السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

انها*صحابية كريمة جمع الله لها من المناقب و الفضائل الكثير، الكثير.....

فهي التي فازت بتربية سيد الأولين و الآخرين محمد بن عبد الله بعد وفاة جده عبد المطلب , و هي ام سيدنا علي بن أبي طالب) رضي الله عنه و هو رابع الخلفاء الراشدين..

و هي جدة سيدي شباب أهل الجنة (الحسن و الحسين) رضي الله عنهما و هي أم الشهيد الذي رآه النبي صلى الله عليه و سلم يطير بجناحيه في الجنة مع الملائكة(جعفر بن أبي طالب) أحد الأمراء الثلاثة في سرية مؤتة ..و هي أيضا حماة سيدة نساء العالمين في زمانها بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فاطمة رضي الله عنها...

فيا ترى من هي هذه الصحابية الكريمة التي جمع الله لها تلك الفضائل و المناقب..؟؟

إنها الصحابية الجليلة ((فاطمة بنت أسد)) بن هاشم بن عبد مناف..أسلمت رضي الله عنها و كانت من المهاجرات الأوائل و هي أول هاشمية ولدت هاشميا.*

:: وقفة لطيفة ::

و قبل أن نتعايش بقلوبنا و أرواحنا مع سيرة هذه الصحابية أود أن نقف جميعا وقفة تأمل و تدبر أمام هذا الدور العظيم الذي قامت به هذه الصحابية لخدمة هذا الدين العظيم.

كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول: (( أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا _و أشار بالسبابة و الوسطى _ و فرج بينهما ))*

فما ظنكم بامرأة كفلت أعظم و أطهر يتيم في الدنيا كلها ألا و هو : الحبيب المصطفى محمد الذي كان يتمه تشريفا لكل يتيم في الدنيا كلها.*

فهل عرفتم قدر هذه الصحابية الجليلة التي كفلت النبي صلى الله عليه و سلم و وضعته في عينها و أغفلت عليه جفنها خوفا عليه حتى من نسيم الهواء؟؟*

:: و من هنا كانت البداية ::

كان الحبيب يتيما فكفله جده عبد المطلب
و كان يحبه حبا شديدا .. و بعد فترة من الزمن أحس عبد المطلب بدنو اجله فأوصى ولده أبا طالب بأن يكفل الحبيب صلى الله عليه و سلم و أوصاه به خيرا و ذلك لأن عبد الله والد رسول الله و أبا طالب أخوان لأب
أم، *فأمهما هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ
وكذلك فإن عبد المطلب كان يشعر بأنه لن يحافظ على الحبيب و يحوطه بالرحمة
والحنان إلا زوجة أبي طالب لما كان يشعر من الرحمة التي تتدفق من قلبها.

و مات عبد المطلب و انتقل الحبيب إلى بيت أبي طالب فوجد في بيته أما رحيمة جعلته يشعر بأنها أمه بعد أمه التي ماتت.*

:: وعرفت البركة طريقها إلى هذا البيت ::*

و كان أبو طالب فقيرا و كانت زوجته تشعر بأن أولادها لا يشبعون من الطعام أبدا فلما عاش الحبيب صلى الله عليه و سلم بينهم دخلت البركة لأول مرة في هذا البيت الكريم
وبخاصة في طعام الأولاد إذا أكل معهم الحبيب صلى الله عليه و سلم.

فكان عيال أبي طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا, و إذا أكل معهم رسول الله شبعوا , فكان أبو طالب إذا أراد أن يغذيهم أو يعشيهم يقول : كما أنتم حتى يأتي إبني فيأتي رسول الله فيأكل معهم فيفضل من طعامهم .

و إن كان لبنا شرب رسول الله أولهم ثم تناول القعب _القدح _فيشربون منه فيروون عن آخرهم من القعب الواحد و إن كان أحدهم ليشرب قعبا وحده فيقول ابو طالب : إنك لمبارك.

و كان الصبيان يصبحون شعثا رمصا ,
و يصبح رسول الله عليه الصلاة و السلام دهينا كحيلا.*

:: و يزداد الحب يوما بعد يوم ::

و كانت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها ترى كل هذه البركات التي دخلت بيتها لأول مرة و هي لا تكاد تصدق نفسها فكانت تزداد حبا للنبي يوما بعد يوم ..فها هي ترعاه في طفولته و شبابه و تخصه بالتقدير و الاحترام و تشمله بعطفها و حنانها و ظلت ترعاه إلى أن تزوج خديجة رضي الله عنها

:: فلذة كبدها في بيت النبي صلى الله عليه و سلم::*

و ها هي تدفع بفلذة كبدها علي بن أبي طالب ولدها ليعيش في بيت الرسول عليه الصلاة و السلام و كانت ترى فيه نعم الأب الرحيم.*

قال ابن اسحق :

و كان من نعمة الله على علي بن ابي طالب
*ومما صنع الله له و أراده به من الخير , أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس عمه و كان من أيسر بني هاشم :" يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال و قد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف (عنه)من عياله، آخذ من بنيه رجلا و تأخذ أنت رجلا فنكفلهما عنه."
فقال العباس : "نعم"
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له : " إنا نريد أن نخفف (عنك) من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه" فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما عقيلا فاصنعا ما شئتما.

فأخذ رسول الله عليا فضمه إليه و أخذ العباس جعفرا فضمه إليه فلم يزل علي مع رسول الله حتى بعثه الله تبارك و تعالى نبيا فاتبعه علي و آمن به و صدقه.*

:: موعد مع السعادة ::

و جاءت اللحظة التي ينتظرها الكون كله
وبعث الحبيب ليحمل الخير و النور للدنيا كلها _جاء ليأخذ بأيدي الناس بإذن الله _ من أدران الشرك و الجهل و الكفران إلى أنوار التوحيد و الإيمان.و قام الحبيب يدعو قومه
وعشيرته و أقاربه إلى خيري الدنيا و الآخرة فكانت فاطمة بنت اسد من النساء اللاتي سارعن إلى الدخول في الإٍسلام فآمنت بالله و رسوله و أما زوجها أبو طالب فلم يسلم وأسلم اولادها كلهم و كان اولهم علي بن ابي طالب رضي الله عنه.*

:: سيجعل الله بعد عسر يسرا ::

و بدأت فاطمة رضي الله عنها تعيش حياة جديدة كلها ايمان و طاعة لله ورسوله صلى الله عليه و سلم.

و لكن أعداء الله دائما يتربصون للمؤمنين فلقد بدأت قريش تصب غضبها و بطشها على الموحدين من أصحاب سيد الموحدين و بدأت تقف في وجه الإسلام و تحاربه حربا ضروسا فلما رأى النبي ما نزل بأصحابه من العذاب و النكال أشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة.

و هنا وقفت فاطمة و امتلأ قلبها حزنا و أسى و هي تودع ولدها جعفر بن أبي طالب
وزوجته أسماء بنت عميس فلقد كان جعفر أمير المهاجرين إلى الحبشة.

و لما رأت قريش أن الأمر يكاد يخرج من يدها لجأت إلى مقاطعة بني هاشم و حُوصر بنو هاشم و بنو عبد المطلب بنسائهم و أطفالهم في الشعب و صبرت فاطمة بنت أسد مع من صبر من النساء تبتغي بذلك رضوان الله
ولما اشتد عليها البلاء ، أكلت من ورق الشجر مع المسلمين المحاصرين.

و في هذه السنة ، التي سميت بسنة الحصار توفيت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد زوج الرسول الكريم , ثم توفي عمه أبو طالب فاشتدت المصائب على المسلمين و أخذت قريش تجتهد أكثر في إيذاء الرسول الكريم إلى أن أذن الله له بالهجرة إلى المدينة المنورة.*

:: الهجرة إلى المدينة المنورة ::

و لما أذن الحبيب صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة هاجرت فاطمة مع من هاجر لتنال أجر المهاجرين الذين تركوا ديارهم و أموالهم و خرجوا من دنياهم ليظفروا بنعمة التوحيد و الإيمان بالله تعالى.*

:: مكانتها عند النبي صلى الله عليه و سلم ::*

و كان النبي صلى الله عليه و سلم يحبها محبة الابن لأمه الرحيمة و كان يزورها دائما و يقيل في بيتها و يحسن إليها و يرعاها كما كانت تحسن إليه و ترعاه في صغره ,
ولمكانتها الرفيعة عند رسول الله كان يتحفها بالهدية.*

:: الحماة الطيبة ::*

و لما تزوج علي بن ابي طالب فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه و سلم كانت فاطمة بنت أسد مثالا عظيما للحماة الطيبة و الأم الرحيمة فكانت تحب بنت رسول الله حبا شديدا و كانت تتعاون معها في أعمال البيت.

قال علي رضي الله عنه : قلت لأمي فاطمة بنت أسد : اكفي فاطمة بنت رسول الله سقاية الماء و الذهاب في الحاجة و تكفيك خدمة الداخل الطحن و العجن.*

:: و حان وقت الرحيل ::

و ظلت فاطمة رضي الله عنها تعيش في ظل الإيمان و التوحيد عابدة صائمة قائمة إلى أن جاء اليوم الذي نامت فيه على فراش الموت لتلقى ربها فيكافئها عن صنيعها مع الحبيب صلى الله عليه و سلم.

و ماتت رضي الله عنها و دفنت في المدينة المنورة و أكرمها الله بأن نزل حبيب الله في قبرها ليدفنها.

ذكر السمهودي أن النبي لم ينزل في قبر أحد قط إلا خمسة قبور , ثلاث نسوة و رجلين : منها قبر خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بمكة, و أربع بالمدينة , قبر ابن خديجة كان في حجر النبي صلى الله عليه وسلم و تربيته , و قبر عبد الله المزني الذي يقال له ذو البجادين , و قبر أم رومان أم عائشة بنت أبي بكر الصديق و قبر فاطمة بنت أسد رضي الله عنهم جميعا.*


:: هذا هو الوفاء..و تلك هي الكرامة ::

و ها هو النبي صلى الله عليه و سلم صاحب القلب الوفي لم ينس أبدا هذه المرأة الصالحة التي كانت له أما بعد أمه فنزل في قبرها ليدفنها فكان في هذا كرامة لها رضي الله عنها و ارضاها.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب خلع النبي قميصه و ألبسها إياه و اضطجع في قبرها فلما سوي عليها التراب قال بعضهم : يا رسول الله رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه لأحد !! فقال : (( ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة و اضطجعت معها في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر إنها كانت من أحسن خلق الله إلي صنيعا بعد أبي طالب ))

فرضي الله عنها و أرضاها و جعل جنة الفردوس مثواها.