأني أظن هذا مما لم يجب. أخرجه الملاء، وفيه دلالة على أن العيب الحادث إذا كان مما يطلع به على العيب القديم لا يمنع من الرد.
وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته". أخرجه أحمد.
وعن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا علي، طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغض وكذب فيك. أخرجه ابن عرفة.

وعن سعيد بن المسيب أن رجلا كان يقع في الزبير وعلي، فجعل سعد بن مالك ينهاه ويقول: لا تقس في إخواننا، فأبى، فقام سعد وصلى ركعتين ثم قال: اللهم إن كان مسخطا لك ما يقول فأرني به واجعله آية للناس فخرج الرجل فإذا هو ببختي يشق الناس، فأخذه ووضعه بين كركرتيه وبين البلاط فسحبه حتى قتله، وجاء الناس يسعون إلى سعد يبشرونه هنيئاً لك أبا اسحاق قد استجيبت دعوتك أخرجه القلعي، وأخرج معناه أبو مسلم بن عامر عن عامر بن سعد ولفظه: قال، بينما سعد يمشي إذ مر برجل وهو يشتم عليا وطلحة والزبير، فقال له سعد إنك لتتم قوما قد سبق لهم من الله ما سبق، والله لتكفن عن شتمهم أو لأدعون الله عليك فقال: يخوفني كأنه نبي، قال: فقال سعد اللهم إن كان قد سب أقواماً سبق لهم منك ما سبق فاجعله اليوم نكالا؛ قال: فجاءت بختية وأفرج الناس لها فتخبطته، قال: فرأيت الناس يبتدرون سعدا فيقولون استجاب الله لك أبا إسحاق. أخرجه الأنصاري وأبو مسلم.
وعن علي بن زيد بن جدعان قال: كنت جالسا إلى سعيد بن المسيب فقال: يا أبا الحسن مر قائدك يذهب بك فتنظر إلى وجه هذا الرجل وإلى جسده فانطلق فإذا وجهه وجه زنجي وجسد أبيض قال إني أتيت على هذا وهو يسب طلحة والزبير وعليا، فنهيته، فأبى فقلت إن كنت كاذبا يسود الله بوجهك، فخرج في وجهه قرحة فاسود وجهه أخرجه ابن أبي الدنيا.
وعن حوثرة بن محمد البصري قال: رأيت يزيد بن هارون الواسطي في المنام بعد موته بأربع ليال، فقلت: ما فعل الله بك? قال، تقبل مني الحسنات وتجاوز عني السينات وأذهب عني التبعات، قلت، وما كان بعد ذلك? قال: وهل يكون من الكريم إلا الكرم? غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة قلت: بم نلت الذي نلت? قال: بمجالس الذكر وقولي الحق وصدقي في الحديث وطول قيامي في الصلاة وصبري على الفقر، قلت منكر ونكير حق? فقال: أي والله الذي لا إله إلا هو، لقد أقعداني وسألاني فقالا لي: من ربك? وما دينك? ومن نبيك? فجعلت أنفض لحيتي البيضاء. من التراب فقلت: مثلي يسأل!? أنا يزيد بن هارون الواسطي، وكنت في دار الدنيا ستين سنة أعلم الناس قال أحدهما: صدق وهو يزيد بن هارون ثم نومة العروس، فلا روعة عليك بعد اليوم. قال أحدهما: أكتبت عن حريز بن عثمان? قلت: نعم، وكان ثقة في الحديث. قال: ثقة ولكن كان يبغض علياً، أبغضه الله عز وجل. أخرجه ابن الطباخ في أماليه.

ذكر شفقته صلى الله عليه وسلم ورعايته ودعائه له
عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة بن رافع الأنصاري عن أبيه عن جده قال: أقبلنا من بدر فقدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادت الرفاق بعضها بعضاً: أفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم? فوقفوا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي بن أبي طالب. فقالوا يا رسول الله فقدناك، قال: "إن أبا حسن وجد مغصاً في بطنه فتخلفت عليه" أخرجه أبو عمر.
وعن أم عطية قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم علي بن أبي طالب قالت: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يقول: "اللهم لا تمتني حتى تريني عليا"، أخرجه الترمذي. وقال: حسن غريب.
وعن علي قال: كنت إذا سألت النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني وإذا سكت ابتداني. أخرجه الترمذي. وقال حسن غريب.
وعنه قال: كنت شاكيا فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان متاخراً فأرفع عني، وإن كان بلاء فصبرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف قلت?" فأعدت عليه، فضربني برجله وقال: "اللهم عافه أو اشفه". شعبة الشاك قال: فما اشتكيت وجعي ذاك بعد. أخرجه أبو حاتم.
وعنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي إياك ودعوة المظلوم، فإنما يسأل الله حقه، وإن الله لا يمنع ذا حق حقه". أخرجه الخلعي.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً ثم بعث رجلا خلفه، وقال: ارعه ولا تدعه من ورائه. أخرجه الدارقطني.

ذكر طروف النبي صلى الله عليه وسلم عليا ليلا يأمره بصلاة الليل
عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا فقال: "ألا تصلون?" فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله عز وجل، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت ذلك، فسمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا". أخرجه مسلم والترمذي والنسائي.
وفي رواية أنه قال: قوما فصليا، ثم رجع إلى منزله، فلما مضى هوى من الليل رجع، فلم يسمع لنا حسا، فقال: قوما فصليا فقمت وأنا أعرك عيني، فقلت: ما نصلي إلا ما كتب لنا: الحديث. أخرجه أبو القاسم في الموافقات.

ذكر كسوة النبي صلى الله عليه وسلم علياً ثوب حرير
عن علي عليه السلام قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فخرجت بها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي.
وفي أفراد مسلم عنه أن أكيدر دومة أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه علياً وقال: "شققه خمراً بين الفواطم".
وعنه قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حله مسيرة بحرير، إما سداها وإما لحمتها، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بها إلي، فقلت: يا رسول الله، ما أصنع بها? قال: "لا أرضى لك شيئاً، وأكره لنفسي، اجعلها خمراً بين الفواطم". فشققت منها أربعة أخمرة، خماراً لفاطمة بنت أسد أم علي وخماراً لفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وخماراً لفاطمة بنت حمزة، وذكر فاطمة أخرى نسيتها. أخرجه ابن الضحاك.

ذكر تعميمه إياه صلى الله عليه وسلم بيده
عن عبد الأعلى بن عدي النهرواني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليا يوم غدير خم فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه.
ذكر الزجر عن الغلو فيه
عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيك مثل من عيسى عليه السلام، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها". ثم قال: يهلك في رجلان: محب مفرط بما ليس في، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، أخرجه أحمد في المسند.
وعنه قال: ليحبني أقوام حتى يدخلوا الناي في بحبي، ويبغضني أقوام حتى يدخلوا النار في ببغضي أخرجه أحمد في المناقب.
شرح بهتوه أي كذبوا عليه من البهت وهو الكذب وقول الباطل والشنآن "مهموزة بالتحريك بالفتح والإسكان، وبغير همز محركا بالفتح": البغض، تقول منه شنئته شنئاً بفتح الشين وكسرها وضمها ومشنأ وشنآناً بالتحريك والإسكان كما تقدم. قاله الجوهري.
وعن السدي قال: قال علي: اللهم العن كل مبغض لنا وكل محب لنا غال. أخرجه أحمد بن المناقب.

ذكر إحراق علي قوماً اتخذوه إلهاً دون الله عز وجل
عن عبيد بن شريك العامري عن أبيه قال: أتى علي بن أبي طالب، فقيل إنها هنا قوماً على باب المسجد يزعمون أنك ربهم، فدعاهم فقال لهم: ويلكم!! ما تقولون!? قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم! إنما أنا عبد مثلكم، آكل الطعام كما تأكلون وأشرب مما تشربون، إن أطعته أتابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا فأبوا، فطردهم، فلما كان من الغد غدوا عليه فجاء قنبر، فقال: والله رجعوا يقولون ذاك الكلام، فقال: أدخلهم علي، فقالوا: له مثل ما قالوا، وقال لهم مثل ما قال إلا أنه قال: إنكم ضالون مفتونون، فأبوا، فلما أن كان اليوم الثالث أتوه فقالوا له مثل ذاك القول فقال: والله لئن قلتم لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا أن يتموا على قولهم، فخذ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر، وأرقد فيه ناراً، وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعون، فأبوا، فقذف بهم فيها، خرجه المخلص الذهبي. وتزيدهم محمول على الاستتابة وإحراقهم مع النهي عنه محمول على رجاء رجوعهم أو رجوع بعضهم.
ذكر شبههه بخمسة من الأنبياء عليهم السلام في مناقب لهم
عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب" أخرجه القزويني الحاكمي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حمله. وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله فلينظر إلى علي بن أبي طالب". خرجه الملاء في سيرته.

ذكر رؤيته جبريل عند النبي وكلام جبريل لهما عليهما السلام
عن علي قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض، فإذا رأسه في حجر جل أحسن ما رأيت من الخلق والنبي صلى الله عليه وسلم نائم، فلما دخلت عليه قال: ادن إلى ابن عمك، فأنت أحق به مني، فدنوت منهما، فقام الرجل وجلست مكانه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فهل تدري من الرجل?" قلت: لا بأبي وأمي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاك جبريل كان يحدثني حتى خف عني وجعي، ونمت ورأسي في حجره". أخرجه أبو عمر محمد اللغوي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وقد ذكر عنده علي قال: إنكم لتذكرون رجلا كان يسمع وطء جبريل فوق بيته. أخرجه أحمد في المناقب.

ذكر أن النظر إليه عبادة [/font:4
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يونيو 26, 2011 12:09 am


ذكر اشتياق أهل السماء والأنبياء الذين في السماء إليه
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مررت بسماء إلا وأهلها يشتاقون إلي علي بن أبي طالب، وما في الجنة نبي إلا وهو يشتاق إلى علي بن أبي طالب". أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر أنه من خير البشر
عن عقبة بن سعد العوفي قال: دخلنا علي جابر بن عبد الله وقد سقط حاجباه على عينيه فسألناه عن علي، قال فرفع حاجبيه بيده فقال: ذاك من خير البشر. أخرجه أحمد في المناقب.
ذكر مباهاة الله عز وجل به حملة العرش
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صف المهاجرين والأنصار صفين ثم أخذ بيد علي والعباس، فم بين الصفين فضحك صلى الله عليه وسلم فقال له رجل من ايش ضحكت يا رسول الله فداك أبي وأمي? قال: "هبط علي جبريل عليه السلام بأن الله باهى بالمهاجرين والأنصار أهل السموات العلا وباهى بي وبك يا علي يا عباس حملة العرش". أخرجه أبو القاسم في فضائل العباس.
ذكر إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه مغفور له
عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك مع أنك مغفور لك? لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم. والحمد لله رب العالمين". أخرجه أحمد والنسائي وأبو حاتم وأخرجه ابن الضحاك وزاد بعد الحمد لله رب العالمين. اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، الله اعف عني أنك غفور رحيم أو أعفو غفور، وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمين هؤلاء الكلمات.
ذكر علمه وفقهه
وقد تقدم في ذكر أعلميته مطلقا وأعلميته بالسنة وأنه باب دار العلم وأن أحداً من الصحابة لم يكن يقول سلوني غيره وإحالة جمع من الصحابة عليه، تقدم معظم أحاديث هذا الذكر.
وعن علي عليه السلام قال: قلت يا رسول الله أوصني قال: "قل ربي الله ثم استقم" فقلت ربي الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب قال: "ليهنك العلم أبا الحسن، لقد شربت العلم شربا". أخرجه ابن البختري والرازي وزاد: ونهلته نهلا. ومعنى نهلته هنا شربته؛ وكرر لاختلاف اللفظ ونحو ذلك قول الشاعر:



الطاعن الطعنة يوم الوغى


ينهل منها الأسل الناهـل
قال أبو عبيد الناهل هنا بمعنى، الشارب وإذا جاز في اسم الفاعل حاز في الفعل، وكان قياسه أن يقول: ونهلت منه نهلا، لأنه إنما يتعدى بحرف الجر أي رويت منه ريا، ويجوز أن يكون الناهل في البيت بمعنى العطشان وهو من الأشداد يطلق على الريان والعطشان وهو أنسب، لأنه أكثر شربا ويكون قوله ينهل منه أي يشرب.
وعن أبي الزهراء عن عبد الله قال علماء الأرض ثلاثة عالم بالشام وعالم بالحجاز وعالم بالعراق فأما عالم أهل الشام فهو أبو الدرداء وأما عالم أهل الحجاز فهو علي بن أبي طالب وأما عالم العراق فأخ لكم وعالم أهل الشام وعالم أهل العراق يحتاجان إلى عالم أهل الحجاز وعالم أهل الحجاز لا يحتاج إليهما "أخرجه الحضرمي ويريد والله أعلم بالعالم هنا الأعلم يوكون أعلم من كان في كل موضع ذلك المذكور، وأن جاز أن يكون بالحجاز من هو أعلم من عالمي الشام والعراق دون علي، والله أعلم.
وعن عبد الله بن عياش الزرقي وقد قيل له أخبرنا عن هذا الرجل علي بن أبي طالب، فقال: إن لنا أخطارا وأحسابا ونحن نكره أن نقول فيه ما يقول بنو عمنا قال: كان علي رجلا نلعابة يعني مزاحا وكان إذا فزع فزع إلى ضرس من حديد، قال قلت وما ضرس من حديد? قال: قراءة القرآن وفقه في الدين وشجاعة، وسماحة: أخرجه أحمد في المناقب.
وعن سعيد بن عمر بن سعيد بن العاص قال: قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: ألا تخبرني عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما فإن أبا بكر كان له السن والسابقة مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ ثم إن الناس صاغية إلى علي? فقال أي ابن أخي، كان له والله ما شاء من ضرس قاطع السطة في النسب، وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومصاهرته، والسابقة في الإسلام والعلم بالقرآن، والفقه، والسنة، والنجدة في الحرب، والجود في الماعون كان له والله ما يشاء من ضرس قاطع. أخرجه المخلص الذهبي.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حي عثمان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود من المهاجرين، وسالم مولى أبي حذيفة مولى لهم. أخرجه أبو عمر.
وعن محمد بن قيس قال: دخل ناس من اليهود على علي بن أبي طالب، فقال له ما صبرتم بعد نبيكم إلا خمسا وعشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضا؛ قال: فقال علي: قد كان صبر وخير، قد كان صبر وخير، ولكنكم ما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم، يا موسى اجعل لنا إلهاكما لهم آلهة أخرجه أحمد في المناقب.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما انتفعت بكلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا شيء كتب به إلي علي بن أبي طالب، فإنه كتب: بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد يا أخي، فإنك تسر بما يصل إليك مما لم يكن يفوتك، ويسوؤك ما لم تدركه. فما نلت يا أخي من الدنيا فلا تكن به فرحا، وما فاتك فلا تكن عليه حزنا، وليكن عملك لما بعد الموت، والسلام أخرجه المخلص.

ذكر كراماته
عن الأصبغ قال: أتينا مع علي فمررنا بموضع قبر الحسين، فقال علي: ههنا مناخ ركائبهم، وههنا موضع رحالهم، وههنا مهراق دمائهم، فتية من آل محمد صلى الله عليه وسلم يقتلون بهذه العوصة تبكي عليهم السماء والأرض.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: عرض لعلي رجلان في خصومه، فجلس في أصل جدار، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، الجدر تقع، فقال له علي: امض، كفى بالله حارسا، فقضى بين الرجلين، وقام فسقط الجدار.
وعن الحارث قال: كنت مع علي بن أبي طالب بصفين، فرأيت بعيراً من إبل الشام جاء وعليه راكبه وثقله، فألقى ما عليه، وجعل يتخلل الصفوف حتى انتهى إلي علي. فوضع مشفره ما بين رأس علي ومنكبه، وجعل يحركها بجرانه، فقال علي: إنها والله لعلامة بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فجد الناس في ذلك اليوم واشتد قتالهم.
وعن علي بن زاذان أن عليا حدث حديثاً فكذبه رجل، فقال علي: أدعو عليك إن كنت صادقاً? قال: نعم؛ فدعا عليه، فلم ينصرف حتى ذهب بصره.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعو عليا، فأتيت بيته فناديته، فلم يجبني، فعدت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: عد إليه، ادعه فإنه في البيت، قال: فعدت أناديه، فسمعت صوت رحى تطحن، فشارفت فإذا الرحى تطحن، وليس معها أحد، فناديته، فخرج إلي منشرحا فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك، فجاء، ثم لم أزل أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وينظر إلي، ثم قال: ياأبا ذر، ما شأنك? فقلت يا رسول الله، عجيب من العجب، رأيت رحى تطحن في بيت علي وليس معها أحد يرحى، فقال: يا أبا ذر "إن الله ملائكة سياحين في الأرض، وقد وكلوا بمؤنة آل محمد صلى الله عليه وسلم". أخرجهن الملاء في سيرته وأخرج أحمد في المناقب حديث علي بن زاذان خاصة.
وعن فضالة بن أبي فضالة قال: خرجت مع أبي إلى ينبع، عائداً لعلي وكان مريضاً، فقال له أبي: ما يسكنك بمثل هذا المنزل? لو هلكت لم يلك إلا الأعراب أعراب جهينة فاحتمل إلى المدينة فإن أصابك بها قدر وليك أصحابك وصلوا عليك، وكان أبو فضالة من أهل بدر، فقال له علي إني لست بميت من وجعي هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى أضرب ثم تخضب هذه يعني لحيته من هذه يعني هامته فقتل أبو فضالة معه بصفين. أخرجه ابن الضحاك.

ذكر اتباعه للسنة
عن جابر رضي الله عنه حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: أن عليا قدم من اليمن ببدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماذا قلت حين فرضت الحج?" فقال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم أخرجاه.
وعن علي عليه السلام قال: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا، وقعد فقعدنا يعني في الجنازة. أخرجه مسلم.
وعن أبي سلمان حصين بن المنذر قال: شهدت عثمان بن عفان وقد أتى بالوليد وقد شرب الخمر، فقال: يا علي قم فاجلده فقال علي: قم يا حسن فاجلده فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولي حارها من تولى قارها، فكأنه وج عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجدله وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال، أمسك، ثم قال، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي أخرجه مسلم.
وعن أبي مطر البصري قال: رأيت عليا اشترى ثوبا بثلاثة دراهم، فلما لبسه قال: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي، ثم قال: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه في المناقب.
وعن علي أنه كان يقول: إني لست نبياً ولا يوحي إلي، ولكن أعمل بكتاب وسنة نبيه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم، أخرجه أحمد في المناقب.
وعنه وقد شاوره أبو بكر في قتال أهل الردة بعد أن شاور الصحابة فاختلفوا عليه فقال له: ما تقول يا أبا الحسن? فقال: أقول لك إن تركت شيئاً مما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فأنت على خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أما إن قلت ذاك لأقاتلنهم وإن منعوني عقالا. أخرجه ابن السمان، وقد سبق في خصائص أبي بكر مستوف.

ذكر تفاؤل النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة سمعها من علي وتيمن بها وعمل عليها
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، فسمع عليا يوماً وهو يقول: ها حضرة فقال؛ يا لبيك قد أخذنا فألك من فمك فاخرجوا بنا إلى حضرة، قال: فخرجوا إلى خيبر فما سل فيها سيف إلى آخرها يريد والله أعلم فما ظهر ولا انتصر ولا أثر إلا سيفه وإلا فعامر سل سيفه ورجع عليه فقتله وقد وقع القتال قبل إعطائه الراية لعلي يومين لأبي بكر ويوم لعمر على ما تقدم في الخصائص.
ومن ضرورة القتال سل السيوف وكان عامة قتالهم بها فصح ما ذكرناه من التأويل، والله أعلم.

ذكر شجاعته
تقدم في خصائصه في ذكر اختصاصه بدفع الراية له طرف منه، وشهرة ابلائه يوم بدر وأحد وخيبر وأكثر المشاهد قد بلغت حد التواتر حتى صارت شجاعته معلومة لكل أحد، بحيث لا يمكنه دفع ذلك عن نفسه.
وتقدم حديث ابن عباس في ذكر علمه متضمنا ذكر شجاعته.
وعن صعصعة بن صوحان قال: خرج يوم صفين رجل من أصحاب معاوية يقال له كريز بن الصباح الحميري فوقف بين الصفين وقال: من يبارز? فخرج إليه رجل من أصحاب علي فقتله، فوقف عليه ثم قال: من يبارز? فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الأول، ثم قال: من يبارز? فخرج إليه الثالث فقتله ألقاه على الآخرين، وقال: من يبارز? فأحجم الناس عنه وأحب من كان في الصف الأول أن يكون في الآخر، فخرج علي عليه السلام على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، فشق الصفوف، فلما انفصل منها نزل عن البغلة وسعى إليه فقتله، وقال: من يبارز? فخرج إليه رجل فقتله ووضعه على الأول، ثم قال: من يبارز? فخرج إليه رجل فقتله ووضعه على الآخرين، ثم قال: من يبارز? فخرج إليه رجل فقتله ووضعه على الثلاثة، ثم قال: يا أيها الناس إن الله عز وجل يقول: "الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص" ولو لم تبدأوا بهذا لما بدأنا. ثم رجع إلى مكانه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وقد سأله رجل: أكان علي يباشر القتال يوم صفين? فقال: والله ما رأيت رجلا أطرح لنفسه في متلف من علي، ولقد كنت أراه يخرج حاسر الرأس، بيده السيف إلى الرجل الدارع فيقتله، أخرجهما الواحدي.
وقال ابن هشام: حدثني من أثق به من أهل العلم أن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة: يا كتيبة الإيمان، وتقدم هو والزبير ابن العوام وقال: والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم، فقالوا يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ.
وعن علي قال: قاتلت يوم بدر قتالا، ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ساجد يقول: "يا حي يا قيوم". ففتح الله عز وجل عليه. أخرجه النسائي والحافظ الدمشقي في الموافقات.

ذكر شدته في دين الله عز وجل
عن سويد بن غفلة قال: قال عليه السلام: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فوالله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه. وفي رواية: أن أقول عليه ما لم يقل. أخرجاه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اشتكى الناس علياً يوماً، فقام رسول الله فينا فخطبنا، فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا عليا، فوالله إنه لأخشن في ذات الله عز وجل أو قال في سبيل الله" أخرجه أحمد.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عليا مخشوشن في ذات الله عز وجل" أخرجه أبو عمر.
شرح الأخشن مثل الخشن. قاله الجوهري، تقول منه خشن بالضم فهو خشن واخشوشن للمبالغة أي اشتدت خشونته.
وعن علي عليه السلام قال: كنت أنطلق أنا وأسامة إلى أصنان قريش التي حول الكعبة فنأتي بالعذرات التي حول البيوت، فنأخذ كل صوابة جرو وبزاق بأيدينا وننطلق به إلى أصنام قريش فنلطخها.
فيصيحون ويقولون: من فعل هذا بآلهتنا، فيظلون النهار يفسلون بالماء واللبن. أخرجه أبو القزويني الحاكمي.
العذرات: جمع عذة وهي فناء الدار.

ذكر رسوخ قدمه في الإيمان
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن علياً كان يقول في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: الله عز وجل يقول: "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ولئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت. والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه. ومن أحق به مني? أخرجه أحمد في المناقب.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته وهو يقول: "لو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعت في كفة ووضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي" أخرجه ابن السمان والحافظ السلفي في المشيخة البغدادية والفضائلي.

ذكر تعبده
تقدم في حديث ضرار في أول الفصل طرف منه.
وعن حارثة بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه قال: كان لعلي بيت في المسجد يتحدث فيه كما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الحضرمي.

ذكر أذكاره وأدعيته
عن جعفر الصادق قال: كان أكثر كلام علي عليه السلام. الحمد لله. أخرجه الخجندي.
وعن عبد الله بن الحارث الهمداني أن علياً كان يقول في ركوعه: اللهم لك ركعت وبك آمنت. وأنت ربي. ركع سمعي وبصري ولحمي ودمي وشعري وعظمي، تقبل مني أنت السميع العليم. فإذا رفع رأسه من الرطوع وأراد أن يسجد قال: لك أركع وأسجد، وأقوم وأقعد، وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين، الحمد لله رب العالمين، ويقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني، أخرجه أبو رزق الهزاني.
وعن أبي إسحاق السبيعي عن علي عليه السلام: ولما خرج من باب القصر قال: فوضع رجله في الغرز فقال: بسم الله، فلما استوى على الدابة قال: الحمد لله الذي كرمنا وحملنا في البر والبحر، ورزقنا من الطيبات، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا. سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، رب اغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي والحافظ في الموافقات.

ذكر صدقته
عن علي عليه السلام قال: رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإني لأربط الحجر عل بطني من الجوع وإن صدقتي اليوم لأربعون ألفا وفي رواية وإن صدقة مالي لأربعون ألف دينار. أخرجهما أحمد وربما يتوهم متوهم أن مال علي عليه السلام تبلغ زكاته هذا القدر وليس كذلك والله أعلم فإنه رضي الله عنه كان أزهد الناس على ما علم من حاله مما تقدم وما سيأتي في ذكر زهده، فكيف يقتني مثل هذا? قال أبو الحسن بن فارس اللغوي: سألت أبي عن هذا الحديث قال: معناه أن الذي تصدقت به منذ كان لي مال إلى اليوم كذا وكذا ألفا، قلت: وذكره لذلك يحتمل أن يكون في معرض التوبيخ لنفسه بتنقل الحال إلى مثل هذا بعد ذلك الحال ويحتمل أن يكون في معرض الشكر على سد الخلة وعظم الاكتراث بما خرج لله وأن إخواجه أبلغ في الزهد من عدمه.
وعن عبد الله بن سلام قال: أذن بلال بصلاة الظهر، فقام الناس يصلون، فمن بين راكع وساجد وسائل يسأل فأعطاه علي خاتمه وهو راكع فأخبر السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة وهم راكعون" أخرجه الواحدي وأبو الفرج والفضائلي، ومضى أن الولاية هنا النصرة على ما تقدم تقريره في الخصائص.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه وقد سئل عن قوله تعالى "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا". قال: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: إنهم يقولون إنه علي بن أبي طالب، فقال: علي منهم. أخرجه ابن السمان في الموافقة.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتميا وأسيرا" قال: أجر علي نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح، فلما أصبح قبض الشعير فطخن منه شيئاً ليأكلوه يقال له الحريرة دقيق بلادهن فلما تم إنضاجه أتى مسكين فسأل فأطعموه إياه، ثم صنعوا الثلث الثاني، فلما تم إنضاجه أتى يتيم مسكين فسأل فأطعموه إياه، ثم صنعوا الثلث الثالث، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين، فأطعموه إياه وطووا يومهم فنزلت. وهذا قول الحسن وقتادة أن الأسير كان من المشركين. قال أهل العلم، وهذا يدل على أن الثواب مرجو فيهم وإن كانوا من غير أهل الملة، وهذا إذا أعطوا من غير الزكاة والكفارة.
وقال سعيد بن جبير: الأسير: المحبوس من أهل القبلة. ذكره الواحدي.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر أقطع عليا ينبع. ثم اشترى أرضا إلى جنب قطعته فحفر فيها عينا، فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجذور من السماء فأتى علي فبشر بذلك، فقال: بشروا عمر. ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين وابن السبيل وفي سبيل الله للقريب والبعيد، في السلم والحرب، ليوم تبيض وجوه، وتسود وجوه، ليصرف الله بها وجهي عن النار ولتصرف النار عن وجهي. أخرجه بن السمان في الموافقة.

ذكر فكه رهان ميت بتحمل دين عنه
عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتي بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل ويسأل عن دينه، إن قيل عليه دين كف عن الصلاة عليه، وإن قيل ليس عليه دين صلى عليه، فأتي بجنازة فلما قام ليكبر سأل صلى الله عليه وسلم أصحابه: "هل على صاحبكم دين?" قالوا: ديناران، فعدل صلى الله عليه وسلم وقال: "فصلوا على صاحبكم،" فقال علي: هما علي، بريء منهما. فتقدم صلى الله عليه وسلم ثم قال لعلي: "جزاك الله خيرا، فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك، إنه ليس من ميت إلا وهو مرتهن بدينه ومن يفك رهان ميت فك الله رهانه يوم القيامة" فقال بعضهم: هذا لعلي خاصة أو للمسلمين عامة? فقال: "للمسلمين عامة". أخرجه الدار قطني، وأخرجه أيضاً، عن أبي سعيد، وفيه، فقال علي: أنا ضامن لدينه. وأخرجه الحاكمي عن ابن عباس.
ذكر أنه كان من أكرم الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ابن إسحاق السبيعي قال: سألت أكثر من أربعين رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من كان أكرم الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم? قالوا: الزبير وعلي رضي الله عنهما. أخرجه الفضائلي.
ذكر زهده
تقدم في صدر الفصل حديث ضرار وفيه طرف منه وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: إن اله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب منها هي زينة الأبرار عند الله: الزهد في الدنيا، فجعلك لا ترزأ من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووصب لك المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماما. أخرجه أبو الخير الحاكمي.
شرح ترزأ: تصيب والرزء: المصيبة ووصب لك: أي أدام ومنه وله الدين واصباً.

وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي.. كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدنيا وأكلوا التراث أكلا لما وأحبوا المال حبا جما واتخذوا دين الله دغلا ومالوا دولا?" قلت: أتركهم وما اختاروا وأختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأصبر على مصيبات الدنيا وبلواها حتى ألحق بكم إن شاء الله تعالى قال: صدقت اللهم افعل ذلك به، أخرجه الحافظ الثقفي في الأربعين. وعن علي بن أبي ربيعة أن علي ابن أبي طالب جاءه ابن التياح فقال: يا أمير المؤمنين، امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء فقال: الله أكبر، فقام متوكئا على ابن التياح حتى قام على بيت المال وأمر فنودي في الناس، فأعطى جميع ما في بيت المال للمسلمين، وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء غري غيري، هاء وهاء؛ حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم، ثم أمر بنضحه وصل فيه ركعتين. أخرجه أحمد في المناقب، والملاء وصاحب الصفوة. وأخرج أحمد من طريق آخر، والفضائلي معناه عن أبي صالح السمان، ولفظه: رأيت عليا دخل بيت المال فرأى فيه شيئا، فقال: ألا أرى هذا ههنا وبالناس إليه حاجة، فأمر به فقسم، وأمر بالبيت فكنس ونضح، فصلى فيه أ قال فيه يعني نام وفي رواية عند أحمد فصلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة. وأخرجهما القلعي.
شرح نضحه. أي رشه، وقوله. هاء وهاء. أي هاك وهاك. وقال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه. ها وها ساكن لألف، والصواب مدها وفتحها، لأن أصلها هاك. فحذفت الكاف وعوضت منها المدة والهمزة يقال للواحدها وللأثنين هاؤما وللجميع هاؤم وغير الخطابي يجيز فيه السكون عل حذف العوض وينزل منزلة ها التي للتنبيه.
وعن أبي السوار قال: رأيت عليا اشترى ثوبين غليظين فخير قنبر في أحدهما. أخرجه أحمد وصاحب الصفوة، وقد تقدم في ذكر اتباعه للسنة أنه اشترى ثوبا بثلاثة دراهم.
وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عليا خرج وعليه قميص رازي إذا قمصه بلغ الظفر، وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد.
وعن الحسن بن جرموز عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطريتان مؤتزرا بواحدة، مرتديا بالأخرى، وإماره إلى نصف الساق وهو يطوف بالأسواق، ومعه درة، يأمرهم بتقوى الله عز وجل وصدق الحديث وحسن البيع والوفاء بالكيل والميزان. أخرجهما القعلي.
القطر: والقطرية ضرب من البرود.
وعن أبي سعيد الأزدي قال: رأيت عليا في السوق وهو يقول: من عنده قميص صالح بثلاثة دراهم? فقال رجل: عندي. فجاء به فأعجبه فأعطاه ثم لبسه فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر به فقطع ما فضل عن أصابعه. أخرجه الملاء في سيرته، وأخرج صاحب الصفوة معناه عن فضل بن سلمة عن أبيه، ولفظه: أن عليا اشترى قميصا، ثم قال: اقطعه لي من ههنا من أطراف أصابعه، فأمر بقطع ما فضل عن أطراف الأصابع.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اشترى علي بن أبي طالب قميصا بثلاثة دراهم وهو خليفة، وقطع كمه من موضع الرسغين وقال: الحمد لله الذين هذا من رياشه. أخرجه السلفي.
الرسغ: موصل الوظيف من الرجل واليد. تسكن سينه وتحرك بالضم كاليسر والعسر، والوظيف. مستدق الذراع والساق من الخيل والإبل ثم استعمل الرسغ في الآدمي اتساعاً. والريش والرياش: اللباس الفاخر، كالحرم والحرام والبس واللباس.
وعن أبي بحر عن شيخ قال: رأيت على علي إزاراً غليظاً، ثمنه خمسة دراهم، وقد اشتراه بخمسة دراهم قال: رأيت معه دراهم مصرورة قال: هذه بقية نفقتنا من ينبع.
وعن علي بن ربيعة قال: كان لعلي امرأتان، فكان إذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم، وإذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم.
وعن ابن أبي مليكة قال: لما أرسل عثمان إلى علي في اليعاقيب وجده مؤتزراً بعباءة محتجزا بعقال وهو يهنأ بعيرا له.
يهنأ: أي يطليه بالهنا وهو القطران.
وعن عمر بن قيس قال: قيل لعلي: يا أمير المؤمنين، لم ترفع قميصك? قال: يخشع القلب ويقتدي به المؤمن.
وعن زيد بن وهب أن الجعد بن بعجة عاتب عليا في لبوسه، فقال: ومالك واللبوس? أن لبوسي هذا أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي به المسلم.
وعن عدي بن ثابت أن عليا أتي بالفالوذج فلم يأكله.
وعن حبة العرني أن عليا أتي بالفالوذج فوضع قدامه فقال والله إنك لطيب الريح حسن اللون طيب المطعم، ولكني أكره أن أعود نفسي ما لم تعتده.

وعن أم سليم وقد سئلت عن لباس علي قالت: كان لباسه الكرابيس السنبلانية.
وعن الضحاك بن عمير قال: رأيت قميص علي بن أبي طالب الذي أصيب فيه، كرباس سنبلاني، ورأيت أثر دمه فيه كأنه رديء أخرج من حديث أبي سعيد الأزدي إلى هنا أحمد في المناقب.

ذكر ما كان فيه من ضيق العيش مع استصحاب الصبر الجميل
عن علي عليه السلام قال: أصبت شارفا من مغنم بدر، وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا، فأنختهما عند باب رجل من الأنصار أريد أن أحمل عليهما إذخرا وأبيعه وأستعين به على وليمة فاطمة، ومعي رجل صانع من بني قينقاع وحمزة بن عبد المطلب في البيت، وقينة تغنيه فقالت:


ألا يا حمزة للشرف البواء
فثار إليهما بالسيف فجب أسنتهما، وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما قال: فنظرت إلى أمر فصنعني فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة، فخرجت معه حتى قام على حمزة فتغيظ عليه، فرفع حمزة بصره وقال: هل أنتم إلا أعبد آبائي? فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر عنه. متفق على صحته.
وعنه قال: جعت بالمدينة جوعاً شديداً فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله، فأتيتها فعاطيتها كل دلو بتمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حق مجلت يدي ثم أتيتها فقلت: بكلتي يدي هكذا بين يديها وبسط اسماعيل راوي الحديث يديه جميعا فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخربته، فأكل معي منها وقال إلي خيرا ودعا لي. وأخرجه أحمد وصاحب الصفوة والفضائلي.
شرح عوالي المدينة: أعاليها وهي منازل معروفة بها. عاطيتها: يجوز أن يكون من قولهم هو يعطيني بالتشديد ويعاطيني إذا كان يخدمك ويجوز أن يكون من المعاطاة المناولة فكل واحد منهما أخذ يد صاحبه على ذلك إذا عاقده عليه، وإن لم يوجد أخذ اليد حساً. والذنوب: الدلو الملآن ماء وقال ابن السكيت: فيها ماء ما يقرب من ملئها يؤنث ويذكر ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب وجمعه في القلة أذنبة والكثير ذنائب نحو قلوس وقلائص ومجلت: تنفطت من العمل.
وعن سهل بن سعد أن علي بن أبي طالب دخل على فاطمة والحسن والحسين يبكيان فقال: ما يبكيهما? قالت: اذهب إلى فلان اليهودي فخذ لنا به دقيقا، فجاء إلى اليهودي فاشترى به دقيقا فقال اليهودي: أنت ختن هذا الذي يزعم أنه رسول? قال: نعم. قال: فخذ دينارك ولك الدقيق. فخرج علي حتى جاء به فاطمة فأخبرها فقالت: إذهب إلى الجزار فخذ لنا بدرهم لحما، فذهب فرهن الدينا ردهم على لحم، فجاء به وعجنت ونصبت وخبزت، وأرسلت إلى أبيها، فجاءهم، فقال: يا رسول الله أذكر لك، فإن رأيته حلالا أكلنا وأكلت، من شأنه كذا وكذا، فقال: كلوا بسم الله، فأكلوا، فبينما هم مكانهم إذا غلام ينشد الله والإسلام الدينار، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعي له، فسأله فقال: سقط مني في السوق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا علي اذهب إلى الجزار، فقل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: "أرسل إلي بالدينار، ودرهمك علي فأرسل به". فدفع إليه أخرجه أبو داود.
وعن أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوماً فقال: أين ابناي? يعني حسنا وحسيناً، قالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء نذوقه، فقال علي: أذهب بهما، فإني أتخوف أن يبكيا عليك، وليس عندك شيء؛ فذهب بهما إلى فلان اليهودي. فتوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مسربه، بين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر عليهما? قال: فقال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول حتى أجمع لفاطمة تمرات? فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ينزع لليهودي كل دلو بتمرة حتى اجتمع له شيء من تمر فجعله في حجزته، ثم أقبل فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما وحمل علي عليه السلام الآخر. أخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة في مسند أسماء بنت عميس عن فاطمة.
شرح المسربة: بالفتح والضم، الغرفة، وحجزة الإذار: معقدة، وحجزة السراويل التي فيها التكة.

وعن أبي سويد المدني قال: لما أهديت فاطمة إلى علي لم تجد عنده إلا رملا مبسوطاً ووسادة وجرة وكوزاً فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقرب أمرأتك حتى آتيك" وذكر قصة دخولها عليه وقد تقدمت في الخصائص.
عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف ورحاتين وسقاء وجرتين فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه، فقالت: والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما حاجتك يا بنية?" قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله، ورجعت، فقالت: استحيت أن أسأله، فأتيناه جميعاً فقال علي: يا رسول الله، لقد سنت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: وقد طحنت حتى مجلت ياداي، وقد جاء الله بسبي وسعة، فأخدمنا قال: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعه وأنفق عليهم أثمانهم، فرجعا فأتاهما صلى الله عليه وسلم وقد دخل في قطيفتهما إذا غطت رؤسهما انكشفت أقدامها، وإذا غطت أقدامهما انكشفت رؤسهما، فثارا فقال: "مكانكما. ثم قال: ألا أخبركما بخير مما سألتماني? قالا: بلى، قال: كلمات علمني هن جبريل عليه السلام، فقال: تسبحان دبر كل صلاة عشراً وتحمدان عشراً وتكبران عشراً، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين. قال علي: فما تركتهن منذ علمني هن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ولا ليلة صفين? قال: ولا ليلة صفين". أخرجه أحمد.
شرح الخميلة: لعله أراد بها الطنفسة ويقال لها الخمل وسنوت: استقيت، والسانية: الناضحة التي يستقى عليها ومجلت: تنفطت من العمل، والسبي والسبا: الأسرى، قاله الجوهري، وقال غيره: السبي: النهب وأخذ الناس عبيداً، وأما السبية: المرأة المنهوبة، فعلية بمعنى مفعولة وجمعه سبايا.
وعنه أن فاطمة شكت ما تلقى من أثر الرحا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم فقال: "على مكانكما، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال ألا أعلمكما خيراً مما سألتماني? إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا أربعاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم يخدمكما". أخرجه البخاري وأبو حاتم.
وعندما قال: شكت غلي فاطمة من الطحين فقلت: لو أتيت أباك فسألته خادماً? قال: فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تصادفه، فرجعت مكانها، فلما جاء أخبر، فأتى وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولا خرجت منها جنوبنا وإذا لبسناها عرضا خرجت منها أقدامنا ورءوسنا فقال: يا فاطمة أخبرت أنك جئت، فهل كانت لك حاجة? قالت: لا، قلت: بلى، شكت إلي من الطحين فقلت لو أتيت أباك فسألته خادماً? فقال: "أفلا أدلكما على ما هو خير لكما? إذا أخذتما مضاجعكما" ثم ذكر معناه. أخرجه أبو حاتم.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي أثر الخدمة وتسأله خادماً، قالت: يا رسول الله لقد مجلت يداي من الرحا، أطحن مرة وأعجن مرة، فقال لها: إن يرزقك الله شيئا سيأتيك، وسأدلك على خير من ذلك: إذا لزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثاً وثلاثين، وكبري الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدي الله أربعاً وثلاثين، فتلك مائة، فهو خير لك من الخدم". أخرجه الدولابي.

ذكر تواضعه
تقدم في زهده طرف منه، وسيأتي في ذكر ورعه طرف منه أيضاً.
وعن أبي صالح بياع الأكسية عن جده قال: رأيت عليا اشتري تمراً بدرهم فحمله في ملحفته، فقيل: يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك? قال: أبو العيال أحق بحمله. أخرجه البغوي في معجمه.
وعن زيد بن وهب أن الجعد بن بعجة من الخوارج عاتب عليا في لباسه فقال: ما لكم ولباسي? هذا هو ابعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي به المسلم. أخرجه أحمد وصاحب الصفوة، وقد تقدم في زهده، وقوله: أجدر: أي أحق وأولى، وجدير وخليق وحري بمعنى.

وعن زاذان قال: رأيت عليا يمشي في الأسواق فيمسك الشسوع بيده فيناول الرجل الشسع، ويرشد الضال ويعين الحمال على الحمولة وهو يقرأ الآية "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين" ثم يقول كهذه الآية نزلت في ذي القدرة من الناس. أخرجه أحمد في المناقب.
وعن أبي مطر البصري أنه شهد عليا أتي أصحاب التمر وجارية تبكي عند التمار، فقال: ما شأنك? قال: باعني تمراً بدرهم فرده مولاي، فأبى أن يقبله، فقال: يا صاحب التمر خذ تمرك وأعطها درهمها، فإنها خادم وليس لها أمر، فدفع عليا، فقال المسلمون: تدري من دفعت? قال: لا. قالوا: أمير المؤمنين. فصب تمرها وأعطاها درهمها، وقال: أحب أن ترضى عني فقال: ما أرضاني عنك إذا أوفيت الناس حقوقهم! أخرجه أحمد في المناقب.

ذكر حيائه من النبي صلى الله عليه وسلم
عن علي عليه السلام قال: كنت رجلا مذاء، فكنت أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود فقال: "يغسل ذكره ويتوضأ". أخرجاه.
ذكر غيرته على النبي صلى الله عليه وسلم
عن علي عليه السلام قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالك تنوق في قريش وتدعنا? قال: وعندكم شيء? قلت: نعم، بنت حمزة، فقال صلى الله عليه وسلم "إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة". أخرجه مسلم.
وقوله: تنوق: لعله بمعنى تأنق، ويجوز ذلك، أو يتخذ نوقا، وكنى به عن النساء.

ذكر خوفه من الله عز وجل
تقدم وصف ضرار في أول الفصل.
ذكر ورعه
عن عبد الله بن الزبير قال: دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة، فقلت: اصلحك الله لو قربت إلينا من هذا البط يعني الأوز فإن الله قد أكثر الخير، فقال: يا ابن زرير سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين أيدي الناس". أخرجه أحمد.
شرح الخزيرة: أن ينصب القدر بلحم يقطع صغاراً على ماء كثير فإذا نضح رد عليه الدقيق، وإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حدثني رجل من ثقيف أن عليا قال له: إذا كان عند الظهر فرح علي، قال فرحت إليه فلم أجد عنده حاجباً يحجبني دونه، ووجدته وعنده قدح وكوز من ماء، فدعا بطبية، فقلت في نفسي: لقد أمنني حين يخرج إلي جوهراً ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم، فإذا فيها سويق فأخذ منه قبضة في القدح وصب عليه ماء، فشرب وسقاني فلم أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين، أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك? فقال: والله ما أختم عليه بخلا به ولكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى فيوضع فيه من غيره، وإنما حفظي لذلك، وأكره أن يدخل بطني إلا طيبا. أخرجه في لصفوة والملاء في سيرته.
وعن ابن حبان التيمي عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا? فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته. فقام إليه رجل وقال: أسلفك ثمن إزار.
قال عبد الرزاق: وكانت بيده الدنيا كلها إلا ما كان من الشام. أخرجه أبو عمر، وأخرج معناه بزيادة صاحب الصفوة عن علي بن الأرقم عن أبيه، ولفظه: قال: رأيت علياً وهو يبيع له سيفاً في السوق ويقول، من يشتري مني هذا السيف? فوالذي فلق الحبة لطال ما كشفت به الحروب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته.
وعن هارون بن عنترة عن أبيه قال: دخلت على علي بن أبي طالب في الخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا الما، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع? فقال: ما أرزؤكم من مالكم، وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي أو قال: من المدينة.
شرح السمل: الخلق والقطيفة: دثار مخمل، والجمع قطائف وقطف أيضاً كصحيفة وصحف أرزؤكم؛ أصيب منكم الرزء المصيبة والجمع أرزاء.

وعن ابن مطرف قال رأيت علياً مؤتزراً، مرتديا برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي، حتى بلغ سوق الكرابيس فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم؛ فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتى غلاماً حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ثم جاء أبو الغلام فأخبره، فأخذ أبوه درهما ثم جاء به فقال: هذا الدرهم يا أمير المؤمنين؛ فقال: ما شأن هذا الدرهم? قال: كان ثمن القميص درهمين؛ باعني رضاي وأخذ رضاه. أخرجهما صاحب الصفوة، وخرج الثاني أحمد في المناقب.
شرح الكرباس: فارسي معرب بكسر الفاء، والكرباسة أخص منه، والجمع كرابيس، وهي ثياب خشنة.
وعن عمر بن يحيى عن أبيه قال: أهدي إلي علي بن أبي طالب أزقاق سمن وعسل، فرآها قد نقصت، قال: فقيل له: بعثت أم كلثوم فأخذت منه؛ فبعث إلى المقومين، فقوموا خمسة دراهم، فبعث إلى أم كلثوم: إبعثي لي خمسة دراهم. أخرجه في الصفوة.
وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال: قدم علي بن أبي طالب مال من أصبهان، فقسمه سبعة أسباع، فوجد فيه فيه رغيفاً، فقسمه سبع كسر، وجعل على كل جزء كسرة، ثم أقرع بينهم. أيهم يعطي أول? أخرجه أحمد والقلعي.
وعن الأعمش قال: كان علي يغدي ويعشي، ويأكل هو من شيء يجيئه من المدينة.
وعن أبي شالح قال: دخلت على أم كلثوم بنت علي وإذا هي تمتشط في ستر بيني وبينها، فجاء حسن وحسين، فدخلا عليها وهي جالسة تمشط، فقالت: ألا تطعمون أبا صالح شيئاً? قال: فأخرجوا إلي قصة فيها مرق بحبوب، قال: فقلت تطعمون هذا وأنتم أمراء? قالت أم كلثوم: يا أبا صالح، كيف لو رأيت أمير المؤمنين، يعين عليا، وأني بأترج، فذهب حسين فأخذ منها أترجة فنزعها من يده ثم أمر به فقسم بين الناس!?

ذكر عدله في رعيته
تقدم في ذكر ورعه آنفا طرف منه.
وعن كريمة بنت همام الطائية قالت: كان علي يقسم فينا الورس بالكوفة. قال فضالة: حملناه على العدل منه. أخرجه أحمد في المناقب.

ذكر تفقده أحوالهم
عن أبي الصهباء قال: رأيت علي بن أبي طالب بشط الكلأ يسأل عن الأسعار.
ذكر شفقته على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والإسلام وتخفيف الله عز وجل عن الأمة بسببه
عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت: "يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة" قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترى ديناراً?" قلت: لا يطيقونه؛ قال: "فكم?" قلت: شعيرة؛ قال: إنك لزهيد: فنزلت "أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات" الآية؛ قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة، أخرجه أبو حاتم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر? قال: قلنا: بلى؛ قال: قال أبو ذر: كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل بمكة وائتني بخبره، فانطلق فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك? قال: والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر فقلت: لم تشفني من الخبر، فأخذت جراباً وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد، قال: فمر بي علي، فقال: كأن الرجل غريب، قال: قلت: نعم، قال: فانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره؛ فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه وليس أحد يخبرني عنه بشيء؛ قال: فمر بي علي فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله? قال: قلت: لا. قال: فانطلق معي فذهبت معه ولا يسأل أحد منا صاحبه عن شيء؛ حتى إذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فأقامه علي معه، ثم قال له: ألا تحدثني? قال: فقال: ما أمرك وما أقدمك هذه البلد? قال: قلت له: إن كتمت علي أخبرتك، قال: فقلت له: بلغنا أنه خرج ههنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه، فقال: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه فاتبعني وادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحداً أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامض أنت، فمضى ومضيت معه حتى دخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: اعرض علي الإسلام؛ فعرضه فأسلمت. أخرجه البخاري.
وفي الحديث قصة ذكرناها مستوعبة في مناقب العباس.

ذكر إسلام همدان على يديه
عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، وكنت في من سار معه، فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه إلى شيء؛ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأمره أن يرسل خالدا ومن معه إلى من أراد البقاء مع علي فيتركه، قال البراء: وكنت مع من عقب مع علي، فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر، فجمعوا له، فصلى عليه بنا الفجر، فلما فرغ صفنا صفا واحداً ثم تقدم بين أيدينا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ كتابه خر ساجداً وقال: السلام على همدان، السلام على همدان. أخرجه أبو عمر.
ذكر إثبات أفضليته بقتل الخوارج
عن عبيدة السلماني قال: ذكر علي الخوارج، فقال فيهم رجل مخدج اليد أو مودن اليد: لولا أن تبطروا لأخبرتكم بما وعد الله تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لمن قتلهم؛ قال: فقلت لعلي: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم? قال: أي ورب الكعبة ثلاثا أخرجه مسلم.
شرح البطر: الأشر وهو شدة المرح، تقول منه، بطر بالكسر يبطر، وأبطره المال، وتقول بطرت عيشك كما تقول رشدت أمرك ومخدج اليد: ناقصها، ومنه حديث الصلاة فهي خداج يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها لغير تمام ومودن اليد وروى مودون اليد: يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها لغير تمام ومودن اليد وروي مودون اليد: ومعناها ناقصها أيضاً، ومنه قول العرب ودنت الشيء وأودنته إذا نقصته وصغرته.
وعن عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يونيو 26, 2011 3:04 pm


ذكر السبب الموجب لقتال الخوارج عليا عليه السلام
عن ابن عباس قال: اجتمعت الخوارج في دارها. وهم ستة آلاف أو نحوها، قلت لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، أبرد بالصلاة، لعلي ألقي هؤلاء القوم، فقال: إني أخافهم عليك، قال: فقلت: كلا، قال: ثم لبس حلتين من أحسن الحلل، قال: وكان ابن عباس جميلا جهيراً، قال: فلما نظروا إلي قالوا: مرحبا بابن عباس، فما هذه الحلة? قال: قلت: وما تنكرون من ذلك? لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من أحسن الحلل، قال: ثم تلوت عليهم: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده" قالوا: فما جاء بك? قلت: جئتكم من عند أمير المؤمنين ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المهاجرين والأنصار لأبلغكم ما قالوا ولأبلغكم ما تقولون، فما تنقمون من علي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره? قال: فأقبل بعضهم على بعض، فقال بعضهم: لا تكلموه فإن الله تعالى يقول: "بل هم قوم خصمون" وقال بعضهم: ما يمنعنا من كلام ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى كتاب الله? قالوا: ننقم عليه خلالا ثلاثا، قال: وما هن? قالوا: حكم الرجال في أمر الله عز وجل، وما للرجال ولحكم الله!? وقاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن كان الذين قاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن كان الذين قاتل قد حل قتالهم فقد حل سبيهم وإن لم يكن حل سبيهم فما حل قتالهم، ومحا اسمه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير المشركين؛ قال: فقلت لهم: غير هذا? قالوا: حسبنا هذا؛ قال: قلت: أرأيتم إن خرجت من هذا بكتاب الله وسنة رسوله أراجعون أنتم? قالوا: وما يمنعنا? قلت: أما قولكم حكم الرجال في أمر الله فإني سمعت الله عز وجل يقول في كتابه: "يحكم به ذوا عدل منكم" في ثمن صيد أرنب أو محوه يكون قيمته ربع درهم، فرد الله الحكم فيه إلى الرجال، ولو شاء أن يحكم لحكم، وقال تعالى: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما"، أخرجت من هذه? قالوا: نعم: قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم فإنه قاتل أمكم، وقال الله تعالى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" فإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها أمكم فما حل سباها، فا،تم بين ضلالين، أخرجت من هذه قالوا: نعم، قال: وأما قولكم: محا اسمه من أمير المؤمنين، فإني أنبئكم بذلك عمن ترضون، أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وقد جرى الكتاب بينه وبين سهيل بن عمرو قال: يا علي، اكتب: "هذا ما اصطلح محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو"، فقالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال: "اللهم إنك تعلم إني رسولك" ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمر? فوالله ما أخرجه الله بذاك من النبوة، أخرجت من هذا?. قالوا: نعم. قال: فرجع ثلثهم، وانصرف ثلثهم، وقتل سائرهم على الضلالة. أخرجه بكار بن قتيبة في نسخته.
الفصل العاشر
في خلافته
ذكر ما جاء في صحة خلافته والتنبيه عليها
تقدم في باب الأربعة طرف منه، وفي باب أبي بكر وعمر وعلي كذلك وعن عمر أنه قال حين طعن وأوصى: إن ولدها الأجلح سلك بهم الطريق المستقيم يعني عليا أخرجه أبو عمر وعن عمر بن ميمون قال: كنت عند عمر إذ ولى الستة الأمر، فلما جاوزوا أتبعهم بصره، ثم قال: لئن وليتم هذا الأجلح ليركبن بكم الطريق يعني علياً أخرجه ابن الضحاك.
وفي لفظ: إن ولوها الأصليع يحملهم على الحق وإن السيف على عنقه. أخرجه القلعي، وقد تقدم في فصل مقتل عمر.
وعن عبد الرحمن بن عبيد أنه سمع عمر رجلا ينادي رجلا من الأنصار من بني حارثة فقال: تجدونه يستخلف، فعد الأنصار والمهاجرين ولم يذكروا عليا، فقال عمر: فما بكم عن علي? فوالله إني لأرى إن قد ولي شيئاً من أموركم فسيحملكم على طريقة الحق أخرجه ابن الضحاك.
وعن حارثة بن مضرب قال: حججت مع عمر وكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده عثمان، فحججت مع عثمان، فكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده علي. أخرجه البغوي في معجمه، وقد تقدم في ذلك أيضا في نظيره في مناقب عثمان.
وعن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري قال: خرجت مع أبي إلى ينبع عائدا لعلي بن أبي طالب، فقال له: يا أبا حسن؛ ما قيمك بهذا البلد، إن أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة? فلو احتملت إلى المدينة فأصابك أجلك وليك أصحابك فصلوا عليك? فقال: يا أبا فضالة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى أومر، ثم تخضب هذه يعني لحيته من هذه يعني ناصيته أخرجه أحمد في المناقب وأبو حاتم وقال: وقتل أبو فضاله مع علي بصفين. وخرجه الملاء في سيرته، وأخرجه ابن الضحاك وقال بعد قوله عائداً لعلي: وكان مريضا، ولم يقل حتى أومر. وقد تقدم ذكر كراماته.
وعن ابن عمر أنه قال: ما أساء علي شيء إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية، وعلى صوم الهواجر.
وفيه دليل على صحة خلافته عندهم.
وعن عمر بن خاقان قال: قال لي الأخنف بن قيس: لقيت الزبير? فقلت له: ما تأمرني به وترضاه لي? قال: آمرك بعلي بن أبي طالب، قلت اتأمرني به وترضاه لي? قال: نعم. أخرجه الحضرمي.
وعن عاصم بن عمر قال: لقي عمر علياً فقال: يا أبا الحسن، نشدتك بالله هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاك الأمر? قال: إن قلت ذاك فما تصنع أنت وصاحبك? قال: أما صاحبي فقد مضى، وأما أنا فوالله لأخلعنها من عنقي في عنقك، قال: جذع الله أنف من أبعدك من هذا? لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلني علما، فإذا أنا قمت فمن خالفني ضل.
وفي رواية انه قال له: يا أبا الحسن نشدتك بالله هل استخلفك رسول الله صلى الله عليه وسلم? قال: لا، ولكن جعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً، فمتى قمت فمن خالفني ضل. أخرهما ابن السمان في الموافقة.

ذكر بيعته ومن تخلف عنها
تقدم في مقتل عثمان طرف من ذلك.
وعن محمد بن الحنفية قال: أتى رجل وعثمان محصور، فقال: إن أمير المؤمنين مقتول، ثم جاء آخر فقال: إن أمير المؤمنين مقتول الساعة، قال: فقام علي فقال: يا محمد: فأخذت بوسطه تخوفا عليه فقال: حل لا أم لك قال: فأتو على الدار وقد قتل الرجل، فأتى داره فدخلها وأغلق عليه بابه، فأتاه الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه، فقال: إن هذا الرجل قد قتل، ولا بد للناس من خليفة، ولا نعلم أحداً أحق بها منك. فقال لهم علي: لا تريدوني، فإني لكم وزير خير مني لكم أمير فقالوا: والله لا نعلم أحداً أحق بها منك: قال: فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سراً، ولكن ائتوا المسجد، فمن شاء أن يبايعني بايعني. قال: فخرج إلى المسجد فبايعه الناس.

وعن المسور بن مخرمة قال: قتل عثمان وعلي في المسجد، فمال الناس إلى طلحة، قال: فانصرف علي يريد منزله، فلقيه رجل من قريش عند موضع الجنائز فقال: انظروا إلى رجل قتل ابن عمه وسلب ملكه! قال: فولى راجعا فرقي المنبر، فقيل: ذاك علي على المنبر، فمال الناس إليه فبايعوه وتركوا طلحة. أخرجهما أحمد في المناقب، وغيره، ولا تضاد بينهما، بل يحمل على أن طائفة من الناس أرادوا بيعة طلحة والجمهور أموا عليا في داره فسألوه ما سألوه وأجابهم على ما تقدم تقريره، فخرج بعد انصرافهم عنه في بعض شؤونه، فلما سمع كلام ذلك الرجل خشى الخلف بين الناس، فصعد شؤونه، فلما سمع كلام ذلك الرجل خشي الخلف بين الناس، فصعد المنبر في وقته ذاك، وبادر إلى البيعة لهذا المعنى، لا لحب المملكة وخشية فواتها وحمية حين سمع كلام ذلك الرجل: قال ابن إسحاق: إن عثمان لما قتل بويع علي بن أبي طالب بيعة العامة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبايع له أهل البصرة، وبايع له المدينة طلحة والزبير.
قال أبو عمر: واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلف عن بيعته نفر، فلم يكرههم، وسئل عنهم فقال: أولئك قوم قعدوا عن الحق ولم يقوموا مع الباطل، وتخلف عنه معاوية ومن معه بالشام وكان منهم في صفين ما كان، فغفر الله لهم أجمعين ثم خرج عليه الخوارج فكفروه وكل من معه إذ رضي بالتحكيم في دين الله بينه وبين أهل الشام، فقالوا: حكمت الرجال في دين الله عز وجل، والله تعالى يقول "إن الحكم إلا لله" ثم اجتموع وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السبيل، فخرج إليهم بمن معه، ورام رجعتهم، فأبوا إلا القتال، فقاتلهم بالنهروان، فقتلهم واستأصل جمهورهم، ولم ينج منهم إلا القليل. وقال أبو عمر: وبايع له أهل اليمن بالخلافة يوم قتل عثمان.

ذكر حاجبه ونقش خاتمه
كان حاجبه قنبر مولاه. ذكره الخجندي، وكان نقش خاتمه "الله الملك". رواه أبو جعفر محمد بن علية، أخرجه السلفي وأخرجه الخجندي.
ذكر ابتداء شخوصه من المدينة وأنه لم يقم فيما قام فيه إلا محتسباً لله تعالى
عن مالك بن الجون قال: قام علي بن أبي طالب بالربذة، فقال: من أحب أن يلحقنا فليلحقنا، ومن أحب أن يرجع فليرجع مأذونا له غير حرج، فقام الحسن بن علي فقال: يا ابة أو يا أمير المؤمنين لو كنت في جحر وكان للعرب فيك حاجة لاستخرجوك من جحرك، فقال: الحمد لله الذي يبتلي من يشاء بما يشاء، ويعافى من يشاء بما يشاء، أما والله لقد ضربت هذا الأمر ظهراً لبطن أو ذنباً ورأسا فوالله إن وجدت له إلا القتال أو الكفر بالله يحلف بالله عليه، اجلس يا بني ولا تحن علي حنين الجارية. أخرجه أبو الجهم.
وقد تقدم في باب الشيخين قول ابن الكوا وقيس بن عباد له في قتاله وأنه: هل هو بعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شيء من عندك? وجوابه لهما. فلينظر ثمة.

ذكر ما رواه أبو بكر في فضل علي وروى عنه
وقد ذكرنا ذلك مفرقا في الأبواب والفصول، ونحن ننبه عليه لتوفر الداعية.
فمنه حديث النظر إليه عبادة في الفضائل، وحديث استواء كفه وكف النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أنه خيم عليه وعلى بنيه خيمة، وحديث أنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم من ربه، وحديث: لا يجوز أحد الصراط إلا بجواز يكتبه علي، كل ذلك في الخصائص، وقوله: من سره أن ينظر إلى أقرب الناس قرابة، وإحالته على علي لما سئل عن وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفضائل وحديث مشاورة أبي بكر له في قتال أهل الردة في اتباعه للسنة.

ذكر ما رواه عمر في علي وروى عنه مختصرا
وقد تقدم جميع ذلك مفرقا في أبوابه.
فمنه حديث الراية يوم خيبر، وحديث ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن، وحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: في علي ثلاث خلال لوددت أن لي واحدة منهن، وحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وحديث رجحان إيمانه بالسموات السبع والأرضين، وحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، وقوله: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، لما قال لعلي: لأبعثنه إلى كذا كذا، وقوله: أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، وقوله: علي مولى من النبي صلى الله عليه وسلم مولاه، وقوله في علي: إنه مولاي، وإحالته في المسألة عليه غير مرة في القضاء.

وقوله: أقضانا علي، ورجوعه إلى قوله في مسائل كثيرة. كل ذلك في الخصائص والفضائل مفرقا في بابه.
الفصل الحادي عشر
في مقتله وما يتعلق به ذكر إخباره عن نفسه أنه يقتل
تقدم في الذكر قبله حديث فضالة، وفيه طرف منه وعن زيد بن وهب قال: قدم على علي قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجة فقال له: اتق الله يا علي، فإنك ميت، قال علي بضربة على هذه تخضب هذه يعني لحيته من رأسه عهد معهود، وقضاء مقضي وقد خاب من افترى.
وعن عبد الله بن سبع قال: خطبنا علي فقال: والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، لتخضبن هذه من هذه. قال: فقال الناس: أعلمنا من هو لنبيره أو لنبيرن عشريته قال أنشدكم بالله أن لا يقتل بي غير قاتلي، قالوا: إن كنت قد علمت ذلك فاستخلف، قال: لا ولكن أكلكم إلى من وكلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجهما أحمد.
شرح: لنبيره: أي نهلكه، والبوار الهلاك، وقوم بور أي هلكي، وبار فلان: هلك وأباره الله: أهلكه. ذكره الجوهري.
وعن سكين بن عبد العزيز العبدي أنه سمع أباه يقول: جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل عليه فحمله ثم قال: أما أن هذا قاتلي؛ قيل: فما منعك منه، قال: إنه لم يقتلين بعد وقيل له: إن ابن ملجم يسم سيفه، وقيل له: إنه سيقتلك به قتلة يتحدث بها العرب، فبعث إليه وقال: لم تسم سيفك، قال: لعدوي وعدوك فخلى عنه وقال: ما قتلني بعد. أخرجه ابن عمر.
وعن الحسين بن كثير عن أبيه وكان قد أدرك عليا، قال: فخرج علي إلى الفجر، فأقبل الاوز يصحن في وجهه فطردوهن، فقال: فإنهن نائح، فضربه ابن ملجم قلت له: يا أمير المؤمنين، خل بينا وبين مراد، فلا تقوم لهم ثاغية ولا راغية أبدا قال: لا ولكن احبسوا الرجل فإن أنا مت فاقتلوه، وأن أعش فالجروح قصاص. أخرجه أحمد في المناقب.
شرح ثاغية: شاه راغية: بعير، ثغت الشاة ثغاء ورغا البعير يرغو رغاء.

ذكر رؤيا في نومه ليلة قتله
عن الحسن البصري أنه سمع الحسن بن علي يقول: أنه سمع أباه في سحر اليوم الذي قتل فيه يقول لهم: يا بني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومة نمتها، فقلت: يا رسول الله ما لقيت من أمتك منالأواء واللدد!! فقال: ادع الله عليهم. فقلت: اللهم أبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني. ثم انتبه، وجاء مؤذنه ويؤذنه بالصلاة فخرج فقتله ابن ملجم. أخرجه أبو عمر والقلعي وغيرهما.
ذكر قاتله وما حمله على القتل وكيفية قتله وأين دفن
قال الزبير بن بكار: كان من بقي من الخوارج تعاقدوا على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص، فخرج لذلك ثلاثة، فكان عبد الرحمن بن ملجم هو الذي التزم لهم قتل علي، فدخل الكوفة عازما على ذلك واشترى سيفا لذلك بألف، وسقاه السم فيما زعموا حتى نفضله وكان في خلال ذلك يأتي عليا يسأله ويستحمله فيحمله، إلى أن وقعت عينه على قطام امرأة رائعة جميلة كانت ترى رأي الخوارج وكان علي قد قتل أباها وأخوتها بالنهروان، فخطبها ابن ملجم، فقالت له البنت: أنا لا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه فقال: وما هو? قالت ثلاث آلاف دينار وقتل علي. قال: والله لقد قصدت قتل علي والفتك به. وما أقدمني هذا المصر غير ذلك. قال: وما يغنيك أو يغنيني منك قتل علي وأنا أعلم أني إن قتلت علياً لم أفلت? فقالت: إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت، فتبلغ شفاء نفسي، ويهنيك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها فقال لها: لك ما اشترطت. فقالت له: سألتمس لك من يشد ظهرك، فبعثت إلى ابن عم لها يدعى وردان بن مجالد، فأجابها ولقي ابن ملجم شبيب بن نجرة الأشجعي، فقال: يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة? قال: وما هو? قال: تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، قال ثكلتك أمك لقد جئت شيئاً إداً. كيف تقدر على ذلك? قال: إنه رجل لا حرس له، ويخرج إلى المسجد منفرداً دون من يحرسه، فنكمن له في المسجد، فإذا خرج إلى الصلاة قتلناه فإذا نجونا نجونا، وإن قتلناه سعدنا بالذكر في الدنيا والجنة في الآخرة. فقال: ويلك إن عليا ذو سابقة في الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم والله ما تنشرح نفسي لقتله. قال: ويلك! إنه حكم الرجال في دين الله عز وجل وقتل أخواننا الصالحين، فنقتله ببعض من قتل، ولا تشكن في دينك: فأجابه، وأقبلا، حتى دخل على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم في قبة ضربتها لنفسها فدعت لهم، وأخذوا أسيافهم، وجلسوا قبالة السدة التي يخرج منها علي، فخرج علي إلى صلاة الصبح فبدره شبيب فضربه فأخطأه وضربه ابن ملجم على رأسه وقال: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك فقال علي: لا يفوتكم الكلب فشد الناس عليه من كل جانب، ليأخذوه، وهرب شبيب خارجا من باب كندة فلما أخذ قال: احبسوه فإن مت فاقتلوا ولا تمثلوا به، وإن لم أمت فالأمر إلي في العفو والقصاص أخرجه أبو عمر.
شرح الفتك: أن يأتي الرجل وهو غار غافل حتى يشد عليه ويقتله، وفيه ثلاث لغات فتح الفاء وضمها وكسرها مع إسكان التاء كود ودعم إداً: الإد بالكسر والإدة الداهية والأمر الفظيع، ومنه قوله تعالى: "لقد جئتم شيئاً إدا" فنكمن له: أي نختفي، تقول كمن كمونا، ومنه الكمين في الحرب والسدة: باب الدار، وقد تقدم.
وعن الليث بن سعد أن عبد الرحمن بن ملجم ضرب علياً في صلاة الصبح على دهش بسيف كان سمه بسم، ومات من يومه، ودفن بالكوفة ليلا. أخرجه البغوي في معجمه.
واختلفوا في أنه: هل ضربه في الصلاة أو قبل الدخول فيها? وهل استخلف من أتم الصلاة أو هو أتمها? والأكثر: على أنه استخلف جعدة ابن هبيرة يصلي بهم تلك الصلاة، واختلفوا في موضع دفنه فقيل: في قصر الإمارة بالكوفة، وقيل: في رحبة الكوفة، وقيل: بنجف الحيرة. قال الخجندي: والأصح عندهم انه مدفون من وراء المسجد غير الذي يؤمه الناس اليوم.
شرح: النجف والنجفة: بالتحريك مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد، والجمع نجاف بالكسر، والنجاف أيضاً: أسكفة الباب وهي عتبته العليا والحيرة: بالكسرة مدينة بقرب الكوفة، والنسبة إليها حيري وحاري أيضاً على غير قياس، وكأنهم قلبوا الياء ألفاً.
وعن أبي جعفر أن قره جهل موضعه، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر. ذكر الخجندي.
وصلى عليه الحسن بن علي وكبر عليه أربع تكبيرات. قال الخجندي: وقيل: تسعاً.
وروى هارون بن سعيد أنه كان عنده مسك أوصى أن يحنط به، وقال: فضل من حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البغوي.
وعن عائشة رضي الله عنها لما بلغها موت علي قالت: لتصنع العرب ما شاءت، فليس لها أحد ينهاها.

ذكر تاريخ مقتله
وكان ذلك في صيحة يوم سبع عشرة من رمضان صبيحة بدر وقيل: ليلة الجمعة، لثلاث عشرة وقيل: لإحدى عشرة ليلة خلت وقيل بقيت من رمضان، وقيل: لثمان عشرة ليلة منه، سنة أربعين: ذكر ذلك كله ابن عبد البر.
ذكر ما ظهر من الآية في بيت المقدس لموت علي
عن ابن شهاب قال: قدمت دمشق وأنا أريد العراق، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه، فوجدته في قبة على فرش تفوت القائم، وتحته سماطان فسلمت ثم جلست، فقال لي: يا ابن شهاب، أتعلمما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب? قلت: نعم. قال: فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة، وحول إلي وجهه وأحنى علي فقال: ما كان? فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم. فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، فلا يسمعه أحد منك. فما حدثت به حتى توفي، أخرجه ابن الضحاك في الآحاد والمثاني.
ذكر وصف قاتله بأشقى الآخرين
عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي، أتدري من أشقى الأولين? قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "قاتلك". أخرجه أحمد في المناقب، وأخرجه ابن الضحاك.
وقال في أشقى الآخرين: الذي يضربك على هذه فيبل هذه وأخذ بلحيته.
وعن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "من أشقى الأولين يا علي?" قال: الذي عفر ناقة صالح، قال: "صدقت فمن أشقى الآخرين?" قال: الله ورسوله أعلم. قال: "أشقى الآخرين الذي يضربك على هذه" وأشار إلى يافوخه، فكان علي يقول لأهله: والله لوددت أن لو انبعث أشقاها. أخرجه أبو حاتم والملاء في سيرته.
وعن ابن سبع قال: سمعت عليا على المنبر يقول: ما ينتظر أشقاها? عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخضبن هذه من هذا وأشار إلى لحيته ورأسه فقالوا: يا أمير المؤمنين، خبرنا من هو حتى نبتدره. فقال: أنشد الله رجلا قتل بي غير قاتلي. أخرجه المحاملي.

ذكر وصيته
روي أنه لما ضربه ابن ملجم أوصى إلى الحسن والحسين وصية طويلة في آخرها: يا بني عبد المطلب؛ لا تخوضوا دماء المسلمين خوضا، تقولون قتل أمير المؤمنين. ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي: انظروا، إذا أنامت من ضربته هذه فاضربوه ضربة، ولا تمثلوا به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور". أخرجه الفضائلي.
وعن هشيم مولى الفضل قال: لما قتل ابن ملجم عليا قال للحسن والحسين: عزمت عليكم لما حبستم الرجل، فإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به. فلما مات قام إليه حسين ومحمد وقطعاه وحرقاه، ونهاهم الحسن. اخرجه الضحاك في الآحاد والمثاني.

ذكر سنة يوم مات ومدة خلافته
واختلف في ذلك، فقيل: سنة سبع وخمسون، وقيل: ثمان وخمسون وقيل: ثلاث وستون، وقيل: خمس وستون، وقيل ثمان وستون. ذكره أبو عمر وغيره.
الفصل الثاني عشر
في ذكر ولده
وكان له من اولد أربعة عشر ذكراً وثمان عشرة أنثى
ذكر الذكور
الحسن والحسين وقد استوعبنا ذكرهما في مناقب ذوي القربى، ولهما عقب، ومحسن مات صغيراً، أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها.
ومحمد الأكبر أمه خولة بنت إياس بن جعفر الحنفية، ذكر الدار قطني وغيره، وقال: وأخته لأمه عوانة بنت أبي مكمل الغفارية وقيل: بل كانت أمه من سبي اليمامة فصارت إلى علي، وأنها كانت أمة لبنى حنيفة سندية سوداء، ولم تكن من أنفسهم؛ وقيل: إن أبا بكر أعطى عليا الحنفية أم محمد من سبي بني حنيفة. أخرجه ابن السمان.
وعبد الله قتله المختار، وأبو بك قتل مع الحسين، أمهما ليلى بنت معوذ بن خالد النهشلي، وهي التي تزوجها عبد الله بن جعفر، خلف عليها بعد عمه، جمع بين زوجة علي وابنته، فولدت له صالحاً وأم ابنها وأم محمد ابني عبد الله بن جعفر، فهم إخوة عبد اله وأبي بكر ابني علي لأمهما. ذكره الدار قطني.
والعباس الأكبر وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين أيضاً، أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد الوحيدية ثم الكلابية.
ومحمد الأصغر قتل مع الحسين أيضاً، أمه أم ولد.
ويحيى، وعون أمهما أسماء بنت عميس، فهما أخوا بني جعفر ابن أبي طالب، وأخوا محمد بن أبي بكر لأمهم.
وعمر الأكبر أمه أم حبيب الصهباء التغلبية، سبية سباها خالد في الردة فاشتراها علي.
ومحمد الأوسط أمه بنت أبي العاص.

ذكر الإناث
أم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى شقيقتا الحسن والحسين.
ورقية شقيقة عمر الأكبر.
وأم الحسن ورملة الكبرى أمهما أم سعد بنت عروة بن مسعود الثقفي.

وأم هاني وميمونة ورملة الصغرى وزينب الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرم وأم سلمة وأم جعفر وجمانة وتقية لأمهات أولاد شتى، ذكرها ابن قتيبة وصاحب الصفوة.
وعقبة من الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعمر والعباس.
وتزوج بنات علي بن عقيل وبنو العباس، ما خلا زينب بنت فاطمة كانت تحت عبد الله بن جعفر؛ وأم كلثوم بنت فاطمة كانت تحت عمر بن الخطاب؛ فمات عنها، فتزوجها بعده محمد بن جعفر بن أبي طالب، فمات عنها فتزوجها بعده عون بن جعفر بن أبي طالب، فماتت عند؛ وأم حسن تزوجها جعفر بن هبيرة المخزومي؛ وفاطمة تزوجها سعد بن الأسود من بني الحارث. والله أعلم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يونيو 26, 2011 3:11 pm


الجزء الرابع

الباب الخامس
في مناقب أبي محمد طلحة بن عبد الله

وفيه عشرة فصول
الفصل الأول في ذكر نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة: يجتمع نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، وينسب إلى تيم بن مرة، فيقال: القرشي التيمي. يجتمع مع أبي بكر في كعب بن سعد بن تيم: أمه الصعبة بنت عبد الله بن عباد بن مالك بن ربيعة الحضرمي، أخت العلاء بن الحضرمي. أسلمت. ذكره ابن الضحاك، في الآحاد والمثاني.
الفصل الثاني في اسمه وكنيته
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام طلحة، ويكنى أبا محمد، وكان يلقب بطلحة الخير، لقبه به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقيل: في وقعة بدر، حين غاب عنها في حاجة المسلمين، وطلحة الفياض، لقبه به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة ذات العشيرة، وطلحة الجود، لقبه به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. حكاه ابن قتيبة وصاحب الصفوة ومشكل الصحيحين والفضائلي والطائي وغيره.
وعن طلحة بن عبيد الله قال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد طلحة الخير، وفي عزوة العشيرة طلحة الفياض، ويوم حنين طلحة الجود. أخرجه ابن الضحاك.
ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبيح المليح الفصيح. ذكره الطائي في الأربعين.
وعن موسى بن طلحة أن طلحة نحر جزوراً، وحفر بئراً يوم ذي قرد فأطعمهم وسقاهم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفياض: وقال اشترى طلحة بئراً فتصدق بها، ونحر جزوراً، فأطعمهم وسقاهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا طلحة، أنت الفياض". فسمى طلحة الفياض. أخرجه ابن الضحاك.
وأما طلحة الطلحات الذي قيل فيه:



رحم الله أعظماً دفنوهـا


بسجستان طلحة الطلحات
فهو رجل من خزاعة، ذكره ابن قتيبة.
شرح إنما لقب بطلحة الجود وطلحة الفياض لسعة عطائه وكرمه، وكان جواداً؛ وسيأتي من وصف جوده طرف في بابه إن شاء الله تعالى. وغزوة ذات العشيرة، ويقال العشيرة، وهو موضع ببطن ينبع.

الفصل الثالث في وصفته
قال بعضهم: كان آدم، كثير الشعر، ليس بالسبط ولا بالجعد القطط. حسن الوجه، دقيق العرنين، إذا مشى أسرع، وكان لا يغير شعره هكذا ذكره أبو عمر، وقيل: ولم يحك البغوي غيره، كان أبيض إلى الحمرة، مربوعاً إلى القصر أقرب منه إلى الطول، رحب الصدر، عريض المنكبين، إذا التفت التفت جميعاً، ضخم القدمين لا أخمص لهما. والقولان حكاهما ابن قتيبة.
شرح آدم: أسمر، والأدمة بالضم السمرة، والأدمة أيضاً الوسيلة إلى الشيء؛ قاله الفراء والسبط: بكسر الباء وإسكانها الشعر المسترسل، والجعد: ضده، والقطط: الشديد الجعودة وعرنين الأنف: أوله، تحت مجتمع الحاجبين، وقد يطلق على الأنف. وعرنين كل شيء أوله.

الفصل الرابع في إسلامه
عن إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله قال: قال طلحة: حضرت بسوق بصرى فإذا راهب في صومعة يقول: سلوا أهل هذا الموسم: أفيهم أحد من الحرم? قال طلحة: نعم: أنا. قال: هل ظهر أحمد بعد? قال: قلت: ومن أحمد? قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، ومخرجه من الحرم، ومهاجره إلة نخل وحرة وسباخ، فإياك أن تسبق إليه. قال طلحة: فوقع ف قلبي ما قال، فخرجت مسرعا حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث? قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ، وقد تبعه بن أبي قحافة. قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر، فقلت: اتبعت هذا الرجل? قال: نعم، فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه، فإنه يدعو إلى الحق، وأخبره طلحة بما قال الراهب، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد، وشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم؛ فلذلك سمي أبو بكر وطلحة القرينين. أخرجه الفضائلي، وصاحب فضائل أبي بكر.
وأسلم أخو طلحة عثمان بن عبيد الله، أمه كريمة بنت موهب من كندة، وقيل بنت جندب من بني سواة بن عباس بن صعصة، ولده عبد الرحمن بن عثمان، له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهما أخ ثالث قتل يوم بدر كافراً.

الفصل الخامس
في ذكر هجرته
لم أظفر بشيء يخصها. ولا شك في أنه رضى الله عنه هاجر ولم يزل مع النبي صلى الله عليه وسلم ملازما له حتى توفي وهو عنه راض، وقضاياه في أحد وغيرها مما يشهد له بذلك.
الفصل السادس
في خصائصه
ذكر اختصاصه بالبروك يوم أحد للنبي حتى صعد على ظهره إلى صخرة عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان، فذهب لينهض على صخرة فلم يستطع، فبرك طلحة بن عبيد الله تحته وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى صعد على الصخرة؛ قال الزبير: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أوجب طلحة" أخرجه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، وأبو حاتم واللفظ للترمذي.
وعن طلحة رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد وحملت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهري حتى اصتقل وصار على الصخرة فاستتر من المشركين، فقال لي: هكذا وأومأ بيده إلى وراء ظهره: هذا جبريل يخبرني أنه لا يراك يوم القيامة في هول إلا أنقذك منه". أخرجه الفضائلي.

ذكر اختصاصه برفع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى استوى قائما
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فكسر رباعيته اليمنى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته، وأن ابن قمئة جرح وجنته، فدخل حلقتان من حلق الدرع في وجنته، ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل عامر ليقع المسلمون وهم لا يعلمون، فأخذ علي بيد رسول الله، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما. ومص مالك بن أبي سعيد الخدري الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم "من مس دمه دمي لم تمسه النار" أخرجه ابن إسحاق.
ذكر اختصاصه بحمل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد والقتال دونه
عن عائشة بنت طلحة قالت: لما كان يوم أحد كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم، وشج وجهه، وخلاه لغشي، فجعل طلحة يحمله ويرجع القهقري وكلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه، حتى أسنده إلى الشعب. أخرجه الفضائلي.
ذكر اختصاصه بيوم أحد
عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد، قال: ذلك كله يوم طلحة، قال أبو بكر: كنت أول من جاء يوم أحد، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجراح: عليكما؛ يريد طلحة، وقد نزف، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار، فإذا فيه بضع وسبعون أو أقل أو أكثر بين طعنة وضربة ورمية، وإذا قد قطعت أصبعه، فأصلحنا من شأنه. أخرجه صاحب الصفوة، وأخرج أبو حاتم معناه ولفظه: قال: قال أبو بكر: لما صرف الناس يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أول من جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت أنظر إلى رجل بين يديه يقاتل عنه ويحميه، فجعلت أقول: كن طلحة، فداك أبي وأمي، مرتين؛ ثم نظرت إلى رجل خلفي، كأنه طائر، فلم أنشب أن أدركني، فإذا أبو عبيدة بن الجراح، فدفعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا طلحة بين يديه صريع؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم دونكم أخاكم، فأهويت إلى ما رمي به في جبهته ووجنته لأنزعه؛ قال لي أبو عبيدة: نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتني. قال: فتركته، فأخذ أبو عبيدة السهم بفمه فجعل ينضنضه، ويكره أن يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استله بفمه؛ ثم أهويت إلى السهم الذي في وجنته لأنزعه؛ فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني. فأخذ السهم بفمه، وجعل ينضنضه، ويكره أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استله؛ وكان طلحة أشد نهكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد منه، وكن قد أصاب طلحة بضعة وثلاثون من طعنة وضربة ورمية.
شرح ينضنضه: أي يحركه؛ يقال بالصاد والضاد معا. ونهكة: من قولهم نهتكه الحمى بالكسر تنهكه نهكا إذا أجهدته، ونهكته بالفتح نهكا، لغتان والمعنى أشد جراحة وجهدا وألما.
وعن قيس بن أبي حازم قال رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلاء؛ وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. أخرجه البخاري وأبو حاتم، واللفظ له: وعن أبي عثمان قال: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد. أخرجاه

ذكر اختصاصه بمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم جسده بيده الكريمة يوم أحد فقام صحيحا
عن أبي هريرة أن طلحة لما جرح يوم أحد مسح صلى الله عليه وسلم بيده على جسده، وقال: اللهم اشفه وقوه؛ فقام صحيحا فرجع إلى العدو. أخرجه الملاء.
ذكر اختصاصه بالمبادرة إلى تسوية رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا إلى ذلك
عن عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، وقد سقط رحله، يقول: "من يسوي رحلي وله الجنة?" فبدر طلحة بن عبيد الله فسواه حتى ركب؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا طلحة هذا جبريل يقرئك السلام، ويقول أنا معك في أهوال يوم القيامة حتى أنجيك منها". أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي.
الفصل السابع
في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
تقدم في باب العشرة طرف من ذلك.
وعن علي بن أبي طالب قال: سمعت أذني من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "طلحة والزبير جاراي في الجنة". أخرجه الترمذي، وقال: غريب.
وعن الزبير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد يقول: "أوجب طلحة الجنة". أخرجه البغوي في معجمه.
وعن طلحة قال: كان بيني وبين عبد الرحمن بن عوف مال، فقاسمته إياه فأراد شربا في أراضي، فمنعته، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فشكاني إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشكو رجلا قد أوجب?" فأتاني فبشرني، فقلت: يا أخي أبلغ من المال ما تشكوني فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم? قال: قد كان ذلك؛ قال: فإني أشهد الله وأشهد رسوله صلى الله عليه وسلم أنه لك. أخرجه الفضائلي.

الفصل الثامن
في ذكر نبذ من فضائله
قال ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما: شهد طلحة أحدا وما بعدها. وقال الزبير بن بكار وغيره: أبلى طلحة يوم أحد بلاء حسنا، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ووقاه بيده فشلت، وشهد الحديبية والمشاهد كلها، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض؛ وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر.
ذكر إثبات سهمه من غنيمة بدر وأجره ولم يحضر
عن ابن شهاب قال: لم يشهد طلحة بدرا، وقدم من الشام بعد مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سهمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لك سهمك". قال: وأجري يا رسول الله? قال وأجرك؛ فلذلك كان معدودا في البدريين. أخرجه ابن إسحاق وابن الضحاك. وحكاه أبو عمر عن موسى بن عقبة قال الزبير بن بكار: كان طلحة بن عبيد الله بالشام في تجارة، حين كانت وقعة بدر، وكان من المهاجرين الأولين فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه، فلما قدم قال: وأجري يا رسول الله? قال: وأجرك. أخرجه أبو عمر.
وقال الوقدي: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار ثم رجعا إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدر.

ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة
تقدم في باب ما دون العشرة حديث تحرك حراء وقوله الله: "أثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد". وكان طلحة ممن كان معه صلى الله عليه وسلم.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله". أخرجه الترمذي وقال: غريب.

ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له أنه ممن قضى نحبه
عن موسى بن معاوية قال: دخلت عل معاوية فقال: ألا أبشرك? سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "طلحة ممن قضى نحبه". أخرجه الترمذي وقال: غريب.
وعن طلحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو? وكان لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض ثم إني طلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أين السائل عمن قضى نحبه?" قال الأعرابي: أنا يا رسول الله. قال: "هذا ممن قضى نحبه". أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب.
وعنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ هذه الآية "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه" الآية، فقام إليه رجل فقال: إليه رجل فقال: أيها السائل هذا منهم. أخرجه في الصفوة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طلحة فقال "من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى وجه طلحة بن عبيد الله". أخرجه الملاء.
شرح نحبه: نذره، كأنه ألزم نفسه أن يموت على وصف فوفي به، هذا أصله، لأن النحب النذر، تقول نحبت أنحب بالضم، والنحب الوقت والمدة، يقال فلان قضى نحبه أي مدته فمات، والمعنى أن طلحة التزم أن يصدق الله في الحرب لأعدائه فوفى له ولم يفسح، وتناحب القوم، إذا تواعدوا للقتال أو غيره، وناحبت الرجل فاخرته أيضاً، ومنه حديث طلحة أنه قال لابن عباس: هل لك أن أناحبك ونرفع النبي صلى الله عليه وسلم ? أي أفاخرك ونرفع النبي صلى الله عليه وسلم من رأس الأمر، لا تذكره في فضائلك وقرابتك منه ذكره الهروي.

ذكر شهادته صلى الله عليه وسلم بالمغفرة له وإثبات اسمه في ديوان المقربين
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلحة بن عبيد الله: "أبشر يا أبا محمد، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وقد أثبت اسمك في ديوان المقربين". أخرجه الملاء.
ذكر أنه في حفظ الله عز وجل وفي نظره
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلحة: "أنت في حفظ الله ونظره إلى أن تلحق به". أخرجه الملاء.
ذكر أنه سلف النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة
عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلحة بن عبيد الله: "أنت سلفي في الدنيا، وأنت سلفي في الآخرة". أخرجه الملاء في سيرته، وذلك أن طلحة تزوج حمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأمهما أميمة بنت عبد المطلب عمه النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر أنه حواري النبي صلى الله عليه وسلم
عن زيد بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لطلحة والزبير: "أنتما حوارياي كحواريي عيسى بن مريم". أخرجه الحافظ الدمشقي والبغوي في معجمه.
شرح الحواري: الناصر، والحواريون أنصار عيسى عليه السلام ومنه قول الأعور الكلابي:



ولكنه ألقى زمام قـلـوصـه


ليحيى كريماً أو يموت حوارياً
قال يونس بن حبيب: الحواري: الخالصة، وقيل: إن أصحاب عيسى إنما سموا حواريين لأنهم كانوا يغسلون الثياب ويخلصونها من الأوساخ، ويحورونها أي يبيضونها، والتحوير التبييض، والحور البياض، وقال محمد بن السائب: الحواري: الخليل، وقال معمر عن قتادة: الحواريون كلهم من قريش، أبو بكر وعمر وعلي عثمان وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير. وعن قتادة أيضاً أنه قال الحواريون الذين تصلح لهم الخلافة. ذكره جميعه أبو بكر، وذكر الهروي طائفة منهم، وكذلك الجوهري.
ذكر إثبات الرجاء بأنه ممن قال الله تعالى فيه "ونزعنا ما في صدورهم من غل"
عن علي عليه السلام أنه قال: إن والله لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى فيهم "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين" أخرجه أبو عمر.
وعن أبي حبيبة عن مولى طلحة قال: دخلت على علي مع عمران ابن طلحة، بعد ما فرغ من أصحاب الجمل، فرحب به وأدناه، وقال: إني لأرجو أن يجعلني وأباك من الذين قال الله تعالى فيهم "ونزعنا ما في صدورهم من غل. الآية" وقال: يا بن أخي كيف فلان? كيف فلان? وسأله عن أمهات أولاد ابنه، ثم قال، لم نقبض أرضكم هذه إلا مخافة أن ينهبها الناس. يا فلان، انطلق به إلى ابن قرطة مرة، فليعظه غلته، وليدفع إليه أرضه، فقال رجلان جالسان ناحية أحدهما الحارث الأعور: الله أعدل من ذلك أن يقتلهم ويكونوا إخواننا في الجنة. فقال: قوما، وأبعدهما وأسحقهما، فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة أخوين? يا ابن أخي إذا كان لك حاجة فأتنا. أخرجه الفضائلي الرازي.
شرح أسحقهما: أبعدهما، ومنه في مكان سحيق أي بعيد، وكرر لاختلاف اللفظ، والسحق: بالضم البعد، تقول سحقاً له، ومنه الحديث "فأقول سحقا سحقا" والسحق بضم الحاء لغة فيه، نحو عسر وعسر، وسحق الشيء بعده، وأسحقه الله أبعده.

ذكر جوده وسماحة نفسه وكثرة عطائه وصلة رحمه
عن سعدي بنت عوف امرأة طلحة قالت: لقد تصدق طلحة يوما بمائة ألف.
وعنها قالت: دخل علي طلحة فرأيته مغموماً، فقلت: ما شأنك? قال: المال الذي عندي قد كثر وأكرنبي، فقلت: وما عليك? اقسمه، فقسمه حتى ما بقي منه درهم؛ قال طلحة بن يحيى: فقلت لخازن طلحة: كم كان الماس? قال: أربعمائة ألف.
وعن الحسن قال: باع طلحة أرضاً له بسعمائة ألف، فبات أرقاً من مخافى ذلك المال، حتى أصبح ففرقه.
شرح الأرق: السهر، وأرقت بالكسر: سهرت، وكذلك ايترقت على افتعلت فأنا أرق؛ وأرقني كذا تأريقا أي أسهرني.
وعنه أن طلحة باع أرضاً من عثمان بسبعمائة ألف؛ فحملها إليه، فلما جاء بها قال: إن رجلا تبيت هذه عنده في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله لغرير بالله فبات ورسله تختلف في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم أخرجهن صاحب الصفوة.
شرح غرير: أي مغرور؛ فعيل بمعنى مفعول كقتيل وطريح، وأسحر: أي دخل في السحر.
وعن جابر رضي الله عنه قال: صحبت طلحة، فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال عن غير مسألة منه.
وعن علي بن زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة يسأله؛ وبتقرب إليه برحم فقال: إن هذا لرحم ما سألني بها أحد قبلك، إن لي أرضا أعطاني بها عثمان ثلثمائة ألف؛ فإن شئت فاغد فاقبضها، وإن شئت بعتها من عثمان، ودفعت إليك الثمن، فقال الأعرابي: الثمن. فباعها من عثمان. ودفع إليه الثمن.

وعن بعض ولد طلحة قال: لبس طلحة رداء نفيساً، فبينا هو يسير إذا رجل قد استله، فقام الناس فأخذوه منه، فقال طلحة: ردوه عليه، فلما رآه الرج لخجل ورمى به إلى طلحة، فقال طلحة: خذه بارك الله لك فيه؛ إني لأستحي من الله أن يؤمل في أحد أملا فأخيب أمله.
وعن محمد بن إبراهيم قال: كان طلحة يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالشراة عشرة آلاف دينار أو أكثر أو أقل، وكان لا يدع أحداً من بني تيم عائلا إلا كفى مئونة عياله، ويزوج أياماهم ويخدم عائلهم، ويقضي دين غارمهم وكان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة عشرة آلاف، ولقد قضى عن صبيحة ثلاثين ألف درهم. أخرج الأربعة الفضائلي.
شرح العائل: الفقير ومنه وإن خفتم عيلة أي فقراً والأيامى: جمع أيم وهي التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيبا، ويقال للذي لا زوجة له أيم أيضا: قال أبو عبيد: يقال رجل أيم وامرأة أيم؛ ولا يقال أيمة، والغارم: المديون.
وعن الزبير بن بكار انه سمع سفيان بن عيبنة يقول: كان غلة طلحة ابن عبيد الله كل يوم وافياً، قال: والوافي وزنه وزن الدينار وقال وعلى ذلك وزن دراهم فارس التي تعرف بالبغلية.
وسمع علي عليه السلام رجلا ينشد:



فتى كان يدنيه الغني من صديقه


إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
قال: ذلك أبو محمد طلحة.
ذكر أنه كان من خطباء الصحابة
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن عمر شاور الناس في الزحف إلى قتال ملوك فارس التي اجتمعت بتهاوند، فقام طلحة بن عبيد الله وكان من خطباء الصحابة، فتشهد قم قال: أما بعد يا أمير المؤمنين، فقد أحكمتك الأمور، وعجنتك البلايا، وأحنكتك التجارب، فأنت وشأنك، وأنت ورأيك، إليك هذا الأمر، فمرنا نطع، وادعنا نجب، واحملنا نركب، وقدنا ننقد، فإنك ولي هذه الأمور، وقد بلوت واختبرت فلم ينكشف لك عن شيء من عواقب قضاء الله عز وجل إلا عن خيار. ثم جلس. أخرجه في فضائل عمر.
ذكر ثناء ابن عباس عليه وعلى الزبير
عن ابن عباس وقد سئل عن طلحة والزبير فقال: رحمة الله عليهما، كانا والله مسلمين مؤمنين بارين، تقيين خيرين فاضلين طاهرين زلالتين والله غافر لهما: للحصبة القديمة والعشرة الكريمة والأفعال الجميلة، فأعقب الله من يبغضهما بسوء الغفلة إلى يوم الحشر. أخرجه الأصبهاني.
وقد تقدم في مناقب علي عليه السلام عن سعد بن أبي وقاص ون سعيد بن المسيب ما يدل على الحث على محبتهما والزجر عن بغضهما.

الفصل التاسع
في مقتله وما يتعلق بذلك
ذكر كيفية قتله وسببه ومن قتله كان رضي الله عنه حربا لعلي رضى الله عنه: وزعم بعضهم أن عليا دعاه فذكره أشياء من سوابقه وفضله، فخرج طلحة عن قتله واعتزل في بعض الصفوف، فجاءه سهم عزب، فقطع من رجله عرق النسا، فلم يزل دمه ينزف منه حتى مات. ويقال أن السهم أصاب ثغرة نحره، فقال: "بسم الله، وكان أمر الله قدراً مقدورا".
شرح سهم عزب: بفتح الزاي هو الذي لا يعرف راميه، قاله الأزهري، وعن أبي زيد: يقال: أصابه سهم عزب، بإسكانها إذا أتاه من حيث لا يدري، وبفتحها إذا رمى غيره فأصابه والنسا: بالفتح والقصر عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمر بالعروق حتى يبلغ الحافر، فإذا سمنت الدابة انفلت فخذاها بلحمتين عظيمتين ويجري النسا بينهما ويستبين، وإذا هزلت الدابة اضطرب الفخذان وخفي النسا وثغرة النحر بالضم النقرة التي بين الترقوتين.
قال الأحنف بن قيس: لما التقوا كان أول قتيل طلحة، والمشهور أن مروان بن الحكم هو الذي قتله، رماه بسهم؛ وقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم؛ وذلك أن طلحة زعموا أنه كان ممن حاصر عثمان واشتد عليه.
وعن يحيى بن سعيد قال: قال طلحة يوم الجمل:



ندمت ندامة الكسـعـي لـمـا


شريت رضى بني حزم برغمي
اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى؛ فرماه مروان بن الحكم بسهم في ركبته، فجعل الدم يسيل، فإذا أمسكوا فم الجرح انتفخت ركبته، فقال: دعوه فإنما هو سهم أرسله الله تعالى. قال: فمات، فدفناه على شاطئ الكلأ فرأى بعض أهله أنه أتاه في المنام فقال: ألا تريحونني من هذا الماء فإني قد غرقت? ثلاث مرات يقولها، قال: فنبشوه، فإذا هو أخضر كأنه السلق فنزحوا عنه الماء، ثم استخرجوه فإذا ما يلي الأرض من لحيته ووجهه قد أكله الأرض، فاشتروا له دارا من دور بني بكرة بعشرة آلاف، فدفنوه فيها. أخرجه أبو عمر؛ وأخرج بعضه ابن قتيبة وصاحب الصفوة.
وذكر أبو عمر من طريق آخر أن مروان بن الحكم رماه بسهم في فخذه، فشكه بسرجه، فانتزع السهم، وكان إذا أمسك الجرح انتفخ الفخذ وإذا أرسلوه سال. فقال طلحة: دعوه فإنه سهم من سهام الله أرسله، فمات ودفن، فرآه مولى له ثلاث ليال في المنام كأنه يشكو إليه البرد، فنبش عنه فوجد ما يلي الأرض من جسده مخضراً وقد تحاص شعره، فاشتروا له دارا. وذكر ما تقدم.
وعن المثنى بن سعد قال: لما قدمت عائشة بنت طلحة أتاها رجل، فقال؛ أنت عائشة بنت طلحة? قالت: نعم قال: إني رأيت طلحة في المنام فقال: قل لعائشة حتى تحولني من هذا المكان فإن البرد قد آذاني فركبت في مواليها وحشمها فضربوا عليه بيتا، واستثاروه فلم يتغير منه إلا شعرات في أحد شقى لحيته أو قال رأسه حتى حول إلى هذا الموضع. وكان بينهما بضح وثلاثون سنة. أخرجه ابن قتيبة والفضائلي.
شرح قوله: ندمت ندامة الكسعي: البيت، هكذا رواه أبو عمرو المشهور.



ندمت ندامة الكسعي لمـا


رأت عيناه ما صنعت يداه
وهو رجل كان ربى نبعة، وهو شجر ينبت في الصخر، واتخذ منها قوسا فرمى به الوحش ليلا فأصاب وظن أنه أخطأ، فكسر القوس، فلما أصبح رأى ما أصمى من الصيد، فندم، فقال الشاعر: ندمت ندامة الكسعي البيت وقوله: برغمي: في الرغم ثلاث لغات ضم الراء وفتحها وكسرها، تقول رغم أنفي لله بكسر الغين وفتحها رغماً ورغماً، إذا انقدت على كره من نفسك، وفعلت ذلك على الرغم من أنفه ورغم فلان بالفتح إذا لم يقدر على الانتصاف وأصله من الرغام من أنفه ورغم فلان بالفتح إذا لم يقدر على الانتصاف وأصله من الرغام بالفتح وهو التراب، يقال: أرغم الله أنفه: أي ألصقه بالرغام، فكأن الفاعل للشيء على كره ملصقا أنفه بالرغام لما اتصف به من إذلال نفسه والشاطئ: الجانب، وكذلك الشطء وتحاص شعره: أي سقط ورجل أحص بين الحصص: قليل الشعر.
ذكر تاريخ مقتله
قتل رضى الله عنه يوم الجمل، وكان يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين.
ذكر سنه يوم قتل
وكان له يوم قتل ستون سنة، وقيل: اثنتان وستون، وقيل: أربع وستون، وقيل غير ذلك. أخرجه ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما.
ذكر ما روى عن علي عليه السلام من القول عند موت طلحة
عن طلحة بن معروف أن عليا انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل عن دابته، وأجلسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه ولحيته وهو يترحم عليه ويقول: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. أخرجه الفضائلي.

الفصل العاشر
في ذكر ولده وكان له أربعة عشر ولدا، عشر بنين وأربع بنات.
ذكر البنين
محمد وهو السجاد، سمي بذلك لكثرة عبادته ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسموه محمداً وكنوه أبا القاسم، فقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه محمداً وكناه أبا سليمان، وقال: "لا أجمع له بين اسمي وكنيتي". أخرجه الدار قطني قتل مع أبيه يوم الجمل، وله عقب؛ وكان علي ينهى عنه ويقول: إياكم وصاحب البرنس، فقتله رجل وأنشأ يقول:


وأشـعـث قـوام بـآيات ربـه


قليل الأذى فيما ترى العين مسلم

أمكنه بالرمح حضنى مـقـبـلاً


فخر صريعاً للـيدين ولـلـفـم

على غير شيء غير أن ليس تابعاً


عليا ومن لا يتبع الحق يظـلـم

يناشدني حم والرمـحـشـاجـر


فهلا تلاحم قـبـل الـتـقـدم
شرح الحضن: ما دون الإبط إلى الكشح، وحضنا الشيء: جانباه ونواحي كل شيء أحضانه شاجر: أي ملابس له، وتشاجر القوم: تطاعنوا، وتشاجروا: تنازعوا، وشجر الأمر بينهم: اختلف.
وروي أن عليا مر به قتيلا فقال: هذا السجاد، قتله بره بأبيه. ذكره الدار قطني وهو وعمران بن طلحة: أمهما حمنة بنت جحش أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عقب له، وأختهما لأمهما زينب بنت مصعب بن عمير العبدري. قاله الدارقطني، وذكر أن عمران هذا هو الذي قدم على علي بعد الجمل، وسأله أن يرد عليه أموال أبيه، فقربه وترحم على أبيه، وقال: لم نقبض أموالكم إلا لتحفظ عليكم. ثم أمر بتسليمها وتسليم جميع ما استغل منها إليه وعيسى بن طلحة وكان ناسكا له عقب، ويحيى، وكان من خيار ولده، وله عقب، أمهما سعدي بنت عوف المرية، أخوهما لأمهما المغيرة بن عبد الرحمن بن هشام بن عبد الله بن المغيرة؛ وإسماعيل، وإسحاق: وله عقب ويعقوب وكان جوادا ممدحا. قاله الدار قطني قتل يوم الحرة، وله عقب، أمهم أم أبان بنت عتبة بن ربيعة وهم بنو خالة معاوية بن أبي سفيان قاله الدار قطني، وموسى: من خيارهم أيضاً، وله نبل وقدر، ووجهه عبد الملك بن مروان إلى شبيب فقتله شبيب بالكوفة. وله عقب: أمه خوله بنت القعقاع بن معبد بن زرارة. أخوه لأمه محمد بن أبي جهم بن حذيفة العدوي قاله الدار قطني؛ وزكريا، ويوسف أمهما: أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وإخوتهما لأمهما عمار. وإبراهيم. وموسى: بنو عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي؛ وصالح، أمه الفرعة التغلبية.
ذكر الإناث
عائشة شقيقة زكريا ويوسف. وتزوجها مصعب بن الزبير بن العوام بعد أن كانت حلفت إن تزوجته فهو علي كظهر أمي، فأمرت بكفارة الظهار، فكفرت ثم تزوجته، وأم اسحاق تزوجها الحسن بن علي والصعبة أمها أم ولد وذكر الدار قطني أن أم أم اسحاق أم الحارث الجرباء بنت قسامة بن حنظلة الطائية، ومريم أمها أم ولد. وذكر ذلك كهل بن قتيبة وصاحب الصفوة، وذكره الدار قطني، غير أنه ذكر في أولاده صالحا وعثمان ولم يثبت ذلك.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يونيو 26, 2011 3:29 pm


الباب السادس
في مناقب الزبير بن العوام

وفيه عشرة فصول على نحو من فصول طلحة
الفصل الأول
في نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة في ذكر الشجرة، يجتمع نسبه ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب، وينسب إلى أسد بن عبد العزي بن قصي. فيقال: القرشي الأسدي أمه صفية بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلمت وهاجرت، والنبي صلى الله عليه وسلم ابن خاله.
وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه قال له: يا بني، كانت عندي أمك وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم خالتك عائشة، وبيني وبينه من الرحم والقرابة ما قد علمت، وعمة أبي أم حبيبة بنت أسد جدته وأمي عمته، وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وجدتي هالة بنت وهب بن عبد مناف، وزوجته خديجة بنت خويلد عمتي. أخرجه البغوي في معجمه.

الفصل الثاني
في اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام الزبير، ويكنى أبا عبد الله.
الفصل الثالث
في صفته
قال الواقدي: كان الزبير ليس بالطويل ولا بالقصير، إلى الخفة ما هو خفيف اللحية، أسمر اللون، أشعر، وكان لا يغير شيبه.
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير كان طويلا، تخط رجلاه في الأرض إذا ركب الدابة، أزرق أشعر، وربما أخذت وأنا غلام شعر كنفيه حين أقوم. ذكره ابن قتيبة والبغوي في معجمه وصاحب الصفوة.

الفصل الرابع
في إسلامه وسنه يوم أسلم
عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن أنه بلغه أن عليا والزبير أسلما وهما ابنا ثمان سنين.
وعن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ست عشرة سنة. أخرجه أبو عمر والبغوي.
قال أبو عمر: وقول عروة أصح من قول أبي الأسود.
وقد روي من طريق آخر عن عروة أن الزبير أسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، أخرجه أبو عمر.
وعن أبي الأسود قال: أسلم الزبير بعد أبي بكر رابعا أو خامسا، وعنه لما أسلم الزبير كان عمه يعلقه في حصير ويدخن عليه بالنار، ويقول له ارجع إلى الكفر، فيقول الزبير لا أكفر ابداً: أخرجهما في الصفوة.

وأسلم أخواه شقيقاه السائب وأم حبيب ابنا العوام وأمهما صفية، وأسلم أخواه لأبيه عبد الرحمن وزينب ابنا العوام: أمهما أم الخير أميمة بنت مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي ولهم إخوة عدد لهم يوقف على إسلامهم وهم مالك والحرث وصفوان وعبيد الله وبعكل وملك وأصرم وأسد الله وبجير والأسود ومرة وبلال، منهم من قتل كافراً ذكر ذلك الدار قطني وذكر أن السائب جاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم واستعمله أبو بكر وقتل يوم اليمامة شهيداً ولا عقب له ولا رواية، وأن عبد الرحمن بن العوام كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن؛ وحسن إسلامه، واستشهد يوم اليرموك ولم يسند شيئا، وأم حبيب تزوجها خالد بن حزام أخو حكيم بن حزام فودلت له أم حسين بنت خالد وزينب بنت العوام تزوجها حكيم بن حزام، فولدت له أم حسين بنت خالد وزينب بنت العوام تزوجها حكيم بن حزام، فولدت له عبد الله وخالداً ويحيى وأم شيبة وفاختة بنت حكيم بن حزام، ولا رواية لها ولا لأختها.
الفصل الخامس
في هجرته
عن أبي الأسود قال: أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن ثمان عشرة سنة. ذكره صاحب الصفوة وذكر الدار قطني أنه هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وأنه من المهاجرين الأولين.
الفصل السادس
في خصائصه
ذكر اختصاصه بأن أول من سل سيفاً في سبيل الله عز وجل ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لسيفه
عن سعيد بن المسيب قال: كان الزبير أول من سل سيفا في سبيل الله عز وجل فدعا النبي صلى الله عليه وسلم به بخير.
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن أول رجل سل سيفه في سبيل الله عز وجل الزبير، وذلك أنه نفحت نفحة من الشيطان وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل الزبير يشق الناس بسيفه والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لك يا زبير?" فقال: أخبرت بأنك أخذت. قال: فصلى عليه ودعا لسيفه. أخرجه أبو عمر، وأخرج الفضائلي معناه عن سعيد بن المسيب، ولفظه: بينا الزبير بمكة إذ سمع نغمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخ فخرج عريانا ما عليه شيء، بيده السيف مصلتا، فتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لك يا زبير?" قال: سمعت أنك قد قتلت قال: "فما كنت صانعا?" قال: أردت والله أن استعرض أهل مكة. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه صاحب الصفوة كذلك وأخرجه الملاء وزاد بعد قوله "أستعرض أهل مكة" وأجري دماءهم كالنهر لا أترك أحداً منهم إلا قتلته حتى أقتلهم عن آخرهم. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وخلع رداءه وألبسه، فنزل جبريل وقال: "إن الله يقرئك السلام، ويقول لك اقرأ مني على الزبير السلام، وبشره أن الله أعطاه ثواب كل من سل سيفا في سبيل الله منذ بعثت إلى أن تقوم الساعة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا لأنه أول من سل سيفا في سبيل الله عز وجل".
شرح نفحت نفحة: يجوز أن يكون من نفحت الريح إذا هبت أو من نفح العرق ينفخ إذا نزل منه الدم، أو من نفحت الناقة: ضربت برجلها، ونفحة بالسيف تناوله من بعيد كل هذا يناسبه نفحة الشيطان؛ ويقال؛ نفح الطيب ينفح إذا فاح، وله نفحة طيبة، ولا يزال لفلان نفحات من المعروف ونفحة من العذاب: قطعة منه، ونغمة؛ كلام خفي، يقال منه: نغم ينغم وينغم نغما، وفلان حسن النغمة إذا كان حسن الصوت مصلتا: مجرداً وأصلت سيفه إذا جرده من غمده فهو مصلت بفتح اللام أستعرض أهل مكة: أي أقتل من جانب، ولا أسأل عن واحد من العرض الجانب يقال للخارجي أنه يستعرض الناس أي يقتلهم ولا يسأل عن مسلم ولا كافر.

ذكر اختصاصه بأنه حواري النبي صلى الله عليه وسلم
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حواريا، وحواري الزبير". أخرجه البخاري والترمذي ومسلم بزيادة ولفظه: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حواري وحواري الزبير" وأخرجه الترمذي عن علي بن أبي طالب وقال: حسن صحيح. وأخرجه أحمد عن عبد الله بن الزبير بزيادة ولفظه: "لكل نبي حواري والزبير حواري وابن عمتي". وأخرجه أبو معاوية ولفظه الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي.
وسمع ابن عمر رجلا يقول: أنا ابن الحواري، فقال إن كنت ابن الزبير وإلا فلا. أخرجه أبو عمر.
شرح الحواري: تقدم شرحه في فضائل طلحة وندب: أي دعا، فانتدب: أي أجاب.

ذكر اختصاصه بنزول الملائكة يوم بدر عليها عمائم على لون عمامة الزبير.
عن هشام بن عروة عن عبادة بن حمزة بن الزبير قال: كانت على الزبير عمامة صفراء، معتجرا بها يوم بدر، ونزلت الملائكة عليها عمائم صفراء، يوم بدر. أخرجه أبو عمر.
وروي أنه كان يوم بدر على الميمنة، وعليه ريطة صفراء، فنزلت الملائكة على سيماه، أخرجه أبو الفرج في مشكل الصحيحين.
شرح الاعتجار: لف العمامة على الرأس، والمعجر، ما تشده المرأة على رأسها، يقال: اعتجرت المرأة بالمعجر، والمعجرة بالكسر: نوع من العمة، يقال: فلان حسن العجرة. والريطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين والسيما: العلامة. ويجوز أن يكون والله أعلم إنما نزلت على سيماه لأن أول حربها فنزلت على سيما أول محارب الله عز وجل وفي سبيله، وقد تقدم ذلك في هذا الفصل.

ذكر اختصاصه بالقتال بعنزة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر
عن الزبير رضي الله عنه قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وكان يكنى أبا ذات الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة، فطعنته في عينه فمات، قال هشام بن عروة: فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه، ثم تمطيت، وكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفها، قال عروة: فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياها، فلما قبض صلى الله عليه وسلم أخذها، فطلبها أبو بكر فأعطاه إياها، فلما قبض أخذها، ثم سألها عمر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم سألها عثمان، فأعطاه إياها، فلما قتل وقعت إلى آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل. أخرجه الخباري.
شرح قوله: مدجج: يروى بكسر الجيم وفتحها أي عليه سلاح تام فسمي به لأنه يدج أي يمشي رويداً لثقله بالسلاح، وقيل لأنه يتغطى به من دججت السماء إذا تغميت. وقوله: تمطيت. أي تمددت، ومددت مطاي: والمطا، الظهر.

ذكر اختصاصه بجمع النبي صلى الله عليه وسلم له أبويه يفديه بهما يوم الأحزاب
عن عبد الله بن الزبير قال: كنت عند الأحزاب أنا وعمر بن أبي سلمة مع النساء في أطم حسان، فنظرت فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت قلت يا أبة، رأيتك تختلف، فقال: رأيتني يا بني? قلت نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم?" فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك أبي وأمي. أخرجاه وأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.
وهذا القول لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله يوم الأحزاب لغيره.
وأخرج أحمد عنه قال: جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد. والمشهور في ذلك يوم أحد أنه كان لسعد، وسيأتي في خصائصه، ويحتمل أن يكون جمعهما لهما، واشتهر في سعد لكثرة ترديد القول له بذلك.
وقد روي عنه أنه قال: جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه مرتين، في أحد وفي قريظة.
شرح أطم حسان: أي حصنه، تضم وتسكن؛ والجمع أطام، والأجم مثله.

ذكر اختصاصه بالقتال مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة
عن عمر بن مصعب بن الزبير قال: قاتل الزبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكان يحمل على القوم ويقول له: ههنا بأبي أنت وأمي، ههنا بأبي أنت وأمي، أخرجه البغوي في معجمه، وصاحب الصفوة ولم يقل بأبي وأمي.
ذكر اختصاصه بمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفد الجن
عن الزبير بن العوام قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: "أيكم يتبعني إلى وافد الجن الليلة?" فأسكت القوم فلم يتكلم منهم أحد، قال ذلك ثلاثاً، فلم يتكلم منهم أحد، فمر بي يمشي، وأخذ بيدي فجعلت أمشي معه وما أجد من مس، حتى خنس عنا نخل المدينة كله وأفضينا إلى أرض بوار فإذ رجال طوال كأنهم رماح مستثفري ثيابهم بين أرجلهم فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة حتى ما تمسكني رجلاي من الفرق، فلما دنونا منهم خط لي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله في الأرض خطاً وقال لي: "اقعد في وسطها". فلما جلست فيها ذهب كل شيء كنت أجده، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلا عليهم القرآن حتى طلع الفجر، ثم أقبل حتى مر بي، فقال: "الحق" فجعلت أمشي معه، فمضينا غير بعيد فقال لي: "التفت فانظر هل ترى حيث كان أولئك من أحد?" فقلت: يا رسول الله أرى سواداً كثيراً، قال فخفض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الأرض، وأخذ بروثة ثم رمى بها إليهم، وقال: "رشد أولئك من وفد قوم". أخرجه ابن الضحاك في الآحاد والمثاني.
ذكر اختصاصه بكسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة
عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياباً بيضاء. أخرجه الحميدي في جامعه من الصحيحين.
ذكر اختصاصه بنزول قرآن بسببه
عن عبد الله بن الزبير أن رجلا خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال للأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه فاحتكموا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي: صلى الله عليه وسلم للزبير: "اسق يا زبير، ثم أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك? فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا زبير أسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر". فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه نزلت في ذلك "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" الآية: أخرجاه. وعند البخاري فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حينئذ حقه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله": الآية وذلك أن خبيباً أخرجه المشركون ليقتلوه فقال: دعوني حتى أصلي ركعتين، فتركوه حتى صل ركعتين، ثم قال: لولا أن يقولوا جزع لزدت، وأنشأ يقول:



ولست أبالي حين أقتل مـسـلـمـاً


على أي جنب كان في الله مصرعي
فصلبوه حياً، فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس حوالي أحد يبلغ رسولك مقامس، فأبلغه سلامي، ثم رموه بسهم وطعنوه برمح، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبره فقال: "أيكم يحتمل خبيباً من خشبته وله الجنة?" فقال الزبير: أنا وصاحبي المقداد. فخرجا يسيران الليل والنهار حتى وافيا المكان، فإذا حول الخشبة أربعون رجلا نياما، وإذا هو رطب لم يتغير منه شيء بعد أربعين يوما، فحمله الزبير على فرسه وسار فلحقه سبعون منهم، فقذف خبيباً فابتلعته الأرض، وقال ما جرأكم علينا يا معشر قريش? ثم رفع العمامة عن رأسه، وقال: أنا الزبير من العوام، وأمي صفية بنت عبد المطلب، وصاحبي المقداد الأسود، أسدان رابضان، إن شئتم ناضلتم وإن شئتم نازلتم، وإن شئتم انصرفتم فانصرفوا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل فقال يا محمد إن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك، ونزل قوله تعالى "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله" هذا أحد خمسة أقوال في سبب نزولها، وهو قول ابن عباس والضحاك. الثاني: نزلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وروي عن علي وعمر. الثالث: في صهيب الرومي الرابع: في المهاجرين والأنصار، قاله قتادة. الخامس: في المهاجرين خاصة قاله الحسن.
وقوله تعالى "الذين استجابوا لله والرسول" نزلت في سبعين منهم أبو بكر والزبير. وقد سبق ذكر ذلك. أخرجه أبو الفرج في أسباب النزول.

الفصل السابع
في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
وقد تقدم ذلك في باب العشرة من حديث عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وتقدم في فصل الشهادة بطلحة بالجنة قوله صلى الله عليه وسلم: "طلحة والزبير جاران في الجنة".
الفصل الثامن
في ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره: شهد الزبير بدراً والحديبية والمشاهد كلها، لم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى الذين قال عمر فيهم: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهاجر الهجرتين، وفيه يقول حسان بن ثابت:


أقام على عهد الـنـبـي وهـديه


حواريه والقول بالفـعـل يعـدل

أقام على منـهـاجـه وطـريقـه


يوالي ولي الحق والحـق أعـدل

هو الفارس المشهور والبطل الذي


يصول إذا ما كان يوم مـحـجـل

له من رسول الله قـربـى قـريبة


ومن نصرة الإسلام مجد مـؤثـل

فكم كربة ذب الـزبـير بـسـيفة


عن المصطفى والله يعطي ويجزل

إذا كشفت عن ساقها الحر هشهـا


بأبيض سباق إلى المـوت يرقـل

فما مثله فيهم ولا كـان قـبـلـه


وليس يكون الدهر مـا دام يذبـل

ثناؤك خير من فعـال مـعـاشـر


وفعلك يا بن الهاشمـية أفـضـل
شرح الهدي: بفتح الهاء وإسكان الدال السيرة، يقول ما أحسن هدية؛ أي سيرته والحواري: تقدم تفسيره مؤثل: أي مؤصل والتأثيل والتأصيل بمعنى، يقال، مجد أثيل أي أصيل وكشفت الحرب عن ساقها: أي اشتدت ومنه يكشف عن ساق أي عن شدة، وكذلك قامت على ساق هشها: لعله من الهش: الجمع والكسب، والهياشة؛ مثل الحياشة، وهو ما جمع من المال واللباس فكأنه يجمع الناس ويكشفهم بسيفه والأبيض: السيف والجمع البيض والإرقال: ضرب من السير، نحو الخلل ويذبل: اسم جبل.
ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة
تقدم حديث هذا الذكر بطرقه في باب ما دون العشرة وهو حديث تحرك حراء وقوله صلى الله عليه وسلم: "أثبت فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد". خرجه مسلم.
وخرج صاحب الكوكب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى الزبير" وعلم عليه بعلامة ابن أبي شيبة.

ذكر شهادة عمر أنه ركن من أركان الإسلام
عن سطيع بن الأسود قال سمعت عمر بن الخطاب يقول: الزبير ركن من أركان الإسلام. أخرجه ابن السري.
ورفعه ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ "الزبير بن العوام ركن من أركان المسلمين". أخرجه الملاء في سيرته.

ذكر شهادة عثمان بأنه خيرهم وأحبهم إلى رسول الله
عن مروان بن الحكم قال: أصاب عثمان رعاف شديد حتى حبسه عن الحج وأوصى فدخل رجل من قريش فقال: استخلف، فقال نعم قال: ومن قال? فسكت، فدخل عليه رجل أحسبه الحارث فقال: استخلف، فقال عثمان: وقالوا? قال نعم قال: فمن هو? قال: فسكت، قال: فلعلهم قالوا الزبير? قال: نعم قال: أما والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية أنه قال: والله إنكم لتعلمون أنه خيركم أخرجه البخاري والبغوي وقال: أما والذي نفسي بيده: إلى آخره، وزاد ثلاث مرات.

ذكر ما جاء عن سعد بن مالك وسعيد بن المسيب في الحث على محبته والزجر عن بغضه تقدم حديثهما في نظيره من فصل فضائل عثمان
ذكر ثناء ابن عباس عليه
تقدم في فضائل طلحة، لأن الثناء كان عليهما جميعا، والله أعلم.
ذكر إبلائه يوم اليرموك
عن عروة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشد فنشد معك? فحمل عليهم فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة: فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير قال عروة: وكان معه عبد الله، وهو ابن خمس سنين فحمله على فرس ووكل به. أخرجه البخاري.
واليرموك: موضع بناحية الشام.

ذكر أنه من الذين استجابوا لله والرسول
عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت لي: أبوك والله من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. أخرجه مسلم، وزاد في رواية: تعني أبا بكر والزبير.
وعنها قالت: يا بن أختي، كان أبوك تعني أبا بكر والزبير من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.

قالت: لما انصرف المشركون من أحد، وأصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابهم فخاف صلى الله عليه وسلم أن يرجعوا، فقال: من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة، فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين فخرجوا في آثار القوم، فسمعوا بهم، فانصرفوا. قالت: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يقاتلوا عدوا أخرجه البخاري.
ذكر ما كان في جسده من الجراح
عن عروة قال: أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل، فقال: يا بني ما من عضو إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى ذلك إلى فرجه. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
وعن علي بن زيد قال: أخبرني من رأى الزبير وإن في صدره لأمثال العيون من الطعن والرمي. أخرجه صاحب الصفوة والفضائلي.
وعن بعض التابعين قال: صحبت الزبير في بعض أسفاره، فأصابته جنابة، وكنا بأرض قفر، فقال لي: استرني حتى أغتسل، قال: فسترته، فحانت مني التفاتة فرأيته مجدعا بالسيوف: فقلت له: والله لقد رأيت بك آثارا ما رأيتها بأحد قط، قال: أوقد رأيتها? قلت: نعم. قال أما والله ما فيها جراحة إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله. أخرجه الملاء في سيرته.

ذكر ذبه عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم وما ترتب على ذلك
عن عمر بن الخطاب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نام، فجلس الزبير يذب عن وجهه حتى استيقظ، فقال له: "يا أبا عبد الله لم تزل?" قال: لم أزل، أنت بأبي وأمي قال: "هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة، حتى أذب عن وجهك شرر جهنم". أخرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال.
ذكر قوله صلى الله عليه وسلم لابن الزبير: يا بن أخي فأثبت له وصف الأخوة
عن سليمان قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن الزبير ومعه طشت يشرب ما فيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما شأنك يا بن أخي?" ثم ذكر باقي الحديث. وسيأتي في مناقبه من حديث ابن الغطريف.
ذكر ورعه
عن عبد الله بن الزبير قال: قلت للزبير: ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه أصحابه? قال: أما والله لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعته يقول: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". أخرجه البخاري.
وفي رواية: والله لقد كان لي منه منزلة ووجهة، ولكني سمعته يقول. وذكر الحديث.
وفي رواية: لقد نلت من صحابته أفضل ما نال أحد، ولكني سمعته يقول: "من قال ما لم أقل تبوأ مقعده من النار" فلا أحب أن أحدث عنه أخرجهما البغوي في معجمه.
شرح الوجهة الجاه والعز فليتبوأ مقعده من النار: أي لينزل منزلته منها قال: بوأه الله منزلا أي أسكنه إياه والمباءة: المنزل.

ذكر صلته وصدقته
وعن أم درة قالت: بعث الزبير إلى عائشة بغرارتين تبلغ ثمانين ومائة ألف درهم.
وعن كعب قال: كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فما كان يدخل منها بيته درهم واحد؛ كان يتصدق بذلك كله. أخرجه أبو عمر وأخرجه الفضائلي وقال فكان يتصدق بقسمه كل ليلة، ويقوم إلى منزله ليس معه منه شيء.
وأخرجه الطائي عن سعيد بن عبد العزيز أنه قال: كان للزبير. وذكره. وعن جويرة قالت: باع الزبير دارا له بستمائة ألف، قال: فقيل له: ويا أبا عبد الله غبنت قال: كلا، والله لتعلمن أني لم أغبن؛ هي في سبيل الله. أخرجه في الصفوة.

ذكر أنه كان من أكرم الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ابن إسحاق السبيعي قال: سألت مجلسا في أكثر من عشرين. رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان أكرم الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم? قالوا: الزبير وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. أخرجه الفضائلي.
ذكر سماحته في بيعه
قال أبو عمر: كان الزبير تاجراً مجدوداً في التجارة، فقيل: بما أدركت في التجارة? قال: لأني لم أشتر معيبا، ولم أرد ربحا والله يبارك لمن يشاء.
شرح مجدودا: أي محفوظاً، والجد: الحظ، والجديد: الحظيظ، فعيل بمعنى مفعلو.

ذكر شهادة الحسن بن علي بكفاءة نسبه لنسبهم
عن هشام بن عروة عن أبيه أن حسن بن علي أوصى في وصيته أن تزوجوا إلى آل الزبير وزوجوهم، فإنهم أكفاؤكم من قريش. أخرجه أبو معاوية.
وفيه دليل على اعتبار الكفاءة في النسب، وأن قريشا ليسوا أكفاء لبني هاشم، وإلا لما كان في التخصيص فائدة.
ذكر إثبات رخصة عامة المسلمين بسببه
عن أنس رضي الله عنه أن الزبير وعبد الرحمن بن عوف شكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل في غزاة لهما؛ فرخص لهما في قميص الحرير، فرأيت على كل واحد منهما قميص حرير.
وعنه رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير في السفر لحكة كانت بهما. أخرجهما مسلم ويشبه أن تكون الرخصة للحكة والقمل جمعا بين الحديثين.

ذكر من أوصى إلى الزبير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عروة بن الزبير أن ابن مسعود وعثمان والمقداد بن الأسود وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود أوصوا إلى الزبير بن العوام أخرجه ابن الضحاك.
الفصل التاسع
في مقتله وما يتعلق به
ذكر كيفية قتله ومن قتله وأين قتل :
قال أبو عمر: شهد الزبير يوم الجمل، فقاتل فيه ساعة، فناداه علي وانفرد به فذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وقد وجدهما يضحكان بعضهما إلى بعض: "أما إنك ستقاتل عليا وأنت له ظالم". فذكر الزبير ذلك وانصرف عن القتال راجعا إلى المدينة قادما، مفارقا للجماعة التي خرج فيها، فاتبعه ابن جرموز عبد الله ويقال عمير ويقال عمر ويقال عميرة السعدي فقتله بموضع يعرف بوادي السباع، وجاء براسه إلى علي، فقال علي رضى الله عنه: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
وعن أبي الأسود الدؤلي قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض، خرج علي على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى: ادعو الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير نشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكان كذا وكذا وقال: "يا زبير أتحب عليا?" قلت: ألا أحب ابن خالي وعلى ديني؛ فقال: يا علي، أتحبه? قلت يا رسول الله ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني? فقال: "يا زبير لتقاتلنه وإنك له ظالم": قال: بلى، والله لقد أنسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك. فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله وقال: ما لك? قال: قد ذكرني علي حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لتقاتلنه وأنت له ظالم". ولا أقاتله، ثم رجع منصرفا إلى المدينة، فرأى عبد الله بن جرموز، فقال: أي ها تورش بين الناس ثم تتركهم? والله لا نتركه، فلما لحق بالزبير. ورأى أنه يريده، أقبل عليه الزبير فقال له ابن جرموز: اذكر الله، فكف عنه الزبير حتى فعل ذلك مراراً، فقال الزبير: قاتله الله، يذكر بالله وينساه، ثم غافصه ابن جرموز فقتله، أخرجه الفضائلي وغيره.
شرح أي ها: بمعنى كيف والتوريش: التحريش، تقول ورشت بين القوم وأرشت وغافصه أي أخذه على غرة.
قال أبو عمر: ويروى أن الزبير لما انصرف لقيه النغر رجل من بني مجاشع فقال: أين تذهب يا حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم? إلي فأنت في ذمتي لا يوصل إليك، فأقبل معه، فلحقه عميرة بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع في غزاة من غزاة بني تميم، فلقوه مع الثغر، فأتاه عمير بن جرموز من خلفه، وهو على فرس له ضعيفة، فطعنه طعنة خفيفة وحمل عليه الزبير وهو على فرس يقال له ذو الخمار، حتى ظن أنه قاتله نادى صاحبيه: يا نفيع، يا فضالة. فحملوا عليه حتى قتلوه قال أبو عمر: وهذا أصح مما تقدم.
وعن عبد العزيز السلمي قال: لما انصرف الزبير يوم الجمل سمعته يقول:



ولقد علمت لو أن علمي نافعي


أن الحياة من الممات قـريب
فلم ينشب أن قتله ابن جرموز أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر تاريخ مقتله وسنه يوم قتل
قيل: كان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ستة وثلاثين، وفي ذلك اليوم كانت وقعة الجمل، وسنه يومئذ سبع وستون سنة، وقيل ست وستون. ذكره أبو عمر، وقيل أربع وستون، وقيل ستون، وقيل: إحدى وستون. ذكره البغوي في معجمه. وقيل: خمس وسبعون، وقيل: بضع وخمسون. ذكره صاحب الصفوة والرازي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يونيو 26, 2011 3:34 pm


ذك ما قاله علي عليه السلام لقاتل الزبير
تقدم في كيفية قتله طرف منه.
قال أبو عمر: روى أنه لما جاء قاتل الزبير علياً برأس الزبير، فلم يأذن له وقال للآذن: بشره بالنار.
وعن زر قال: استأذن ابن جرموز على علي وأنا عنده، فقال: بشر قاتل ابن صفية بالنار. أخرجه صاحب الصفوة.

ذكر وصيته
عن عبد الله بن الزبير قال: جعل الزبير يوم الجمل يوصيني بدينه ويقول إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي. قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبة من مولاك? قال: الله تعالى، فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير، اقض عنه، فيقضيه: وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال يستودعه إياه فيقول الزبير: لا ولكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة قال عبد الله: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائة ألف؛ فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين بعتهما وقضيت دينه، فقال بنو الزبير: ميراثنا؛ قلت: والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه. فجعل كل سنة ينادي؛ فلما انقضت أربع سنين قسم بينهم، وكان للزبير أربع نسوة، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجمع مال الزبير خمسون ألف ألف ومائتا ألف.
وعن عبد الله أنه لقيه حكيم بن حزام فقال: يا بن أخي، كم على أخي? فكتمه، وقلت: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع هذا، قال: فقال عبد الله: أرأيت إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف? قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي، وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، ثم قال: من كان له على الزبير شيء فليوافنا على الغابة. قال: فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف؛ قال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا قال: إن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم؛ قال عبد الله: لا، قال: فاقطعوا لي قطعة، قال عبد الله: من ههنا إلى ههنا، قال: فباع عبد الله منها فقضى دينه وأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف قال: فقال له معاوي: كم قومن الغابة? قال: كل سهم بمائة ألف، قال كمن بقي منه? قال أربعة أسهم ونصف، قال المنذب بن الزبير أخذت منها سخما بمائة ألف، وقال عمر بن عثمان: أخذت منها سهما بمائة ألف؛ وقال ابن ربيعة: أخذت منها سهما بمائة ألف فقال معاوية: كم بقي قال: سهم ونصف، قال: قد أخذته بخمسين ومائة ألف، قال: فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير: اقسم بيننا، قال: لا والله، ثم ذكر معنى ما تقدم. أخرجهما البخاري. وذكر القعلي أن تركته بعد قضاء دينه سبعة وخمسون ألف ألف وستمائة ألف.
وعن عروة بن الزبير أن الزبير أوصى بثلث ماله ولم يدع دينارا ولا درهما أخرجه البغوي في معجمه.

الفصل العاشر
في ذكر ولده
وكان له عشرون ولداً، أحد عشر ذكراً وتسع إناث.
ذكر الذكور
عبد الله، وكان يكنى أبا بكر، ويكنى أيضاً أبا خبيب بابنه خبيب.
عن عائشة رضى الله عنها قالت: أول مولود ولد في الإسلام عبد الله ابن الزبير، أتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم تمرة، فلاكها ثم أدخلها في فيه فأول ما دخل بطنه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن فاطمة بنت المنذر وهشام بن عروة بن الزبير قالا: خرجت أسماء بنت أبي بكر حين هاجرت وهي حبلى بعبد الله بن الزبير فقدمت قباء فنفست عبد الله بقباء، ثم خرجت حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فوضعه في حجره، قالا: قالت عائشة: فمكثنا ساعة نلتمسها يعني تمرة قبل أن نجدها، فمضغها ثم بصقها في فيه؛ فإن أول شيء دخل بطنه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت أسماء: ثم مسحه وصلى عليه، وسماه عبد الله، ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك الزبير. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا، ثم بايعه أخرجهما البخاري.

وقال أبو عمر: كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنية جده أبي أمه، وسماه باسمه ودعا له، وبارك عليه، وشهد الجمل مع أبيه وخالته، وكان فصيحا ذا أنفة، أطلس، لا لحية له، ولا شعر في وجهه، وكان كثير الصوم والصلاة؛ شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات وبويع له بالخلافة سنة أربع وستين، وقتل سنة خمس وستين بعد موت معاوية بن يزيد، واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان، وحج بالناس ثماني حجج؛ وذكر صاحب الصفوة في صفته أنه كان إذا صلى كأنه عود من الخشوع. قال مجاهد: وكان إذا سجد يطول حتى تنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذما. قاله يحيى بن ثابت.
شرح الجذم: أصل الشيء، والجذمة القطعة: من الجبل ونحوه.
وقال ابن المنكدر. لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن شجرة تصفثه الريح.
وعن عمر بن قيس عن أمه قالت: دخلت على ابن الزبير بيته وهو يصلي فسقطت حية من السقف على ابنه، ثم تطوقت على بطنه وهو نائم فصاح أهل البيت، ولم يزالوا بها حتى قتلوها، وابن الزبير يصلي ما التفت ولا عجل، ثم فرغ بعد ما قتلت الحية، فقال: ما بالكم? فقالت زوجته: رحمك الله: أرأيت إن كنا هنا عليك يهون عليك ابنك? وعن محمد بن حميد قال: كان عبد الله بن الزبير يحيى الدهر أجمع ليلة قائما حتى يصبح، وليلة راكعاً حتى يصبح، وليلة ساجداً حتى يصبح.
وعن مسلم بن يناق المكي قال: ركع ابن الزبير يوما ركعة فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه.
وعن محمد بن الضحاك وعبد الملك بن عبد العزيز: كان ابن الزبير يصوم يوم الجمعة، فلا يفطر إلا ليلة الجمعة الآخرة، ويصوم بالمدينة، فلا يفطر إلا بمكة، ويصوم بمكة فلا يفطر إلا في المدينة وأول ما يفطر عليه لبن لقحه بسمن بقر.
وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: كان ابن الزبير صواما بالنهار قواما بالليل وكان يسمى خادم المسجد.
وعن ابن أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام.
وعن وهب بن كيسان قال: ما رأيت ابن الزبير يعطي كلمة قط لرغبة ولا لرهبة سلطانا ولا غيره. أخرجه أبو معاوية الضرير.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا عبد الله بن الزبير معه طشت يشرب ما فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما شأنك يا ابن أخي?" قال: إني أحببت أن يكون من دم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوفي، فقال: "ويل لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسك النار؛ إلا قسم اليمين". أخرجه ابن الغطريف.
وعن عروة قال: عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر وكان أبر الناس بها. أخرجه البخاري.
وعنه ووهب بن كيسان قال: أهل الشام يعيرون الزبير، يقولون: يابن ذات النطاقين، فقالت أسماء: يا بني، يعيرونك بالنطاقين هل تدري ما النطاقين? إنما كان نطاقي شققته نصفين فأكيت قربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحدهما وجعلت في سفرته آخر. قال وكان أهل الشام إذا عيروه بالنطاقين يقول: أيها والإله؛ تلك شكاة ظاهر عنك عارها. أخرجه البخاري.
قال الدار قطني: روى عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن أبيه الزبير، وروى عنه أخوه عروة وبنوه، والجم الغفير.

ذكر مقتله
قتل في أيام عبد الملك بن مروان، سنة ثلاث وسبعين، وعمره ثلاث وسبعون سنة صلب بعد قتله بمكة وبدأ الحجاج في حصاره من أول ذي الحجة، وحج الحجاج بالناس ذلك العام، ووقف بعرفة وعليه درع، ولم يطوفوا بالبيت في تلك الحجة، وحاصروه ستة أشهر وسبعة عشر يوماً.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما كان قبل قتل ابن الزبير بعشرة أيام دخل على أمه أسماء وهي شاكية: فقال لها: كيف تجدينك يا أماه? قالت ما أجدني إلا شاكية؛ فقال لها، إن هم الموت راحة؛ فقالت لعلك تمنيته لي! ما أحب أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك إما قتلت فأحتسبك وإما ظفرت بعدوك فقرت عيني، وقال عروة: فالتفت إلى عبد الله وضحك قال فلما كان في اليوم الذي قتل فيه، دخل عليها في المسجد، فقال: يا بني لا تقبل منهم خطة تخاف منها على نفسك الذل مخافة لقتل؛ فوالله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في مذلة، فأتاه رجل من قريش فقال، ألا نفتح لك الكعبة فتدخلها، فقال عبد الله: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من حتفه، والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم، وهل حرمة المسجد إلا كحرمة البيت? قال ثم شد عليه أصحاب الحجاج؛ فقال: أين أهل مصر? فقالوا: هم هؤلاء من هذا الباب لأحد أبواب المسجد فقال لأصحابه: اكسروا غماد سيوفكم، ولا تميلوا عني؛ قال: فأقبل الرعيل الأول، فحمل عليهم وحملوا معه وكان يضرب بسيفين فلحق رجلا فضربه فقطع يده، وانهزموا وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد. قال: ثم دخل عليه أهل حمص، فشد عليهم وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، ثم دخل عليه أهل الأردن من باب آخر، فقال: من هؤلاء? فقيل من أهل الأردن فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف؛ قال: فأقبل عليه حجر من ناحية الصف، فوقع بين عينيه، فنكس رأسه، قال: ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه حتى قتلوه ومواليه جميعا.
ولما قتل كبر عليه أهل الشام، فقال عبد الله بن عمر: المكبرون عليه يوم ولد وخير من المكبرين عليه يوم قتل. وقال يعلي بن حرملة: دخلت مكة بعد ما قتل عبد الله بن الزبير بثلاثة أيام، فإذا هو مصلوب؛ فجاءت أمه امرأة عجوز كبيرة طويلة مكفوفة البصر تقاد، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل? فقال لها الحجاج: المنافق? قالت: والله ما كان منافقا، ولكنه كان صواما قواما، فقال: انصرفي، فإنك عجوز قد خرفت. قالت لا، والله ما خرفت، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج من ثقيف كذاب ومبير". أما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت المبير. قال أبو عمر: الكذاب فيما يقولون المختار بن عبيد الثقفي.
وعن ابن أبي مليكة قال: لما نزل عبد الله دعت أسماء بمركن؛ وأمرتني بغسله فكنا لا نتناول عضوا إلا جاء معنا، فكنا نغسل العضو ونضعه في الأكفان ثم نتناول الذي يليه فنغسله ونضعه في أكفانه، حتى فرغنا منه؛ ثم قامت فصلت عليه، وكانت تقول قبل ذلك: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بجثته فما أتت عليها جمعة حتى ماتت. أخرج ذلك كله أبو عمر.
وعن ابن نوفل معاوية بن مسلم بن أبي عقرب قال: رأيت عبد الله ابن الزبير على عقبة مكة قال فجعلت قريش تمر عليه الناس، حتى مر عليه عبد الله بن عمر، فوقف عليه، فقال السلام عليك أبا خبيب ثلاثا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، والله إن كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم. ثم نفد عبد الله بن عمر فبلغ ذلك الحجاج فأرسل إليه فأنزل عن جذعه، فألقي في قبور الشهود. ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيه فأعاد عليها الرسول: إما أن تأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال فأبت وقالت: والله لا آتينك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. قال: فقالت أروني سبتيني، فأخذ نعليه، ثم انطلق حتى دخل عليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله? قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا بن ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة الذي لاتستغني عنه، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخا لك إلا أياه. قال: فقام عنها ولم يراجعها. أخرجه مسلم.
وعن مجاهد قال كنت مع ابن عمر، فمر على ابن الزبير، فوقف عليه فقال: رحمك الله، فإنك كنت صواما وصولا للرحم؛ وإني أرجو أن لا يعذبك الله عز وجل.

قال الواقدي: حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين ستة أشهر وسبع عشرة ليلة؛ ونصب الحجاج عليه المنجنيق، وألح عليه بالقتال من كل جهة، وحبس عنهم المير، وحصرهم أشد الحصار فقامت أسماء يوما فصلت ودعت فقالت: اللهم لا تخيب عبد الله ابن الزبير، اللهم ارحم ذلك السجود والنحيب والظمأ في تلك الهواجر. وقتل يوم الثلاث لست عشرة ليلة خلت من جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة أخرجه صاحب الصفوة.
عودة إلى ولد الزبير والمنذر بن الزبير وكان يكنى أبا عثمان، وكان سيدا حليما؛ قتل مع عبد الله بنكة قتله أهل الشام، ويقال إنه قتل وله أربعون سنة، وله عقب، وعروة كان فقيها فاضلا يكنى أبا عبد الله وأصابته الأكلة في رجله بالشام فقطعت رجله وعاش بعد ذك ثماني سنين؛ توفي في ضيعة له بقرب المدينة وله عقب وهو أحد الفقهاء السبعة المدنيين، وكان حين قتل عثمان بن عفان غلاما لم يبلغ الحلم؛ قال الدارقطين: وروى عن أبيه الزبير، وأمه أسماء، وخالته عائشة، وأخيه عبد الله، وروى عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو، وحكيم بن حزام وعبد الله بن عباس، وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وأبي حميد الساعدي، وسفيان بن عبد الله الثقفي، وزيد بن ثابت وغيرهم. وروى عن عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف مرسلا. والمهاجر أمهم أسماء بنت أبي بكر ومصعب كان يكنى أبا عبد الله وقيل: أبا عيسى، وكان أجود العرب، وكان أسمح الناس كفا، وأحسنهم وجها، كريما، شجاعا، جوادا، ممدحا وجمع بين أربع عقائل لم يكن في زمانه أجمل منهن فيما يقال. روي عن عبد الملك بن مروان أنه قال يوما لجلسائه: من أشجع العرب قالوا ابن فلان شبيب فلان. فقال عبد الملك: إن أشجع العرب لرجل جمع بين سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز وابنة زيان بن أنيف الكلبي سيد ضاحية العرب ذكره الدار قطني. وولاه أخوه عبد الله العراقين، فسار إليه، وقام به خمس سنين فأصاب ألف ألف وألف ألف وألف ألف وأعطي الأمان فأبى، ومشى بسيفه حتى مات: ذلك مصعب بن الزبير، وقتل مصعب سنة اثنتين وسبعين. صار إليه عبد الملك بن مروان من الشام وكاتب أصحابه فخذلهم عنه، فأسلموه ووجه إليه أخاه محمد بن مروان في مقدمته، فلقيه مصعب فقاتله فقتل مصعب وله عقب، وكان الذي تولى قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان، وجاء برأسه إلى عبد الملك فخر عبد الملك ساجدا، قتل وهو ابن خمس وأربعين سنة، وقيل: ست وأربعين، وقيل اثنتين وأربعين، وقيل خمس وثلاثين. حكاه الدار قطني. وحمزة قتل مع عبد الله بمكة أمهما الرباب بنت أنيف بن عبيد الكلبية وعبيدة له عقب وجعفر أمهما زينب بنت بشر من بني قيس بن تغلب. وكان عبيدة يشبه بأبيه. وشهد جعفر مع أخيه حروبه واستعمله على المدينة وقاتل يوم قتل أخوه قتالا شديدا. حتى جمد الدم على سيفه في يده، وله شعر كثير في كل فن وروى عن أبيه. وعمر وكان يكنى أبا الزبير، وكان له قدر كبير. وكان من أجمل أهل زمانه وقتل أيضاً وله عقب وخالد له عقب أيضاً. وكان استعمله أخوه عبد الله على اليمن: أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص.

ذكر الإناث
خديجة الكبرى" أم الحسن وعائشة أمهن أسماء. وحبيبة وسودة وهند أمهن أم خالد ورملة أمها الرباب وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأخوها لأمها محمد وإبراهيم وحميد وإسماعيل بنو عبد الرحمن بن عوف. وخديجة الصغرى أمها الجلال بنت قيس من بني أسد بن خزيمة وأخواها لأمها الزبير بن مطيع بن الأسود وعبد الرحمن بن الأسود بن أبي البختري بن هشام بن أسد بن عبد العزى بن قصي. ذكره الدار قطني. فأما خديجة الكبرى فتزوجها عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ثم خلف عليه جبير بن مطعم ثم خلف عليها السائب بن أبي حبيش بن المطلب بن أسد بن عبد العزى وأما أم حسن فتزوجها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. فولدت له أولادا ذكوراً وإناثا وأما عائشة بنت الزبير فتزوجها الوليد بن عثمان بن عفان فولدت له عبد الله بن الوليد. وأما حبيبة فتزوجها يعلى بن أمية السهمي ثم خلف عليها عبد الله بن عباس بن علقمة من بني عامر بن لؤي. وأما سودة فتزوجها الأشدق عمرو بن سعيد بن العاص. ثم خلف. عليها عبد الرحمن بن الأصود بن البختري: وأما هند فتزوجها عبد الملك بن عبد الله بن عامر بن كريز. فولدت هل رجلين وهلكا ثم خلف عليها عباس بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب فولدت له عون بن العباس. وأما رملة فتزوجها عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فولدت له ثم خلف عليها خالد ابن زيد بن معاوية بن أبي معاوي. وأما زينب فتزوجها عتبة بن أبي سفيان ابن حرب فولدت له أولادا. وأما خديجة الصغرى فتزوجها أبو يسار عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن شيبة بن ربيعة، فولدت له الزبير ومثعبا ابني أبي يسار. وليس لبنات الزبير رواية. ذكر ذلك الدار قطني، وذكر منهن حفصة قال: وماتت بعد أبيها ولم تتزوج.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يونيو 26, 2011 3:38 pm


الباب السابع
في مناقب أبي محمد عبد الرحمن بن عوف

وفيه عشرة فصول على ترتيب ما تقدم في طلحة
الفصل الأول
في نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة وينسب إلى زهرة بن كلاب، ويقال: القرشي الزهري. أمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث الزهرية، أسلمت وهاجرت. ذكره ابن الضحاك وذكره الدار قطني قال: وأسلمت أختها الضيزنة بنت أبي قيس بن عبد مناف بن زهرة.
الفصل الثاني
في اسمه
كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو؛ وقيل عبد الحارث؛ وقيل: عبد الكعبة؛ فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، ويكنى أبا محمد وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الصادق البار. ذكره الدار قطني.
الفصل الثالث
في صفته
قال الواقدي: كان رجلا طويلا، حسن الوجه رقيق البشرة أبيض اللون مشربا بحمرة لا يغير لحيته ولا رأسه، ضخم الكفين، غليظ الأصابع، أقنى، جعدا له جمة من أسفل أذنيه، أعنق، ساقط الثنيتين أعرج أصيب يوم أحد فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر أصاب بعضها رجله فعرج.
شرح ضخم الكفين: عظيمهما أقنى: القنا: احديداب في الأنف يقال: رجل أقنى الأنف وامرأة قنواء بينة القنا. جعد الشعر ضد السبط. أعنق: طويل العنق؛ والمرأة بينة العنق. والهتم: كسر الثنايا من أصلها، يقول ضربه فهتم فاه إذا القى مقدم أسنانه ورجل أهتم بين الهتم. والثرم بالتحريك: سقوط الثنيتين أيضا، يقول منه: ثرم الرجل بالكسر ثرما وثرمته أنا بالفتح.

الفصل الرابع
في إسلامه
أسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وقد تقدم أنه من جملة من أسلم على يد أبي بكر، ذكرناه في مناقب أبي بكر، وأسلم معه أخوه الأسود بن عوف وهاجر قبل الفتح وأخواه لأبيه عبد الله بن عوف وحمن بن عوف ولم يهاجرا وأقاما بمكة، وعاش حمن في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة وأوصيا إلى الزبير بن العوام.
الفصل الخامس
في هجرته
وهاجر عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة. ذكره ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما، وقال ابن الضحاك: هاجر الهجرتين. ذكره في كتاب الآحاد والمثاني.
الفصل السادس
في خصائصه
ذكر اختصاصه بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في بعض الأحوال
عن المغيرة بن شعبة قال: تخلف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فتبرز وذكر وضوءه، ثم عمد الناس وعبد الرحمن يصلي بهم فصلى مع الناس الركعة الأخيرة؛ فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته، فلما قضاها أقبل عليهم وقال: "قد أصبتم وأحسنتم" يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها. أخرجاه.
وفي رواية: فأراد أن يتأخر، فأومى إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يمضي فصليت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه.
وفي رواية: قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم دعه أخرجه الشافعي في مسنده.
وفي رواية: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن قد صلى بهم فصلى خلفه وأتم الذي فاته، وقال: "ما قبض نبي حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته". أخرجه صاحب الصفوة.

ذكر اختصاصه بالأمانة على نساء النبي صلى الله عليه وسلم
عن الزبير بن بكار قال: كان عبد الرحمن بن عوف أمين النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه. أخرجه أبو عمر.
ذكر إثبات أمانته في السماء والأرض
عن عبد الله بن عمر أن عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى هل لكم أن أختار لكم وانتفي منها? قال علي: أنا أول من يرضى، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنت أمين في أهل الأرض". أخرجه أبو عمر، وأخرجه الحضرمي عن علي مختصرا؛ ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: "عبد الرحمن بن عوف أمين في الأرض وأمين في السماء".
ذكر اختصاصه بأنه وكيل الله في الأرض
عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عبد الرحمن بن عوف وكيل الله في الأرض". أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر اختصاصه وعثمان بآي نزلت فيهما
عن السائب في قوله تعالى: "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا الآية" نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف، فأما عثمان فقد تقدم ذكره، وأما عبد الرحمن فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة وقال: كان عندي ثمانية آلاف، فأمسكت أربعة آلاف لنفسي وعيالي وأربعة آلاف أقرضها ربي عز وجل، فقال صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك فيما امسكت وفيما أعطيت". ونزلت الآية. أخرجه الواحدي وأبو الفرج.
الفصل السابع
في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
سبق في نظيره من مناقب أبي بكر حديثه وحدث سعيد بن زيد في الشهادة للعشرة.
وعن أنس رضي الله عنه قال بينما عائشة في بيتها إذ سمعت رجة في المدينة فقالت ما هذا? قالوا عير لعبد الرحمن بن عوف من الشام تحمل من كل شيء وكانت سبعمائة بعير، فارتجت المدينة من الصوت؛ فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رأيت عبد الرحمن يدخل الجنة حبوا". فبلغ ذلك عبد الرحمن فقال: إن استطعت لأدخلها قائما. فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل. أخرجه أحمد.
وفي رواية أنه لما بلغه قول عائشة أتاها فسألها عما بلغه، فحدثته؛ فقال إني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله عز وجل أخرجه صاحب الصفوة.

ذكر تسليم الله عز وجل عليه وتبشيره بالجنة
عن ابن عباس رضي الله عنه قال وردت قافلة من تجار الشام لعبد الرحمن بن عوف فحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، فنزل جبريل وقال: "إن الله يقرئك السلام ويقول: أقرئ عبد الرحمن السلام وبشره بالجنة". أخرجه الملاء، وسيأتي في ذكر صدقته أتم من هذا إن شاء الله تعالى وهذه القافلة غير القافلة المتقدم ذكرها في الفصل قبله، فإن الظاهر أن تلك كانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي تلك أرى عبد الرحمن داخلا الجنة حبوا وفي هذه دعا له بها.
الفصل الثامن
في ذكر نبذ من فضائله
قال ابو عمر وغيره شهد عبد الرحمن بدرا والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. وأحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين شهد عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دومة الجندل وعممه بيده وسد لها بين كتفيه وقال له: "سر باسم الله" ووصاه بوصايا وقال له: "إن فتح الله عليك فتزوج بنت شريفهم" أو قال بنت مليكهم وقال شريفهم الأصبغ بن ثعلبة الكلبي، فتزوج ابنته تماضر وهي أم ابنة أبي سلمة.
وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: عبد الرحمن بن عوف سيد من سادات المسلمين: ذكر ذلك كله أبو عمر وغيره.

ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له
عن عمر بن الخطاب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعا ويتضوران، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يصلنا بشيء?" فطلع عبد الرحمن بن عوف بصحفة فيها حيس ورغيفان بينهما إهالة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "كفاك الله أمر دنياك، وأما آخرتك فأنا لها ضامن". أخرجه الحافظ أبو القاسم في الأربعين الطوال.
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعبد الرحمن بن عوف: "بارك الله في مالك وخفف عليك حسابك يوم القيامة". أخرجه الملاء.
وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة" أخرجه الدار قطني في كتاب الأخوة.

ذكر ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانه
عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطا منهم عبد الرحمن بن عوف ولم يعطه معهم، فخرج عبد الرحمن يبكي، فلقيه عمر بن الخطاب فقال: ما يبكيك? قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا معهم وتركني فلم يعطني شيئا، فأخشي أن يكون إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم موجدة وجدها علي، قال: فدخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبر عبد الرحمن وما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بي سخط عليه. ولكني وكلته إلى إيمانه". أخرجه عبد الرزاق.
ذكر أنه ولي النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة
عن أويس بن أبي وأويس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الرحمن بن عوف: "أنت وليي في الدنيا والآخرة". أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر أنه ممن سبقت له السعادة وهو في بطن أمه
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: أغمى على عبد الرحمن ثم أفاق فقال: إنه أتاني ملكان فظان غليظان فقالا لي: انطلق نخاصمك إلى العزيز الأمين؛ قال: فلقيهما ملك فقال: إلى أين تذهبان به. فقالا: نخاصمه إلى العزيز الأمين. قال: فخليا عنه فإنه ممن سبقت له السعادة وهو في بطن أمه. أخرجه الملاء في سيرته وأخرجه الواحدي في أوسطه مسندا في سورة هود عند قوله تعالى: "وأما الذين سعدوا".
ذكر إثبات الشهادة له
تقدم في باب العشرة حديث "اثبت حرا" وفيه ما يدل على ذلك في مناقب سعيد بن زيد؛ ووجه الشهادة مع كونه مات على فراشه أنه غريب وموت الغريب شهادة على ما تضمنه الحديث، فإنه مات بالمدينة على ما سيأتي بيانه في باب ذكر وفاته وليست ببلده، أو لعله كان مبطونا أو مطعونا، على أنني لم أقف على ذلك، لكنه يعلم بالقطع أن ثم سببا تثبت له به شهادة لسان النبوة له بذلك. والله أعلم.
ذكر تزكية عثمان له
عن عروة بن الزبير أن الزبير جاء إلى عثمان وقال: إن عبد الرحمن ابن عوف زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا، وإني اشتريت نصيب آل عمر، فقال عثمان: عبد الرحمن بن عوف جائز الشهادة له وعليه. أخرجه أحمد.
ذكر علمه
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر خرج إلى الشام فلما بلغ سرغ أخبر أن الوباء قد نزل بالشام، فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشارهم فاختلفوا، فوافق رأيه رأي الرجوع، فرجع فجاء عبد الرحمن ابن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علما. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا وقع بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه". أخرجاه، وقد تقدم مستوعبا في نظيره من مناقب عمر.
ذكر رجوع عمر إلى رأيه
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين. فلما أن ولي عمر قال: إن الناس قد دنوا من الريف، فما ترون في حد الخمر، فقال له عبد الرحمن بن عوف: نرى أن نجعله كأخف الحدود؛ فجلد فيه ثمانين. أخرجاه.
ذكر إثبات رخصة للمسلمين بسببه وقد تقدم ذكر ذلك في فضائل الزبير لاشتراكهما في سببه.
ذكر خوفه من الله عز وجل عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن أتي بطعام وكان صائما فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا قد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. أخرجه البخاري وفي بعض طرق هذا الحديث: أتي بطعام وكان صائما، فجعل يبكي وقال: قتل حمزة فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوب واحد وكان خيراً مني وقتل مصعب بن عمير: وذكر معنى ما تقدم: وعن نوفل بن إياس الهذلي قال: كان عبد الرحمن لنا جليسا وكان نعم الجليس، وإنه انقلب يوما حتى دخل بيته ودخلنا، فاغتسل ثم خرج فجلس معنا. وأتى بصحفة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى عبد الرحمن بن عوف، فقلنا له: يا أبا محمد ما يبكي? قال: ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أرانا أخرنا لما هو خير لنا. أخرجه صاحب الصفوة.
وعن الحضرمي قال: قرأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم لين الصوت أو لين القراءة فما بقي أحد من القوم إلا فاضت عينه إلا عبد الرحمن بن عوف فقال صلى الله عليه وسلم: "إن لم يكن عبد الرحمن فاضت عينه فقد فاض قلبه". أخرجه الفضائلي.

ذكر تواضعه
عن سعيد بن جبير قال: كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده. أخرجه صاحب الصفوة.
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: نظرت يوم بدر عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: أي عم هل تعرف أبا جهل? قلت: نعم، فما حاجتك إليه يا بن أخي? قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فتعجبت لذلك، قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت ألا تريان? هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: "أيكما قتله?" قال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: "هل مسحتما سيفيكما?" قالا: لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فقال: "كلا كما قتله". وقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمر بن الجموح؛ الرجلان معاذ بن عمر بن الجموح ومعاذ بن عفراء. أخرجاه. وموضع تواضعه رضي الله عنه تمنيه أن يكون بين أضلعهما وقدره أكثر من ذلك.

ذكر تعففه واستغنائة حتى أغناه الله عز وجل
عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما قدمت المدينة آخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها فإذا حلت تزوجتها؛ فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك؛ هل من سق فيه تجارة? قال سوق بني قينقاع. قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى أقط وسمن قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عليه أثر صفرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تزوجت?" قال نعم. قال: ومن، قال: امرأة من الأنصار. قال: فكم سقت? قال: زنة نواة من ذهب فقال صلى الله عليه وسلم "أو لم ولو شاة" أخرجه البخاري.
ذكر صلته أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن أمركن لمما يهمني بعدي، ولن بصبر عليكن إلا الصابرون". قال: ثم تقول عائشة: سقى الله أباك من سلسبيل الجنة تريد عبد الرحمن بن عوف، وقد كان وصل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بما بيع بأربعين ألفا. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وأبو حاتم.
وعنه أن عبد الرحمن أوصى بحديقة لأمهات المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف. أخرجه الترمذي وقال: حسن غرب.

ذكر صلته رحمه
عن المسور بن مخرمة قال: باع عبد الرحمن بن عوف أرضا من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك الماس في بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين، وبعث إلى عائشة معي من ذلك المال، فقالت عائشة: سقى الله ابن عوف سلسبيل الجنة. أخرجه في الصفوة.
ذكر صدقته وبره أهل المدينة
عن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف ثم تصدق بألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل عز وجل، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله؛ وكان عامة ماله من التجارة. أخرجه صاحب الصفوة. وأخرجه الملاء عن ابن عباس وقال؛ تصدق بشطر ماله أربعة آلاف درهم ثم بأربعين ألف درهم ثم بأربعين ألف دينار ثم خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم وردت له قافلة من تجارة الشام فحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فنزل جبريل وقال: إن الله يقرئك السلام، ويقول: أقرئ عبد الرحمن السلام، وبشره بالجنة.
وقد تقدم في خصائصه أن قوله تعالى: "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون" الآية في ذلك.
وعن طلحة بن عبد الرحمن بن عوف قال: كان أهل المدينة عيالا على عبد الرحمن بن عوف، ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم بماله، وثلث يصلهم.
وعن عروة بن الزبير أنه قال: أوصى عبد الرحمن بن عوف بخمسين ألف دينار في سبيل الله تعالى. أخرجهما الفضائلي.

ذكر خروجه عن جميع ماله وتسليم الله عليه وإخباره بقبول صدقته
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرض عبد الرحمن بن عوف فأوصى بثلث ماله، فصح فتصدق بذلك بيد نفسه ثم قال: يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل من كان من أهل بدر له علي أربعمائة دينار، فقام عثمان وذهب مع الناس فقيل له: يا أبا عمر ألست غنيا? قال هذه وصلة من عبد الرحمن لا صدقة وهو من مال حلال. فتصدق عليهم في ذلك اليوم بمائة وخمسين ألف دينار، فلما جن عليه الليل جلس في بيته وكتب جريدة بتفريق جميع المال على المهاجرين والأنصار حتى كتب أن قميصه الذي على بدنه لفلان وعمامته لفلان، ولم يترك شيئا من ماله إلا كتبه للفقراء، فلما صلى الصبح خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم هبط جبريل وقال: "يا محمد إن الله يقول لك أقرئ مني على عبد الرحمن السلام واقبل منه الجريدة ثم ردها عليه، وقل له: قد قبل الله صدقتك وهو وكيل الله ووكيل رسوله، يصنع في ماله ما شاء، وليتصرف فيه كما كان يتصرف قبل، ولا حساب عليه، وبشره". أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر تبرره بالعتق
عن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألفا. أخرجه صاحب الصفوة.
وقال أبو عمر: وقد روى أنه أعتق في يوم واحد ثلاثين عبداً.

ذكر أمر جبريل له بإضافة الضيف وإطعام المسكين حتى أراد الخروج عن جميع ماله
عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن أبيه أن رسول الله قال له: "يا ابن عوف إنك من الأغنياء، وإنك لن تدخل الجنة إلا زحفا". وفي رواية حبوا فأقرض الله عز وجل يطلق لك قدمك، قال ابن عوف: ما الذي أقرض الله? "قال مما أمسيت فيه"، قال: من كله أجمع يا رسول الله? قال نعم، فخرج ابن عوف وهو يهم بذلك. فأتى جبريل فقال: مر ابن عوف فليضف الضيف وليطعم المسكين وليعط السائل؛ فإذا فعل ذلك كان كفارة لما هو فيه". أخرجه الفضائلي.
ذكر ما فضل به عبد الرحمن وغيره من السابقين على غيرهم ممن شاركهم في أعمالهم أو زاد عليهم
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلا من أهل المدينة قال: والله لأقدمن المدينة ولأحدثن عهدا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم المدينة قال فلقي المهاجرين إلا عبد الرحمن بن عوف، فأخبر أنه بالجرف في أرضه، فأقبل يسير حتى إذا جاء عبد الرحمن وهو يحول الماء بمسحاة في يده واضعا رداءه فلما رآه عبد الرحمن استحى فألقى المسحاة وأخذ رداءه، فوقف الرجل عليه فسلم عليه ثم قال جئتك لأمر ثم رأيت أعجب منه، هل جاءكم إلا ما جاءنا? وهل علمتم إلا ما علمنا? قال عبد الرحمن: ما جاءنا إلا ما جاءكم وما علمنا إلا من علمتم فقال الرجل: فما لنا نزهد في الدنيا وترغبون فيها ونخف في الجهاد وتتثاقلون عنه وأنتم خيارنا وسلفنا وأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم? فقال له عبد الرحمن: إنه لم يأتنا إلا ما جاءكم ولم نعلم إلا ما قد علمتم ولكنا ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر. أخرجه بن حويصا.
ذكر شهادة عمر بن الخطاب بصلاحيته للخلافة لولا ضعف فيه
عن ابن عمر قال خدمت عمر وكنت هائبا معظماً، فدخلت عليه ذات يوم في بيته وقد خلا بنفسه، فتنفس تنفسا ظننت أن نفسه خرجت، ثم رفع رأسه إلى السماء فقلت له والله ما أخرج هذا منك إلا هم يا أمير المؤمنين قال هم والله، هم شديد، إن هذا الأمر لم أجد له موضعاً يعني الخلافة قال فذكرت له عليا وطلحة والزبير وسعدا وعثمان، فذكر في كل واحد منهم معارضاً فذكرت له عبد الرحمن بن عوف فقال: أوه! نعم المر! ذكرت رجلا صالحا إلا أنه ضعيف، وهذا الأمر لا يصلح له إلا الشديد من غير عنف، اللين من غير ضعف، الجواد من غير سرف، والإمساك من غير بخل. أخرجه القاسم بن سلام في مصنفه.
الفصل التاسع
في ذكر وفاته وما يتعلق بها
توفي رضي الله عنه سنة إحدى وثلاثين، وقيل اثنتين وثلاثين، وهو ابن خمس وسبعين، وقيل اثنتين وسبعين، ودفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان. وكان أوصى بذلك.
وروى ابن النجار في كتاب أخبار المدينة بسنده عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه قال: أرسلت عائشة إلى عبد الرحمن بن عوف حين نزل به الموت أن هلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أخويك، فقال: ما كنت مضيقاً عليك بيتك، إني كنت عاهدت ابن مظعون أينا مات دفن إلى جنب صاحبه فيكون على هذا قبر عثمان بن مظعون وقبر عبد الرحمن بن عوف في قبة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي أن يزار هناك.

ذكر ما روي عنه عند الموت
قال أبو عمر: لما حضرته الوفاة بكى بكاء شديدا، فسئل عن بكائه فقال إن مصعب بن عمير كان خيراً مني، توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن له ما يكفن فيه، وإن حمزة بن عبد المطلب كان خيراً مني، توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجد له كفنا؛ وإني أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته في حياته الدنيا، وأخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة مالي.
وقد تقدم في ذكر خوفه صدور هذا القول عنه وهو صائم ولعله تكرر منه وهو الأظهر؛ أو كان صائما وقد حضرته الوفاة، وقد تقدم أيضا في ذكر صدقته أنه أوصى أن يتصدق من ماله بخمسين ألف دينار، وفي ذكر صلته لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوصى لهم بحديثة فبيعت بأربعمائة ألف.

ذكر ما خلفه
عن محمد أن عبد الرحمن بن عوف توفي وكان فيما خلفه ذهب قطع بالفئوس حتى مجلت أيدي الرجال منه، وترك أربع نسوة فأصاب كل امرأة ثمانون ألفا أخرجه في الصفوة.
وقال أبو عمر: كان تاجراً مجدوداً في التجارة، فكسب مالا كثيرا وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحا، فكان يدخل من ذلك قوت أهله سنة.

وعن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن قال صالحنا امرأة عبد الرحمن التي طلقها في مرضه من ثلث الثمن بثلاثة وثمانين ألفا وفي رواية من ربع الثمن. أخرجه أبو عمر.
وقال الطائي: قسم ميراثه على ستة عشر سهما فبلغ نصيب كل امرأة ثمانين ألف درهم.

الفصل العاشر
في ولده
وكان له ثمانية وعشرون ذكرا وثمان بنات
ذكر الذكور
محمد وبه كان يكنى، ولد في الإسلام، وسالم الأكبر مات قبل الإسلام، أمهما أم كلثوم بنت عتبة بن ربعية بن عبد شمس قاله أبو عمر وذكر ابن قتيبة وصاحب الصفوة أن محمداً أخو حميد لأمه، وسيأتي؛ و"أبو سلمة الفقيه" واسمه عبد الله الأصغر، أمه تماضر بنت الأصبغ، ذكره ابن قتيبة وغيره وإبراهيم وإسماعيل وحميد أمهم أم كلثوم بن عقبة بن أبي معيط ذكره في الصفوة وزيد قال ابن قتيبة: أمه أم إبراهيم، وقال في الصفوة، أمه أم معن، وسيأتي ذكره ومعن وعمر أمهما سهلة بنت عاصم بن عدي، وعروة الأكبر أمه بحرية بنت هانئ وسالم الأصغر أمه سهلة بنت سهيل بن عمر، وأبو بكر أمه أم حكيم بنت قارظ، وعبد الله أمه بنت أبي الخشخاش؛ وعبد الرحمن أمه أسماء بنت سلامة؛ ومصعب أمه أم حريث من سبي بهراء، وسهيل أبو الأبيض أمه مجد بنت يزيد؛ وعثمان أمه عراك بنت كسرى، أم ولد، وعروة ويحيى وبلال: لأمهات أولاد.
ذكر البنات
أم القسم ولدت الجاهلية، أمها أم سالم الأكبر، وقال في الصفوة أمها بنت شيبة بنت ربيعة وحميدة وأمة الرحمن الكبرى أمهما أم حميد؛ وأمة الرحمن الصغرى شقيقة معن، وأم يحيى أمها زينب بنت الصباح؛ وجويرية أمها بادنة بنت غيلان؛ وأمية ومريم شقيقتا مصعب.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يونيو 26, 2011 3:43 pm


الباب الثامن
في مناقب سعد بن مالك

وفيه عشرة فصول على ترتيب فصول طلحة
الفصل الأول
في نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة في ذكر الشجرة، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، وينسب إلى زهرة بن كلاب، فيقال: الفرشي الزهري، ويجتمع هو وعبد الرحمن في زهرة.
عن سعد بن أبي وقاص أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أنا يا رسول الله? قال أنت سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة؛ من قال غير ذلك فعليه لعنة الله". أخرجه الضحاك. أمه حمنة بنت سفيان بن أبي أمية بن عبد شمس. قاله ابن قتيبة والدار قطني وغيرهما.

الفصل الثاني
في اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام سعدا ويكنى أبا إسحاق.
الفصل الثالث
في صفته
وكان رجلا قصيرا غليظاً، ذا هامة، ششن الأصابع، آدم، جعد الشعر، أشعر الجسد، يخضب بالسواد، ذهب بصره في آخره عمره؛ وقيل إنه كان طويلا، ذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب الصفوة.
الفصل الرابع
في إسلامه
قال أبو عمر: أسلم قديماً بعد ستة هو سابعهم وهو ابن تسع عشرة سنة قبل أن تفرض الصلاة، وهو ممن أسلم على يد أبي بكر. وقد تقدم ذكر ذلك.
وعن سعد بن المسيب قال: سمعت سعداً يقول: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام. أخرجه البخاري والبغوي في معجمه وقال: ما أسلم أحد قبلي؛ وقال: ستة أيام.
وعن جابر بن سعد عن أبيه قال: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام. أخرجه البخاري.
وعن عائشة بنت سعد قالت: لقد مكث أبي يوماً إلى الليل وإنه لثلث الإسلام. أخرجه البغوي في المعجم.
وعنها قالت: لقد سمعت أبي يقول: رأيت في المنام قبل أن أسلم بثلاث كأني في ظلمة لا أبصر شيئاً إذ أضاء لي قمر فاتبعته، فكأني أنظر من سبقني إلى ذلك القمر فأنظر إلى زيد بن حارثة وغلى علي بن أبي طالب وإلى أبي بكر، وكأني أسألهم. متى انتهيتم إلى ههنا? وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للإسلام مستخفياً، فلقيته في شعب أجياد قد صلى العصر، فقلت له: إلام تدعو? قال: "تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله?" قلت: أشهد أن إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله؛ فما تقدمني إلا هم: أخرجه الفضائلي؛ وهذا يرد ما خرجه البغوي إذ قال: ما أسلم أحد قبلي ولعله يريد: ما أسلم أحد قبلي، أي في اليوم الذي أسلمت فيه.
وكذلك رواه صاحب الصفوة عن سعيد بن المسيب قال: كان سعيد يقول: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه ثم ذكر حديث البخاري المتقدم.

وكذلك أخرجه ابن الضحاك، ولكنه قال: سبع الإسلام، ولفظه: عن سعيد عن سعد أنه قال: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت تسعة أيام وإني لسبع الإسلام.
وأسلم أخواه لأبويه عامر وعمير ابنا أبي وقاص وأخواه لأبيه عتبة بن أبي وقاص وخالدة بنت أبي وقاص.
فأما عامر فكان من مهاجرة الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، وكان فاضلا، روى سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة" فطلع أخي عامر.
وأما عمير فشهد بدراً وهو ابن ست عشرة سنة فيما يقال وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرده فبكى، فخرج به معه فاستشهد يومئذ.
عن سعد قال: كان يوم بدر قتل أخي عمير، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيبة، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ذاهب فاطرحه في القبض". قال: فرجعت وبي مالا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما مكثت إلا قليلا حتى أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الأنفال، فقال صلى الله عليه وسلم: "اذهب فخذ سيفك".
وأما عتبة بن أبي وقاص فشهد أحداً من المشركين، ويقال: هو الذي رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسر رباعيته، ورمي وجهه.
وأما خالدة فتزوجها سمرة بن جنادة السواي، وولدت له ذكره الدارقطني.

الفصل الخامس
في هجرته
ولم أظفر بشيء يخصها، ولا شك فيه، ووقائعه في بدر وأحد وغيرها تدل عليها، ولم يزل ملازماً رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي وهو عنه راض.
الفصل السادس
في خصائصه
ذكر اختصاصه بأنه أول العرب رمى بسهم في سبيل الله
عن سعد بن مالك قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله. أخرجاه، وأخرجه أبو عمر وزادك وذلك في سرية عبيدة بن الحارث، وكان معه يومئذ المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان أخرجه صاحب الصفوة أيضاً.
ذكر اختصاصه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجاب دعاؤه فكان ذا دعوة مجابة
عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم استجب لسعد إذا دعاك". أخرجه الترمذي، وأخرجه أيضاً عن قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحديث.
وعن جبير بن مطعم بن المقداد أن سعداً قال: يا رسول الله، ادع الله أن يستجيب دعائي؛ قال: "يا سعد، إن الله لا يستجيب دعاء عبد حتى يطيب طعمته" قال: يا رسول الله، ادع الله أن يطيب طعمتي، فإني لا أقوى إلا بدعائك؛ قال: "اللهم أطب طعمة سعد"؛ فإن كان سعد ليرى السنبلة من القمح في حشيش دوابه فيقول: ردوها من حيث حصد تموها. أخرجه الفضائلي.
وعن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده قال: قال سعد: يا رب إن لي بنين صغاراً فأخر عني الموت حتى يبلغوا، فأخر عنه الموت عشرين سنة. أخرجه في الصفوة.
وعن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعد بن مالك إلى عمر فقالوا: لا يحسن الصلاة. فقال سعد: أما أنا فكنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أركد في الأوليين، وأخفف في الأخريين؛ فقال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحق؛ قال فبعث رجالا يسألون عنه في مساجد الكوفة؛ قال: فلا يأتون مسجداً من مساجد الكوفة إلا أثنوا عليه خيراً وقالوا معروفاً، حتى أتوا مسجداً من مسجد بني عبس، قال: قال رجل يقال له أبو سعدة: اللهم إنه كان لا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية؛ قال: فقال سعد: أما واله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان كاذباً فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن؛ فكان بعد ذلك يقول إذا سئل. شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيعهرهن.
وفي رواية أما أنا فأركد في الأوليين وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: صدقت؛ ذلك الظن بك أو طنى بك أبا إسحق. أخرجه البخاري؛ وأخرجه البرقاني على شرطهما بنحوه، وقال: فقال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، وإذا قيل له: كيف أنت يا أبا سعدة? قال: كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.
وعنده: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره، وأطل عمره. ثم ذكر ما بعده.

وروى أن ابنته كانت تشرف عليه عند وضوئه، فنهاها عن ذلك فلم تنته فدعا عليها، وقال شاه وجهك، فلم تزل شوهاء.
ودخل عليه مولى لابنه عمير يشتكي إليه وقد ضربه عمير حتى أدماه، فنهاه عن ضربه، وأمره فيه بمعروف، فأغلظ له في القول. فقال: أجرى الله دمك على عقبيك، فقتله المختار بن أبي عبيد أخرجهما الملاء.
قال أبو عمر: وكان سعد مشتهراً بإجابة الدعوة؛ تخاف دعوته وترجى، لاشتهار إجابتها عندهم.

ذكر اختصاصه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم بتسديد السهم
عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم سدد سهمه، وأجب دعوته". أخرجه أبو عمر وأبو الفرج في الصفوة.
ذكر اختصاصه بجمع النبي صلى الله عليه وسلم له أبويه يوم أحد
عن علي عليه السلام قال: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك، فإنه جعل يقول له يوم أحد: "ارم، فداك أبي وأمي". أخرجه مسلم والترمذي: وقال حسن صحيح.
وأخرجه من طريق آخر ولفظه: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحداً بأبويه. الحديث، وقال حسن صحيح.
وعنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا غير سعد؛ فإنه قال يوم حنين ويوم أحد: "ارم، فداك أبي وأمي". أخرجه الملاء.
وعنه قال: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك قال: "ارم، فداك أبي وأمي، وأنت الغلام الحسن". أخرجه أبو بكر يوسف بن يعقوب بن البهلول.
وعن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أحد؛ قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارم، فداك أبي وأمي قال": فنزعت له بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جبينه، سقط وانكشفت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه. أخرجاه.
وأخرج الترمذي منه: جمع أبويه يوم أحد.
وفي بعض طرقه: نثر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد، وقال: "ارم، فداك أبي وأمي" أخرجاه.
قال أبو عمر: لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداك أبي وأمي فيما بلغنا إلا لسعد والزبير، فإنه قال لكل واحد منهما ذلك؛ وقد تقدم أين قال ذلك للزبير في خصائصه.

ذكر اختصاصه بموافقته تمني رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا صالحاً يحرسه عند قدومه المدينة وقد أرق ليلة
عن عائشة قالت: أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: "ليت رجلا صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة"؛ فقالت: فسمعنا صوت السلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا?" قال: سعد بن أبي وقاص يا رسول الله، جئت أحرسك. قالت عائشة: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا غطيطه.
وعنها قالت: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة، فقال: "ليت رجلا صالحاً يحرسني الليلة؛" قالت: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا خشخشة السلاح، فقال: "من هذا?" قال سعد بن أبي وقاص؛ قال: ما جاء بك?" قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أحرسه؛ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم والترمذي.

ذكر اختصاصه برؤية جبريل وميكائيل عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم ويساره يوم أحد
عن سعد قال: رأيت عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد: يعني جبريل وميكائيل. أخرجاه أبو حاتم.
ذكر اختصاص عمر إياه من بين أهل الشورى بالأمر بالاستعانة إن لم يصبه الأمر
عن عمر بن ميمون الحديث، تقدم في فصل خلافة عثمان، وفيه: "فإن أصاب الأمر سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أزعله من عجز ولا خيانة". أخرجه البخاري وأبو حاتم.
ذكر اختصاصه بآيات نزلت فيه
عن سعد أنه قال: نزلت في آيات من القرآن، قال: حلفت أم سعد لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب؛ قال: قالت: زعمت أن الله أوصاك بوالديك، فأنا أمك، وأنا آمرك بهذا؛ قال فمكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة، فسقاها فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بي" إلى "وصاحبهما في الدنيا معروفاً".
قال: وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة فإذا فيها سيف، فأخذته فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: نفلني هذا السيف، فأنا من قد علمت حاله؛ فقال: رده من حيث أخذته، فانطلقت حتى أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي، فرجعت إليه فقلت: أعطنيه؛ قال: فشد بي صوته: رده من حيث أخذته؛ فأنزل الله عز وجل: "يسألونك عن الأنفال".
قال: مرضت، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاني فقلت: دعني أقسم ما لي حيث شئت. قال: فأبى؛ قلت؛ فالنصف؛ فأبى؛ قلت: فالثلث، فسكت، فكان يعد الثلث جائزاً.
قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: تعال نطعمك ونسقك خمراً، وذلك قبل أن تحرم الخمر، قال: فأتيتهم في حش والحش البستان فإذا رأس جزور مشوي عندهم وزق من خمر؛ قال: فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم، فقلت: المهاجرون خير من الأنصار. فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به، فجرح أنفي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأنزل الله عز وجل في يعني نفسه شأن الخمر: "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه". أخرجه مسلم.
شرح الجهد: بفتح الجيم المشقة، يقال: جهد دابته وأجهدها إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها، والجهد بضمها وفتحها الطاقة ومنه: "والذين لا يجدون إلا اجهدهم" قرئ بهما، وقال الفراء هو بالضم الطاقة وبالفتح من قولك اجهد جهدك في هذا الأمر، أي ابلغ غايتك، ولا يقال أجهد جهدك بالضم والقبض: بالتحريك هو ما قبض من أموال الناس، وبالإسكان: خلاف البسط.
وعن سعد قال: نزلت "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" في ستة أنا وابن مسعود منهم، وكان المشركون قالوا: لا يدني هؤلاء.
وعنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون، اطرد هؤلاء لا يجترؤن علينا؛ قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من خذيل وبلال ورجلان لست أسميهما؛ فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم". أخرجهما مسلم.

الفصل السابع
في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
تقدم في باب العشرة عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد في العشرة وهو منهم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة". فدخل سعد بن أبي وقاص أخرجه أحمد.
وأخرج الفضائلي معناه عن أنس، ولفظه: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة". فطلع سعد بن أبي وقاص؛ حتى إذا كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع سعد.
وأخرجه ابن المثنى في معجمه عن ابن عمر ولفظه: قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يدخل عليكم من ذا الباب رجل من أهل الجنة". فليس منا أحد إلا وهو يتمنى أن يكون من أهل بيته؛ فإذا سعد قد طلع.

الفصل الثامن
في ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره: شهد سعد بدراً والحديبية والمشاهد كلها، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى الذين أخبر عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض، وأحد من كان على حراء حين تحركت بهم الصخرة فقال صلى الله عليه وسلم: "اثبت حرا فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد" فكانت شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة.
وقد تقدم الحديث مستوف في باب ما دون العشرة. وكان سابع سبعة في الإسلام على ما تقدم في فصل إسلامه، وأحد الفرسان الشجعان، وأحد من كان يحرس النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه، وهو الذي كوف الكوفة، ونفى الأعاجم، وتولى قتال فارس، وكان على يديه فتح القادسية وغيرها، وولاه عمر الكوفة فشكاه أهلها ورموه بالبهتان، فدعا على الذي واجهه بالكذب دعوة ظهرت فيها إجابته، وعزله عمر لما شكاه أهل الكوفة، وولي عمار بن ياسر الصلاة وعبد الله بن مسعود بيت المال وعثمان بن حنيف مساحة الأرضين، ثم عزل عماراً وأعاد سعداً على الكوفة ثانياً، ثم عزله وولى جبير بن مطعم، ثم عزله قبل أن يخرج إليها، وولى المغيرة ابن شعبة، وقيل إن عمر لما ولى سعداً بعد أن عزله أبي عليه، وقال: لا أعود لقم يزعمون أني لا أحسن أصلي فتركه؛ ورام منه ابنه عمر وابن أخيه هاشم أن يدعو إلى نفسه بعد قتل عثمان فأبى، فصار هاشم إلى علي، وكان سعد ممن لزم بيته في الفتنة، وأمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشيء حتى تجتمع الأمة على إمام.
وقد تقدم ثناء الله عليه بأنه من "الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" وفي ذكر اختصاصه بنزول آيات فيه.

ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالشفاء من مرضه فشفي
عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم عاده عام حجة الوداع بمكة من مرض أشفى فيه فقال سعد: يا رسول الله، قد خفت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشف سعداً". ثلاث مرات وفيه ذكر الوصية وقوله: "والثلث كثير؛ وفيه: إن صدقتك من مالك صدقه،" أن نفقتك على عيالك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك من مال صدقة. أخرجاه.
ذكر إثبات الشهادة له
تقدم حديث هذا الذكر في مثله من باب العشرة، وسيأتي في مناقب سعد ووجه شهادته في ما تقدم نظيره من مناقب عبد الرحمن بن عوف.
ذكر أنه ناصر الدين
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا سعد أنت ناصر الدين حيث كنت". أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر اتباعه للسنة
تقدم في خصائصه في الأولى منها قوله في صلاته. ولا آلو ما اقتديت من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري.
وعن عامر بن سعد أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبداً بقطع شجراً أو يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد جاء أهله فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي أن يرد عليهم. أخرجه مسلم.

ذكر شجاعته
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سعد بن أبي وقاص يعد بألف فارس". أخرجه الملاء في سيرته.
وقد تقدم في خصائص طلحة من حديث مسلم أنه لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن غير طلحة وسعد.

ذكر صبره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ضيق العيش
عن سعد قال: إني لأول العرب رمى سهما في سبيل الله، ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر، حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط. أخرجاه.
ذكر شدته في دين الله
عن سعد قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلا هو أعجبهم إلي، فقلت: مالك عن فلان? والله إني لأراه مؤمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً. ذكر ذلك سعد ثلاثا، وأجابه بمثل ذلك، ثم قال: "إني لأعطي الرجل العطاء وغيره إلى أحب منه خشية أن يكبه الله عز وجل على وجهه في النار".
قال الزهري: فرأى أن الإسلام الكلمة الإيمان العمل الصالح أخرجاه.

ذكر زهده
تقدم في النثر في أول الفصل طرف منه.
وعن عامر بن سعد قال: بينا سعد في إبله فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر الراكب، فقال له نزلت إبلك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم، فضرب سعد صدره وقال: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يحب العبد التقي العي الخفي". أخرجه مسلم.

ذكر تواضعه وعدله وشفقته على رعيته وحيائه
عن أبي المنهال أ، عمر بن الخطاب سأل عمرو بن معد يكرب عن سعد فقال: متواضع في جبايته، عربي في نمرته، أسد في تاموره، يعدل في القضية، ويقسم بالسوية، ويبعد في السرية، ويعطف عليها عطف البرة، وينقل إلينا خفيا نقل الذرة أخرجه الفضائلي.
وفي رواية بعد قوله ويقسم بالسوية وهو لنا كالأب البر والأم المتحننة، وإذا صاح الصائح أسد في تاموره، هو مع ذلك عاتق في حجلتها من الحياء، لم ار مثله. قال عمر: لم أر كاليوم ثناء أحسن منه.

ذكر صدقه
عن ابن عمر أن سعداً حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح عليي الخفين وأن ابن عمر سأل عن ذلك عمر فقال: نعم إذا حدث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره. أخرجه البخاري.
ذكر حرصه على البر والصدقة
عن سعد قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع مع وجع اشتد بي فقلت: يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى ولا يرثني إلا ابنة، فأتصدق بكل مالي? قال: لا. قلت: فالشطر يا رسول الله? قال: لا. قلت: فالثلث? قال: "الثلث، والثلث كثير أو كبير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". أخرجاه.
الفصل التاسع
في ذكر وفاته وما يتعلق بها
قال أبو عمر وغيره: مات سعد بن أبي وقاص في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة، ودفن بالبقيع، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة، ثم صلى عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن. ذكره أبو عمر وصاحب الصفوة.
وقال الفضائلي: أدخل المسجد ووضع عند بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بفناء الحجر فصلى الإمام عليه وصلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الإمام.
وعن موسى بن عقبة عن عبد الواحد بن حمزة قال: لما توفي سعد أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن مروا بجنازته في المسجد، ففعلوا فوقف به على حجرهن فصلين عليه، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد، فقالت عائشة: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد! ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهل بن بيضاء إلا في جوف المسجد: أخرجه مسلم.
قال في الصفوة: وكان سعد أوصى أن يكفن في جبة صوف له كان لقي المشركين فيها يوم بدر، فقال: أخبأها لهذا، فكفن فيها. وذكره الفضائلي والقلعي.
قال ابن قتيبة: كان آخر العشرة موتا. وقال الفضائلي: كان آخر المهاجرين وفاة.
قال الواقدي: وكان ذلك سنة خمس وخمسين، وقيل أربع وخمسين وقيل ثمان وخمسين. حكاه أبو عمر. وله بضع وستون سنة، وقيل بضع وسبعون، وقيل بضع وثمانون، وقيل بضع وتسعون، ذكره ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما.

الفصل العاشر
في ذكر ولده
وكان له من الولد أربعة وثلاثون ولدا. سبعة عشر ذكراً وسبع عشرة أنثى.
ذكر الذكور
إسحاق الأكبر وبه كان يكنى، أمه ابنة شهاب، وعمر قتله المختار ومحمد قتله الحجاج، أمهما بنت قيس بن معدي كرب وعامر وكان يروي عنه الحديث، وإسحاق الأصغر وإسماعيل أمهم أم عامر بنت عمرو، وإبراهيم وموسى أمهما زبد، وعبد الله أمه خولة بنت عمرو، وعبد الله الأصغر وبجير واسمه عبد الرحمن، أمهما أم هلال بنت ربيع بن مري، وعمير الأكبر أمه أم حكيم بنت قارظ، وعمير الأصغر وعمرو. وعمران أمهم سلمى بنت حفص وصالح أمه ظبية بنت عامر، وعثمان، أمه أم حجير.
ذكر الإناث
أم الحكم الكبرى شقيقة إسحاق الأكبر، وحفصة وأم القسم وكلثوم شقائق عمر ومحمد، وأم عمران شقيقة إسحاق الأصغر، وأم الحكم الصغرى وأم عمرو وهند وأم الزبير وأم موسى أمهن زبد، وحمنة أخت بجير، وحمنة أخت عمير الأكبر، وأم عمر وأم أبونا وأم إسحاق أمهن سلمى، ورملة أخت عثمان، وعمرة وهي العمياء أمها من سبي العرب وعائشة. ذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب الصفوة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يونيو 26, 2011 3:49 pm


الباب التاسع
في مناقب أبي الأعور سعيد بن زيد

وفيه عشرة فصول
الفصل الأول
في نسبه
وقد تقدم ذكه في ذكر الشجرة من باب العشرة، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي، وينسب إلى عدي بن كعب فيقال القرشي العدوي وعمر بن الخطاب ابن عم أبيه. كان أبوه زيد يطلب دين الحنفية دين إبراهيم قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لا يذبح للأنصاب ولا يأكل الميتة ولا الدم، وخرج يطلب الدين هو وورقة بن نوفل فتنصر ورقة، وأبى هو التنصر، فيقول له الراهب: إنك تطلب دينا ما هو على الأرض اليوم، قال: وما هو? قال: دين إبراهيم، كان يعبد الله لا يشرك به شيئاً، ويصلي إلى الكعبة، وكان زيد على ذلك حتى مات.
وعن سعيد بن زيد قال: خرج ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو يطلبان الدين، حتى مرا بالشام، فأما ورقة فتنصر وأما زيد فقيل له: إن الذي تطلب أمامك. قال: فانطلق حتى أتى الموصل؛ فإذا هو براهب، فقال: من أين أقبل صاحب الراحلة? قال: من بيت إبراهيم قال: ما يطلب? قال: الدين. فعرض عليه النصرانية، فقال: لا حاجة لي فيها، وأبي أن يقبل. فقال: لا حاجة لي فيها، وأبي أن يقبل. فقال: إن الذي تطلب سيظهر بأرضك، فأقبل وهو يقول:



لبـيك حـقـا حـقــا


تعـبـــداً ورقـــا

مهما تجشمني فإني جاشم


عذت بما عاذ به ابراهم
قال: ومر بالنبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو سفيان بن الحرث يأكلان من سفرة لهما، فدعواه إلى الغداء، فقال: "يا بن أخي إني لا آكل مما ذبح على النصب" قال: فما رئي النبي صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك يأكل مما ذبح على النصب حتى بعث صلى الله عليه وسلم، قال: فأتاه سعيد بن زيد فقال: إن زيداً كان كما قد رأيت وبلغك، استغفر له. قال: نعم؛ فاستغفر له، وقال: "إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده". أخرجه أبو عمر.
شرح تجشمني: أي تحملني تقول جشمت الأمر بالكسر جشما وتجشمته إذا تكلفته على مشقة، وأجشمته إذا كلفته إياه.
وعن أسماء قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيري. وكان يحيي الموءدة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها وأنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها. أخرجه البخاري.
وعن ابن زيد عن أبيه قال في قوله تعالى: "والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها" نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يوحدون الله عز وجل: زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ذر، وسلمان، أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبي. أخرجه الواحدي وأبو الفرج في أسباب النزول.
أمه فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية ذكره أبو عمر.

الفصل الثاني
في اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية ثم في الإسلام سعيداً، وكان كذلك لفظا ومعنى، ويكنى أبا الأعور.
الفصل الثالث
في صفته
كان آدم طوالا أشعر. قاله الواقدي
الفصل الرابع
في إسلامه
أسلم هو وزوجته أم جميل بنت الخطاب أخت عمر قديما، وكان إسلامه قبل إسلام عمر، وبسبب زوجته كان إسلام عمر، وقد تقدم ذكر ذلك في فصل إسلام عمر.
عن قيس قال: سمعت سعيد بن زيد في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام أنا وأخته قبل أن يسلم عمر. أخرجه رزين.
وأسلمت أخته عاتكة بنت زيد وكانت حسناء جميلة بارعة الجمال فيما يقال، تزوجها عبد الله بن أبي بكر فشغلته عن الغزو، فأمره أبوه بطلاقها وقال: قد شغلتك عن المغازي، فطلقها، فمر به يوما وهو يقول:



ولم أر مثلي طلق اليوم مثلهـا


ولا مثلها من غير جرم تطلـق

لها خلق جزل ورأي ومنصـب


وخلق سوى في الحياة ومصدق
فرق له أبوه فأذن له في مراجتها، فراجعها وقتل عنها فقالت ترثيه:


رزئت بخير الناس بعد نبيهـم


وبعد أبي بكر وما كان قصرا

فآليت لا تنفك عينـي حـزينة


عليك ولا ينفك جنبي أغبـرا
في أبيات. ثم خلف عليها عمر بن الخطاب، فلم تزل عنده حتى قتل عنها فرثته بأبيات؛ ثم خلف عليها الزبير بن العوام، وكانت تخرج إلى المسجد ليلا وكان يكره مخرجها ويتحرج من منعها، فخرجت ليلة إلى المسجد وخرج الزبير فسبقها إلى مظلم من طريقها فوضع يده على بعض جسدها فرجعت تسبح ثم لم تخرج بعد ذلك فقال لها الزبير: مالك لا تخرجين إلى المسجد? قالت: يا أبا عبد الله فسد الناس؛ فقال: أنا فعلت ذلك؛ فقالت: أليس بقدر غيرك يفعل مثله? فلم تخرج حتى قتل عنها الزبير، فرثته بأبيات فقالت:


غدر ابن جرموز بفارس بهمة


يوم اللقاء وكان غير مـفـدد

يا عمرو لو نبهته لـوجـدتـه


لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد

كم غمرة قد خاضها لم يثـنـه


عنها طراؤك يا بن فقع القردد

والله ربك إن قتلت لمسلـمـا


حلت عليك عقوبة المتعـمـد
ويقال إن عبد الله من الزبير صالحها على ميراثها من الزبير على ثمانين ألفاً فقبلتها؛ ثم خطبها علي بن أبي طالب، فقالت: إني أضن بك يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتل، ويقال: خطبها عمرو بن العاص ومحمد ابن أبي بكر فامتنعت عليهما.
الفصل الخامس
في هجرته
قال أبو عمر: وخاجر هو وزجته أم جميل فاطمة بنت الخطاب.
الفصل السادس
في خصائصه
لم ينقل له من الخصائص غير ما ثبت لأبيه فإنه لم ينقل في فضل أحد من آباء العشرة ما نقل في فضل زيد بن عمرو، كما تقدم.
الفصل السابع
في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
تقدمت أحاديث هذا الفصل في نظيره من باب العشرة.
الفصل الثامن
في ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمرو وغيره: شهد سعيد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدراً.
قال الواقدي: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة إلى الشام يتجسسان الأخبار، ثم رجعا فقدما إلى المدينة يوم وقعة بدر. وقد قدم الحديث في فصل فضائل طلحة، فلذلك كانا معدودين من البدريين.
قال البغوي في معجمه: فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه، قال: وأجري? قال: وأجرك. وأخرجه ابن الضحاك أيضاً.
وكانت له بنت عند الحسن بن الحسن بن علي. ذكره الطائي.

ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة
عن عبد الله بن سالم عن سعيد بن زيد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرا فقال: "أثبت حراً فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"، قيل ومن هم? قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن مالك وعبد الرحمن بن عوف؛ قال: قيل فمن العاشر? فقال أنا. أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح. وقد تقدم الحديث مختصراً في باب العشرة.
وسيأتي في ذكر وفاته أنه مات بالمدينة على فراشه. فوجه شهادته ما تقدم في نظيره من مناقب عبد الرحمن بن عوف، فإن سعداً وسعيداً وعبد الرحمن ماتوا على فرشهم بمقبرة المدينة فحكمهم واحد.

ذكر أنه ذو دعوة مجابة
عن سعيد بن زيد أن أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإياها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبراً من الأرض بغير حق طوقه في سبع أرضين يوم القيامة" اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها. قال محمد بن زيد: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، وتقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد؛ فبينما هي تمشي في الدار إذ مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها. أخرجه مسلم، وأخرجه أبو عمر وقال: اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها حتى تعمي بصرها وتجعل قبرها في بئر.
ذكر زهده
روي أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة يقول: أخبرني عن حال الناس، وأخبرني عن خالد بن الوليد أي رجل هو، وأخبرني عن يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص كيف هما وحالهما ونصيحتهما للمسلمين؛ فقال: خالد خير رجل وأنصحه للمسلمين وأشده على عدوهم، وعمرو وزيد نصحهما وجدهما كما تحب؛ قال: عن أخويك سعد بن يزيد ومعاذ بن جبل? قال: كما عهدت، إلا أن السواد زادهما في الدنيا زهداً وفي الآخرة رغبة أخرجه أبو حذيفة وإسحق بن بشر في فتوح الشام.
وأخرج أيضاً أن أبا عبيدة ولى سعيداً دمشق، ثم خرج حتى أتى الأردن فنزلها فعسكر، وبعث عليهم خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، فلما بلغ ذلك سعيد بن زيد كتب إلى أبي عبيدة: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا غله إلا هو، أما بعد. فإني ما كنت لأوثرك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يدنيني من مرضاة ربي، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث إلى عملك من هو أرغب إليه مني، فإني قادم عليك وشيكا إن شاء الله تعالى. والسلام عليك فلما بلغ الكتاب أبا عبيدة قال: ليتركنها. ثم دعا يزيد بن أبي سفيان فقال: اكفني دمشق.
شرح وشيكا سريعاً، تقول منه وشك بالضم يوشك وشكا أي يسرع.

ذكر احترام الولاة له ووصية أم المؤمنين حين وفاتها أن يصلي عليها
عن ابن سعيد بن زيد قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان ابن الحكم بالمدينة يبايع الناس لابنه يزيد، فقال رجل من الشام: ما يحبسك? قال: حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع، فإنه سيد أهل البلد؛ فإذا بايع بايع الناس. قال: افلا أذهب آتيك به? فجاء الشامي وأنا مع أبي الدار، فقال: انطلق فبايع، فقال: أنطلق، فسأجيء فأبايع؛ فقال: تنطلق أو لأضربن عنقك؛ قال: أتضرب عنقي? والله إنك لتدعوني إلى أقوام أنا قاتلتهم على الإسلام. قال: فرجع إلى مروان وأخبره، فقال له مروان. اسكت. قال: فماتت أم المؤمنين. أظنها زينب، فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، فقال الشامي لمروان: ما يحبسك أن تصلي على أم المؤمنين? قال: أنتظر الرجل الذي أردت أن تضرب عنقه، فإنها أوصت أن يصلي عليها، فقال الشامي: أستغفر الله. أخرجه البغوي في معجمه والفضائلي؛ وخرج ابن الضحاك منه قصة البيعة، وقال: سأل أهل المدينة. الخ ولم يذكر قصة الصلاة على الجنازة.
الفصل التاسع
في وفاته وما يتعلق بها
توفي بأرضه بالعقيق وحمل إلى المدينة ودفن بها سنة خمسين أو إحدى وخمسين في أيام معاوية وهو ابن بضع وسبعين سنة، ونزل في قبره سعد وابن عمر، ذكره في الصفوة وأبو عمر والفضائلي.
الفصل العاشر
في ذكر ولده
وكان له واحد وثلاثون ولدا ثلاثة عشر ذكراً وثماني عشرة أنثى.
ذكر الذكور
عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر وعبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأصغر وإبراهيم الأكبر وإبراهيم الأصغر وعمر الأكبر وعمر الأصغر والأسود وطلحة ومحمد وخالد وزيد.
ذكر الإناث
أم الحسن الكبرى وأم الحسن الصغرى وأم حبيب الكبرى وأم حبيب الصغرى وأم زيد الكبرى وأم يزد الصغرى وعائشة وعاتكة وحفصة وزينب وأم سلمة وأم موسى وأم سعيد وأم النعمان وأم خالد وأم صالح وأم عبد الحولا ورجلة.



الباب العاشر
في مناقب أبي عبيدة بن الجراح

وفيه عشرة فصول
الفصل الأول
في نسبه
وقد تقدم ذكره في ذكر الشجرة من باب العشرة، يجتمع هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك، وينسب إلى فهر فيقال القرشي الفهري، أمه من بني الحرث بن فهر، أسلمت، قاله ابن قتيبة.
الفصل الثاني
في اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام عامراً، وكنيته أبا عبيدة وبها اشتهر، لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمين هذه الأمة؛ وسيأتي في خصائصه.
الفصل الثالث
في صفته
وكان رضي الله عنه رجلا طويلا نحيفا، معروق الوجه، أثرم الثنيتين، خفيف اللحية، وكان يخصب بالحناء والكتم. ذكره ابن الضحاك، وسبب ثرمه أنه كان قد انتزع سهمين من جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بثنيتيه فسقطتا، وسيأتي ذكر ذلك. ويروى أنه المنتزع حلقتا الدرع، ويجوز أن يكون الهسمان أثبتا حلقتي الدرع فانتزع الجميع، فسقطتا لذلك. فما رئي أهتم كان أحسن من أبي عبيدة. ذكره ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما.
شرح الأثرم: الساقط الثنية، وكذلك الأهتم، وقد سبق ذكرهما في نظيره من مناقب عبد الرحمن بن عوف. والمعروق الوجه: تقدم شرحه في صفة أبي بكر.

الفصل الرابع
في إسلامه
أسلم قديما مع عثمان بن مظعون، وهو ممن أسلم على يدي أبي بكر على ما تقدم بيانه.
الفصل الخامس
في هجرته
قال الواقدي: هاجر أبو عبيدة إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، ولم يحك ذلك ابن عقبة ولا غيره، ثم هاجر إلى المدينة.
الفصل السادس
في خصائصه
ذكر اختصاصه بأنه أمين هذه الأمة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل أمة أميناً، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح". أخرجه البخاري ومسلم، وأخرجه الترمذي وأبو حاتم ولفظهما: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة" الحديث. أخرجه ابن نجيد وزاد: وطعن في خاصرته، وقال هذه خاصرة مؤمنة.
وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل نجران: "لأبعثن حق أمين". فأشرف أصحابه، فبعث أبا عبيدة. أخرجه البخاري.
وعنه قال: جاء السيد والعاقب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله أبعث معنا أمينك؛ فقال: "سأبعث معكم أميناً، حق أمين". فتشرف لها الناس؛ فبعث أبا عبيدة. أخرجاه وعن أبي مسعود قال: لما جاء العاقب والسيد صاحبا نجران أراد أن يلاعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه، فوالله لئن كان نبياً فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا أبداً؛ قال فأتياه فقالا. لا نلاعنك، ولكن نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلا أمينا. فقال صلى الله عليه وسلم: "لأبعثن رجلا أميناً حق أمين". قال. فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراحط. قال: فلما قفا قال: "فبعث أبا عبيدة" مكان "قم يا أبا عبيدة" ولم يذكر ما بعده. وأخرج ابن اسحق معناه عن محمد بن جعفر قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين" قال: فكان عمر بن الخطاب يقول: ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجراً فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر عن يمينه ويساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه، فقال: "اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه". قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة.
وعن أنس بن مالك أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ابعث معنا برجل يعلمنا؛ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أبي عبيدة وقال: "هذا أمين هذه الأمة". أخرجه أبو عمر، وأخرجه صاحب الصفوة وقال: إن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه أن يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام وذكر بقية الحديث.

ذكر اختصاصه بالإمرة في بعض الأحيان
عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وأمر عليها أبا عبيدة بن الجراح نتلقى عيراً لقريش، وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غيره، وكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، فقيل له: فكيف كنتم تصنعون بها? قال نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل؛ فكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نله بالماء فنأكله، قال: وانطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر، قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، وقد اضطررتم، فكلوا؛ قال: فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلثمائة، حتى سمنا، ولو رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع منه القدر كالثور أو كقدر الثور ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها، ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها، وتزودنا من لحمه وشائق. فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: "هو رزق الله أخرجه لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا?". قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله. أخرجه مسلم.
وفي رواية: فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه فنصبه ونظر إلى أطول بعير في الجيش وأطول رجل فحمله عليه، فجاز تحته، وأخرجه بهذه الزيادة الخلعي.
شرح العير: بالكسر الإبل تحمل الميرة، ويجوز أن تجمع على عيرات، والكثيب: الرمل المجتمع، وقد تقدم في فصل هجرة أبي بكر، ووقب العين: نقرتها، ووقبت عيناه: غارتا. وشائق جمع وشيق ووشيقة، وهو اللحم يغلي إغلاء ثم يقدد ويحمل في الأسفار، وهو أبقى قديد يكون.
قال أبو عبيدة: وزعم بعضهم أنه بمنزلة القدر لا تمسه النار، يقول: وشقت اللحم أشقه وأشقته مثله الفدر: جمع فدرة، وهي القطعة.

ذكر اختصاص عمر إياه بالخلافة إن مات وهو حي
عن عمر أنه لما بلغ سرغ وحدث أن الشام وباء شديداً فقال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن سألني ربي عز وجل لم استخلفته على أمة محمد? قلت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لكل نبي أمينا، وأميني أبو عبيدة بن الجراح". وإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة استخلف معاذ بن جبل: فإن سألني ربي لم استخلفته? قلت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه يحشر يوم القيامة بين يديه العلماء نبذة".
شرح سرغ: بفتح الراء وسكونها قرية بوادي تبوك من طريق الشام، وقيل على ثلاث عشرة مرحلة من المدينة نبذة: بفتح النون وضمها ناحية، وقد تقدم في فصل خلافة أبي بكر أن عمر بادر إلى مبايعة أبي عبيدة لما مات النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "أنت أمين هذه الأمة". فامتنع معتذراً بأولوية أبي بكر، ولما سئلت عائشة: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلف? قالت: أبا بكر، قيل: ثم من? قالت: عمر، قيل: ثم من? قالت: أبا عبيدة. وقد تقدم ذلك في فصل خلافة أبي بكر.

ذكر اختصاص أبي بكر إياه بالكون معه
وروى أبو حذيفة إسحاق بن بشر في كتابه فتوح الشام أن طوائف من أحياء العرب كانت تأتي من عامة الآفاق إلى أبي بكر إمداداً للمسلمين، فيستعمل عليهم الرجل منهم، ويخبرهم أن يمضوا إلى أي أمرائه أحبوا، فإذا قالوا: اختر لنا يا خليفة رسول الله، قال: عليكم بالهين اللين الذي إذا ظلم لم يظلم، وإذا أسيء إليه غفر، وإذا قطع وصل، رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين. عليكم بأبي عبيدة بن الجراح.
شرح هين لين: مخفف ومشدد، وقوم هينون لينون بهما.
وقد تقدم في فصل خلافة أبي بكر أنه قال يوم السقيفة: وقد رضيت لكم أحد الرجلين عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح أما أبو عبيدة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة". وأما عمر فسمعته يقول: "اللهم أيد الدين بعمر أو بأبي جهل".
الحديث. وقد تقدم في فصل إسلام عمر.

الفصل السابع
في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
وأحاديث هذا الفصل تقدمت في نظيره من باب العشرة من حديث عبد الرحمن وسعيد بن زيد.
الفصل الثامن
في ذكر نبذ من فضائله
شهد أبو عبيدة مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً وهو ابن إحدى وأربعين سنة وما بعدها من المشاهد كلها، وشهد بيعة الرضوان، وثبت معه يوم أحد، وقتل أباه يوم بدر كافراً فأنزل الله جل وعلا "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم" الآية، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، كان رضي الله عنه يسير في العسكر ويقول: ألا رب مبيض لثيابه ومدنس لدينه، ألا رب منكم لنفسه وهو لها مهين، بادروا السيآت القديمات بالحسنات الحادثات، فلو أن أحدكم عمل في السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرها.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح". أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.

ذكر أحبية النبي صلى الله عليه وسلم له
عن عائشة وقد سئلت: أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه? قالت: أبو بكر، قيل: ثم من? قالت: أبو عبيدة بن الجراح. وقد تقدم ذلك في باب ما دون العشرة.
ذكر ثناء أبي بكر وعمر وغيرهما عليه
تقدم ثناء أبي بكر في فصل الخصائص وطرف من ثناء عمر.
وعن عمر أنه قال لأصحابه يوماً: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله عز وجل، فقال: تمنوا فقال رجل: أمتنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبر جداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله عز وجل وأتصدق به، ثم قال: تمنوا. قالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين? قال عمر: لكني أمتنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح. أخرجه صاحب الصفوة، وأخرجه الفضائلي وزاد: فقال رجل ما آلوت الإسلام، قال: ذلك الذي أردت.
شرح. آلوت: قصرت عنه.

وعن عمرو بن العاص قال: ثلاثة من قريش أصبح الناس وجوهاً وأحسنها أخلاقاً وأشدها حياء، إن حدثوك لم يكذبوك، وإن حدثتهم لم يكذبوك: أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح. أخرجه الفضائلي.
ذكر كراهية عمر خلاف أبي عبيدة
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر لما خرج إلى الشام وأخبر أن الوباء قد وقع به فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشارهم فاختلفوا، فرأى عمر رأي من رأى الرجوع، فرجع، فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله? فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة? وكان عمر يكره خلافه نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت لو كان لك إبل فنزلت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله? أخرجاه.
شرح العدوة: بضم العين وكسرها شاطئ الوادي أي جانبه.

ذكر زهده
عن عروة بن الزبير قال: لما قدم عمر بن الخطاب من الشام تلقاه أمراء الأجناد وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي? قالوا: من? قال: أبو عبيدة، قالوا: يأتيك الآن، فلما أتاه نزل فاعتنقه، ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ صاحبك? فقال: يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل. أخرجه في الصفوة والفضائلي وزاد بعد قوله "يأتيك الآن": فجاء على ناقة مخطومة بحبل".
وفي رواية أن عمر قال له: اذهب بنا إلى منزلك، قال: وما تصنع? نا تريد إلا أن تعصر عينيك علي? قال: فدخل منزله فلم ير شيئاً، قال أين متاعك? ما أرى إلا لبداً وصفحة وشنا، وأنت أمير عندك طعام، فقام أبو عبيدة إلى جونة فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال أبو عبيدة: قد قلت لك ستعصر عينيك علي يا أمير المؤمنين، يكفيك ما يبلغك المقيل، فقال عمر: غرتنا الدنيا، كلنا غيرك يا أبا عبيدة. وأخرج جميع ذلك بتغيير بعض ألفاظه صاحب فتوح الشام وأخرج أيضاً أبو حذيفة في فتوح الشام أن أبا بكر لما توفي وخالد على الشام والياً واستخلف عمر كتب إلى أبي عبيدة بالولاية على الجماعة، وعزل خالداً، فكتم أبو عبيدة الكتاب من خالد وغيره حتى انقضت الحرب وكتب خالد الأمان لأهل دمشق وأبو عبيدة الأمير وهم لا يدرون ثم لما علم خالد بذلك بعد ما مضى نحو من عشرين ليلة دخل على أبي عبيدة فقال. يغفر الله لك، جاءك كتاب أمير المؤمنين بالولاية فلم تعلمني وأنت تصلي خلفي والسلطان سلطانك? فقال له أبو عبيدة: ويغفر الله لك، ما كنت لأعلمك حتى تعلمه من غيري، وما كنت لأكسر عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله وقد كنت أعلمك إن شاء الله تعالى، وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وإن ما نرى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن إخوان وقوام بأمر الله عز وجل، وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما يعرض من الهلكة إلا من عصم الله عز وجل وقليل ما هم. فدفع أبو عبيدة عند ذلك الكتاب إلى خالد.

ذكر خوفه من الله عز وجل
روى أحمد في مسنده أن أبا عبيدة دخل عليه إنسان وهو يبكي فقال: ما يبكيك يا أبا عبيدة? فقال: يبكيني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوماً ما يفتح الله على المسلمين، حتى ذكر الشام فقال: إن ينسأ من أجلك يا أبا عبيدة فحسبك من الخدم ثلاثة: خادم يخدمك، وخادم يسافر معك، وخادم يخدم أهلك ويرد عليهم، وحسبك من الدواب ثلاث: دابة لرحلك، ودابة لثقلك، ودابة لغلامك، ثم أنا أنظر إلى بيتي قد امتلأ رقيقا، وأنظر إلى مربطي قد امتلأ خيلا ودواب؛ وكيف ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن أحبكم إلي وأقربكم مني من لقيني على الحال التي فارقني عليها?".
ذكر تواضعه وإنصافه لرعيته ومساواته لهم
روى أبو حذيفة في فتوح الشام أن أبا بكر قد بعث عمرو بن العاص في نفر وقال له: يا عمرو؛ هؤلاء أشراف قومك يخرجون مجاهدين في سبيل الله، بائعين أنفسهم لله، فاخرج فعسكر حتى أندب الناس معك، فقال عمرو: يا خليفة رسول الله ألست أنا الوالي على الناس? قال: بلى، أنت الوالي على من أبعثه معك من ههنا؛ فقال: بل على من أقدم عليه من المسلمين؛ قال: فقال: لا، ولكن أحد الأمراء فإن جمعتكم حرب فأبو عبيدة أميركم؛ فسكت عمرو، ثم لما حضر شخوصه جاء إلى عمر فقال: يا أبا حفص، قد علمت نصرتي في الحرب ومناقبي في العدو؛ وقد رأيت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أرى أبا بكر ليس يعصيك، فأشر عليه رحمك الله أن يوليني أمر هذه الجنود بالشام، فإني أرجو أن يفتح الله على يدي البلاد، وأن يريكم الله والمسلمين ما تسرون به؛ فقال عمر: ما كنت لأكذبك، ما كنت لأكلمك في ذلك: وما يوافقني أن يبعثك على أبي عبيدة وأبو عبيدة أفضل عندنا منزلة منك، قال: فإنه لا ينقص أبا عبيدة شيئاً من فضله إن ولاني عليه؛ قال: فلما قدم عمرو على أبي عبيدة قال له أبو عبيدة: مرحباً بك يا أبا عبد الله رب يوم قد شهدته مباركاً للمسلمين فيه برأيك ومحضرك، وغنما أنا رجل منكم، لست وإن كنت الوالي عليكم بقاطع أمراً دونكم فاحضرني برأيك في كل يوم بما ترى، فإنه ليس لي عنك غنى، قال: فقال عمرو: افعل، وفقك الله لما يصلح للمسلمين ونكبت به العدو.
وروى أيضاً أبو حذيفة في فتوح الشام أن الروم بعثوا إلى أبي عبيدة: إنا نريد أن نبعث إليك رجلا منا يعرض عليك الصلح ويدعوك إلى النصف، فإن قبلت منه فلعل ذلك أن يكون خيراً لك لنا وإن أبيت فما نراه إلا شرا لك. فقال لهم: ابعثوا من شئتم. فبعثوا رجلا طويلا أحمر أزرق، فجاء، فلما دنا من المسلمين لم يعرف أبا عبيدة من القوم، ولم يدر أهو فيهم أم لا? ولم يرهبه مكان أمير من الأمراء. فقال: يا معشر العرب، أين أميركم? فقالوا له: ها هوذا، فنظر فإذا هو بأبي عبيدة جالساً، عليه الدرع، وهو ممسك الفرس، وبيده أسهم يقبلها وهو جالس على أرض، فقال له: أنت أمير هؤلاء? قال: نعم، قال: ما يجلسك على الأرض? أرأيت إن كنت جالساً على وسادة أو كان تحتك بساط أكان ذلك واضعك عند الله، أو هل يبعدك من الإحسان? قال له أبو عبيدة: إن الله لا يستحي من الحق، لأصدقنك: ما أصبحت أملك إلا سيفي وفرسي وسلاحي، ولقد احتجت أمس إلى نفقة فاقترضت من أخي هذا شيئاً يعني معاذ بن جبل وكان عنده شيء فاقترضت، ولو كان عندي بساط أو وسادة ما كنت لأجلس عليه وأجلس أخي المسلم الذي لا أدري لعله خير مني منزلة عند الله عز وجل على الأرض، ونحن عباد الله، نمشي على الأرض ونجلس عليها ونأكل عليها ونضطجع عليها، وليس ذلك بن أقصنا عند الله شيئاً، بل تعظم به أجورنا وترفع درجاتنا، فهلم حاجتك التي جئت لها.
وأخرج أيضاً أبو حذيفة أن أبا عبيدة لما وجهه عمر إلى الشام تلقاه في جنوده وهو على قلوص، مكتنفها بعباءة خطامها من شعر، لابس سلاحه متنكب قوسه.
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون الذي وقع بالشام أنه: قد عرضت حاجة عندنا ولا غنى فيها عنك، فإذا أتاك كتابي هذا فإني أعزم عليك إن أتاك كتابي ليلا أن لا تصبح حتى تركب، وإن أتاك نهارا أن لا تمسي حتى تركب إلي. فلما قرأ الكتاب قال: قد عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، ثم كتب: إني قد عرفت حاجتك التي لك، فخلني من عزمتك يا أمير المؤمنين، فإني في جند من أجناد المسلمين لا أرغب بنفسي عنهم. فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة? قال: لا. وكان قد كتب إليه عمر أن الأردن أرض غمقة، وأن الجابية أرض نزهة، فاظهر بالمسلمين إلى الجابية. فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب قال: هذا نسمع فيه أمير المؤمنين ونطيعه. أخرجه أبو حذيفة والفضائلي.

الطاعون: الموت من الوباء وهو المرض العام لفساد الهواء فتفسد لذلك الأمزجة والأبدان، يقال: طعن الرجل فهو مطعون وطعين. والأردن بضم الهمزة وتشديد النون: نهر وكورة بأعلى الشام والجابية: قرية بدمشق، وغمقة بالغين المعجمة أي قريبة من الماء والنزور والحضر، والغمق: فساد الريح وغموقها من كثرة الأنداء" فيحصل منها الوباء، والغمق أيضاً: ركوب الندى: نزهة: أي بعيدة من الماء فهي أقل وباء، قال ابن السكيت: وما يضعه الناس في غير موضعه، قولهم خجنا نتزه إذا خرجوا إلى البساتين، قال: وأما التنزه: التباعد عن المياه والأرياف، ومنه قولهم: فلان يتنزه عن الأقذار أي نتباعد عنها.
وعن عروة بن الزبير أن طاعون عمواس كان معافياً منه أبو عبيدة بن الجراح وأهله، فقال: اللهم نصيبه في آل أبي عبيدة، فخرجت بثرة في خنصر أبي عبيدة، فجعل ينظر إليها، فقيل له: إنها ليست بشيء، فقال: إني ارجو أن يبارك الله فيها. إنه إذا بارك في القليل كان كثيراً. أخرجه الفضائلي وأبو حذيفة.
شرح طاعون عمواس: قال الجوهري هو أول طاعون كان في الإسلام بالشام، والبثرة: خراج صغير، وجمعها بثور، وفي هذا إشعار بأن الطاعون مفسر بغير ما فسره به آنفاً، وأن أوله خراج أو غيره يسمى طاعوناً، وكان ذلك يبعد أن يقال كل مرض عام من خراج أو غيره يسمى طاعوناً، وكان ذلك الطاعون على ذلك النحو، والله أعلم.

ذكر اهتمامه حين استنهضه عمر عام القحط
روي أن الناس قحطوا في خلافة عمر، فكتب إلى أبي عبيدة بن الجراح وهو يومئذ بالشام: الغوث الغوث، أدرك المسلمين. فكتب إليه أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، كتبت إلي: "الغوث الغوث" وقد أتتك العير أولها عندك وآخرها بالشام.
الفصل التاسع
في ذكر وفاته وما يتعلق بها
مات رضي الله عنه في طاعون عمواس بالأردن من الشام وفيها قبره سنة ثمان عشرة، في خلافة عمر، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وصلى عليه معاذ بن جبل، ونزل في قبره معاذ وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس. ذكره أبو عمر وصاحب الصفوة.
وذكر المدائني عن العجلاني عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان قال: مات في طاعون عمواس خمسة وعشرون ألفاً، وقيل: لما وقع الطاعون قال عمرو بن العاص: إنه رجز فتفرقوا عنه، فبلغ شرحبيل بن حسنة فقال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو أضل من بعير أهله، إنه دعوة نبيكم ورحمة من ربكم وموت الصالحين قبلكم، فاجتمعوا له ولا تتفرقوا عنه. فبلغ ذلك عمرو، فقال: صدق: وروي أن عمرو بن العاص قال: تفرقوا عن هذا الرجز في الشعاب والأودية ورءوس الجبال، قال معاذ بن جبل: بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم، اللهم أعط معاذا وأهله نصيبه من رحمتك فطعن فمات.
وقال أبو قلابة: قد عرفت الشهادة والرحمة، وبها عرفت ما دعوة نبيكم، فسألت عنها فقيل: دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل فناء أمته بالطعن والطاعون حين دعا أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعها فدعا بهذا. قال أهل العلم: إنما يكون شهادة لمن صبر عليه محتسباً عالما بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فأما من فر منه فأصابه فليس بشهيد. أخرج من قول المدائني إلى هنا القلعي.

ذكر وصيته رضي الله عنه
عن سعيد بن المسيب قال: لما طعن أبو عبيدة بالأردن دعا من حضره من المسلمين وقال: إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير، أقيموا الصلاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا وحجوا، واعتمروا وتواصوا، وانصحوا لأمرائكم، ولا تغشوهم، ولا تلهكم الدنيا فإن امرأ لو عمر ألف حول ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون. إن الله تعالى كتب الموت على بني آدم فهم ميتون، فأكيسهم أطوعهم لربه وأعملهم ليوم معاده، والسلام عليكم ورحمة الله، يا معاذ ابن جبل، صل بالناس".
ومات رحمه الله فقام معاذ في الناس، فقال: يا أيها الناس: توبوا إلى الله من ذنوبكم، فأيما عبد يلقى الله تعالى تائباً من ذنبه إلا كان على الله حقا أن يغفر له، من كان عليه دين فليقضه، فإن العبد مرتهن بدينه، ومن أصبح منكم مهاجراً أخاه فليلقه فليصالحه، ولا ينبغي لمسلم أن يهجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام، أيها المسلمون قد فجعتم برجل ما أزعم أني رأيت عبداً أبر صدراً ولا أبعد من الغائلة ولا أشد حباً للعامة ولا أنصح منه، فترحموا عليه واحضروا الصلاة عليه.
الفصل العاشر
في ذكر ولده
وكان له من الولد يزيد وعمير أمهما هند بنت جابر. ودرجا ولم يبق له عقب، والله أعلم.

انتهى الكتاب

مع تحيات منتديات الطريقه القادريه الكباشيه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
 
الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» مناقب سيد الأولين والأخرين
» العشرة المبشرون بالجنة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكه الطريقه القادريه الكباشيه  :: المكتبه الشامله-
انتقل الى: