شبكه الطريقه القادريه الكباشيه
الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  829894
ادارة المنتدي الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  103798
شبكه الطريقه القادريه الكباشيه
الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  829894
ادارة المنتدي الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  103798
شبكه الطريقه القادريه الكباشيه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شبكه الطريقه القادريه الكباشيه

منتدي تعريف بسيره وكتب الشيخ إبراهيم الكباشي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
>الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Rufaai10 منتدي الشيخ ابرهيم الكباشي توثيق لحياة مليئه بالعلم والتصوف والجهاد يحتوي علي كتبه واقواله وسيرته ومدائحه >الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Rufaai10"

 

 الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 6:33 am



الرياض النضرة في مناقب العشرة

المحب الطبري
أبو جعفر أحمد بن عبدالله الطبري(ت694هـ)



هو كتاب في تراجم الرجال، وقد اختص مؤلفه بذكر تراجم الرجال العشرة المبشرين بالجنة لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولإظهار فصلهم حيث اختصهم الله تعالى بهذا الفضل العظيم من قربهم من النبي ومن دخولهم الجنة وللوقوف بوجه من يحاول الطعن بهم أو بإخلاصهم وقد اعتمد المؤلف الثبوت والصحة في النقل والإستدلال فأكسب الكتاب أهمية بين كتب التراجم









مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. الحمد لله يختص من يشاء برحمته وملبس من سبقت له منه الحسنى أثواب عنايته ومفضل بعض الخلق بما منهم به من طرائف نعمه ولطائف منته ومصرف الأحكام في العبيد فمن شقي وسعيد ومقرب وطريد لا يسأل عما يفعل ولا راد لمقتضى إرادته وصلوات الله وسلامه على سيد أنبيائه وأولى أوليائه وصفي صفوته محمد المنتخل من خلاصة المجد الأثيل ونبيه المنتخب من أعلى سنام الفخر الأصيل وذروته وعلى شريف ذريته الطاهرة وأفنان فنون دوحته الفاخرة وجميع أهل بيته المعظم وعترته أما بعد فإن الله عز وجل قد أختار لرسوله أصحاباً فجعلهم خير الأنام واصطفى من أصحابه جملة العشرة الكرام فرضيهم لعشرته وموالاته وفضلهم بالانضمام إليه مدة حياته وأنعم عليهم بما أولاهم من أصناف موجبات كرمه وأسعدهم بما سلف في سابق قدم وأشقى قوماً بارتكاب في الخوض في أمرهم فيما لا يعنيهم واجترائهم على الآحاد على التنقص بهم ووصفهم بما ليس فيهم حتى لقد فسقوا بظنهم على من علم تعديله وغضوا بجهلهم على من رضي الله عنهم ورسوله فجعلوهم غرضاً لبهتانهم العظيم وذموهم وقد مدحتهم آيات القرآن الكريم قال الله الملك الجليل: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" إلى ذلك "مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل" أتراهم خرجوا من هذا الوصف أو خرج عنهم أو اختص به النائي دون القريب والجليس منهم أم هل يمكن منهم أن يدعى أن العشرة لم يشتدوا على الكفار وينصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقال إن واحداً منهم لم يكن معه فغير مسلم إن أريد معية الإسلام والإيمان فهم إليها من أول مجيب أو معية الالتفات والاحتفاف فلهم منها أوفر نصيب أو يقال بأنهم زايلوا ذلك الوصف بعد وفاته وارتكبوا ما حكم لهم بخلافه من مخالفاته فالنص يدفع ذلك ويرده ويمنع ذا الدين من اعتقاده ويصده قال الله تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم" أترى خفي عن علمه ما يزعمونه من فسقهم أو ردتهم وقال: "والسابقون الأولون" من المهاجرين والأنصار إلى قوله: "رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" أتراه أعدها لهم مع علمه بما يوجب منعهم منها وأي فائدة الإعلام بها مع ثبوت صرفهم عنها معاذ الله أن يكون الأمر كذلك وحاشا لله أن يختار لرسوله صحبة أولئك وما نقموا منهم مما يوهم ظاهره لو لم يرد ما يعارضه لوجب اعتقاد أحسن الوجوه وحملها عليه فكيف والأدلة الظاهرة تؤكد ذلك وتقضي بالمصير إليه توفيقا بين مقطوع الكتاب ومظنون السنة وتصديقاً لشهادته صلى الله عليه وسلم لهم بالجنة كيف وقد علم صلى الله عليه وسلم جملة ما وقع منهم ونبه على كثير مما جرى بينهم وصدر عنهم حتى صرح بالنهي عن سبهم وحرص على ترك الخوض فيهم وأمر بحبهم فما للجاهل الغبي ولهم وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيغفر لهم وما للمتعامي وتأويل ما ورد في شأنهم وتحريفه بعد قوله صلى الله عليه وسلم لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه فالحمد لله أن عصمنا من هذه الورطة العظيمة ووفقنا بحب جملتهم إلى سلوك الطريقة المستقيمة ثم الحمد لله أن ألهم جمع هذا المؤلف في مناقبهم والإعلام بما وجب من التعريف بشرف قدرهم وعلو مراتبهم وتدوين ما روي عن عظيم مآثرهم وإيراد طرف مما ذكر من عميم مفاخرهم من كتب ذوات عدد على وجه الاختصار وحذف السند ليسهل على الناظر تناوله ويقرب على الطالب فيه ما يحاوله عازياً كل حديث إلى الكتاب المخرج منه منبهاً على مؤلفه أو من أخذ عنه تقصياً عن عهدة الارتياب في النقل واعتماداً على أولي السابقة من أهل العلم والفضل مبتدئاً بذكر ما شملهم على طريقة التضمن ثم بما اختص بهم على وجه المطابقة والتعين ثم بما ورد فيما دون العشرة وإن أنضم إليهم من ليس منهم ثم بما اختص بالأربعة الخلفاء ولم يخرج عنهم ثم بما زاد عن الأربعة على واحد ثم بما ورد من فضل كل واحد واحد وأدرجت جملة ذلك في قسمين الأول في مناقب الأعداد الثاني في مناقب الآحاد وكل قسم مبوب على ما اقتضاه من التبويب مرتب على ما وجبت مراعاته من الترتيب.
والله أسأل أن يجعل وسيلة إلى غفرانه وذريعة إلى إدراك رضوانه ويخلص المقصد فيه لوجهه الكريم ويجعله قائداً إلى جنات النعيم بمنه وكرمه وها أنا مثبت أسماء الأصول المخرج منها والمأخوذ عنها من مؤلف كبير أو جزء صغير وأكثرها مروي لنا بل كلها إلا ما تركت الخط بالحمرة عليه وإنما لم نسندها للمعنى الذي أشرنا إليه وهي مسند الإمام أحمد بن حنبل والسنن الكبرى للنسائي مما نقله عنه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الموافقات ورزين في تجريده الصحاح ومسند البزار مما نقله عبد الحق في أحكامه والبخاري ومسلم والموطأ والترمذي ومسند الشافعي وسننه ومسند القاسم بن سلام البغدادي المشتمل على الغريب وسنن أبي داود وسنن الدارقطني وسنن سعيد بن منصور وسنن ابن ماجه مما نقله عنه الحافظ الدمشقي في الموافقات والتقاسيم والأنواع لأبن حبان وكتاب الموافقات للحافظ أبي القاسم علي بن عساكر الدمشقي وتجريد الصحاح لرزين والجمع بين الصحيحين لحميدي والمستدرك عليهما للحاكم والمستدرك عليهما لأبي الهروي وكتاب المصابيح للبغوي وشرف النبوة لأبي سعيد عبد الملك بن عثمان الواعظ وفوائد تمام الرازي ونزهة الأبصار لأبي عبد الله محمد بن محمد الفضائلي الرازي ولطائف الأنوار للقلعي وكتاب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأحمد بن حنبل وكتاب مناقب خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق لأبي عبد الله محمد بن مسدي وكتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وكتاب الآحاد والمثاني في فضائل الصحابة لأبي بكر أحمد بن أبى عاصم الضحاك ابن مخلد وكتاب الشمائل للترمذي وكتاب فضائل الصحابة لخيثمة بن سليمان الأطرابلسي وكتاب منهاج أهل الإصابة في محبة الصحابة لابن الجوزي وكتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة وما رواه كل فريق في الآخر للحافظ أبي سعيد إسماعيل بن علي بن الحسن السمان ومعجم الصحابة لأبي القاسم عبد الله محمد بن محمد بن عبد العزيز البغوي ومعجم أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ومعجم الحافظ أبي بكر إسماعيل الإسماعيلي ومعجم الحافظ أبي القاسم الدمشقي ومعجم النسوان ومعجم البلدان كلاهما له ومعجم الحافظ أبي يعلى أحمد بن المثني الواعظ ومعجم الحافظ أبي الخير محمد ابن أحمد الغساني وسيرة ابن إسحاق وكتاب المعارف لابن قتيبة وكتاب الأحداث لأبي عبيد القاسم بن سلام وكتاب الردة والفتوح لأبي الحسن علي بن محمد القرشي والاستيعاب لأبي عمر بن عبد البر وصفة الصفوة لأبي الفرج بن الجوزي وتاريخ الخطيب مما خرجه عنه ابن رستم في كتابه الآتي ذكره وفتوح الشام لأبي حذيفة إسحاق بن بشر القرشي وسيره الملا عمر بن محمد بن الخضر وكتاب المنتقى من كتاب المقامات لأبي شجاع شيروية بن شهردار بنت شيروية الديلمي الهمداني ونزهة الناظر لأبي شجاع زاهر بن رستم الأصفهاني ومن كتب التفسير الوسيطالحسن علي بن محمد القرشي والاستيعاب لأبي عمر بن عبد البر وصفة الصفوة لأبي الفرج بن الجوزي وتاريخ الخطيب مما خرجه عنه ابن رستم في كتابه الآتي ذكره وفتوح الشام لأبي حذيفة إسحاق بن بشر القرشي وسيره الملا عمر بن محمد بن الخضر وكتاب المنتقى من كتاب المقامات لأبي شجاع شيروية بن شهردار بنت شيروية الديلمي الهمداني ونزهة الناظر لأبي شجاع زاهر بن رستم الأصفهاني ومن كتب التفسير الوسيط للواحدي وأسباب النزول له ونكت المساوري وأسباب النزول لأبي الفرج بن الجوهري ومن كتب الشروح شرح المشكل في الصحيحين لأبي الفرج بن الموردي وغريب النهاية ونهاية الغريب للمحدث ابن الأثير الموصلي وصحاح الجوهري. ذكر الأجزاء الخلعيات لأبي الحسن علي بن الحسن بن الحسين الخلعي والثقفيات للحافظ أبي عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد الثقفي الأصفهاني والأجزاء المعروفة بالغيلانيات من حديث أبي بكر عبد الله بن محمد ابن إبراهيم الشافعي رواية أبي طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان وأجزاء من الجعديات لأبي الحسن علي بن الجعد والسلفيات للحافظ أبي طاهر أحمد بن سلفة السلفي من انتخابه من أصول بن المشرف الإنماطي ومن أصول ابن الطيوري وغيرهما ومشيخة البغدادية وغيرها وجملتها تزيد على مائة جزء وأجزاء من حديث أبي الحسن الدراقطني وكثير من المحامليات للحافظ أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي وأجزاء تتضمن مشيخة محمد بن أحمد الرازي تخريج الحافظ السلفي وأجزاء من حديث الحافظ أبي القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي وأجزاء من حديث أبي الحسن علي بن عمر بن الحسن الحربي السكري وأجزاء من حديث أبي عمرو وعثمان بن السماك وأجزاء من المخلصيات من حديث أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص الذهبي وأجزاء من أمالي الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي وأجزاء من حديث أبي الحسن علي بن حرب الطائي وجزآن من أمالي نظام الملك أبي علي الحسين بن علي بن إسحاق وأجزاء من أمالي الحافظ أبي عثمان إسماعيل بن محمد بن أحمد بن جعفر بن ملة الأصفهاني وأجزاء من أمالي الحافظ أبي القاسم علي بن عساكر الدمشقي وأجزاء من حديث أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل وأجزاء من أمالي أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن سليمان بن حبابة البزار وأجزاء من أمالي القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي وأجزاء من فوائد أبي أحمد حمزة بن محمد بن العباس بن الفضل بن الحارث وأجزاء من حديث الحافظ الخطيب أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الأربعينات والأربعون الطوال للحافظ أبي القاسم بن عساكر الدمشقي والأربعون البلدانية له والأربعون في فضائل العباس للحافظ أبي القاسم حمزة بن يوسف السهمي وأربعون في فضائل عثمان وأربعون في فضائل علي بن أبي طالب كلاهما للإمام رضي الدين أبي الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف القزويني الحاكمي والأربعون المترجمة بالماء المعين لإبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الخجندي الأربعون للحافظ أبي عبد الله الثقفي الأصفهاني أجزاء مفردة جزء مترجم بكتاب السنة تأليف أبي الحسين محمد بن حامد بن السري وجزء مترجم بكتاب العلل لأبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الضبي جزء مترجم بكتاب التحفة لأبي عقيل محمد بن علي بن محمد الصابوني المحمودي محاسبة النفس مجاني الدعاء وكتاب اليقين ومن عاش بعد الموت الأربعة لأبي بكر بن أبى الدنيا جزء من مسند الإمام علي بن موسى الرضى في فضل أهل البيت والذرية الطاهرة للدواليبي وفضائل الصحابة للبغوي جزء الحسن بن عرفة العبدي جزء من حديث أبي بكر عبد الله بن داود السجستاني جزء من حديث محمد بن إبراهيم السراج يعرف بجزء ابن بوش جزء من كتاب جامع عبد الرزاق بن همام الصنعاني وجزء أبي معاوية الضرير جزء الأنصاري أبو محمد عبد الباقي جزء أبي عبد الله محمد بن مخلد العطار مشيخة أبي مسهر ويحيى بن صالح الوحاطي تخريج أبي بكر عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي جزء من حديث أبي عبد الله بن الحسن الصوفي عن يحيى بن معين جزء ابن الغطريف من حديث القاضي أبي بكر الطبري جزء من حديث أسيد بن عاصم جزء من حديث أبي روق أحمد بن محمد بن أبي بكر الهزاني جزء من حديث سعدان بن نصر بن منصور جزء من حديث أبي جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي جزء من حديث أبي الفضل محمد بن الحسن بن خيرون جزء من حديث أبي عبد الله الحسين بن يحيى بن عباس القطان جزء من حديث إسماعيل بن أحمد بن يوسف السلمي جزء من حديث الحافظ أبي سعيد محمد بن علي بن عمر بن مهدي النقاش جزء من حديث بكار بن قتيبة بن عبد الله البكراوي جزء من حديث أبي جعفر عمر بن عثمان بن شاهين الواعظ جزء من حديث أبي الحسن علي بن محمد بن عبيد رواية المحاملي عنه من حديث صاحب التحفة المتقدم ذكره جزء ثماني الحديث للحافظ رشيد الدين أبي الحسن يحيى بن علي القرشي العطار جزء من حديث أبي القاسم الحريري جزء من حديث أبي الحسن أحمد بن عمير بن جوصا جزء من حديث إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري جزء من حديث أبي مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك الأنصاري جزء من حديث أبي القاسم البغوي جزء مستخرج من مسند عبد بن حميد الكشي جزء من حديث مالك بن أنس الأصبحي تخريج أبي الحسن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الأزدي جزء من حديث منصور بن عمار تخريج أبي بكر محمد بن عبد الرحمن الحافظ المزكي جزء من حديث أبي بكر محمد بن عمر بن بكير النجار جزء من إملاء أبي بكر محمد مبارك بن الطباخ جزء فيه مشيخة أبي المظفر عبد الخالق بن فيروز بن عبيد الجوهري جزء من حديث أبي إسحق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي جزء من إملاء أبي محمد المبارك بن الصباح جزء من مشيخة أبي المظفر عبد الخالق ابن فيروز بن عبيد الجوهري جزء من حديث أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي جزء من إملاء أبي بكر محمد بن عبد الباقي البزار جزء من حديث يعلي أحمد بن علي بن المثنى التميمي جزء من حديث أبي الحسن أحمد بن محمد العتقي جزء من حديث أبي عمر بن حازم ابن أبي عزرة الغفاري جزء من حديث أبي بكر يوسف بن يعقوب بن البهلول جزء من فضائل أبي بكر وعمر لأبي الحسن علي بن أحمد بن نعيم البصري رواية أبي محمد الحسن بن محمد الخلال عنه جزء في فضائل الأربعة عن ابن عباس رواية أبي الفتح يوسف بن عمر جزء من حديث أبي الجهم العلاء بن موسى الباهلي جزء من أمالي أبي جعفر محمد بن البختري جزء من حديث أبي طاهر الحسن بن أحمد بن إبراهيم الأسدي البالسي جزء من حديث أبي بكر محمد بن القاسم الإنباري جزء من حديث أبي عمر بن محمد بن عبد الواحد اللغوي جزء من حديث أبي حامد أحمد بن محمد السرخي جزء من حديث أبي عبد الله الحسين بن يحيى المتوثي جزء من حديث أبي الفضل أحمد بن محمد بن أبي الفرات جزء من حديث أبي عمر عثمان بن محمد بن أحمد بن محمد وركان جزء من حديث أبي بكر محمد بن يحيى الصوفي جزء من حديث أبي الحسن علي بن يحيى بن جعفر بن عبد كوته جزء من حديث الوزير أبي القاسم عيسى بن الجراح جزء من حديث يحيى بن معين جزء من حديث عبد الملك بن محمد بن نزار البغدادي جزء من حديث أبي الحسن علي بن محمد الحلبي جزء من حديث أبي الحسن محمد بن الحسن الجوهري جزء من حديث الإمام أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي جزء من حديث أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزار جزء من حديث أبي عبد الرحمن السلمي جزء من حديث إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي جزء من حديث سفيان بن عيينة الهلالي جزء من حديث ابن مسعود أحمد بن أبي الفرات بن خالد الضبي جزء من حديث أبي سلمة حماد بن سلمة بن دينار مولى ربيعة بن مالك بن حنظلة جزء من حديث أبي محمد يحيى بن علي بن الطراح جزء من حديث أبي الفتح نصر بن عبد الرحمن النحوي جزء من حديث أبي بكر محمد بن الحسن النقاش في وصل التواريخ جزء من حديث الأنباء من الآباء من ولد العباس لأبي عبد الله محمد بن علي الجلاد جزء في مقتل الحسين لأبي القاسم البغوي جزء من حديث أبي محمد عبد الله بن محمد بن عثمان المعروف بالحافظ ابن السقا من أمالي القاضي أبى بكر يوسف بن القاسم بن يوسف بن فارس.



القسم الأول
في مناقب الأعداد
وفيه سبعة أبواب.
الباب الأول
فيما جاء متضمناً ذكر العشرة وغيرهم
ذكر ما جاء متضمناً فضل جملة الصحابة والدعاء لهم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه" أخرجاه وأخرجه أبو بكر البرقاني على شرطهما وفيه "لا تسبوا أصحابي دعوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق كل يوم مثل أحد ذهباً لم يبلغ مد أحدهم".
شرح: أحد جبل معروف بالمدينة والنصيف والنصف بمعنى كالعشير والعشر وعن ابن عمر قال "لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره" أخرجه علي بن حرب الطائي وخيثمة بن سليمان وعن عبد الرحمن بن سالم بن عبد الله بن عويمر بن ساعدة عن أبيه عن جده قال قال صلى الله عليه وسلم "إن الله اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم وزراء وأصهاراً وأنصاراً فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً" أخرجه المخلص الذهبي وعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم "من مات من أصحابي بأرض كان نورهم وقائدهم يوم القيامة" وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أصحابي في الناس كمثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح" قال ثم يقول الحسن هيهات ذهب ملح القوم وعن ابن عباس في قوله تعالى "قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى" قال هم أصحاب محمد اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أخرجهن خيثمة بن سليمان وعن أبي صالح في قوله عز وجل "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة" قال محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أخرجه ابن السري وعن مسروق قال قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك لو قدمت رفعت فوقنا فلم نرك قال فأنزل الله تعالى "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً" وعن سعيد بن المسيب عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سألت ربي عز وجل فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء فيما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على عهدي" أخرجه نظام الملك في أماليه وفي دلالة على أن لكل مجتهد نصيباً وعن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأي من رآني وصاحبني والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رأى من رآني وصاحبني" أخرجه الحافظ السفلي في السداسيات وعن أبي برزة الأسلمي أنه دخل على زياد فقال إن من شر الرعاء الحطمة فقال له أسكت فإنك من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال يا للمسلمين وهل كان لأصحاب محمد نخالة بل كانوا لباباً كلهم والله لا أدخل عليك ما كان في روح أخرجه أبو الحسن علي بن الجعد.
شرح: الحطمة التي تأتي على كل شيء ومنه سميت النار الحطمة ومعنى شر الرعاء الحطمة أي الذي يكون عنيفاً برعية المال يحطمها يلقي بعضها على بعض ومنه قول الشاعر "قد لفها الليل بسواق حطم" وقد يستعار لأولي الأمر وهو المراد ههنا والنخالة حثالة الدقيق واللباب خالصه وعن سعد بن أبي وقاص حديث مرضه وعيادة النبي صلى الله عليه وسلم له وفيه "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم" أخرجاه وعن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً" أخرجه ابن المهتدي في مشيخته

ذكر ما جاء في فضل أهل بدر والحديبية
عن علي بن أبي طالب قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم والزبير وطلحة والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتيننا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب ابن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا فقال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون قرابتهم وأهليهم ولم يكن لي قرابة أحمي بها أهلي فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي وأهلي والله يا رسول الله ما فعلت ذلك ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه شهد بدراً وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً" فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم هذا تمام وعن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية" أخرجه الخلعي والحافظ الدمشقي في معجمه وعن أم مبشر قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها" قالت بلى يا رسول الله فانتهرها قالت حفصة وإن منكم إلا واردها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال الله ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً" أخرجه مسلم وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في قصة حاطب بن أبي بلتعة "وما يدريك لعل الله اطلع على هذه العصابة من أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" تفرد مسلم بإخراجه وسيأتي في مناقب عمر وعن جابر أن عبداً لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت لا يدخلها فقد شهد بدراً والحديبية. وعن ابن عباس قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال "يا محمداً من أفضل أصحابك عندكم فقال الذين شهدوا بدراً قال كذلك الملائكة الذين في السموات أفضلهم عندنا الذين شهدوا بدراً" أخرجه ابن بشران وعن رفاعة بن رافع قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال وذلك من شهد بدراً من الملائكة أخرجه الملاء في سيرته وعن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وخرجه الملاء في سيرته وزاد يعني بالحديبية "ولا تمس النار أحد ممن رآني أو رأى من رآني ممن آمن بي" وجملة العشرة داخلون في حكم البدريين من حضر ومن لم يحضر أعطي حكم الحاضر في الأجر والسهم على ما سنقرره في أبوابه وكذلك من غاب عن بيعة الشجرة وهو عثمان بايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال هذه لعثمان.
ذكر ما جاء في الحث على حبهم
والإحسان إليهم بالاستغفار لهم والكف عما شجر بينهم
عن عبد الله بن مسعود قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحب قوماً ولما لحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب" أخرجاه وعن أنس بن مالك قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة قال وما أعددت لها قال حب الله ورسوله قال "فإنك مع من أحببت" قال فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنك مع من أحببت قال أنس فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم أخرجه مسلم وعن أنس بن مالك أن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا أعددت لها قال ما أعددت لها من كثير أحمد عليه نفسي إلا أني أحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإنك مع من أحببت" أخرجه مسلم وعن جابر بن سمرة قال جاءنا عمر بالجابية فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في مثل مقامي هذا فقال "أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم" أخرجه المخلص الذهبي وأخرجه الحافظ ابن ناصر السلامي وقال حديث صحيح رجاله ثقات مخرج عنهم في الصحيحين وهذه توصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الإحسان إليهم بحبهم والاستغفار لهم والترحم عليهم والكف عما شجر بينهم وعن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب خطبهم بالجابية وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أكرموا أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" أخرجه أبو عمر بن السماك وإكرامهم بما تقدم من الإحسان إليهم وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحسن القول في أصحابي فقد برئ من النفاق ومن أساء القول في أصحابي كان مخالفاً لسنتي ومأواه النار وبئس المصير" أخرجه في شرف النبوة أبو سعد وفي رواية "من أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن" رواها ابن غيلان وعن عائشة قالت أمروا أن يستغفروا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسبوهم أخرجه مسلم وأبو معاوية وهذا يؤيد ما تقدم في تأويل إكرامهم والإحسان إليهم وعن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس احفظوني في أختاني وأصهاري وأصحابي لا يطالبنكم الله بمظلمة أحد منهم فإنها ليست مما يوهب يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين وإذا مات الرجل فلا تقفوا فيه إلا خيراً" أخرجه الخلعي والحافظ الدمشقي في معجمه وعن عبد الرحيم بن زيد العمي قال أخبرني أبي قال أدركت أربعين شيخاً من التابعين كلهم حدثونا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أحب جميع أصحابي وتولاهم واستغفر لهم جعله الله يوم القيامة معهم في الجنة" أخرجه ابن عرفة العبدي وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحب أصحابي وأزواجي وأهل بيتي ولم يطعن في أحد منهم وخرج من الدنيا على محبتهم كان معي في درجتي يوم القيامة" أخرجه الملاء في سيرته وعن عبد الله بن معقل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي من أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" أخرجه المخلص الذهبي وأخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في معجمه وقال "من أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" وذكر ما قبله وما بعده بمثل لفظه وهو من حديث نبيط بن شريط الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية ابن معقل من رواية الحافظ الدمشقي.
النهي عن الخوض فيما شجر بينهم
ذكر ما جاء في التحذير من الخوض فيما شجر بينهم والنهي عن سبهم
قد تقدم في الفصل الأول طرف من النهي عن سبهم وفي الثالث طرف في النهي عن الخوض فيهم عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تكون لأصحابي من بعدي زلة يغفرها الله عز وجل لهم بسابقتهم معي يعمل بها قوم ممن بعدهم يكبهم الله عز وجل في النار على مناخرهم" أخرجه تمام الرازي في فوائده قوله يعمل بها قوم من بعدهم يجود أن يريد يعملون بمثلها في الصورة فيخرجون عن الإمام بأدنى خيال يتصورونه ويعتمدون في ذلك مثل ما وقع بين الصحابة أولاً وآخراً فأبطل صلى الله عليه وسلم هذا القياس وبين الفرق بينهم وبين من بعدهم وحذر من ذلك ليكون العامل به على بصيرة من أمره لئلا يعتقد الحجة بذلك ويجوز أن يريد أن يعملوا بمقتضاها فيما جرت به عوائدهم من الوقوع فيمن يعتقدون خطأه والأخذ في عرضه فبين صلى الله عليه وسلم أن الله قد غفر لهم وتجاوز عنهم ومن كان كذلك لم يبق له ما يوجب الوقوع فيه فويل لمن ضل سبيل الرشد بالوقوع فيهم بما يوجب له ما يشهد به لسان النبوة فله الحمد أن أعاذنا من ذلك ونسأله دوام نعمته وإتمامها وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا" وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سب أصحابي وآذاهم فقد آذاني" وعن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سب أحداً من أصحابي فاجلدوه" أخرجهن خيثمة بن سليمان وأخرج الثالث ابن السماك في الموافقة
وعن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سب نبياً من الأنبياء فاقتلوه ومن سب أحداً من أصحابي فاجلدوه" أخرجه تمام في فوائده وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر" قال عبد الله وأنى إلي النبي صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم فانتهيت إلى رجلين جالسين وهما يقولان ما أراد محمد بقسمته التي قسمها وجه الله ولا الدار الآخرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فاحمر وجهه وقال "دعني عنك فقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر" أخرجه الترمذي أيضاً ذكر أحاديث تتضمن جملتها مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين العشرة وغيرهم من المهاجرين والأنصار وذكر اسمه على بعضهم عن زيد بن أبي أوفي قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فقال أين فلان بن فلان فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقدهم ويبعث إليهم حتى توافوا عنده حمد الله وأثنى عليه ثم قال "إني محدثكم حديثاً فاحفظوه وعوه وحدثوا به من بعدكم إن الله عز وجل اصطفى من خلقه خلقاً ثم تلا "الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس خلقاً يدخلهم الجنة" وإني أصطفي منكم من أحب أن أصطفيه ومؤاخ بينكم كما آخى الله عز وجل بين ملائكته فقم يا أبا بكر فاجث بين يدي فإن لك عندي يداً الله يجزيك بها فلو كنت متخذاً خليلاً لاتخذتك خليلاً فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي ثم تنحى أبو بكر ثم قال ادن يا عمر فدنا منه فقال لقد كنت شديد الشغب علينا أبا حفص فدعوت الله أن يعز الإسلام بك أو بأبي جهل ابن هشام ففعل الله ذلك بك وكنت أحبهما إلى الله فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة ثم تنحى عمر ثم آخى بينه وبين أبي بكر ثم دعا عثمان فقال ادن يا أبا عمرو ادن يا أبا عمرو فلم يزل يدنوا منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال سبحان الله العظيم ثلاث مرات ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزررها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال اجمع عطفي ردائك إلى نحرك ثم قال إن لك لساناً في أهل السماء أنت ممن يرد على حوضي وأوداجك تشخب دماً فأقول من فعل بك هذا فتقول فلان وفلان وذلك كلام جبريل إذا هاتف يهتف من السماء فقال ألا إن عثمان أمير على كل مخذول ثم تنحى عثمان ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال ادن يا أمين الله أنت أمين الله وتسمى في السماء الأمين يسلطك الله على مالك بالحق إن لك عندي دعوة وعدتكها وقد أخرتها قال خر لي يا رسول الله قال حملتني يا عبد الرحمن أمانة ثم قال إن لك شأناً يا عبد الرحمن أما إنه أكثر الله مالك وجعل يقول بيده هكذا وهكذا ووصفه لنا حسين بن محمد جعل يحثو بيده ثم تنحى عبد الرحمن ثم آخى بينه وبين عثمان ثم دعا طلحة والزبير ثم قال لهما أدنوا مني فدنوا منه فقال لهما أنتما حواري كحواري عيسى بن مريم ثم آخى بينهما ثم دعا عمار بن ياسر وسعداً وقال يا عمار تقتلك الفئة الباغية ثم دعا عويمر بن زين أبا الدرداء وسلمان الفارسي وقال يا سلمان أنت من أهل البيت وقد آتاك الله العلم الأول والآخر والكتاب الأول والكتاب الآخر ثم قال ألا أرشدك يا أبا الدرداء قال بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال إن تفتقدهم يفتقدوك وإن تركتهم لا يتركوك وإن تهرب منهم يدركوك فأقرضهم عرضك ليوم فقرك واعلم أن الجزاء أمامك ثم آخى بينه وبين سلمان ثم نظر في وجوه أصحابه فقال أبشروا وقروا عيناً أنتم أول من يرد علي الحوض وأنتم في أعلى الغرف ثم نظر إلى عبد الله بن عمر فقال الحمد لله يهدي من الضلالة من يحب فقال علي لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبى والكرامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثني بالحق ما أخزتك إلا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي قال وما أرث منك يا نبي الله قال ما ورثت الأنبياء من قبلي قال وما ورثت الأنبياء من قبلك قال كتاب ربهم وسنة نبيهم وأنت في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إخواناً على سرر متقابلين" المتحابون في الله عز وجل ينظر بعضهم إلى بعض أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأربعين
الطوال. وخرج الإمام أحمد بن حنبل في كتاب مناقب علي بن أبي طالب معنى حديث المؤاخاة مختصراً وقال كما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال علي كذا وكذا إلى آخره وأخرجه أبو سعد في شرف النبوة أو عب من هذا عن عقبة بن عامر الجهني بتغيير بعض لفظه ولم يذكر قصة علي ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر وعمر أمرت أن أواخي بينكما أنتما أخوان في الدنيا والآخرة فليسلم كل منكما على الآخر وليصافحه فأخذ أبو بكر بيد عمر ثم قال يا زبير ويا طلحة تعاليا أواخي بينكما أنتما أخوان في الدنيا والآخرة فليسلم كل منكما على صاحبه وليصافحه ففعلا ثم قال يا عبد الرحمن ويا عثمان تعاليا أمرت أن أواخي بينكما فأنتما أخوان في الدنيا والآخرة فليسلم كل واحد منكما على صاحبه وليصافحه ففعلا ثم قال لأبي بن كعب وابن مسعود مثل ذلك ففعلا ثم قال لأبي عبيدة بن الجراح وسالم مولي أبي حذيفة مثل ذلك ففعلا ثم قال لأبي الدرداء وسلمان مثل ذلك ففعلا ثم قال لسعد بن أبي وقاص وصهيب مثل ذلك ففعلا ثم قال لأبي أيوب الأنصاري ولبلال مثل ذلك ففعلا ثم آخى بين أسامة بن زيد وبين أبي هند الحجام فقال لهما مثل ذلك ففعلا ثم قال "أمرت أن أواخي بين فاطمة وأم سليم هنيئاً لأم سليم وأمرت أن أواخي بين عائشة وامرأة أبي أيوب ألا جزى الله آل أبي طلحة وآل أبي أيوب عن رسول الله خيراً" وخرج ابن إسحاق ذكر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فيما بلغنا تآخوا في الله أخوين أخوين ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال هذا أخي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي أخوين وكان حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخو بني سلمة أخوين وأبو بكر وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج أخوين وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخو بني سالم بن عوف أخوين وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل أخوين وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخو بني الحارث بن الخزرج أخوين والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش أخو بني عبد الأشهل أخوين ويقال بل الزبير وعبد الله بن مسعود حليف بني زهرة أخوين وعثمان بن عفان وأويس بن ثابت بن المنذر أخو بني النجار أخوين وطلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك أخو بني سلمة أخوين وسعيد بن زيد وأبي بن كعب أخو بني النجار أخوين ومصعب بن عمير وأبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار أخوين وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعباد بن بشر بن وقش أخو بني عبد الأشهل أخوين وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم وحذيفة بن اليمان أخو بني عبس حليف بني عبد الأشهل أخوين ويقال بل عمار وثابت بن قيس بن شماس أخو بني الحارث بن الخزرج خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين أبو ذر وهو جندب بن جنادة الغفاري والمنذر بن عمرو أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج أخوين قال ابن هشام وسمعت غير واحد من العلماء يقول أبو ذر جندب بن جنادة قال ابن إسحاق وكان حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزي وعويم بن ساعدة أخو بني عمرو بن عوف أخوين وسلمان الفارسي وأبو الدرداء عويم بن ثعلبة أخو بني الحارث بن الخزرج وبلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي ثم أحد الفرع أخوين قال ابن إسحاق فهؤلاء من سمي لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه وحديث ابن إسحاق تضمن العشرة إلا سعداً وهي المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار ليذهب عن المهاجرين وحشة الغربة ويؤنسهم بهم ليشد بعضهم أزر بعض وحديث عقبة بن عامر قبله تضمن العشرة إلا سعيد بن زيد فحصلت المؤاخاة للعشرة وهذه المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين تأنيساً وشد أزر بعض لبعض وخرج ابن إسحاق مؤاخاة المهاجرين مختصرة فقال آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر وبين عثمان وعبد الرحمن وبين طلحة والزبير وبين أبي ذر والمقداد وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات المجاشعي واختلاف هذا السياق يدل على تكرر المرات والله أعلم وعن علي قال آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وبين عبد الله بن مسعود وبين الزبير بن العوام وبين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن مالك وبيني وبين نفسه أخرجه الخلعي قال أبو عمر بن عبد البر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينير بن العوام وبين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن مالك وبيني وبين نفسه أخرجه الخلعي قال أبو عمر بن عبد البر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين بمكة ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة وقال في كل واحدة منهما لعلي أنت أخي في الدنيا والآخرة وآخى بينه وبين نفسه وأخرج الطبراني في معجمه أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين علي وعثمان ولعل ذلك بعد إخائه صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه في إحدى المرتين أو في وقت آخر واختلاف الروايات في المؤاخاة يدل على تكررها حتى يكون الواحد أخا لاثنين وثلاثة.
شرح: قوله في الحديث الأول شديد الشغب هو بتسكين الغين المعجمة تهيج الشر وهو شغب الجند ولا يقال شغب بالتحريك تقول شغبت عليهم وبهم وشغبتهم بمعنى والأوداج جمع ودج بالتحريك وهو عرق في العنق وهما ودجان فأطلق لفظ الجمع عليهما وذلك سائغ في الكلام يشخب دماً استعارة من شخب الضرع اللبن تقول منه شخب يشخب ويشخب شخباً والاسم الشخب بالضم والله أعلم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 6:37 am


الباب الثاني
ذكر العشرة وذكر الشجرة

فيما جاء متضمناً ذكر العشرة وذكر الشجرة في أنساب العشرة وفيه بيان فضيلة اجتماعهم في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المثال نظم هذه الشجرة الشريفة وبين خضرة فروعها المطري محمد بن أحمد بن خلف رحمه الله فقال:


صلاة ربي دائماً والطيبـين الـبـررة


على النبي المصطفى وآله والعشـرة

فآله من فاطـم ومـن أخـيه حـيدرة


وشيبة الحمد لهم أصل أطاب الثمـرة

وبعدهم عثمان من عبد مناف الـخـيرة


ومن قصي لحق الزبيرة مردي الكفرة

سعد المفدى من كلاب وابن عوف آزره


صديقنا وطلحة من مرة ما أشـهـره

فاروقنا من كعبهم سعيد يقـفـو أثـره


وعامر الأمين من فهر كمال العشـيرة
رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين بمحمد وآله إلى هنا متفق عليه وقد روي أن الله تعالى جمع بين أرواح العشرة قبل خلقهم وخلق من أنوارها طائراً واحداً وهو في الجنة أخرجه الملاء وغيره فجمع الله بينهم أرواحاً قبل خلقهم أشباحاً ثم جمع بينهم أشباحاً وأرواحاً في النسب والصحبة والإخاء والتوادد والتراحم في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في الجنة على ما سنذكره فالسعيد من تولى جملتهم ولم يفرق بين أحد منهم واهتدى بهديهم وتمسك بحبلهم والشقي من تعرض للخوض فيما شجر بينهم واقتحم خطر التفريق بينهم وأتبع نفسه هواها في سب أحد منهم فلله الحمد والمنة أن أعاذنا من ذلك ونسأله دوام نعمته وتمامها آمين آمين.
صحبتهم لرسول الله
ذكر ما جاء في إثبات صحبته صلى الله عليه وسلم لكل واحد منهم وإن تفاوتت مراتبهم في المحبة عن ابن مسعود قال قلت "يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت من الرجال قال أبو بكر قلت ثم من قال عمر قلت ثم من قال عثمان قلت ثم من قال ثم علي فأمسكت
فقال سل يا عبد الله عما شئت فقلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك بعد علي فقال طلحة ثم الزبير ثم سعد ثم سعيد ثم عبد الرحمن بن عوف ثم أبو عبيدة بن الجراح" أخرجه الملاء في سيرته وهو غريب والصحيح حديث عمرو بن العاص "قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت من الرجال فقال أبوها قلت ثم من قال عمر بن الخطاب فعد رجالاً أخرجه أحمد ومسلم وأبو حاتم وفي رواية بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل وفي القوم أبو بكر وعمر فحدثتني نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده فأتيت حتى قعدت بين يديه فقلت يا رسول الله من أحب الناس إليك فقال الحديث وأخرجه أبو حاتم أيضاً في فضل عائشة عن أنس ويمكن حمل المجمل على المبين ويكون المراد بالرجال هؤلاء على هذا الترتيب إلا أن الترمذي قد خرج عن عائشة أنها سئلت أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه قالت أبو بكر قيل ثم من قالت عمر قيل ثم من قالت أبو عبيدة بن الجراح وسيأتي في الباب بعده إن شاء الله تعالى إلا أنه لا يعارض هذا إن صح فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن نفسه وعائشة أخبرت عما ظهر لها بقرائن الأحوال.
ذكر ما جاء في التحذير عن بغضهم
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "معاشر المسلمين لو عبدتم الله حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتاد وصليتم حتى قف الركب منكم ثم أبغضتم واحداً من أصحابي العشرة لأكبكم الله في النار على مناخركم" أخرجه أبو سعد في شرف النبوة.
شهادة الرسول لهم بالجنة
ذكر ما جاء في شهادته صلى الله عليه وسلم للعشرة بالجنة
عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة" أخرجه أحمد والترمذي والبغوي في المصابيح في الحسان وأخرجه أبو حاتم وفيه تقديم وتأخير وقال ليس ذكر أبي عبيدة أنه في الجنة مضموناً على العشرة إلا في هذا الحديث قلت وفيما سنذكره بعد من حديث سعيد من رواية الترمذي والدارقطني ما يرده قال أعني أبا حاتم وهو هذا وعن سعيد بن زيد أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عشرة في الجنة أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص فعد هؤلاء التسعة وسكت عن العاشر فقال القوم ننشدك الله يا أبا الأعور من العاشر قال نشدتموني بالله أبو الأعور في الجنة" أخرجه الترمذي وقال قال عبد الله يعني البخاري هو أصح من الحديث الأول يعني حديث عبد الرحمن وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عشرة من قريش في الجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك وأبو عبيدة بن الجراح" قال سعيد بن المسيب ورجل آخر لم يسمه كانوا يرون أنه عنى نفسه أخرجه الدارقطني وأخرجه من طريق آخر وأخرجه الطبراني في معجمه عن ابن عمر وقال وسعيد بن زيد وعن أبي ذر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة فقال "يا عائشة ألا أبشرك قالت بلى يا رسول الله قال أبوك في الجنة ورفيقه إبراهيم وعمر في الجنة ورفيقه نوح وعثمان في الجنة ورفيقه أنا وعلي في الجنة ورفيقه يحيى بن زكريا وطلحة في الجنة ورفيقه داود والزبير في الجنة ورفيقه إسماعيل وسعد بن أبي وقاص في الجنة ورفيقه سليمان بن داود عليه السلام وسعيد بن زيد في الجنة موسى بن عمران وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ورفيقه عيسى بن مريم وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ورفيقه إدريس عليه السلام ثم قال يا عائشة أنا سيد المرسلين وأبوك أفضل الصديقين وأنت أم المؤمنين" أخرجه الملاء في سيرته.
الفصل الرابع
في وصف كل واحد من العشرة بصفة حميدة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأقواهم في دين الله عمر وأشدهم حياء عثمان وأقضاهم علي بن أبي طالب ولكل نبي حواري وحواريي طلحة والزبير وحيث ما كان سعد بن أبي وقاص كان الحق معه وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وأمين رسوله ولكل نبي صاحب سر وصاحب سري معاوية بن أبي سفيان فيمن أحبهم فقد نجا ومن أبغضهم فقد هلك" أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر أنهم من الذين سبقت لهم منا الحسنى
عن علي رضي الله عنه أنه لما قرأ "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى" قال أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان إلى تمام العشرة ذكره أبو الفرج في أسباب النزول.

الباب الثالث
في ذكر ما دون العشرة من العشرة

وإن انضم إليهم غيرهم غير مختص بالأربعة الخلفاء أو بعضهم
ذكر ما جاء في إثبات الصديقية لبعضهم والشهادة لبعضهم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة بن الزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اسكن حراً فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" وفي رواية وسعد بن أبي وقاص ولم يذكر علياً أخرجهما مسلم وانفرد بإخراجه وأخرجه الترمذي في مناقب عثمان ولم يذكر سعداً وقال اهدأ مكان اسكن وقال حديث صحيح وأخرجه الترمذي أيضاً عن سعيد بن زيد وذكر أنه كان عليه العشرة إلا أبا عبيدة وقال أثبت حراً الحديث وأخرجه الخلعي عنه ولفظه أنه قال تأمروني بسب إخواني بل صلى الله عليهم أو قال غفر الله لهم ثم ذكر أنه كان على حراء فتحرك فقال صلى الله عليه وسلم "اسكن حراً" وذكر معناه وذكر أنه كان عليه العشرة إلا أبا عبيدة وأخرجه الحربي عن ابن عباس ولفظه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء فتزلزل الجبل فقال صلى الله عليه وسلم أثبت حراً فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وذكر العشرة إلا أبا عبيدة وأخرجه الحافظ إسحاق بن إبراهيم البغدادي فيما رواه الكبار عن الصغار والآباء عن الأبناء عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وسعداً وسعيداً كانوا يعني على حراء فتحرك الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اسكن حراً فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد فسكن حراء" وسيأتي في مناقب الثلاثة نحو هذا الفصل فيهم في أجبل مختلفة واختلاف الروايات محمول على قضايا متكررة والله أعلم ألا ترى إلى اختلاف الكائنين على الجبل في كل رواية إثبات الصديقية لأبي بكر ظاهر وبها اشتهر إثبات الشهادة للخمسة الذين تضمنهم الحديث الأول ظاهرة فإنهم قتلوا شهداء والثلاثة الأخر الذين تضمنتهم باقي الأحاديث لم يقتلوا فلعلهم داخلون في الصديقية أو شهداء بمعنى آخر غير القتل والله أعلم.
ذكر ما جاء في دخوله صلى الله عليه وسلم ورؤيته أهلها ووزنه بأمته ووزن بعض العشرة واستبطائه عبد الرحمن بن عوف
عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أدخلت الجنة فسمعت فيها خسفة بين يدي فقلت ما هذا قال بلال فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر أحداً أقل من الأغنياء والنساء قيل لي أما الأغنياء فهم ههنا بالباب يحاسبون وأما النساء فألهاهن الأحمران الذهب والحرير ثم خرجنا من أحد أبواب الثمانية فلما كنت عند الباب أتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت أمتي في كفة فرجحت بها ثم أتي بأبي بكر فوضع في كفة وجيء بجميع أمتي فوضعت في كفة فرجح أبو بكر ثم أتي بعمر فوضع في كفة وجيء بجميع أمتي فوضعت في كفة فرجح عمر ثم عرضت على أمتي رجلاً رجلاً فجعلوا يمرون فاستبطأت عبد الرحمن بن عوف ثم جاء بعد اليأس فقال بأبي وأمي يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما خلصت إليك حتى ظننت أني لا أنظر إليك إلا بعد المشيبات قال وما ذاك قال من كثرة مالي أحاسب أخرجه أحمد الخسفة الحس والحركة.
ذكر ما جاء في وصف جماعة منهم
ومن غيرهم بأنهم الرفقاء النجباء
عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن كل نبي أعطي سبعة نجباء رفقاء أو قال رقباء وأعطيت أنا أربعة عشر قلنا من هم قال أنا وابناي وجعفر وحمزة وأبو بكر وعمر ومصعب بن عمير وبلال وسلمان وعمار وعبد الله بن مسعود" أخرجه الترمذي وأخرجه تمام في فوائده ولفظه عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه لم يكن قبلي نبي إلا وأعطي سبعة نجباء وزراء ورفقاء وإني أعطيت أربعة عشر حمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين سبعة من قريش وابن مسعود وعمار وحذيفة وأبو ذر والمقداد وبلال" اتفق الحديثان على أعداد قريش وزاد الترمذي مصعب بن عمير واختلفا فيما سواهم فذكر الترمذي خمسة لم يذكر فيهم حذيفة ولا أبا ذر ولا المقداد وذكر علقمة هؤلاء الثلاثة وابن مسعود وعماراً وبلالاً ولم يذكر مصعباً ولا سلمان فيجتمع من الخبرين خمسة عشر وكل واحد منهما لم يستكمل الأربعة عشر التي تضمنها أول الحديث بل ذكر الترمذي اثني عشر وتمام ثلاثة عشر وقد خرج أحمد في المناقب الحديث عن علي أيضاً واستوعب في التفصيل ما ذكره في الجملة ولفظه قيل له من هم قال أنا وابناي الحسن والحسين وحمزة وجعفر وعقيل وأبو بكر وعمر وعثمان والمقداد وسلمان وعمار وطلحة والزبير فذكر أحد عشر من قريش وثلاثة من غيرهم وأخرجه ابن السمان في الموافقة عنه أيضاً مستوعباً في التفصيل عدد الجملة لكنه مغاير لحديث أحمد ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من نبي إلا أعطي سبعة نجباء رفقاء وأعطيت أربعة عشر سبعة من قريش علي والحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وسبعة من المهاجرين عبد الله بن مسعود وسلمان وأبو ذر والمقداد وحذيفة وعمار وبلال" وفي رواية أربعة عشر أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر وابن مسعود وبلال وعمار وأبو ذر وسلمان وساغ دخول فاطمة في لفظ الذكور تغليباً للتذكير فإنها مغمورة بهم وذلك سائغ في الكلام ومنه كذبت قوم لوط وأمثاله وفيهم النساء واللفظ للمذكر خاصة فذكر في قريش أربعة لم يتضمنهم الحديثان وطلحة والزبير وعقيل فيجمع من مجموع الأحاديث الأربعة عشر أبو بكر عثمان وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجعفر وعقيل وحمزة وطلحة والزبير ومصعب بن عمير ثلاثة عشر من قريش وابن مسعود وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد وبلال وحذيفة.
ذكر ما جاء في تخصيص أبي بكر بأنه لم يسؤه قط
وإثبات رضاه صلى الله عليه وسلم بجمع منهم ومن غيرهم.
عن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال "يا أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك يا أيها الناس إني راض عن عمر وعثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن مالك وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الأولين فاعرفوا لهم ذلك" أخرجه الخلعي والحافظ الدمشقي في معجمه
ذكر ما جاء في وصف جمع كلا بصفة حميدة
ج عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرأهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" أخرجه أبو حاتم والترمذي وقال غريب وأخرجه الطبراني وقال "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأرفق أمتي لأمتي عمر وأقضى أمتي علي بن أبي طالب ثم ذكر معنى ما بقي"
ذكر ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم عن عدد بأن كل واحد منهم نعم الرجل
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح نعم الرجل معاذ بن جبل نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح" أخرجه أبو حاتم وأخرجه الترمذي وزاد نعم الرجل أسيد بن حضير نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس وقدم بعضاً وأخر بعضاً وقال حديث حسن.
شرح: نعم وبئس فعلان ماضيان لا يتصرفان تصرف الأفعال لأنهما استعملا للحال بمعنى الماضي فنعم مدح وبئس ذم وفيهما أربع لغات فتح أولهما وكسر الثاني وكسرهما على الإتباع وتسكين الثاني مع كسر الأول وفتحه.

ذكر ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم عن جمع أنه يحب الله ورسوله وصلاته عليهم
عن أبي يخامر السكسكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اللهم صل على أبي بكر فإنه يحبك ويحب رسولك اللهم صل علي عمر فإنه يحبك ويحب رسولك اللهم صل على عثمان فإنه يحبك ويحب رسولك اللهم صل على أبي عبيدة بن الجراح فإنه يحبك ويحب رسولك اللهم صل على عمرو بن العاص فإنه يحبك ويحب رسولك" أخرجه الخلعي.
ذكر ما جاء في أحبية بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم
عن شقيق قال قلت لعائشة رضي الله عنها أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله قالت أبو بكر قلت ثم من قالت عمر قلت ثم من قالت أبو عبيدة بن الجراح قلت ثم من فسكتت أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح.
ذكر ما جاء في دعائه صلى الله عليه وسلم لجمع منهم كل واحد بدعاء يخصه ويليق بحاله
عن الزبير بن العوام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم إنك باركت لأمتي في صحابتي فلا تسلبهم البركة وأجمعهم على أبي بكر ولا تنشر أمره فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره اللهم وأعز عمر بن الخطاب وصبر عثمان ووفق علياً واغفر لطلحة وثبت الزبير وسلم سعداً ووقر عبد الرحمن وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان" أخرجه الحافظ الثقفي وأخرجه الواحدي مسنداً وزاد بعد قوله فلا تسلبهم البركة وباركت لأصحابي في أبي بكر ولا تسلبهم البركة واجمعهم عليه.
ذكر ما جاء في سؤاله صلى الله عليه وسلم الجنة لجمع منهم ومن غيرهم
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سألت ربي عز وجل لأصحابي الجنة فأعطانيها البتة" أخرجه أبو الخير الحاكمي القزويني قال أبو عمر في الاستيعاب وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال "سألت ربي عز وجل أن لا يدخل النار أحداً صاهرني أو صاهرت إليه وقد دخل في هذه الفضيلة جمع من قريش وأرجو أن تكون ثابتة إلى يوم القيامة فيمن صاهره في أحد من ذريته.
ذكر ما جاء في بيان مراتب جمع منهم في الجنة
عن ابن أبي أوفي قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أصحاب محمد لقد أراني الله عز وجل منازلكم الليلة وقرب منازلكم من منزلي ثم التفت إلى علي وقال يا علي أما ترضى أن يكون منزلك بحذاء منزلي كما يتواجه منزل الأخوين قال بلى يا رسول الله ثم بكى ثم أقبل على أبي بكر وقال إني لأعرف اسم رجل واسم أبيه واسم أمه إذا دخل الجنة لم يبق غرفة من غرفها ولا شربة من شرابها إلا قالت مرحباً مرحباً فقال سلمان يا رسول الله إن هذا لغير خائب قال ذاك أبو بكر بن أبي قحافة ثم أقبل على عمر فقال يا أبا حفص لقد رأيت قصراً في الجنة من جوهرة بيضاء شرفها لؤلؤ أبيض قلت لرضوان لمن هذا قال لفتى من قريش فظننت أنه لي فقال هو لعمر بن الخطاب فما منعني أن أدخله إلا معرفتي بغيرتك يا أبا حفص فبكى عمر وقال بأبي أنت وأمي أعليك أغار يا رسول الله ثم التفت على عثمان وقال يا عثمان إن لكل نبي رفيقاً وأنت رفيقي في الجنة ثم التفت إلى عبد الرحمن فقال يا أبا عبد الله ما بطأ بك عني من بين أصحابي فما حسبك فقال يا رسول الله ما زلت أسأل عن مالي من أين أصبته وفي أي شيء أنفقته حين ظننت أني لا أراك قال عبد الرحمن مائة راحلة جاءت من مصر عليها تجارة أشهدك أنها بين أرامل أهل المدينة وأيتامها لعل الله عز وجل أن يخفف عني ثم التفت إلى طلحة والزبير فقال إن لكل نبي حواري وحواريي أنتما" أخرجه القاضي أبو بكر يوسف بن فارس.
ذكر إثبات فضل لبعضهم في الثبوت معه يوم الجمعة حين انفض القوم
عن حابر قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم قائم يوم الجمعة إذ قدمت إلى المدينة قافلة فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق معه إلا اثني عشر رجلاً منهم أبو بكر وعمر أخرجه مسلم.
ذكر ما جاء دليلاً على تأهل بعضهم للخلافة
عن عائشة وقد سئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلف قالت أبو بكر فقيل لها ثم من قالت عمر فقيل لها ثم من بعد عمر قالت أبو عبيدة بن الجراح ثم انتهت إلى هذا أخرجه مسلم.
ذكر ما جاء من آي نزلت في جمع منهم ومن غيرهم
عن عائشة في قوله تعالى "الذين استجابوا لله والرسول" قالت نزلت في سبعين رجلاً منهم أبو بكر والزبير انتدبوا حين ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد لاتباعهم ذكره الواحدي وأبو الفرج وغيرهما وعن عطاء في قوله تعالى "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا"الآية قال نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وأبي عبيدة ومصعب بن عمير وسالم وأبي سلمة والأرقم بن أبي الأرقم وعمار وبلال أخرجه أبو الفرج في أسباب النزول وعن ابن عباس في قوله تعالى "ونزعنا ما في صدورهم من غل" الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وعبد الله بن مسعود أخرجه خيثمة بن سليمان وعن أبي صالح نحوه وعن أبي جعفر قال نزلت في أبي بكر وعمر وعلي قيل له فأي غل هو قال غل الجاهلية كان بين بني هاشم وبني تيم وبين عدي شيء في الجاهلية فما أسلم هؤلاء تحابوا وعن الحسن بن علي نزلت في أهل بدر وعن ابن عباس في قوله تعالى "فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" قال لما أسلم أبو بكر جاءه عبد الرحمن بن عوف وعثمان وطلحة والزبير وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص وسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا فنزلت "فبشر عباد الذين يستمعون القول" قول أبي بكر "فيتبعون أحسنه" وعن الضحاك في قوله تعالى "والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون" الآية قال هم ثمانية أبو بكر وعلي وزيد وطلحة والزبير وسعد وحمزة وعمر تاسعهم ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته وقال مجاهد كل من آمن بالله فهو صديق وتلا الآية وقال مقاتل هم الذين لم يشكوا في الرسل حين أخبروهم ولم يكذبوهم ساعة ذكر ذلك كله الواحدي وأبو الفرج في أسباب النزول وعن جعفر بن محمد عن آبائه في قوله تعالى "محمد رسول الله والذين معه" أبو بكر "أشداء على الكفار"عمر "رحماء بينهم" عثمان "تراهم ركعاً سجداً" علي بن أبي طالب "يبتغون فضلاً من الله ورضواناً" طلحة والزبير "سيماهم في وجوههم" سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف أخرجه ابن السمان في الموافقة وعن ابن مسعود في قوله تعالى "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله" الآية نزلت في أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز فقال يا رسول الله دعني أكون أول الرعيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي وبصري" وفي عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وفي علي وحمزة قتلا شيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة يوم بدر وفي أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد ومصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد وذلك قوله "ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم" أخرجه الواحدي وأبو الفرج.
شرح: الرعيل: جماعة الخيل وكذلك الرعلة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 6:40 am


الباب الرابع
فيما جاء مختصاً بالأربعة الخلفاء

ذكر اختصاصهم باختيار الله تعالى إياهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين واختار لي من أصحابي أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً فجعلهم خير أصحابي وفي أصحابي كلهم خير واختار أمتي على الأمم واختار من أمتي أربعة قرون الأول والثاني والثالث والرابع أخرجه البزار في مسنده حكاه عنه عبد الحق في الأحكام وأخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة مختصراً وقال اختار أصحابي على جميع العالمين الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين.
ذكر أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتخذ كلاً منهم لمعنى ووصف محبهم بالإيمان ومبغضهم بالفجور والتنبيه على خلافتهم
عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا علي إن الله أمرني أن أتخذ أبا بكر وزيراً وعمر مشيراً وعثمان سنداً وإياك ظهيراً أنتم أربعة فقد أخذ الله ميثاقكم في أم الكتاب لا يحبكم إلا مؤمن ولا يبغضكم إلا فاجر أنتم خلائف نبوتي وعقدة ذمتي وحجتي على أمتي لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تعاقوا أخرجه ابن السمان في الموافقة وأخرجه أيضاً من طريق آخر عن حذيفة. وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أخرجه ابن السمان وابن الناصر السلامي. وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبهم يعني الأربعة أولياء الله ويبغضهم أعداء الله أخرجه الملاء.
ذكر وصف النبي لكل واحد منهم
ذكر وصفه صلى الله عليه وسلم لكل واحد منهم وثنائه عليه ودعائه له والحث على محبته ولعن مبغضه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وزيري والقائم في أمتي بعدي وعمر حبيبي وينطق على لساني وعثمان مني وعلي أخي وصاحب لوائي أخرجه ابن السمان في الموافقة. وعن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وصحبني في الغار وأعتق بلالاً من ماله رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً تركه الحق وماله صديق رحم الله عثمان تستحيي منه الملائكة رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه حيث دار أخرجه الترمذي والخلعي وابن السمان. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال مالي أراكم تختلفون في أصحابي أما علمتم أن حبي وحب أهل بيتي وحب أصحابي فرضه الله تعالى على أمتي إلى يوم القيامة ثم قال أين أبو بكر قال هأنا ذا يا رسول الله قال ادن مني فضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ورأينا دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم تجري على خده ثم أخذ بيده وقال بأعلى صوته معاشر المسلمين هذا أبو بكر الصديق هذا شيخ المهاجرين والأنصار هذا صاحبي صدقني حين كذبني الناس وآواني حين طردوني واشترى لي بلالاً من ماله فعلى مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين والله منه بريء فمن أحب أن يبرأ من الله ومني فليبرأ من أبي بكر الصديق وليبلغ الشاهد منكم الغائب ثم قال له اجلس يا أبا بكر فقد عرف الله ذلك لك. ثم قال صلى الله عليه وسلم أين عمر بن الخطاب فوثب إليه عمر فقال ها أنا ذا يا رسول الله فقال ادن مني فدنا منه فضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ورأينا دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم تجري على خده ثم أخذ بيده وقال بأعلى صوته معاشر المسلمين هذا عمر بن الخطاب هذا شيخ المهاجرين والأنصار هذا الذي أمرني الله أن أتخذه ظهيراً ومشيراً هذا الذي أنزل الله الحق على قلبه ولسانه ويده هذا الذي تركه الحق وماله من صديق هذا الذي يقول الحق وإن كان مراً هو الذي لا يخاف في الله لومة لائم هو الذي يفرق الشيطان من شخصه هو سراج أهل الجنة فعلى مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين والله منه بريء وأنا منه بريء. ثم قال أين عثمان بن عفان فوثب عثمان وقال ها أنا ذا يا رسول الله فقال ادن مني فدنا منه فضمنه إلى صدره وقبل بين عينيه ورأينا دموعه تجري على خده ثم أخذ بيده وقال يا معاشر المسلمين هذا عثمان بن عفان هذا شيخ المهاجرين والأنصار هذا الذي أمرني الله أن أتخذه سنداً وختناً على ابنتي ولو كان عندي ثالثة لزوجتها إياه هذا الذي استحيت منه ملائكة السماء فعلى مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين. ثم قال أين علي بن أبي طالب فوثب إليه وقال ها أنا ذا يا رسول الله قال ادن مني فدنا منه فضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ودموعه تجري على خده وقال بأعلى صوته معاشر المسلمين هذا شيخ المهاجرين والأنصار هذا أخي وابن عمي وختني هذا لحمي ودمي وشعري هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة هذا مفرج الكرب عني هذا أسد الله وسيفه في أرضه على أعدائه فعلى مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين والله منه بريء وأنا منه بريء فمن أحب أن يبرأ من الله ومني فليبرأ من علي بن أبي طالب وليبلغ الشاهد منكم الغائب ثم قال اجلس يا أبا الحسن فقد عرف الله لك ذلك أخرجه أبو سعد في شرف النبوة.
ذكر افتراض محبتهم
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله افترض عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج فمن أنكر فضلهم فلا تقبل منه الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج أخرجه الملاء في سيرته. وعن محمد بن وزير قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فدنوت منه فقلت السلام عليك يا رسول الله فقال لي وعليك السلام يا محمد بن وزير لك حاجة فقلت نعم يا رسول الله أنا شيخ خفيف البضاعة كثير العيال أريد أن تعلمني دعوات أدعو بها في سفري وفي حضري وأستعين بها على أموري فقال لي اقعد هو ذا عليك ثلاث دعوات فادع بها في كل وقت شدة وفي دبر كل صلاة قال فقال لي قل يا قديم الإحسان ويا من إحسانه فوق كل إحسان ويا مالك الدنيا والآخرة ثم التفت فقال اجتهد أن تموت على الإسلام والسنة وعلى حب هؤلاء هذا أبو بكر وهذا عمر وهذا عثمان وهذا علي فإنه لا تمسك النار أخرجه الصابوني.
ذكر التنظير بين كل واحد وبين نبي من الأنبياء
عليهم السلام
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نبي إلا وله نظير من أمتي فأبو بكر نظير إبراهيم وعمر نظير موسى وعثمان نظير هارون وعلي بن أبي طالب نظيري أخرجه الخلعي والملاء في سيرته.
ذكر أن أبا بكر وعمر خلقا من طينة واحدة
وأن عثمان وعلياً كذلك
عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق أبو بكر وعمر من طين واحد وخلق عثمان وعلي من طين واحد أخرجه في فضائل عمر.
ذكر أنهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلقوا من عصارة تفاحة من الجنة
عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أخبرني جبريل أن الله تعالى لما خلق آدم وأدخل الروح في جسده أمرني أن آخذ تفاحة من الجنة فأعصرها في فيه فعصرتها في فمه فخلقك الله من النقطة الأولى أنت يا محمد ومن الثانية أبا بكر ومن الثالثة عمر ومن الرابعة عثمان ومن الخامسة علياً فقال آدم من هؤلاء الذين أكرمتهم فقال الله تعالى هؤلاء خمسة أشباح من ذريتك وقال هؤلاء أكرم عندي من جميع خلقي قال فلما عصى آدم ربه قال رب بحرمة أولئك الأشباح الخمسة الذين فضلتهم إلا تبت علي فتاب الله عليه.
ذكر أنهم والنبي صلى الله عليه وسلم كانوا أنواراً قبل خلق آدم ووصف كل منهم بصفة والتحذير عن سبهم
عن محمد بن إدريس الشافعي بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنواراً على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام فلما خلق أسكنا ظهره ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة إلى أن نقلني الله إلى صلب عبد الله ونقل أبا بكر على أبي قحافة ونقل عمر إلى صلب الخطاب ونقل عثمان إلى صلب عفان ونقل علياً إلى صلب أبي طالب ثم اختارهم لي أصحاباً فجعل أبا بكر صديقاً وعمر فاروقاً وعثمان ذا النورين وعلياً وصياً فمن سب أصحابي فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أكبه في النار على منخره أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر أنه أول من تنشق عنه الأرض بعد النبي صلى الله عليه وسلم
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم آتي أهل البقيع ثم أنتظر أهل مكة فتنشق عنهم ثم تقوم الخلائق أخرجه الملاء.
ذكر مراتبهم في الحساب يوم القيامة
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال سمعت أبا بكر الصديق يقول للنبي صلى الله عليه وسلم من أول من يحاسب قال أنت يا أبا بكر قال ثم من قال عمر قال ثم من قال علي فعثمان قال سألت ربي أن يهب لي حسابه فلا يحاسبه فوهب لي أخرجه الخجندي. وقال قال أبو بكر الحافظ البغدادي وفي رواية أخرى قضي لي حاجة سراً فسألت الله أن يجعل حسابه سراً قلت ولا تصادر بين الروايتين بل تحمل الأولى على أنه سأله أن لا يحاسبه جهراً بين الناس فوهب له ذلك وجمعا بين هذا وبين ما ورد في حق أبي بكر من بعض الطرق أنه لا يحاسب وسيأتي في خصائصه ويكون بمعنى أول من يحاسب أول من يبعث للحساب لأنه أول من تنشق عنه الأرض كما تقدم ثم لا يحاسب.
ذكر تبشيره صلى الله عليه وسلم الأربعة
عن أبي حذيفة قال طلبت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته في حائط من حوائط المدينة نائماً تحت شجرة أو نخلة فكرهت أن أوقظه فوجدت عسيباً فكسرته فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي أبشر بالجنة والثاني والثالث والرابع قال فجاء أبو بكر فاستأذن من وراء الحائط فرد السلام وبشره بالجنة ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك وبشره بالجنة ثم جاء عثمان ففعل مثل ذلك وبشره بالجنة ثم جاء علي ففعل مثل ذلك أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في معجمه.
شرح: العسيب واحد العسب وهي سعف النخل وأهل العراق يسمونه الجريد. وعن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم برجالكم من أهل الجنة قلنا بلى يا رسول الله قال النبي في الجنة والصديق في الجنة والشهيد في الجنة والذي يزور أخاه في الله في الجنة أخرجه خيثمة بن سليمان وقد ثبتت الصديقية لأبي بكر والشهادة للثلاثة.

ذكر كيفية دخولهم الجنة مع النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من باب المدينة متكئاً على أبي بكر وشماله على عمر وعثمان آخذ بطرف ثوبه وعلي بين يديه فقال هكذا ندخل الجنة فمن فرق فعليه لعنة الله.
ذكر أن كل واحد منهم بركن من أركان الحوض يوم القيامة
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوضي أربعة أركان الركن الأول في يدي أبي بكر الصديق والثاني في يدي عمر الفاروق والثالث في يدي عثمان ذي النورين والرابع في يدي علي بن أبي طالب فمن كان محباً لأبي بكر ومبغضاً لعمر لا يسقيه أبو بكر ومن كان محباً لعلي مبغضاً لعثمان ذي النورين لا يسقيه علي ومن أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استبان بنور الله ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى أخرجه أبو سعد في شرف النبوة ورواه الغيلاني وقال في يد مكان يدي وقال ومن أحسن القول مكان أحب في الأربعة.
ذكر اختصاص كل منهم يوم القيامة بخصوصية شريفة
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناد يوم القيامة من تحت العرش أين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فيؤتي بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فيقال لأبي بكر قف على باب الجنة فأدخل من شئت برحمة الله ودع من شئت بعلم الله ويقال لعمر بن الخطاب قف عند الميزان فثقل من شئت برحمة الله وخفف من شئت بعلم الله ويكسى عثمان حلتين ويقال له البسهما فإني خلقتهما أو ادخرتهما حين أنشأت خلق السموات والأرض ويعطى علي بن أبي طالب عصا عوسج من الشجرة التي غرسها الله تعالى بيده في الجنة فيقال ذد الناس عن الحوض فقال بعض أهل العلم لقد ساوى الله تعالى بينهم في الفضل والكرامة رواه ابن غيلان.
ذكر إثبات أسمائهم على العرش
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بما على العرش مكتوب قلنا بلى يا رسول الله قال على العرش مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان الشهيد علي الرضا أخرجه أبو سعد في شرف النبوة.
ذكر إثبات أسمائهم في لواء الحمد
عن ابن عباس قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لواء الحمد فقال له ثلاث شقاق كل شق منها ما بين السماء والأرض على الشقة الأولى مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم وفاتحة الكتاب وعلى الثانية لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلى الثالثة أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين علي المرتضى أخرجه الملاء.
ذكر ما جاء متضمناً الدلالة على خلافة الأربعة
قد تقدم في الذكر الثاني من هذا الباب طرف من ذلك وعن سفينة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً قال أمسك خلافة أبي بكر سنتين وخلافة عمر عشر سنين وخلافة عثمان اثنتي عشرة وخلافة علي ستاً قال علي بن الجعد قلت لحماد سفينة القائل أمسك قال نعم أخرجه أبو حاتم وهذا مغاير لما ذكره أهل التاريخ في خلافة علي وأنها أربع سنين وثمانية أشهر والصحيح في مدة ولاية الأربعة أنها تسع وعشرون سنة وثلاثة أيام سنتان وثلاثة أشهر وعشرة أيام خلافة أبي بكر وعشر سنين وستة أشهر وخمسة أيام خلافة عمر واثنتا عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً خلافة عثمان وأربع سنين وثمانية أشهر خلافة علي فإما أن يكون أطلق على ذلك ثلاثين لقربه منها أو يكون مدة ولاية الحسن محسوبة منها وهي تكملتها. وعن سهل بن أبي حيثمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وإن الخلفاء من بعدي أربعة والخلافة بعدي ثلاثون سنة نبوة ورحمة ثم خلافة ثم ملك ثم جبرية وطواغيت ثم عدل وقسط ألا إن خير هذه الأمة أولها وآخرها أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي. وعن علي بن أبي طالب قال إن الله فتح هذه الخلافة على يدي أبي بكر وثناه عمر وثلثه عثمان وختمها بي بخاتمة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعنه قال ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا حتى عهد إلي أن أبا بكر يلي الأمر بعده ثم عمر ثم عثمان ثم إلي فلا يجتمع علي. وعنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسر إلي أن أبا بكر سيتولى بعده ثم ذكر معنى ما تقدم ولم يقل فلا يجتمع علي قلت وهذا الحديث تبعد صحته لتخلف علي عن بيعة أبي بكر ستة أشهر ونسبته إلى نسيان الحديث في مثل هذه المدة بعيد ثم توقفه في أمر عثمان على التحكم مما يؤيد ذلك ولو كان عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لبادر ولم يتوقف وعن أبي بكر الهذلي عن من أخبره عن الأشياخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر كيف أنت يا أبا بكر إن وليت الأمر بعدي قال قبل ذلك أموت يا رسول الله قال فأنت يا عمر قال عمر هلكت إذاً قال فأنت يا عثمان قال آكل فأطعم وأقسم فلا أظلم قال فأنت يا علي قال آكل القوت وأخفض الصوت وأقسم التمرة وأحمي الجمرة قال كلكم سيلي وسيرى الله عملكم خرج الأربعة ابن السمان في كتاب الموافقة. وعن سمرة بن جندب أن رجلاً قال يا رسول الله إني رأيت كأن دلواً دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شرباً ضعيفاً ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح منها عليه شيء فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت أخرجه الخجندي.
شرح: العراقي أعواد يخالف بينها ثم تشتد في عرى الدلو واحدتها عرقوة وقوله تضلع أي استوفى من الشرب حتى امتلأت أضلاعه رياً وانتشاط الدلو اضطرابها حتى ينتضح ماؤها وقوله شرباً ضعيفاً إشارة إلى قصر مدته وهي سنتان وعمر عشر سنين وذلك معنى تضلعه والانتشاط إشارة إلى اضطراب الأمر والاختلاف عليه.

ذكر آي نزلت فيهم
عن ابن عباس في قوله تعالى: "ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه" الزرع محمد صلى الله عليه وسلم وشطأه أبو بكر فآزره عمر فاستغلظ بعثمان فاستوى بعلي رضي الله عنهم أجمعين أخرجه الجوهري وعبد الله في أماليه. وعن أبي بن كعب قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة والعصر فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أفديك ما تفسيرها قال والعصر قسم من الله تعالى بآخر النهار عن الإنسان لفي خسر أبو جهل بن هشام إلا الذين آمنوا أبو بكر الصديق وعملوا الصالحات عمر بن الخطاب وتواصوا بالحق عثمان بن عفان وتواصوا بالصبر علي بن أبي طالب أخرجه الواحدي.
ذكر أفضلية الأربعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ابن عمر قال كنا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً خرجه أبو الحسن الحزي. وعن الأصبغ بن نباتة قال قلت لعلي يا أمير المؤمنين من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر قلت ثم من قال ثم عثمان قلت ثم من قال أنا خرجه أبو القاسم بن كتابه. وعن علي أنه خطب خطبة طويلة وقال في آخرها واعلموا أن خير الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عثمان ذو النورين ثم أنا وقد رميت بها في رقابكم ووراء ظهوركم فلا حجة لكم علي خرجه ابن السمان في الموافقة. وعن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله خلفائي قالوا ومن خلفاؤك يا رسول الله قال الذين يأتون من بعدي يرون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس خرجه نظام الملك واللفظ له وإن كان عاماً لكن تخصه قرينة التعليم وعلى الجملة فحمله عليهم أقرب من تعميمه والله أعلم.
ذكر ثناء ابن عباس على الأربعة
عن ابن عباس وقد سئل عن أبي بكر فقال كان رحمه الله للقرآن تالياً وللشر قالياً وعن المنكر ناهياً وبالمعروف آمراً ولله صابراً وعن الميل إلى الفحشاء ساهياً وبالليل قائماً وبالنهار صائماً وبدين الله عارفاً ومن الله خائفاً وعن المحارم جانفاً وعن الموبقات صارفاً فاق أصحابه ورعاً وقناعة وزاد براً وأمانة فأعقب الله من طعن عليه الشقاق إلى يوم التلاق قيل وما كان نقش خاتمه حين ولي الأمر قال نقش عليه عبد ذليل لرب جليل قيل له فما تقول في عمر قال رحمة الله على أبي حفص كان والله حليف الإسلام ومأوى الأيتام ومحل الإيمان ومنتهى الإحسان ونادي الضعفاء ومعقل الخلفاء كان للحق حصناً وللناس عوناً قام بحق الله صابراً محتسباً حتى أظهر الدين وفتح الديار وذكر الله عز وجل على التلال والبقاع وقوراً لله في الرخاء والشدة شكوراً له في كل وقت فأعقب الله من يبغضه الندامة إلى يوم القيامة قيل فما نقش خاتمه حين ولي الأمر قال نقش عليه الله المعين لمن صبر. قيل فما تقول في عثمان قال رحمة الله على أبي عمرو كان والله أفضل البررة وأكرم الحفدة كثير الاستغفار هجاداً بالأسحار سريع الدموع عند ذكر النار دائم الفكر فيما يعنيه بالليل والنهار مبادراً إلى كل مكرمة وساعياً إلى كل منجية فراراً من كل مهلكة وفياً نقياً حفياً مجهز جيش العسرة وصاحب بئر رومة وختن المصطفى صلى الله عليه وسلم فأعقب الله من قتله البعاد إلى يوم التناد قيل فما نقش خاتمه حين ولي الأمر قال نقش عليه اللهم أحيني سعيداً وأمتني شهيداً فوالله لقد عاش سعيداً ومات شهيداً قيل فما تقول في علي قال رحمة الله على أبي الحسن كان والله علم الهدى وكهف التقي وطود النهى ومحل الحجى وعين الندا ومنتهى العلم للورى ونوراً أسفر في ظلم الدجى وداعياً إلى المحجة العظمى مستمسكاً بالعروة الوثقى أتقي من تقمص وارتدى وأكرم من شهد النجوى بعد محمد المصطفى وصاحب القبلتين وأبا السبطين وزوجاته خير النساء فما يفوقه أحد لم تر عيناي مثله ولم أسمع بمثله في الحرب خيالاً وللأقران قتالاً وللأبطال شغالاً فعلى من يبغضه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد قيل فما نقش خاتمه حين ولي الأمر قال نقش عليه الله الملك خرجه بكماله الأصفهاني وأبو الفتح القواس.
شرح: الموبقات المهلكات تقول منه وبق يبق ووبق يوبق ولغة ثالثة وهي وبق يبق بالكسر الجوهري إذا هلك يريد أنه يصرف نفسه عما يوجب الهلاك من المعصية النادي والندى والمنتدى المجلس ومنه وأحسن ندياً والمعقل الملجأ وقوراً أي معظماً والوقار العظمة ومنه لا ترجون لله وقاراً. والوقار أيضاً الرزانة والحكم تقول فيه وقر يقر وقاراً ووقراً فهو وقور الحفدة الأعوان يقال لكل من عمل عملاً أطاع فيه حافد ومنه وإليك نسعى ونحفد: أبو عبيد أصل الحفد العمل والخدمة والحفدة أيضاً أولاد الأولاد والحفدة الأختان وهي هنا إما بمعنى الأعوان أو الأختان. هجاداً بالأسحار أي ساهراً قال الجوهري هجد وتهجد من الأضداد يقال ذلك إذا سهر وإذا نام وقال غيره الهجود النوم والتهجد السهر إلقاء النوم حفياً براً وصولا معتنياً طود جبل عظيم استعير منه للتعظيم والنهى العقول الحجى العقل أيضاً والنجوى المسارة والمشاورة مع اختفاء ختن المصطفى أي زوج ابنته. قال الجوهري الختن بالتحريك عند العرب كل ما كان من قبل المرأة مثل الأب والأخ والأختان هكذا عند العرب أما عند العامة فختن الرجل زوج ابنته.
ذكر ثناء جعفر الصادق على الخلفاء الأربعة
عن المفضل بن عمرو عن أبيه عن جده قال سئل جعفر الصادق عن الصحابة فقال عن أبا بكر الصديق مليء قلبه بمشاهدة الربوبية وكان لا يشهد مع الله غيره فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه لا إله إلا الله وكان عمر يرى كل ما دون الله صغيراً حقيراً في جنب عظمة الله وكان لا يرى التعظيم لغير الله فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه الله أكبر وعثمان كان يرى ما دون الله معلولاً إذا كان مرجعه إلى الفناء وكان لا يرى التنزيه إلا لله فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه سبحان الله وعلي بن أبي طالب كان يرى ظهور الكون من الله وقيام الكون بالله ورجوع الكون إلى الله فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه الحمد لله خرجه الخجندي في الأربعين.
ذكر موافقة الأربعة نبي الله صلى الله عليه وسلم في حب كل واحد منهم ثلاثاً من الدنيا
روي أنه لما قال صلى الله عليه وسلم حبب إلى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعل قرة عيني الصلاة قال أبو بكر وأنا يا رسول الله حبب إلي من الدنيا ثلاث النظر إلى وجهك وجمع المال للإنفاق عليك والتوسل بقرابتك إليك وقال عمر وأنا يا رسول الله حبب إلي من الدنيا ثلاث إطعام الجائع وإرواء الظمآن وكسوة العاري وقال علي بن أبي طالب وأنا يا رسول الله حبب إلي من الدنيا ثلاث الصوم بالصيف إقراء الضيف والضرب بين يديك بالسيف خرجه الخجندي أيضاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 6:44 am


الباب الخامس
فيما جاء مختصاً بأبي بكر وعمر وعثمان

ذكر الموازنة بينهم ورجحان بعضهم ببعض
تقدم في ذكر الثالث من الباب الثالث طرف من ذلك عن أبي بكر أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني فساءه ذلك فقال خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء. أبو داود والبغوي في المصابيح في الحسان والحافظ الدمشقي في الموافقات وخرجه خيثمة بن سليمان بزيادة ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح يقول هل أحد منكم رأى رؤيا فقال رجل أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزاناً نزل من السماء فوضعت في كفة وأبو بكر في كفة فرجحت فرفعت ووضع عمر في كفة فرجح أبو بكر ثم رفع أبو بكر ووضع عثمان في كفة فرجح عمر وقوله فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل إنه يحتمل أن يكون كره رسول الله صلى الله عليه وسلم حصر درجات الفضل ورجا أن يكون في أكثر من ذلك فأعلمه الله تعالى أن التفضيل انتهى إلى المذكور فيه فساءه ذلك.
ذكر رجحان كل واحد منهم بجميع الأمة
عن ابن عمر قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة بعد طلوع الشمس قال رأيت قبل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين فأما المقاليد فهي المفاتيح وأما الموازين فهذه التي توزن بها فوضعت في كفة ووضعت أمتي في كفة فوزنت بهم فرجحت ثم جيء بأبي بكر فوزن بهم فرجح ثم جيء بعمر فوزن بهم فرجح ثم جيء بعثمان فوزن بهم فرجح ثم رفعت خرجه أحمد في مسنده. وفي رواية فوزنهم مكان فرجح بهم خرجها أبو الخير القزويني الحاكمي في الأربعين قلت في راجحية كل واحد منهم بجميع الأمة تنبيه على اتفاق جميع الأمة على خلافته فكأنه قعد بهم وناء بحملهم وفي رفع الميزان إشارة إلى الاختلاف. لا تضاد بين هذا وبين ما سيأتي فيما يستدل به على خلافة عثمان في باب مناقبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أريت الليلة في المنام كأن ثلاثة من أصحابي وزنوا فوزن أبو بكر فوزن ثم وزن عمر فوزن ثم وزن عثمان فنقص صاحبنا وهو صالح. أخرجه أحمد بل نحملهما على معنيين متغايرين جمعا بين الحديثين بقدر الإمكان وذلك أولى من إلقاء أحدهما فيحمل قوله فرجح على المعنى المذكور آنفاً ويحمل قوله فوزن على موافقة آرأيهم لرأيه وأن رأيه وازن رأيهم فجاء موزوناً معتدلاً معه لم يخالفوه في رأي رأوه وإن اتفق خلاف ذلك في بادي النظر رجعوا عليه في ثانية مستصوبين رأيه معترفين بأن الحق كان معه كما في قتال أهل الردة ونحو ذلك وهذا المعنى فقد في عثمان رضي الله عنه فإنهم خالفوا رأيه في كثير من وقائعه ولم يرجعوا عليه بل أصروا على إنكارهم عليه حتى قتل وكان مع ذلك على الحق على ما شهدت به أحاديث تأتي في خصائصه وكان مع ذلك رجلاً صالحاً على ما شهد به هذا الحديث فالنقص إنما كان عما ثبت للشيخين قبله من الموازنة بما ذكرناه من الاعتبار لا أنه نقص في رأيه يخرجه عن أن يكون على الحق وكيف يخرج عن الحق ويكون رجلاً صالحاً فكان رضي الله عنه كاملاً في أحواله لم يخرج في شيء منها عن الحق والشيخان أكمل منه بملابسة مزيد فضل في زهد وورع ونحو ذلك مع الاشتراك في أصل ذلك فنقصه عن الأكملية لا غير فيكون كل واحد من الشيخين رجح بالأمة ووزنهم بالاعتبارين المذكورين وعثمان رضي الله عنهم رجح بهم ولم يزنهم بالاعتبار المذكور. ولا يمكن حمله على الموازنة بينهم كما في رؤيا الرجل المتقدمة لوجهين الأول أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رأى موازنتهم بالأمة فكان حمل هذا المطلق على ذلك المقيد أولى من اعتقاد موازنة أخرى موافقة لرؤيا الرجل لم يخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه. الثاني أن سياق اللفظ ينبو عن حملها عليه فإنه قال وزن أبو بكر فوزن فيكون معناه على هذا التقدير وزن بعمر فرجح به كما في تلك الرؤيا ثم قال وزن عمر فوزن أي بعثمان ثم قال وزن عثمان فيقتضي أن يكون بغير عمر لأن وزنه بعمر قد تقدم في الجملة الأولى وليس في تلك الرؤيا لغيره ذكر فكان المصير على ما ذكرناه أولى.
ذكر كتبه أسماءهم على العرش
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى بي فرأيت علي العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النون يقتل ظلماً خرجه في الديباج وخرجه أبو سعد في شرف النبوة وفيه ذكر علي وقد تقدم في الباب قبله.
ذكر كتب أسمائهم على كل ورقة في الجنة
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في الجنة شجرة إلا وعلى كل ورقة مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين خرجه صاحب الديباج والإمام أبو الخير القزويني الحاكمي.
ذكر تسبيح الحصا في أكفهم
عن سويد بن يزيد السلمي قال دخلت المسجد فرأيت أبا ذر جالساً فيه وحده فاغتنمت ذلك وجلست إليه وكأنه قال دخلت المسجد فذكر بعض القوم عثمان فقال لا أقول لعثمان أبداً إلا خيراً بعد شيء رأيته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. كنت أتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعلم منه فخرج ذات يوم حتى انتهى إلى موضع كذا وكذا فجلس فانتهيت إليه فسلمت عليه وجلست إليه فقال يا أبا ذر ما جاء بك قلت الله ورسوله فبينا نحن كذلك إذ جاء أبو بكر فسلم وجلس عن يمين رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال يا أبا بكر ما جاء بك فقال الله ورسوله ثم جاء عمر فسلم وجلس عن يمين أبي بكر فقال يا عمر ما جاء بك قال الله ورسوله ثم جاء عثمان فسلم وجلس عن يمين عمر فقال يا عثمان ما جاء بك قال الله ورسوله قال فتناول النبي صلى الله عليه وسلم سبع حصيات أو تسع حصيات فوضعهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن فتناولهن النبي صلى الله عليه وسلم فوضعهن في يد أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن فتناولهن النبي صلى الله عليه وسلم فوضعهن في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن فتناولهن النبي صلى الله عليه وسلم فوضعهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن. وعن أنس بن مالك قال تناول النبي صلى الله عليه وسلم من الأرض سبع حصيات فسبحن في يده ثم ناولهن أبا بكر فسبحن في يده ثم ناولهن النبي صلى الله عليه وسلم عمر فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر ثم ناولهن عثمان فسبحن في يده كما سبحن في يد عمر. خرجهما خيثمة بن سليمان وعلي بن نعيم البصري.
ذكر إثبات الصديقية لأبي بكر والشهادة لهما
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه النبي صلى الله عليه وسلم برجله وقال اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان خرجه أحمد والبخاري والترمذي وأبو حاتم. وعن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً على حراً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فتحرك الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثبت حراً فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد خرجه أحمد وقد سبق في الباب الثالث من حديث مسلم وغيره عن أبي هريرة وفيه زيادة علي وطلحة والزبير وسعد. وعن ثمامة عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض فركضه برجله وقال اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان خرجه الترمذي والنسائي.
شرح: أحد جبل معروف بالمدينة وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم أحد جبل يحبنا ونحبه وحرا وثبير جبلان متقابلان معروفان بمكة واختلاف الروايات تحمل على أنها قضايا تكررت فيهن والله أعلم الحضيض القرار من الأرض عند منقطع الجبل وركضه برجله أي ضربه بها والركض تحريك الرجل إنما أسندنا الصديقية إلى أبي بكر حملا لمطلق هذا الحديث على مقيد غيره.

ذكر تبشيرهم بالجنة
عن أبي موسى الأشعري أنه خرج على المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا توجه ههنا فخرجت في أثره حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وقد توسط قفها فجلست عند الباب قلت لأكونن بواباً للنبي صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت على رسلك ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذا أبو بكر يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل فرسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت إن يرد الله بفلان خيراً يريد أخاه يأت به فإذا إنسان يحرك الباب فقلت من هذا فقال عمر بن الخطاب فقلت على رسلك ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت هذا عمر بن الخطاب يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فجئت فقلت ادخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر فرجعت فجلست وقلت إن يرد الله بفلان خيراً يأت به. ذكر ما روي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه كان يقول يا أهل العراق أحبونا بحب الإسلام فوالله ما زال حبكم بنا حتى صار سباً فيه تعريض بالإنكار علي مزج حبهم بما ينسب إليهم من بغض أبي بكر وعمر وسبهما.
ذكر ما روي عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عن ابن أبي حفصة قال سألت محمد بن علي وجعفر بن محمد عن أبي بكر وعمر فقال إماماً عدل تولهما وتبرأ من عدوهما ثم التفت إلى جعفر بن محمد فقال يا سالم ألست الرجل جده أبو بكر الصديق لا نالتني شفاعة جدي محمد عن لم أكن أتولاهما وأتبرأ من عدوهما. وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال من جهل فضل أبي بكر وعمر جهل السنة. وعنه وقد قيل له ما ترى في أبي بكر وعمر فقال إني أتولاهما وأستغفر لهما وما رأيت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما. وعنه وقد سئل عن قوم يسبون أبا بكر وعمر فقال أولئك المراق. وعنه قال من شك فيهما كمن شك في السنة وبغض أبي بكر وعمر نفاق وبغض الأنصار نفاق إنه كان بين بني هاشم وبين بني عدي وبني تيم شحناء في الجاهلية فلما أسلموا تحابوا ونزع الله ذلك من قلوبهم حتى إن أبا بكر اشتكى خاصرته فكان علي يسخن يده بالنار ويضمد بها خاصرة أبي بكر فنزلت فيهم هذه الآية: "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين". وعن جابر الجعفي عن محمد بن علي قال يا جابر بلغني أن أقواماً بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر ويزعمون في أمرتهم بذلك فأبلغهم أني إلى الله منهم بريء والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت على الله بدمائهم لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما. وعنه قال قال محمد بن علي أخبر أهل الكوفة عني أني بريء ممن تبرأ من أبي بكر وعمر. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال كان آل أبي بكر يدعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية يسمون آل محمد. وعنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قسم تمرها وزبيبها بين المهاجرين والأنصار وقسم الحقل بين بني هاشم وهو الحنطة والشعير وقسم لآل أبي بكر معهم لم يدخل فيهم أحداً غيرهم مائة أو مائتي وسق وكان نصيب العباس مائتي وسق ما روي عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن زيد بن علي قال البراءة من أبي بكر وعمر براءة من علي فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر. وعنه وقد قيل له ما تقول في أبي بكر وعمر قال أتولاهما قيل فكيف تقول فيمن تبرأ منهما قال أنا بريء منه حتى أموت. وعن ابن أبي الجارود حسين بن المغيرة الواسطي أن رهطاً اجتمعوا إلى زيد بن علي فقالوا يا ابن رسول الله إذا خرجت تظهر البراءة من أبي بكر وعمر فقال لا قالوا فإنا نبرأ من دمك ولا نخرج معك إلا أن تتبرأ من أبي بكر وعمر فيضرب معك منا بالسيف ستون ألفاً قال فلما قاموا ليخرجوا وتبين منهم قال ارجعوا لأحدثكم حديثاً فرجعوا قال حدثني أبي عن جدي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا علي أبشر أنت وشيعتك في الجنة إلا أن ممن يحبك قوماً يظهرون الإسلام ويلفظونه يمرقون من الحنيفية كمروق السهم من الرمية لهم نبز يدعون به يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم يا علي فقاتلهم فإنهم مشركون قال زيد هم أنتم اللهم إن هؤلاء حربي في الدنيا والآخرة ثم دعا عليهم. وعنه وقد سئل عن أمر فدك فقال عن فاطمة ذكرت لأبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها فدكاً فقال ائتيني على ما تقولين ببينة فجاءت برجل وامرأة فقال أبو بكر رجل مع الرجل أو امرأة مع امرأة فأعيت فقال زيد وايم الله لو رجع القضاء إلي لقضيت بما قضي به أبو بكر وعنه أنه قال من سب أبا بكر وعمر فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجميعن.
ذكر ما روي إن جعفر بن محمد
عن جعفر وقد سئل عن أبي بكر وعمر فقال أتبرأ ممن تبرأ منهما فقيل له لعلك تقول هذا تقية فقال إذاً أنا بريء من الإسلام ولا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وعنه قال ما أرجو من شفاعة علي إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله وعنه قال الله بريء ممن بريء من أبي بكر وعمر. وعنه وقد قيل له إن فلاناً يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر فقال جعفر الله بريء منه فإني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر ولقد اشتكيت شكاة فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم. وعنه أنه كان يقول ما أدري لأي جدي أنا أرجى لشفاعة أبي بكر أو علي بن أبي طالب ومن لم يسمه الصديق فلا صدق الله حديثه وقد دخل عليه وهو مريض فقال اللهم إني أحب أبا بكر وعمر فإن كان في نفسي غيره فلا تنلني شفاعة محمد صلى الله عليه وعنه وقد سئل عنهما فقال أتسأل عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة.
ذكر ما روي عن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر
وقد سئل عنهما فقال أبو بكر جدي وعمر ختني أفتراني أبغض جدي وختني.
ذكر ما روي عن أولاد الحسن بن علي بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب
عن عبد الله وقد سئل عن أبي بكر وعمر فقال أفضلهما وأستغفر لهما فقيل له لعل هذه تقية وفي نفسك خلافة فقال لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت أقول خلاف ما في نفسي وعنه وقد سئل عنهما فقال صلى الله عليهما ولا صلى على من لم يصل عليهما وعنه أنه قال لرجل من الرافضة والله إن قتلك لقربة لولا حق الجوار وعن أبي محمد بن صالح أخي الحسن بن صالح عن عبد الله بن الحسن أنه قال له يا ابن الصالح ورب هذه البنية يعني الكعبة إن ما يقولون في الإمامة لباطل.
ذكر ما روي عن الحسن بن الحسن أخي عبد الله
عن الحسن أنه قال لرجل ممن يغلو فيهم ويحكم أحبونا بالله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فأبغضونا فقال له رجل إنكم ذوو قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فقال ويحكم لو كان الله نافعاً بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباه وأمه والله إني أخاف أن يضاعف الله للعاصي منا العذاب ضعفين والله إني لا أرجو أن يؤتي المحسن منا أجره مرتين قال ثم قال لقد أساء بنا آباؤنا وأمهاتنا إن كان ما يقولون من دين الله ثم لم يخبرونا به ولم يطلعونا عليه ولم يرغبونا فيه ونحن كنا أقرب منهم قرابة منكم وأوجب عليهم وأحق أن يرغبونا فيه منكم ولو كان الأمر كما يقولون إن الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم اختار علياً لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده فإن علياً أعظم الناس خطيئة وجرماً إذ ترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس فقال له الرافضي ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه فقال أما والله لو يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس لأفصح به كما أفصح بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولقال أيها الناس إن هذه لولي بعدي فاسمعوا وأطيعوا خرج جميع الأذكار من أهل البيت الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسن السمان الرازي في كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
فصل يتضمن ذكر أبي بكر وعلي
عن علي قال قيل لعلي وأبي بكر يوم بدر مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال أو قال يشهد الصف خرجه أحمد والحاكم في المستدرك على الصحيحين وتمام في فوائده.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 6:51 am


القسم الثاني
في مناقب الأفراد وفيه عشرة أبواب

الباب الأول
في مناقب خليفة رسول الله أبي بكر الصديق

رضي الله عنه وفيه خمسة عشر فصلاً
الفصل الأول في نسبه الثاني في اسمه الثالث في صفته الرابع في إسلامه الخامس فيمن أسلم علي يديه السادس فيما كان بينه وبين النبي صلي الله عليه وسلم من الود في الجاهلية السابع فيما لقي بسبب دعائه إلى الله تعالى ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثامن في هجرته التاسع في خصائصه العاشر في أفضليته الحادي عشر في الشهادة له بالجنة الثاني عشر في فضائله الثالث عشر في خلافته الرابع عشر في وفاته الخامس عشر في ولده.
الفصل الأول
في ذكر نسبه وإسلام أبويه
وقد تقدم ذكر آبائه في الشجرة في أنساب العشرة وينسب إلى تيم من مرة فيقال التيمي وهو في العدد إلى مرة مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن بين كل واحد منهما وبين مرة ستة آباء فهذه موافقة اتفقت بينهما في النسب كما اتفقت في العمر على أصح الأقوال كما سيأتي إن شاء الله. أمه أم الخير لفظاً ومعنى سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابنة عم أبيه هكذا ذكره جمهور أهل النسب ومن شذ فقال بنت صخر بن عامر بن عمر بن كعب فجعلها ابنة عمه فليس بصحيح.
ذكر إسلام أبي قحافة
عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة أبو أبي بكر الصديق أسلم يوم الفتح وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش مدة حياة النبي صلى اله عليه وسلم مدة خلافة ولده وتوفي في خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين. عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده أي بنية اظهري بي على أبي قبيس قالت وقد كف بصره قالت فأشرفت به عليه فقال يا بنية ماذا ترين قالت أرى سواداً مجتمعاً قال تلك الخيل قالت وأرى رجلاً يسعى بين ذلك السواد مقبلاً ومدبراً قال يا بنية ذلك الوازع الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ثم قالت قد والله انتشر السواد فقال قد والله دفعت الخيل فأسرعي بي إلى بيتي فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته وفي عنق الجارية طوق لها من ورق فتلقاها رجل فاقتلعه من عنقها قالت فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يقوده فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه قال أبو بكر يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه.
وفي رواية لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه مكرمة لأبي بكر قال فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له أسلم فأسلم وكان رأسه كالثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا هذا من شعره ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال أنشد الله والإسلام طوق أختي فلم يجبه أحد فقال يا أخية احتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل خرجه أحمد وأبو حاتم وابن إسحاق وفي رواية بعد قوله ألا تركت الشيخ حتى تأتيه قال أردت يا رسول الله أن يأخذه الله عز وجل أما والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحاً بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك قال صدقت خرجه في فضائل أبي بكر وقال حديث حسن.
شرح: الوازع الذي يتقدم الصف فيصلحه ويقدم يؤخر ومنه قول الحسن لابد للناس من وازع أي سلطان يكف بعضهم عن بعض والثغامة واحدة الثغام وهو نبت يبيض إذا يبس ويشبه به الشيب ذكره الجوهري اللغوي.

ذكر إسلام أمه أم الخير
سلمى بنت صخر أسلمت قديماً في دار الأرقم بن أبي الأرقم وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وماتت مسلمة ذكره الحافظ الدمشقي وصاحب الصفوة وغيرهما عن عائشة قالت لما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا تسعة وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال يا أبا بكر إنا قليل فلم يزل يلح على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وكان أول خطيب دعا إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً ووطيء أبو بكر وضرب ضرباً شديداً ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه وأثر ذلك حتى ما يعرف أنفه من وجهه وجاءت بنو تيم تتعادى فأجلوا المشركين عن أبي بكر وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه بيته ولا يشكون في موته ورجع بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة ورجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم فتكلم آخر النهار ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنالوه بألسنتهم وعذلوه ثم قاموا وقالوا لأم الخير بنت صخر انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه. فلما خلت به وألحت جعل يقول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت والله ما أعلم بصاحبك قال فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه فخرجت حتى جاءت إلى أم جميل فقالت إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله قالت ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وإن تحبي أن أمضي معك إلى أبنك فعلت قالت نعم فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً فدنت منه أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت إن قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق وإن لأرجو أن ينتقم الله لك قال ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت هذه أمك تسمع قال فلا عين عليك منها قالت سالم صالح قال فأين هو قالت في دار الأرقم قال فإن لله علي ألية أن لا أذوق طعاماً ولا شراباً أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمهلناه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجت به يتكئ عليهما حتى دخلتا على النبي صلى الله عليه وسلم قال فانكب عليه فقبله وانكب عليه المسلمون ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي هذه أمي برة بوالديها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله عز وجل لها عسى أن يستنقذها بك من النار فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت فأقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً وهم تسعة وثلاثون رجلاً وكان إسلام حمزة يوم ضرب أبي بكر. خرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال وخرجه ابن ناصر السلامي من حديث عبد الله بن محمد الطلحي عن القاسم بن محمد عن عائشة.
شرح: الألية اليمين على وزن فعلية الجمع الألايا قال الشاعر:



قليل الألايا حافظ ليمـينـه


وإن سبقت منه الألية برت
وكذلك الألوة بضم الهمزة وفتحها وكسرها وإسكان اللام وأما الألوة بالتشديد وضم الهمزة وفتحها فالعود الذي يتبخر به هدأت الرجل بالهمز سكنت والهدأة والهدوء السكون وعن علي بن أبي طالب قال في أبي بكر أسلم أبواه جميعاً ولم يجتمع لأحد من الصحابة المهاجرين أبواه غيره أخرجه الواحدي. وعن ابن عباس في قوله تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي" نزلت في أبي بكر وكان حمله وفصاله كذلك قال وقد علم أن كل أحد لا يلهم هذا القول فعلم أنه رجل بعينه وكان أبا بكر ومعنى بلوغ أشده ثلاث عشرة سنة وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة في تجارة إلى الشام وكان لا يفارقه في أسفاره وحضره فرأى من الآيات ما سبق بها اليقين في قلبه فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم آمن به وصدقه وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي بالهداية إلى الإيمان وعلى والدي كذلك وأن أعمل صالحاً ترضاه فأجابه الله تعالى وأعتق سبعة مؤمنين وأصلح لي في ذريتي فأجابه الله تعالى أيضاً ولم يبق له ولد ولا ولد ولد إلا آمن وصدق خرجه الواحدي وأسلمت أيضاً أخته لأبيه أم فروة بنت أبي قحافة وتزوجت الأشعث بن قيس فولدت له محمداً ذكره الدارقطني.
الفصل الثاني
في ذكر اسمه
وكان اسمه رضي الله عنه عبد الله وقيل عبد الكعبة فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله قاله جمهور أهل النسب وأكثر المحدثين ذكر اسمه عتيقاً واختلفوا في ذلك فقيل أنه لقب لقب به في الإسلام وهو أول لقب عرف في الإسلام قاله محمد بن حمدوية النيسابوري وقال ابن إسحاق في جماعة بل هو اسم سماه به أبوه ويروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها. وروي عن موسى بن طلحة أنه سمته به أمه واختلفوا لم سمي عتيقاً فقال الليث بن سعد في جماعة سمي بذلك لعتاقة وجهه وجماله والعتق الجمال وقيل إن الذي لقبه به لجمال وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره ابن قتيبة في المعارف وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت اللهم عن هذا عتيقك من الموت فهبه لي فعاش فسماه عتيقاً وكان يعرف به رواه الخجندي في الأربعين وغيره وقيل كان له أخوان عتق وعتيق فسمي باسم أحدهما ذكره البغوي في معجمه وقال مصعب وطائفة من أهل النسب إنما سمي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وقال أبو نعيم الفضل بن دكين سمي بذلك لأنه قديم في الخير والعتيق القديم تقول منه عتق بضم التاء عتقاً وعتاقة وقال آخرون سمي بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا فسمي عتيقاً لذلك روته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت وإن اسمه الذي سماه به أهله لعبد الله ذكره أبو عمر وغيره وعليه أكثر المحدثين. وعن عبد الله بن الزبير قال كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت عتيق الله من النار فسمي عتيقاً لذلك خرجه الترمذي وأبو حاتم ولا تضاد بين هذه الأقوال كلها إذ يجوز أن يكون أحد الأبوين لقبه بذلك لمعنى ثم تابعه الآخر عليه له أو لمعنى آخر ثم استعملته قريش وأقرته عليه ثم أقر عليه بعد الإسلام. وما يروى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار فمن يومئذ سمي عتيقاً فمعناه والله أعلم فمن ذلك اليوم اشتهر به حتى لا يعرف له اسم سواه.
ذكر اسمه الصديق
واختلف في ذلك لأي معنى فقيل كان هذا اللقب قد غلب عليه في الجاهلية لأنه كان في الجاهلية وجيهاً رئيساً من رؤساء قريش وكانت إليه الأشناق وهي الديات كان إذا تحمل شنقاً قالت قريش صدقوه وأمضوا حمالته وحملها من قام معه وإذا تحملها غيره خذلوه ولم يصدقوه. قال الجوهري الشنق ما دون الدية وقيل سمي صديقاً لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم في خبر الإسراء عن عائشة قالت لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلي المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس كانوا آمنوا به وسعى رجال من المشركين علي أبي بكر فقالوا هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلي بيت المقدس قال وقد قال ذلك قالوا نعم قال لئن قال ذلك لقد صدق قالوا تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح فقال نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء في غدوة وروحة فلذلك سمي الصديق خرجه الحاكم في المستدرك وابن إسحاق وقال مكان غدوة وروحة في ساعة من ليل أو نهار وزاد فهذا أبعد مما تعجبون منه. ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا نبي الله حدث هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة قال نعم قال يا نبي الله فصفه لي فإني قد جئته قال الحسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع لي حتى نظرت إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر فيقول أبو بكر صدقت أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما وصف له منه شيئاً قال صدقت أشهد أنك رسول الله قال حتى إذا انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وكنت يا أبا بكر الصديق فسماه يومئذ الصديق. قال الحسن وإن الله عز وجل أنزل فيمن ارتد عن إسلامه لذلك: "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس" وقول أبي بكر صفه لي يحتمل معنيين. أحدهما إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم لقومه فإنهم كانوا يثقون بقول أبي بكر فإذا طابق خبره صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم أبو بكر وصدقه به كان حجة عليهم ظاهرة.
الثاني طمأنينة قلبه كقول إبراهيم عليه السلام: "ولكن ليطمئن قلبي" لا أن أبا بكر كان عنده شك كلا بدليل تصديقه أول وهلة والله أعلم. وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى رفع لي بيت المقدس وأنا عند الكعبة فجعلت أنظر إليه وإلى ما فيه ولقد رأيت جهنم وأهلها فيها وأهل الجنة في الجنة قبل أن يدخلوها كما أنظر إليك فخبرت بذلك قومي فكذبوني غير أبي بكر الصديق. وعن مولى أبي هريرة قال أبو بكر بن أبي طالب أراه قال عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة أسري بي قلت لجبريل عليه السلام عن قومي لا يصدقوني قال لي جبريل يصدقك أبو بكر وهو الصديق خرجهما في فضائل أبي بكر وخرج الباقي الملا في سيرته وقيل سمي صديقاً لبداره إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به عموماً ويشهد لراجحية هذا القول أن الصديق في اللغة فعيل معناها المبالغة في التصديق أي يصدق بكل شيء أول وهلة. ويؤيده حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنتم تاركون لي صاحبي قلت يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم كذبت فقال أبو بكر صدقت وسيأتي الحديث مستوعباً إن شاء الله تعالى. وعن النزال بن سيرة قال وافقت من علي ذات يوم طيب نفس ومزاحاً فقلنا يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أصحابك خاصة قال كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي فقلنا يا أمير المؤمنين أخبرنا إن أصحابك خاصة قال لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب إلا وهو لي صاحب قلنا فأخبرنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سلوني قالوا أخبرنا عن أبي بكر بن أبي قحافة قال ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل عليه السلام وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا خرجه الخلعي وابن السمان في الموافقة. وعن أبي إسحاق السبيعي عن أبي تحيي قال لا أحصي كم سمعت علياً على المنبر يقول إن الله عز وجل سمى أبا بكر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم صديقاً خرجه في فضائله. وعن علي بن أبي طالب أنه كان يحلف بالله العظيم أن الله عز وجل أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق خرجه السمرقندي وصاحب الصفوة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج بي إلى السماء فما رأيت شيئاً إلا وجدت اسمي مكتوباً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق خليفتي خرجه ابن عرفة العبدي والثقفي الأصفهاني. وعن الزهري يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلاً خرجه صاحب الصفوة وقد سبق هذا الحديث في مناقب الثلاثة من رواية عمر وفيه ذكر الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان خرجه ابن الضحاك والصوفي عن يحيى بن معين ولا حجة في هذه الأحاديث لأحد المعنيين بعينه بل يجوز أن يكون سماه الله ورسوله صديقاً لهما ويجوز أن يكون لأحدهما ويجوز أن يكون سمي بذلك مبالغة في وصفه بالصدق ويشهد لذلك ما رواه أبو الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي بكر من سره أن ينظر على مثل عيسى في الزهد فلينظر إليه خرجه في فضائله.
ذكر أنه كان يدعى في السماء الحليم
عن أبي هريرة قال هبط جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف ملياً بناحية فمر أبو بكر الصديق فقال جبريل عليه السلام يا محمد هذا ابن أبي قحافة فقال يا جبريل أو تعرفونه في السماء فقال والذي بعثك بالحق لهو في السماء أشهر منه في الأرض وإن اسمه في السماء أشهر منه في الأرض وإن اسمه في السماء الحليم خرجه في فضائله والملا في سيرته.
شرح: ملياً أي زماناً وحيناً ومنه واهجرني ملياً أي زماناً طويلاً ومضى علي من النهار أي ساعة طويلة والحليم المغضي عن الشيء المزعج فضلاً وكرماً تقول منه حلم حلماً فإن تكلف ذلك ولم يكن من طبعه قيل تحلم فهم متحلم.

الفصل الثالث
في ذكر صفته
رضي الله عنه
عن عائشة رضي الله عنها وقد قيل لها صفي أبا بكر قالت كان أبيض نحيفاً خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع خرجه أبو عمر. وعن قيس بن أبي حازم قال قدمت على أبي بكر مع أبي في مرضه الذي مات فيه فرأيته رجلاً أسمر خفيف اللحم خرجه أبو بكر بن مخلد والمشهور ما تقدم من أنه كان أبيض وكان يخضب بالحناء والكتم خرجه مسلم.
شرح: أجنأ بالجيم والهمزة أي منحنيا تقول منه جنأ يجنأ جنا بالقصر وجنوا ومنه سمي الترس مجنا بضم الميم لانجنائه وأحنى بالحاء غير مهموز بمعناه يقال رجل أحنى الظهر وامرأة حنياء وحنواء أي منحنية والحقو الكشح والحقوان الكشحان والجمع أحق وقد يسمى الإزار حقوا للمجاورة لأنه يشد على الحقوين معروق الوجه أي قليل اللحم حتى يتبين حجم العظم الأشاجع جمع أشجع بزنة أصبع وهي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف والكتم بالتحريك نبت وعن الأصمعي قال قال أبو عمرو بن العلاء كان النبي صلى الله عليه وسلم أفرع وكان أبو بكر أفرع وكان عمر أصلع لم يبق من شعره إلا حفاف وهو أن يبقي منه مثل الطرة حول رأسه يقال رجل أفرع وامرأة فرعاء إذا كان الشعر تاماً لم يذهب منه شيء. وقال ابن دريد يقال امرأة فرعاء إذا كانت كثيرة الشعر ولا يقال للرجل إذا كان عظيم الجمة واللحية أفرع إنما يقال رجل أفرع لضد الأصلع وأما صفاته المعنوية فقد تقدم في ثناء علي في باب أبي بكر وعمر طرف منهما وسيأتي في باب فضائله الكثير منها إن شاء الله تعالى.

الفصل الرابع
في إسلامه ذكر بدء إسلامه
عن ربيعة بن كعب قال كان إسلام أبي بكر شبيهاً بالوحي من السماء وذلك أنه كان تاجراً بالشام فرأى رؤيا فقصها على بحيرا الراهب فقال له من أين أنت فقال من مكة فقال من أيها قال من قريش قال فأي شيء أنت قال تاجر قال إن صدق الله رؤياك فإنه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته فأسر ذلك أبو بكر في نفسه حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه فقال يا محمد ما الدليل على ما تدعي قال الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبل بين عينيه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله قال أبو بكر وما بين لابتيها أشد من سرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي خرجه الفضائلي. وعن عائشة قالت خرج أبو بكر يريد النبي صلى الله عليه وسلم وكان له صديقاً له في الجاهلية فلقيه فقال يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأديانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رسول الله أدعوك إلى الله عز وجل فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم أبو بكر وما بين الأخشبين أكثر منه سروراً بإسلام أبي بكر خرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأربعين الطوال والحافظ ابن ناصر السلامي.
شرح: الأخشبان جبلا مكة ومنه لا تزول مكة حتى يزول أخشابها والأخشب الجبل الخشن العظيم وعن أم سلمة قالت كان أبو بكر خدنا للنبي صلى الله إليه وسلم وصفياً له فلما بعث صلى الله عليه وسلم انطلق رجال مع قريش على أبي بكر فقالوا يا أبا بكر إن صاحبك هذا قد جن قال أبو بكر وما شأنه قالوا هو ذاك يدعو في المسجد إلى توحيد إله واحد ويزعم أنه نبي فقال أبو بكر وقال ذاك قالوا نعم هو ذاك في المسجد يقول فأقبل أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطرق عليه الباب فاستخرجه فلما ظهر له قال له أبو بكر يا أبا القاسم ما الذي بلغني عنك قال وما بلغك عني يا أبا بكر قال بلغني أنك تدعو لتوحيد الله وزعمت أنك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم يا أبا بكر إن ربي عز وجل جعلني بشيراً ونذيراً وجعلني دعوة إبراهيم وأرسلني إلى الناس جميعاً قال له أبو بكر والله ما جربت عليك كذباً وإنك لخليق بالرسالة لعظم أمانتك وصلتك لرحمك وحسن فعالك مد يدك فأنا أبايعك فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فبايعه أبو بكر وصدقه وأقر أن ما جاء به الحق فوالله ما تلعثم أبو بكر حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام خرجه ابن إسحاق وخرجه صاحب فضائل أبي بكر. قال ابن إسحاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يقول ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه.
شرح: تلعثم الرجل في الأمر إذا تمكث فيه وتأتى وعكم أي انتظر والعكم الانتظار قاله الجوهري وقال الخليل نكل عنه وسيأتي في مبدأ إسلام طلحة طرف من هذا الذكر. قال ابن هشام حدثني بعض أهل العلم أن ابن عباس بن مرداس لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت القائل:



فأصبح نهبي ونهب العبيد


بين الأقـرع وعــيينة
فقال أبو بكر بين عيينة والأقرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد فقال أبو بكر أشهد أنك كما قال الله تعالى: "وما علمناه الشعر وما ينبغي له".
ذكر ما جاء في أول من أسلم
عن علي بن أبي طالب قال أول من أسلم من الرجال أبو بكر وأول من صلى إلى القبلة علي بن أبي طالب خرجه ابن السمان في الموافقة وعن الشعبي قال سألت ابن عباس أو سئل أي الناس كان أول إسلاماً قال أما سمعت قول حسان بن ثابت:


إذا تذكرت شجواً من أخي ثـقة


فاذكر أخاك أبا بكر بما فعـلا

خير البرية أتقاها وأعـدلـهـا


بعد النبي وأوفاها بما حـمـلا

والثاني التالي المحمود مشهـده


وأول الناس منهم صدق الرسلا
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان هل قلت في أبي بكر شيئاً قال نعم فأنشده هذه الأبيات وفيها بيت رابع:


وثاني اثنين في الغار المنيف وقد


طاف العدو بهم إذ صعدا الجبلا
فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال أحسنت يا حسان خرجه أبو عمر وروى أنه ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال صدقت يا حسان هو كما قلت خرجه صاحب الصفوة وفضائله قال أبو عمر وروى فيها بيت خامس:


وكان حب رسول الله قد علموا


من البرية لم يعدل به رجـلا
شرح: الشجو الهم والحزن هذا أصله ولا أرى له وجهاً هنا إلا أن يريد به ما كابده أبو بكر فأطلق عليه شجواً لاقتضائه ذلك أو أراد حزن أبي بكر بما جرى على النبي صلى الله عليه وسلم النواجذ جمع ناجذ وهو آخر الأضراس وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الفم بعد الإرحاء ويسمى ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل قاله الجوهري يقال أصعد في السلم وصعد في الجبل وعلى الجبل وأصعد في الأرض أي مضى وسار فاستعاره للجبل وصعد وأصعد في الوادي انحدر. وعن فرات بن السائب قال قلت لميمون بن مهران أبو بكر الصديق أول إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم أم علي بن أبي طالب قال والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم زمن بحيرا الراهب واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب والمراد بهذا الإيمان اليقين بصدقه وسيأتي ما يشهد له في الحديث بعده. عن أبي سعيد الخدري قال قال أبو بكر ألست أحق الناس بهذا الأمر ألست أول من أسلم ألست صاحب كذا خرجه البغوي وأبو حاتم. وعن ابن عباس أن أبا بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وهم يريدون الشام في تجارة حتى نزلوا منزلاً فيه سدرة فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له بحيرا يسأله عن الدين فقال من الرجل الذي في ظل السدرة فقال ذاك محمد بن عبد الله قال والله هذا نبي الله ما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلا محمد صلى الله عليه وسلم فوقع في قلب أبي بكر اليقين خرجهما في فضائله وهذا يفسر قول ميمون بن مهران وهو أنه أراد بإسلام أبي بكر ما وقر في قلبه من اليقين وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة وسافر إلى الشام قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم وعن أبي نضرة قال قال أبو بكر لعلي أنا أسلمت قبلك في حديث طويل فلم ينكر ذلك علي رضي الله عنه وعنه عن أبي سعيد أن أبا بكر الصديق قال ألست أول من أسلم وعن عمار بن ياسر قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر خرجه الصوفي عن يحيى بن معين وعن عمرو بن عبسة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعكاظ فقلت من معك في هذا الأمر فقال حر وعبد وليس معه إلا أبو بكر وبلال وقال انطلق حتى يمكن الله لرسوله ثم نجيبه وفي بعض طرقه أنه أتاه بمكة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً وذكر معناه خرجه مسلم في قصة طويلة من حديث أبي أمامة.
شرح: عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة كانوا يجتمعون فيه كل سنة فيقيمون شهراً ويتبايعون ويتناشدون الشعر ويتفاخرون فلما جاء الإسلام هدم ذلك كله قاله الجوهري. عن زر عن عبد الله قال كان أول من أظهر الإسلام سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبا بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم الدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله عز وجل وهان على قومه فأخذوه وأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد خرجه أحمد في مسنده وابن السري.
شرح: صهروهم يقال صهرته فانصهر أي أذبته فذاب فهو صهير ومنه يصهر ما في بطونهم والجلود فكأنهم أذابوهم بالشمس والصهار ما ذاب من الشحم. وعنه أنه قال أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خرجه الواحدي.

ذكر أقاويل العلماء في أول من أسلم وبيان اختلافهم والجمع بين الأحاديث المختلفة
لا خلاف بين أهل الأثر أن أبا بكر كان رجلاً لما آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم واختلفوا هل كان علي مولوداً حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم أم لا وممن ذهب إلى أن أبا بكر أول من أسلم ابن عباس وحسان بن ثابت وأبو أروى الدوسي وأسماء بنت أبي بكر والنخعي وابن الماجشون ومحمد بن المنكدر الأحسني ذكره صاحب الصفوة وأبو عمر وغيرهما. قال أبو عمر وممن ذهب إلى أن علياً أول من أسلم من الرجال سلمان وأبو ذر والمقداد وخباب وجابر وأبو سعيد الخدري وزيد بن الأرقم وهو قول بن شهاب وعبد الله بن محمد ومحمد بن كعب وقتادة واتفقوا على أن خديجة أول من أسلم مطلقاً. قال ابن إسحاق أول ذكر أسلم وصلى وصدق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم علي وهو ابن عشر سنين وقال أيضاً أول من أسلم علي ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر ثم أسلم رهط من المسلمين منهم عثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وكذلك ذكره ابن قتيبة في المعارف وقال غيره من أهل العلم أول من أسلم من الرجال أبو بكر وأسلم علي وهو ابن ثمان سنين وأول من أسلم من النساء خديجة خرجه الترمذي والأولى التوفيق بين الروايات كلها وتصديقها فيقال أول من أسلم مطلقاً خديجة بنت خوليد وأول ذكر أسلم علي بن أبي طالب وهو صبي لم يبلغ كما تقدم في سنه وكان مستخفياً بإسلامه وأول رجل عربي بالغ أسلم وأظهر إسلامه أبو بكر بن أبي قحافة أول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة وهذا متفق عليه لا خلاف فيه وعليه يحمل قول علي وغيره أول من أسلم من الرجال أبو بكر أي الرجال البالغين. ويؤيد ذلك ما روى عن الحسن قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال يا أمير المؤمنين كيف سبق المهاجرون والأنصار إلى بيعة أبي بكر وأنت أسبق منه سابقة وأروى منه منقبة قال فقال علي ويلك إن أبا بكر سبقني إلى أربع لم أوتهن ولم أعتض منهن بشيء سبقني إلى إفشاء الإسلام وقدم الهجرة ومصاحبته في الغار وأقام الصلاة وأنا يومئذ بالشعب يظهر الإسلام وأخفيه وتستحقرني قريش وتستوفيه والله لو أن أبا بكر زال عن مزيته ما بلغ الدين العبرين يعني الجانبين ولكان الناس كرعة ككرعة طالوت ويلك إن الله عز وجل ذم الناس ومدح أبا بكر فقال: "إلا تنصروه فقد نصره الله" الآية كلها فرحمة الله على أبي بكر وأبلغ الله روحه مني السلام خرجه في فضائل أبي بكر وخرج خيثمة بن سليمان معناه بزيادة ولفظه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أقبل رجل فتخلص الناس حتى وقف على علي بن أبي طالب فقال يا أمير المؤمنين ما بال المهاجرين والأنصار قدموا أبا بكر وأنت أورى منه منقبة وأقدم إسلاماً وأسبق سابقة قال إن كنت قرشياً فأحسبك من عائذة قال نعم قال لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك ويحك إن أبا بكر سبقني لأربع لم أوتهن ولم أعتض منهن سبقني إلى الإمامة أو تقدم الإمامة وتقدم الهجرة وإلى الغار وإفشاء الإسلام وذكر معنى ما بقي وخرجه ابن السمان في الموافقة وزاد بعد قوله من عائذة وأحسبك من ذؤالة بنسب قال له الرجل أجل ثم ذكر معنى ما تقدم وزاد في آخره ثم قال لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر إلا جلدته جلد المفتري.
شرح: أورى من ورى الزند وورى خرجت ناره فظهرت أي أظهر منقبة وأنور والمنقبة ضد المثلبة والشعب الطريق في الجبل وهو بالكسر وهو شعب معروف بني هاشم بمكة وتستوفيه يريد والله أعلم توفيته حقه من الإعظام الإكرام والمزية الفضيلة أي لو زال عن فضيلته بالتقديم على الناس إماماً وكرعة جمع كارع كركبة وراكب من كرع بالفتح يكرع إذا شرب الماء بفيه دون إناء ولعله والله أعلم أراد أن لولا أبو بكر لخالف الناس الدين كما خالفه كرعة طالوت بالشرب من النهر الذي نهوا عن الشرب منه والله أعلم. وعن محمد بن الحنفية وقد سئل أكان أبو بكر أول القوم إسلاماً قال لا فقيل له فبأي شيء علا وسبق حتى لا يذكر غيره قال فإنه أسلم يوم أسلم وكان خيرهم إسلاماً ولم يزل على ذلك حتى توفاه الله تعالى. وفي رواية قال لأنه كان أفضلهم إيماناً حتى قبض خرجهما ابن السمان في الموافقة. وعن محمد بن كعب وقد سئل عن أول من أسلم علي وأبو بكر فقال سبحان الله علي أولهما إسلاماً وإنما شبه على الناس لأن علياً أعطى السلامة من أبي طالب وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه ولا شك عندنا أن علياً أولهما إسلاماً خرجه أبو عمر. وعنه قال أبو بكر أول من أظهر الإسلام وكان علي يكتم الإسلام فرقاً من أبيه حتى لقيه أبو طالب فقال أسلمت قال نعم قال وآزر ابن عمك وانصره وأسلم علي قبل أبي بكر خرجه الحاكمي في الأربعين.
الفصل الخامس
في ذكر من أسلم على يديه
عن عائشة أن أبا بكر لما أسلم راح بعثمان بن عفان وطلحة والزبير وسعد فأسلموا ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وأبي عبيدة وعبد الرحمن بن عوف وأبي سلمة والأرقم فأسلموا خرجه ابن ناصر السلامي. قال ابن إسحاق ولما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله وكان رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلاً تاجراً ذا خلق ومعروف وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم بدعائه فيمن بلغني عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا قال فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا بالإسلام الناس وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني علياً وزيداً وأبا بكر ومن أسلم على يديه. وعن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص قديماً وكان أول إخوته أسلم وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار فذكر من سعتها ما الله أعلم ورأى كأن أباه يدفعه فيها ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحقويه لا يقع ففزع من نومه وقال أحلف بالله عن هذه الرؤيا حق فلقي أبا بكر فذكر ذلك له فقال أبو بكر أريد بك خيراً هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه والإسلام يحجزك أن تدخل فيها وأبوك واقع فيها فلقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال يا محمد إلام تدعو قال أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله وتخلع ما أنت عليه خرجه في فضائل أبي بكر وكان أبو بكر رضي الله عنه قد ابتنى مسجداً بفناء داره يصلي فيه ويقرأ القرآن فيجتمع عليه الناس ويستمعون إلى قراءته وينظرون إلى صلاته وبكائه حتى كان ذلك سبب إسلام جماعة وذلك مشهور من خبره.
الفصل السادس
فيما كان بينه وبين النبي من الود
صلى الله عليه وسلم من الود والخلة في الجاهلية تقدم في بدء إسلامه طرف من ذلك عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا برز سمع من يناديه يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هارباً فأسر ذلك إلى أبي بكر وكان نديمه في الجاهلية. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمراً فقال معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث فلما دخل أبو بكر وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً ثم ذكرت خديجة له حديثه وقالت يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده فقال انطلق بنا إلى ورقة فقال ومن أخبرك قال خديجة فانطلقا إليه فقصا عليه وذكر الحديث المشهور أخرجهما بهذا السياق في فضائل أبي بكر وقول خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الشيخان وكذلك حديث ورقة وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل السابع
فيما لقي من أذى المشركين بسبب دعائه إلى الله
تعالى ودفعه المشركين عن النبي صلى الله عليه وسلم وتوبيخه لهم
تقدم في ذكر إسلام أمه طرف من ذلك من حديث عائشة وعن أسماء بنت أبي بكر وقيل لها ما أشد ما رأيت من المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان المشركون قعوداً في المسجد الحرام فتذاكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقول في آلهتهم فبينما هم كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فقاموا عليه وكانوا إذا سألوه عن شيء صدقهم فقالوا ألست تقول في آلهتنا كذا وكذا قال بلى قال فتشبثوا به بأجمعهم فأتى الصريخ أبا بكر فقيل له أدرك صاحبك فخرج أبو بكر فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مجتمعون عليه فقال ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم قال فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر الصديق يضربونه قالت فرجع إلينا فجعل لا يمس شيئاً من غدائره إلا جاء معه وهو يقول تباركت يا ذا الجلال والإكرام خرجه أبو عمر وغيره.
شرح: الغدائر الذوائب واحدتها غديرة قاله الجوهري. وعن القاسم بن محمد قال لقي أبو بكر سفيهاً من سفهاء قريش وهو عائد إلى الكعبة فحثا على رأسه تراباً قال فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل قال فقال له أبو بكر ألا ترى ما صنع هذا السفيه قال أنت فعلت هذا بنفسك وهو يقول أي رب ما أحلمك ثلاثاً خرجه ابن إسحاق.

ذكر دفعه المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقاً شديداً فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم خرجه البخاري وخرجه أيضاً عن عمرو بن العاص نفسه وقال فيه يصلي في حجر الكعبة وفي بعض طرقه قال أقبل عقبة بن أبي معيط والنبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً وأقبل أبو بكر وأخذ بمنكبيه فدفعه عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وقال الحديث. وعن عمرو بن العاص قال ما نيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نيل منه ذات يوم طاف بالبيت ضحى فدخلوا عليه فقطعوا عليه الطواف وأخذوا بمنكبيه وقالوا أنت الذي تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا قال هو ذاك وأبو بكر ملتزمه من خلفه ويقول أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم وعيناه تهملان حتى خلوا سبيله عمرو بن العاص كان مشاهداً هذه القصة وابنه عبد الله أرسله عنه ولم يكن مشاهداً.
شرح: تلبيبه هو ما يجمع من ثوبه عند صدره ونحره في الخصومة ثم يجر به يقال لببته تلبيباً واللبة المنحر. وعن جابر بن عبد الله قال ضرب المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه فجاء أبو بكر فقال سبحان الله أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله فقالوا من هذا قال ابن أبي قحافة المجنون خرجه في فضائله. وعن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت: "تبت يدا أبي لهب وتب" أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:


مذمما أبينـا

ودينه قلينـا

وأمره عصينا
والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وإني أخاف أن تراك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لن تراني وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال تعالى: "إذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا" فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر إن صاحبك هجاني قال لا ورب هذا البيت ما هجاك قال فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها خرجه في فضائل أبي بكر بهذا الس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 7:09 am


ذكر إخراج المشركين أبا بكر وجوار ابن الدغنة له
عن عائشة قالت لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشياً فلما ابتلى المسلمون خرج أبي بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي فقال ابن الدغنة مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فارجع فاعبد ربك ببلدك فارتحل ابن الدغنة ورجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في كفار قريش فقال عن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره وليصل مهما شاء وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا ولا يشتغلن بالصلاة والقراءة في غير داره ففعل.
ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً في فناء داره فكان يصلي فيه ويقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكاء لا يملك دموعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا أجرنا لك أبا بكر على أن يعبد الله في داره وأنه جاوز ذلك وابتنى مسجداً بفناء داره وأعلن بالصلاة وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد الله في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر بالاستعلان فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال يا أبا بكر قد علمت الذي قد عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له قال أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة أخرجه البخاري وأبو حاتم وخرجه ابن إسحاق وقال استأذن أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له فخرج أبو بكر مهاجراً حتى إذا سار من مكة يوماً أو يومين لقيه ابن الدغنة ثم ذكر معناه وقال والله إنك لزين العشيرة وذكر معنى ما بقي.
شرح: برك الغماد بفتح الباء وتكسر وبضم الغين وتكسر وهو اسم موضع باليمن وقيل هو موضع وراء مكة بخمس ليال ذكره أبو موسى المديني وابن الدغنة بفتح الدال وكسر الغين المعجة وتخفيف النون بعدها هكذا قيده جمهور الحفاظ ويقال بضم الدال والغين وتشديد النون بوزن دجنة وهو الأكثر عن مؤرخي المغازي ويقال بفتح الدال وسكون الغين وهو تقييد أهل اللغة.

الفصل الثامن
في هجرته مع النبي
صلى الله عليه وسلم وخدمته له فيها وما جرى لهما في الطريق وما جرى لهما في الغار ومقدمهما المدينة ذكر خروجهما من مكة طالبين غار ثور وما يتعلق بذلك
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد رأيت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حتى ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى الحبشة من المسلمين وتجهز أبو بكر مهاجراً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي" قال أبو بكر وترجو ذلك بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر قالت عائشة فبينا نحن جلوس يوماً في بيتنا في نحر الظهيرة إذ قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل متقنع في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لي في الخروج قال أبو بكر فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال أبو بكر بأبي أنت يا رسول الله فخذ إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن قالت عائشة فجهزناهما أحسن الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب وقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها وأوكت به الجراب ولذلك سميت ذات النطاق ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بغار في جبل يقال له ثور فمكثا فيه ثلاث ليال" خرجه البخاري وأبو حاتم وزاد في بعض طرق البخاري يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما سحراً فيصبح عند قريش كبائت فلا يسمع أمراً يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك اليوم حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينفق ثمنها عامر بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني الدئل هادياً خريتاً والخريت الماهر في الهداية قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد ثلاث فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق الساحل وفي رواية قد غمس يده في حلف العاص بن وائل وفيهما فأخذ بهم طريق أذاخر طريق الساحل وعند أبي حاتم قال أبو بكر عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج قالت فأعطي النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما وهي الجدعاء فركبا حتى أتيا الغار ثم ذكر ما بعده شرح السبخة واحدة السباخ وأرض سبخة بكسر الباء ذات سباخ على رسلك مهلك وتؤدتك نحر الظهيرة الهاجرة ونحر النهار أوله فلعله أراد أول الهاجرة وإن كان سياق اللفظ يشعر بأن المراد شدة الظهيرة النطاق شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة والأسفل ينجر على الأرض وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان والجمع نطق يقال انتطقت المرأة إذا لبست النطاق وانتطق الرجل إذا لبس المنطقة وهو كل ما شددت به وسطك قاله الجوهري ثقف حاذق خفيف بزنة ضخم من ثقف ثقافة وثقف كخدر وخدر أو من ثقف ثقفاً كنعب نعباً لغتان فيه ولقن سريع الفهم والتلقين التفهيم يدلج أدلج القوم إذا ساروا أول الليل وادلجوا بالتشديد ساروا آخره والاسم الدلجة بضم الدال وفتحها فيهما منحة أصلها العطية ومنيحة اللبن أن تعطي الناقة أو الشاة أحداً غيرك يحلبها ثم يردها إليك فيجوز أن يكون ذلك لأبي بكر منحة من غيره ويجوز أن يكون سماها بملكها منحة توسعاً وقد استعمل ذلك فيما بعد الشرب وإن كان مملوكاً وهو المراد هنا والله أعلم يريحها أراح ماشيته إذا ردها إلى المراح وكذلك الترويح ولا يكون إلا بعد الزوال الرسل بالكسر اللبن وأرسل القوم صاروا ذا رسل والرضيف اللبن يغلي بالرضف وهي الحجارة المحماة ورضفه كواه بالرضف وخريتا أي دليلاً حاذقاً كما فسر في الحديث وخرت الأرض إذا عرف طرقها وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما عرض عليه الراحلة بالثمن لم يكن ذلك والله أعلم إلا لأن يخلص ثواب الهجرة له لا يشركه أحد في ثوابها وإلا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم في مال أبي بكر كما يحكم في مال نفسه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد ذكر ابن إسحاق أن أبا بكر لما قرب الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أفضلهما له وقال اركب فداك أبي وأمي فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أركب بعيراً ليس لي قال فهي لك يا رسول الله قال لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا قال قد أخذتها بذلك فقد بين في هذا سبب الامتناع من قبولها مجاناً وهو أنه لا يركب بعيراً ليس له وما ذاك والله أعلم إلا للمعنى الذي ذكرناه آنفاً لأنه لا يركب بعيراً إلا في طاعة وعبادة ولا تضاد بين هذا وحديث عائشة المتقدم وأن هذا القول كان منه في بيت أبي بكر لجواز أن الحديث في ذلك تكرر ويشهد لهذا أن الأول لم يكن فيه تبايع وإنما وعد به والثاني تضمن العقد والتمليك بالثمن والله أعلم وعنها أيضاً أنها قالت كان لا يخطئ أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة أتانا رسول الله بالهجيرة ثم ذكرت معنى ما تقدم وقالت بعد قولها فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله فقال الصحبة قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ خرجه ابن إسحاق ولم يعلم أحد فيما بلغني بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من أمانته وصدقه فلما أجمع على الخروج أتى أبا بكر فخرج من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار بثور جبل بأسفل مكة وأمر أبو بكر عبد الله بن أبي بكر أن يستمع لهما ما يقول الناس نهاراً ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون من الخبر وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما إذا أمسى في الغار وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام ومعه أبو بكر وجعلت قريش حين فقدوه مائة ناقة لمن رده عليهم حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه بعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتيهما ونسيت أن تجعل لها عصاماً فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس فيها عصام فتحل بطاقها فتجعله عصاماً ثم علقتها به فكان يقال لها ذات النطاق لذلك قال ابن هشام وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النطاقين وتفسيره أنها شقت نطاقها باثنتين فعلقت السفرة بواحدة وانتطقت بالأخرى وعن أسماء أنها قالت صنعت سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة قالت فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما تربطهما به قالت فقلت لأبي بكر والله ما أجد شيئاً أربطه به إلا نطاقي قالت قال شقيه باثنين فاربطي بأحدهما السقاء وبالآخر السفرة فلذلك سميت ذات النطاقين خرجه البخاري وفي رواية عند ابن السمان في كتاب الموافقة أن أبا بكر دفع إلى أسماء دراهم وقال ابتاعي بهذا سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتاعي به خبزاً ولحماً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه اللحم ثم ذكر انطلاقهم إلى الغار وقال فدخل أبو بكر الغار فلم ير فيه حجراً إلا أدخل إصبعه فيه حتى أتى على حجر كبير فأدخل رجله فيه إلى فخذه ثم قال ادخل يا رسول الله فقد مهدت لك الموضع تمهيداً قال ثم إن المشركين خرجوا بأجمعهم ينظرون إلى أثر قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شثن الكفين والقدمين حتى أتوا منزل أبي بكر وأسماء تعالج اللحم فأخرجت المصباح ليغلب رائحة الإدام فسألوا أسماء فقالت إني مشغولة في عمل فانطلقوا وجعلوا فيه مائة ناقة لمن قتله وأقبلوا إلى باب الغار فعفا الله أثره وأثر أبي بكر فلم يستبن لهم وقعد رجل منهم يبول فقال أبو بكر يا رسول الله قد رآنا القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يا أبا بكر ما رأونا ولو رأونا ما قعد ذلك يبول بين أيدينا فتفرقوا وبات أبو بكر بليلة منكرة من الأفعى فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر وقد تورم جسده فقال يا رسول الله الأفعى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا أعلمتني فقال أبو بكر كرهت أن أفسد عليك قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من عقال ثم ذكر ما بعده وعنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش وفيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال لا ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة يقول:قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر وقد تورم جسده فقال يا رسول الله الأفعى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا أعلمتني فقال أبو بكر كرهت أن أفسد عليك قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من عقال ثم ذكر ما بعده وعنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش وفيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال لا ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة يقول:


جزى الله رب الناس خير جزائه


رفيقين حلاً خيمتي أم معـبـد

هما نزلا بالبـر ثـم تـروحـا


فأفلح من أمسى رفيق محمـد

ليهن بني كعب مكان فتاتـهـم


ومقعدها للمؤمنين بمـرصـد
خرجه ابن إسحاق وسيأتي قصة أم معبد مستوفاة في الذكر الثالث من هذا الفصل إن شاء الله تعالى شرح القرط هو الذي يعلق في شحمة الأذن والجمع قرطة وقراط كرمح ورماح وإتيان قريش هذا بيت أبي بكر الظاهر أنه غير الأول الذي تضمنه حديثها من رواية ابن السمان وأن هذا كان بعد اليأس منهم ألا تراها تقسم بالله أنها لا تعلم أين وجهه وفي ذلك الوقت كانت تعلم أنه بالغار لأنها كانت تأتينهم بالطعام على ما تقدم بيانه وقولها أقمنا ثلاثاً لا نعلم أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد توجههما من الغار والله أعلم ويجوز أن يكون هو ذلك الأول أو بعده قريباً منه وهم بالغار ولم تكن علمت حينئذ ثم علمت بعد إلا أن قولها فأقمنا ثلاثاً لا نعلم لا يجوز حملها على الثلاث الأول فإنها مدة مقامهم في الغار وقد كانت عالمة بهم فيكون سؤالهم عنه في تلك وهو الظاهر من حال الباحث عن شيء ويكون قولها فأقمنا ثلاثاً أي بعد علمها بهم أولاً ثم ارتحالهم من الغار والله أعلم قال ابن إسحاق لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار وأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة وقال إن الله جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها فخرجوا أرسالاً وأقام النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر أن يؤذن له ولم يتخلف معه من أصحابه إلا من حبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً فيطمع أبو بكر أن يكون إياه وعن علي قال جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له من يهاجر معي فقال أبو بكر وهو الصديق خرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر الغار وما جرى لأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
وعن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه حدثهم قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أراد أحد منهم أن ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما خرجه أبو حاتم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ذكر عنده أبو بكر فبكى وقال وددت لو أن عملي كله من عمله يوماً واحداً من أيامه وليلة من لياليه وأما الليلة فليلة سار مع رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى الغار فلما انتهيا إليه قال والله لا تدخله حتى أدخل قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخله فكسحه ووجد في جوانبه ثقباً فشق إزاره وسد بها تلك الثقب وبقي منها اثنان فألقمهما رجله ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع رأسه في حجره فنام فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر فلم يتحرك مخافة أن يستنبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لك يا أبا بكر قال لدغت فداك أبي وأمي فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه فكان سبب موته فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا نؤدي زكاة فقال لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تألف الناس وارفق بهم فقال أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام إنه قد انقطع الوحي وتم الدين ثم انتفض وأنا حي خرجه النسائي وخرج في الصفوة منه قصة الغار عن أنس وقال في آخره فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين ثوبك يا أبا بكر فأخبره بالذي صنع فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم اجعل أبا بكر في درجتي يوم القيامة فأوحى الله سبحانه إليه أن الله قد استجاب لك وخرجه الحافظ أبو الحسن بن بشران والملاء في سيرته عن ميمون بن مهران عن ضبة بن محصن الغنوي قال كان علينا أبو موسى أميراً بالبصرة فكان إذا خطبنا حمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم بدأ يدعو لعمر قال فأغاظني ذلك منه فقمت إليه فقلت له أين أنت عن صاحبه تفضله عليه قال فصنع ذلك ثلاث جمع ثم كتب إلى عمر يشكوني ويقول إن ضبة بن محصن الغنوي يتعرض لي في خطبتي قال فكتب إليه عمر أن أشخصه لي قال فأشخصني إليه فقدمت على عمر فدققت عليه الباب فخرج محصن الغنوي قال فلا مرحباً ولا أهلاً قال قلت أما الرحب فمن الله عز وجل وأما الأهل فلا أهل ولا مال فبم استحللت يا عمر مصري بلا ذنب أذنبته قال فما الذي شجر بينك وبين عاملك قال قلت الآن أخبرك يا أمير المؤمنين كان إذا خطبنا فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بدأ يدعو لك فأغاظني ذلك منه قال فقمت إليه وقلت له أين أنت عن صاحبه تفضله عليه فصنع ذلك ثلاث جمع ثم كتب إليك يشكوني قال فاندفع عمر باكياً فجعلت أرثي له ثم قال أنت والله أوثق عنه وأرشد فهل أنت غافر لي ذنبي يغفر الله لك ذنبك قال قلت غفر الله لك يا أمير المؤمنين ثم اندفع باكياً وهو يقول والله الليلة من أبي بكر خير من عمر هل لك أن أحدثك بيومه وليلته قال قلت نعم يا أمير المؤمنين قال أما الليلة فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم هارباً من أهل مكة خرج ليلاً فتبعه أبو بكر فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك قال يا رسول الله اذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك قال فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه فلما رأى أبو بكر أنها قد حفيت حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار فأنزله ثم قال والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخل فلم ير فيه شيئاً فحمله وكان في الغار خروق فيها حيات وأفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج منها شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والأفاعي وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته وهي طمأنينة لأبي بكر فهذه ليلته وأما يومه فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل ما تقدم وقال في آخره ثم كتب إلى أبي موسى يلومه خرجه الملاء في سيرته وصاحب فضائله وخرج الخجندي معناه وزاد بعد قوله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك إلى آخره فقال يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك قال نعم والذي بعثك بالحق ثم ذكر معنى ما بعده ثم قال بعد ذكر سد الجحرة انزل يا رسول الله فنزل ثم قال عمر والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر شرح الغار الكهف في الجبل والجمع غيران كسحه كنسه والمكسحة المكنسة طمأنينة هكذا قيد في الحديث تقول اطمأن الرجل اطميناناً وطمأنينة من غير همز عند إلحاق الهاء إذا سكن قاله الجوهري فتفل التفل شبيه بالبزق وهو أقل منه أوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ تقول منه تفل يتفل بضم الفاء وكسرها قاله الجوهري الخوار الضعيف من الخور بالتحريك يقال رجل خوار وأرض خوارة ورمح خوار والجمع خور أشخصه من شخص من بلد إلى بلد شخوصاً إذا ذهب أو أشخصه غيره مرحباً من الرحب بالضم السعة وفلان رحب الصدر أي واسعه وقولهم مرحباً وأهلاً أي أتيت سعة وأتيت أهلاً فاستأنس ولا تستوحش شجر بينك وبين عاملك أي اختلف واشتجر القوم وتشاجروا أي تنازعوا والمشاجرة المنازعة الرصد بالتحريك القوم يرصدون كالحرس يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وربما قالوا في الجميع أرصاد بالإسكان مصدر رصدت الشيء أرصده رصداً ورصداً أيضاً إذا راقبته حفيت رجله أي رقت من كثرة المشي ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وكان حافياً وإلا فلا يحتمل بعد الإمكان ذلك ويؤيد ذلك ما روته عائشة قالت قال لي أبو بكر لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطرتا دماً وأما قدماي كأنهما صفوان فقالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية ولا الرعبة ولا الشقوة خرجه في فضائله أو لعلهم أضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه وقوله فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة إلا بتقدير ذلك أو سلوك غير الطريق تعمية على الطلب الكاهل الحارك وهو ما بين الكتفين قال صلى الله عليه وسلم تميم كاهل مضر وعليها المحمل الأفاعي جمع أفعى وهي الحية تقول هذه أفعى بالتنوين وكذلك أروى قاله الجوهري وفي قوله انزل يا رسول الله دليل على أن باب الغار كان من أعلاه ويؤيده أن في حديث الخجندي أن أبا بكر لما دخل الغار وخرج حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبريء الجحرة فقال مكانك يا رسول الله حتى استبريء الجحرة فدخل فاستبرأها ثم قال انزل يا رسول الله وقول عمر خير من آل عمر يعني نفسه ومنه اعملوا آل داود شكراً أي دواد نفسه وعن ابن عباس قال لما كانت ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار قال لصاحبه أبي بكر أنائم أنت قال لا وقد رأيت صنيعك وتقليك يا رسول الله فما بالك بأبي أنت وأمي قال جحر رأيته قد انهار فخشيت أن يخرج منه هامة تؤذيك أو تؤذيني فقال أبو بكر يا رسول الله فأين هو فأخبره فسد الجحر وألقمه عقبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمك الله من صديق صدقتني حين كذبني الناس ونصرتني حين خذلني الناس وآمنت بي حين كفر بي الناس وآنستني في وحشتي فأي منه لأحد علي كمثلك خرجه في فضائله. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل ما تقدم وقال في آخره ثم كتب إلى أبي موسى يلومه خرجه الملاء في سيرته وصاحب فضائله وخرج الخجندي معناه وزاد بعد قوله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك إلى آخره فقال يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك قال نعم والذي بعثك بالحق ثم ذكر معنى ما بعده ثم قال بعد ذكر سد الجحرة انزل يا رسول الله فنزل ثم قال عمر والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر شرح الغار الكهف في الجبل والجمع غيران كسحه كنسه والمكسحة المكنسة طمأنينة هكذا قيد في الحديث تقول اطمأن الرجل اطميناناً وطمأنينة من غير همز عند إلحاق الهاء إذا سكن قاله الجوهري فتفل التفل شبيه بالبزق وهو أقل منه أوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ تقول منه تفل يتفل بضم الفاء وكسرها قاله الجوهري الخوار الضعيف من الخور بالتحريك يقال رجل خوار وأرض خوارة ورمح خوار والجمع خور أشخصه من شخص من بلد إلى بلد شخوصاً إذا ذهب أو أشخصه غيره مرحباً من الرحب بالضم السعة وفلان رحب الصدر أي واسعه وقولهم مرحباً وأهلاً أي أتيت سعة وأتيت أهلاً فاستأنس ولا تستوحش شجر بينك وبين عاملك أي اختلف واشتجر القوم وتشاجروا أي تنازعوا والمشاجرة المنازعة الرصد بالتحريك القوم يرصدون كالحرس يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وربما قالوا في الجميع أرصاد بالإسكان مصدر رصدت الشيء أرصده رصداً ورصداً أيضاً إذا راقبته حفيت رجله أي رقت من كثرة المشي ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وكان حافياً وإلا فلا يحتمل بعد الإمكان ذلك ويؤيد ذلك ما روته عائشة قالت قال لي أبو بكر لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطرتا دماً وأما قدماي كأنهما صفوان فقالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية ولا الرعبة ولا الشقوة خرجه في فضائله أو لعلهم أضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه وقوله فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة إلا بتقدير ذلك أو سلوك غير الطريق تعمية على الطلب الكاهل الحارك وهو ما بين الكتفين قال صلى الله عليه وسلم تميم كاهل مضر وعليها المحمل الأفاعي جمع أفعى وهي الحية تقول هذه أفعى بالتنوين وكذلك أروى قاله الجوهري وفي قوله انزل يا رسول الله دليل على أن باب الغار كان من أعلاه ويؤيده أن في حديث الخجندي أن أبا بكر لما دخل الغار وخرج حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبريء الجحرة فقال مكانك يا رسول الله حتى استبريء الجحرة فدخل فاستبرأها ثم قال انزل يا رسول الله وقول عمر خير من آل عمر يعني نفسه ومنه اعملوا آل داود شكراً أي دواد نفسه وعن ابن عباس قال لما كانت ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار قال لصاحبه أبي بكر أنائم أنت قال لا وقد رأيت صنيعك وتقليك يا رسول الله فما بالك بأبي أنت وأمي قال جحر رأيته قد انهار فخشيت أن يخرج منه هامة تؤذيك أو تؤذيني فقال أبو بكر يا رسول الله فأين هو فأخبره فسد الجحر وألقمه عقبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمك الله من صديق صدقتني حين كذبني الناس ونصرتني حين خذلني الناس وآمنت بي حين كفر بي الناس وآنستني في وحشتي فأي منه لأحد علي كمثلك خرجه في فضائله.
شرح: الهامة مخفف من طير الليل وهو الصدى والجمع هام قاله الجوهري فلعله أراد ذلك لأنهم أتوا الغار ليلاً أو أراد دواب الأرض استعارة من ذلك. وعن جابر بن عبد الله أن أبا بكر الصديق لما ذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار فدخل أبو بكر ثم قال كما أنت يا رسول الله فضرب برجله فأطار اليمام يعني الحمام الطوري وطاف فلم ير شيئاً فقال ادخل يا رسول الله فدخل فإذا في الغار جحر فألقمه أبو بكر عقبة مخافة أن يخرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء وغزل العنكبوت على الغار وذهب الطالب في كل مكان فمروا على الغار فأشفق أبو بكر منهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا. وعن جندب بن عبد الله بن سفيان العلقي قال لما انطلق أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم على الغار فأصاب يده شيء فجعل يمسح الدم من أصبعه ويقول:


هل أنت إلا إصبع دميت


وفي سبيل الله ما لقيت
شرح: في جندب لغتان ضم الدال وفتحها وسفيان جده نسب إليه وجندب هذا نزل الكوفة فيمن نزلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صار إلى البصرة ثم خرج عنها والعلقي منسوب إلى علق فخذ من بجيلة خرجه في فضائله. وعن أنس أن أبا بكر حدثه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما أخرجاه وأبو حاتم وغيرهم من طرق كثيرة وفيه دلالة على ما تقدم من أن باب الغار كان من أعلاه. وعن أبي مصعب المكي قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة وسمعتهم يتحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الغار قال فأمر الله عز وجل شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار فأقبل فتيان من قريش من كل بطن رجل بعصيهم وهراواتهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم بقدر أربعين ذراعاً فجاء رجل منهم لينظر في الغار فرأى الحمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا ما لك لم تنظر في الغار قال رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أن ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعرفا أن الله ذرأ بهما فدعا لهن النبي صلى الله عليه وسلم وشمت عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم خرجه في فضائله.
شرح: الهراوة العصا الضخمة والجمع الهراوى بفتح الواو بزنة مطايا كما في الاداوة وهروته بالهراوة وتهريته أي ضربته بها شمت عليهن أي برك عليهن ومنه الحديث شمتوا في الطعام أي إذا فرغتم فادعوا بالبركة لمن طعمتم عنده ومنه تشميت العاطس. قال أبو عمرو واختلفوا في مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار فيروى عن مجاهد ما روته عائشة في الحديث المتقدم في كتاب قبله فمكثا فيه ثلاث ليال وعليه جمهور المحدثين. وروي في حديث مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مكثت مع صاحبي في الغار بضعة عشر يوماً ما لنا طعام إلا ثمر البرير يعني ثمر الأراك ولا يصح هذا وحمله على غار ثور غلط فإنه كان طعامهم فيه ما تقدم ذكره وإنما كانت هذه القصة والله أعلم أيام كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب يدعوهم إلى الله عز وجل ويروى أن ثمر البرير كان طعام النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في سفر الهجرة. وعن سعد بن هشام قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فقام رجل فقال يا رسول الله أحرق بطوننا التمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني خرجت أنا وصاحبي هذا يعني أبا بكر ليس لنا طعام إلا حب البرير فقدمنا على إخواننا الأنصار فواسونا في طعامهم وكان جل طعامهم التمر وايم الله لو أجد لكم الخبز لأطعمتكموه خرجه في فضائله وسعد بن هشام تابعي يروي عن الزهري وأنس وعائشة. وعن ابن عباس قال كان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش عطشاً شديداً فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اذهب على صدر الغار فأشرب قال أبو بكر فانطلقت إلى صدر الغار فشربت ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك ثم عدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال شربت قلت نعم قال ألا أبشرك يا أبا بكر قلت بلى يا رسول الله قال إن الله تبارك وتعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن أخرق نهراً من جنة الفردوس على صدر الغار ليشرب أبو بكر فقلت يا رسول الله ولي عند الله هذه المنزلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم وأفضل والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبياً خرجه الملاء في سيرته.
ذكر توجههما طالبين المدينة وما جرى لهما في الطريق ومقدمهما المدينة وما يتعلق بذلك
عن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب رجلاً بثلاثة عشر دراهماً فقال أبو بكر لعازب مر البراء فليحمله إلى أهلي فقال عازب لا حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكما فقال ارتحلنا من مكة فأحيينا ليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة رميت ببصري هل أرى ظلاً نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظلها فسويته ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم ذهبت أنظر هل أرى من الطلب أحداً فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي نريد يعني الظل فسألته فقلت لمن أنت يا غلام فقال الغلام لفلان رجل من قريش فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم فقلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض عنها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه فقال هكذا فضرب إحدى يديه على الأخرى فحلب لي كثبة من لبن وقد رويت ومعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته قد استيقظ فقلت اشرب يا رسول الله فشرب فقلت قد آن الرحيل يا رسول الله فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن جعشم على فرس له فقلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا فلما دنا منا وكان بيننا وبينه قدر رمحين أو ثلاثة قلت هذا الطلب يا رسول الله وبكيت فقال ما يبكيك قلت ما والله على نفسي أبكي ولكن أبكي عليك فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اكفناه بما شئت قال فساخت فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ثم قال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من درائي من الطلب وهذه كنانتي خذ منها سهماً فإنك ستمر على إبلي وغنمي في مكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في إبلك ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق راجعاً إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا المدينة ليلاً فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أنزل الليلة على بني النجار أخوال بني عبد المطلب أكرمهم بذلك فخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطريق وعلى البيوت من الغلمان والخدم يقولون جاء محمد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح انطلق فنزل حيث أمر. قال البراء وكان أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار بن قصي فقلنا له ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو في مكانه وأصحابه على أثري ثم أتى بعده عمر بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر فقلنا ما فعل من وراءك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال هم الآن على أثري ثم أتى بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وبلال ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهم وأبو بكر معه. قال البراء فلم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأ عشراً من المفصل ثم خرجنا تلقاء العير فوجدناهم قد حذروا أخرجه بتمامه أبو حاتم وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث الهجرة إلى بلوغ المدينة. وفي رواية مكان ساخت فرسه فارتطم فرسه إلى بطنه فقال قد أعلم أنكما قد دعوتما علي فادعوا لي ولكما أن أرد عنكما الناس ولا أضركما قال فدعوا له فخرجت به الفرس فرجع فوفى للنبي صلى الله عليه وسلم وجعل يرد الناس. وقد ذكر ابن إسحاق أن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي هاجر إليها قبل بيعة العقبة حين آذته قريش عند مقدمه من الحبشة فبلغه إسلام من أسلم من الأنصار فخرج إليهم مهاجراً ثم هاجر بعده عامر بن ربيعة حليف بني كعب بن عدي وامرأته ليلى بنت أبي حيثمة ثم عبد الله بن جحش احتمل بأهله وأخيه عبد الرحمن بن جحش وهو أبو أحمد وكان أبو أحمد رجلاً ضرير البصر وكان يطوف مكة أعلاها وأسفها بغير قائد وكان شاعراً ثم قدم المهاجرون أرسالاً ولا تضاد بينه وبين ما تقدم فيكون أول من قدمها مطلقاً أبو سلمة وأول من هاجر بعد بيعة الأنصار مصعب بن عمير كما تقدم وأما من ذكره ابن إسحاق بعد أبي سلمة فجائز أن يكون أيضاً قبل العقبة كأبي سلمة وجاز أن يكون بعدها بعد مصعب بن عمير ولم يبلغ ابن إسحاق مهاجر مصعب قبله والله أعلم.ا تقدم وأما من ذكره ابن إسحاق بعد أبي سلمة فجائز أن يكون أيضاً قبل العقبة كأبي سلمة وجاز أن يكون بعدها بعد مصعب بن عمير ولم يبلغ ابن إسحاق مهاجر مصعب قبله والله أعلم.
شرح: أظهرنا أي دخلنا في الظهيرة وقائم الظهيرة عبارة عن اشتدادها وكذلك حر الظهيرة وقوله هل أنت حالب لي قال نعم هذا محمول على أنه عرف مالكها وعلم أنه يرضى بتصرفه لصداقة بينهما أو على أن قوله هل أنت حالب لي أراد به هل أذن لك في ذلك أو على أن ذلك مستفاض بين العرب لا يرون بأساً على محتاج يتناول من لبن ماشيتهم ويبيحون ذلك لرعيانهم أو على إباحة ذلك لمضطر لا يجد غير مال الغير وقد يكون الحال كذلك على أن بعض العلماء لم يشترط الضرورة وأباح ذلك للمسافر وإن لم يكن مضطراً واستدل بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مر أحدكم بإبل فأراد أن يشرب فليناد يا راعي الإبل فإن أجابه وإلا فليشرب أو على استباحة أموال المشركين على أنه قد روي ما يضاد هذا الحديث في الظاهر. عن زر عن عبد الله بن مسعود قال كنت غلاماً يافعاً في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها فأتى علي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال يا غلام هل معك من لبن قلت نعم ولكني مؤتمن قال فقال ائتني بشاة لم ينز عليها الفحل فأتيته بعناق فاعتزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعل يمسح الضرع ويدعو حتى أنزلت فأتاه أبو بكر بشيء فاحتلب فيه ثم قال لأبي بكر اشرب فشرب أبو بكر ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم بعده ثم قال للضرع اقلص فقلص فعاد كما كان قال ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله علمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن فمسح رأسي وقال إنك غلام معلم فلقد أخذت من فيه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر أخرجه أبو حاتم ابن حبان. وفي رواية أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقالا يا غلام عندك من لبن تسقينا قلت إني مؤتمن ولست بساقيكما فقالا هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد قلت نعم وأتيتهما بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع ودعا فحفل الضرع وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقياني ثم قال للضرع اقلص فقلص. وفي رواية قال يا غليم مكان يا غلام ثم ذكر معنى ما بعده وقال فأتيته بشاة شطور لم ينز عليها الفحل والشطور الذي ليس لها إلا ضرع واحد فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان الضرع وما لها ضرع فإذا ضرع حافل مملوء لبناً فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصخرة منقعرة فاحتلب ثم سقى أبا بكر وسقاني ثم قال للضرع اقلص فرجع كما كان فأنا رأيت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله علمني فمسح رأسي وقال بارك الله فيك فإنك غلام معلم فأسلمت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن عنده على حراء إذا نزلت عليه "والمرسلات" أخرجه الطبراني في معجمه وخرج منه الغساني في معجمه قوله كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا غلام هل من لبن فقلت نعم ولكني مؤتمن. والظاهر أن هذه قضية غير تلك اتفقت لهما في بعض أسفارهما قبل الهجرة ألا ترى إلى اختلاف قول الراعيين واختلاف الحالبين واختلاف ما حلبا فيه. ويؤيد ذلك قوله بعد إسلامه وإتيانه إليه فبينما نحن عنده على حراء وأنه نزلت عليه سورة "والمرسلات" هذا فيه أبين البيان بأن ذلك قبل الهجرة فإنه بعد الهجرة لم يأت مكة إتياناً يتمكن فيه من إتيان حراء وسورة المرسلات مما نزل بمكة قبل الهجرة وقوله في هذا الحديث يافعاً أي مرتفعاً من اليفاع وهو ما ارتفع من الأرض وأيفع الغلام أي ارتفع فهو يافع ولا يقال موفع وهو من النادر قاله الجوهري وذكر الفراء في حدوده أنه يقال يفع الغلام وحكاه ثابت عن أبي عبيدة في خلق الإنسان وقوله فيه لم ينز عليها الفحل أي لم تضرب ولم يواقعها الفحل تقول نزا نزاء بالكسر يقال ذلك في الحافر والظلف والسباع ونزاه غيره ونزاه وأما النزا بالضم فهو داء يأخذ الشاة فتنزوي منه حتى تموت حفل الضرع جمع والتحفيل التصرية صخرة منقعرة أي ذات قعر من التقعير والتعمق ورأيتها في الحديث مقيدة بالنون ولا معنى له هنا فإن المنقعر المنقلع ومنه أعجاز نخل منقعر قلص ارتفع والشطور قد فسرها في الحديث وقوله فمسح صلى الله عليه وسلم مكان الضرع وما لها ضرع بعد قوله لها ضرع واحد يريد به والله أعلم مكان الضرع الآخر وما لها فيه ضرع وإلا تضاد أول الحديث وآخره فقد تضمن هذا الحديث أن سورة المرسلات نزلت بحراء وسورة المرسلات مما نزلت بمكة قبل الهجرة وقد جاء في المتفق عليه من الصحيحين عن عبد الله قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذا نزلت عليه والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وعن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسقتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم ووقيتم شرها.الحديث وآخره فقد تضمن هذا الحديث أن سورة المرسلات نزلت بحراء وسورة المرسلات مما نزلت بمكة قبل الهجرة وقد جاء في المتفق عليه من الصحيحين عن عبد الله قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذا نزلت عليه والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وعن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسقتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم ووقيتم شرها.
وقوله بمنى للبخاري دون مسلم وهذا أصح وأثبت
وقوله في حديث البراء فاعتقل شاة وهو أن يضع رجليها بين فخذه وساقه ليحلبها واعتقل رمحه إذا جعله بين ساقه وركابه وكأنه جعل له ذلك عقالاً وفي أمره بنفض الضرع ونفض اليد وفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسويته الأرض دليل على التوسعة في مثل هذه الرفاهية ونحوها الكثبة من اللبن قدر حلبة الأداوة المطهرة والجمع أداوى وقوله فصببت على اللبن حتى برد أسفل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 7:11 am


الفصل الثامن
في هجرته مع النبي
صلى الله عليه وسلم وخدمته له فيها وما جرى لهما في الطريق وما جرى لهما في الغار ومقدمهما المدينة ذكر خروجهما من مكة طالبين غار ثور وما يتعلق بذلك
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد رأيت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حتى ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى الحبشة من المسلمين وتجهز أبو بكر مهاجراً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي" قال أبو بكر وترجو ذلك بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر قالت عائشة فبينا نحن جلوس يوماً في بيتنا في نحر الظهيرة إذ قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل متقنع في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لي في الخروج قال أبو بكر فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال أبو بكر بأبي أنت يا رسول الله فخذ إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن قالت عائشة فجهزناهما أحسن الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب وقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها وأوكت به الجراب ولذلك سميت ذات النطاق ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بغار في جبل يقال له ثور فمكثا فيه ثلاث ليال" خرجه البخاري وأبو حاتم وزاد في بعض طرق البخاري يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما سحراً فيصبح عند قريش كبائت فلا يسمع أمراً يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك اليوم حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينفق ثمنها عامر بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني الدئل هادياً خريتاً والخريت الماهر في الهداية قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد ثلاث فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق الساحل وفي رواية قد غمس يده في حلف العاص بن وائل وفيهما فأخذ بهم طريق أذاخر طريق الساحل وعند أبي حاتم قال أبو بكر عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج قالت فأعطي النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما وهي الجدعاء فركبا حتى أتيا الغار ثم ذكر ما بعده شرح السبخة واحدة السباخ وأرض سبخة بكسر الباء ذات سباخ على رسلك مهلك وتؤدتك نحر الظهيرة الهاجرة ونحر النهار أوله فلعله أراد أول الهاجرة وإن كان سياق اللفظ يشعر بأن المراد شدة الظهيرة النطاق شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة والأسفل ينجر على الأرض وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان والجمع نطق يقال انتطقت المرأة إذا لبست النطاق وانتطق الرجل إذا لبس المنطقة وهو كل ما شددت به وسطك قاله الجوهري ثقف حاذق خفيف بزنة ضخم من ثقف ثقافة وثقف كخدر وخدر أو من ثقف ثقفاً كنعب نعباً لغتان فيه ولقن سريع الفهم والتلقين التفهيم يدلج أدلج القوم إذا ساروا أول الليل وادلجوا بالتشديد ساروا آخره والاسم الدلجة بضم الدال وفتحها فيهما منحة أصلها العطية ومنيحة اللبن أن تعطي الناقة أو الشاة أحداً غيرك يحلبها ثم يردها إليك فيجوز أن يكون ذلك لأبي بكر منحة من غيره ويجوز أن يكون سماها بملكها منحة توسعاً وقد استعمل ذلك فيما بعد الشرب وإن كان مملوكاً وهو المراد هنا والله أعلم يريحها أراح ماشيته إذا ردها إلى المراح وكذلك الترويح ولا يكون إلا بعد الزوال الرسل بالكسر اللبن وأرسل القوم صاروا ذا رسل والرضيف اللبن يغلي بالرضف وهي الحجارة المحماة ورضفه كواه بالرضف وخريتا أي دليلاً حاذقاً كما فسر في الحديث وخرت الأرض إذا عرف طرقها وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما عرض عليه الراحلة بالثمن لم يكن ذلك والله أعلم إلا لأن يخلص ثواب الهجرة له لا يشركه أحد في ثوابها وإلا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم في مال أبي بكر كما يحكم في مال نفسه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد ذكر ابن إسحاق أن أبا بكر لما قرب الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أفضلهما له وقال اركب فداك أبي وأمي فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أركب بعيراً ليس لي قال فهي لك يا رسول الله قال لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا قال قد أخذتها بذلك فقد بين في هذا سبب الامتناع من قبولها مجاناً وهو أنه لا يركب بعيراً ليس له وما ذاك والله أعلم إلا للمعنى الذي ذكرناه آنفاً لأنه لا يركب بعيراً إلا في طاعة وعبادة ولا تضاد بين هذا وحديث عائشة المتقدم وأن هذا القول كان منه في بيت أبي بكر لجواز أن الحديث في ذلك تكرر ويشهد لهذا أن الأول لم يكن فيه تبايع وإنما وعد به والثاني تضمن العقد والتمليك بالثمن والله أعلم وعنها أيضاً أنها قالت كان لا يخطئ أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة أتانا رسول الله بالهجيرة ثم ذكرت معنى ما تقدم وقالت بعد قولها فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله فقال الصحبة قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ خرجه ابن إسحاق ولم يعلم أحد فيما بلغني بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من أمانته وصدقه فلما أجمع على الخروج أتى أبا بكر فخرج من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار بثور جبل بأسفل مكة وأمر أبو بكر عبد الله بن أبي بكر أن يستمع لهما ما يقول الناس نهاراً ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون من الخبر وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما إذا أمسى في الغار وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام ومعه أبو بكر وجعلت قريش حين فقدوه مائة ناقة لمن رده عليهم حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه بعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتيهما ونسيت أن تجعل لها عصاماً فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس فيها عصام فتحل بطاقها فتجعله عصاماً ثم علقتها به فكان يقال لها ذات النطاق لذلك قال ابن هشام وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النطاقين وتفسيره أنها شقت نطاقها باثنتين فعلقت السفرة بواحدة وانتطقت بالأخرى وعن أسماء أنها قالت صنعت سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة قالت فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما تربطهما به قالت فقلت لأبي بكر والله ما أجد شيئاً أربطه به إلا نطاقي قالت قال شقيه باثنين فاربطي بأحدهما السقاء وبالآخر السفرة فلذلك سميت ذات النطاقين خرجه البخاري وفي رواية عند ابن السمان في كتاب الموافقة أن أبا بكر دفع إلى أسماء دراهم وقال ابتاعي بهذا سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتاعي به خبزاً ولحماً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه اللحم ثم ذكر انطلاقهم إلى الغار وقال فدخل أبو بكر الغار فلم ير فيه حجراً إلا أدخل إصبعه فيه حتى أتى على حجر كبير فأدخل رجله فيه إلى فخذه ثم قال ادخل يا رسول الله فقد مهدت لك الموضع تمهيداً قال ثم إن المشركين خرجوا بأجمعهم ينظرون إلى أثر قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شثن الكفين والقدمين حتى أتوا منزل أبي بكر وأسماء تعالج اللحم فأخرجت المصباح ليغلب رائحة الإدام فسألوا أسماء فقالت إني مشغولة في عمل فانطلقوا وجعلوا فيه مائة ناقة لمن قتله وأقبلوا إلى باب الغار فعفا الله أثره وأثر أبي بكر فلم يستبن لهم وقعد رجل منهم يبول فقال أبو بكر يا رسول الله قد رآنا القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يا أبا بكر ما رأونا ولو رأونا ما قعد ذلك يبول بين أيدينا فتفرقوا وبات أبو بكر بليلة منكرة من الأفعى فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر وقد تورم جسده فقال يا رسول الله الأفعى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا أعلمتني فقال أبو بكر كرهت أن أفسد عليك قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من عقال ثم ذكر ما بعده وعنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش وفيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال لا ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة يقول:قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر وقد تورم جسده فقال يا رسول الله الأفعى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا أعلمتني فقال أبو بكر كرهت أن أفسد عليك قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من عقال ثم ذكر ما بعده وعنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش وفيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال لا ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة يقول:


جزى الله رب الناس خير جزائه


رفيقين حلاً خيمتي أم معـبـد

هما نزلا بالبـر ثـم تـروحـا


فأفلح من أمسى رفيق محمـد

ليهن بني كعب مكان فتاتـهـم


ومقعدها للمؤمنين بمـرصـد
خرجه ابن إسحاق وسيأتي قصة أم معبد مستوفاة في الذكر الثالث من هذا الفصل إن شاء الله تعالى شرح القرط هو الذي يعلق في شحمة الأذن والجمع قرطة وقراط كرمح ورماح وإتيان قريش هذا بيت أبي بكر الظاهر أنه غير الأول الذي تضمنه حديثها من رواية ابن السمان وأن هذا كان بعد اليأس منهم ألا تراها تقسم بالله أنها لا تعلم أين وجهه وفي ذلك الوقت كانت تعلم أنه بالغار لأنها كانت تأتينهم بالطعام على ما تقدم بيانه وقولها أقمنا ثلاثاً لا نعلم أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد توجههما من الغار والله أعلم ويجوز أن يكون هو ذلك الأول أو بعده قريباً منه وهم بالغار ولم تكن علمت حينئذ ثم علمت بعد إلا أن قولها فأقمنا ثلاثاً لا نعلم لا يجوز حملها على الثلاث الأول فإنها مدة مقامهم في الغار وقد كانت عالمة بهم فيكون سؤالهم عنه في تلك وهو الظاهر من حال الباحث عن شيء ويكون قولها فأقمنا ثلاثاً أي بعد علمها بهم أولاً ثم ارتحالهم من الغار والله أعلم قال ابن إسحاق لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار وأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة وقال إن الله جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها فخرجوا أرسالاً وأقام النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر أن يؤذن له ولم يتخلف معه من أصحابه إلا من حبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً فيطمع أبو بكر أن يكون إياه وعن علي قال جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له من يهاجر معي فقال أبو بكر وهو الصديق خرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر الغار وما جرى لأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
وعن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه حدثهم قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أراد أحد منهم أن ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما خرجه أبو حاتم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ذكر عنده أبو بكر فبكى وقال وددت لو أن عملي كله من عمله يوماً واحداً من أيامه وليلة من لياليه وأما الليلة فليلة سار مع رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى الغار فلما انتهيا إليه قال والله لا تدخله حتى أدخل قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخله فكسحه ووجد في جوانبه ثقباً فشق إزاره وسد بها تلك الثقب وبقي منها اثنان فألقمهما رجله ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع رأسه في حجره فنام فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر فلم يتحرك مخافة أن يستنبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لك يا أبا بكر قال لدغت فداك أبي وأمي فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه فكان سبب موته فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا نؤدي زكاة فقال لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تألف الناس وارفق بهم فقال أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام إنه قد انقطع الوحي وتم الدين ثم انتفض وأنا حي خرجه النسائي وخرج في الصفوة منه قصة الغار عن أنس وقال في آخره فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين ثوبك يا أبا بكر فأخبره بالذي صنع فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم اجعل أبا بكر في درجتي يوم القيامة فأوحى الله سبحانه إليه أن الله قد استجاب لك وخرجه الحافظ أبو الحسن بن بشران والملاء في سيرته عن ميمون بن مهران عن ضبة بن محصن الغنوي قال كان علينا أبو موسى أميراً بالبصرة فكان إذا خطبنا حمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم بدأ يدعو لعمر قال فأغاظني ذلك منه فقمت إليه فقلت له أين أنت عن صاحبه تفضله عليه قال فصنع ذلك ثلاث جمع ثم كتب إلى عمر يشكوني ويقول إن ضبة بن محصن الغنوي يتعرض لي في خطبتي قال فكتب إليه عمر أن أشخصه لي قال فأشخصني إليه فقدمت على عمر فدققت عليه الباب فخرج محصن الغنوي قال فلا مرحباً ولا أهلاً قال قلت أما الرحب فمن الله عز وجل وأما الأهل فلا أهل ولا مال فبم استحللت يا عمر مصري بلا ذنب أذنبته قال فما الذي شجر بينك وبين عاملك قال قلت الآن أخبرك يا أمير المؤمنين كان إذا خطبنا فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بدأ يدعو لك فأغاظني ذلك منه قال فقمت إليه وقلت له أين أنت عن صاحبه تفضله عليه فصنع ذلك ثلاث جمع ثم كتب إليك يشكوني قال فاندفع عمر باكياً فجعلت أرثي له ثم قال أنت والله أوثق عنه وأرشد فهل أنت غافر لي ذنبي يغفر الله لك ذنبك قال قلت غفر الله لك يا أمير المؤمنين ثم اندفع باكياً وهو يقول والله الليلة من أبي بكر خير من عمر هل لك أن أحدثك بيومه وليلته قال قلت نعم يا أمير المؤمنين قال أما الليلة فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم هارباً من أهل مكة خرج ليلاً فتبعه أبو بكر فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك قال يا رسول الله اذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك قال فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه فلما رأى أبو بكر أنها قد حفيت حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار فأنزله ثم قال والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخل فلم ير فيه شيئاً فحمله وكان في الغار خروق فيها حيات وأفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج منها شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والأفاعي وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته وهي طمأنينة لأبي بكر فهذه ليلته وأما يومه فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل ما تقدم وقال في آخره ثم كتب إلى أبي موسى يلومه خرجه الملاء في سيرته وصاحب فضائله وخرج الخجندي معناه وزاد بعد قوله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك إلى آخره فقال يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك قال نعم والذي بعثك بالحق ثم ذكر معنى ما بعده ثم قال بعد ذكر سد الجحرة انزل يا رسول الله فنزل ثم قال عمر والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر شرح الغار الكهف في الجبل والجمع غيران كسحه كنسه والمكسحة المكنسة طمأنينة هكذا قيد في الحديث تقول اطمأن الرجل اطميناناً وطمأنينة من غير همز عند إلحاق الهاء إذا سكن قاله الجوهري فتفل التفل شبيه بالبزق وهو أقل منه أوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ تقول منه تفل يتفل بضم الفاء وكسرها قاله الجوهري الخوار الضعيف من الخور بالتحريك يقال رجل خوار وأرض خوارة ورمح خوار والجمع خور أشخصه من شخص من بلد إلى بلد شخوصاً إذا ذهب أو أشخصه غيره مرحباً من الرحب بالضم السعة وفلان رحب الصدر أي واسعه وقولهم مرحباً وأهلاً أي أتيت سعة وأتيت أهلاً فاستأنس ولا تستوحش شجر بينك وبين عاملك أي اختلف واشتجر القوم وتشاجروا أي تنازعوا والمشاجرة المنازعة الرصد بالتحريك القوم يرصدون كالحرس يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وربما قالوا في الجميع أرصاد بالإسكان مصدر رصدت الشيء أرصده رصداً ورصداً أيضاً إذا راقبته حفيت رجله أي رقت من كثرة المشي ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وكان حافياً وإلا فلا يحتمل بعد الإمكان ذلك ويؤيد ذلك ما روته عائشة قالت قال لي أبو بكر لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطرتا دماً وأما قدماي كأنهما صفوان فقالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية ولا الرعبة ولا الشقوة خرجه في فضائله أو لعلهم أضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه وقوله فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة إلا بتقدير ذلك أو سلوك غير الطريق تعمية على الطلب الكاهل الحارك وهو ما بين الكتفين قال صلى الله عليه وسلم تميم كاهل مضر وعليها المحمل الأفاعي جمع أفعى وهي الحية تقول هذه أفعى بالتنوين وكذلك أروى قاله الجوهري وفي قوله انزل يا رسول الله دليل على أن باب الغار كان من أعلاه ويؤيده أن في حديث الخجندي أن أبا بكر لما دخل الغار وخرج حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبريء الجحرة فقال مكانك يا رسول الله حتى استبريء الجحرة فدخل فاستبرأها ثم قال انزل يا رسول الله وقول عمر خير من آل عمر يعني نفسه ومنه اعملوا آل داود شكراً أي دواد نفسه وعن ابن عباس قال لما كانت ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار قال لصاحبه أبي بكر أنائم أنت قال لا وقد رأيت صنيعك وتقليك يا رسول الله فما بالك بأبي أنت وأمي قال جحر رأيته قد انهار فخشيت أن يخرج منه هامة تؤذيك أو تؤذيني فقال أبو بكر يا رسول الله فأين هو فأخبره فسد الجحر وألقمه عقبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمك الله من صديق صدقتني حين كذبني الناس ونصرتني حين خذلني الناس وآمنت بي حين كفر بي الناس وآنستني في وحشتي فأي منه لأحد علي كمثلك خرجه في فضائله. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل ما تقدم وقال في آخره ثم كتب إلى أبي موسى يلومه خرجه الملاء في سيرته وصاحب فضائله وخرج الخجندي معناه وزاد بعد قوله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك إلى آخره فقال يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك قال نعم والذي بعثك بالحق ثم ذكر معنى ما بعده ثم قال بعد ذكر سد الجحرة انزل يا رسول الله فنزل ثم قال عمر والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر شرح الغار الكهف في الجبل والجمع غيران كسحه كنسه والمكسحة المكنسة طمأنينة هكذا قيد في الحديث تقول اطمأن الرجل اطميناناً وطمأنينة من غير همز عند إلحاق الهاء إذا سكن قاله الجوهري فتفل التفل شبيه بالبزق وهو أقل منه أوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ تقول منه تفل يتفل بضم الفاء وكسرها قاله الجوهري الخوار الضعيف من الخور بالتحريك يقال رجل خوار وأرض خوارة ورمح خوار والجمع خور أشخصه من شخص من بلد إلى بلد شخوصاً إذا ذهب أو أشخصه غيره مرحباً من الرحب بالضم السعة وفلان رحب الصدر أي واسعه وقولهم مرحباً وأهلاً أي أتيت سعة وأتيت أهلاً فاستأنس ولا تستوحش شجر بينك وبين عاملك أي اختلف واشتجر القوم وتشاجروا أي تنازعوا والمشاجرة المنازعة الرصد بالتحريك القوم يرصدون كالحرس يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وربما قالوا في الجميع أرصاد بالإسكان مصدر رصدت الشيء أرصده رصداً ورصداً أيضاً إذا راقبته حفيت رجله أي رقت من كثرة المشي ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وكان حافياً وإلا فلا يحتمل بعد الإمكان ذلك ويؤيد ذلك ما روته عائشة قالت قال لي أبو بكر لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطرتا دماً وأما قدماي كأنهما صفوان فقالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية ولا الرعبة ولا الشقوة خرجه في فضائله أو لعلهم أضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه وقوله فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة إلا بتقدير ذلك أو سلوك غير الطريق تعمية على الطلب الكاهل الحارك وهو ما بين الكتفين قال صلى الله عليه وسلم تميم كاهل مضر وعليها المحمل الأفاعي جمع أفعى وهي الحية تقول هذه أفعى بالتنوين وكذلك أروى قاله الجوهري وفي قوله انزل يا رسول الله دليل على أن باب الغار كان من أعلاه ويؤيده أن في حديث الخجندي أن أبا بكر لما دخل الغار وخرج حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبريء الجحرة فقال مكانك يا رسول الله حتى استبريء الجحرة فدخل فاستبرأها ثم قال انزل يا رسول الله وقول عمر خير من آل عمر يعني نفسه ومنه اعملوا آل داود شكراً أي دواد نفسه وعن ابن عباس قال لما كانت ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار قال لصاحبه أبي بكر أنائم أنت قال لا وقد رأيت صنيعك وتقليك يا رسول الله فما بالك بأبي أنت وأمي قال جحر رأيته قد انهار فخشيت أن يخرج منه هامة تؤذيك أو تؤذيني فقال أبو بكر يا رسول الله فأين هو فأخبره فسد الجحر وألقمه عقبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمك الله من صديق صدقتني حين كذبني الناس ونصرتني حين خذلني الناس وآمنت بي حين كفر بي الناس وآنستني في وحشتي فأي منه لأحد علي كمثلك خرجه في فضائله.
شرح: الهامة مخفف من طير الليل وهو الصدى والجمع هام قاله الجوهري فلعله أراد ذلك لأنهم أتوا الغار ليلاً أو أراد دواب الأرض استعارة من ذلك. وعن جابر بن عبد الله أن أبا بكر الصديق لما ذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار فدخل أبو بكر ثم قال كما أنت يا رسول الله فضرب برجله فأطار اليمام يعني الحمام الطوري وطاف فلم ير شيئاً فقال ادخل يا رسول الله فدخل فإذا في الغار جحر فألقمه أبو بكر عقبة مخافة أن يخرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء وغزل العنكبوت على الغار وذهب الطالب في كل مكان فمروا على الغار فأشفق أبو بكر منهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا. وعن جندب بن عبد الله بن سفيان العلقي قال لما انطلق أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم على الغار فأصاب يده شيء فجعل يمسح الدم من أصبعه ويقول:


هل أنت إلا إصبع دميت


وفي سبيل الله ما لقيت
شرح: في جندب لغتان ضم الدال وفتحها وسفيان جده نسب إليه وجندب هذا نزل الكوفة فيمن نزلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صار إلى البصرة ثم خرج عنها والعلقي منسوب إلى علق فخذ من بجيلة خرجه في فضائله. وعن أنس أن أبا بكر حدثه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما أخرجاه وأبو حاتم وغيرهم من طرق كثيرة وفيه دلالة على ما تقدم من أن باب الغار كان من أعلاه. وعن أبي مصعب المكي قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة وسمعتهم يتحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الغار قال فأمر الله عز وجل شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار فأقبل فتيان من قريش من كل بطن رجل بعصيهم وهراواتهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم بقدر أربعين ذراعاً فجاء رجل منهم لينظر في الغار فرأى الحمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا ما لك لم تنظر في الغار قال رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أن ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعرفا أن الله ذرأ بهما فدعا لهن النبي صلى الله عليه وسلم وشمت عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم خرجه في فضائله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 7:13 am


شرح: الهراوة العصا الضخمة والجمع الهراوى بفتح الواو بزنة مطايا كما في الاداوة وهروته بالهراوة وتهريته أي ضربته بها شمت عليهن أي برك عليهن ومنه الحديث شمتوا في الطعام أي إذا فرغتم فادعوا بالبركة لمن طعمتم عنده ومنه تشميت العاطس. قال أبو عمرو واختلفوا في مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار فيروى عن مجاهد ما روته عائشة في الحديث المتقدم في كتاب قبله فمكثا فيه ثلاث ليال وعليه جمهور المحدثين. وروي في حديث مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مكثت مع صاحبي في الغار بضعة عشر يوماً ما لنا طعام إلا ثمر البرير يعني ثمر الأراك ولا يصح هذا وحمله على غار ثور غلط فإنه كان طعامهم فيه ما تقدم ذكره وإنما كانت هذه القصة والله أعلم أيام كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب يدعوهم إلى الله عز وجل ويروى أن ثمر البرير كان طعام النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في سفر الهجرة. وعن سعد بن هشام قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فقام رجل فقال يا رسول الله أحرق بطوننا التمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني خرجت أنا وصاحبي هذا يعني أبا بكر ليس لنا طعام إلا حب البرير فقدمنا على إخواننا الأنصار فواسونا في طعامهم وكان جل طعامهم التمر وايم الله لو أجد لكم الخبز لأطعمتكموه خرجه في فضائله وسعد بن هشام تابعي يروي عن الزهري وأنس وعائشة. وعن ابن عباس قال كان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش عطشاً شديداً فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اذهب على صدر الغار فأشرب قال أبو بكر فانطلقت إلى صدر الغار فشربت ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك ثم عدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال شربت قلت نعم قال ألا أبشرك يا أبا بكر قلت بلى يا رسول الله قال إن الله تبارك وتعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن أخرق نهراً من جنة الفردوس على صدر الغار ليشرب أبو بكر فقلت يا رسول الله ولي عند الله هذه المنزلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم وأفضل والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبياً خرجه الملاء في سيرته.
ذكر توجههما طالبين المدينة وما جرى لهما في الطريق ومقدمهما المدينة وما يتعلق بذلك
عن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب رجلاً بثلاثة عشر دراهماً فقال أبو بكر لعازب مر البراء فليحمله إلى أهلي فقال عازب لا حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكما فقال ارتحلنا من مكة فأحيينا ليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة رميت ببصري هل أرى ظلاً نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظلها فسويته ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم ذهبت أنظر هل أرى من الطلب أحداً فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي نريد يعني الظل فسألته فقلت لمن أنت يا غلام فقال الغلام لفلان رجل من قريش فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم فقلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض عنها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه فقال هكذا فضرب إحدى يديه على الأخرى فحلب لي كثبة من لبن وقد رويت ومعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته قد استيقظ فقلت اشرب يا رسول الله فشرب فقلت قد آن الرحيل يا رسول الله فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن جعشم على فرس له فقلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا فلما دنا منا وكان بيننا وبينه قدر رمحين أو ثلاثة قلت هذا الطلب يا رسول الله وبكيت فقال ما يبكيك قلت ما والله على نفسي أبكي ولكن أبكي عليك فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اكفناه بما شئت قال فساخت فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ثم قال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من درائي من الطلب وهذه كنانتي خذ منها سهماً فإنك ستمر على إبلي وغنمي في مكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في إبلك ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق راجعاً إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا المدينة ليلاً فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أنزل الليلة على بني النجار أخوال بني عبد المطلب أكرمهم بذلك فخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطريق وعلى البيوت من الغلمان والخدم يقولون جاء محمد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح انطلق فنزل حيث أمر. قال البراء وكان أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار بن قصي فقلنا له ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو في مكانه وأصحابه على أثري ثم أتى بعده عمر بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر فقلنا ما فعل من وراءك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال هم الآن على أثري ثم أتى بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وبلال ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهم وأبو بكر معه. قال البراء فلم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأ عشراً من المفصل ثم خرجنا تلقاء العير فوجدناهم قد حذروا أخرجه بتمامه أبو حاتم وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث الهجرة إلى بلوغ المدينة. وفي رواية مكان ساخت فرسه فارتطم فرسه إلى بطنه فقال قد أعلم أنكما قد دعوتما علي فادعوا لي ولكما أن أرد عنكما الناس ولا أضركما قال فدعوا له فخرجت به الفرس فرجع فوفى للنبي صلى الله عليه وسلم وجعل يرد الناس. وقد ذكر ابن إسحاق أن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي هاجر إليها قبل بيعة العقبة حين آذته قريش عند مقدمه من الحبشة فبلغه إسلام من أسلم من الأنصار فخرج إليهم مهاجراً ثم هاجر بعده عامر بن ربيعة حليف بني كعب بن عدي وامرأته ليلى بنت أبي حيثمة ثم عبد الله بن جحش احتمل بأهله وأخيه عبد الرحمن بن جحش وهو أبو أحمد وكان أبو أحمد رجلاً ضرير البصر وكان يطوف مكة أعلاها وأسفها بغير قائد وكان شاعراً ثم قدم المهاجرون أرسالاً ولا تضاد بينه وبين ما تقدم فيكون أول من قدمها مطلقاً أبو سلمة وأول من هاجر بعد بيعة الأنصار مصعب بن عمير كما تقدم وأما من ذكره ابن إسحاق بعد أبي سلمة فجائز أن يكون أيضاً قبل العقبة كأبي سلمة وجاز أن يكون بعدها بعد مصعب بن عمير ولم يبلغ ابن إسحاق مهاجر مصعب قبله والله أعلم.ا تقدم وأما من ذكره ابن إسحاق بعد أبي سلمة فجائز أن يكون أيضاً قبل العقبة كأبي سلمة وجاز أن يكون بعدها بعد مصعب بن عمير ولم يبلغ ابن إسحاق مهاجر مصعب قبله والله أعلم.
شرح: أظهرنا أي دخلنا في الظهيرة وقائم الظهيرة عبارة عن اشتدادها وكذلك حر الظهيرة وقوله هل أنت حالب لي قال نعم هذا محمول على أنه عرف مالكها وعلم أنه يرضى بتصرفه لصداقة بينهما أو على أن قوله هل أنت حالب لي أراد به هل أذن لك في ذلك أو على أن ذلك مستفاض بين العرب لا يرون بأساً على محتاج يتناول من لبن ماشيتهم ويبيحون ذلك لرعيانهم أو على إباحة ذلك لمضطر لا يجد غير مال الغير وقد يكون الحال كذلك على أن بعض العلماء لم يشترط الضرورة وأباح ذلك للمسافر وإن لم يكن مضطراً واستدل بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مر أحدكم بإبل فأراد أن يشرب فليناد يا راعي الإبل فإن أجابه وإلا فليشرب أو على استباحة أموال المشركين على أنه قد روي ما يضاد هذا الحديث في الظاهر. عن زر عن عبد الله بن مسعود قال كنت غلاماً يافعاً في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها فأتى علي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال يا غلام هل معك من لبن قلت نعم ولكني مؤتمن قال فقال ائتني بشاة لم ينز عليها الفحل فأتيته بعناق فاعتزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعل يمسح الضرع ويدعو حتى أنزلت فأتاه أبو بكر بشيء فاحتلب فيه ثم قال لأبي بكر اشرب فشرب أبو بكر ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم بعده ثم قال للضرع اقلص فقلص فعاد كما كان قال ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله علمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن فمسح رأسي وقال إنك غلام معلم فلقد أخذت من فيه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر أخرجه أبو حاتم ابن حبان. وفي رواية أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقالا يا غلام عندك من لبن تسقينا قلت إني مؤتمن ولست بساقيكما فقالا هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد قلت نعم وأتيتهما بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع ودعا فحفل الضرع وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقياني ثم قال للضرع اقلص فقلص. وفي رواية قال يا غليم مكان يا غلام ثم ذكر معنى ما بعده وقال فأتيته بشاة شطور لم ينز عليها الفحل والشطور الذي ليس لها إلا ضرع واحد فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان الضرع وما لها ضرع فإذا ضرع حافل مملوء لبناً فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصخرة منقعرة فاحتلب ثم سقى أبا بكر وسقاني ثم قال للضرع اقلص فرجع كما كان فأنا رأيت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله علمني فمسح رأسي وقال بارك الله فيك فإنك غلام معلم فأسلمت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن عنده على حراء إذا نزلت عليه "والمرسلات" أخرجه الطبراني في معجمه وخرج منه الغساني في معجمه قوله كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا غلام هل من لبن فقلت نعم ولكني مؤتمن. والظاهر أن هذه قضية غير تلك اتفقت لهما في بعض أسفارهما قبل الهجرة ألا ترى إلى اختلاف قول الراعيين واختلاف الحالبين واختلاف ما حلبا فيه. ويؤيد ذلك قوله بعد إسلامه وإتيانه إليه فبينما نحن عنده على حراء وأنه نزلت عليه سورة "والمرسلات" هذا فيه أبين البيان بأن ذلك قبل الهجرة فإنه بعد الهجرة لم يأت مكة إتياناً يتمكن فيه من إتيان حراء وسورة المرسلات مما نزل بمكة قبل الهجرة وقوله في هذا الحديث يافعاً أي مرتفعاً من اليفاع وهو ما ارتفع من الأرض وأيفع الغلام أي ارتفع فهو يافع ولا يقال موفع وهو من النادر قاله الجوهري وذكر الفراء في حدوده أنه يقال يفع الغلام وحكاه ثابت عن أبي عبيدة في خلق الإنسان وقوله فيه لم ينز عليها الفحل أي لم تضرب ولم يواقعها الفحل تقول نزا نزاء بالكسر يقال ذلك في الحافر والظلف والسباع ونزاه غيره ونزاه وأما النزا بالضم فهو داء يأخذ الشاة فتنزوي منه حتى تموت حفل الضرع جمع والتحفيل التصرية صخرة منقعرة أي ذات قعر من التقعير والتعمق ورأيتها في الحديث مقيدة بالنون ولا معنى له هنا فإن المنقعر المنقلع ومنه أعجاز نخل منقعر قلص ارتفع والشطور قد فسرها في الحديث وقوله فمسح صلى الله عليه وسلم مكان الضرع وما لها ضرع بعد قوله لها ضرع واحد يريد به والله أعلم مكان الضرع الآخر وما لها فيه ضرع وإلا تضاد أول الحديث وآخره فقد تضمن هذا الحديث أن سورة المرسلات نزلت بحراء وسورة المرسلات مما نزلت بمكة قبل الهجرة وقد جاء في المتفق عليه من الصحيحين عن عبد الله قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذا نزلت عليه والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وعن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسقتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم ووقيتم شرها.الحديث وآخره فقد تضمن هذا الحديث أن سورة المرسلات نزلت بحراء وسورة المرسلات مما نزلت بمكة قبل الهجرة وقد جاء في المتفق عليه من الصحيحين عن عبد الله قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذا نزلت عليه والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وعن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسقتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم ووقيتم شرها.
وقوله بمنى للبخاري دون مسلم وهذا أصح وأثبت
وقوله في حديث البراء فاعتقل شاة وهو أن يضع رجليها بين فخذه وساقه ليحلبها واعتقل رمحه إذا جعله بين ساقه وركابه وكأنه جعل له ذلك عقالاً وفي أمره بنفض الضرع ونفض اليد وفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسويته الأرض دليل على التوسعة في مثل هذه الرفاهية ونحوها الكثبة من اللبن قدر حلبة الأداوة المطهرة والجمع أداوى وقوله فصببت على اللبن حتى برد أسفله يجوز أن يريد أنه صب على ظاهر الإناء فبرد أسفله لاستقرار الماء في أسفله وإلا فكان يبرد كله لو صب فيه نفسه وعلى هذا دل بعض ألفاظ الحديث ويجوز أن يكون صب على اللبن نفسه وإنما خص أسفله بالبرد لأن الماء يغوص في اللبن فيلابس أسفله منه لما لا يلابس أعلاه فيكثر البرد في أسفله ويترجح هذا باقتضاء الحال فإنها حالة جوع وحاجة إلى شربه وصب الماء فيه نفسه أسرع لتسكين حرارته وبرده الطب جمع طالب فساخت أي دخلت فيها تقول ساخ يسوخ ويسيخ وارتطمت بمعناه تقول رطمته فارتطم أي أدخلته في أمر لا مخرج له منه لا عمين أي لألبسن وعمي عليهم الأمر التبس الكنانة التي تجمع فيها السهام العير بالكسر الإبل تحمل الميرة ويجوز أن يجمع على عيرات فتنازعوا أي قبائل الأنصار بني النجار أخوال عبد المطلب كان هاشم تزوج امرأة من بني النجار فولدت عبد المطلب فلذلك كانوا أخواله واسم المرأة سلمة بنت زيد بن خراش بن أمية بن أسد بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ويسمى زيد مناة وعن الزهري أنها سلمى بنت عمرو بن زيد وفي هذا الحديث أن ارتحالهم كان من مكة أنهم أحيوا ليلتهم بالسرى ولم يتضمن ذكر الغار كما تقدم. وقد جاء في الصحيح أن أبا بكر قال ارتحلنا من الغار والقوم يطلبوننا فلم يدركنا منهم أحد غير سراقة بن مالك على فرس له وذكر الحديث ولا تضاد بينهما وكان ارتحالهم المتصل بإحياء الليلة من الغار وأطلق عليه ارتحالاً من مكة لأن الغار في ثور كما تقدم وهو جبل في الحرم قريب من مكة فأطلق على الارتحال منه ارتحال من مكة لقربه أو لكونه من الحرم ومنه أن الله حرم مكة والمراد الحرم. وعن حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة خرج منها مهاجراً إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى لهم عامر بن فهيرة ودليلهما الليث بن عبد الله بن الأريقط مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت برزة جلدة تختبئ بفناء القبة ثم تسقي وتطعم فسألوها تمراً ولحماً يشترونه منها فلم يصيبوا عندها من ذلك شيئاً وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها من لبن قالت هي أجهد من ذلك قال أتأذنين لي أن أحلبها قالت نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلباً فاحلبها فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمى الله ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت ودعا بإناء يربض الرهط فحلب ثجاً حتى علاه إليها ثم سقاها حتى رويت ثم سقى أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم حلب ثانياً بعد بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا يعني عنها فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً تساوكن هزلاً مخهن قليل. فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال من أين لك هذا يا أم معبد والشاة عازب حيال ولا حلوب في البيت قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال صفيه لي يا أم معبد قالت رجل ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي وصوته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا بائن من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا لأمره محفود محشود لا عابس ولا مفند قال أبو معبد فهذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن عن وجدت لذلك سبيلاً وأصبح صوت بمكة عال يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:


جزى الله رب الناس خير جزائه


رفيقين حلا خيمتي أم معـبـد

هما نزلاها بالهدى فاهتديا بـه


فقد فاز من أمسى رفيق محمد

فيا قصي ما زوى الله عنـكـم


به من فعال أو فجار وسـؤدد

ليهن بنو كعب مكان فتـاتـهـم


ومقعدها للمؤمنين بمـرصـد

سلوا أختكم عن شاتها وإنـائهـا


فإنك إن تسألوا الشاة تشـهـد

دعاها بشاة حائل فتـحـلـبـت


عليها صريحاً ضرة الشاة مزيد

فغادرها رهناً لديها كحـالـب


يرددها في مصدر ثـم مـورد
خرجه الحافظ أبو القاسم في الأربعين الطوال.
شرح: مرملين أين نفذت أزوادهم مسنتين أي دخلوا في السنة ويروى مشتين أي دخلوها في الشتاء وكسر الخيمة جانبها وتفاجت فتحت ما بين رجليها ويربض الرهط أي يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا والثج السيلان والبها بهاء اللبن وهو وبيص رغوته وتساوكن هزلاً أي تمايلن ويروى تشاركون من المشاركة أي تساوين في الهزال وغادره أبقاء والشاة عازب أي بعيد في الرعي والأبلج المشرق الوجه المضيئة والحيال جمع حائل وهي التي لم تحمل والوضاءة الحسن والثجلة عظم البطن والصعلة صغر الرأس ويروى ثجلة بالضم وهي الضمرة والدقة وصقلة الخاصرة يعني أنه غير طويل الخاصرة والوسيم الحسن وكذلك القسيم والدعج السواد في العين والوطف الطول والصحل البحة والسطع الطول والكثاثة كثرة الشعر والأزج الرقيق طرف الحاجبين والأقرن المقرون الحاجبين بخلاف ما في حديث غيره والنزر القليل والهذر الكثير من الكلام فكلامه وسط وتقتحمه تحتقره يعني أنه بين الطويل والقصير والمحفود المخدوم والمحشود الذي عنده حشد وهو الجماعة والعابس من عبوس الوجه والمفند الذي يكثر اللوم وهو التفنيد ويروى معتد من العداء وهو الظلم والصريح الخالص والضرة لحمة الضرع وفي رواية فتحلبت له بصريح وهو الصواب وغادرها أي خلف الشاة عندها مرتهنة بأن تدر والله أعلم. وعن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة قال حدثني رجال من قومي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لما سمعنا بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظل فإذا لم نجد ظلاً دخلنا وذلك في أيام حارة حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود وقد رأى ما كنا نصنع وإنا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة ومعه أبو بكر وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر حتى إذا زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك خرجه ابن إسحاق بهذا السياق ومعناه عند الشيخين.

شرح: قيلة هذه هي أم الأوس والخزرج وهما جماعة الأنصار أمهما قيلة بنت كامل ابن عذرة بن سعد بن هزيم من قضاعة بها يعرفون جدكم أي حظكم وغناكم من الجد الحظ ركبه الناس أي ازدحموا عليه حتى كادوا يركبونه. عن أنس قال أقبل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأبو بكر شيخ يعرف والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا الذي بين يديك فيقول يهديني السبيل فيحسب الحاسب أنه يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحق بهم فقال يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اصرعه فصرعه فرسه ثم قامت تحمحم فقال يا نبي الله مرني بما شئت فقال قف مكانك لا تتركن أحداً يلحق بنا فقال فكان أول النهار جاهداً على نبي الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له فنزل النبي صلى الله عليه وسلم جانب الحرة ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وحفوا دونهما بالسلاح فقيل بالمدينة جاء نبي الله فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي بيوت أهلها أقرب قال أبو أيوب يا نبي الله هذه داري وهذا بابي قال فانطلق فهيأ لنا مقيلاً قال قوماً على بركة الله خرجه البخاري. شرح ظاهر قوله وأبو بكر شيخ يعرف يدل على أنه كان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم والمعروف عند أهل الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسن منه بمدة خلافته وسيأتي بيان ذلك إن شاء تعالى أو لعله يريد بشيخ يعرف أي كبير في قومه رئيس معهم معروف. وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث عن أنس ارتدف النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر فكان إذا مر بالملأ من قريش قالوا يا أبا بكر من هذا الرجل فيقول هذا رجل يهديني السبيل خرجه الحلواني على شرط الصحيح. وفي بعضها إن أبا بكر كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم وكان أعرف بذلك الطريق فيراه الرجل يعرفه فيقول يا أبا بكر من هذا الغلام بين يديك فيقول هذا يهديني السبيل حديث صحيح وأكثر الروايات على أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها قالوا من هذا يا أبا بكر الذي تعظمه هذا الإعظام قال هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني. وقد جاء أن أبا بكر كان مردفاً عامر بن فهيرة مولاه يخدمهم فكانوا أربعة بالدليل ولا تضاد بينهما إذ قد يكون ارتدف خلف النبي صلى الله عليه وسلم وارتدف النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في بعض الطريق لعارض اقتضى ذلك والله أعلم. وعن أنس قال إني لأسعى في الغلمان تقول جاء محمد فأسعى فلا أرى شيئاً حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق فكمنا في بعض خراب المدينة ثم بعثا رجلاً من أهل البادية ليؤذن الأنصار فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما فقالت الأنصار انطلقوا آمنين مطاعين فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم فخرج أهل المدينة حتى إن العواتق لفوق البيوت يتراءين يقلن أيهم هو أيهم هو قال فما رأينا منظراً شبيهاً بيومئذ. قال أنس فلقد رأيته يوم دخل علينا ويوم قبض فلم أر يومين شبيهاً بهما أخرجه في فضائله وقال صحيح. وفي رواية أنهم نزلوا بالحرة وأرسلوا إلى الأنصار فجاءوا فقالوا قوماً آمنين مطاعين. قال أنس فوالله ما رأيت يوماً أضوأ ولا أنور ولا أحسن من يوم دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رأيت يوماً أظلم ولا أقبح من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجهما في فضائله.
شرح: كمنا أي اختفيا ومنه الكمين في الحرب زهاء خمسمائة أي قدرها وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مهاجره لقي ركباً فقال يا أبا بكر سل القوم من هم فسألهم فقالوا من بني سهم فقال رمى بسهمك يا أبا بكر حديث حسن. وعن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة تلقاه المسلمون بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عامر بن عوف وذلك يوم الاثنين في شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس النبي صلى الله عليه وسلم صامتاً فطفق من جاء من الأنصار من لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيء أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك خرجه البخاري. وعن ابن الفضل ابن الحباب الجمحي قال سمعت ابن عائشة يقول أراه عن أبيه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الصبيان والنساء والولائد يقولون:



طلع البدر علينـا


من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا


ما دعا للـه داع
خرجه الحلواني على شرط الشيخين. قال ابن إسحاق نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون على كلثوم بن هدم أخي عمرو بن عوف ويقال بل على سعد بن خيثمة لأنه كان عزباً لا أهل له ونزل أبو بكر على حبيب بن عساف أخي بني الحارث بن الخزرج بالسنح ويقال على خارجة بن زيد أخي بني الحارث بن الخزرج قال فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين والثلاث والأربع والخميس ثم خرج عنهم يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي فهي أول جمعة صليت بالمدينة ثم لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بأحياء الأنصار حي بعد حي وكلما مر على حي قاموا إليه فقالوا يا رسول الله أقم عندنا العدد والعدة والمنعة وهو يقول خلوا سبيلها يعني الناقة فإنها مأمورة. حتى إذا أتت بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار ثم من بني مالك. فلما بركت الناقة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل عنها وثبت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله ليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت خلفها فرجعت على مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته ثم سأل عن المربد واتخذ المسجد مكانه وكان من أمره ما كان صلى الله عليه وسلم وهذا سياق ابن إسحاق ومعناه عند البخاري بتغير بعض اللفظ وتقديم وتأخير.
شرح: تحلحلت أي تحركت ورزمت أي صوتت من حلقها من غير أن تفتح فاها من الرزمة بالتحريك وهو الصوت كذلك والحنين أشد منه أو لعل معناه ثبتت من الرزام البعير الثابت على الأرض لا يقوم من الهزال فاستعير لثبوتها بذلك المكان والجران العنق من المذبح إلى المنحر والجمع جرن.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 7:25 am


ذكر ثباته يوم الحديبية
عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم حديث صلح الحديبية وفيه قال عمر فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ألست نبي الله حقاً قال بلى قلت ألسنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قلت فلم نعطى الدنية في ديننا قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أو ليس كنت تحدثنا أننا سنأتي البيت فنطوف به قال أو أخبرتك أنا نأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطى الدنية في ديننا قال أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصيه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق قلت أو ليس كان يحدثنا أننا سنأتي البيت فنطوف به قال أفأخبرك أنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال عمر فعملت لذلك أعمالاً خرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري شرح الغرز ركاب الرجل من جلد فإن كان من خشب أو حديد فهو ركاب
ذكر ثباته يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عائشة قالت أقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجي ببردة فكشف عن وجهه صلى الله عليه وسلم وأكب عليه فقبله ثم بكى فقال بأبي أنت وأمي لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها قال أبو سلمة وأخبرني ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال اجلس فأبى فقال اجلس فأبى فتشهد أبو بكر فمال الناس إليه وتركوا عمر فقال أما بعد فمن كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" إلى الشاكرين قالت فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس فما نسمع بشراً إلا يتلوها أخرجه الشيخان وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح تعني العالية فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وقال بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً والذين نفسي بيده لا يذيقك الموتتين أبداً ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال ألا من أن يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال إنك ميت وإنهم ميتون وقال "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين" قال فنشج الناس يبكون خرجه البخاري.
شرح: نشج الباكي ينشج نشجاً ونشيجاً إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب وعن ابن عمر قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا أبو بكر فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال إن كان محمداً إلهكم الذي تعبدونه فإن إلهكم قد مات وإن كان إلهكم الذي في السماء فإن إلهكم حي لا يموت ثم تلا "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" الآية قال الزهري فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال والله ما هو إلا أن تلاها أبو بكر يعني قوله "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" عقرت وأنا قائم حتى خررت إلى الأرض وأثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات خرج قول الزهري البخاري ومعنى الأول عنده شرح عقرت بالكسر من العقر وهو أن يسلم الرجل قوائمه فلا يستطيع أن يقاتل من الخوف وقيل هو أن يفجأه الروع فيدهش ولا يستطيع أن يتقدم ولا يتأخر حكاهما في نهاية الغريب والأول ذكره الجوهري وعن سالم بن عبيد الاشجعي قال لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجزع الناس كلهم عمر بن الخطاب قال فأخذ بقائم سيفه وقال لا أسمع أحداً يقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ضربته بسيفي هذا قال فقال الناس يا سالم اطلب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فخرجت إلى المسجد فإذا بأبي بكر فلما رأيته أجهشت بالبكاء فقال ما لك يا سالم أمات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا عمر بن الخطاب يقول لا أسمع أحداً يقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ضربته بسيفي هذا قال فأقبل أبو بكر حتى دخل فلما رآه الناس سعوا له فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى فوضع البردة عن وجهه ووضع فاه على فيه واستنشأ الريح ثم سجاه والتفت إلينا فقال "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين" وقال "إنك ميت وإنهم ميتون" من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات فوالله لكأني لم أتل هذه الآيات قط فقالوا يا صاحب رسول الله أمات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قالوا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يغسله قال رجال أهل بيته الأدنى فالأدنى قالوا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يدفن قال في البقعة التي قبضه الله عز وجل فيها لم يقبضه إلا في أحب البقاع إليه خرجه الحافظ أبو أحمد حمزة بن محمد بن الحارث بهذا السياق وكذلك أخرجه في فضائله وخرج الترمذي معناه بتمامه وزاد بعد قولهم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم فعملوا أن قد صدق وقال بعد ذكر الدفن فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب بدل إلا في أحب البقاع إليه وزاد فعملوا أن قد صدق وفي رواية أنهم قالوا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصلي عليه قال نعم قالوا كيف نصلي عليه قال يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون له ثم يخرجون ثم يدخل غيرهم حتى يفرغوا قالوا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يدفن ثم ذكر الحديث خرجها في فضائله وعن جعفر بن محمد عن أبيه عمن حدثه قال قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر غائب بالسنح عند زوجته بنت خارجة فسل عمر بن الخطاب سيفه وتوعد من يقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول إنما أرسل إليه كما أرسل إلي موسى عليه السلام فلبث عن قومه أربعين ليلة والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم فأقبل أبو بكر من السنح حين بلغه الخبر إلى بيت عائشة فأذنت له فدخل فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجثا يقبله ويبكي ويقول توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده صلوات الله عليك يا رسول الله ما أطيبك حياً وميتاً ثم خرج سريعا إلى المسجد حتى جاء المنبر فقام عليه ونادى الناس اجلسوا فجلسوا وأنصتوا فتشهد شهادة الحق ثم قال إن الله تعالى نعى نبيكم وهو حي بين أظهركم ونعى لكم أنفسكم وهو الموت حتى لا يبقي أحد إلا الله يقول الله عز وجل "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين" وقال "إنك ميت وإنهم ميتون" وقال "كل نفس ذائقة الموت" وقال تعالى "كل شيء هالك إلا وجهه" وقال "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" ثم قال إن الله عز وجل عمر محمداً وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلغ رسالة الله وجاهد أعداء الله حتى توفاه الله وهو على ذلك وترككم على الطريقة فلا يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء والنور فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت فليعبده ومن كان يعبد محمداً ويراه إلهاً فقد هلك إلهه فأقبلوا أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم وكلمته باقية وإن الله ناصر دينه ومعز أهله وإن كتاب الله عز وجل بين أظهرنا وهو النور والشفاء وبه هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم وفيه حلال الله وحرامه ولا والله ما نبالي من أجلب علينا من خلق الله إن سيوفنا لمسلولة ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينعين أحد إلا نفسه ثم انصرف خرجه صاحب فضائله وقال غريب.ل إن الله عز وجل عمر محمداً وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلغ رسالة الله وجاهد أعداء الله حتى توفاه الله وهو على ذلك وترككم على الطريقة فلا يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء والنور فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت فليعبده ومن كان يعبد محمداً ويراه إلهاً فقد هلك إلهه فأقبلوا أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم وكلمته باقية وإن الله ناصر دينه ومعز أهله وإن كتاب الله عز وجل بين أظهرنا وهو النور والشفاء وبه هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم وفيه حلال الله وحرامه ولا والله ما نبالي من أجلب علينا من خلق الله إن سيوفنا لمسلولة ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينعين أحد إلا نفسه ثم انصرف خرجه صاحب فضائله وقال غريب.
شرح: النعي خبر الموت يقال نعاه نعياً ونعياناً بالضم وكذلك النعي على فعيل يقال جاء نعي فلان وأجلب علينا أي تجمع يقال أجلبوا علينا وتألبوا أي اجتمعوا وأجلبه أعانه

ذكر أن غيبته في منزله بالسنح حين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عائشة قالت رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الشيء فعصبت رأسي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وارأساه فقال بل أنا وارأساه قالت ثم أرسل إلى نسائه فاستأذنهن أن تمرضه عائشة فأذن له قالت فمرضته أياماً فدخل عليه أبو بكر فقال يا رسول الله إني أراك كأنك اليوم أمثل أتأذن لي أن آتي أهلي فأذن له نبي الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فبينما أنا مسندته إلى صدري إذ نظر كالرجل يريد من أهله الشيء قالت ثم نظر إلي فمال على صدري فسجيت عليه وظننت أنه غشي عليه إذ جاء أبو بكر على فرس فاقتحم الفرس في الحجرة ثم نزل فدخل ثم قال أي بنية ما شأنه فقلت والله ما أدري ما به إلا أنى كنت مسندته إلى صدري فانخنث فمال فسجيته ولا أدري غشي عليه أم قبض خرجه الحافظ حمزة بن الحارث وعن عائشة أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يديه على صدغيه فقال وانبياه واخليلاه واصفياه خرجه ابن عرفة العبدي ولا تضاد بين هذا على تقدير صحته وبين ما تقدم مما يضمن بيانه بأن يكون قد قال ذلك عن غير انزعاج ولا قلق خافتاً به صوته ثم التفت إليهم وقال لهم ما قال.
ذكر شدة بأسه وثبات قلبه لما ارتدت العرب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فقال أبو بكر والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها فقال عمر فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق أخرجاه وعنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب وقالوا لا نؤدي زكاة فقال أبو بكر لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تألف الناس وارفق بهم فقال لي أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام إنه قد انقطع الوحي وتم الدين أو ينقص وأنا حي خرجه النسائي بهذا اللفظ ومعناه في الصحيحين وقد تقدم في ذكر قصة الغار وتقدم شرحه أيضاً وعن يحيى بن عمرو عن أبيه عن جده قال لما امتنع من امتنع من دفع الزكاة إلى أبي بكر جمع أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشاورهم في أمرهم فاختلفوا عليه فقال لعلي ما تقول يا أبا الحسن قال أقول لك إن تركت شيئاً مما أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فأنت على خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما لئن قلت ذاك لأقاتلنهم وإن منعوني عقالاً أخرجه ابن السمان في الموافقة وعن أبي رجاء العطاردي قال دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين ورأيت رجلاً يقبل رأس رجل وهو يقول أنا فداؤك ولولا أنت لهلكنا فقلت من المقبل ومن المقبل قالوا ذاك عمر يقبل رأس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين خرجه في الصفوة وفي فضائله وعن ابن مسعود أنه قال كرهنا ذلك ثم حمدناه في الانتهاء ورأيناه رشيداً لولا ما فعل أبو بكر لألحد الناس في الزكاة إلى يوم القيامة خرجه القلعي.
شرح: أصل الإلحاد الميل والمراد أنهم كانوا يتركونها جاحدين لوجوبها إلى يوم القيامة وإذا فعلوا ذلك فقد مالوا عن الحق وعن عائشة قالت خرج أبي شاهراً سيفه راكباً راحلته يعني يوم الردة فجاء علي بن أبي طالب فأخذ بزمام راحلته فقال إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد شم سيفك لا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة والله لئن أصبنا بك لا يكون بعدك نظام أبداً فرجع خرجه الخلعي وابن السمان في الموافقة والفضائلي وصاحب الفضائل وزادوا مضي الجيش شرح شم سيفك أي اغمده ويقال سله وهو من الأضداد وعن أبي هريرة أنه قال والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قال الثانية ثم قال الثالثة فقيل له مه يا أبا هريرة فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام فلما نزل بذي خشب وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة فاجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا بكر رد هؤلاء يتوجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب فقال والله الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشاً جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية والله لو علمت أن السباع تجر برجلي إن لم أرده ما رددته عن وجه وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أسامة أن يمضي لوجهه ذلك وفي رواية أن عمر هو القائل يا خليفة رسول الله إن العرب قد ارتدت على أعقابها كفاراً كما قد علمت وأنت تريد أن تنفذ جيش أسامة وفي جيش أسامة جماعة العرب وأبطال الناس فلو حبسته عندك لتقويت به على من ارتد من هؤلاء العرب فقال أبو بكر لو أني علمت أن السباع تأكلني في هذه المدينة لأنفذن جيش أسامة كما قال صلى الله عليه وسلم امضوا جيش أسامة فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا قال فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكنهم ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام خرجه أبو عبيدة في كتاب الأحداث وأبو الحسن علي بن محمد القرشي في كتاب الردة والفتوح والفضائلي الرازي والملاء في سيرته وذكر أبو الحسن علي بن محمد القرشي أن أبا بكر أقبل على أسامة بن زيد وهو معسكر خارج المدينة وقال له امض رحمك الله لوجهك الذي أمرك به النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقصر في أمرك فإن رأيت أن تأذن لعمر بن الخطاب بالمقام عندي فإنه أستأنس به وأستعين برأيه فقال أسامة قد فعلت ذلك وسار أسامة إلى الموضع الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج إليه وعن هشام بن عروة عن أبيه قال كان في بني سليم ردة فبعث إليهم أبو بكر خالد بن الوليد فجمع رجالاً منهم في الحظائر ثم أحرقها عليهم بالنار فبلغ ذلك عمر فأتى أبا بكر فقال تدع رجلاً يعذب بعذاب الله عز وجل فقال أبو بكر والله لا أشيم سيفاً سله الله على عدوه حتى يكون هو الذي يشيمه ثم أمره فمضى من وجهه ذلك إلى مسيلمة خرجه أبو معاوية ومنه.
ذكر ثباته عند الموت
عن عائشة قالت لما حضرت أبا بكر الوفاة أردت أن أكلمه في طلحة بن عبيد الله فأتيته فإذا هو يحشرج فقلت إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فقال لها يا بنية أو غير ذلك "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" أجلسني فأجلسته فرفع يديه فقال اللهم إني لم آل خرجه أبو حذيفة في فتوح الشام.
ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان أعلمهم بالأمور وأعلمهم به
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به أخرجاه وأحمد وأبو حاتم وعند البخاري بعد قوله فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به وعند الترمذي من رواية أبي المعلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال إن رجلاً خيره ربه بين أن يعيش في الدنيا ما شاء ويأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه قال فبكى أبو بكر فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألا تعجبون من هذا الشيخ إذ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً صالحاً خيره ربه بين الدنيا ولقاء ربه قال فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر بل نفديك بآبائنا وأموالنا وخرجه الحافظ الدمشقي عن أبي سعيد ولفظه قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مرجعه من حجته فقال إن عبداً ثم ذكر معناه وقال فكان أبو بكر أعلمنا بالأمور وقد تقدم في ذكر اختصاصه بأنه أمن الناس في صحبته وماله وخرجه صاحب فضائله عن أبي سعيد ولفظه خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه وهو معصوب الرأس فاتبعته حتى قام على المنبر فقال "إني الساعة قائم على الحوض ثم قال إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة" فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر فقال بأبي وأمي بل بأموالنا وأنفسنا وأولادنا قال ثم هبط من المنبر فما رئي عليه حتى الساعة وقال حديث حسن وعن عمر قال كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وأبو بكر يتكلمان في علم التوحيد فاجلس بينهما كأني زنجي لا أعلم ما يقولون خرجه الملاء في سيرته.
ذكر اختصاصه بشربه فضل لبن شربه رسول الله
صلى الله عليه وسلم في رؤيا رآها وأعطى فضله أبا بكر وتفسير الصحابة ذلك بالعلم وتصويبه صلى الله عليه وسلم ذلك التفسير.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت كأني أعطيت عساً مملوءاً لبناً فشربت منه حتى امتلأت فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم ففضلت منها فضلة فأعطيتها أبا بكر" قالوا يا رسول الله أهذا علم أعطاكه الله حتى إذا امتلأت فضلت فضلة فأعطيتها أبا بكر قال صلى الله عليه وسلم قد أصبتم خرجه أبو حاتم.
شرح: العس القدح العظيم والرفد وجمعه عساس وقد جاء في الصحيح مثل هذا لعمر وسيأتي في خصائصه ولعل الرؤيا تعددت في ذلك وعلى ذلك يحمل فإن الحديثين صحيحان وإن كان حديث عمر متفقاً عليه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 7:30 am


ذكر اختصاصه بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأعلميته بالنسب
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان لا تعجل وأت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يمحص لك نسبي خرجه في الفضائل وقال حسن صحيح وعن ابن عباس قال حدثني علي بن أبي طالب من فيه قال لما أمر الله تبارك وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر فدفعنا إلى مجالس العرب فتقدم أبو بكر وكان مقدماً في كل خير وكان رجلاً نسابة فسلم وقال من القوم قالوا من ربيعة قال وأي ربيعة أنتم من هامتها أم من لهازمها فقالوا من ذهل الأكبر قال فيكم عوف الذي يقال لا حر بوادي عوف قالوا لا قال فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار قالوا لا قال فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها قالوا لا قال فيكم المزدلف صاحب العمامة الفردة قالوا لا قال فمنكم أخوال الملوك من كندة قالوا لا قال فمنكم أصهار الملوك من لخم قالوا لا قال أبو بكر فلستم ذهلاً الأكبر أنتم ذهل الأصغر فقام إليه غلام من بني شيبان يقال دغفل حين بقل وجهه فقال:


إن على سائلنا أن نسـألـه


والعبء لا تعرفه أو تحمله
يا هذا إنك قد سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً فمن الرجل قال أبو بكر من قريش قال الفتى بخ بخ أهل الشرف والرياسة فمن أي القرشيين أنت قال من ولد تيم بن مرة قال الفتى أمكنت والله من سواء الثغرة أمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر وكان يدعى في قريش مجمعاً قال لا قال فمنكم هاشم الذي قال فيه الشاعر:


عمرو العلا هشم الثريد لقومه


ورجال مكة مسنتون عجاف
قال لا قال فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء قال لا قال فمن أهل الإفاضة بالناس أنت قال لا قال فمن أهل الحجاية أنت قال لا قال فمن أهل السقاية أنت قال لا قال فمن أهل الندوة أنت قال لا قال فمن أهل الرفادة أنت قال لا فاجتذب أبو بكر زمام الناقة راجعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغلام:


صادف السيل درءاً يرفعه


يهيضه حيناً وحيناً يصدعه
أما والله لو ثبت لأخبرتك من أي قريش أنت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علي فقلت يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال أجلس أبا الحسن ما من طامة إلا وفوقها طامة والبلاء موكل بالمنطق قال ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر فسلم وقال ممن القوم قالوا من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي وأمي هؤلاء غرر الناس وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق قد غلبهم جمالاً ولساناً وكان له غديرتان يسقطان على تربته وكان أدنى القوم مجلساً فقال أبو بكر العدد فيكم فقال مفروق إنا نزيد على ألف ولن يغلب ألف من قلة فقال أبو بكر وكيف المنعة فيكم فقال مفروق علينا الجهد ولكل قوم حد فقال أبو بكر فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم قال مفروق إنا لأشد ما يكون غضباً حين نلقى وأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله تعالى يديلنا مرة ويديل علينا أخرى لعلك أخو قريش قال أبو بكر قد بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا هو ذا فقال مفروق بلغنا أنه يذكر ذلك فإلام تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر يظله بثوبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإلى أن تؤووني وتنصروني فإن قريشاً قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد فقال مفروق بن عمرو إلام تدعونا يا أخا قريش فوالله ما سمعت كلاماً أحسن من هذا فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" إلى "فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" فقال مفروق إلى ما تدعونا يا أخا قريش قال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" فقال مفروق دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك بمجلس جلسناه إليك ليس له أول ولا آخر زللاً في الرأي وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى بن حارثة وقد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك وإنما نزلنا بين صريتين اليمانية والشامية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هاتان الصريتان فقال أنهار كسرى ومياه العرب فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول وإنا إنما على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثاً ولا نؤوي محدثاً وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه" فقال النعمان بن شريك اللهم فلك ذلك قال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً" ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضاً على يد أبي بكر وهو يقول "يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله عز وجل بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم" قال فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم.
شرح: هامتها رأسها واللهازم في الأصل جمع لهزمة بالكسر واللهزمتان عظمتان ناتئتان في اللحيين تحت الأذنين وتيم الله بن ثعلبة بن عكابة من بني ربيعة يقال لهم اللهازم قاله الجوهري ذهل حي من بكر وهما ذهلان كلاهما من ربيعة أحدهما ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة والآخر ذهل بن ثعلبة بن عكابة حامي الذمار أي إذا ذمر وغضب حمى وذمر أي حث يقال تذامر القوم أي حث بعضهم بعضاً وذلك في الحرب وذمر الأسد إذا زأر والحوفزان بفاء وزاي هو لقب الحارث بن شريك الشيباني لقب بذلك لأن قيس بن عاصم التميمي حفزه بالرمح حين خاف أن يفوته ودغفل هو ابن حنظلة النسابة أحد بني شيبان والدغفل ولد الفيل قاله الجوهري بقل وجهه خرجت لحيته والندوة والندي على فعيل بمعنى وهو مجلس القوم ومتحدثهم وكذلك النادي والمنتدى فإن تفرقوا فليس بندي وسميت دار الندوة بمكة التي بناها قصي لأنهم كانوا ينتدون فيها أي يجتمعون للمشاورة وإليها الإشارة على حذف المضاف والله أعلم العبء بالكسر الحمل وجمعه أعباء سواء الثغرة أي وسطها والثغرة ثغرة النحر التي بين الترقوتين كأنه استعارها لمكان شرف النسب مسنتون مجدبون أسنت القوم أي أجدبوا الدرء كل ما استترت به يهيضه يكسره وهاض العظم كسره الباقعة الداهية وبقع الرجل إذا رمى بكلام قبيح الطامة يقال لما علا وغلب طم غرر الناس ساداتهم وغرة كل شئ أوله وأكرمه ديرتان ضفيرتان تربية واحدة الترائب وهي عظام الصدر ما بين الترقوة الثندوة المنعة الامتناع ويقال جمع مانع نحو كافر وكفرة الجد بالفتح الحظ يديلنا أي يجعل لنا الدولة تارة وعلينا أخرى ظاهرة من المظاهرة المعاونة الصريتان تثنية صرية لعله من الصرا بكسر الصاد وفتحها الماء يطول مكثه واستنقاعه أو من الصراة نهر بالعراق التحاجز التمانع وربما يتوهم جاهل أن أبا بكر لما رجع عن دغفل كان عن انقطاع وعي ولم يكن رجوعه لذلك فإن أبا بكر انتسب إلى أرومة ليس منها أحد ممن ذكره دغفل وإلى بيت ليس فيه شيء من تلك المناصب ولو ثبت أبو بكر لما أمكن دغفل أن يقول له لست من تيم بن مرة ولا لست من قريش ولكان لأبي بكر أن يقول له يا أخا العرب إن جميع ما ذكرته لم يكن إلا من الأرومة التي انتسبت إليها وما ذكرته من المناصب ليس شيء منه في البيت الذي انتسب إليه ولا يقتضي كونهم ليسوا منا ولا شيء من هذه المناصب فينا في إخراجي من قريش فإن قريشاً بطون كثيرة ولم أدع أني من أرومة تشملني ومن ذكرته أما أنتم فادعيتم أنكم من الهامة من ذهل الأكبر وذهل الأكبر أرومة من عددته عليكم فيلزم من كان من ذهل الأكبر أن يكون هؤلاء منهم فلما أقررتم بانتفاء اللازم وهو أن هؤلاء ليسوا منكم مع الاعتراف بأنهم من ذهل الأكبر فانتفى الملزوم وهو أن يكون ذهل الأكبر أرومتكم لأنهم متفق عليهم فتعينتم للانتفاء وإنما كان رجوعه رضي الله عنه من باب عظموا أقداركم بالتغافل فإنه رأى إنساناً قصد التنقص به والغض من أرومته بكون هؤلاء العظماء النبلاء المشهورين بالمناقب ليسوا منكم والحط من مرتبته بكون هذه المناصب الشريفة ليس شيء منها فيه وعرف أنه مقتدر على الكلام وترويجه والتعاريض بما ينقصه به بين ذلك الملأ فكان من النظر السديد ما فعله أبو بكر وقول دغفل أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش أي قريش الممتدحة بتلك المناقب والمناصب وكأنه يقول فهم قريش على الحقيقة لا أنه يريد أن تيم بن مرة ليس من قريش فإنه علامة بالنسب مشهور بذلك بين العرب فكيف يعزب عنه هذا وقول علي لقد وقعت من الأعرابي على باقعة صحيح ولا شك في أنه كذلك وقول أبي بكر ما من طامة إلا وفوقها طامة لا يلزم منه أنه أراد أنه أعلم منه بالنسب وإنما لما كان أبو بكر من أفصح العرب وأعرفهم بوجوه الكلام ومحاسنه وحقائقه ومجازاته وأعلمهم بالنسب لكنه لم يكن يستعمل التمويه والمعاريض التي هي شبيه بالباطل وإن كانت حقاً لمكان دينه وورعه ودغفل وإن كان في الفصاحة والعلم بالنسب كذلك إلا أنه لا دين له ولا ورع عنده يمنعانه من ذلك كما قد وقع فإنه أوهم أن أبا بكر ليس من قريش بما عرض به من تعداد أقوام ونفي أبي بكر عنهم وهو محق في القول مبطل في الإيهام فبذلك طم على أبي بكر والله أعلم.
ذكر اختصاصه بالفتوى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمضاء النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه" وكنت قتلت رجلاً من المشركين فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست فأعادها من يشهد لي ثم جلست فأعادها الثالثة فقال رجل صدق يا رسول الله سلبه عندي فأرضه عني فقال أبو بكر لا ها الله إذن لا أعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه فقال صلى الله عليه وسلم صدق فأعطه فبعث الدرع فابتعت به مخرفاً في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام أخرجاه شرح لا ها الله إذن هكذا يروونها للتنبيه وفيها لغتان المد والقصر وجاءت في هذا الموضع عوضاً عن واو القسم كهمزة الاستفهام في الله ومد ألفها أحسن ويجوز حذفها لالتقاء الساكنين وذكر أبو حاتم السجستاني فيما يلحن فيه العامة أنهم يقولون لا ها الله إذا والصواب لاها الله ذا والمعنى لا والله هذا ما أقسم به فأدخل اسم الله بين ها وذا فعلى هذا يكون هذا من الرواة لأنهم كانوا يروون بالمعنى هذا مذهب الأخفش وذهب الخليل إلى أن الخبر محذوف أبداً وأن التقدير لا والله إلا من ذا ولا والله لا يكون ذا فحذف لكثرة الاستعمال وأعلم أن بدار أبي بكر بالزجر والردع والفتوى واليمين على ذلك في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصدقه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما قال ويحكم بقوله خصوصية شرف لم تكن لأحد غيره وقد كان يفتي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وسلمان وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم ولهذا لما قال ذلك الرجل فسألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة جلدة لم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوى غيره في زمانه لأنها عنه صدرت وعن تعليمه أخذت وأما الفتوى بحضرته على ما ذكرنا فلم تكن لأحد سوى أبي بكر وعن محمد بن كعب القرطبي قال بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها قالت له قريش أرسل إلى ابن أخيك يرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها ما يكون لك شفاء فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر جالس معه فقال يا محمد إن عمك يقول لك إني كبير ضعيف سقيم فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من طعامها وشرابها شيئاً يكون لي فيه شفاء فقال أبو بكر إن الله حرمها على الكافرين فرجع الرسول إليهم وأخبرهم بمقالة أبي بكر فحملوا عليه بأنفسهم حتى أرسل رسولاً من عنده فوجده الرسول في مجلسه فقال له مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حرمها على الكافرين خرجه في فضائل أبي بكر وهو مرسل.
ذكر تعبيره الرؤيا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفي حال انفراده عنه وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم تعبيره في الحالي وأنه كان أعلم الناس بالتعبير
عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه من أحد فقال يا رسول الله إني رأيت في المنام ظلة تنطف عسلاً وسمناً والناس يتكففون فمنهم المقل ومنهم المستكثر ثم رأيت سبباً واصلاً من السماء أخذت به فعلوت ثم أخذ به آخر بعدك فعلاً ثم أخذ به بعدك فعلاً ثم أخذ به آخر فانقطع ثم وصل له فعلاً قال فقال أبو بكر اتركني أعبرها يا رسول الله قال عبرها قال أما الظلة فالإسلام وأما السمن والعسل فهو القرآن حلاوته ولينه والناس يتكففون منه فمنهم المقل ومنهم المستكثر وأما السبب من السماء فهو الحق الذي أنت عليه أخذت به فعلوت ثم أخذ به آخر بعدك فعلاً ثم أخذ به آخر فعلاً ثم أخذ به آخر فانقطع ثم وصل له فعلاً أصبت يا رسول الله قال أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً قال أقسمت يا رسول الله لتخبرني قال لا تقسم أخرجاه شرح يتكففون ويستكفون بمعنى وهو أن يمد كفه يسأل والسبب الحبل في لغة هذيل وعن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت كأني في غنم سود إذ ردفتها غنم بيض فلم أستبن السود من كثرة البيض قال أبو بكر يا رسول الله أهذه العرب ولدت فيها ثم تدخل العجم فلا تستبين العرب من كثرتهم قال كذلك عبرها الملك سحر خرجه سعيد بن منصور في سننه والحاكم أبو عبد الله بن الربيع واللفظ له وهو مرسل وعن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ابن بديل فقال "ما كنت أرى إلا أنك قد قتلت أتذكر رؤيا رأيتها فقصصتها على أبي بكر" فقال "إن صدقت رؤياك قتلت في أمر ملتبس" فقتل يوم صفين خرجه في الفضائل وعن عطاء قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني رأيت كأن حائز بيتي انكسر وزوجها غائب فقال يرد عليك غائبك فرجع زوجها ثم غاب فجاءت الثانية فقالت إني رأيت كأن حائز بيتي انكسر فقال لها مثل ذلك فقدم زوجها ثم جاءت الثالثة فلم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدت أبا بكر وعمر أو أحدهما فأخبرت بما رأت فقال يموت زوجك ثم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال لها هل سألت أحداً قبلي قالت نعم قال فهو كما قال لك وعن سعيد بن المسيب قال رأت عائشة كأن وقع في بيتها ثلاثة أقمار فقصتها على أبي بكر وكان من أعبر الناس فقال إن صدقت رؤياك ليدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر يا عائشة هذا خير أقمارك خرجهما سعيد بن منصور.
ذكر اختصاصه بالشورى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقبوله صلى الله عليه وسلم مشورته
عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في قصة الحديبية وأنه لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم عينه فقال إن قريشاً جمعوا لك جموعاً وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك فقال أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت فإن فاتونا كان الله قد قطع عيناً من المشركين وإلا تركناهم محرومين فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد قتال أحد و لا حرباً فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله عز وجل أخرجاه.
ذكر اختصاصه بأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورته
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله تعالى أمرك أن تستشير أبا بكر" خرجه تمام في فوائده وأبو سعيد النقاش.
ذكر اختصاصه بأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يزال عنده يسمر في أمر المسلمين
عن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة في الأمر من أمر المسلمين وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجناه معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته فما كدنا نعرفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"
ذكر ما جاء في أن الله تعالى يكره تخطئة أبي بكر
عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يكره في السماء أن يخطأ أبو بكر في الأرض" وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن استشار ناساً من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأسيد بن حضير فقال أبو بكر لولا أنك استشرتنا ما تكلمنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إني فيما لم يوح إلي كأحدكم" فتكلم القوم فتكلم كل إنسان برأيه قال ما ترى يا معاذ قال أرى ما قال أبو بكر فقال صلى الله عليه وسلم "إن الله يكره من فوق سمائه أن يخطأ أبا بكر" أو قال "أن يخطئ أبو بكر" خرجه الإسماعيلي في معجمه.
ذكر اختصاصه بأنه أول من جمع القرآن
عن عبد خير قال سمعت علياً يقول رحم الله أبا بكر كان من أعظم الناس أجراً في جمع المصاحف هو أول من جمع بين اللوحين خرجه ابن حرب الطائي وصاحب الصفوة وعن زيد بن ثابت قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر جالس عنده فقال أبو بكر إن عمر جاءني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في كل المواطن فيذهب من القرآن كثير وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قال قلت لعمر وكيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر هو والله خير فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد فقال لي أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه قال زيد فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قال قلت كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني وفي أخرى فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر قال فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة أو أبي خزيمة الأنصاري فلم أجدها مع أحد غيره "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" خاتمة براءة قال فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله تعالى ثم عند عمر حتى توفاه الله تعالى ثم عند حفصة بنت عمر خرجه البخاري شرح استحر القتل أي كثر واشتد والعسب جمع عسيب وهو سعف النخل وأهل العراق يسمونها الجريد وقد تقدم واللخاف حجارة بيض رقاق واحدتها لخفة.
ذكر اختصاصه بأنه أول من أقام بالمسلمين الحج
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر وهو أول من جمع للناس الحج ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم حج من قابل أخرجه الحافظ أبو الحسين علي بن نعيم البصري وهو حديث حسن.
ذكر اختصاصه بأنه أول من تنشق عنه الأرض بعد النبي صلى الله عليه وسلم
عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ثم آتي البقيع فيحشرون معي ثم انتظر أهل مكة حتى يحشروا بين الحرمين" أخرجه أبو حاتم في فضائل عمر من قسم الأخبار.
ذكر اختصاصه بأنه أول من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أتاني جبريل عليه السلام فطاف بي في أبواب الجنة فأراني الباب الذي أدخل أنا وأمتي منه" فقال أبو بكر الصديق بأبي أنت وأمي يا رسول الله ليتني كنت معك قال "أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي" خرجه البغوي في المصابيح الحسان والملا في سيرته وصاحب الفضائل وزاد فضرب على منكبه وقال "أما أنك أول من يدخل".
ذكر اختصاصه بأنه أول من يرد الحوض
عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أول من يرد علي يوم القيامة أبو بكر الصديق" خرجه الملاء في سيرته.
ذكر مصاحبته النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر "أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار" خرجه الترمذي وقال حسن صحيح.
ذكر اختصاصه بمرافقته النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي رفيق ورفيقي في الجنة أبو بكر أخرجه ابن الغطريف وعن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللهم إنك جعلت أبا بكر رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة" خرجه في الفضائل.
ذكر اختصاصه بالكون بين الخليل والحبيب يوم القيامة
عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم عليه السلام منبر أمام العرش ونصب لي منبر أمام العرش ونصب لأبي بكر كرسي فيجلس عليه وينادي مناد يا لك من صديق بين حبيب وخليل خرجه الخطيب البغدادي وخرج الملاء معناه وقال في الثلاثة كرسي كرسي.
ذكر اختصاصه بأنه لا يحاسب يوم القيامة من بين الأمة
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قلت لجبريل حين أسري بي إلى السماء يا جبريل هل على أمتي حساب قال كل أمتك عليها حساب ما خلا أبا بكر فإذا كان يوم القيامة قيل له يا أبا بكر أدخل الجنة فيقول ما أدخل حتى يدخل معي من كان يحبني في الدنيا" خرجه أبو الحسن العتيقي وصاحب الديباج وصاحب الفضائل وقال غريب.
ذكر اختصاصه بتجلي الله تعالى له يوم القيامة خاصة
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق "يا أبا بكر إن الله عز وجل يتجلى للخلائق عامة ويتجلى لك خاصة" خرجه الملاء في سيرته وصاحب الفضائل وقال حسن وعن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ينادي مناد أين السابقون الأولون فيقول من فيقول أين أبو بكر الصديق فيتجلى الله لأبي بكر خاصة وللناس عامة" خرجه ابن بشران وصاحب الفضائل وقال غريب وعن جابر قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء وفد عبد القيس فتكلم بعض القوم ولغا في كلامه فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال "يا أبا بكر أسمعت ما قالوا" قال نعم قال فأجبهم قال فأجابهم وأجاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر أعطاك الله الرضوان الأكبر" فقال له بعض القوم يا رسول الله وما الرضوان الأكبر قال "يتجلى الله عز وجل للعباد عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة" خرجه الملاء أيضاً وصاحب الفضائل وقال غريب شرح لغاً أي قال باطلاً وعن أنس قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغار أخذ أبو بكر بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدبر بزمام الناقة فقال صلى الله عليه وسلم وهب الله لك الرضوان الأكبر فقيل وما الرضوان الأكبر فذكر نحو ما تقدم ذكره الملاء وعن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج يريد الغار أتاه أبو بكر بناقة فقال اركبها يا رسول الله فلما ركبها التفت إلى أبي بكر فقال "يا أبا بكر أعطاك الله الرضوان الأكبر" قال يا رسول الله وما الرضوان الأكبر قال "يتجلى الله عز وجل يوم القيامة لعباده عامة ويتجلى لك خاصة" خرجه صاحب الفضائل ولا تضاد بين هذا وبين ما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم مشى حتى حفيت أقدامه وحمله أبو بكر على كاهله إذ يجوز أن يكون هذا في السهل فلما ارتقى الجبل حيث لا تسلك الناقة مشى صلى الله عليه وسلم وحفيت أقدامه وحمله أبو بكر حينئذ.
ذكر اختصاصه بأنه لم يسمع واحد وطء جبريل حين ينزل بالوحي غيره
عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال لم يسمع وطء جبريل حين ينزل بالوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر خرجه ابن البختري.

ذكر اختصاصه بكتب اسمه خلف اسم النبي صلى الله عليه وسلم في كل سماء
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها مكتوباً محمد رسول الله أبو بكر الصديق من خلفي" خرجه ابن عرفة العبدي والحافظ الثقفي وخرجه في الفضائل عن ابن عمر.
ذكر اختصاصه بكتابة اسمه مع اسم النبي صلى الله عليه وسلم في فرندة خضراء حول العرش
عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت ليلة أسري بي مكتوباً حول العرش في فرندة خضراء بقلم من نور لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق"
ذكر اختصاصه بكتابة اسمه مع اسم النبي صلى الله عليه وسلم في علم من نور
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله علماً من نور مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق" خرجهما في الفضائل وهذا مغاير لما تقدم فإن أسماء الأربعة تقدم أنها مكتوبة في لواء الحمد وهذا علم من نور الله تعالى فحمل على أنه غيره وكذلك ما تقدم في باب الثلاثة فإنه تقدم أن أسماءهم مكتوبة على العرش ولم يذكر أنه في فرندة خضراء حول العرش كما في هذا فيجوز أن يكون في موضع آخر غيره وتقدم أن أسماءهم في كل ورقة في الجنة وهما في كل سماء والله أعلم.
ذكر اختصاصه بتقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه أميراً على الحج في حياته صلى الله عليه وسلم
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع إلى المدينة من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر أميناً على الحج خرجه أبو حاتم في حديث طويل سيأتي في خصائص علي رضي الله عنه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان أخرجاه ذكر تخصيصه بالتقديم إماماً في الصلاة حين غاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شؤونه عن سهل بن سعد قال كان قتال في بني عمرو بن عوف فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم فقال يا بلال إذا حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس قال فلما أن حضرت العصر أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فتقدم وصلى بهم وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما دخل أبو بكر في الصلاة فلما رأوه صفحوا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت فرأي النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بيده أن امضه فقام أبو بكر كهيئته فحمد الله على ذلك ثم مشى القهقري قال فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال "يا أبا بكر ما منعك إذ أومأت إليك ألا تكون مضيت" قال فقال أبو بكر لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للناس "إذا رابكم في صلاتكم شيء فليسبح الرجل ولتصفح النساء" أخرجه أحمد وأبو حاتم في التقاسيم والأنواع وأبو داود والنسائي شرح التصفيح مثل التصفيق.
ذكر اختصاصه صلى الله عليه وسلم أبا بكر بأنه لا ينبغي أن يتقدمه غيره
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره أخرجه الترمذي وقال غريب وخرجه السمرقندي ولفظه قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصل أبو بكر للناس قالوا يا رسول الله لو أمرت غيره قال "لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر" وخرجه في الفضائل ولفظه قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار ليصلح بينهم في أمر فحضرت الصلاة فقال بلال لأبي بكر قد حضرت الصلاة وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهداً فهل لك أن أؤذن وأقيم وتصلي بالناس فقال إن شئت فأذن بلال وأقام فتقدم أبو بكر وصلى بالناس فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما فرغوا فقال أصليتم قالوا نعم قال من صلى بكم قالوا أبو بكر قال أحسنتم "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يصلي بهم غيره" وفي رواية أن يؤمهم غيره وقال حديث غريب هاتان والله أعلم قضيتان متغيرتان عهد النبي صلى الله عليه وسلم في إحداهما إلى بلال إذا حضرت الصلاة أن يصلي بهم أبو بكر على ما تضمنه حديث الشيخين في الذكر قبل هذا وفي الأخرى لم يعهد وعليه دل سياق لفظ هذا الحديث وطرق كثيرة في الصحيحين رويت كذلك ليس فيها عهد والله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 7:33 am


ذكر اختصاصه بتقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه إماماً في مرض وفاته تنبيهاً على خلافته
عن ابن عمر لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت له عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء قال "مروا أبا بكر فليصل بالناس" فعاودته مثل مقالتها فقال "إنكن صواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس" أخرجاه وأبو حاتم واللفظ له وعن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال "مروا أبا بكر فليصل بالناس" قالت فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال "مروا أبا بكر فليصل بالناس" قالت فقلت لحفصة قولي له فقالت حفصة يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس قال "إنكن صاحبات يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس" أخرجاه وأبو حاتم قال أبو حاتم الصواب صواحب إلا أن السماع صواحبات وخرجه الترمذي وزاد في آخره فقالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيراً وقال حديث حسن صحيح وفي بعض طرق الصحيحين إنه لما أرسل إلى أبي بكر قال أبو بكر لعمر يا عمر صل بالناس فقال عمر أنت أحق بذلك فصلى أبو بكر تلك الأيام وعن عبد الله بن زمعة قال لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة فقال مروا من يصلي فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائباً فقلت يا عمر قم فصل بالناس فتقدم وكبر فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته قال فأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون فبعث إلى أبي بكر بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت عمر خرج حتى اطلع رأسه من حجرته ثم قال "لا لا لا ليصل للناس ابن أبي قحافة" يقول ذلك مغضباً أخرجهما أبو داود وخرج أحمد معناه وخرجه ابن إسحاق ولفظه عن عبد الله بن زمعة قال لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين قال دعاه بلال إلى الصلاة فقال مروا من يصلي بالناس قال فخرجت فإذا عمر في الناس وأبو بكر غائب فقلت قم يا عمر فصل بالناس قال فقام فلما كبر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وكان عمر رجلاً مجهراً قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون" قال فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس قال عبد الله بن زمعة قال لي عمر ويحك ماذا صنعت بي يا ابن زمعة والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك ولولا ذلك ما صليت بالناس قال قلت والله ما أمرني صلى الله عليه وسلم بشيء ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة بالناس شرح استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم أي اشتد به المرض وأشرف على الموت يقال عز يعز إذا اشتد واستعز به المرض وغيره إذا اشتد عليه وغلبه ثم بنى الفعل للمفعول الذي هو الجار والمجرور وفي هذا كله أبين البيان وأوضح الدلالة على أنه الخليفة بعده
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليصلي بالناس أبو بكر قالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل حضر فقال ابعثوا إلى عمر فقال عمر ما كنت لأتقدم وأبو بكر فصلى بالناس خرجه في الفضائل وقال حسن وعن عبد الله بن عمير الليثي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس الصبح وأن أبا بكر كبر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم بعض الخفة فقام يفرج الصفوف قال وكان أبو بكر لا يلتفت إذا صلى فلما سمع أبو بكر الحس من ورائه عرف أنه لا يتقدم إلى ذلك المقام إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنس وراءه إلى الصف فرده النبي صلى الله عليه وسلم مكانه وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه خرجه الشافعي في مسنده وخرجه ابن إسحاق وقال مكان فرده فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر شرح خنس أي انقبض وتأخر وعن أنس قال لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثلاثاً فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه فلما وضح لنا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظراً قط كان أعجب إلينا من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا قال فأومأ نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى الحجاب فلم نقدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم أخرجاه وعنه أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة فنظرنا إليه وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً الحديث أخرجه مسلم.
ذكر اختصاصه بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلفه بعد أمره له بالتقدم إماماً
عن أنس قال آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحاً خلف أبي بكر خرجه النسائي والطبراني في معجمه وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وعن سهل بن سعيد مثله وعن عائشة نحوه وقالت قاعداً أخرجه ابن حبان وعن أسماء قالت رأيت أبي يصلي في ثوب واحد وثيابه إلى جنبه فقلت له يا أبت أتصلي في ثوب واحد وإلى جنبك ثيابك فقال يا بنية آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفي في ثوب واحد وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر صحيح متفق عليه.
ذكر اختصاصه بالحوالة عليه بعد وفاته تنبيهاً على خلافته وأنه القائم بعده
عن جبير بن مطعم أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله شيئاً فقال لها ارجعي إلي فقالت له يا رسول الله فإن رجعت ولم أجدك تعرض بالموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وإن لم تجديني فأت أبا بكر" أخرجاه والترمذي وأبو حاتم وخرجه صاحب الفضائل عن ابن عباس بزيادة تصريح بها ولفظه قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته شيئاً فقال تعودين قالت يا رسول الله إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت قال "إن جئت فلم تجديني فأت أبا بكر فإنه الخليفة من بعدي" وقال غريب وجاء في باب الشيخين حديث اليهودي في هذا المعنى وفي ذكر عمر بعد أبي بكر وقد تقدم في باب الثلاثة حديث الأعرابي وحديث ابن المصطلق في هذا المعنى وفيه ذكر عثمان بعد عمر.
ذكر اختصاصه بإرادة العهد إليه في الخلافة ثم ترك ذلك إحالة على إباء الله تعالى خلاف ذلك والمؤمنين
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه "ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" أخرجاه وعنها أنها قالت وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذلك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك" فقالت عائشة واثكلاه والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذلك لظلت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بل أنا وارأساه قد عممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون" انفرد البخاري بإخراجه وعنها قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبى الله والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر أخرجه أحمد وعنها قالت لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قبض فيه قال ادعوا إلي أبا بكر فلنكتب لئلا يطمع في الأمر طامع أو يتمنى متمن ثم قال "يأبى الله والمؤمنون إلا أن يكون أبي فكان أبي خرجه في الفضائل وقال بإسناد صحيح على شرط الشيخين وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شكايته التي توفي فيها "يا عائشة ادعي إلي عبد الرحمن بن أبي بكر حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف فيه بعدي معاذ الله أن يختلف على أبي بكر أحد من المؤمنين" خرجه في الفضائل وقال غريب.

ذكر اختصاصه بالسبق إلى أنواع من البر في اليوم الواحد
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أصبح منكم اليوم صائماً قال أبو بكر أنا قال "فمن تبع منكم اليوم جنازة" قال أبو بكر أنا قال "فمن أطعم اليوم منكم مسكيناً" قال أبو بكر أنا قال "فمن عاد منكم اليوم مريضاً" قال أبو بكر أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة أخرجه أحمد ومسلم وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيكم أصبح اليوم صائما"ً قال فسكت القوم فقال أبو بكر أنا يا رسول الله ثم قال "أيكم تصدق اليوم على مسكين" قال فسكت القوم فقال أبو بكر أنا يا رسول الله فقال "أيكم شيع اليوم جنازة" فسكت القوم فقال أبو بكر أنا يا رسول الله وفي أخرى "أيكم عاد اليوم مريضاً قال أبو بكر أنا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "والذي بعثني بالحق ما جمعهن رجل في اليوم إلا دخل الجنة" خرجه الملاء في سيرته وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه "أيكم أصبح صائماً قال أبو بكر أنا قال "فأيكم عاد مريضاً" قال أبو بكر أنا قال "فأيكم تبع جنازة" قال أبو بكر أنا وخفيت علي الرابعة فقال "من كملت فيه هذه الأربع بني له بيت في الجنة" خرجه في فضائله وعن أبي جراد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه "هل فيكم من عاد مريضاً" قال أبو بكر أنا قال "فيكم من مشى في جنازة" قال أبو بكر أنا قال "هل فيكم من تصدق اليوم على مسكين" قال أبو بكر أنا قال "هل فيكم من أصبح صائماً" قال أبو بكر أنا قال "سبقت أنت سبقت إلى الجنة أربعين عاماً" وعن عبد الرحمن بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فلما قضى صلاته قال "أيكم أصبح اليوم صائماً فقال عمر بن الخطاب أما أنا يا رسول الله بت لا أحدث نفسي بالصوم وأصبحت مفطراً فقال أبو بكر أنا يا رسول بت الليلة وأنا أحدث نفسي بالصوم فأصبحت صائماً فقال "فأيكم عاد اليوم مريضاً فقال عمر يا رسول الله إنما صلينا الساعة ولم نبرح فكيف نعود المريض فقال أبو بكر أنا يا رسول الله أخبروني بالأمس أن أخي عبد الرحمن بن عوف وجع فجعلت طريقي عليه فسألت به ثم أتيت المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فأيكم تصدق اليوم بصدقة" فقال عمر يا رسول الله ما برحنا معك منذ صلينا أو قال لم نبرح منذ صلينا فكيف نتصدق فقال أبو بكر أنا يا رسول الله لما جئت من عند عبد الرحمن دخلت المسجد فإذا سائل يسأل وابن لعبد الرحمن بن أبي بكر ومعه كسرة خبز فأخذتها فناولتها السائل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر "فأبشر بالجنة مرتين فلما سمع عمر بذكر الجنة تنفس فقال هاه فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كلمة رضي بها عمر رحم الله عمر إن عمر يقول ما سابقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه خرجه بهذا السياق الخلعي وخرج أبو داود منه التصدق بالكسرة في المسجد في باب المسألة في المساجد وقد ورد مثل هذا لعمر وسيأتي في خصائصه وهو محمول على أن ذلك كان في يومين اختص أبو بكر بيوم اجتمع له فيه تلك المبرات وعمر بيوم آخر وعن صلة بن زفر قال كان أبو بكر إذا ذكر عند علي قال السباق والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير إلا سبقنا إليه أبو بكر خرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر اختصاصاته بالصلاة إماماً على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها لما ماتت
عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين قال ماتت فاطمة بين المغرب والعشاء فحضرها أبو بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف فلما وضعت ليصلى عليها قال علي رضي الله عنه تقدم يا أبا بكر قال وأنت شاهد يا أبا الحسن قال نعم تقدم فوالله لا يصلي عليها غيرك فصلى عليها أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين ودفنت ليلاً خرجه البصري وخرجه ابن السمان في الموافقة وفي بعض طرقه فكبر عليها أربعاً وهذا مغاير لما جاء في الصحيح فإنه ورد في الصحيح أن علياً لم يبايع أبا بكر حتى ماتت فاطمة وطريان هذا مع عدم البيعة يبعد في الظاهر والغالب وإن جاز أن يكونوا لما سمعوا بموتها حضروها فاتفق ذلك ثم بايع بعده.
ذكر أن فاطمة لم تمت إلا راضية عن أبي بكر
عن عامر قال جاء أبو بكر إلى فاطمة وقد اشتد مرضها فاستأذن عليها فقال لها علي هذا أبو بكر على الباب يستأذن فإن شئت أن تأذني له قالت أوذاك أحب إليك قال نعم فدخل فاعتذر إليها وكلمها فرضيت عنه وعن الأوزاعي قال بلغني أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبت على أبي بكر فخرج أبو بكر حتى قام على بابها في يوم حار ثم قال لا أبرح مكاني حتى ترضى عني بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها علي فأقسم عليها لترضى فرضيت خرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر اختصاصه بالدعاء بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ابن أبي مليكة قال قيل لأبي بكر يا خليفة الله قال لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله وأنا راض بذلك خرجه أحمد وأبو عمر وعن ابن عمر أن أبا بكر بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام فمشى معهم نحواً من ميلين فقيل له يا خليفة رسول الله لو انصرفت فقال لا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اغبرت قدماه في سبيل الله عز وجل حرمهما الله على النار خرجه في فضائله وقد تقدم في ذكر ثبات قلبه وشدة بأسه يوم الردة وقول علي رضي الله عنه لما خرج إلى قتال أهل الردة إلى أين يا خليفة رسول الله ولا خلاف بين فرق المسلمين من الموافقين والمخالفين أن أبا بكر كان يدعى بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع بذلك أحد غيره.
ذكر اختصاص بيته بوجود أربعة فيه
بعضهم ولد بعض كلهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وسمعوا كلامه ورووا عنه وهم أبو بكر وأبوه أبو قحافة وابنته أسماء وابنها عبد الله بن الزبير وأيضاً وجد فيه أربعة بعضهم ولد بعض لثلاثة منهم رؤية ورواية وواحد صحت له رؤية دون رواية عن موسى بن عقبة قال لا نعلم أربعة أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم هم وأبناؤهم إلا هؤلاء الأربعة أبو قحافة وأبو بكر وعبد الرحمن بن أبي بكر وأبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر واسم أبي عتيق محمد خرجه القاضي أبو بكر بن مخلد وهذا أبو عتيق ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البخاري وصحت له رضية ولم تصح له رواية وهذه منقبة في بيت أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على الوصف الأول ولا على الوصف الثاني إلا في بيت أبي بكر على الوصفين كما ذكرناه والله أعلم.
ذكر اختصاصه بآي من القرآن أنزلت فيه أو بسببه
منها قوله تعالى "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه" الآية لا خلاف أن المراد بأحد الاثنين أبو بكر وأنه المراد بصاحبه وقد تقدم ذلك في قصة الغار من الصحيحين وغيرهما وعن الحسن قال والله لقد عاب الله عز وجل أهل الأرض جميعاً بهذه الآية إلا أبا بكر خرجه في فضائله وعن الشعبي مثله خرجه الواحدي وعن عمرو بن الحارث أن أبا بكر قال أيكم يقرأ سورة التوبة قال رجل أنا فقرأ فلما بلغ "إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا" فبكى أبو بكر وقال أنا والله صاحبه وقال ابن عباس في قوله تعالى "فأنزل الله سكينته عليه" يعني على أبي بكر فأما النبي صلى الله عليه وسلم فكانت السكينة عليه قبل ذلك ومنها قوله تعالى "ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى" الآية عن عائشة في حديث الإفك قصة مسطح بن أثاثة قالت حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح أبداً فنزل قوله تعالى "ولا يأتل أولوا الفضل منكم" إلى "ألا تحبون أن يغفر الله لكم" قال أبو بكر والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه فقال لا أنزعها أبداً أخرجاه ومنها قوله تعالى "واتبع سبيل من أناب إلي" عن ابن عباس أنها نزلت في أبي بكر والخطاب لسعد بن أبي وقاص ذكره الواحدي وقيل المراد النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الماوردي ومنها "والذي جاء بالصدق وصدق به" عن علي قال جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم وصدق به أبو بكر خرجه ابن السمان في الموافقة وخرجه في فضائله ومنها "أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً" الآية عن أبي عباس قال نزلت في أبي بكر وقيل غير ذلك ومنها قوله تعالى "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" عن ابن عباس قال نزلت في أبي بكر ذكره الواحدي
ومنها قوله تعالى "أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة" عن ابن عباس قال هو أبو جهل وأبو بكر وقيل غير ذلك حكاه الثعلبي ومنها قوله تعالى "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة" إلى قوله "من المسلمين" عن ابن عباس قال نزلت في أبي بكر فاستجاب الله له فأسلم له والده وأولاده كلهم رواه عقيل بن خالد وقد تقدم ذكرها في ذكر إسلام أمه ومنها قوله تعالى "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح" الآية قال الكلبي نزلت في أبي بكر ذكره الواحدي ومنها قوله تعالى "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله" الآية عن ابن جريج أن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه أبو بكر صكة شديدة سقط منها ثم ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم قال أفعلته قال نعم قال فلا تعد إليه فقال أبو بكر والله لو كان السيف قريباً مني لقتلته فنزلت خرجه الواحدي وأبو الفرج وقيل نزلت في جماعة وقد تقدم ومنها قوله تعالى "فأما من أعطى واتقى" عن عبد الله بن زبير عن بعض أهله قال: قال أبو قحافة لابنه أبي بكر أراك تعتق رقاباً ضعافاً فلو أنك إذا فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً يمنعونك ويقومون دونك فقال أبو بكر يا أبت إنما أريد ما أريد قال فما نزلت هذه الآيات إلا فيه وفيما قاله أبوه "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى" إلى آخر السورة خرجه ابن إسحاق الواحدي في أسباب النزول وقد روي ما يدل على حكمها عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما منكم من أحد إلا كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار" قالوا يا رسول الله أفلا نتكل قال "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى" أخرجاه ولا تضاد بينهما لجواز أن يكون نزلت بسبب فعل أبي بكر ثم عمم الحكم وعن ابن عباس أن أبا بكر لما اشترى بلالاً وأعتقه قال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده فنزلت "وما لأحد عنده من نعمة تجزى" إلى آخر السورة خرجه الواحدي وعن ابن مسعود أن السورة كلها نزلت مدحاً في أبي بكر الصديق وما فيها من ذم في أمية بن خلف سيد بلال الذي ابتاعه أبو بكر منه فقوله تعالى "إن سعيكم لشتى" سعي أبي بكر وأمية "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى" لا أله إلا الله يعني أبا بكر "فسنيسره لليسرى" الجنة "وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى" بلا إله إلا الله يعني أمية وأبيا "فسنيسره للعسرى" النار تردى مات وهلك الأشقى الذي كذب وتولى أمية وأبي
الفصل العاشر
فيما جاء متضمناً أفضليته
وجميع أحاديث هذا الفصل دخلت في الفصل قبله لكونها خصائص وفي أبواب قبله ونحن ننبه عليها ليقع الاستدلال بها في بابها وتعلم أماكنها فتستخرج منها عند إرادتها فمن ذلك أحاديث أولية إسلامه وفيه حديث أبي سعيد عنه ألست أحق لهذا الأمر ألست صاحب كذا وهو في فصل أنه أول الناس إسلاماً ومنها أحاديث لو كنت متخذاً خليلاً ووجه دلالتها على الأفضلية أنه لم يعدل عنه بالخلة إلا إلى الله تعالى ولم يؤهل للخلة أحداً من المخلوقين غيره فإن صح حديث أبي في اتخاذه صلى الله عليه وسلم أبا بكر خليلاً فأعظم به ومنها حديث جابر في أنه خير الخلق وأفضلهم بعده صلى الله عليه وسلم وحديث أنس في أنه خير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي الدرداء في أنه خير من طلعت عليه الشمس بعد النبيين وحديث جابر في أنه أفضل الصحابة في الدنيا والآخرة وأحاديث ابن عمر في التخيير وهي مذكورة في باب الثلاثة منها كنا نخير بين الصحابة فنخير أبا بكر ومنها خير الناس أبو بكر وحديث محمد بن الحنفية عن علي أنه خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث عبد خير وحديث النزال بن سبرة وحديث أبي جحيفة ومحمد بن الحنفية أيضاً كلهم عن علي مثله كلها في باب أبي بكر وعمر وحديث أبو بكر سيدنا وخيرنا وحديثه الآخر إن الله قد جمع أمركم على خيركم وحديث علي بن أبي طالب تركتكم فإن يرد الله بكم خيراً يجمعكم على خيركم كما جمعنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيرنا وحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل إمامناً خيرنا وحديث أبي أمامة في راجحيته بالأمة وحديث ابن عمر مثله كلاهما في باب ما دون العشرة وحديث أبي بكر في راجحيته بعمر ثم بعثمان في باب الثلاثة وحديث أبي سعيد كان أبو بكر أعلمنا وحديثه الآخر في المعنى وحديث أبي المعلي في معناه أيضاً وتقدم في باب الأربعة والثلاثة والشيخين ما يدل على طرف من ذلك تصريحاً وتلويحاً.
الفصل الحادي عشر
فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
وقد تقدم من أحاديث هذا الفصل ما جاء في العشرة وفيما دون العشرة وفي الأربعة وفي الثلاثة وفي الشيخين في أبوابهم في كل باب ذكر يخص هذا المعنى وتقدم في فصل الخصائص حديث أبي هريرة في أنه أول من يدخل الجنة وحديث ابن عمر والزبير أنه رفيقه في الجنة.
ذكر ما جاء أنه يدعى من أبواب الجنة كلها
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان" فقال أبو بكر يا رسول الله بأبي أنت وأمي هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأرجو أن تكون منهم أخرجاه أحمد والترمذي وأبو حاتم وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أنفق من ماله زوجين في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة يا عبد الله يا مسلم هذا خير لك" قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ أبي بكر قال أما "إنك منهم" خرجه القلعي شرح قوله زوجين جاء في الحديث قيل وما الزوجان قال فرسان أو عبدان أو بعيران وهكذا فسره بعض العلماء وقال الحسن البصري شيئان متغايران درهم ودينار درهم وقوت خف ولجام قال الباجي يحتمل أن يريد بذلك العمل من صلاتين أو صيام يومين والأصل في الزوج الصنف والنوع من كل شيء وكل شيئين متفرقين مثلين كانا أو غير مثلين فهما زوجان وكل واحد منهما زوج والمراد أنفق نوعين من ماله.
ذكر ما جاء أن الملائكة تزفه إلى الجنان مع النبيين والصديقين
عن جابر بن عبد الله قال" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تأتي الملائكة بأبي بكر الصديق مع النبيين والصديقين تزفه إلى الجنة زفافاً" خرجه في فضائله وقد تقدم مثله في باب أبي بكر وعمر مختصاً بأبي بكر من حديث زيد بن ثابت إلا أنه لم يذكر فيه النبيين والصديقين.
ذكر تنعمه في الجنة
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن طير الجنة كأمثال البخت نزعاً في شجر الجنة" قال أبو بكر يا رسول الله إن هذه الطير ناعمة فقال "آكلها أنعم منها قالها ثلاثاً وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها" خرجه أحمد وعن ابن عمر قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى فقال "يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى قال الله ورسوله أعلم قال طوبى شجرة في الجنة لا يعلم ما طولها إلا الله عز وجل يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفاً يقع عليها طير أمثال البخت" قال أبو بكر إن هذا الطير لناعم يا رسول الله قال "أنعم منه من يأكله وأنت منهم إن شاء الله يا أبا بكر خرجه الخلعي.
ذكر وصف برج له في الجنة
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما دخلت الجنة ليلة أسري بي فنظرت إلى برج أعلاه حرير وأسلفه حرير فقلت يا جبريل لمن هذا البرج فقال هذا لأبي بكر خرجه في فضائله.
ذكر ما له من الحور الورديات
عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن في الجنة حوراً خلقهن الله تعالى من الورد يقال لهن الورديات لا يتزوج بهن إلا نبي أو صديق أو شهيد وان لأبي بكر منهن أربعمائة".
ذكر تشوق أهل الجنة إليه وتسليمهم عليه إذا دخلها
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يدخل رجل الجنة فلا يبقى أهل دار ولا أهل غرفة إلا قالوا مرحباً إلينا إلينا" قال أبو بكر يا رسول الله ماتوا على هذا الرجل في ذلك اليوم قال أجل وأنت هو يا أبا بكر خرجه أبو حاتم هكذا بالتاء باثنتين معدي بعلي ولعله أراد التوى بالقصر الهلاك وخرجه في الفضائل ماثوا هذا الرجل بالمثلثة بإسقاط على وقال الثوي يقال ثوى يثوي ثوا أي أقام والأول أنسب للجواب بأجل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 7:44 am


ذكر ما جاء في الترغيب في محبته
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب أبي بكر واجب على أمتي خرجه الحافظ السلفي في مشيخته. وعنه قال كنا في بيت عائشة أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأنا يومئذ ابن خمس عشرة سنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبكر بكر ليت أني لقيت وإخواني فإني أحبهم فقال أبو بكر يا رسول الله من إخوانك قال أنتم أصحابي إخواني الذين لم يروني وصدقوني وأحبوني حتى إني لأحب أحدهم من ولده ووالده قال يا رسول الله إنا نحن إخوانك قال لا أنتم أصحابي ألا تحب يا أبا بكر قوماً أحبوك بحبي إياك قال فأحبهم ما أحبوك بحبي إياك خرجه الأنصاري. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقعد فقال يا عمر إني أشتاق إلى إخواني قال عمر يا رسول الله أفلسنا إخوانك قال لا لأنتم أصحابي ولكن إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني قال فدخل أبو بكر على بقية ذلك فقال عمر يا أبكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني أشتاق إلى إخواني فقلت يا رسول الله ألسنا إخوانك قال لا ولكن أنتم أصحابي ولكن إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ألا تحب قوماً بلغهم أنك تحبني فأحبوك بحبك إياي فأحبهم أحبهم الله خرجه ابن فيروز. وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان الليلة التي ولد فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه أقبل ربكم على جنة عدن فقال وعزتي وجلالي لا أدخلك إلا من أحب هذا المولود خرجه علي بن نعيم البصري وقال غريب من حديث الزهري عن نافع وخرجه الملاء في سيرته. وعن قيس بن أبي حازم قال التقى أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب فتبسم أبو بكر في وجه علي فقال له علي ما لك تبسمت فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي بن أبي طالب الجواز فضحك علي وقال ألا أبشرك يا أبا بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يكتب الجواز إلا لمن أحب أبا بكر خرجه ابن السمان. وعن أنس أن يهودياً أتى أبا بكر فقال والذي بعث موسى كليماً إني لأحبك فلم يرفع له أبو بكر رأساً تهاوناً باليهودي قال فهبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول لك قل لليهودي الذي قال لأبي بكر إني أحبك إن الله عز وجل قد أحاد عنه في النار خلتين لا توضع الأنكال في قدميه ولا الغل في عنقه لحبه أبا بكر فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فأحضره فأخبره الخبر قال فرفع رأسه إلى السماء وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله حقاً والذي بعثك بالنبوة لا ازددت لأبي بكر إلا حباً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيئاً هنيئاً خرجه الملاء في سيرته. شرح أحاد أصله أمال والمراد والله أعلم هنا أزال وهو داخل في الميل تقول حاد يحيد حيوداً وحيدة وحيدودة والأنكال جمع نكل بالكسرة وهو القيد والغل ما يجعل في العنق
ذكر ما جاء عن عمر في تفضيله أبا بكر على نفسه
عن ابن عمر قال قيل لعمر ألا تستخلف فقال إن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر الصديق متفق على صحته وسيأتي في فصل وفاة عمر من كتاب مناقبه. وعن ابن عباس قال قال عمر والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي أن أتقدم على قوم فيهم أبو بكر أخرجاه. وعن أبي عمران الجوني قال قال عمر وددت أني شعرة في صدر أبي بكر خرجهما في فضائله وعن الحسن بن أبي الحسن قال قال عمر وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر خرجه في فضائله. وعن جابر بن عبد الله قال قال عمر أبو بكر سيدنا وخيرنا وقد تقدم في فصل الخصائص وتقدم فيه أيضاً حديث القائل له ما رأيت أحداً خيراً منك فقال هل رأيت أبا بكر الحديث.
ذكر ما يتضمن تعظيم عمر أبا بكر
عن أنس قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم دارنا فحلبنا له من شاة داجن وشيب له بماء من بئر في الدار وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر ناحية فقال عمر أعط أبا بكر فناول الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن خرجه بهذا السياق علي بن حرب الطائي وقد تقدم في الخصائص مختصراً من حديث الموطأ. وعنه قال زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا فحلبنا له داجناً وشبنا لبنها من ماء الدار وعن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أهل البادية ومن وراء الرجل عمر بن الخطاب وعن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر فشرب حتى إذا نزع القدح من فيه أو هم بنزعه قال عمر يا رسول الله أعطه أبا بكر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن خرجه النسائي.
ذكر ما جاء عن علي أنه كان إذا حدثه أحد استحلفه غير أبي بكر
عن علي قال كنت إذا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله بما شاء فإذا حدثني عنه غيره استحلفته فإذا حلف لي صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس من عبد يذنب ذنباً فيقوم فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له خرجه النسائي والحافظ في الأربعين البلدانية. وعنه أنه لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف الصحابة أين يدفن قال أبو بكر عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس من نبي يموت إلا دفن حيث يقبض وأبو بكر مؤتمن على ما جاء به. وعنه قال سمعت أبا بكر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يذنب ذنباً فقام فتوضأ فأحسن الوضوء فقام فصلى ثم استغفر الله تعالى إلا كان حقاً على الله تعالى أن يغفر له قال فجعل ينادي بها على المنبر صدق أبو بكر صدق أبو بكر وذلك بأن الله تعالى قال: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" خرجهما في فضائله.
فصل في التنبيه على ما رواه علي رضي الله عنه في فضل أبي بكر وما روى عنه
وأحاديث هذا الفصل كلها مذكورة في غيره متقدمة ومتأخرة وإنما لما كانت الدواعي متوفرة عد ما يرويه وما يروى عنه في فضل أبي بكر وكذلك ما يرويه أبو بكر ويروى عنه فلذلك عقدنا هذا الفصل ننبه فيه على ما تقدم وتأخر ليطلب في مواضعه ونعقد أيضاً فصلاً مثله في مناقب علي إن شاء الله تعالى. وقد ذكرنا ما رواه أو روي عنه مما تضمن فضل أبي بكر وغيره في آخر باب الشيخين ما خلا حديث مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل يعني أبا بكر وعلياً فإنه في فصل بعده وأما ما اختص بأبي بكر فنحن نذكره هنا. فمنها حديث النزال بن سبرة عنه في قوله في أبي بكر ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم رضيه صلى الله عليه وسلم لديننا فرضيناه لدنيانا وحديث ابن يحيى في المعنى. وعن علي أن الله تعالى أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق الثلاثة في فضل اسمه وحديث الحسن أن رجلاً سأل علياً كيف سبق المهاجرون إلى بيعة أبي بكر فقال إنه سبقني بأربعة الحديث تقدم في ذكر أنه أول من أظهر إسلامه وحديث آخر عنه في معناه فيه وحديث تضمن قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل من يهاجر معي قال أبو بكر وحديث ما منكم من أحد إلا وقد كذبني إلا أبو بكر في أول الخصائص وحديث إني أترككم فإن يرد الله بكم خيراً الحديث وفي ذكر اختصاصه بالخيرية وحديث أبي سريحة عنه أن أبا بكر مثبت القلب وحديث إنه أشجع الناس. وقوله يا خليفة رسول الله لا تفجعنا بنفسك تقدم في ذكر اختصاصه بالأشجعية وحديث إن الله تعالى يكره تخطئة أبي بكر في الخصائص في أعلميته وحديث إن قوله تعالى: "والذي جاء بالصدق وصدق به" أبو بكر في الخصائص في آخرها وحديث رضيه صلى الله عليه وسلم لديننا فرضيناه لدنيانا تكرر متقدماً ومتأخراً في فصل خلافته وفي هذا الفصل قوله قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر للصلاة وهو يرى مكاني.... الحديث وحديث قيس بن عباد عنه في المعنى وحديث أن الله أعطاه ثواب من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في فصل فضائله. وحديث تجلى الله تعالى له خاصة في فصل خصائصه وحديث رحم الله أبا بكر كان من أعظم الناس أجراً في جمع المصاحف في خصائصه وحديث إن الخير ثلثمائة خصلة وفيه منها جمع من كل في فضائله وحديث نازلت ربي فيك يا علي ثلاثاً فأبى إلا أبا بكر سيأتي في فصل خلافته وثناؤه عليه يوم مات في فصل وفاته إن شاء الله تعالى.
ذكر اعتذار عبد الله بن عمر في تقديمه إباه في السلام على أبي بكر تنبيها على أفضليته
عن عبد الله بن عمر كان إذا قدم من سفر لم يدخل على أهله حتى يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه وعلى أبي بكر وعمر وكان إذا سلم على عمر قال السلام عليك يا أبي لولا أنك أبي ما بدأت بك قبل أبي بكر خرجه أبو بكر بن أبي داود.
ذكر ما روي عن عائشة في أبي بكر
عنها قالت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واشرأب النفاق ونزل بأبي ما لو نزل على الجبال الراسيات لهاضها قلت فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحطها وثناها خرجه الطبراني وعن القاسم بن محمد قال سمعت عائشة تقول لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اشرأب النفاق وارتدت العرب وعاد أصحاب محمد كأنهم معزى بحظيرة في حفش والله ما اختلفوا في أمر إلا طار أبي بكذا وغنائها خرجه الإسماعيلي في معجمه. وعنها وقد بلغها أن قوماً تكلموا في أبيها فبعثت إلى أزفلة من الناس وعلت وسادتها وأرخت ستارتها فحمدت الله تعالى وصلت على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قالت أبي وما أبي والله لا تعطوه الأيدي ذاك طود منيف وظل مديد هيهات كذبت الظنون نجح والله إذ كذيتم وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد فتى قريش ناشئاً وكهفاً كهلاً يفك عانيها ويريش مملقها ويرأب شعبها ويلم شعثها حتى حليته قلوبها ثم استشرى في دينه. وفي رواية استشرى في الله تعالى فما برحت شكيمته في ذات الله عز وجل حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات المبطلون وكان رحمه الله غزير الدمعة وقيذ الجوانح شجى النشيج فانقصفت عليه نسوان أهل مكة وولدانهم يسخرون منه ويهزؤون به: "الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون" وأكبرت رجالات ورجالات فحنت قسيها وفوقت سهامها وامتثلوه غرضاً. وفي رواية فانتثلوه عرضاً فما فلوا له صفاة ولا قصفوا له قناة ومضى على سيسائه حتى إذا ضرب الدين بجرانه ورست أوتاده ودخل الناس في دين الله أفواجاً ومن كل فرقة أرسالا وأشتاتاً واختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما عنده فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم اضطرب حبل الدين ومرج أهله وبغى الغوائل وظنت رجال أن قد اكثبت نهزها. وفي رواية فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب الشيطان رواقه ومد طنبه ونصب حبائله وظن رجال أن قد تحققت أطماعهم ولات حين يظنون وأبي الصديق بين أظهرهم فقام حاسراً مشمراً وأقام أوده بثقافته زاد في رواية فجمع حاشيته ورفع قطريه فرد نشر الإسلام على غره ولم شعثه بطيه وأقام أوده بثقافته حتى امذقر النفاق بوطأته فلما انتاش الدين بنعشه. وفي رواية حتى امذقر النفاق بوطئته وانتاش الدين بنعشه فلما أراح الحق على أهله وقرت الرؤوس في كواهلها وحقن الدماء في أهبها حضرت منيته فسد ثلمته بنظره في الشدة والرحمة ذاك ابن الخطاب لله در أم حملته ودرت عليه لقد أوحدت به فديخ الكفر وفنخها وشرك الشرك شذر مذر فأروني ماذا ترون وأي يومي أبي تنقمون أيوم إقامته إذ عدل فيكم أم يوم طعنه إذ نظر لكم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ثم التفتت إلى الناس فقالت سألتكم بالله هل أنكرتم مما قلت شيئاً قالوا اللهم لا خرجه صاحب الصفوة في فضل عائشة في فصاحتها وصاحب فضائله وقال حسن صحيح. وخرجه الحافظ أبو القاسم السمرقندي بالروايات المزيدة. شرح: الأزفلة جماعة وجمعه أزافل تعطوه الأيدي تناوله يقال عطا يعطو وظبى عاط يتناول الشجر طود هو الجبل العظيم فاستعارته له مشرف عال أنجح إذ أكديتم أي انقطعتم وآيستم يقال أكدى يكدي فهو مكد مأخوذ من كدية الركية وهو أن يحفر الحافر فيبلغ إلى الكدية وهي الصلابة من حجر أو غيره فلا يعمل معوله شيئاً فييأس ويقطع الحفر ونيتم أي ضعفتم تقول ونى يني ونا وناء وونياء إذا ضعف يريش مملقها أي يقوى فقيرها وأصله من رشت السهم تقول رشت الرجل أي قويته فارتاش أي قوي والمملق الفقير منه أملق إملاقاً. يرأب شعبها أي يلائمه ويجمعه والشعب الصدع وهو الشق في الشيء ويلم شعثها والمراد بالشعث هنا انتشار الأمر والتفرق بعد الاجتماع كما يتشعث الرأس واللم الجمع حليته قلوبها أي أسلحته وأعجبها تقول حلا يحلو حلاوة وحلا بالكسر بعيني وفي عيني وبصدري وفي صدري يحلى حلاوة إذا أعجبك وقال الأصمعي حلى في عيني بالكسر وحلا في عيني بالفتح استشرى في دينه أي ألح فيه فما برحت شكيمته في ذات الله يقال فلان شديد الشكيمة إذا كان شديد النفس ثابتاً على أمره وفلان ذو شكيمة إذا كان لا ينقاد وقيذ الجوانح فعيل بمعنى مفعول أي أنه كان محزون القلب حتى كأن الحزن صيره لا حراك به من الوقذ وهو الضرب حتى يصير المضروب لا حراك به تقول منه وقذه يقذه وقذاً ومنه الموقوذة شجي النشيج أي في صوت بكائه رقة وحنان تقول نشج ينشج نشيجاً إذا غص ببكائه وظهر منه صوت وشجاً شجا إذا حزن وأكبرت رجال أي عظمت ورجالات جمع رجل ويجمع على رجال. حنت قسيها أي عوجت وفوقت سهامها أي جعلت لها فوقاً وهو موضع الوتر من السهم وذلك إشارة منها إلى إرسال الكلام نحوه لقولها وامتثلوه غرضاً أي صيروه مثل الغرض ومن رواه انتثلوه غرضاً أي صيروه مثل الغرض ومن رواه انتثلوه عرضاً أي تركوه من النثل وهو أن يترك الشيء مرة واحدة يقال نثل ما في كنانته إذا صبه مرة واحدة وكذا نثره فلوا صفاته أي كسروها والصفاة صخرة ملساء يقال في المثل ما تبذأ صفاته وجمعها صفى مقصور وفله فانفل أي كسره فانكسر وكأنها تشير إلى أنهم لم يغيروا من أمره المستجمع المستحكم شيئاً ولا قصفوا له قناة تقول قصفت الشيء أي كسرته والإشارة إلى ذلك المعنى أي لم يزل أمره قائماً وكعبه عالياً على سيسائه أي على ما ركب من أمره وسيساء الحمار ظهره قال أبو عمرو السيساء من الفرس الحارك ومن الحمار الظهر ضرب الدين بجراته جران البعير عنقه من مذبحه إلى منحره وكذلك هو من الفرس والمعنى أنه ألقى بجرانه على الأرض كما يفعل البعير إذا برك ورست أوتاده ثبتت أفواجاً جماعات جمع فوج ويجمع أيضاً فووج وجمع الجمع أفاوج وأفاويج.قول نشج ينشج نشيجاً إذا غص ببكائه وظهر منه صوت وشجاً شجا إذا حزن وأكبرت رجال أي عظمت ورجالات جمع رجل ويجمع على رجال. حنت قسيها أي عوجت وفوقت سهامها أي جعلت لها فوقاً وهو موضع الوتر من السهم وذلك إشارة منها إلى إرسال الكلام نحوه لقولها وامتثلوه غرضاً أي صيروه مثل الغرض ومن رواه انتثلوه غرضاً أي صيروه مثل الغرض ومن رواه انتثلوه عرضاً أي تركوه من النثل وهو أن يترك الشيء مرة واحدة يقال نثل ما في كنانته إذا صبه مرة واحدة وكذا نثره فلوا صفاته أي كسروها والصفاة صخرة ملساء يقال في المثل ما تبذأ صفاته وجمعها صفى مقصور وفله فانفل أي كسره فانكسر وكأنها تشير إلى أنهم لم يغيروا من أمره المستجمع المستحكم شيئاً ولا قصفوا له قناة تقول قصفت الشيء أي كسرته والإشارة إلى ذلك المعنى أي لم يزل أمره قائماً وكعبه عالياً على سيسائه أي على ما ركب من أمره وسيساء الحمار ظهره قال أبو عمرو السيساء من الفرس الحارك ومن الحمار الظهر ضرب الدين بجراته جران البعير عنقه من مذبحه إلى منحره وكذلك هو من الفرس والمعنى أنه ألقى بجرانه على الأرض كما يفعل البعير إذا برك ورست أوتاده ثبتت أفواجاً جماعات جمع فوج ويجمع أيضاً فووج وجمع الجمع أفاوج وأفاويج.
أرسالاً جمع رسل بالتحريك وهو في الأصل القطيع من الإبل والغنم فاستعير للجماعة من الناس أشتاتاً أي متفرقين واحدهم شت مرج أهله يقال مرج الأمر مرجاً إذا التبس هذا أصله والمراد بمرجهم اضطرابهم من قولهم مرج الدين والأمر اختلط واضطرب اكثبت نهزها يقال كثبت الشيء كثباً جمعته وانكثب الرمل أي اجتمع ومنه سمي الكثيب من الرمل والنهز جمع نهزة وهي الفرصة والكثب بالتحريك القرب يقال رماه من كثب أي من قرب ويقال أكثبك الصيد إذا أمكنك والتقدير اقتربت فرصها. ومنه حديث يوم بدر إن أكثبكم القوم فأنبلوهم أي قاربوكم وأمكنوكم من أنفسهم فارموهم بالنبل ولات حين يظنون وأبي بين أظهرهم أي ليس الحين حين ظنهم ما دام أبي بين أظهرهم ومنه ولات حين مناص أي ليس الحين حين خلاص أوده اعوجاجه بثقافته أي حذاقته وفطنته يقال ثقف ثقافة وقطر الشيء جانباه ونشر الإسلام على عزه أي ما انتشر منه على حاله الذي كان عليه من قولهم اطو الثوب على عزة أي على طيه الأول وكسره امذقر النفاق تقطع يقال امذقر الرائب إذا انقطع فصار اللبن ناحية والماء ناحية قاله الجوهري.

انتاش الدين يقال انتشته أي خلصته من ضراء ومنه التناوش التناول بنعشه أي رفعه يقال نعشه الله فانتعش أي رفعه فارتفع فأرادت والله أعلم بهذا وبما بعده أنه رفع منار الدين وأشاد قواعده وأقر الحق وأزاح الباطل فقرت أمور الدين على ما كانت عليه والكاهل الحارك وهو ما بين الكتفين أوحدت به أي جاءت به وحيداً لا ثاني له ولا مثل له ديخ ودوخ بمعنى والأصل بالواو من قولهم داخ البلاد يدوخها إذا قهرها واستولى عليها وكذلك دوخ البلاد الثلمة الخلل المرحمة الرحمة فنخها قهرها يقال فنخه الأمر قهره شرك الشرك شذر مذر يقال شركت النعل وأشركتها أي رممتها بالشراك فكأنه رم الكفر وشذر مذر أي في كل جهة يقال تفرقوا شذر مذر بكسر الشين والميم وفتحهما وفتح الذال في اللغتين إذا ذهبوا في كل وجهة تنقمون أي تعتبون يقال نقم ينقم بكسر مضارعه فهو ظعنه أي سيره وارتحاله يقال ظعن ظعناً وظعناً.
الفصل الثالث عشر
في ذكر خلافته وما يتعلق بها
ذكر ما جاء دليلاً على خلافته تنبيهاً سابقاً منه صلى الله عليه وسلم وتقريراً لاحقاً من الصحابة وشهادة منهم بصحتها وأنها لم تكن إلا بحق. وقد تقدم جملة من أحاديث هذا الذكر فشيء منها تقدم في باب الأربعة في ذكر ما جاء في خلافة الأربعة وفي باب الثلاثة كذلك وفي باب أبي بكر وعمر كذلك وبعضها مصرح بخلافتهم على الترتيب الواقع منه صلى الله عليه وسلم تارة ومن فهم الصحابة أخرى خصوصاً أحاديث مرائيه صلى الله عليه وسلم فإن أحاديثها متفق على صحتها. وكذلك حديث الأمر بالاقتداء بأبي بكر وعمر وبعده باقيها تقدم في الخصائص ونحن ننبه عليه لنفرع إليه عند الحاجة إلى الاستدلال به. فمنها حديث ابن عباس ليس أحداً من علي إلى قوله سدوا عني كل خوخة وفهم الصحابة رضوان الله عليهم من ذلك التنبيه على الخلافة. وقد تقدم وجه بيان الدلالة منه وهو في الذكر الرابع من فصل الخصائص وأحاديث أفضليته كلها دليل على تعينه على قولنا لا تنعقد ولاية المفضول عند وجود الأفضل وعلى القول الآخر دليل على أولويته لا نزاع في ذلك وقد تقدمت في الذكر الثالث عشر من الخصائص. وتقدم ضرب منها في باب الأربعة وفي باب الثلاثة وفي باب أبي بكر وعمر وحديث استخلافه على الصلاة لما ذهب يصلح بين بني عوف في الثالث والأربعين من الخصائص. وحديث استخلافه عليها في مرض وفاته في الخامس والأربعين وهو من أوضح الأدلة وعليه اعتمد عمر وعلي وغيرهما من الصحابة في الاستدلال على خلافته وعلى أحقيته بها على ما سيأتي في آخر هذا الذكر ووجهه أنه كان وهو صلى الله عليه وسلم قد تأهب للنقلة إلى ربه فعينه للإمامة ثم عورض بعرض غيره عليه لذلك فمنع منه ثم لما أن تقدم غيره كره ذلك وصرح بالمنع منه ثم أكده بتكرار المنع فقال لا لا لا ثم أردف ذلك بما فيه تعريض بالخلافة بل تصريح بقوله يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ثم أكد ذلك بتكرار كل ذلك مع علمه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك مظنة الخلافة فإنه كان صلى الله عليه وسلم إمامهم في الصلاة والحاكم عليهم فلما أقام أبا بكر ذلك المقام مع توفر هذه القرائن الحالية والمقالية علم أنه أراد ذلك وفي قوله يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر أكبر إشارة بل أفصح عبارة ولولا اعتماده صلى الله عليه وسلم على تلك الإشارة المصرحة بإرادة الخلافة لما أهمل أمرها فإنها من الوقائع العظيمة في الدين ويؤيد أنه أراد كتب العهد على ما سنذكره ثم تركه وقال يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر إنما كان والله أعلم اكتفاء بنصبه إماماً عند إرادة الانتقال عنهم وإحالة على فهم ذلك عنه ولم يصرح بالتنصيص عليها لأنه مرتبط بما يوحي إليه لا يفعل شيئاً إلا بأمر ربه ولم يأمره بالتنصيص لينفذ قضاؤه وقدره في ابتلاء قوم عميت أبصارهم بما ابتلاهم به وليبين فضل من انقاد إلى الحق بزمام الإشارة ودله نور بصيرته عليه فإن من لم يعتقد ذلك بعد بلوغ هذه الأحاديث والعلم بتلك القرائن الحالية والمقالية فالظاهر عناده ورده للحق بعد تبينه.
ومنها حديث عائشة لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره وهو صريح في الباب لعموم الإمامة تقدم في الرابع والأربعين وحديث الحوالة عليه في السابع والأربعين وهو من أدل الأدلة وأوضحها وحديثها من أصح الأحاديث وإن صحت الزيادة على ما رواه مسلم وهي قوله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل أنا أولى. وفي رواية لكيلا يطمع في الأمر طامع أو يتمنى متمن ثم قال ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ويأبى الله ويدفع المؤمنون أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليه وهذا صريح في الباب ولا يقال إنه نص على إمامته بتوليته من جهته صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكتب بل عرف أنه الخليفة بعده فجعل الله سبحانه وتعالى ذلك وأجمع المسلمون عليه.
ذكر سؤال النبي صلى الله عليه وسلم تقدمة علي فأبى الله إلا تقدمة أبي بكر
عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت الله عز وجل أن يقدمك ثلاثاً فأبى إلا تقديم أبي بكر خرجه الحافظ السلفي في المشيخة البغدادية وخرجه صاحب الفضائل ولفظه يا علي ما زلت أسأل الله فيك ثلاثاً فأبى أن يقدم إلا أبا بكر وقال غريب وهذا الحديث مع غرابته يعتضد بما تقدم من الأحاديث الصحيحة فيستدل بها على صحته لشهادة الصحيح لمعناه.
ذكر ما روي عن عمر في هذا الباب
عن عبد الله بن مسعود قال كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر بن الخطاب نشدتكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر يصلي بالناس قالوا اللهم نعم قال فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا كلنا لا تطيب نفسه ونستغفر الله خرجه أبو عمر وخرج أحمد معناه وفي آخره فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر قالت الأنصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر وهذا مما يؤكد الاستدلال بإمامة الصلاة على الخلافة كما قررنا والله أعلم.
ذكر ما روي عن علي رضي الله عنه متضمناً القول بصحة خلافة أبي بكر متعلقاً في ذلك بسبب من النبي صلى الله عليه وسلم
عن الحسن قال قال لي علي بن أبي طالب لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا. وعنه قال قال علي قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يصلي بالناس وقد رأى مكاني وما كنت غائباً ولا مريضاً ولو أراد أن يقدمني لقدمني فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا. وعن قيس بن عبادة قال قال لي علي بن أبي طالب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ليالي وأياماً ينادي بالصلاة فيقول مروا أبا بكر فليصل بالناس فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت فإذا الصلاة علم الإسلام وقوام الدين فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فبايعنا أبا بكر خرجه أبو عمر وخرج معنى الثلاثة ابن السمان في الموافقة وابن خيرون في حديث طويل تقدم في باب الثلاثة عن الحسن البصري. وهذا مما يؤيد ما ذكرناه من الاستدلال بتقديمه إماماً في الصلاة على الإشارة إلى الخلافة وإن رضاهم به خليفة إنما كان لكونه صلى الله عليه وسلم رضيه لإمامة الصلاة. وقد تقدم في الخصائص في ذكر أفضليته قوله رضي الله عنه إن أترككم فإن يرد الله بكم خيراً يجمعكم على خيركم كما جمعنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيرنا وقد تقدم أيضاً دعاؤه أبا بكر يا خليفة رسول الله في مواضع شتى وعن سويد قال دخل أبو سفيان على علي والعباس فقال لهما ما بال هذا الأمر في أذل قبيلة من قريش وأقلها والله إن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجلاً ولأورثنها عليه من أقطارها أي لأصر منها فقال علي ما أريد أن تملأها عليه خيلاً ورجلاً ولولا أنا رأيناه أهلاً ما خليناه وإياها يا أبا سفيان المؤمنون قوم نصحة بعضهم لبعض متوادون وإن بعدت ديارهم والمنافقون غششة بعضهم لبعض وإن قربت ديارهم خرجه ابن السمان في الموافقة بهذا السياق وهو عند غيره إلى قوله أملأها عليه خيلاً ورجلاً.
ذكر ما روي عن أبي عبيدة بن الجراح في هذا الباب
عن أبي البختري قال قال عمر لأبي عبيدة بن الجراح أبسط يدك حتى أبايعك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنت أمين هذه الأمة فقال أبو عبيدة ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا فأمنا حتى مات خرجه أحمد وخرجه صاحب الصفوة. وعن إبراهيم التيمي قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة فقال ابسط يدك فلأبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيدة لعمر ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت تبايعني وفيكم الصديق ثاني اثنين.
شرح: الفهة السقطة والجهلة نحو ذلك قاله أبو عبيدة والفهة والفهاهة العي يقال رجل فه وامرأة فهة.

ذكر ما روي عن عبد الله بن مسعود في ذلك
عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال إن الله تبارك وتعالى نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه وابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم يقاتلون عن دينه فلما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيئ وقد رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً أن يستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه خرجه ابن السري وهذا من أقوى الأدلة على صحة خلافته رضي الله عنه فإن الإجماع قطعي.
ذكر ما روي عن أبي سعيد في معنى ذلك
عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخي في الدين وصاحبي في الغار وإن أبا بكر كان ينزل بمنزلة الوالد وإن أحق ما اقتدينا به بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وروي عن ابن الزبير نحو ذلك خرجهما إبراهيم التيمي.
ذكر ما أخبره به النصارى مما يتضمن خلافة أبي بكر
عن جبير بن مطعم قال لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وظهر أمره بمكة خرجت إلى الشام فلما كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى فقالوا من الحرم أنت قلت نعم قالوا تعرف هذا الذي تنبأ فيكم قلت نعم قال فأخذوا بيدي فأدخلوني ديراً لهم فيه تماثيل وصور فقالوا لي انظر هل ترى صورة هذا الذي بعث فيكم فنظرت فلم أر صورته فقلت لا أرى صورته فأدخلوني ديراً أكبر من ذلك فإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك الدير فقالوا لي انظر هل ترى صورته فنظرت فإذا أنا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هل ترى صفته قلت نعم فقلت لا أخبرهم حتى أعرف ما يقولون فقالوا هو هذا قلت نعم أشهد أنه هو قالوا أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه قلت نعم قالوا نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده خرجه ابن الصاعد. فإن قيل ما ذكرتموه مما أوردتموه في حق أبي بكر واستدللتم به على أنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم معارض بما جاء في حق علي بن أبي طالب وقد وردت أحاديث تدل على أنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمنها حديث سعد بن أبي وقاص وابن عباس أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ألا أنه لا نبي بعدي أخرجاه وغيرهما أنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي قال له ذلك وقد استخلفه لما ذهب صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك خرجه أحمد في مسنده والحافظ أبو القاسم الدمشقي في الموافقات. وسيأتي مستوفياً في خصائصه من باب مناقبه ووجه الدلالة أن موسى استخلف هارون عند ذهابه إلى ربه فمقتضى التنظير بينهما أن يكون خليفته عند ذهابه إلى ربه كما كان هارون من موسى وأن يكون المراد بقوله لا ينبغي أن أذهب أي إلى ربي وذلك ظاهر جلي ومنها حديث من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وفي بعض طرقه ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فإن هذا علي مولاه خرجه أحمد وأبو حاتم والترمذي والبغوي. وسنذكر الحديث بطرق كثيرة في خصائصه من باب مناقبه إن شاء الله تعالى وجه الدلالة أن المولى في اللغة المعتق وابن العم والعصبة ومنه وإني خفت الموالي من ورائي وسموا بذلك لأنهم يلونه في النسب من الولي القرب ومنه قول الشاعر:


هم الموالي وإن جنفوا علينا


وإنا من لقـائهـم لـزور
أي بنو الأعمام والحليف وهو العقيد والجار والناصر ومنه قوله تعالى: "ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم" في قول ابن عرفة والولي ومنه الآية قال بعضهم أي وليهم والقائم بأمرهم وأما الكافر فقد خذله وعاداه. ومنه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل أي وليها ثمانية أوجه ولا يصح الحمل على شيء من الأربعة الأول إذ لا معنى له في الحديث وكذلك الخامس إلا على وجه بعيد بأن يراد بالحليف الناصر والمتبادر إلى الذهن خلافه إذ الحليف من وجدت منه صورة المحالفة حقيقة والمجاز خلاف الظاهر. وكذا السادس وهو الجار إلا أن يراد به المجير بمعنى الناصر ومنه وإني جار لكم أي مجير فيرجع إلى معنى الناصر فتعين أحد معنيين إما الناصر أو الوالي بمعنى المتولي وأيا ما كان أفاد المقصود إذ معناه من كنت متولياً أمره والناظر في مصلحته والحاكم عليه فعلي في حقه كذلك وتأيد هذا المعنى بقوله ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم وما ذاك إلا فيما ذكرناه من النظر فيما يصلحهم وفي الاحتكام عليهم أو يكون معناه من كنت ناصره ومنصفه من ظالمه والآخذ له بحقه وبثأره فعلي في حقه كذلك وقد تعذر وصفه بذلك في حال حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم فتعين أن يكون المراد به بعد وفاته. ومنها وهو أقواها سنداً ومتناً حديث عمران بن حصين أن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي خرجه أحمد والترمذي وقال حسن غريب وأبو حاتم وحديث بريدة لا يقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي خرجه أحمد والحديث الآخر من كنت وليه فعلي وليه خرجه أبو حاتم. وستأتي هذه الأحاديث مستوفاة في خصائصه إن شاء الله تعالى وجه الدلالة أن الولي في اللغة المولى قاله الفراء والمتولي ومنه: "أنت ولي في الدنيا والآخرة" أي متول أمري فيهما وضد العدو بمعنى المحب والمتوالي والناصر ومنه: "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه" أي يخوفكم أنصاره فحذف المفعول الأول كما تقول كسوت ثوباً أعطيت درهماً. وقيل معناه نخوفكم بأوليائه فحذف الجار وأعمل الفعل ولا يتجه حمله على المحب والمتوالي إذ لا يكون للتقييد بالبعدية معنى في الحديثين الأولين فإنه رضي الله عنه كان محباً متوالياً للمؤمنين في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته والحديث الثالث محمول على الأولين في إرادة البعدية حملا للمطلق على المقيد فتعين أحد المعاني الثلاثة وأيا ما كان أفاد المقصود أما بمعنى الناصر فقد تقدم توجيهه في الحديث قبله وأما بمعنى الولي فإن حمل المولى على معنى يتجه في الحديث كما تقدم تقريره فالكلام فيه ما سبق وإن حمل على ما لا يتجه فلا تصح إرادته وأما بمعنى المتولي فظاهر في المقصود بل صريح والله أعلم. قلنا الجواب من وجهين الأول أن الأحاديث المعتمد عليها في خلافة أبي بكر متفق على صحتها وهذه الأحاديث غايتها أن تكون حسنة وإن صح منها شيء عند بعضهم فلا يصح معارضاً لما اتفق عليه.
الثاني تسليم صحتها مع بيان أنه لا دليل لكم فيها
قوله في الحديث الأول أن موسى استخلف هارون عند ذهابه إلى ربه إلى آخر ما قرره قلنا الجواب عنه من وجهين الأول يقول هذا عدول عن ظاهر ما نطق به لساناً الحال والمقال فإنه قال لعلي تلك المقالة حين استخلفه لما توجه إلى غزوة تبوك على ما سيتضح إن شاء الله تعالى في آخر هذا الكلام وذلك استخلاف حال الحياة فلما رأى تألمه بسبب التخلف إما أسفاً على الجهاد أو بسبب ما عرض من أذى المنافقين على ما سنبينه إن شاء الله تعالى قال له تلك المقالة إيذاناً له بعلو مكانته منه وشرف منزلته التي أقامه فيها مقام نفسه فالتنظير بينه وبين هارون إنما كان في استخلاف موسى له متضمناً الإخوة وشد الأزر والعضد به وكان ذلك كله حال الحياة مع قيام موسى فيما يستخلفه فيه يشهد بذلك صورة الحال فليكن الحكم في علي كذلك متضماً إلى ما يثبت له من إخوة النبي صلى الله عليه وسلم وشد أزره وعضده به غير أنه لم يشاركه في أمر النبوة كما شارك هارون موسى فلذلك قال صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا نبي بعدي. هذا على سبيل التنظير ولا إشعار في ذلك بما بعد الوفاة لا بنفي ولا بإثبات بل يقول لو حمل على ما بعد الوفاة لم يصح تنزيل علي من النبي صلى الله عليه وسلم منزلة هارون من موسى لانتفاء ذلك في هارون فإنه لم يكن الخليفة بعده من بعد وفاة موسى وإنما كان الخليفة بعده يوشع بن نون فعلم قطعا أن المراد به الاستخلاف حال الحياة لمكان التشبيه ولم يوجد إلا في حال الحياة لا يقال عدم استخلاف موسى هارون بعد وفاته إنما كان لفقد هارون حينئذ ولو كان حياً ما استخلف غيره والله أعلم بخلاف علي مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يتم دليلكم أن لو كان هارون حياً عند وفاته واستخلف غيره لأنا نقول الكلام معكم في ثنتين أن مراد بهذا القول الاستخلاف في حال الحياة فكان التنزيل منزلة هارون من موسى ومنزلة هارون من موسى في الاستخلاف لم تحقق إلا في الحال الحياة فثبت أن المراد به ما تحقق لا أمر آخر وراء ذلك وإنما يتم متعلقكم منه أن لو حصل استخلاف هارون بعد وفاه موسى ثم نقول هب أن المراد الاستخلاف عنه الذهاب إلى الرب فلم قلتم إن ذلك بالموت وإنما يكون ذلك أن لو لم يكن إلا به وهو ممنوع والذهاب إلى الرب سبحانه وتعالى في الحياة أيضاً وهل كان ذهاب موسى إلى ربه إلا في حال حياته والصلاة مناجاة والدعاء كذلك والحجاج والعمار وقد الله فهل يكون الذهاب إلى شيء من ذلك إلا ذهاباً إلى الرب حقيقة ومطابقتها أوقع من مطابقة الذهاب بالموت. فكل ذاهب إلى طاعة ربه ذاهب إلى ربه لأنه متوجه إليه به وإن كان في بعض التوجه أوقع منه في غيره هذا لا نزاع فيه فيكون النبي صلى الله عليه وسلم استخلف علياً وهو ذاهب إلى ربه بالخروج إلى طاعته بالجهاد كما استخلف موسى هارون في حال حياته ذاهباً إلى ربه والله أعلم. الوجه الثاني أن سياق هذا القول خبر ولو كان المراد به ما بعد الوفاة لوقع لا محالة كما وقع كما أخبر عن وقوعه فإن خبره صلى الله عليه وسلم حق وصدق: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" ولما لم يقع علم قطعاً أنه لم يرد ذلك. وقوله إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي المراد به والله أعلم خليفتي في أهلي فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف إلا عليهم والقرابة مناسبة لذلك واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة محمد بن مسلم الأنصاري وقيل سباع بن عرفطة ذكره ابن إسحاق وقال خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك علياً على أهله وأمره بالإمامة فيهم فأرجف المنافقون على علي وقالوا ما خلفه إلا استثقالاً قال فأخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون أنك خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني فقال كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي أو يكون المعنى إلا وأنت خليفتي في أهلي في هذه القضية على تقدير عموم استخلافه في المدينة إن صح ذلك ويكون ذلك لمعنى اقتضاه في تلك المرة علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهله غيره يدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم استخلف غيره في قضايا كثيرة ومرات عديدة أو يكون المعنى الذي يقتضيه حالك وأمرك ألا أذهب في جهة إلا وأنت خليفتي لأنك مني بمنزلة هارون من موسى لمكان قربك مني وأخذك عني لكن قد يكون شخوصك معي في وقت أنفع لي من استخلافك أو يكون الحال يقتضي أن المصلحة في استخلاف غيرك فيتخلف حكم الاستخلاف عن مقتضيه لمعارض أقوى منه يقتضي خلافه وليس في شيء من ذلك كله ما يدل على أنه الخليفة من بعد موته صلى الله عليه وسلم.
وأما الحديث الثاني فقوله فيه فتعين أحد معنيين إما الناصر وإما الولي بمعنى المتولي فيقول بموجبه لا بالتقدير الذي قدروه والمعنى الذي نزلوه عليه بل يكون التقدير على معنى الناصر من كنت ناصره فعلي ناصره لأن علياً جلا من الكروب في الحرب ما لم يجلها غيره وفتح الله على يديه في زمنه صلى الله عليه وسلم ما لم يفتح على يد غيره وشهرة ذلك تغني عن الاستدلال عليه والتطويل فيه. وإذا كان بهذه المثابة كان ناصرا من كان النبي صلى الله عليه وسلم ناصره لما أشاد الله تعالى به من دعائم الإسلام المثبتة له منه في عنق الخاص والعام بنصرة المسلمين وإشادته منار الدين أو يكون المعنى من كنت ناصره فعلي نصره وإن كان ذلك واجباً على كل أحد من الصحابة بل من الأمة لكن أثبت بذلك لعلي نوع اختصاص لأنه أقربهم إليه وأولاهم بالانتصار لمن نصره وهذا أولى من حمل الناصر على المعنى الذي ذكروه لما يستلزم ذلك من المفسدة العظيمة والوصمة الفظيعة والثلمة المتفاقمة في جلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار على ما سنقرره في الجواب عن الحديث الثالث مما يدل على أنه لا يجوز حمله على معنى الاستخلاف بعده. وأما على معنى المتولي فيكون التقدير فعلي وليه ومتولي أمره بعدي فلا يصح ذلك إذ الإجماع منعقد على أنه لم يرد ذلك في الحالة الراهنة فيكون كالحديث الثالث وسيأتي الكلام عنه مستوفياً إن شاء الله تعالى. على أن نقول لم لا يجوز أن يكون المراد بالولي المنعم استعارة من مولى العتق التفاتاً إلى المعنى المتقدم آنفاً في معنى الناصر ويكون التقدير من أنعم الله عليه بالهداية على يد نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والإيمان حتى اتصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مولاه فقد أنعم الله عليه أيضاً باستقامة أمر دينه وأمانه من أعداء الدين وخذلانهم وقوة الإسلام وإشادة دعائمه على يد علي بن أبي طالب مما اختص به دون غيره مما تقدم بيانه مما يصحح بيانه له الاتصاف بأنه مولى له أيضاً.
وقد حكى الهروي عن أبي العباس أن معنى الحديث من أحبني يتولاني فليحب علياً وليتوله وفيه عندي بعد إذ كان قياسه على هذا التقدير أن يقول من كان مولاي فهو مولى علي ويكون المولي بمعنى الولي ضد العدو فلما كان الإسناد في اللفظ على العكس من ذلك بعد هذا المعنى ولو قال معناه من كنت أتولاه وأحبه فعلي يتولاه ويحبه كان أنسب للفظ الحديث وهو ظاهر لمن تأمله نعم يتجه ما ذكره من وجه آخر بتقدير حذف في الكلام على وجه الاختصار تقديره من كنت مولاه فسبيل المولى وحقه أن يحب ويتولى فعلي أيضاً مولاه لقربه مني ومكانته من تأييد الإسلام فليحبه وليتوله كذلك.
أما الحديث الثالث فقوله فيتعين حمل الولي إما على الناصر المتولي إلى آخر ما قرر قلنا الجواب عنه من وجهين الأول القول بالموجب على المعنيين مع البيان بأنه لا دليل فيه لكم أما على معنى الناصر فلما بيناه في الحديث قبله وأما بمعنى المتولي فقد كان ذلك وإن كان بعد من كان بعده إذ يصدق عليه بعده حقيقة ومثل هذا قد ورد. وسيأتي في مناقب عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه حورية فقال لها لمن أنت قالت لخليفة من بعدك عثمان ويكون فائدة ذكر ذلك التنبيه على فضيلته والأمر بالتمرن على محبته فإنه سيلي عليكم ويتولى أمركم ومن تتوقع إمرته فالأولى أن يمرن القلب على مودته ومحبته ومجانبة بغضه ليكون أدعى إلى الانقياد وأسرع للطواعية وأبعد من الخلف. ويشهد لذلك أن هذا القول صدر حين وقع فيه من وقع وأظهر بغضه من أظهر على ما تضمنه الحديث وسيأتي في خصائصه أيضاً فأراد نفي ذلك عنهم والتمرن على خلافته لحاجتهم إليه وحاجته إليهم ولا يجوز حمله على أنه المتولى عقيب وفاته صلى الله عليه وسلم في الأحاديث كلها لوجوه:

الأول: أن لفظ الحديث لفظ الخبر ممن لا ينطبق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ولو كان المراد به ذلك لوقع لا محالة كما وقع كل ما أخبر عنه ولما لم يقع ذلك دل على أن المراد به غيره لا يقال لم لا يجوز أن يكون المراد الأمر بلفظ الخبر لأنا نجيب عنه من وجهين: الأول أنه صرف اللفظ عن ظاهره وذلك مرجوح والظاهر راجح فوجب العمل به. الثاني أن ذلك أمر عظيم مهم في الدين وحكم تتوفر عليه داعية المسلمين ومثل ذلك لا يكتفي فيه بالألفاظ المحتملة بل يجب فيه التصريح بنص أو ظاهر الوجه.
الثاني: أنه يشم من الحمل على ذلك مفسدة عظيمة وهو نسبة الأمة إلى الاجتماع على الضلالة واعتقاد خطأ جميع الصحابة على تولية أبي بكر رضي الله عنه وعنهم أجمعين وإن علياً وافقهم على ذلك الخطأ فإن بيعته قد اجتمع عليها ما سنقرره في فصل خلافته وذلك منفي بقوله صلى الله عليه وسلم لا تجتمع أمتي على ضلالة وما ذكرناه في المصير إليه دفع لهذا المحذور ونفي للظلم والخطأ عن الجم الغفير المشهود لهم بأنهم كالنجوم وأن من اقتدى بهم اهتدى خصوصاً من أمره صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به من بعده وشهد بالرشد لمن أطاعه وأن الدين يتم به على ما سبق مما تضمنه باب أبي بكر وعمر. وما تدعيه الرافضة من أن علياً ومن تابعه من بني هاشم في ترك المبادرة إلى بيعة أبي بكر إنما بايعوه تقية بلا إجماع في نفس الأمر فذلك في غاية الفساد وسنقرره ونجيب عنه على الوجه الأسد في ذكر بيعة علي إن شاء الله من هذا الفصل الوجه الثالث أن الأحاديث المتقدمة في أبي بكر دلت على أنه الخليفة عقيب وفاته صلى الله عليه وسلم وقد مر وجه دلالتها على ما تقدم وأحاديث علي مترددة بين احتمالين فالحمل على أحدهما توفيق بين الأحاديث كلها ونفي للمحذور اللازم في حق الصحابة كما قررناه والحمل على الآخر إلغاء لبعضها وتقرير لذلك المحذور فكان الحمل على ما يحصل به التوفيق ونفي المحذور أولى عملاً بالأحاديث كلها وكيف يتطرق خلاف ذلك إلى الوهم. وقد روي عن علي وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم ما يشهد بصحته على ما تقدم تقريره وتتبادر الأفهام عند سماعه إلى أنه مانع من تطرق تلك الأوهام أم كيف يحل اعتقاد خلاف ذلك والإجماع على خلافه وهو قطعي والله أعلم.
الوجه الثاني من الوجهين في الجوا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 2:13 pm


ذكر أنه صلى الله عليه وسلم لم يعهد في الخلافة بعهد ولم ينص فيها على أحد بعينه
وقد تقدم حديث حذيفة في باب الشيخين وأحاديث علي في ذلك أيضاً وعن طلحة بن مصرف قال قلت لعبد الله بن أبي أوفى أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قلت وكيف أمر المسلمين بالوصية قال أوصى بكتاب الله قال طلحة قال الهزيل بن شرحبيل أبو بكر يتأمر علي وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر أنه وجد عهداً وخزم أنفه بخزام وقول عمر وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل أيضاً على عدم العهد في ذلك. وعن فطر عن شيخ من بني هاشم قال قال رجل لعلي لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرج يا علي وأخبر الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلافة فينا فلا تخرج منا أبداً فقال لا والله ما كذبت عليه حياً أفأكذب عليه ميتاً. وعن ابن عباس أن العباس أخذ بيد علي وقال له ألا ترى أنك بعد ثلاث عبد العصى والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفى في وجعه هذا فإني لأعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله فيمن يكون هذا الأمر فإن كان فينا علمنا وإن كان في غيرنا أمرناه فأوصى بنا فقال علي والله إن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعناها لا بعطيناها الناس أبداً. وعن علي رضي الله عنه أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا عهداً نأخذ به في الإمارة ولكنه شيء رأيناه من قبل أنفسنا فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمن أنفسنا ثم استخلف أبو بكر فأقام واستقام ثم استخلف عمر فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه. وقد تقدم هذا في باب الشيخين وسيأتي في مقتل علي إنهم قالوا له استخلف فقال لا ولكن أكلكم إلى من وكلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا ثبت أنه لم يستخلف كان ما ذكرناه في حق أبي بكر من تقديمه للصلاة وما في معناه تنبيهاً لا عهداً.
ذكر بيعة أبي بكر رضي الله عنه وما يتعلق بها
حكى الواقدي أن أبا بكر بويع بالخلافة يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لست عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة وقال ابن قتيبة وأبو عمر بويع بالخلافة يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة وبويع بيعة العامة على المنبر يوم الثلاث من غد ذلك اليوم وقال أبو عمر وتخلف عن بيعته سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وفرقة من قريش ثم بايعوه بعد غير سعد وقيل إنه لم يتخلف عنه أحد من قريش يومئذ وقيل تخلف عنه علي والزبير وطلحة وخالد بن العاص ثم بايعوه بعد ثم لم يزل علي سامعاً مطيعاً له يثني عليه ويفضله. قال ابن قتيبة وارتدت العرب إلا القليل منهم بمنع الزكاة فجاهدهم حتى استقاموا وبعث عمر على الحج فحج بالناس سنة إحدى عشرة وفتح اليمامة وقتل مسيملة الكذاب والأسود العنسي بصنعاء وقاتل جموع أهل الردة إلى أن رجعوا إلى دين الله تعالى وقد أفردنا لقتال أهل الردة تأليفاً مختصراً جامعاً وحج بالناس أبو بكر سنة اثنتي عشرة ثم صدر إلى المدينة وبعث الجيوش إلى الشام والعراق. وذكر صاحب الصفوة أنه اعتمر في رجب سنة اثنتي عشرة فدخل مكة ضحوة وأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره ومعه فتيان يحدثهم فقيل له هذا ابنك فنهض قائماً وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول يا أبت لا تقم ثم التزمه وقيل بين عيني أبي قحافة وجعل أبو قحافة يبكي فرحاً بقدومه وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد وسهيل بن عمرو وعقبة بن عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه سلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصافحوه جميعاً فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على أبي قحافة فقال أبو قحافة يا عتيق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم فقال أبو بكر يا أبت لا حول ولا قوة إلا بالله طوقت عظيماً من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله وقال هل أحد يشتكي ظلامة فما أتاه أحد وأثنى الناس على واليهم.
شرح: الملأ الجماعة ويطلق على أشراف القوم لأنهم يملون القلب والعين وكان حاجبه سديفاً مولاه وكاتبه عثمان بن عفان وعبد الله بن الأرقم وكان نقش خاتمه عبد ذليل لرب جليل قاله ابن عباس وأكثر المؤرخين على أن نقش خاتمه نعم القادر الله وعليه عول الزبير بن بكار وغيره من المتقدمين وهذا الخاتم لم يكن أبو بكر يطبع به إنما كان يطبع بخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عمر قال اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر ثم كان في يد عمر ثم في يد عثمان حتى وقع في بئر أريس نقشه محمد رسول الله وفي رواية قال لا ينقش أحد على نقش خاتمي أخرجاه وفي بعض الطرق من حديث الأنصاري محمد سطر ورسول سطر والله سطر وعن أنس قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده ثم كان في يد أبي بكر ثم كان في يد عمر فلما كان في يد عثمان جلس على بئر أريس وأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط قال فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده أخرجاه.
شرح: الورق الدراهم المضروبة وكذلك الرقة مخففاً والهاء بدل من الواو وقد اختلف في هذا الخاتم هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتخاذه واصطناعه وعليه دل ظاهر الخبر وغيره أو اصطنعه أحد الصحابة لنفسه فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أن لا ينقش عليه واتخذه لنفسه وعليه دل بعض الآثار والله أعلم.

ذكر بيعة السقيفة وما جرى فيها
عن ابن عباس أن عمر قام على المنبر فقال لا يغترن امرؤ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ألا وإنها كانت كذلك ألا إن الله وقى شرها وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر وإنه كان من خيرنا حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن علياً والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلفت عنا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة فاجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقال أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلت نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم ألا تقربوهم واقضوا أمركم يا معاشر المهاجرين فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا وجيع فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معاشر المهاجرون رهط منا وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا وتحضنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقولها بين يدي أبي بكر وقد كنت أداري منه بعض الجسد وهو كان أحلم مني وأوقر فقال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه وكان أعلم مني وأوقر والله ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حتى سكت فقال أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح فلم أكره مما قال غيرها وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلى أن تغير نفسي عند الموت. فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير قال فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشينا الخلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة قال فقلت قتل الله سعد بن عبادة قال مالك فأخبرني ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن الرجلين اللذين لقياهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي قال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب أن الذي قال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب الحباب بن المنذر أخرجاه. وفي رواية لما كان يوم الجمعة عجلت بالرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلى ركن المنبر فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر فجلس على المنبر فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي ثم ذكر ما تقدم بتقديم بعض اللفظ وتأخير بعض أخرجاه. وفي رواية لما قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير قال عمر بن الخطاب من له مثل هذه الثلاث "ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا" قال ثم بسط يده فبايعه وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة خرجه الترمذي في الشمائل في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وخرج أبو حاتم معنى المتفق عليه وقال بعد قوله منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب داراً وأعزهم احتساباً فبايعوا عمر وأبا عبيدة فقال عمر بل يبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. وقال ابن إسحاق لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة واعتزل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة وانحاز بقية المهاجرون إلى أبي بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل فأتى آت إلى أبي بكر وعمر فقال إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله. قال عمر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه ثم ذكر معنى حديث ابن عباس وقال موسى بن عقبة قال ابن شهاب فبينما هم يحتفرون والله أعلم قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل رجل فقرع الباب ونادى عمر بن الخطاب فقال عمر إنا مشاغيل فما حاجتك قال الرجل إنه لا بد لك من القيام وسترجع إن شاء الله تعالى فقام إليه عمر فقال له إن هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ومعهم سعد بن عبادة وناس من أشرافهم يقولون منا أمير ومن المهاجرين أمير وقد خشيت أن تهيج فتنة فانظر يا عمر واذكر ذلك لإخوانك واحتالوا حيلتكم فإني أنظر إلى باب فتنة إن لم يغلقه الله عز وجل ففزع عمر وراعه ذلك ثم خرج هو وأبو بكر مسرعين إلى بني ساعدة وتركا نفراً من المهاجرين فيهم علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وهم أقاربه وهم ولوا شأنه وغسله وتكفينه وانطلق أبو بكر وعمر فلقيا أبا عبيدة فانطلقوا جميعاً حتى دخلوا سقيفة بني ساعدة وفيها رجال من أشراف الأنصار وسعد بن عبادة مضطجع بين أظهرهم يوعك ثم ذكر بمعنى حديث ابن عباس. وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن أبا بكر يوم السقيفة تشهد وأنصت القوم فقال بعث الله نبيه بالهدى ودين الحق فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىأمير ومن المهاجرين أمير وقد خشيت أن تهيج فتنة فانظر يا عمر واذكر ذلك لإخوانك واحتالوا حيلتكم فإني أنظر إلى باب فتنة إن لم يغلقه الله عز وجل ففزع عمر وراعه ذلك ثم خرج هو وأبو بكر مسرعين إلى بني ساعدة وتركا نفراً من المهاجرين فيهم علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وهم أقاربه وهم ولوا شأنه وغسله وتكفينه وانطلق أبو بكر وعمر فلقيا أبا عبيدة فانطلقوا جميعاً حتى دخلوا سقيفة بني ساعدة وفيها رجال من أشراف الأنصار وسعد بن عبادة مضطجع بين أظهرهم يوعك ثم ذكر بمعنى حديث ابن عباس. وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن أبا بكر يوم السقيفة تشهد وأنصت القوم فقال بعث الله نبيه بالهدى ودين الحق فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىالإسلام فأخذ الله بقلوبنا وتواصينا إلى ما دعا إليه فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاماً ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه ونحن أهل الخلافة وأوسط الناس أنساباً في العرب ولدتنا العرب كلها فليس منهم قبيلة إلا لقريش فيها ولادة ولن تصلح إلا لرجل من قريش هم أصبح الناس وجوها وأسلطهم ألسنة وأفضلهم قولاً فالناس لقريش تبع فنحن الأمراء وأنتم الوزراء وأنتم يا معاشر الأنصار إخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في دين الله تعالى وأحب الناس إلينا وأنتم الذين آووا ونصروا وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لفضيلة إخوانكم من المهاجرين وأحق الناس ألا تحسدوهم على خير أتاهم الله إياه وأنا أدعوكم إلى أحد رجلين ثم ذكر معنى ما قبله من حديث ابن عباس ثم قال فقالت الأنصار والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم وما أحد من خلق الله تعالى أحب إلينا ولا أعز علينا ولا أرضى عندنا منكم ونحن نشفق مما بعد اليوم فلو جعلتم اليوم رجلاً منكم فإذا هلك اخترنا رجلاً من الأنصار فجعلناه مكانه كذلك أبداً وكان ذلك أجدر أن يشفق القرشي إن زاغ أن ينقض عليه الأنصاري وأن يشفق الأنصاري إن زاغ أن ينقض عليه القرشي فقال عمر لا ينبغي هذا الأمر ولا يصلح إلا لرجل من قريش ولن ترضى العرب إلا به ولن تعرف الإمارة إلا له والله ما يخالفنا إلا قتلناه. فقام حباب بن المنذر السلمي فقال منا أمير ومنكم أمير أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب وقد دفت علينا دافة أرادوا أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من الأمر وإن شئتم كررناها جذعة قال فكثر القول حتى كاد أن يكون بينهم في السقيفة حرب وتوعد بعضهم بعضاً ثم تراد المسلمون وعصم الله لهم دينهم فرجعوا بقول حسن فسلموا الأمر وأغضبوا الشيطان فوثب عمر وأخذ بيد أبي بكر وقام أسيد بن الحضير أخو بني عبد الأشهل وبشير بن سعد يسبقان ليبايعا فسبقهما عمر وبايعاه معاً ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة وسعد بن عبادة مضطجع يوعك فازدحم الناس على بيعة أبي بكر فقال قائل من الأنصار اتقوا سعد بن عبادة ولا تطئوه فقال عمر اقتلوه قتله الله وقال عمر ذلك بغضب. فلما فرغ أبو بكر من البيعة رجع إلى المسجد فقعد على المنبر فبايعه الناس حتى أمسى وشغلوا عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان آخر الليل من ليلة الثلاثاء ثم ذكر حديث دفنه والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم شرح الفلتة ما وقع عاجلاً من غير ترو ولا تدبير في الأمر ولا احتيال فيه وكذلك كانت بيعة أبي بكر رضي الله عنه كأنهم استعجلوا خوف الفتنة وإنما قال عمر ذلك لأن مثلها من الوقائع العظيمة التي ينبغي للعقلاء التروي في عقدها لعظيم المتعلق بها فلا تبرم فلتة من غير اجتماع أهل العقد والحل من كل قاص ودان لتطيب الأنفس ولا تحمل من لم يدع إليها نفسه على المخالفة والمنازعة وإرادة الفتنة لا سيما أشرف الناس وسادات العرب فلما وقعت بيعة أبي بكر على خلاف ذلك قال عمر ما قال ثم إن الله وقى شرها فإن المعهود في وقوع مثلها في الوجود كثرة الفتن ووقوع العداوة والإحن فلذلك قال عمر وقى الله شرها. متزمل: متلفف بثوب أو كساء ومنه "يا أيها المزمل" والكتيبة: الجيش تقول منه كتب فلان الكتاب تكتيباً أي عبارة كتيبة كتيبة رهط منا: أراد أنكم جماعة منا ورهط الرجل قومه وقبيلته والرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون معهم امرأة وليس مراداً هنا قال تعالى "وكان في المدينة تسعة رهط" وليس لهم واحد من لفظهم مثل ذود والجمع أرهط وأرهاط وأراهط وأراهيطدفت دافة هو من الدفيف يعني الدبيب تقول دفت علينا من بني فلان دافة أي جماعة ودون الجيش إذا زحف يختزلونا أي يقتطعونا والاختزال الاقتطاع ويحضنونا من الأمر أي يضمونا عنه كأنهم أخذونا إلى حضنهم وهو ما دون الإبط إلى الكشح وزورت في نفسي مقالة أي حسنتها وقومتها وتزوير الشيء تحسينه أداري: أدافع والحد والحدة بمعنى بديهته أي إتيانه بالكلام فجأة من غير فكرة ولا روية والبداهة بمعناه أوسط العرب نسباً أعدلهم وأشرفهم والجذيل: تصغير الجذل وهو عود ينصب للإبل الجرباء لتحتك به فأراد أن يستشفي برأي والعذيق: تصغير عذق وهو النخلة والترجيب أن تدعم النخلة إذا كثر حملها ومبادرة أبي بكر وعمر إلى البيعة على ما تضمنه حديث ابن إسحاق وموسى بن عقبة إنما كان مراعاة لمصلحة المسلمين وخشية اضطراب أمر الأمة وافتراق كلمتهم لا حرصاً على الإمامة. وقد صرح بذلك أبو بكر في خطبته على ما سيأتي في الذكر بعده ولذلك دل في البيعة على غيره وخشي أن يخرج الأمر عن قريش فلا تدين العرب لمن يقوم به من غير قريش فيتطرق الفساد إلى أمر الأمة ولم يحضر معه في السقيفة من قريش غير عمر وأبي عبيدة فلذلك دل عليهما ولم يمكنه ذكر غيرهما ممن كان غائباً خشية أن يتفرقوا عن ذلك المجلس من غير إبرام أمر ولا إحكامه فيفوت المقصود ولو وعدوا بالطاعة لمن غاب منهم حينئذ ما أمنهم على تسويل أنفسهم إلى الرجوع عن ذلك فكان من النظر السديد والأمر الرشيد مبادرته وعقد البيعة والتوثق منهم فيها في حالته الراهنة. وذلك مما يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراه من أهم المطالب ويصوب المبادرة إليه ويقدمه على تجهيزه فإنه صلى الله عليه وسلم ما زال شفيقاً على أمته رحيماً بهم مؤثراً لهم على نفسه حال حياته فناسب أن يكون كذلك بعد وفاته مع أنهم لم يبادروا إلى ذلك حتى علموا أن من قد تركوه عنده صلى الله عليه وسلم من أهله كافياً في ذلك فرأوا الجمع بين الأمرين وباشروا منهما ما كان صلى الله عليه وسلم كلفاً مهتماً به مراعاة لمحابه وإيثاراً لما كان مؤثرة صلى الله عليه وسلم. وعن أبي سعيد الخدري قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وإن الإمام إنما هو من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار النبي صلى الله عليه وسلم قال فقام أبو بكر الصديق فقال جزاكم الله من حي خيراً يا معشر الأنصار ثبت الله مقالتكم أما والله لو نعلم غير ذلك لما صالحتكم خرجه في فضائل أبي بكر وقال حديث حسن.
ذكر بيعة العامة
عن أنس بن مالك قال لما كان يوم الاثنين كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة فرأى أبا بكر يصلي بالناس قال فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف وهو يبتسم فكدنا أن نفتتن في صلاتنا فرحاً برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرخى الستر وتوفي من يومه ذلك فقام عمر الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم ثم قال إن يكن محمد قد مات فإن الله عز وجل قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به فاعتصموا به تهتدوا لما هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم ثم إن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وإنه أولى الناس بأموركم فقوموا فبايعوه وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر خرجه أبو حاتم وخرجه ابن إسحاق عن أنس ولفظه لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان من الغد جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر فتكلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت ولا وجدتها في كتاب الله عز وجل ولا كانت عهداً عهده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبرنا أي يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن اعتصمتم به هداكم لما كان هداه له وأن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار وأولى الناس بأموركم فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإني وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله تعالى والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله تعالى لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. وهذا الذي أخرجه ابن إسحاق بهذا السياق هو عند البخاري منقطع ومعناه مستوف وهذا مغاير لما تقدم عن موسى بن عقبة أن البيعة في المسجد كانت يوم الوفاة قبل الدفن ولعل البيعة على المنبر في المسجد تكررت أو كان قد بقي من لا يبايع في يوم الوفاة فجلس لهم صبيحة اليوم الثاني فبايعوه من غير أن يكون بينهما تضاد. قال ابن شهاب وغضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر منهم علي بن أبي طالب والزبير فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح فجاءهما عمر بن الخطاب في عصابة من المسلمين منهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل ويقال منهم ثابت بن قيس بن شماس من بني الخزرج فأخذ أحدهم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره ويقال إنه كان فيهم عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن مسلمة وإن محمد بن مسلمة هو الذي كسر سيف الزبير والله أعلم خرجه موسى بن عقبة وهذا محمول على تقدير صحته على تسكين نار الفتنة وإغماد سيفها لا على قصد إهانة الزبير وتخلف عن بيعة أبي بكر يومئذ سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنوه في بني هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبو ذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين وخالد بن سعيد بن العاص ثم إنهم بايعوا كلهم فمنهم من أسرع بيعته ومنهم من تأخر حيناً إلا ما روي عن سعد بن عبادة فإنهم قالوا أدركته المنية قبل البيعة ويقال قتلته الجن وقصته مشهورة عند أهل التاريخ وعلى الجملة لا خلاف بين طوائف المسلمين أن أبا بكر توفي يوم توفي ولا مخالف عليه من أهل الإسلام طوعاً أو كرهاً كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم توفي وقد قامت حجة التبليغ وبلغ ذلك القاصي والداني وقامت كلمة الشهادتين طوعاً وكرهاً. وقال أبو عبيد في كتاب الأحداث بايع أبا بكر جميع الأنصار غير سعد بن عبادة وقد كانت الأنصار أرادت أن تجعل البيعة له فقال عمر لا ندعه حتى يبايع فقال له بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير وكان أول من صفق بيد أبي بكر ولعله أراد من الأنصار توفيقاً بينه وبين حديث ابن عباس في أن أول من بايع عمر ثم المهاجرون ثم الأنصار فقال بشير إنه ليس بمبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فإن تركتموه فليس تركه بضائركم إنما هو واحد فقبل أبو بكر نصيحة بشير ومشورته فكف عن سعد قال وكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يصوم بصيامهم وإذا حج لم يفض بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر فلم يلبث إلا يسيراً حتى خرج مجاهداً إلى الشام فمات بحوران في خلافة عمر ولم يبايع أحداً وهذا لا يقدح فيما تقدم ذكره من دعوى الإجماع بل نقول خلاف الواحد مع ظهور العناد والحمية الجاهلية لا يعد خلافاً ينتقض به الإجماع والله أعلم. قال ابن شهاب ولما بويع لأبي بكر قام فخطب الناس واعتذر إليهم وقال والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة قط ولا كنت فيها راغباً ولا سألتها الله في سر ولا علانية ولكني أشفقت من الفتنة ومالي في الإمارة من راحة ولقد قلدت أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا يدان إلا بتقوية الله عز وجل ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم فقبل المهاجرون منه ما قال وما اعتذر به وقال علي والزبير ما غضبنا إلا أن أخرنا عن المشورة وإن أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه صاحب الغار وثاني اثنين وإنا لنعرف شرفه ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة للناس وهو حي خرجه موسى بن عقبة صاحب المغازي. عمر ثم المهاجرون ثم الأنصار فقال بشير إنه ليس بمبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فإن تركتموه فليس تركه بضائركم إنما هو واحد فقبل أبو بكر نصيحة بشير ومشورته فكف عن سعد قال وكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يصوم بصيامهم وإذا حج لم يفض بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر فلم يلبث إلا يسيراً حتى خرج مجاهداً إلى الشام فمات بحوران في خلافة عمر ولم يبايع أحداً وهذا لا يقدح فيما تقدم ذكره من دعوى الإجماع بل نقول خلاف الواحد مع ظهور العناد والحمية الجاهلية لا يعد خلافاً ينتقض به الإجماع والله أعلم. قال ابن شهاب ولما بويع لأبي بكر قام فخطب الناس واعتذر إليهم وقال والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة قط ولا كنت فيها راغباً ولا سألتها الله في سر ولا علانية ولكني أشفقت من الفتنة ومالي في الإمارة من راحة ولقد قلدت أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا يدان إلا بتقوية الله عز وجل ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم فقبل المهاجرون منه ما قال وما اعتذر به وقال علي والزبير ما غضبنا إلا أن أخرنا عن المشورة وإن أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه صاحب الغار وثاني اثنين وإنا لنعرف شرفه ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة للناس وهو حي خرجه موسى بن عقبة صاحب المغازي.
ذكر بيعة علي رضي الله عنه
عن محمد بن سيرين قال لما بويع أبو بكر أبطأ علي في بيعته وجلس في بيته قال فبعث إليه أبو بكر ما أبطأ بك عني أكرهت إمارتي قال علي ما كرهت إمارتك ولكني آليت أن لا أرتدي ردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن قال ابن سيرين فبلغني أنه كتبه علي على تنزيله ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير. وفي رواية أنه لقيه عمر فقال تخلفت عن بيعة أبي بكر فقال وذكر الحديث وزاد بعد قوله حتى أجمع القرآن فإني خشيت أن يفلت ثم خرج فبايعه أخرجه أبو عمر وغيره. وعن عائشة رضي الله عنها أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مكث ستة أشهر حتى توفيت فاطمة رضي الله عنها لم يبايع أبا بكر ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتى بايعه علي فأرسل علي بعد وفاة فاطمة إلى أبي بكر ائتنا ولا يأتنا معك أحد وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدته فقال عمر لا تأتهم وحدك فقال أبو بكر لآتينهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي فانطلق أبو بكر حتى دخل على علي وقد جمع بني هاشم عنده فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنه لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكاراً لفضيلتك ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقاً فاستبددتم به علينا ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل علي يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر فلما صمت علي تشهد أبو بكر فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فوالله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصلهم من قرابتي وإني والله ما آلو بكم في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم على الخير ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا نورث ما تركنا صدقة" إنما يأكل آل محمد في هذا المال وإني والله لا أذكر صنعه فيه إلا صنعته إن شاء الله تعالى ثم قال علي موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر علياً ببعض ما اعتذر به ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر فذكر فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه وأقبل الناس إلى علي فقالوا أصبت وأحسنت حديث صحيح متفق عليه وخرج أبو الحسن علي بن محمد القرشي في كتاب الردة والفتوح أن بيعته كانت بعد وفاة فاطمة بخمسة وسبعين يوماً شرح: استبددتم علينا أي انفردتم به دوننا ويقال استبد فلان بكذا أي انفرد به آلوا: أقصر وفلان لا يألوك نصحاً فهو آل والمرأة آلية والجمع أوالي عذر علياً أقام عذره. وقوله رضي الله عنه كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقاً المراد بالأمر الخلافة. ويدل عليه أن علياً بعث إلى أبي بكر ليبايعه فقدم العذر في تخلفه أولاً فقال لم نمتنع نفاسة عليك ولا كذا ولا كذا ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقاً فعلم بالضرورة أن الأمر المشار إليه المعرف بلام العهد هو ما تضمنه الكلام الأول وما ذاك إلا ما وقع التخلف عنه وهو بيعة الإمامة أما الحق فالمراد به حق الخلافة إما بمعنى الأحقية أي كنا نظن أنا أحق منكم بهذا الأمر لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مضافاً إلى ما اجتمع فينا من أهلية الإمامة مما ساوينا فيه غيرنا وإما بمعنى إني أستحق استحقاقاً مساوياً لاستحقاقكم على تقدير انضمام القرابة إليه إذ القرابة به أعظم معنى يحصل به الراجحية فإذا قدرنا التساوي دونها ترجح بها وإما بمعنى استحقاق ما ولو كان مرجوحاً عند فرض انعقاد ولاية المرجوح ويكون منه بالقرابة على هذين الاحتمالين الآخرين تنبيهاً على ما كان ينبغي أن يعامل به ويراعى فيه من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأول هو المختار والاحتمالان بعده باطلان لأنه رضي الله عنه إذا اعتقد أنه ليس بأحق وإن غيره مساو له أو راجح عليه وقد عقد له فلا يسعه التخلف لما فيه من شق العصا وتفريق الكلمة وقد صح تخلفه فكان دليلاً على عدم اعتقاد ذلك وإلا لزم أن يكون تخلف عن الحق مع تمكنه منه ومنصبه أجل من ذلك ومرتبته في الدين أعظم ومنهاجه فيه أقوم ولا يقال إن التخلف إنما يكون تخلفاً عن الحق إذا انعقدت الإمامة وهي إنما تنعقد بإجماع أهل الحل والعقد ومن ذكر من المتخلفين عن البيعة من أجلة أهل الحل والعقد لأنا نقول جمهور أهل الحل والعقد بايعوا أبا بكر وإذا اجتمع الجمهور على من تكاملت آلته واجتمع خصال الأهلية فيه ولم يكن مفضولاً أو كان على رأي انعقدت الولاية ولزمالباقين المتابعة على المبايعة إذا كانوا معترفين بأهليته لها وإلا جعل ذلك طريقاً إلى عدم انعقاد كل بيعة وتطرق الخلل وانتشار المفاسد فلا يقوم للدين نظام أبداً وفي فتح هذا الباب من اعتراض الأهوية والأغراض ما لا خفاء به. وفي فتح هذا الباب من اعتراض الأهوية والأغراض مالا خفاء بهباقين المتابعة على المبايعة إذا كانوا معترفين بأهليته لها وإلا جعل ذلك طريقاً إلى عدم انعقاد كل بيعة وتطرق الخلل وانتشار المفاسد فلا يقوم للدين نظام أبداً وفي فتح هذا الباب من اعتراض الأهوية والأغراض ما لا خفاء به. وفي فتح هذا الباب من اعتراض الأهوية والأغراض مالا خفاء به ولما بطل المعنيان تعين الأول وهو رؤيته أحقيته وأن المفضول لا تنعقد ولايته دفعاً لذلك المحذور ولا يلزم من تخلفه في تلك المدة عن الإنكار التقرير على الباطل لأنا نقول إن رؤيته الأحقية كانت أول وهلة وغاب عنه إذ ذاك ما كان يعلمه من حق أبي بكر وفيه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اجتمع الجم الغفير على ولاية أبي بكر اتهم نظره في حق نفسه ولم ير المبادرة إلى إظهاره ولا المطالبة لمقتضاه حتى يبذل جهده في السير والنظر وإمحاض الفكر بأن ذلك من الوقائع العظيمة في الدين وفيه تفريق كلمة من اجتمع من المسلمين فلم يقنع فيه بمبادئ النظر خشية استمالة الهوى الحيلي وحب الرياسة الطبيعي ولا رأى الموافقة لما ارتسم في ذهنه من رؤية أحقيته فيما يستحق به الإمامة وتعين وجوب القيام بالأمر عليه لكونه أحق وكان ذلك في مبادئ النظر قبل الإمعان فيه فتخلف عن الأمرين سالكاً في ذلك سبيل الورع والاحتياط فيهما عنده باذلاً جهده في الاجتهاد والنظر تلك المدة فكان في تخلفه فيها مجتهداً ذا أجر فلما تبين له أحقية أبي بكر وأفضليته بتذكر مقتضيات الأفضلية ولتقديمه نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرناه عنه في فضليهما ونتيجة نظر قويم واجتهاد من حبر عليم ووافى ذلك وفاة فاطمة أرسل إلى أبي بكر أن ائتنا واعتذر إليه بأنه كان يرى أحقيته وسياق هذا اللفظ يشعر بأن تلك الرؤية قد زالت ولم يكن ذكره للقرابة إقامة للحجة على أبي بكر فإنه معتذر ولا تليق المحاجة بالمعتذر وإنما كان إظهاراً لمستند تخلفه وتبياناً لمعتمد تمكنه لكيلا يظن به أن تخلفه لهوى متبع بغير هدى من الله لا عن اجتهاد ونظر وإن لم يكن صحيحاً إذ المجتهد معذور ولو أخطأ ولذلك كان له أجر والله أعلم وهذا التأويل مما يجب اعتقاده ويتعين المصير إليه لأنه رضي الله عنه إما أن يعتقد صحة خلافة أبي بكر مع أحقيته فيكون تخلفه عن البيعة ومفارقة الجماعة ونزع ربقة الطاعة عدولاً عن الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال وهو مبرأ عن ذلك ومنزه عنه رضي الله عنه مبرا عن ذلك ومنزه عنه أولا يعتقد صحتها فيكون قد أقر على الباطل لأنه رضي الله عنه أقر الطير على وكناتها ولم يظهر منه نكير على فعلهم لا بقول ولا بفعل مع قوة إيمانه وشدة بأسه وكثرة ناصره وكفى بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم بأجمعهم ظهيراً ونصيراً مع ما أسس له رسول الله صلى الله عليه وسلم من القواعد في العقائد وأن موالاته مع موالاته ومحبته مع محبته والدعاء لمن والاه وعلى من عاداه ومع ذلك كله لم يظهر عنه ما يقتضيه حال مثله من إنكار الباطل بحسب طاقته فلو كان باطلاً للزم تقريره الباطل واللازم باطل إجماعاً فالملزوم كذلك والقول بأن سكوته كان تقية كما يزعم الروافض باطل عريق في البطلان فإن مقتضى ذلك ضعف إما في الدين أو في الحال والأول باطل إجماعاً والثاني أيضاً باطل لما قررناه آنفا. ويتأيد ذلك بما تضمنه حديث الحسن البصري عنه المتضمن نفي العهد إليه بالخلافة وتقدم الذكر الأول من هذا الفصل وفيه لو كان عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردتي هذه الحديث وهذا أدل دليل على أنه لم يسكت تقية إذ لو علم بطلان ذلك وأنه المستحق لها دونه لتعين عليه القيام وكان كالعهد إليه وقد أخبر رضي الله عنه أنه لو تعين عليه بالعهد إليه لقاتل.
فكذلك إذا تعين عليه بغير العهد إلحاقاً به والجامع اشتراكهما في التعين عليه ولقد أحسن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب حيث قال لبعض الرافضة لو كان الأمر كما تقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار علياً لهذا الأمر والقيام على الناس بعده فإن علياً أعظم الناس خطية وجرماً إذا ترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم به ويعذر إلى الناس. فقال له الرافضي ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم "من كنت مولاه فعلي مولاه" فقال: أما والله لو يعني بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر والسلطان لأفصح به كما أفصح بالصلاة والزكاة والحج والصيام وقال أيها الناس إنه الولي بعدي فاسمعوا له وأطيعوا خرجه ابن السمان في الموافقة.
فإن قيل قوله فاستبددتم به علينا يشعر بأن المراد بالحق المشاورة والمراجعة والاشتراك في الرأي وأنه إنما نقم انفرادهم دونهم وأنهم لو أشركوه معهم في الرأي لتابعهم عليه هذا هو المتبادر إلى الفهم عند سماع هذا السياق وما ذكرتموه فيه صرف للفظ عن ظاهره ولا يبقى لذكر الاستبداد معنى قلنا هذا الصرف واجب متعين لأنا لو حملنا الحق على الاشتراك في الرأي للزم في حقه ما ذكرناه من المحذور لأنه إما أن يعتقد صحة الخلافة مع عدم مشاورته فيلزم التخلف عن الحق وإما أن لا يعتقد ذلك فيلزم التقرير على الباطل على ما تقدم تقريره ثم إن نفس التخلف عن البيعة بعد إجماع الجم الغفير لا يجوز إلا لمقتض وما ذاك إلا رؤية أحقية غيره عند من لا يرى صحتها للمفضول أو أن المتولي لم يستكمل شروط الإمامة وكلاهما باطلان. أما الأول فلما تقدم وأما الثاني فلأن المبطل إما فوات شرط إجماعاً وهو منتف هنا إجماعاً وإما وجود الأفضل على رأي وهو المطلوب وقد تكلمنا عليه وليس لقائل أن يقول إن سكوت علي لا يعد به مخالفاً إذ لم يشق عصا فيعد بتلك ممن أجمع. ويصح حمل الحق على المشاورة ويستأنس بما صرح به موسى بن عقبة عن علي إنما نقم عليهم أمر المشورة كما تقدم في آخر بيعة العامة لأن علياً رضي الله عنه من كبار أهل الحل والعقد ومثله لا يقتنع منه بالسكوت والظاهر من حاله أن يخلفه ابتداء إنما كان لما ذكرناه وأما كونه نقم عدم مشاورته نفي من هنا شيء وأما لفظ الاستبداد فيستعمل في العرف على ما لا يصح فيه الاشتراك فيتجه فيه ما تقدم ذكره من الاعتراض وعلى ما يصح فيه فيكون بمعنى غلب وحاز الشيء قهراً عن الغير والناقم عليه ذلك والناقم أصل الحيازة لتعذر الاشتراك. وقد دللنا على تعين إرادة الإمامة بالأمر وهي مما لا يقبل الاشتراك فيكون الذي نقم عليهم أصل الحيازة فيكون المراد بالحق حقاً في الخلافة على ما قررناه فإن قيل لم لا يجوز أن يراد بالأمر الميراث والحق حق الإرث ويكون تقدير الكلام كنا نظن أن لنا مما خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وأنك منعتنا إياه وأصررت على المنع فلم تصح لذلك خلافتك فلذلك تخلفنا عن البيعة. ويدل على ذلك جواب أبي بكر بنفي الميراث وحب صلتهم وإلا لما صلح جواباً فوجب المصير إلى هذا المعنى صوناً لكلام هذا الفصيح عن الزلل وهو من أفصح العرب وأعرفهم بما يقول ومن سئل عن شيء فأجاب عن غيره لم يعد كلامه منتظماً إلا أن يكون بينهما ارتباط كما إذا قيل كيف أصبح حال زيد فقال أصبح حال عمرو جميلاً وحال عمرو إنما يتحمل حال زيد فقد يسوغ ذلك أما إذا لم يكن كما في هذه الصورة فلا قلنا صورة الحال وسياق المقال يشهدان بخلافه وينبوان عنه فإن اعتذاره إنما كان من تخلفه عن البيعة فقال لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكاراً لفضيلتك ولا نفاسة لخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر الحديث ولم يجر في حديثه ذكر الميراث والمتبادر إلى الفهم عند سماع هذا اللفظ ليس إلا الخلافة وجواب أبي بكر محمول على تقدم كلام آخر تركه الراوي ويكون علي لما فرغ من قوله كنا نظن أن لنا في هذا الأمر حقاً تعرض لذكر الميراث ثم اعتذر عن المبايعة فأغنى أبا بكر عن الجواب لأن قوله كنا نرى يقتضي أن تكون تلك الرؤية سابقة ثم انقطعت وإن روايته الآن غير تلك هذا هو المفهوم من سياق لفظه فما عسى أن يقول له أبو بكر وقد دل كلامه على تغير نظره والإجابة إلى مبايعته ورؤية الحق في ذلك فاستغنى أبو بكر عن الجواب في فصل البيعة وعدل إلى جواب فصل الميراث أو يقول لم يجر للميراث في هذا المجلس ذكر إلا أنه قد كان ذكر قبل ذلك على ما دل عليه أحاديث كثيرة أن فاطمة جاءت تطلب ميراثها فلما كان هذا المجلس المعقود لإزالة صورة الوحشة الظاهرة والدخول فيما دخل فيه الجماعة واعتذر علي بما اعتذر به وقبل أبو بكر عذره ثم أنشأ ذكر الميراث معتذراً عما توهم فيه أولاً نافياً له حالفاً على الإنصاف بخلافه محتجاً على قضية الميراث بالحديث المذكور وقصد بذلك إزالة بقايا وحشة إن كانت حتى لا يبقى لها أثر أصلاً على أنا نقول على أي معنى حمل الحديث عليه فحاصله يرجع إلى أن علياً رجع عما كان عليه وأنه كان يظن أن له حقاً إما في الخلافة وإما بمعنى مطلق الحق أو بمعنى الأحقية وإما في الميراث وإما في المشاورة ترتب على عدم اتصاله به تخلفه عن البيعة ثم بان له خلاف ذلك وأنه جاء معتذراً مراجعاً للحق داخلاً فيما دخل فيه الجماعة على ما قررناه وذلك كله يفسد المطلوب وإنما طال البحث في تمهيد ما هو الأولى به واللائق بمنصبه وحمل الحديث على وجه لا يتطرق معه خلل في حقه ولا في حقهم والحمد لله أن وفق لذلك وأن لم يشقنا بالخوض فيهم بما نستوجب به مقته والوحشة من أحد منهم وأن أسعدنا بمحبتهم والذب عنهم ونسأله تمام هذه النعمة بالحشر معهم والكون في زمرتهم فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب آمين آمين". فإن قيل لأي معنى أرسل علي إلى أبي بكر إن ائتنا وهلا سعى إليه وقد اتضح له الحق قلنا لم يكن إرساله إليه ترفعاً ولا تعاظماً لا والله ولا يحل اعتقاد ذلك وكيف يعتقد ذلك وهو يريد مبايعته والانقياد له وإنما كان ذلك لمعنى اقتضاه الحال وهو طلب اختلائه به خشية أن يقع عتاب على الصورة الظاهرة بين العامة فربما وقع اعتراض من محق أو تعرض من ذي غرض فيكثر اللغط وترتفع الأصوات فلا يتوفر على إبداء العذر ولذلك قال ائتنا وحدك دفعاً للتشاجر المتوقع بحسب الإمكان وكان على ثقة من الخلوة في بيته دون مكان آخر فلذلك أرسل إليه ليأتيه فيه ثم اعتذر إليه بما اعتذر من اعتقد خلاف ذلك فقد حاد عن الحق وجنح إلى الباطل بل اقتحمه فإن قيل الحديث الأول من هذا الذكر يدل على أن التخلف كان بسبب الألية على أنه لا يرتدي رداء إلا إلى الصلاة حتى يجمع القرآن وظاهر تضاد ما تضمنه هذا الحديث من أن التخلف كان لما رآه من أن له حقاً فكيف يجمع بينهما أم كيف يكون الحلف عذراً في التخلف عن الواجب المتعين والحنث لأجله واجب كنظيره من الحلف على الصلاة الواجبة. قلنا هذا الحديث متفق على صحته فلا يعارضه الحديث الأول وإن صح الجميع فالجمع ممكن بأن يكون سبب امتناعه وتخلفه أولاً عن البيعة ما ذكرناه ثم خطر له جمع القرآن وهو في مهلة النظر المتقدم ذكره فآلى تلك الألية ثم أرسل إليه أبو بكر ثم لقيه عمر أو يكون الرسول عمر ووافى ذلك ظهور أحقية أبي بكر عنده فأرسل إليه معتذراً في التخلف بتلك الألية مسلماً منقاداً طائعاً يدل عليه اعتذاره ونفيه كراهية إمامته واقتضاء نظره إذ ذاك أن هذا القدر كاف في الطواعية والانقياد والدخول فيما دخل فيه الجماعة فلم ير الحنث مع السعة خشية أن ينفك عزمه وينقسم نظره عند ملابسته الناس ومخالطتهم فأقام إظهار عذره مقام حضوره لا أنه رأى اليمين عذراً ولا أنه بقي على ما كان عليه من رؤية أحقيته ثم لما تفرغ باله وانحل عقد يمينه وأمن ما يحذره من فوات ما تصدى له أرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ليجمع بين الانقياد حالاً ومقالاً ولينفي الظن الناشيء عن الصورة الظاهرة ويقطع مقال أهل الأهوية وإلا فقد كان الأول عنده كافياً فلما جاءه أبو بكر أبدى له العذر في امتناعه أول وهلة لأنه لم يتقدم منه اعتذار عنه وسكت عن العذر في استصحابه ذلك لأنه كان قد اعتذر عنه بالألية فما احتاج إلى إعادته وكان عذره عن الأول ما تقدم تقريره في منطوق بقوله كنا نرى لنا حقاً ومفهوم معناه ثم اتضح لنا أحقيتك دوننا وزال ما كان من تلك الرؤية وإذا تقرر هذا فنقول إذا دار الأمر بين أن تكون تلك الرؤيا الأولى دامت إلى حين الإرسال إليه أوانقطعت وكان العذر في التخلف ما تقدم في الحديث المتقدم كان حمله على الثاني أولى جمعاً بين الحديثين بحسب الإمكان ومتى أمكن الجمع كان أولى من إسقاط أحدهما. ذكر بيعة الزبير رة ترتب على عدم اتصاله به تخلفه عن البيعة ثم بان له خلاف ذلك وأنه جاء معتذراً مراجعاً للحق داخلاً فيما دخل فيه الجماعة على ما قررناه وذلك كله يفسد المطلوب وإنما طال البحث في تمهيد ما هو الأولى به واللائق بمنصبه وحمل الحديث على وجه لا يتطرق معه خلل في حقه ولا في حقهم والحمد لله أن وفق لذلك وأن لم يشقنا بالخوض فيهم بما نستوجب به مقته والوحشة من أحد منهم وأن أسعدنا بمحبتهم والذب عنهم ونسأله تمام هذه النعمة بالحشر معهم والكون في زمرتهم فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب آمين آمين". فإن قيل لأي معنى أرسل علي إلى أبي بكر إن ائتنا وهلا سعى إليه وقد اتضح له الحق قلنا لم يكن إرساله إليه ترفعاً ولا تعاظماً لا والله ولا يحل اعتقاد ذلك وكيف يعتقد ذلك وهو يريد مبايعته والانقياد له وإنما كان ذلك لمعنى اقتضاه الحال وهو طلب اختلائه به خشية أن يقع عتاب على الصورة الظاهرة بين العامة فربما وقع اعتراض من محق أو تعرض من ذي غرض فيكثر اللغط وترتفع الأصوات فلا يتوفر على إبداء العذر ولذلك قال ائتنا وحدك دفعاً للتشاجر المتوقع بحسب الإمكان وكان على ثقة من الخلوة في بيته دون مكان آخر فلذلك أرسل إليه ليأتيه فيه ثم اعتذر إليه بما اعتذر من اعتقد خلاف ذلك فقد حاد عن الحق وجنح إلى الباطل بل اقتحمه فإن قيل الحديث الأول من هذا الذكر يدل على أن التخلف كان بسبب الألية على أنه لا يرتدي رداء إلا إلى الصلاة حتى يجمع القرآن وظاهر تضاد ما تضمنه هذا الحديث من أن التخلف كان لما رآه من أن له حقاً فكيف يجمع بينهما أم كيف يكون الحلف عذراً في التخلف عن الواجب المتعين والحنث لأجله واجب كنظيره من الحلف على الصلاة الواجبة. قلنا هذا الحديث متفق على صحته فلا يعارضه الحديث الأول وإن صح الجميع فالجمع ممكن بأن يكون سبب امتناعه وتخلفه أولاً عن البيعة ما ذكرناه ثم خطر له جمع القرآن وهو في مهلة النظر المتقدم ذكره
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 2:19 pm


ذكر استقالة أبي بكر من البيعة
عن زيد بن أسلم قال دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بطرف لسانه وهو يقول إن هذا أوردني الموارد ثم قال يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم قال عمر والله لا نقيلك ولا نستقيلك خرجه حمزة بن الحارث. وعن أبي الجحاف قال قام أبو بكر بعدما بويع له وبايع له علي وأصحابه فأقام ثلاثاً يقول يا أيها الناس قد أقلتكم بيعتكم هل من كاره قال فيقوم علي في أوائل الناس يقول لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك خرجه ابن السمان في الموافقة. وعنه قال احتجب أبو بكر عن الناس ثلاثاً يشرف عليهم كل يوم يقول قد أقلتكم بيعتي فبايعوا من شئتم قال فيقوم ابن أبي طالب فيقول لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك خرجه الحافظ السلفي في المشيخة البغدادية وابن السمان في الموافقة وأبو الجحاف هذا هو داود بن عوف البرجمي التميمي مولاهم كوفي ثقة روى عن غير واحد من التابعين وهو حديث مرسل من الطريقين. وعن جعفر عن أبيه قال لما استخلف أبو بكر خير الناس سبعة أيام فلما كان يوم السابع أتاه علي بن أبي طالب فقال لا نقيلك ولا نستقيلك ولولا أنا رأيناك أهلاً ما بايعناك خرجه ابن السمان في الموافقة. وعن سويد بن غفلة قال لما بايع الناس أبا بكر قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أذكر بالله أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه قال فقام علي بن أبي طالب ومعه سيفه فدنا علي منه حتى وضع رجلاً على عتبة المنبر والأخرى على الحصى وقال والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا يؤخرك خرجه في فضائله وقال هو أسند حديث روي في هذا المعنى وسويد بن غفلة أدرك الجاهلية وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وعن الحسن قال لما بويع أبو بكر قام دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا أيها الناس إني شيخ كبير فاستعملوا عليكم من هو أقوى مني على هذا الأمر وأضبط له فضحكوا وقالوا لا نفعل أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواطن وأحق بهذا الأمر فقال أما إذا أبيتم فأحسنوا طاعتي ومؤازرتي واعلموا إنما أنا بشر ومعي شيطان يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فقوموا عني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم واتبعوني ما استقمت فإن زغت فقوموني خرجه حمزة بن الحارث وابن السمان في الموافقة. وعنه قال خطب أبو بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنقته العبرة فحمد الله وأثنى عليه فقال يا أيها الناس إني ما جعلت لهذا المكان أن أكون خيركم قال الحسن وهو والله خيرهم غير مدافع ولكن المسلم يهضم نفسه أبداً ولوددت أني كفاني هذا الأمر بعضكم قال الحسن وهو والله صادق وإن أخذتموني بما كان الله عز وجل يقوم به لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي فما ذاك عندي ما أنا إلا كأحدكم فإن رأيتموني استقمت فاتبعوني وإذا أنا زغت فقوموني خرجه أبو القاسم بن بشران. وفي رواية إنما أنا بشر ولست بخير من واحد منكم فراعوني فإن رأيتموني استقمت ثم ذكر ما بعده خرجهما في فضائله.
ذكر ما يدل على انه كان كارهاً للولاية وإنما تحملها رعاية لمصلحة المسلمين
عن رافع الطائي قال صحبت أبا بكر في غزاة قلت يا أبا بكر أوصني ولا تطول علي فأنثنى فقال يرحمك الله يرحمك الله بارك الله عليك بارك الله عليك أقم الصلاة المكتوبة لوقتها وأدر زكاة مالك طيبة بها نفسك وصم رمضان وحج البيت ولا تكونن أميراً قال قلت له إنه ليخيل إلى أن أمراءكم اليوم خياركم فقال إن هذه الإمارة اليوم يسيرة وقد أوشكت أن تفشو وتكثر حتى ينالها من ليس بأهل وأنه من يكن أميراً فإنه من أطول الناس حساباً وأغلظهم عذاباً ومن لا يكن أميراً فإنه من أيسر الناس حساباً وأهونهم عذاباً لأن الأمراء أقرب من ظلم المؤمنين ومن يظلم المؤمنين فإنه يخفر الله هم جيران الله وهم عواذ الله والله إن أحدكم لتصاب شاة جاره أو بعير جاره فيبيت وارم العضل فيقول شاة جاري وبعير جاري فالله أحق أن يغضب لجيرانه وسألته بعد ذلك لما ولى عن ما قبل من بيعتهم وقال وهو يحدثه عما تكلمت به الأنصار وما كلمهم به وما كلم عمر بن الخطاب الأنصار وما ذكرهم به من إمامته إياهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فبايعوني لذلك وقبلنا منهم وتخوفنا أن تكون فتنة تكون بعدها ردة أخرجه أبو ذر الهروي في مستدركه على الصحيح وعن الحسن أن أبا بكر خطب فقال أما بعد فإني وليت الأمر وأنا كاره له والله لوددت أن بعضكم كفانيه خرجه في فضائله.
ذكر خطبة أبي بكر لما ولي الخلافة
عن عروة عن أبيه قال خطب أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني وليت أمركم لست بخيركم ولكنه نزل القرآن وسن الني صلى الله عليه وسلم السنة وعلمنا فعلمنا وأعلموا أيها الناس أن أكيس الكيس التقي أو قال الهدى واعجز العجز الفجور وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن أنا أحسنت قولي فأعينوني وإن أنا زغت فقوموني أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم خرجه في فضائله. وعن قيس بن أبي حازم قال إني جالس عند أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر فذكر قصته فنودي في الناس إن الصلاة جامعة وهي أول صلاة في المسلمين نودي بها أن الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر شيئاً صنع له كان يخطب عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس لوددت أن هذا الأمر كفانيه غيري ولئن أخذتموني بسنة نبيكم لا أطيقها إن كان لمعصوماً من الشيطان وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء خرجه أحمد وخرج معناه حمزة بن الحارث وقد تقدم في ذكر الاستقالة.
ذكر ما فرض له من بيت المال..
عن حميد بن هلال قال لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم افرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغنيه قالوا نعم برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف خرجه في الصفوة. وعن إبراهيم بن محمد بن سعيد بن عباس قال كان رزق أبي بكر الصديق حين استخلف خمسين ومائتي دينار في السنة وشاة في كل يوم يؤخذ منه بطنها ورأسها وأكارعها فلم يكن يكفيه ذلك ولا عياله قالوا وقد كان ألقى ماله في مال الله حين استخلف قال فخرج إلى البقيع فتصافق قال فجاء عمر فإذا هو بنسوة جلوس فقال ما شأنكن قلن نريد أمير المؤمنين وقال بعضهن نريد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي بيننا فانطلق يطلبه فوجده في السوق قال فأخذ بيده فقال هنا تعال فقال لا حاجة لي في إمارتكم رزقتموني مالا يكفيني ولا عيالي قال فإنا نزيدك قال أبو بكر ثلاثمائة دينار والشاة كلها قال أما هذا فلا فجاء علي وهما على حالهما تلك فلما سمع ما سأله قال أكملها له قال ترى ذلك قال نعم قال فقد فعلنا فقال أبو بكر أنتما رجلان من المهاجرين لا أدري أيرضى بها بقية المهاجرين أم لا فانطلق أبو بكر فصعد المنبر واجتمع إليه الناس فقال أيها الناس إن رزقي كان خمسين ومائتي دينار وشاة يؤخذ بطنها ورأسها وأكارعها وإن عمر وعلياً كملا لي ثلثمائة دينار والشاة أفرضيتم فقال المهاجرون اللهم نعم قد رضينا فقال أعرابي من جانب المسجد لا والله ما رضينا فأين حق أهل البادية فقال أبو بكر إذا رضي المهاجرون شيئاً فإنما أنتم تبع خرجه أبو حذيفة إسحاق بن بشر في فتوح الشام وقد سبق طرف من ذلك في ذكر تواضعه في فصل فضائله وذكر ابن النجار في كتاب أخبار المدينة أنهم فرضوا له في كل سنة ستة آلاف درهم. وقد جاء عن عائشة قالت لما استخلف أبو بكر قال لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ويحترف للمسلمين فيه خرجه البخاري وظاهره يدل على أنه كان يتجر في ماله عوضاً عما يأكل إلا أنه لا يلائم قوله شغلت بأمر المسلمين سواء كان بماله أو بمالهم ولا يقال إنه من أمر المسلمين فيدخل تحت عموم الشغل بأمر المسلمين فإن الشغل الذي أقيم له غيره هذا وأهم منه ولعله والله أعلم يريد بالاحتراف الاشتغال بحفظه وتأدية الحقوق فيه ومنه وتحصيله من وجوهه فأطلق عليه احترافاً توسعاً وإن كان المتعارف في الاحتراف غير هذا.
ذكر ما روي من قول أبيه أبي قحافة عند بلوغه خبر ولايته
عن سعيد بن المسيب قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ارتجت مكة فسمع بذلك أبو قحافة فقال ما هذا قالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمر جلل من ولي بعده قالوا ابنك قال فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة قالوا نعم قال لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله خرجه أبو عمر شرح: ارتجت: اضطربت والجلل: الأمر العظيم قال الشاعر:


قومي هم قتلو أمـيم أخـي


فإذا رميت يصيبني سهمـي

فلئن عفوه لأعفـون جـلـلاً


ولئن سطوت لأوهنن عظمي
والجلل أيضاً: الهين الحقير وهو من الأضداد هكذا ذكره الجوهري قال والجلال بالضم العظيم لا غير والجلالة الناقة العظيمة وقال الخليل يقال أمر جلل بالضم للعظيم وبفتحها للحقير.
الفصل الرابع عشر
في ذكر وفاته رضي الله عنه وما يتعلق بها
قال أهل السير توفي أبو بكر رضي الله عنه ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ذكره في الصفوة. وقال ابن إسحاق توفي يوم الجمعة لتسع بقين من الشهر المذكور ذكره أبو عمر والأول أصح لما روت عائشة قالت لما نقل أبو بكر قال أي يوم هذا قلنا يوم الاثنين قال فأي يوم توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا يوم الاثنين قال فإني أرجو فيما بيني وبين الليل قال وكان عليه ثوب فيه ردغ من مشق فقال إذا أنا مت فاغسلوا لي ثوبي هذا وضموا إليه ثوبين جديدين وكفنوني في ثلاثة أثواب فقلنا ألا نجعلها جداداً كلها قال لا إنما هو للمهلة قال فمات ليلة الثلاثاء خرجه البخاري وأحمد. وفي رواية أنها قالت قال أبي في كم كفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة فنظر إلى ثوب كان تحته يمرض فيه وفيه ردغ من زعفران أو مشق فقال اغسلوا هذا ثم زيدوا عليه ثوبين ثم ذكرت باقي الحديث. وفي رواية في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا في ثلاثة أثواب قال فكفنوني في ثلاثة أثواب ثوبي هذا مع ثوبين آخرين ثم ذكرت باقي الحديث وقالت فيه إنه قال الحي أولى بالجديد وإنما هو للمهلة وعن القاسم بن محمد قال كفن أبو بكر في ريطة بيضاء وريطة ممصرة خرجه ابن الضحاك.
شرح: الردغ اللطخ والمشق بكسر الميم المغرة والمهلة الصديد والقيح وهكذا جاء في هذه الرواية المهلة ورأيتها مضبوطة في بعض نسخ الهروي بالضم وقال بعضهم بكسرها ولم يذكر الجوهري هذه اللفظة وحكى بعض المؤلفين فيه الفتح قال وبعضهم يكسرها وقد جاء في بعض الطرق وإنما هو للمهل وهو بالضم لا غيره والمراد به هنا الصديد والقيح وهو اسم مشترك يطلق على النحاس المذاب ودردى الزيت قاله الجوهري. ولما مات رضي الله عنه غسلته أسماء بنت عميس زوجته بوصية منه وصب عليها الماء ابنه عبد الرحمن ولما كفن حمل على السرير الذي كان ينام عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو سرير عائشة من خشبتي صاج منسوج بالليف وبيع في ميراث عائشة فاشتراه رجل من موالي معاوية بأربعة آلاف درهم فجعله للناس. قال أبو محمد وهو بالمدينة وصلى عليه عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه المنبر وكبر أربعاً وعن سعيد بن المسيب وقد سئل أين صلى على أبي بكر قال بين القبر والمنبر قيل من صلى عليه قال عمر بن الخطاب قيل كم كبر عليه قال أربعاً ودفن إلى جنب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصقوا لحده بلحده ونزل في قبره عمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن أبي بكر ودفن ليلاً في بيت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم ذكره أبو عمر وصاحب الصفوة وابن النجار وغيرهم وذكر ابن النجار أن آخر ما تكلم به أبو بكر: "رب توفني مسلماً وألحقني بالصالحين".

ذكر سبب موته
عن ابن عمر قال كان سبب وفاة أبي بكر كمد ما زال يذيل حتى مات ذكره في الصفوة والكمد الحزن المكتوم تقول منه كمد يكمد فهو كمد وكميد وعن الزبير بن بكار أنه كان به طرف من السل ذكره أبو عمر ويشبه أن يكون ذبول الكمد ظن سلاً أو تعلق به السل منه. وعن عائشة قالت كان أول مرضه أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب يصلي بالناس فدخل الناس عليه يعودونه وهو يثقل كل يوم يقول: "وجاءت سكرة الموت بالحق ما كنت منه تحيد" خرجه الفضائلي وصاحب الفضائل وصاحب الدرة اليتيمة في أخبار المدينة وعن ابن شهاب قال كان أبو بكر والحارث بن كلدة يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر ارفع يدك يا خليفة رسول الله إن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة خرجه في الصفوة والفضائل وخرج صاحب الدرة الثمينة في أخبار المدينة وزاد فمرض خمسة عشر يوماً فقال قد رآني قالوا فما قال لك قال إني أفعل ما أشاء وقيل إن اليهود سمت له في إرزة.
ذكر تركه التطبب تسليماً لأمر الله تعالى
عن أبي السفر قال مرض أبو بكر فعاده الناس فقالوا ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك قال قد نظر إلي قالوا وما قال لك قال إني فعال لما أريد خرجه الواقدي وأبو عمر وصاحب الصفوة والرازي.
ذكر عهده إلى عمر ووصيته له
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن ساباط قال لما حضر أبا بكر الوفاة دعا عمر فقال اتق الله يا عمر واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان لا يكون فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وحق لميزان لا يكون فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً. وإن الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم فإذا ذكرتهم قلت إني لأخاف ألا ألحق بهم وأن الله ذكر أهل النار وذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنها فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغباً راهباً لا يتمنى على الله ولا يقنط من رحمته فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت ولست تعجزه خرجه في الصفوة والفضائل وخرجه الرازي عن ابن أبي نجيج وزاد وإن لم تحفظ وصيتي فلا يك غائب أبغض عليك من الموت وقال بعد قوله أن يكون خفيفاً وإنما جعلت آية الرجاء مع آية الشدة لكي يكون المؤمن راغباً راهباً وإذا ذكرت أهل الجنة قلت لست منهم وإذا ذكرت أهل النار قلت لست منهم وذلك أن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وذكرهم بأحسن أعمالهم وذكر أهل النار وذكرهم بأسوأ أعمالهم وقد كانت لهؤلاء سيآت ولكن الله تجاوز عنها وقد كانت لهؤلاء حسنات ولكن الله تعالى أحبطها. وعن محمد بن سعد بإسناده أن جماعة من الصحابة دخلوا على أبي بكر لما عزم على استخلاف عمر فقال له قائل منهم ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته فقال أبو بكر أجلسوني أبالله تخوفونني خاب من تزود من أمركم بظلم أقول اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت لك من وراءك ثم اضطجع وجاء عثمان بن عفان وقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا وأطيعوا فإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم إلا خيراً فإن عدل فذاك الظن به وعلمي فيه وإن بدل فلكل امريء ما اكتسب والخير أردت ولا علم لي بالغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وعن عائشة قالت دخل ناس على أبي بكر فقالوا تولى علينا عمر وأنت ذاهب إلى ربك فماذا تقول له قال أجلسوني أجلسوني أقول وليت عليهم خيرهم خرجه أبو معاوية.
ذكر وصيته من يغسله وأين يدفن وبأن يسرع في دفنه
عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر أوصى أن تغسله أسماء بنت عميس فغسلته خرجه أبو عمر وصاحب الصفوة وخرجه في الفضائل وزاد وهي صائمة ولا تصح هذه الزيادة على المشهور لأن الصوم إنما يكون نهاراً والأصح أنه مات ليلاً ودفن ليلاً وإن كان قد قيل إنه مات نهاراً ودفن في آخر نهاره لكن الأول أشهر. وعن عائشة أن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال أي يوم هذا قالوا يوم الاثنين قال فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا بي الغد فإن أحب الأيام والليالي إلي أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجه أحمد وخرج في الصفوة أنه أوصى أن يدفن إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القبر والمنبر. وعن أسماء بنت عميس قالت إن أبا بكر عهد إلي أن فلاناً منافق فلا ينزل في قبري خرجه ابن الضحاك.
ذكر قدر سنه يوم مات رضي الله عنه
اختلف في ذلك وأشهر الأقوال وأكثرها أنه توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وأنه استوفى بمدة خلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في ذكر هجرته ما يدل على خلاف ذلك وهذا أصح وكان مولده بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياماً ذكره الطائي في الأربعين وكانت مدة خلافته من ذلك سنتين وثلاثة أشهر إلا خمس ليال وقيل وثلاثة أشهر وسبع ليال. وقال ابن إسحاق توفي أبو بكر على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنتي عشرة ليلة من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غيره وعشرة أيام وقيل عشرين يوماً ذكره أبو عمر وغيره.
ذكر قول أبيه أبي قحافة لما بلغه خبر وفاته
حكى ابن النجار في أخبار المدينة أن أبا قحافة حين توفي أبو بكر كان حياً بمكة نعي إليه قال رزء جليل وعاش بعده ستة اشهر وأياماً وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة وهو بسبع وتسعين سنة.
ذكر ثناء علي رضي الله عنه عليه عند وفاته
عن أسيد بن صفوان وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال لما قبض أبو بكر فسجى عليه وارتجت المدينة بالبكاء عليه كيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء علي مسترجعاً وهو يقول اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر وهو مسجى فقال يرحمك الله يا أبا بكر كنت إلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته كنت أول القوم إسلاماً وأخلصهم إيماناً وأشدهم يقيناً وأخوفهم لله وأعظمهم غناء في دين الله وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدبهم على الإسلام وأيمنهم على أصحابه وأحسنهم صحبة وأكثرهم مناقب وأفضلهم سوابق وأرفعهم درجة وأقربهم وسيلة وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم هدياً وسمتاً ورحمة وفضلاً وأشرفهم منزلة وأكرمهم عليه وأوثقهم عنده فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله خيراً كنت عنده بمنزلة السمع والبصر صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس فسماك الله عز وجل في تنزيله صديقاً فقال: "والذي جاء بالصدق وصدق به" الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم وصدق به أبو بكر واسيته حين بخلوا وقمت به عند المكاره حين عنه قعدوا وصحبته في الشدة أكرم الصحبة ثاني اثنين وصاحبه في الغار والمنزل عليه السكينة ورفيقه في الهجرة خلفته في دين الله وأمته أحسن الخلافة حين ارتد الناس وقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي فنهضت حين وهن أصحابك وبرزت حين استكانوا وقويت حين ضعفوا ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هموا كنت خليفة حقاً لم تنازع ولم تصدع بزعم المنافقين وكبت الكافرين وكره الحاسدين وغيظ الباغين وقمت بالأمر حين فشلوا وثبت حين تتعتعوا ومضيت بنور الله إذ وقفوا فاتبعوك فهدوا وكنت أخفضهم صوتاً وأعلاهم فوقاً وأمثلهم كلاماً وأصوبهم منطقاً وأطولهم صمتاً وأبلغهم قولاً وأشجعهم نفساً وأعرفهم بالأمور وأشرفهم عملاً كنت والله للدين يعسوباً ولا حين نفر عنه الناس وآخرا حين أقبلوا كنت للمؤمنين أباً رحيماً صاروا عليك عيالاً فحملت أثقال ما ضعفوا ورعيت ما أهملوا وحفظت ما أضاعوا وعلمت ما جهلوا شمرت إذ خفضوا وصبرت إذ جزعوا فأدركت أوتار ما طلبوا وراجعوا رشدهم برأيك فظفروا ونالوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكافرين عذاباً صباً ولهباً وللمؤمنين رحمة وإنساً وحصناً فطرت والله بغنائها وفزت بحبائها وذهبت بفضائلها وأدركت سوابقها لم تفلل حجتك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم يرع قبلك ولم يخر كنت كالجبل الذي لا تحركه القواصف ولا تزيله العواصف وكنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن الناس علينا في صحبتك وذات يدك وكنت كما قال ضعيفاً في بدنك قوياً في أمر الله متواضعاً في نفسك عظيماً عند الله جليلاً في أعين الناس كبيراً في أنفسهم لم يكن لأحد فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز ولا لأحد فيك مطمع ولا لمخلوق عندك هوادة الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه والقوي عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق القريب والبعيد عندك في ذلك سواء أقرب الناس إليك أطوعهم لله وأتقاهم له شأنك الحق والصدق والرفق قولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم فأقلعت وقد نهج السبيل وسهل العسير وأطفيت النيران واعتدل بك الدين وقوي بك الإيمان وثبت الإسلام والمسلمون وظهر أمر الله ولو كره الكافرون فسبقت والله سبقاً بعيداً وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً وفزت بالخير فوزاً مبيناً فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك في السماء وهدت مصيبتك الأنام فإنا لله وإنا إليه راجعون رضينا عن الله قضاءه وسلمنا له أمره فوالله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثلك أبداً كنت للدين عزاً وحرزاً وكهفاً وللمؤمنين فئة وحصناً وغيثاً وعلى المنافقين غلظة وغيظاً فألحقك الله بنبيك صلى الله عليه وسلم ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك فإنا لله وإنا إليه راجعون قال وسكت الناس حتى انقضى كلامه ثم بكوا حتى علت أصواتهم وقالوا صدقت يا ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجه ابن السمان في الموافقة وخرج الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله الجوزقي من أوله إلى: "والذي جاء بالصدق" محمد صلى الله عليه وسلم وصدق به أبو بكر.
شرح: الغناء بالفتح والمد النفع وبالكسر والمد من السماع وبالكسر مقصور اليسار الهدى السيرة تقول هدى فلان أي سار سيرته وما أحسن هديه وهديته أي سيرته والجمع هدى كتمرة وتمر والسمت هيئة أهل الخير تقول ما أحسن سمته أي هديه والسمت الطريق وسمت يسمت بالضم أي قصد. ووهن ضعف استكانوا خضعوا يصدع يفل أمرك من الصدع الشق برغم المنافقين أي غضبهم وإهانتهم وأرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب وكبت الكافرين إذلالهم فشلوا جبنوا فوقاً قيد في بعض النسخ بضم الفاء وهو موضع الوتر من السهم وهو القرص الذي يكون في رأسه هذا أصله ثم استعير هنا لعظم الشأن وفي بعضها بالفتح وهو أقرب إلى معنى العلو لأنه ضد التحت ومنه قولهم فلان يفوق قومه في الخير أي يعلوهم اليعسوب ملكة النحل ومنه قيل للسيد يعسوب قومه وقوله للدين أي لأهل الدين خفضوا أي وضعوا أي أنه شمر إذا وضع الناس وفي بعض النسخ خنعوا أي ضرعوا وذلوا صبا مصدر صب صبا وهذا وصف بالمصدر نحو عدل ورضى وقوله فأدركت أوتار ما طلبوا. وقوله ولم تحر أي ترجع تقول حار يحور حوراً أي رجع والهوادة المحاباة والرخصة ومنه الحديث الآخر لا تأخذه في الله هوادة أي لا يسكن عند وجوب حد لله تعالى ولا يرخص فيه لا يحابي نهج السبيل هكذا قيد ثلاثياً على إسناد الفعل إلى السبيل وقيده الجوهري رباعياً يقال أنهج الطريق إذا استبان وصار نهجاً واضحاً ونهجت الطريق بينته ونهجته أيضاً سلكته حكاه الجوهري الفئة الطائفة فكأنه كالظهر للمسلمين.
ذكر ثناء عائشة على أبيها وقد مرت على قبره
عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها مرت على قبر أبيها فقالت نضر الله وجهك وشكر لك صالح أمرك فلقد كنت للدنيا مذلاً بإعراضك عنها وللآخرة معزاً بإقبالك عليها ولئن كان أجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤك وأعظمها فقدك إن كتاب الله ليعد بالعزاء عنك حسن العوض منك فأنا انتجز من الله موعده فيك بالصبر عليك وأستعيضه منك الدعاء لك فإنا لله وإنا إليه راجعون وعليك السلام ورحمة الله توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك خرجه ابن المثنى في معجمه.
الفصل الخامس عشر
في ذكر ولده
وهذا الذكر وإن كان ليس من لوازم ذكر المناقب إلا أنه مما يتشوف إليه عند ذكر النسب وقد تقدم التنبيه عليه في الفصل الأول على أنه لا يخلو من إثبات الفضيلة فإن شرف الأبناء منقبة للآباء كعكسه ولم تزل العرب تتمدح بمفاخر آبائهم فلا يبعد في الأبناء مثله والله أعلم. وكان له من الولد ستة ثلاثة بنين وثلاث بنات أما البنون فعبد الله وهو أكبر ولده الذكور أمه قتيلة ويقال قتلة دون التصغير من بني عامر بن لؤي شهد فتح مكة وحنيناً والطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً وخرج بالطائف وبقي إلى خلافة أبيه ومات فيها فترك سبعة دنانير فاستكثرها أبو بكر ولا عقب له. وعبد الرحمن يكنى أبا عبد الله أسلم في هدنة الحديبية وهاجر إلى المدينة وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان من الشجعان له مواقف في الجاهلية والإسلام مشهورة وأبلى في فتوح الشام بلاء حسناً وقد كان ممن شهد بدراً مع المشركين ثم من الله تعالى عليه بما من به على أمه أم رومان بنت الحارث من بني فراس بن غنم بن كنانة أسلمت وهاجرت مات فجأة سنة ثلاث وخمسين بجبل بقرب مكة فأدخلته أخته عائشة الحزم ودفنته وأعفت عنه وكان شهد الجمل معها وله عقب. وقد تقدم في فصل الخصائص ما ثبت به لبيت أبي بكر من الشرف برؤية ولد عبد الرحمن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم يوجد في بيت من بيوت أحد من الصحابة أربعة كلهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم بعض ولد بعض إلا في بيت أبي بكر وكذلك ثبت هذا في ولد أسماء وزاد بالرواية وسيأتي بيانه والله أعلم. ومحمد بن أبي بكر ويكنى أبا القاسم وكان من نساك قريش أمه أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت من المهاجرات الأول وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة. ولما استشهد جعفر بمؤتة من أرض الشام تزوجها بعده أبو بكر فولدت له محمداً هذا بذي الحليفة لخمس ليال بقين من ذي القعدة وهي شاخصة إلى الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم هي وأبو بكر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وترجل ثم تهل بالحج وتصنع ما يصنع الحاج إلا أنها لا تطوف بالبيت فكانت سبباً لحكم شرعي إلى قيام الساعة وزكاها النبي صلى الله عليه وسلم وبرأها من الفحشاء على ما تقدم في ذكر غيرة أبي بكر من فصل فضائله ولما توفي أبو بكر عنها تزوجها علي بن أبي طالب فنشأ محمد بن أبي بكر في حجر علي بن أبي طالب وكان على رجالته يوم الجمل وشهد معه صفين وولاه عثمان في أيامه مصر وكتب له العهد ثم اتفق مقتله قبل وصوله إليها على ما سيأتي بيانه في باب عثمان وولاه أيضاً على مصر بعد مرجعه من صفين فوقع بينه وبين عمرو بن العاص حرب فهزم محمد بن أبي بكر وقتل وأكثر المؤرخين على أنه أحرق في جوف حمار ميت يقال كان ذلك قتله وقيل بعد القتل. وأما البنات فعائشة أم المؤمنين شقيقة عبد الرحمن تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت لأبي بكر بذلك أشرف الشرف فكانت إحدى أمهات المؤمنين وحظوتها عنده وشرف منزلتها وعظم مزيتها على سائر نسائه مشهور حتى بلغ ذلك منه أن قيل من أحب الناس إليك يا رسول الله قال عائشة فقيل من الرجال قال أبوها فكانت أحب الناس إليه مطلقاً بنت أحب الناس إليه من الرجال وكيفية تزويجها سيأتي في مناقبها إن شاء الله تعالى. وأسماء بنت أبي بكر شقيقة عبد الله وهي أكبر بناته وهي ذات النطاقين وقد تقدم سبب تسميتها بذلك الاسم في فصل هجرة أبي بكر تزوجها الزبير بمكة وولدت له عدة أولاد ثم طلقها فكانت مع ولدها عبد الله بمكة حتى قتل وعاشت بعده وكانت من المعمرين بلغ عمرها مائة سنة وعميت وماتت بمكة وقد تقدم في فصل الخصائص ما ثبت برؤية ولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته عنه لبيت أبي بكر من الشرف بوجود أربعة فيه بعضهم ولد بعض رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورووا عنه. وأم كلثوم وهي أصغر بناته وهي التي قال أبو بكر فيها ذو بطن بنت خارجة وقد تقدم ذلك في ذكر فراسته من فصل فضائله أمها حبيبة بنت خارجة بن زيد كان أبو بكر قد نزل عليه وتزوج ابنته وتوفى عنها فتركها حبلى فولدت بعده أم كلثوم هذه ولما كبرت خطبها عمر بن الخطاب إلى عائشة فأنعمت له وكرهت أم كلثوم فاحتالت له حتى أمسك عنها وتزوجها طلحة بن عبيد الله ذكره ابن قتيبة وغيره وجميع ما ذكرناه في هذا الفصلمن كتاب المعارف ومن كتاب الصفوة لأبي الفرج ابن الجوزي ومن الاستيعاب لأبي عمر بن عبد البر ومن كتاب فضائل أبي بكر كل منهم خرج طائفة والله أعلم. كتاب المعارف ومن كتاب الصفوة لأبي الفرج ابن الجوزي ومن الاستيعاب لأبي عمر بن عبد البر ومن كتاب فضائل أبي بكر كل منهم خرج طائفة والله أعلم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 2:30 pm


الجزء الثاني

الباب الثاني
في مناقب أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب

رضي الله عنه وفيه اثنا عشر فصلاً الأول في نسبه الثاني في اسمه وكنيته. الثالث في صفته. الرابع في إسلامه. الخامس في هجرته. السادس في خصائصه. السابع في أفضليته الثامن في الشهادة له بالجنة. التاسع في ذكرى فضائله. العاشر في خلافته. الحادي عشر في وفاته. الثاني عشر في ولده.
الفصل الأول
في نسبه أصلاً وفرعاً
وقد تقدم في ذكر الشجرة في أنساب العشرة ذكر آبائه: أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وقالت طائفة: بنت هشام بن المغيرة ومن قال ذلك فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام والحرث بن هشام، وليس كذلك، وإنما هي بنت هاشم وهاشم وهشام أخوان، وهاشم جد عمر أبو أمه، وهشام أبو الحرث وأبي جهل ابني هشام بن المغيرة، وكان له من الولد ثلاثة عشر وأسلموا كلهم وتفاصيل أحوالهم وذكر أسمائهم سيأتي في آخر الباب إن شاء الله تعالى.
الفصل الثاني
في اسمه وكنيته
لم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام عمر وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حفص وكان ذلك يوم بدر وذكره ابن إسحاق وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق.
عن ابن عباس قال: سألت عمر لأي شيء سميت الفاروق? فقال أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة هي أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم? قالت أختي هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة ما لكم? قالوا عمر بن الخطاب، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نتره نترة فما تمالك أن وقع على ركبتيه، فقال: "ما أنت بمنته يا عمر?" قال قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك محمداً عبده ورسوله، قال فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قال فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا? قال: "بلى! والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم"، قلت ففيما الاختفاء? والذي بعثك بالحق لتخرجن فأخرجناه صلى الله عليه وسلم في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر ولي كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق، فرق الله بي بين الحق والباطل خرجه صاحب الصفوة والرازي.
وعن الشعبي أن رجلاً من المنافقين ويهودياً اختصما فقال اليهودي ننطلق إلى محمد بن عبد الله، وقال المنافق إلى كعب بن الأشرف فأبى اليهودي وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقضي لليهودي، فلما خرج قال المنافق ننطلق إلى عمر بن الخطاب فأقبلا إليه فقصا عليه القصة فقال رويداً حتى أخرج إليكما، فدخل البيت واشتمل على السيف ثم خرج وضرب عنق المنافق وقال هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل فقال: إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق خرجه الواحدي وأبو الفرج.
وعن النزال بن سبرة قال وافقنا من علي يوماً أطيب نفساً ومزاجاً فقلنا يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب قال: ذاك امرؤ سماه الله الفاروق فرق به بين الحق والباطل، خرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا جالس في مسجدي أتحدث مع جبريل إذ دخل عمر بن الخطاب فقال أليس هذا أخوك عمر بن الخطاب فقلت: بلا يا أخي، أله اسم في السماء كما له اسم في الأرض? فقال والذي بعثك بالحق إن اسمه في السماء أشهر من اسمه في الأرض اسمه في السماء فاروق وفي الأرض عمر". خرجه في الفضائل.

وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر موقفه يوم القيامة وموقف أبي بكر قال: "ثم ينادي مناد أين الفاروق عمر? فيؤتي به فيقول الله تعالى مرحباً يا أبا حفص، هذا كتابك فإن شئت فاقرأه وإن شئت فلا فقد غفرت لك" خرجه في الفضائل. وقد روي أن اسمه في السماء فاروق وفي الإنجيل كافي، وفي التوراة منطق الحق، وفي الجنة سراج، وسيأتي في غضون الأحاديث.
وعن عبد الله بن عمرو قال: الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه خرجه الضحاك.

الفصل الثالث
في صفته
قال ابن قتيبة الكوفيون يروون أنه آدم شديد الأدمة، وأهل الحجاز يروون أنه أبيض أمهق وهو الذي يشبه لونه لون الجص لا يكون له دم ظاهر وكان طوالاً أصلع أجلح شديد حمرة العينين خفيف العارضين، قاله صاحب الصفوة. وقال أبو عمر كان كث اللحية أعسر يسراً وذكر في لونه رواية الكوفيين قال: وهكذا وصفه ذر بن حبيش وغيره وعليه الأكثر قال: كان عمر طويلاً جسيماً أصلع شديد الصلع أبيض شديد حمرة العينين في عارضيه خفة: سبالته كثيرة الشعر أطرافها صهبة، قال والأول أصح وأشهر.
وعن سماك بن حرب قال: كان عمر بن الخطاب أروح كأنه راكب والناس يمشون كأنه من رجال سدوس خرجه الحافظ السلفي، قال والأروح هو الذي تداني قدماه إذا مشى، وقال الجوهري: هو الذي تتباعد صدور قدميه وتتدانى عقباه وكل نعامة روحاء، وكان رضي الله عنه يخضب بالحناء والكتم.
وخرج القاضي أبو بكر بن الضحاك عن ابن عمر أن عمر كان لا يغير شيبه فقيل له يا أمير المؤمنين ألا تغير? وقد كان أبو بكر يغير فقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شاب شيبة في الإسلام كانت نوراً يوم القيامة" وما أنا بمغير. وعنه وقد عرضت عليه مولدة له أن يصبغ لحيته فقال: ما أريد أن أطفئ نوري كما أطفأ فلان نوره. والأول هو الصحيح.
شرح - الآدم - من الناس الأسمر والجمع أدمان والأدمة بضم الهمزة وإسكان الدال السمرة - والأمهق - ما ذكره في الحديث - والأصلع - هو الذي انحسر شعر مقدم رأسه ويقال لموضع الصلع صلعة بالتحريك وصلعة بضم الصاد وإسكان اللام - والأجلح هو الذي انحسر الشعر عن جانبي رأسه فوق الأنزع، فأوله النزع ثم الصلع، وقد جلح الرجل بالكسر فهو أجلح بين الجلح واسم ذلك الموضع الجلحة بالتحريك - وأعسر يسراً - هو الذي يعتمد بيده جميعاً ويقال له الأضبط، وكان رضي الله عنه من رؤساء قريش وأشرافهم وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وهي أن قريشاً كانت إذا وقع بينهم حرب بعثوه سفيراً وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر بعثوه مفاخراً.
وقد تقدم من صفاته المعنوية في ثناء ابن عباس في باب الأربعة وثناء علي في باب الشيخين طرف، وسيأتي في باب فضائله الكثير منها إن شاء الله تعالى.

الفصل الرابع
في إسلامه
ذكر بدء إسلامه: قال ابن إسحاق كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة، وعن عمر بن الخطاب قال: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن قال فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، قال فقرأ "إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون" قال قلت كاهن قال "ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين" قال فوقع الإسلام في قلبي كل موقع. خرجه أحمد وطريق آخر عن أنس بن مالك قال: خرج عمر متقلداً السيف فلقيه رجل من بني زهرة فقال أين تعمد يا عمر? فقال: أريد أن أقتل محمداً قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً? فقال له عمر ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي أنت عليه قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر? إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت فدخل عليهما فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم قال: وكانوا يقرءون طه، فقالا: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا، قال فلعلكما قد صبوتما? فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك? فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديداً، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمي وجهها، قالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، فلما تبين عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فاقرأه وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته. إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ طه حتى أتى إلى قوله: "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري" فقال عمر: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر فغني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخميس "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام" قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في صل الصفا، فانطلق عمر حتى أتى الدار قال وعلى الباب حمزة وطلحة وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر قال حمزة: نعم فهذا عمر، وغن يرد الله بعمر خيراً يسلم، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً قال والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحي إليه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل سيفه فقال: "أما أنت منته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة? اللهم أهد عمر بن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر ابن الخطاب". فقال عمر: أشهد أنك رسول الله فأسلم عمر وقال: أخرج يا رسول الله، خرجه في الصفوة.
شرح: - الهيمنة - الصوت الخفي - والوجل - الخوف - وحمائل السيف - جمع حمالة بالكسر وهي علاقته، هذا قول الأصمعي، وقال الخليل: لا واحد لها من لفظها وإنما واحدها محمل بزنة مرحل، وهو السير الذي يتقلده المتقلد - والخزي - الذل والهوان - والنكال - ما نكل به، يقال نكل الله به تنكيلاً إذا نزل به ما يكون نكالاً وعبرة لغيره، ومنه "فجلناها نكالاً لما بين يديها" الآية.

طريق آخر: عن أسامة بن زيد عن أبيه عن جده قال قال عمر: أتحبون أن أخبركم كيف كان إسلامي? قال قلنا نعم! قال: كنت من اشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا أنا في يوم حار شديد الحر في الهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقيني رجل من قريش فقال: أين تريد في هذه الساعة يا بن الخطاب? قال قلت: أريد هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال لي عجباً لك يا بن الخطاب إنك تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك، قال قلت: وما ذاك? فقال أختك قال فرجعت مغضباً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضم إلى زوج أختي رجلين من المسلمين يعينانه ويصيبان من فضل طعامه فقرعت الباب فقيل من هذا? فقلت: ابن الخطاب قال وكانوا يقرءون كتاباً في أيديهم، فقاموا مبادرين واختبئوا مني وتركوا الصحيفة على حالها، فلما فتحت لي أختي قلت لها: يا عدوة نفسها أصبوت? وأرفع شيئاً في يدي فأضرب به رأسها وسال الدم، فلما رأت الدم بكت وقالت: ما كنت فاعلاً فافعله فقد صبوت، قال: فدخلت وأنا مغضب حتى جلست على السرير فنظرت فإذا صحيفة في وسط البيت، قال فقلت لها: ما هذه الصحيفة? فأعطنيها، قالت إنك لست من أهلها، إنك لا تغتسل من الجنابة ولا تطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون، قال فقلت لها: ما هذه الصحيفة? فأعطنيها، قالت إنك لست من أهلها، إنك لا تغتسل من الجنابة ولا تطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون، قال فلم أزل بها حتى أعطتنيها، قال فأخذتها ففتحتها فإذا فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم" فلما قرأت "الرحمن الرحيم" ذعرت وألقيت الصحيفة من يدي ثم رجعت إلى نفسي فأخذتها فإذا فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم يسبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم" قال: فكلما مررت باسم من أسماء الله تعالى ذعرت، ثم ترجع إلي نفسي قال حتى بلغت "آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
قال: فخرج القوم مستبشرين فكبروا وقالوا: أبشر يا بن الخطاب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فقال "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك أبي جهل بن هشام، وإما عمر بن الخطاب". وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فابشر، قال فقلت: دلوني على مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فأخبروني أنه في بيت في اسفل الصفا، قال فخرجت حتى جئت الباب فقرعته فقالوا من هذا? قال قلت: ابن الخطاب قال: فما اجترأ أحد منهم أن يفتح لي، قد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افتحوا له فإن يرد الله به خيراً يهده"، قال: ففتحوا ثم أخذ رجلان بعضدي حتى أجلساني بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال: خلوا عنه ثم أخذ بمجمع قميصي فجذبني إليه وقال: "أسلم يا ابن الخطاب، اللهم اهده". قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال فكبر المسلمون تكبيرة حتى سمعت من مكة، وكانوا قبل ذلك مستخفين، خرجه الحافظ أبو القاسم في الأربعين الطوال.
شرح - صبا يصبو - إذا خرج عن دينه وقد تقدم ذكر ذلك - ذعرت - أي فزعت تقول ذعرته أذعره ذعراً أي فزعته والاسم الذعر بالضم - جبذني - مقلوب جذبني وكلاهما بمعنى واحد.

طريق آخر: قال ابن إسحاق. كان إسلام عمر فيما بلغنا أن أخته فاطمة أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد وهم مستخفون بإسلامهم، وكان نعيم بن النحام من قومه أسلم أيضاً وكان مستخفياً منه، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر بن الخطاب متوشحاً بسيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه، فذكر أنهم اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين من بين رجال ونساء، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب ورجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: ولم يخرج فيمن خرج إلى الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: أين تريد يا عمر، قال: أريد محمداً، وذكر معنى ما بعده من حديث أنس المتقدم وقال فيه: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجرته أو بمجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة ثم قال: "ما جاء بك يا بن الخطاب?". ثم ذكر معنى ما بعده إلى قوله: فقال عمر: جئت لأومن بالله ورسله وبما جاء من عند الله، قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد اسلم، فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة وعرفوا أنهم سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمتنعون وينتصفون من عدوهم.
قال ابن إسحاق: فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر وحدثني عبد الله بن نجيح المكي عن أصحابه عن إسلام عمر أنه كان يقول كنت للإسلام مباعداً وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالخرورة عند دور آل عمر بن عمرن المخزومي قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحداً، قال: فقلت لو أني جئت فلاناً وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمراً فأشرب منها، قال فخرجت فجئته فلم أجده قال فقلت: فلو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعاً أو سبعين قال: فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فكان مصلاة بين الركنين، الركن الأسود والركن اليماني. قال فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعت من محمد الليلة حتى أسمع ما يقول فقلت: لئن دنوت لأسمع منه لأروعنه، فجئت من قبل الحجر فدخلت من تحت ثيابها فجعلت أمشي رويداً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن، حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة قال: فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام، فلم أزل قائماً في مكاني ذلك حتى قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج إلى دار ابن أبي حسين وكانت طريقه، حتى تجيز على المسعى ثم يسلك من دار العباس بن عبد المطلب ومن دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري، ثم على دار الأخنس بن شربق حتى يدخل بيته.
وكان مسكنه صلى الله عليه وسلم في الدار الرقطاء التي كانت بيد معاوية بن أبي سفيان قال عمر: فتبعته حتى إذا دخل من دار العباس ودار ابن أزهر أدركته فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفني فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما اتبعته لأوذيه فنهمني ثم قال: "ما جاء بك يا بن الخطاب هذه الساعة?" قلت: جئت لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله. فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "قد هداك الله يا عمر". ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات، ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته.

ومن طريق أسامة بن زيد بعد قوله "وكانوا قبل ذلك مستخفين" قال: ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً من المسلمين يضرب إلا رأيته، قال: ذهبت إلى خالي قال فقرعت عليه الباب قال فقال: من هذا? فقلت: ابن الخطاب قال: فخرج إلي فقلت له: أعلمت أني صبوت? قال: فعلت، قال قلت نعم، قال لا تفعل، قال قلت بلى، قال: لا تفعل، قال ثم دخل وأجاف الباب دوني. قال قلت: ما هذا شيء قال: فذهبت إلى رجل من أشراف قريش فقرعت عليه بابه فقيل من هذا? قلت ابن الخطاب فخرج إلي فقلت، أشعرت أني صبوت? قال أفعلت? قلت نعم قال لا تفعل ثم دخل وأجاف الباب دوني، قلت ما هذا شيء، قال فقال لي رجل أتحب أن يعلم إسلامك? قلت نعم قال: فإذا كان الناس في الحجر جئت إلى ذلك الرجل فجلست إلى جنبه وأصغيت إليه، فقلت أعلمت أني صبوت? قال أو فعلت? قلت نعم، قال: فرفع بأعلى صوته ثم قال: عن ابن الخطاب قد صبا وثار الناس إلي فضربوني وضربتهم قال فقال رجل ما هذه الجماعة? قالوا هذا ابن الخطاب قد صبا فقام على الحجر ثم أشار بكمه فقال: ألا إني قد أجرت ابن أختي، قال فانكشف الناس عني، قال: فكنت لا أزال أرى إنساناً يضرب ولا يضربني أحد، قال فقلت: ألا يصيبني ما يصيب المسلمين? قال فأمهلت حتى جلس الناس في الحجر فجئت إلى خالي وقلت: اسمع قال ما اسمع? قلت جوارك رد عليك، قال لا تفعل يا ابن أختي، قال فقلت: بل هو رد عليك، فقال ما شئت فافعل؛ قال: فما زلت أضرب ويضربوني حتى أعز الله بنا الإسلام، خرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال.
وعن عبد الرحمن بن الحارث عن بعض آل عمر أو بعض أهله قال قال عمر: لما أسلمت تلك الليلة تذكرت أن أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد ألمت، قال فقلت: أبو جهل وكان عمر ابناً لحنتمة بنت هاشم بن المغيرة، قال فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه قال: فخرج إلي أبو جهل فقال مرحباً وأهلاً يا بن أختي ما جاء بك? قال قلت جئت أخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وصدقت بما جاء به، قال فضرب الباب في وجهي وقال قبحك الله وقبح ما جئت به.
وعن ابن عمر قال: لما اسلم عمر لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أفشى للحديث? قال جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل غني قد أسلمت، قال فوالله ما رد علي كلمة حتى قام عامداً إلى المسجد فنادى أندية قريش فقال يا معشر قريش إن ابن الخطاب قد صبا، فقال عمر كذبت ولكني أسلمت وآمنت بالله وصدقت برسوله، فثاوروه فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رءوسهم حتى فتر عمر، وجلس عمر فقاموا على رأسه فقال عمر: افعلوا ما بدا لكم فوالله لو كنا ثلاثمائة رجل لتركتموها لنا أو تركناها لكم.. فبينما هم كذلك قيام إذ جاء رجل عليه حلة حرير وقميص قومسي فقال: ما بالكم إن ابن الخطاب قد صبا، قال فمه امرؤ اختار ديناً لنفسه، أتظنون أن بني عدي يسلمون إليكم صاحبهم? قال فكأنما كانوا ثوباً انكشف عنه، فقلت له بعد بالمدينة يا أبت من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ? قال يا بني ذاك العاص بن وائل، خرجه أبو حاتم وابن إسحاق.
وخرج القلعي طرفاً من هذه القصة وقال قال عمر: لا نعبد سراً بعد اليوم، فأنزل الله تعالى "يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين" وكان ذلك أول ما نزل من القرآن من تسمية الصحابة مؤمنين، وكان عمر عند ذلك ينصب رايته للحرب بمكة ويحاربهم على الحق، ويقول لأهل مكة والله لو بلغت عدتنا ثلثمائة رجل لتركتموها لنا أو لتركناها لكم.
شرح: - أندية - جمع ناد وندى وهو مجلس القوم ومتحدثهم، فإن تفرقوا منه فليس بندي - وثاوروه - أي واثبوه، وأثار به الناس أي وثبوا عليه، قاله الجوهري - ركدت الشمس على رءوسهم - أي قام قائم الظهيرة وكأنه سكن، ومنه ركدت السفينة سكنت، وكذا الريح والماء - والحلة - إزار ورداء، لا تسمى حلة حتى تكون ثوبين.

ذكر ظهور الإسلام وعزه بإسلامه وامتناع المسلمين به
تقدم في فصل اسمه حديث ابن عباس وفيه طرف من ذلك، وتقدم في الذكر من حديث ابن إسحاق، وحديث القلعي طرف منه أيضاً.
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعمر بن الخطاب وأبي جهل بن هشام، فأصبح وكانت الدعوة يوم الأربعاء وأسلم عمر يوم الخميس، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البيت تكبيرة سمعت من أعلى مكة، فقال عمر: يا رسول الله ما نخفي ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا قليل" فقال عمر: والذي بعثك بالحق نبياً لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان، ثم خرج فطاف بالبيت ثم مر بقريش وهم ينظرونه فقال أبو جهل بن هشام: زعم فلان أنك صبوت، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فوثب المشركون فوثب عمر على عتبة بن ربيعة فبرك عليه وجعل يضربه وأدخل إصبعيه في عينيه، فجعل عتبة يصيح فتنحى الناس عنه، فقام عمر فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من دنا منه حتى أحجم الناس عنه، واتبع المجالس التي كان يجلس فيها فأظهر الإيمان ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر عليهم فقال: ما يحبسك، بأبي أنت وأمي فوالله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا ظهرت فيه بالإيمان، غير هائب ولا خائف، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى دار الأرقم ومن معه خرجه أبو القاسم الدمشقي في الأربعين الطوال، وقال: حديث غريب.
وقال ابن إسحاق ولما قدم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من الحبشة على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون، وأسلم عمر بن الخطاب وكان رجلاً ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة.
شرح: - أحجم الناس عنه - كفوا، تقول حجمته عن الشيء فأحجم أي كففته فكف، وهو من النوادر، مثل كببته فأكب - معلناً - العلانية ضد السر تقول علن الأمر يعلن علوناً وعلن بالكسر يعلن علناً وأعلنته أظهرته، وفي هذا الحديث أنه دعا له يوم الأربعاء وتقدم في الذكر قبله أنه دعا له يوم الخميس ويوم الاثنين وهو محمول على تكرار الدعاء في تلك الأيام من غير أن يكون بين الأحاديث تضاد ولا تهافت.
وعن ابن مسعود قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر، خرجه البخاري وأبو حاتم. وعنه قال: كان إسلام عمر فتحاً وهجرته نصراً وإمارته رحمة، لقد رأيتنا ولم نستطع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا، خرجه الحافظ السلفي. وعنه قال: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه، خرجه ابن إسحاق في سيرته، وعنه ما صلينا ظاهرين حتى أسلم عمر.
وعنه لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعا إلى الله علانية.
وعن علي قال: ما سمينا مؤمنين حتى أسلم عمر، خرجهن في الفضائل وعن صهيب قال: لما أسلم عمر جلسنا حول البيت حلقاً وطفنا وانتصفنا ممن غلظ علينا، خرجه في الصفوة.
وعن ابن عباس قال: لما أسلم عمر قال المشركون انتصف القوم منا.
ذكر أن ذلك كله إنما كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في ذكر بدء إسلامه وفي الذكر قبله طرف منه.
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الدين بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام" فكان أحبهما إلى الله عمر، خرجه أحمد والترمذي وصححه أبو حاتم.
وعن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب" خرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة" أخرجه أبو حاتم، ولا تضاد بينهما لجواز أن يكون تكرر الدعاء منه صلى الله عليه وسلم فخص عمر مرة وأشرك معه غيره أخرى، وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أيد الإسلام بعمر" خرجه الفضائلي.

ذكر استبشار أهل السماء بإسلام عمر
عن ابن عباس قال: لما أسلم عمر أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. خرجه أبو حاتم والدارقطني والخلعي والبغوي. وفي طريق غريب بعد قوله "بإسلام عمر"، قلت وكيف لا يكون ذلك كذلك ولم تصعد إلى السماء للمسلمين صلاة ظاهرة ولا نسك ولا معروف إلا بعد إسلامه حيث قال: والله لا يعبد اله سراً بعد هذا اليوم.
ذكر أنه بإسلامه كان مكملاً عدة أربعين
عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين رجلاً فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى "يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين". خرجه القلعي والواحدي قال أبو عمر: روي أنه أسلم بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة.
الفصل الخامس
في هجرته
عن ابن عباس قال قال علي: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هاجر تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً واختصر عنزته ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاب بالبيت سبعاً متمكناً ثم أتى المقام فصلى متمكناً ثم وقف على الخلق واحدة واحدة فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن يثكل أمه أو ييتم ولده، أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما أتبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم ما أرشدهم ثم مضى لوجهه، خرجه ابن السمان في الموافقة والفضائلي.
شرح: - تنكب قوسه - ألقاه على منكبه - وانتضى في يده أسهماً - أستلها من كنانته وتركها معدة في يده، وكذلك انتضى سيفه ونضاه استله - واختصر عنزته - العنزة بالتحريك أطول من العصا وأقصر من الرمح، وفيه زج كزج الرمح واختصارها والله أعلم حملها مضمومة إلى خاصرته، - والمعاطس - جمع بزنة مجلس وهو الأنف وإرغامها إلصاقها بالرغام وهو التراب، كنى بذلك عن الإهانة والإذلال.
قال ابن إسحاق: خرج عمر بن الخطاب مهاجراً وعياش بن أبي ربيعة قال عمر: ابتعدت لما أردنا الهجرة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام ابن العاص بن وائل السهمي المناصب من أضاة بني غفار فوق سرف وقلنا أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحبها قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند المناصب، وحبس عنا هشام وفتن فافتن، فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء.

الفصل السادس
في خصائصه
وقد تقدم منها طرف جيد في أبواب الأعداد خصوصاً في باب الشيخين وتقدم من ذلك اختصاصه بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يعز الإسلام بمعمر خاصة، وأن المسلمين ما زالوا أعزة منذ أسلم عمر وتسمية الفاروق في فصل اسمه وإعلانه هجرته في الفصل قبله.
ذكر اختصاصه بتأهله للنبوة لو كان نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم
عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب". خرجه أحمد والترمذي، وقال حسن غريب: وفي بعض طرق هذا الحديث. "لو لم أبعث لبعثت يا عمر". وفي بعضها "لو لم أبعث فيكم لبعث عمر" خرجه القلعي.
ذكر اختصاصه بالتحديث
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب"، خرجه أحمد ومسلم وقد قال ابن وهب تفسير - محدثون - ملهمون، وأخرجه الترمذي وصححه وأبو حاتم وخرجه البخاري عن أبي هريرة، وخرج عنه من طريق آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير ن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي فيهم أحد فعمر". ومعنى محدثون والله أعلم أي يلهمون الصواب، ويجوز أن يحمل على ظاهره وتحدثهم الملائكة لا بوحي، وإنما بما يطلق عليه اسم حديث، وتلك فضيلة عظيمة.
ذكر اختصاصه بالخيرية
عن جابر قال قال عمر لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أما إنك إن قلت ذلك فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما طلعت شمس على رجل خير من عمر". خرجه الترمذي وقال غريب، وهذا محمول على أنه كذلك بعد أبي بكر جمعاً بين هذا وبين الأحاديث المتقدمة في أبي بكر.
وعن ثابت بن الحجاج قال: خطب عمر ابنة أبي سفيان فأبوا أن يزوجوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين لابتي المدينة خير من عمر". خرجه البغوي في الفضائل، وأراد بعده صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر، أما الأول فبالإجماع، وأما الثاني فلما تقدم.
ذكر اختصاصه بأنه أزهدهم في الدنيا
عن طلحة بن عبيد الله قال: ما كان عمر بأولنا إسلاماً ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا وأرغبنا في الآخرة، خرجه الفضائلي.
ذكر اختصاصه بموافقة التنزيل في قضايا منها اتخاذ مقام إبراهيم مصلى
عن ابن عمر قال قال عمر. وافقت ربي في ثلاث: مقام إبراهيم. وفي الحجاب، وفي أسارى بدر. خرجه مسلم. وعن طلحة ابن مصرف قال قال عمر: يا رسول الله أليس هذا مقام إبراهيم أبينا? قال بلى. قال عمر: فلو اتخذته مصلى? فأنزل الله تعالى "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى". خرجه المخلص الذهبي.
ومنها: مشورته في أسارى بدر عن ابن عباس عن عمر قال: لما كنا يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترون في هؤلاء الأسارى?" فقال أبو بكر يا رسول الله بنو العم وبنو العشيرة والإخوان غير أنا نأخذ منهم الفداء، فيكون لنا قوة على المشركين وعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام، ويكونوا لنا عضداً، قال: "فما ترى يا بن الخطاب?" قلت يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدهم فنقربهم فنضرب أعناقهم قال: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء، فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان، قلت يا نبي الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك? فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما، فقال: لقد عرض على عذابكم أدنى من الشجرة وشجرة قريبة حينئذ، فأنزل الله تعالى: "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة". أخرجه مسلم، وعند البخاري معناه.
وذكر أنه قتل من المشركين سبعون رجلاً وأسر سبعون رجلاً فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضداً، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يا بن الخطاب?" قال فقلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وائمتهم وقادتهم فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، ثم ذكر معنى ما بعده وزاد: فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه وأنزل الله تعالى "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم" بأخذكم الفداء "إن الله على كل شيء قدير".
وعن أنس بن مالك قال: استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال: "إن الله قد أمكنكم منهم" فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس". فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر الصديق فقال يا رسول الله، نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء، قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل منهم الفداء، فأنزل الله تعالى "لولا كتاب من الله سبق" الآية، أخرجه أحمد.
وفي طريق أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عمر فقال: "لقد كاد يصيبنا في خلافك بلاء". خرجه الواحدي في أسباب النزول، وفي بعضها "لقد كان يصيبنا بخلافك شر يا بن الخطاب". وفي رواية "لو نزل من السماء نار لما نجا منها إلا عمر".

وفي رواية: لو نزل عذاب.. وفي رواية: لو عذبنا في هذا الأمر لما نجا غير عمر، خرجهما القلعي.
وفي هذه الأحاديث دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم باجتهاده، ومنها إشارته بحجب أمهات المؤمنين وقوله لهن "لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن" تقدم في الأولى طرف من الحجاب.
وعن أنس بن مالك قال: قال عمر: "وافقت ربي في ثلاث أو وافقني في ثلاث، قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلي فأنزل الله: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وقلت يدخل عليك البر والفاجر فلو حجبت أمهات المؤمنين? فأنزل الله آية الحجاب، وبلغني شيء من معاتبة أمهات المؤمنين فقلت: لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكم حتى انتهيت إلى إحدى أمهات المؤمنين فقالت يا عمر: أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت? فأنزل الله "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن" أخرجاه وأبو حاتم.
وفي رواية بعد ذكر مقام إبراهيم والحجاب اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبلده أزواجاً منكن فنزلت كذلك.
وعن ابن مسعود قال: فضل الناس عمر بأربع فذكر الأسرى يوم بدر أمر بقتلهم، فأنزل الله "لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم" وبذكره الحجاب أمر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن، فقالت له زينب: إنك علينا يا بن الخطاب والوحي ينزل بيوتنا، فأنزل الله "فإذا سألتموهن متاعاً فاسئلوهن من وراء حجاب" وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أيد الإسلام بعمر، وبرأيه في أبي بكر كان أول الناس بايعه خرجه أحمد.
وعن عائشة قالت: كنت آكل من النبي صلى الله عليه وسلم حيساً في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبعي فقال: حس أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزلت آية الحجاب خرجهن الطبراني.
شرح - حس - هي بكسر السين والتشديد كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضه وأحرقه، كالجمرة والضربة ونحوهما. ومنها قوله في قضية نسائه فغن الله معك وجبريل والمؤمنين.
عن ابن عباس أن عمر حدثه قال: لما اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه كان قد وجد عليهن فاعتزلهن في مشربه من خزانته، قال عمر: فدخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالعصا ويقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فقلت لأعملن في هذا اليوم وذلك قبل أن يؤمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب، فدخلت على عائشة بنت أبي بكر فقلت: يا بنة أبي بكر بلغ من أمرك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم? قالت ما لي ومالك يا بن الخطاب، عليك بعيبتك فأتيت حفصة بنت عمر فقلت: يا حفصة والله قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ولولا أن لطلقك، قال فبكت أشد بكاء قال فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت هو في خزانته، قال فذهبت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على أسكفة الغرفة مدلياً رجليه على نقير، يعني جذعاً منقوراً، قلت يا رباح استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فسكت، قال فرفعت صوتي فقلت استأذن يا رباح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يظن أني إنما جئت من أجل حفصة، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب عنقها لضربت عنقها، قال فنظر رباح إلى الغرفة ونظر إلي ثم قال هكذا، يعني أشار بيده أن أدخل فدخلت فإذا هو مضطجع على حصير وعليه إزاره فجلس، وإذا الحصير قد أثر في جنبه وقلبت عيني في الخزانة فذا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين من شعير وقبضة من قرص نحو الصاعين، وإذا أفيق معلق أو أفيقان، قال فابتدرت عيناي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا بن الخطاب?" فقلت يا رسول الله الله مالي لا أبكي وأنت صفوة الله ورسوله وخيرته من خلقه، وهذه الأعاجم كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت هكذا?

فقال يا بن الخطاب أما ترضي أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا? قلت بلى يا رسول الله، فاحمد الله قلما تكلمت في شيء إلا أنزل الله تصديق قولي من السماء، قال قلت: يا رسول الله إن كنت طلقت نساءك فإن الله عز وجل معك وجبريل وأنا وأبو بكر والمؤمنون فأنزل الله عز وجل "وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين" الآية. قال فما أخبرت ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنا أعرف الغضب في وجهه حتى رأيت وجهه يتهلل، وكشر فرأيت ثغره وكان من أحسن الناس ثغراً، فقال إني لم أطلقهن، قلت يا نبي الله فإنهم قد أشعوا أنك قد طلقت نساءك فأخبرهم أنك لم تطلقهن، قال: إن شئت فعلت، فقمت على باب المسجد فقلت. ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق نساءه فأنزل الله عز وجل في الذي كان من شأنه وشأنهم "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وغلى أولي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم". قال عمر فأنا الذي استنبطه منهم أخرجاه وأبو حاتم.
وفي رواية أنه لما قال له عمر لو اتخذت يا رسول الله فراشاً أو ثر من هذا? فقال "يا عمر ما لي وللدنيا أو ما للدنيا. ومالي. إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ثم راح وتركها". خرجه الثقفي في الأربعين، ومنها منعه صلى الله عليه وسلم من الصلاة على المنافقين.
عن ابن عمر قال: لما مات عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفنه فيه وسأله أن يصلي عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وقال أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه? فقال إنما خيرني، فقال "استغفر الله لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم" وسأزيده على السبعين، قال إنه منافق فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل عز وجل ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبر أخرجاه.
وعن ابن عباس عن عمر أنه قال ما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبي سلول وقد قال يوم كذا وكذا? أعد عليه قوله - فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أخر عني يا عمر"، فلما أكثرت عليه قال: "أما إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إذا زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها". قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة: "ولا تصل على أحد إلى "وهم فاسقون" قال فعجبت بعد من جراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أخرجه البخاري. ومنها في رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه: "إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم". قال فلأزيدن على السبعين، وأخذ في الاستغفار فقال عمر: يا رسول الله والله لا يغفر الله لهم سواء استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم فنزلت "سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم" خرجهما في الفضائل فتجيء موافقة أخرى على هذه الرواية ومنها موافقته في قوله فتبارك الله أحسن الخالقين، عن أنس ابن مالك قال قال عمر: وافقت ربي في أربع، قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، وقلت يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجاباً فإنه يدخل عليك البر والفاجر، فأنزل الله تعالى: "وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب". وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن، ونزل "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" إلى قوله "فتبارك الله أحسن الخالقين". خرجه الواحدي في أسباب النزول وأبو الفرج.
وفي رواية فقال صلى الله عليه وسلم: "تزيد في القرآن يا عمر"? فنزل جبريل بها وقال: إنها تمام الآية، خرجها في الفضائل والسجاوندي في تفسيره، وقد روي ذلك عن عبد الله بن أبي شرح كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أملى كذلك قال: إن كان محمد يوحى إليه فنا كذلك فارتد، وقد روى أنه راجع الإسلام واستعمله عمر، وسيأتي في مناقبه.

ومنها موافقته في قوله تعالى: "عسى ربه إن طلقكن" لكنه فيه حديث أنس المتقدم آنفاً، ومنها موافقته في قوله تعالى: "سبحانك هذا بهتان عظيم" عن النبي صلى الله عليه وسلم استشار عمر في أمر عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فقال يا رسول الله من زوجكما? فقال: الله تعالى. قال: أفتظن أن ربك دلس عليك فيها? سبحنك هذا بهتان عظيم، فأنزل الله ذلك على وفق ما قال عمر، فتحصلنا على تسع لفظات وكلها مشهورة غير الثلاثة الأخر "سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، فتبارك الله أحسن الخالقين، سبحانك هذا بهتان عظيم" روى ذلك عن رجل من الأنصار، ومنها موافقة معنوية عن علي ن عمر انطلق إلى اليهود فقال: إني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون وصف محمد في كتابكم? قالوا: نعم!! قال فما يمنعكم من اتباعه? قالا: إن الله لم يبعث رسولاً إلا كان له من الملائكة كفيل، وإن جبريل هو الذي يكفل محمداً وهو الذي يأتيه وهو عدونا من الملائكة وميكائيل سلمنا فلو كان هو الذي يأتيه اتبعناه، قال فإني أشهد أنه ما كان ميكائيل ليعادي سلم جبريل وما كان جبريل ليسالم عدو ميكائيل، قال فمر نبي الله فقالوا: هذا صاحبك يا بن الخطاب فقام إليه وقد نزل الله عليه: "قل من كان عدواً لجبريل" إلى قوله "عدو للكافرين". خرجه ابن السمان في الموافقة، وخرج أبو الفرج معناه في أسباب النزول وزاد فقلت: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأخبرك بقول اليهود فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر. وذكر الواحدي في تفسير الوسيط قال: ثم أتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل قد سبقه بالوحي، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية وقال له: "وافقك ربك يا عمر". قال عمر: فلقد رأيتني في دين الله أصلب من الحجر، ومنها أخرى معنوية.
إن عمر كان حريصاً على تحريم الخمر فكان يقول: اللهم بين لنا في الخمر فإنها تذهب المال والعقل، فنزل قوله تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر". الآية، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فتلاها عليه فلم ير فيها بياناً فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزل: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الص
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 2:37 pm


ذكر اختصاصه بالهيبة ونفران الشيطان منه
عن سعد بن أبي وقاص أنه قال لقد دخل عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه رافعات أصواتهن، فلما سمعن صوت عمر انقمعن وسكن، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك". خرجه النسائي وأبو الحاتم وأبو القاسم في الموافقات، وأخرجاه وأحمد وقالوا: فلما استأذن عمر قمنا فبادرنا الحجاب فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب". قال عمر يا عدوات أنفسهن تهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم? فقلن نعم!! أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان" وذكر باقي الحديث.
شرح - انقمعن - ذللن وارتد عن وقمعته وأقمعته إذا قهرته وأذللته وأقمعت الرجل عني إذا رددته - والفج - الطريق الواسع بين الجبلين، والجمع فجاج. وعن علي عليه السلام قال: والله إن كنا لنرى أن شيطان عمر يهابه أن يأمر بالخطيئة. وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فسمعنا لغطاً وصوت صبيان فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها فقال: "يا عائشة تعالي فانظري". فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال: "أما شبعت أما شبعت?" قالت فجعلت أقول لا أنظر عنده منزلتي، إذ طلع عمر قالت: فارفض الناس عنها، قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فروا من عمر". خرجه الترمذي، وقال حسن صحيح غريب.
شرح: تزفن - ترقص - وارفضوا - تفرقوا.

وعن بريدة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله، إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا". فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها وقعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالساً وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف". خرجه الترمذي وقال حسن صحيح غريب.
وعن عائشة قالت دخلت امرأة من الأنصار إلي فقالت، إني أعطيت الله عهداً إذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في أمن لأنقرن على رأسه بالدف، قلت عائشة، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "قولي لها، فلتف بما حلفت" فقامت بالدف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم فنقرت نقرتين أو ثلاثاً فاستفتح عمر فسقط الدف من يدها وأسرعت إلى خدر عائشة، قالت لها عائشة مالك? قالت سمعت صوت عمر فهبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان ليفر من حس عمر". خرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأحسب الشيطان يفر منك يا عمر". وعن علي قال، كنا نرى أن شيطان عمر يخافه أن يجره إلى معصية الله تعالى، خرجه ابن السمان أيضاً.
وعن عائشة أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها له نقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها كلي فأبت، فقلت لتأكلن أو لألطخن وجهك فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة ولطخت بها وجهها فلطخت وجهي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع فخذه لها وقال لسودة: "لطخي وجهها" فلطخت وجهي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً فمر عمر فنادى يا عبد الله يا عبد الله، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل فقال. قوما فاغسلا وجوهكما، فقالت عائشة فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، رواه ابن غيلان من حديث الهاشمي وخرجه الملاء في سيرته.
وعن أبي مليكة أن عمر مر بامرأة مجذومة وهي تطوف بالبيت فقال لها: يا أمة الله "لو قعدت في بيتك لا تؤذين الناس" قال فقعدت فمر بها رجل بعد ذلك فقال: إن الذي نهاك قد مات فاخرجي، فقالت والله ما كنت لأطيعه حياً وأعصيه ميتاً. خرجه البصري من حديث أنس بن مالك.

ذكر اختصاصه بأنه صارع جنياً فصرعه
عن ابن مسعود أن رجلاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لقي رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الجني: عاود فعاوده فصرعه أيضاً، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً سخيفاً كان ذراعيك ذراعا كلب، أفكذلك أنتم معشر الجن أم أنت منهم كذا? قال والله إني منهم لضليع، ثم قال: عاودني الثالثة فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك فعاوده فصرعه، قال هات علمني، قال هل تقرأ آية الكرسي? قلت نعم، قال: فإنك لا تقرؤها في بيت إلا خرج منه الشيطان ثم لا يدخله حتى يصبح، فقال رجل من القوم من ذلك الرجل يا أبا عبد الله من أصحاب محمد أهو عمر? قال: من يكون إلا عمر بن الخطاب.
ذكر اختصاصه بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم
بنفي حب مطلق الباطل عنه
عن الأسود بن سريع قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: إني قد حمدت الله تبارك وتعالى بمحامد ومدح وإياك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربك تعالى يحب المدح، هات ما امتدحت به ربك تعالى". قال فجعلت أنشده، فجاء رجل يستأذن أدلم طوالاً أعسر أيسر، قال فاستنصتني له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصف لنا أبو سلمة كيف استنصته قال كما يصنع بالهر. فدخل الرجل فتكلم ساعة ثم خرج، ثم أخذت أنشده أيضاً ثم رجع بعد، فاستنصتني رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه أيضاً، فقلت يا رسول الله من ذا الذي تستنصتني له? فقال: "هذا رجل لا يحب الباطل، هذا عمر بن الخطاب". خرجه أحمد.
شرح - الأدلم - الأسود - أعسر أيسر - تقدم في فصل صفته، وأطلق على هذا باطلاً وهو متضمن حقاً لأنه حمد ومدح الله تعالى ولرسوله لأنه من جنس الباطل، إذا الشعر كله من جنس واحد.

ذكر اختصاصه بالشدة في أمر الله تعالى
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد أمتي في أمر الله تعالى عمر" خرجه في المصابيح الحسان.
ذكر اختصاصه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم
إياه بإجابة أبي سفيان يوم أحد
قال ابن إسحاق: أن أبا سفيان لما أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته، إن الحرب سجال، يوم بيوم بدر، أعل هبل!! فقال صلى الله عليه وسلم: "قم يا عمر فأجبه"، فقال: الله أعلى وأجل لا سواه، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فلما أجاب عمر أبا سفيان قال له: هلم يا عمر، فقال صلى الله عليه وسلم لعمر ائته فانظر ما شنه، فجاءه عمر فقال: أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمداً? قال عمر: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، قال أنت أصدق عندي من ابن قمئة، إنه يقول إني قتلت محمداً.
وفي رواية أن أبا سفيان وقف عليهم فقال: أفيكم محمد? فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجيبوه" قال أفيكم محمد? فلم يجيبوه، ثم قال الثالثة فلم يجيبوه، ثم قال أفيكم ابن أبي قحافة، قالها ثلاثاً فلم يجيبوه، ثم قال أفيكم ابن الخطاب ثلاثاً? فلم يجيبوه، فقال أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله، ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأنا أحياء، فقال: يوم بيوم بدر، ثم ذكر معنى ما تقدم، قال ابن إسحاق: وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعب يوم أحد مع أولئك النفر من الصحابة إذ علت عالية من قريش الجبل، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه لا ينبغي أن يعلونا" فقام عمر ورهط معه من المهاجرين حتى أنزلوهم من الجبل.

ذكر اختصاصه بمباهاة الله تعالى به خاصة يوم عرفة
عن بلال بن رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يوم عرفة "يا بلال أسكت الناس أو أنصت الناس" ثم قال: "إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل، ادفعوا على بركة الله تعالى، إن الله باهى ملائكته بأهل عرفة عامة وباهاها بعمر ابن الخطاب خاصة". خرجه البغوي في الفضائل، وتمامه في فوائده. وخرجه ابن ماجة من أوله إلى قوله "ادفعوا بسم الله مكان على بركة الله".
وفيه دلالة على فضل عمر على الملائكة، لأن المباهاة إنما تتحقق إذا كان للمباهي به فضل على المباهي.

ذكر اختصاصه بثوب يجره دون سائر الأمة في رؤيا
رآها النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمصاً، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما هو أسفل من ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره، فقال من حوله: ما أولت يا نبي الله ذلك? قال الدين" أخرجاه وأحمد وأبو حاتم، وفسر الثوب بالدين والله أعلم لأن الدين يشمل الإنسان ويحفظه وبقية المخالفات، كوقاية الثوب وشموله.
ذكر اختصاصه بشرب فضل لبن شربه رسول الله صلى الله عليه وسلم
في رؤيا رآها وأول ذلك صلى الله عليه وسلم بالعلم
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بينا أنا نائم إذ رأيت قدحاً أتيت به فيه لبن فشربت حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب. قالوا؛ فما أولت ذلك يا رسول الله? قال العلم". أخرجاه وأحمد وأبو حاتم والترمذي وصححه، وقد تقدم لأبي بكر مثله من حديث أبي حاتم خاصة. والظاهر أن الرؤيا تكررت، فشرب فضله في إحداهما أبو بكر وفي الأخرى عمر، ويؤيده تغاير ألفاظ الحديثين، ولهذه الخصوصية بلغ علمه ما روي عن ابن مسعود أنه قال: لو جمع علم أحياء العرب في كفة ميزان ووضع علم عمر في كفة لرجح علم عمر، ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجلس كنت أجلسه من عمر أوثق في نفسي من عمل سنة، خرجه أبو عمر والقلعي.
ذكر اختصاصه بفضل طول على الناس في رؤيا أبي بردة
عن أبي بردة أنه رأى في المنام كأن ناساً جمعوا فإذا فيهم رجل فرعهم فهو فوقهم بثلاث أذرع، قال فقلت: من هذا? قالوا عمر، قلت: لم? قالوا: لأن فيه ثلاث خصال لا يخاف في الله لومة لائم، وخليفة مستخلف، وشهيد مستشهد، قال فأتى أبا بكر فقصها عليه فأرسل إلى عمر فدعاه فبشره فجاء عمر قال فقل لي أبو بكر: اقصص رؤياك، فلما بلغت خليفة مستخلف زأرني عمر وانتهرني وقال: تقول هذا وأبو بكر حي قال فلما ولي عمر فبينا هو على المنبر إذ دعاني وقال: اقصص رؤياك فقصصتها، فلما قلت إنه لا يخاف في الله لومة لائم قال: إني لأرجو أن يجعلني الله منهم، قال: فلما قلت خليفة مستخلف قال: قد استخلفني الله، واسأله أن يعينني على ما ولاني فلما ذكرت شهيد مستشهد قال: أنى لي بالشهادة وأنا بين أظهركم تغزون ولا أغزو، ثم قال: بلى يأتي الله بها إن شاء الله، يأتي الله بها إن شاء الله.
ذكر اختصاصه بأن الناس ما دام فيهم لا تصيبهم فتنة
عن الحسن الفردوسي قال: لقي عمر أبا ذر فأخذ بيده فعصرها فقال أبو ذر: دع يدي يا قفل الفتنة فعرف أن لكلمته أصلاً، فقال: يا أبا ذر ما قفل الفتنة? قال جئت يوماً ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فكرهت أن أتخطى رقاب الناس، فجلست في أدبارهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تصيبكم فتنة ما دام هذا فيكم". خرجه المخلص الذهبي والرازي والملاء في سيرته.
ومعناه في الصحيح من حديث حذيفة ولفظه عن حذيفة قال: كنا عند عمر فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة وما قال.? فقلت أنا، فقال: هات إنك لجريء، وكيف قال? قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". فقال عمر: ليس هذا أريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر، قال قلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها باب مغلقاً قال فيكسر الباب أو يفتح? قال: لا بل يكسر، قال: ذاك أحرى أن لا يغلق أبداً، قال قلنا لحذيفة هل كان عمر يعلم من الباب? قال نعم كما يعلم أن دون غد ليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، قال فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب، فقلنا لمسروق سله فسأله فقال عمر، أخرجاه.
وعن عبد الله بن سلام أنه مر بعبد الله بن عمر وهو نائم فحركه برجله وقال من هذا? قال: أنا عبد الله ابن أمير المؤمنين، قال قم يا بن قفل جهنم فقام عبد الله وقد تغير لونه حتى أتى والده عمر وقال له: يا أبت أما سمعت ما قال ابن سلام? قال وما قال لك يا بني? قال قال لي: قم يا ابن قفل جهنم، فقال عمر: الويل لعمر إن كان بعد عبادة أربعين سنة ومصاهرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاياه بين المسلمين بالاقتصاد أن يكون مصيره إلى جهنم، قال فقام عمر وتقنع بطيلسان له وألقى الدرة على عاتقه فاستقبله عبد الله بن سلام فقال له: يا بن سلام بلغني أنك قلت لابني قم يا بن قفل جهنم، قال: نعم: قال: وكيف قلت إني في جهنم حتى أكون قفلاً لجهنم? قال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن تكون في جهنم ولكنك قفل جهنم، قال وكيف? قال أخبرني أبي عن آبائه عن موسى بن عمران عن جبريل أنه كان يقول: يكون في أمة محمد رجل يقال له عمر بن الخطاب أحسن الناس وأحسنهم يقيناً، ما دام فيهم فالدين عال واليقين فاش، فاستمسك بالعروة الوثقى من الدين فجهنم مقفلة، فإذا مات عمر مرق الدين وافترق الناس على فرق من الأهواء، وفتحت أقفال جهنم فيدخل فيها كثير، خرجه في فضائله.
وعن عبد الله بن دينار قال: جاء رجل إلى عمر قال سمعت كعباً يقول إنك على باب من أبواب النار، قال ففزع عمر لذلك وقال: ما شاء الله يرددها مراراً ثم أرسل إلى كعب فقال مرة في الجنة ومرة في النار، قال وما ذاك يا أمير المؤمنين وما بلغك عني? قال أخبرني فلان أنك قلت كذا وكذا، قال أجل: والذي نفسي بيده إني لأجدك على باب من أبواب النار قد سددته ن يدخل، قال: فكأنه جل عنه ما كان في نفسه، خرجه عبد الرزاق في جامعه.

ذكر اختصاصه بأنه أول من تنشق عنه الأرض
بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر
تقدم حديث الذكر في خصائص أبو بكر
ذكر اختصاصه بأنه أول من يعطي كتابه بيمينه يوم القيامة ودعاء الإسلام له فيه
تقدم في باب الشيخين من حديث زيد بن ثابت طرف منه خرجه في الديباج، وعن عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم القيامة وحشر الناس جاء عمر بن الخطاب حتى يقف في الموقف فيأتيه شيء أشبه به فيقول جزاك الله يا عمر عني خيراً، فيقول له من أنت? فيقول أنا الإسلام جزاك الله يا عمر خيراً ثم ينادي مناد ألا لا يدفعن لأحد كتاب حتى يدفع لعمر بن الخطاب، ثم يعطى كتابه بيمينه ويؤمر به إلى الجنة، فبكى عمر وأعتق جميع ما يملكه وهم تسعة". خرجه في فضائله.
ذكر اختصاصه بأن الله جعله مفتاح الإسلام
عن ابن عباس قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ذات يوم وتبسم، فقال: "يا ابن الخطاب: أتدري لم تبسمت إليك?" قال الله ورسوله أعلم، قال: "إن الله عز وجل نظر إليك بالشفقة والرحمة ليلة عرفة وجعلك مفتاح الإسلام". خرجه الملاء في سيرته.
ذكر اختصاصه بأنه أول من يسلم عليه الحق يوم القيامة
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عمر أول من يسلم عليه الحق يوم القيامة وكل أحد مشغول بأخذ الكتاب وقراءته". خرجه في فضائله، ولا تضاد بينه وبين ما تقدم في الذكر قبله، إذ يعطى كتابه أول، ثم يسلم عليه الحق والناس مشغولون حينئذ بإعطاء كتبهم.
ذكر اختصاصه بأنه أول من تسمى بأمير المؤمنين
وعن الزبير قال قال عمر: لما ولي كان أبو بكر يقال له خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف يقال لي خليفة رسول الله يطول هذا، قال فقال له المغيرة أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين، قال: فذاك إذاً - وعن الشفاء - وكانت من المهاجرات الأول، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل العراق: أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه عامل العراق لبيد بن ربيعة العامري وعدي بن حاتم الطائي، قال: فلما قدم المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد: فإذا هما بعمرو بن العاص، فقالا: استأذن لنا على أمير المؤمنين يا عمرو، فقال عمر: أنتما والله أصبتما اسمه، نحن المؤمنون وهو أميرنا فوثب عمرو فدخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال عمر ما بالك في هذا الاسم? قال: إن لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد وقالا لي استأذن لنا يا عمر على أمير المؤمنين. فهما والله أصابا اسمك أنت الأمير ونحن المؤمنون، قال فجرى الكتاب من يومئذ؛ خرجهما أبو عمر.
ذكر اختصاصه بأنه أول من أمر بالجماعة في قيام رمضان
عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، قال ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، أخرجه البخاري.
وعن علي قال: أنا حرضت عمر على القيام في شهر رمضان، أخبرته أن فوق السماء السابعة حضيرة يقال لها حضيرة القدس يسكنها قوم يقال لهم الروح، فإذا كان ليلة القدر استأذنوا ربهم في النزول إلى الدنيا فلا يمرون بأحد يصلي أو على الطريق إلا أَصابه منهم بركة، فقال عمر: يا أبا الحسن فتحرض الناس على الصلاة حتى تصيبهم البركة، فأمر الناس بالقيام، خرجه ابن السمان في الموافقة، وعنه أنه مر على المساجد في شهر رمضان وفيها القناديل فقال: نور الله على عمر في قبره كما نور علينا مساجدنا.
وفي رواية: سمع القرآن في المساجد ورأى القناديل تزهر في المسجد فقال: نور الله لعمر، الحديث. خرجهما ابن السمان أيضاً، وخرج الرواية الأخيرة ابن عبد كويه وأبو بكر النقاش عن ابن إسحاق الهمذاني قال خرج على الحديث.

ذكر اختصاصه بآي نزلت فيه
تقدم من ذلك آيات الموافقات.
وفي الخامسة منهن قوله تعالى: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف" نزلت فيه، وقد تقدم بيانها ثمة وتقدم في فصل إسلامه قوله تعالى: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم". الآية.
نزلت فيه في قول بعضهم.

ومنها قوله تعالى "أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها". نزلت فيه وفي أبي جهل، في قول زيد بن أسلم، وقال ابن عباس: نزلت في حمزة وأبي جهل.
وعنه أيضاً أنها في عمار وأبي جهل، وقال مقاتل: في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل، وقال الحسن: عامة.
ومنها قوله تعالى: "يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين".
قال ابن عباس: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون، ثم أسلم عمر فصاروا أربعين فنزلت الآية.
ومنها: "قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله". قال الكلبي نزلت في عمر حين شتمه رجل من المشركين من بني غفار فهم أن يبطش به، وقيل غير ذلك. ذكر جميع ذلك الواحدي وأبو الفرج وصاحب الفضائل.

الفصل السابع
في أفضليته بعد أبي بكر
تقدمت أحاديث هذا الفصل جميعها في باب أبي بكر، وفي باب الثلاثة والأربعة، وحديث يختص به تقدم في الخصائص.
الفصل الثامن
في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
تقدم أكثر أحاديث هذا الفصل في باب الشيخين، وباب الثلاثة والأربعة والعشرة وما بينهن.
ذكر شهادته صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمر ابن الخطاب من أهل الجنة". خرجه أبو حاتم وعن علي مثله، خرجه ابن السمان.
ذكر كونه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
عن زيد بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: "أنت معي في الجنة ثالث ثلاثة" خرجه المخلص، وخرجه البغوي في الفضائل وزاد من هذه الأمة.
ذكر أنه سراج أهل الجنة
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة". خرجه في الصفوة، والملاء في سيرته.
وعن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة" فبلغ ذلك عمر فقام في جماعة من الصحابة حتى أتى علياً فقال: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة? قال نعم. قال: اكتب لي خطك، فكتب له: "بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ضمن علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله تعالى أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة" فأخذها وأعطاها أحد أولاده وقال: إذا أنا مت وغسلتموني وكفنتموني فأدرجوا هذه معي في كفني حتى ألقى بها ربي، فلما أصيب غسل وكفن وأدرجت معه في كفنه ودفن، خرجه ابن السمان في الموافقة.
ومعنى ذلك والله أعلم أن أهل الجنة هم المؤمنون، وكانوا قبل إسلام عمر في ظلمة، ظلم الكفار من قريش، فلما اسلم عمر أنقذهم من ظلمهم وأظهر شعار الإسلام، فإن فائدة السراج ضوؤه في الظلمة، والجنة لا ظلمة فيها، فكان معناه ما ذكرناه.

ذكر قصره في الجنة
عن جابر عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدخلت الجنة فرأيت قصراً من ذهب ولؤلؤ فقلت: لمنم هذا القصر? فقالوا لعمر بن الخطاب، فما منعني أن أدخله إلا علمي بغيرتك". قال أعليك أغار بأبي أنت وأمي عليك أغار. خرجه أبو حاتم، وخرجه مسلم ولم يقل من ذهب ولؤلؤ.
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدخلت الجنة فإذا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا القصر? قالوا لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو، فقلت ومن هو قالوا: عمر بن الخطاب". خرجه أحمد وأبو حاتم.
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا بامرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا? فقالت: لعمر بن الخطاب، فتذكرت غيرة عمر، فوليت مدبراً". قال أبو هريرة: فبكى عمر ونحن جميع في ذلك المجلس ثم قال: بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار?. خرجه مسلم والترمذي وأبو حاتم. قال أبو حاتم: أدخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ليلة أسري به فرأى قصر عمر ابن الخطاب فسأل عن القصر فأخبروه أنه لعمر، وذلك فيما رواه أنس وجابر ثم رأى في منامه مرة أخرى كأنه أدخل الجنة فإذا امرأة إلى جنب قصر تتوضأ فسأل عن القصر فقلت لعمر بن الخطاب، وذلك فيما رواه أبو هريرة يدل على ذلك اختلاف لفظ الخبرين.

وعن بريدة قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال: "يا بلال بم سبقتني إلى الجنة? ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي، فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر? فقالوا: لرجل من العرب، قلت: أنا عربي، لمن هذا القصر? فقالوا لرجل من قريش، فقلت أنا قرشي، لمن هذا القصر? فقالوا لرجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قلت: أنا محمد، لمن هذا القصر? قالوا: لعمر بن الخطاب". فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط لا صليت ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت ورأيت أن لله علي ركعتين، قال صلى الله عليه وسلم بهما.
الفصل التاسع
في ذكر نبذة من فضائله رضي الله تعالى عنه
قال أهل العلم بالسير: كان عمر بن الخطاب من المهاجرين الأولين ممن صلى إلى القبلتين وشهد بدراً والحديبية وبيعة الرضوان وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أسلم أعز الله به الإسلام وهاجر علانية كما تقدم، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض وبشره بالجنة، وأخبره أن الله جعل الحق على لسانه وقلبه، وأن رضاه وغضبه عدل، وأن الشيطان يفر منه، وأن الله عز وجل أعز به الدين واستبشر أهل السماء بإسلامه وسماه عبقرياً ومحدثاً وسراج أهل الجنة، ودعاه صاحب رحا دارة العرب يعيش حميداً، ويموت شهيداً، وأنه رجل لا يحب الباطل ولو كان بعده نبي لكان عمر، وهو أو من كتب التاريخ للمسلمين من الهجرة، وأول من حض على جمع القرآن، وأول من جمع الناس على قيام رمضان، وأول من عس في عمله، وحمل الدرة ودب بها، ووضع الخراج ومصر الأمصار واستقضى القضاة، ودون الدواوين وفرض الأعطية، وحج بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، وأول من سمي بأمير المؤمنين للسبب المتقدم في الخصائص، وفتح الله على يديه في سني خلافته دمشق ثم الروم ثم القادسية حتى انتهى الفتح إلى حمص وجلولاء والرقة والرها وحران ورأس العين والخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس وما يليها من الساحل وبيت المقدس وبيسان واليرموك والجابية والأهواز وقيسارية ومصر وتستر ونهاوند والري وما يليها، وأصفهان وبلد فارس واصطخر وهمدان والنوبة والبربر والبرلس، وحج بالناس عشر حجج متوالية، ثم صدر إلى المدينة فقتله أبو لؤلؤة فيروى على ما سيأتي في فصل مقتله.
ذكر جميع ذلك ابن قتيبة وأبو عمر وصاحب الصفوة، كل خرج طائفة. قال بعضهم: كانت درة عمر أهيب من سيف الحجاج، وكان يخافه ملوك فارس والروم وغيرهم، ولما ولي بقي على حاله قبل الولاية في لباسه وزيه، وأفعاله وتواضعه، يسير مفرداً في حضره وسفره من غير حرس ولا حجاب لم يغيره الأمر ولم تبطره النعمة ولا استطال على مؤمن بلسانه، ولا حابي أحداً في الحق لمنزلته، لا يطمع الشريف في حيفه ولا ييأس الضعيف من عدله، ولا يخاف في الله لومة لائم، ونزل نفسه من مال الله منزلة رجل من المسلمين وجعل فرضه كفرض رجل من المهاجرين. خرجه القلعي.

وكان يقول: إنما أنا ومالكم كوالي مال اليتيم، إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف؛ فقيل له: ما ذلك المعروف يا أمير المؤمنين فقال: لا تقوم البهيمة الأعرابية إلا بالقضم لا الخصم، والقضم الأكل بأطراف الأسنان، تقول قضمت الدابة شعيرها بالكسر تقضمه قضماً، والخصم الأكل بجميع الفم كأنه أشار إلى الاكتفاء بالقليل الذي لا بد للحيوان منه ولا يتعداه، قال ابن شهاب وغيره من أهل العلم: أول ما ابتدأ به عمر من أمره حين جلس على المنبر أنه جلس حيث كان أبو بكر يضع قدميه وهو أول درجة ووضع قدميه على الأرض، فقالوا: لو جلست حيث كان أبو بكر يجلس، قال حسبي أن يكون مجلسي حيث كانت تكون قدما أبي بكر، قالوا: وهاب الناس عمر هيبة عظيمة حتى ترك الناس المجالس بالأفنية قالوا ننتظر ما رأى عمر، وقالوا: بلغ من أبي بكر أن الصبيان كانوا إذا رأوه يسعون إليه ويقولون: يا أبت فيمسح رءوسهم، وبلغ من هيبة عمر أن الرجال تفرقوا من المجالس هيبة حتى ينتظروا ما يكون من أمره، قالوا: فلما بلغ عمر أن الناس أهابوه فصيح في الناس "الصلاة جامعة" فحضروا ثم جلس من المنبر حيث كان أبو بكر يضع قدميه، فلما اجتمعوا قام قائماً فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: بلغني أن الناس قد هابوا شدتي وخافوا غلظتي وقالوا قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه فكيف إذا صارت الأمور غليه? ومن قال ذلك فقد صدق، قد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه، وكن ممن لا يبلغ أحد صفته من اللين والرحمة وقد سماه الله بذلك ووهب له اسمين من أسمائه: "رءوف رحيم". فكنت سيفاً مسلولاً حتى يغمدني أو يدعني فأمضي، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عني راضي والحمد لله وأنا أسعد بذلك، ثم ولي أمر المسلمين أبو بكر فكان ممن لا ينكرون دعته وكرمه ولينه، فكنت خادمه وعونه، أخلط شدتي بلينه فأكون سيفاً مسلولاً حتى يغمدني أو يدعني فأمضي، فلم أزل معه كذلك حتى قبض وهو عني راض والحمد لله وأنا أسعد بذلك، ثم إني قد وليت أموركم أيها الناس واعلموا ن هذه الشدة قد أضعفت ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، فأما أهل السلامة والدين والفضل فنا ألين لهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحداً يظلم أحداً ويتعدى عليه، حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن بالحق، ولكم علي أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم علي أن لا أخبأ شيئاً من خراجكم مما أفاء الله عليكم غلا من وجهه ولكم علي إذا وقع عندي أن لا يخرج إلا بحقه، ولكم علي أن أرد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى، ولكم علي أن لا ألقيكم في المهالك، وإذا رغبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
قال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: فوفى والله عمر وزاد في الشدة في مواضعها واللين في مواضعه، وكان أبا العيال حتى إن كان ليمشي إلى المغيبات فيسلم على أبوابهن ثم يقول: أليكن آذاكن أحد? أتردن أشتري لكن شيئاً من السوق، فإني أكره أن تخدعن في البيع والشراء، فيرسلن معه بجواريهن، فيدخل السوق وإن وراءه من جواري الناس وغلمانهم ما لا يحصى فيشتري لهم حوائجهم، ومن كان ليس عندها منهن شيئاً اشترى لها من عنده، وإذا قدم الرسول من بعض البعوث يتبعهن هو بنفسه بكتب أزواجهن ويقول لهن: إن أزواجكن في سبيل الله وأنتم في بلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كان عندكن من يقرأ وإلا فأدنين من الباب حتى أقرأ لكن، ثم يقول: رسولنا يخرج يوم كذا وكذا فاكتبن حتى نبعث بكتبكن ثم يدور عليهم بالقراطيس والدوي فمن كتب منهن أخذ كتابها، ومن لم تكتب قال هذا قرطاس ودواة، ادني من الباب فأملي علي فيمر على كذا وكذا باباً فيكتب لأهله ثم يبعث بكتبهن، وإذا كان في سفر نادى الناس في المنزل عند الرحيل ارحلوا أيها الناس، فيقول القائل أيها الناس: هذا أمير المؤمنين قد ناداكم فقوموا فاسقوا وارحلوا ثم ينادي الثانية الرحيل، فيقول الناس اركبوا فقد نادى أمير المؤمنين الثانية، فإذا استقلوا، قاموا فرحل بعيره وعليه غرارتان إحداهما فيها سويق والأخرى فيها تمر، وبين يديه قربة فيها ماء وخلفه جفنة كلما نزل جعل في الجفنة من السويق وصب عليه من الماء وبسط شناره، قال: والشنار مثل النطع الصغير، من جاء يخاصم أو يستقي أو يطلب حاجة قال له كل من هذا السويق والتمر، ثم يرحل فيأتي المكان الذي رحل الناس منه فإن وجد متاعاً ساقطاً أخذه وإن وجد أحداً به عرجة أو عرض لدابته أو بعيره تكارى له وساق به، فيتبع آثار الناس كذلك، فمن سقط من متاع أخذه ومن أصابته عرجة تخلف عليه. فإذا أصبح الناس في المساء من الغد لم يفقد أحد متاعاً له سقط منه إلا قال: حتى يأتي أمير المؤمنين، فيطلع عمر وإن جمله مثل المشجب مما عليه من المتاع، فيأتي هذا فيقول يا أمير المؤمنين أدواتي، فيقول: وهل يغفل الرجل الحليم عن أدواته التي يشرب فيها ويتوضأ للصلاة منها? أو كل ساعة أبصر ما يسقط. أو كل ليلة أكلأ عيني من النوم، ثم يرفع إليه أدواته ويقول: قوسي، وهذا رشاي، أو ما وقع منهم فيعنفهم، ثم يدفع ذلك إليهم.
ولما بلغ الشام تلقوه ببرذون وثياب بيض، فكلموه أن يركب البرذون ليراه العدو ليكون ذلك أهيب له عندهم، ويلبس البياض ويطرح الفرو الذي عليه فأبي، ثم ألحوا عليه فركب البرذون بفروه وثيابه، فهملج به البرذون وخطا له ناقته بعد في يده، فنزل وركب راحلته وقال: لقد غير بي هذا حتى خفت أن أنكر نفسي، ذكر ذلك كله أبو حذيفة إسحاق بن بشر في فتوح الشام، وخرج ابن بشران خطبته إلى آخرها وجلوسه على المنبر فقط.

ذكر كثرة لفضائله وماله عند الله تعالى وبكاء الإسلام على موته
عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جاءني جبريل فقلت له أخبرني عن فضائل عمر وماذا له عند الله تعالى، قال لي: لو جلست معك قدر ما لبث نوح في قومه لم أستطع أن أخبرك بفضائل عمر وما له عند الله عز وجل، ثم قال: يا محمد ليبكين الإسلام من بعد موتك على موت عمر بن الخطاب. خرجه أبو سعد في شرف النبوة وتمامه في فوائده.
وقد تقدم في باب الشيخين من حديث الحسن بن عرفة العبدي، ولم يذكر بكاء الإسلام على موته، ثم قال: وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر.

ذكر وصف جبريل إياه بأخوة النبي صلى الله عليه وسلم
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أنا جالس في مسجدي أتحدث مع جبريل إذ دخل عمر بن الخطاب فقال جبريل أليس هذا أخوك عمر بن الخطاب? فقلت بلى يا أخي". أخرجه في الفضائل، وقد تقدم مستوفياً في فصل اسمه، وسيأتي وصفه بذلك من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بيا أخي.
ذكر ما أعد الله له من الكرامة بسبب عز الإسلام به
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينادي منادي يوم القيامة أين الفاروق فيؤتى به فيقول الله مرحباً بك يا أبا حفص، هذا كتابك إن شئت فاقرأه وإن شئت فلا، فقد غفرت لك، ويقول الإسلام يا رب هذا عمر أعزني في دار الدنيا فأعزه في عرصات القيامة، فعند ذلك يحمل على ناقة من نور ثم يكسى حلتين لو نشرت إحداهما لغطت الخلائق، ثم يسير في يديه سبعون ألف لواء، ثم ينادي مناد يا أهل الموقف هذا عمر فاعرفوه". خرجه في الفضائل.
ذكر نعته في كتب أهل الكتاب
عن كعب الأحبار أنه لقي عمر بالشام فقال له: إنه مكتوب في هذه الكتب أن هذه البلاد التي كانت بنو إسرائيل أهلها مفتوحة على يد رجل من الصالحين، رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين سره مثل علانيته، قوله لا يخالف فعله، القريب والبعيد سواء عنده في الحكم، أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار متراحمون متواصلون.
قال عمر: أحق ما تقول? فقلت إي والذي يسمع ما أقول، فقال: الحمد لله الذي أعزنا وكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد ورحمته التي وسعت كل شيء.

ذكر إثبات فضيلته بالمصاهرة
تقدم في باب ما دون العشرة أن مصاهرته صلى الله عليه وسلم موجبة لدخول الجنة مانعة من دخول النار، وعن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل نسب وصهر منقطع إلا نسبي وصهري". خرجه تمام.
وقد تقدم في فضائل أبي بكر، وسيأتي كيفية تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته في باب مناقبها من كتاب مناقب أمهات المؤمنين.

ذكر الحث على محبته
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب عمر، عمر قلبه بالإيمان". خرجه في فضائله.
ذكر سؤال النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء منه
عن عمر أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له وقال أخي: "لا تنسنا من دعائك". وفي لفظ "يا أخي أشركنا في دعائك". قال ما حب أن يكون لي بها ما طلعت عليه الشمس لقوله يا أخي، خرجه أحمد والحافظ السلفي وصاحب الصفوة، وخرجه ابن حرب الطائي ولفظه، أشركنا في صالح دعائك ولا تنسنا.
ذكر إحالته صلى الله عليه وسلم من سأله
في منامه الدعاء عليه
عن أنس بن مالك قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، قال فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام. وقال: "أئت عمر فمره أن يستسقي للناس فإنهم سيسقون، وقل له عليك الكيس الكيس". فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى عمر وقال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه، خرجه البغوي في الفضائل وأبو عمر.
ذكر أن الله يغضب لغضبه
عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا غضب عمر فإن الله يغضب لغضبه". خرجه الملاء في سيرته وصاحب النزهة. وفي رواية لا تغضبوا عمر فإن الله يغضب إذا غضب، خرجهما أبو الحسين بن أحمد البناء الفقيه.
?ذكر أن غضبه عسر
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فقال أقرا عمر من ربه السلام وأعلمه أن رضاه حكم وغضبه عسر". خرجه الحافظ أبو سعيد النقاش والملاء وخرج المخلص معناه.
ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره له بالشهادة
ودعائه صلى الله عليه وسلم بها وتمني عمر ذلك لنفسه
تقدم في ذكر أحاديث أثبت حراً في باب ما دون العشرة وأثبت أحد وأسكن ثبير في باب الثلاثة وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب رحا دارة العرب يعيش حميداً ويموت شهيداً قالوا من هو? قال: عمر بن الخطاب. وتقدم أيضاً في باب الثلاثة من حديث الصوفي عن يحيى بن معين، وخرج منه أبو بكر بن الضحاك بن مخلد قصة عمر لا غير بلفظها، وحديث رخؤ ابن بردة خليفة مستخلف وشهيد مستشهد، تقدم في خصائصه.
وعن ابن عمر قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر ثوباً أبيض فقال: "أجديد قميصك أم غسيل?" فقال بل جديد. فقال صلى الله عليه وسلم: "البس جديداً وعش حميداً ومت شهيداً".
قال عبد الرزاق: وزاد فيه الثوري عن إسماعيل بن أبي مخلد "ويعطيك الله قرة العين في الدنيا والآخرة" خرجه أبو حاتم.
وعن كعب أنه قال لعمر: يا أمير المؤمنين إني أجدك في التوراة كذا وأجدك تقتل شهيداً، فقال: وأني لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب?

وعن عمر وقد قرأ يوماً على المنبر "جنات عدن يدخلونها". ثم قال: هل تدرون ما جنات عدن? قصر في الجنة له خمسة آلاف باب على كل باب عشرون ألفاً من الحور العين لا يدخله إلا نبي، وهنيئاً لصاحب القبر وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو صديق وأشار إلى أبي بكر أو شهيد وإني لعمر بالشهادة، ثم قال: إن الذي أخرجني من حنتمة بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل قادر أن يوقها.
قال ابن مسعود: فساقها الله على يدي شر خلقه، مجوسي عبد مملوك للمغيرة بن شعبة، هكذا قيد في هذا الحديث هشام بن المغيرة ثم أكد بأخت أبي جهل، وهو حجة لمن قال، إلا أن الصحيح في ذلك أنهها ابنة هشام بن المغيرة.
وقد تقدم ذكر ذلك في نسبه، ويكون أطلق عليها أخت أبي جهل لأنها في درجة الأخت، وإنما هي ابنة عمه.

ذكر علمه وفهمه
تقدم في خصائصه حديث إشارته على أبي بكر بجمع القرآن ما يدل على غزارة علمه وحسن نظره، وحديث ابن عمر في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم شرب اللبن وإعطاء فضله عمر وتأويل ذلك بالعلم، وحديث ابن مسعود لو وضع عمر في كفة وعلم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر، وكلاهما دليل على غزارة علم، وعنه أنه قال لزيد بن وهب: اقرأ بما أقرأكه عمر، إن عمر أعلمنا بكتاب الله وفقهنا في دين الله، خرجه علي بن حرب الطائي.
وعن خالد الأسدي قال صحبت عمر فما رأيت أحداً أفقه في دين الله ولا أعلم بكتاب الله ولا أحسن مدارسة منه، وعنه قال: غني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهبت يوم ذهب عمر.
وعنه قال: كان عمر أعلمنا بالله وأقرأنا لكتاب الله وأتقانا لله، والله إن أهل بيت من المسلمين لم يدخل عليهم حزن على عمر حين أصيب لأهل بيت سوء، خرجهن في فضائله.
وعن طارق بن شهاب قال قال يهودي لعمر بن الخطاب: إنكم لتقرءون آية في كتابكم لو علينا أنزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال وما هي? قال: "اليوم كملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً". قال عمر: فإني أعلم أي وقت نزلت وأي موضع نزلت، نزلت عشية عرفة ونحن وقوف بها يوم جمة، أخرجاه.
وعنه قال: جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية، فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها، فما المخزية? قال تنزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منم وتردون علينا ما أصبتم منا وتدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار وتتركون أقواماً يتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسوله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين أمراً يعذرونكم، فعرض أبو بكر ما قال على القوم، فقال عمر ابن الخطاب فقال: "قد رأيت رأياً وسنشير عليك، أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت أن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت تدون قتلانا، وتكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قتلت على أمر الله أجورها على الله ليس لها ديات، فتبايع القوم على ما قال عمر، خرجه الحميدي بهذا السياق عن البرقاني على شرط الصحيح وهو للبخاري مختصر.
وعن أبي العالية قال قال عمر: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن جبريل نزل به على محمد صلى الله عليه وسلم خمس آيات خمس آيات، خرجه المخلص الذهبي.
وعن عاصم بن عمر عن عمر أنه قال: لا يحرص على الإمارة أحد كل الحرص فيعدل فيها، خرجه أبو معاوية. وسئل محمد بن جرير الطبري فقيل له العباس بن عبد المطلب مع جلالته وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنزلته لم يدخله عمر مع الستة في الشورى، فقال إنه إنما جعلها في أهل السبق مع البدريين، والعباس لم يكن مهاجراً ولا سابقاً ولا بدرياً، وإن عمر لم يكن يفتات عليه في عمله.
وعن مجاهد سئل عمر عن رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها، فقال الذين يشتهون المعصية ولا يعلمون بها أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم خرجه ابن ناصر السلامي الحافظ.

ذكر تلطفه في استنباط الحكم
تقدم في هذا طرف في الموافقة الخامسة من الخصائص، وعن أبي قتادة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله كيف تصوم? قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى ذلك عمر بن الخطاب قال: رضينا بالله رباً، والإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، قال فجعل عمر يردد ذلك حتى سكن النبي صلى الله عليه وسلم من غضبه، ثم قال عمر يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله? قال: "لا صام ولا أفطر". أي لم يصم ولم يفطر. قال: يا رسول الله كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً? قال: "أويطيق ذلك أحد?" قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً قال: "ذلك صوم داود". قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين? قال: "وددت أني أطيق ذلك". ثم قال: "ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان هذا صيام الدهر كله، وصيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله، وصيام يوم عاشوراء أني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". خرجه مسلم والترمذي والنسائي.
ذكر فراسته
عن علي قال: كنا نقول إن ملكاً ينطق على لسان عمر. خرجه الملاء في سيرته.
وعن ابن عمر أنه كان إذا ذكر عمر قال لله تلاد عمر، لقل ما رأيته يحرك شفتيه بشيء قط إلا كان. خرجه الجوهري. وعنه قال: ما سمعت عمر يقول لشيء إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن، بينما عمر جالس إذا مر به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني، أو أن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، علي بالرجل فدعي له، فقال له عمر: لقد أخطأ ظني أو أنك على دينك في الجاهلية أو لقد كنت كاهنهم، فقال ما رأيت كاليوم يستقبل به رجل مسلم، فقال أعم عليك إلا ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك? قال: بينما أنا يوماً في ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 2:47 pm


ذكر كراماته ومكاشفاته
عن عمر بن الحرث قال: بينا عمر يخطب يوم الجمعة إذ ترك الخطبة ونادى يا سارية الجبل مرتين أو ثلاثاً، ثم أقبل على خطبته، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لمجنون، ترك خطبته ونادى يا سارية الجبل، فدخل لعيه عبد الرحمن بن عوف وكان يبسط عليه فقال يا أمير المؤمنين: تجعل للناس عليك مقالاً، بينما أنت في خطبتك إذ ناديت يا سارية الجبل أي شيء هذا? فقال: والله ما ملكت ذلك حين رأيت سارية وأصحابه يقاتلون عند جبل يؤتون منه ممن بين أيديهم ومن خلفهم فلم أملك أن قلت يا سارية الجبل ليلحقوا بالجبل، فلم تمض أيام حتى جاء رسول الله بكتابه إن القوم لقونا يوم الجمعة فقاتلناهم من حين صلينا الصبح إلى أن حضرت الجمعة، وذر حاجب الشمس فسمعنا صوت مناد ينادي الجبل مرتين فلحقنا بالجبل، فلم نزل قاهرين لعدونا حتى هزمهم الله تعالى.
ويروى أن مصر لما فتحت أتى أهلها عمرو بن العاص وقالوا له إن هذا النيل يحتاج في كل سنة إلى جارية بكر من أ؛سن الجواري فنلقيها فيه وإلا فلا يجري وتخرب البلاد وتقحط، فبعث عمرو إلى أمير المؤمنين عمر يخبره بالخبر فبعث إلى عمر: "الإسلام يجب ما قبله ثم بعث إليه بطاقة قال فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم، إلى نيل مصر منم عبد الله عمر بن الخطاب. أما بعد فإن كنت تجري بنفسك فلا حاجة بنا إليك، وإن كنت تجري بالله فاجر على اسم الله". وأمره أن يلقيها في النيل فجرى في تلك الليلة ستة عشر ذراعاً، وزاد على كل سنة ستة أذرع.
وفي رواية فلما ألقي كتابه في النيل جرى ولم يعد يقف، خرجهما الملاء في سيرته.
وعن خوات بن جبير قال: أصاب الناس قحط شديد على عهد عمر فأمرهم بالخروج إلى الاستسقاء فصلى بهم ركعتين وخالف بين طرف ردائه، فجعل اليمين على اليسار واليسار على اليمين ثم بسط يديه وقال: اللهم إنا نستغفرك ونستقبلك، فما برح حتى مطروا، فبينما هم كذلك إذ قدم الأعراب فأتوا عمر فقالوا يا أمير المؤمنين: بينا نحن في بوادينا في يوم كذا في ساعة كذا إذ أظلتنا غمامة فسمعنا فيها صوتاً وهو يقول: أتاك الغوث أبا حفص أتاك الغوث أبا حفص.
وروي أنه عسى ليلة من الليالي فأتى على امرأة وهي تقول لابنتها قومي اللبن، فقالت لا تفعلي، فإن أمير المؤمنين نهى عن ذلك، قالت: ومن أين يدري هو? فقالت: فإن لم يعلم هو فإن رب أمير المؤمنين يرى ذلك، فلما أصبح عمر قال لابنه عاصم: اذهب إلى مكان كذا وكذا فإن هناك صبية فإن لم تكن مشغولة فتزوج بها لعل الله أن يرزقك منها نسمة مباركة، فتزوج عاصم بتلك البنية فولدت له أم عاصم بنت عمر، فتزوجها عبد العزيز بن مروان فولدت له عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.
ولما دخل أبو مسلم الخولاني المدينة من اليمن وكان الأسود بن قيس الذي ادعى النبوة باليمن عرض عليه أن يشهد أنه رسول الله فأبى، فقال: أتشهد أن محمداً رسول الله? قال نعم! قال. فمر بتأجيج نار عظيمة وألقي فيها أبو مسلم فلم تضره، فأمر بنفيه من بلاده فقدم المدينة، فلما دخل من باب المسجد قال عمر: هذا صاحبكم الذي زعم الأسود الكذاب أنه يحرقه فنجاه الله منها، ولم يكن القوم ولا عمر سمعوا قضيته ولا رأوه، ثم قام إليه واعتنقه وقال: ألست عبد الله بن ثوب? قال بلى! فبكى عمر ثم قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم شبهاً بإبراهيم الخليل عليه السلام، خرجهن في فضائله، وخرج معنى الأخير بلفظ أوعب من هذا أبو حاتم. وروي عن عمر أنه أبصر أعرابياً نازلاً من جبل فقال: هذا رجل مصاب بولده قد نظم فيه شعراً لو شاء لأسمعكم، ثم قال يا أعرابي من أين أقبلت? فقال: من على هذا الجبل، وما صنعت فيه? قال: أودعته وديعة لي، قال وما وديعتك? قال بني لي هلك قذفته فيه، قال: فأسمعنا مرثيتك فيه. فقال وما يدريك يا أمير المؤمنين? والله ما تفوهت بذلك، وإنما حدثت به نفسي، ثم أنشد:



يا غائباً ما يئوب منه سـفـره


عاجله موته علـى صـغـره

يا قرة العين كنت لـي أنـسـاً


في طول ليلي نعم وفي قصره

ما تقع العين حين ما وقـعـت


في الحي مني إلا على أثـره

شربت كأساً أبـوك شـاربـه


لا بد منه له عـلـى كـبـره

يشربها والأنام كلهم مـن كـا


ن في بدوه وفـي حـضـره

فالحمد لـلـه لا شـريك لـه


في حكمه كان ذا وفي قـدره

قدر موتاً على العبـاد فـمـا


يقدر خلق يزيد في عـمـره
قال فبكى عمر حتى بل لحيته ثم قال: صدقت يا أعرابي.
وعن ابن عباس قال: تنفس عمر ذات يوم تنفساً ظننت أن نفسه خرجت فقلت: والله ما أخرج هذا منك إلا هم، قال: هم! والله هم شديد، إن هذا الأمر لم أجد له موضعاً - يعني الخلافة - فذكرت له علياً وطلحة والزبير وعثمان وسعداً وعبد الرحمن بن عوف، فذكر في كل واحد منهم معارضاً، وكان مما ذكر في عثمان أنه كلف بأقاربه، قال. لو استعملته استعمل بني أمية أجمعين، وحمل بني أبي معيط على رقاب الناس، والله لو فعلت لفعل، والله لو فعل ذلك لسارت إليه العرب حتى تقتله، والله لو فعلت لفعل، والله لو فعل لفعلوا، خرجه في فضائله.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية يقول له: وجه نضلة بن معاوية الأنصاري إلى حلوان العراق ليغزو على ضواحيها فبعث سعد نضلة في ثلثمائة فارس فخرجوا حتى أتوا حلوان العراق فأغار على ضواحيها وأصابوا غنماً وسبياً، فاقبلوا يسوقونها حتى أرهقهم العصر وكادت الشمس تغرب فألجأ نضلة السبي والغنيمة إلى سفح الجبل، ثم قام فأذن فقال: الله أكبر الله أكبر، فإذا مجيب من الجبل يجيبه كبرت كبيراً يا نضلة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال كلمة الإخلاص يا نضلة، ثم قال أشهد أن محمداً رسول الله، قال هو الذي بشرنا به عيسى بن مريم وعلى رأس أمته تقوم الساعة، فقال: حي على الصلاة، فقال طوبى لمن مشى إليها وواظب عليها، قال حي على الفلاح، قال أفلح من أجاب قال الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، قال أخلصت الإخلاص كله يا نضلة حرام الله بها جسدك على النار.
فلما فرغ من أذانه قاموا فقالوا: من أنت يرحمك الله? ملك أنت أم من الجن أو طائف من عباد الله قد أسمعتنا صوتك فأرنا صورتك، فإن الوفد وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فانفلق الجبل عن هامة كالرحا، أبيض الرأس واللحية، عليه طمران من صوف، قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، من أنت يرحمك الله? قال: زريت ابن برثملا، وصى العبد الصالح عيسى بن مريم، أسكنني هذا الجبل ودعا لي بطول البقاء إلى حين نزوله من السماء، فأقرئوا عمر مني السلام وقولوا يا عمر سدد وقارب فقد دنا الأمر، وأخبروه بهذا الخصال التي أخبركم بها:

يا عمر: إذا ظهرت هذه الخصال في أمة محمد فالهرب الهرب: إذا استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وانتسبوا إلى غير مناسبهم وانتموا إلى غير مواليهم ولم يرحم صغيرهم كبيرهم وترك المعروف ولم يؤمر به وترك المنكر فلم ينه عنه، ويتعلم عالمهم العلم ليجلب به الدنانير والدرهم، وكان المطر فيضاً والولد غيضاً، وطولوا المنارات، وفضضوا المصاحف، وزخرفوا المساجد، وأظهروا الرشا، وشيدوا البناء واتبعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، وقطعت الأرحام، وبيع الحكم، وأكل الربا، وصار الغنى عزاً، وخرج الرجل من بيته فقام إليه من هو خير منه فسلموا عليه، وركب النساء السروج. ثم غاب عنهم فلم يروه، فكتب نضلة بذلك إلى سعد وكتب سعد بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر سر أنت ومن معك من المهاجرين والأنصار حتى تنزلوا بهذا الجبل، فإن لقيته فأقرئه مني السلام، فخرج سعد في أربعة آلاف من المهاجرين والأنصار حتى نزلوا ذلك الجبل، ومكث أربعين يوماً ينادي بالصلاة فلا يجدون جواباً ولا يسمعون خطاباً، خرجه في فضائله.
وروي أن عمر بعث جنداً إلى مدائن كسرى وأمر عليهم سعد بن أبي وقاص وجعل قائد الجيش خالد بن الوليد، فلما بلغوا شط الدجلة ولم يجدوا سفينة تقدم سعد وخالد فقالا: يا بحر إنك تجري بأمر الله فبحرمة محمد صلى الله عليه وسلم وبعدل عمر خليفة رسول الله إلا خليتنا والعبور، فعبر الجيش بخيله وجماله إلى المدائن ولم تبتل حوافرها، وروي أنه قال يوماً وقد انتبه من نومه وهو يمسح عينيه: من ترى الذي يكون من ولد عمر يسير بسيرة عمر يرددها مراراً وأشار بذلك إلى عمر بن عبد العزيز وهو ابن بنت ابنه عاصم.
وروي أنه قال لرجل من العرب ما اسمك? قال جمرة، قال ابن من? قال ابن شهاب، قال ممن? قال من الحرقة، قال أين مسكنك، قال الحرة، قال فبأيها? قال اللظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، فسارع الرجل فوجدهم كما قال عمر.
وعن علي رضي الله عنه أنه رأى في منامه كأنه صلى الصبح خلف النبي صلى الله عليه وسلم، واستند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى المحراب، فجاءت جارية بطبق رطب فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منها رطبة وقال يا علي تأخذ هذه الرطبة? فقلت نعم يا رسول الله، فمد يده وجعله كذا في فمي، ثم أخذ أخرى وقال لي مثل ذلك فقلت نعم فجعلها في فمي، فانتبهت وفي قلبي شوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلاوة الرطب في فمي، فتوضأت وذهبت إلى المسجد فصليت خلف عمر واستند إلى المحراب، فأردت أن أتكلم بالرؤيا فمن قبل أن أتكلم جاءت امرأة ووقفت على باب المسجد ومعها طبق رطب فوضع بين يدي عمر فأخذ رطبة وقال: تأكل من هذا يا علي? قلت نعم، فجعلها في فمي ثم أخذ أخرى وقال لي مثل ذلك فقلت نعم، ثم أخذ أخرى كذلك ثم فرق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنة ويسرة وكنت أشتهي منه، فقال يا أخي لو زادك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتك لزدناك، فعجبت وقلت: قد أطلعه الله على ما رأيت البارحة، فنظر وقال يا علي المؤمن ينظر بنور الله، قلت صدقت يا أمير المؤمنين، هكذا رأيته، وكذا رأيت طعمة ولذته من يدك كما وجدت طعمه ولذته من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر رؤياه في الأذان
عن عبد الله بن زيد قال: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو كاره موافقة النصارى طاف بي من الليل وأنا نائم رجل وعليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله، قال فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس? قال وما تصنع به? قال قلت: أدعو به إلى الصلاة، قال أولا أدلك على خير من ذلك? فقلت بلى؛ قال: تقول الله أكبر الله أكبر وسرد الأذان إلى آخره، ولم يرجع التشهد فيه، قال ثم تقول: إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر وسرد الإقامة إلى آخرها، قال: فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بما رأيت فقال صلى الله عليه وسلم " إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله تعالى، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك". فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فسمع ذلك عمر وهو في بيته، فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأيت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد". خرجه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح، وخرجه ابن إسحاق.?
ذكر حسن نظره وإصابة رأيه
تقدم في أحاديث الموافقات في خصائصه أعظم دليل على ذلك، وتقدم في ذكر علمه أحاديث ممزوجة بعلم ورأي استند إليه، فلذلك ضمناه إياها.
وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال حدثني أبي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها فأصاب الناس مخمصة فاستأذن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر بعض ظهورهم، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم فقال عمر بن الخطاب: أرأيت يا رسول الله إذا نحرنا ظهرنا ثم لقينا عدونا غداً ونحن جياع رجال? قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فما ترى يا عمر". قال أرى أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم ثم تدعو فيها بالبركة، فإن الله عز وجل سيطعمنا بدعوتك إن شاء الله تعالى. قال: فكأنما كان على رسول الله غطاء فكشف، قال فدعا بثوب ثم أمر به فبسط، ثم دعا بالناس ببقايا زادهم قال فجاءوا بما كان عندهم قال: من الناس من جاء بالحفنة من الطعام أو الحثية، ومنهم من جاء بمثل البيضة قال فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع على ذلك الثوب، ثم دعا فيه بالبركة ثم تكلم بما شاء الله عز وجل، ثم نادى في الجيش ثم أمرهم فأكلوا وأطعموا وملئوا بنيتهم ومزاودهم ثم دعا بركوة فوضعت بين يديه ثم دعا بشيء من ماء فصب فيه ثم مج فيها وتكلم بما شاء الله أن يتكلم به وأدخل كفيه فيها، فأقسم بالله لقد رأيت أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفجر بينابيع الماء ثم أمر الناس فشربوا وملئوا قربهم وأدواتهم قال ثم ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، لا يلقى الله بها أحد إلا دخل الجنة". متفق على صحته، وهذا السياق لتمام في فؤائده.
وعن ابن عباس أن عمر خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، قال ابن عباس فقال لي عمر: ادع لي المهاجرين الأولين فدعوتهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا، فقال بعضهم خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال ارتفعوا عني، ثم قال ادع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال ارتفعوا عني ثم قال: ادع لي من كان ههنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه فقال أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله تعالى? فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة - وكان عمر يكره خلافه - نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل فتهبطت وادياً له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله، قال فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في بعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علماً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه". قال: فحمد الله عمر وانصرف، وفي رواية فسار حتى أتى المدينة فقال: هذا المحل وهذا المنزل إن شاء الله تعالى، أخرجاه.
شرح - سرغ - بسكون الراء وفتحها قرية بوادي تبوك من طريق الشام، وقيل على ثلاثة عشرة مرحلة من المدينة.
وعن أبي موسى قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي فقال: "أبشروا وبشروا من ورائكم أنه من شهد أن لا غله إلا الله صادقاً بها دخل الجنة". فخرجنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم نبشر الناس فاستقبلنا عمر بن الخطاب فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله إذاً يتكل الناس، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجه أحمد.

وعن أبي هريرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني نعليه وقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيته من وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة". فكان أول من لقيت عمر فقال ما هاتان النعلان يا أبا هريرة? فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بها من لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة، فضرب بيده بين ثديي فخررت لاستي. فقال ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بالبكاء وركبني عمر فإذا هو على أثري فقلت لقيت عمر وأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين صدري ضربة خررت لاستي وقال ارجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عمر ما حملك على ما صنعت?" فقال يا رسول الله أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة? قال: نعم قال فلا تفعل فإني أخاف أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فخلهم". خرجه أحمد ومسلم. وإقراره صلى الله عليه وسلم دليل على تصويب رأيه واجتهاده.
وعن أبي رمثة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان معه رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلم فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى يشفع، فوثب عمر إليه فأخذ بمنكبه فهزه ثم قال اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلاتهم فصل، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره وقال: "أصاب الله بك يا بن الخطاب. أخرجه أبو داود في باب الرجل يتطوع في مكانه الذي صل فيه المكتوبة.

ذكر قضائه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ابن عمر قال عثمان ما يمنعك من القضاء وقد كان أبوك يقضي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لست أنا كأبي ولست أنت كرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبي إذا أشكل القضاء سأل النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أشكل على النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل. ما أرجو بالقضاء وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قضى بجهالة أو تكلف لقي الله كافراً، ومن قضى فخاف متعمداً لقي الله كافراً، ومن قضى بنية وفقه واجتهاد فذلك لا له ولا عليه". قال عثمان ما أحب أن تتحدث قضاتنا فتفسدهم علينا. خرجه أبو بكر الهاشمي.
ذكر وقوفه عن كتاب الله اقتفائه آثار النبوة وإيثاره لها
وكثرة ابتاعه للسنة
عن ابن عباس قال: استأذن الحر بن قيس بن حصن لعمه عيينة بن حصن على عمر فأذن له، فلما دخل قال يا بن الخطاب والله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين". وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حتى قرأها عليه وكان وقافاً عند كتاب الله. خرجه البخاري. وأبو عن عمر قال سمعني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول وأبي قال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر فأحلف بها ذاكراً ولا آثراً. أخرجاه.
وعن ابن عمر أنه قيل لعمر وقد أصيب ألا تستخلف، فقال إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - فعرفت حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غير مستخلف، أخرجاه، وخرجه أبو معاوية. وعنه قال قبل عمر الحجر ثم قال: أما والله قد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، أخرجاه، وقال النسائي قبله ثلاثاً وقال البخاري حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك، فاستلمه ثم قال ما لنا وللرمل إنما كنا رأينا به المشركين وقد أهلكهم الله، ثم قال. شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه.
وفي رواية ابن غفلة أن عمر قبل الحجر وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفياً أي معتنياً، وجمعه أحفياء.
وعن يعلى بن أمية أنه طاف مع عمر فاستلم الأركان كلها فقال عمر: أما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد طاف بالبيت? قال بلى! قال: رأيته يستلم الحجر الأسود قال لا! قال: فما لك به أسوة? قال بلى. أخرجه الحسين القطان.

وعن ابن عمر قال كان عمر يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك وسعديك والخير في يديك والرغبى إليك والعمل. خرجه النسائي.
وعن شرحبيل بن السمط قال: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين فقلت له فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. خرجه مسلم.
وعن مصعب بن سعيد قال قالت حفصة لعمر: يا أمير المؤمنين لو لبست ثوباً هو ألين من ثوبك وأكلت طعاماً أطيب من طعامك فقد وسع الله من الرزق وأكثر من الخبز، فقال: إني سأخاصمك إلى نفسك، أما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش? فما زال يذكرها حتى أبكاها، فقال أما والله لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرخي. خرجه في الصفوة.
وفي رواية أنه قال: يا بنية كيف رأيت عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم? قالت والله يقيم الشهر لا يوقد في بيته سراج ولا يغلي له قدر، ولقد كانت له عباءة يجعلها غطاء ووطاء، قال: فكيف كان عيش صاحبه? قالت مثل ذلك، قال: فما تقولين في ثلاثة أصحاب مضى اثنان على طريقة واحدة وخالفهما الثالث أفيلحق بهما? قالت لا، قال: فأنا ثالث ثلاثة ولا أزال على طريقتهما حتى ألحق بهما.
وعن عبد الله بن عباس قال: كان للعباس ميزاب على طريق عمر، فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان، فلما وافى الميزاب صب ماء بدم الفرخين فأصاب عمر فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس ثياباً غير ثيابه ثم جاء فصلى بالناس، فأتاه العباس وقال: والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر للعباس: وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل ذلك العباس، خرجه أحمد.
وعن مسلم قال قلت لعمر: إن في الظهر ناقة عمياء فقال عمر ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها، قلت إنها عمياء قال: يقطرونها بالإبل، قال: قلت كيف تأكل من الأرض? قال أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة? قال بل من نعم الجزية قال عمر: أردتم والله أكلها، فأمر عمر فأتى بها فنحرت، قال وكان عنده صحاف تسع، فلا تكون فاكهة وطرفة غلا جعل منها في تلك الصحاف، وبعث بها إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الذي يبعث به إلى حفصة من آخر ذلك، فإن كان فيه نقصان كان في حق حفصة، فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور وبعث به إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أمر بما بقي من اللحم فصنع فدعا عليه المهاجري والأنصار، فقال العباس: يا أمير المؤمنين لو صنعت لنا كل يوم مثل هذا لكان حسناً، رب طاوية كشحاً لا تحتفل بها أنت ولا صاحبك، ثم قال عمر: لا أعود لمثلها أبداً إنه مضى لي صاحبان عملا عملاً وسلكا طريقاً إني إن علمت بغير عملها سلك بي غير طريقهما. خرجه القلعي.
وعن ابن عمر قال: لبس عمر قميصاً جديداً ثم دعا بالشفرة ثم قال مد يا بني كم القميص والزق يدك بأطراف أصابعي ثم اقطع، قال فقطعت ما قال فصار كم القميص بعضه على بعض فقلت يا بت لو سويته بالمقص? فقال يا بني دعه فهكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل، قال فما زال عليه حتى تقطع، وربما كانت الخيوط تنشر على قدميه منه. خرجه الملاء في سيرته.
وعن أبي وائل شقيق ابن سلمة قال: جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر فقال: لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته، قلت: إن صاحبيك لم يفعلا، قال: هما المرءان اقتدي بهما، وفي لفظ هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته بين المسلمين فقلت: ما أنت بفاعل قال: لم? قلت: لم يفعله صاحباك قال هما المرءان يقتدى بهما. أخرجاه وأخرجه بان ماجه ولفظه قال عمر: لا أخرج حتى اقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين، قلت ما أنت بفاعل، قال لم? قلت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى مكانه وأبو بكر وهما أحوج إلى المال فلم يخرجاه، فقام هو فخرج.

وعن ابن عمر أن عمر بينما هو قائم يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأولين فنادى عمر أية ساعة هذه? فقال: إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت، فقال عمر: والوضوء أيضاً وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل. أخرجه البخاري.
وعن السائب بن زيد أن عمر بن الخطاب قال لابن السعدي ما مالك? قال فرسان وعبدان وبغلان أغزو بهن ومزرعة آكل منها، فأعطاه عمر ألف دينار فقال: خذ هذه فاستنفقها، فقال ابن السعدي: إنه لا حاجة لي إليها وستجد يا أمير المؤمنين من هو أحوج إليها مني، فقال عمر بلى فخذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني إلى مثل ما دعوتك إليه فقلت له مثل الذي قلت فقال يا عمر، ما جاءك الله به من رزق غير متشوفة إليه نفسك ولا سائلة فاقبله فاستنفقه فإن استغنيت عنه فتصدق به وما لم يأتك فدعه خرجه ابن السباق الحافظ السلفي، ومعناه في الصحيح، وعن أسلم أن عمر فضل أسامة بن زيد على ابنه عبد الله بن عمر فلم يزل الناس بعبد الله حتى كلم أباه في ذلك فقال تفضل علي من ليس أفضل مني وفرضت له في ألفين وفرضت لي في ألف وخمسمائة ولم يسبقني إلى شيء? فقال عمر: فعلت ذلك لأن زيداً كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر وكان أسامة أحب إلى رسول الله من عبد الله أخرجه القلعي.
وعن ابن عباس قال: لما فتح الله المدائن على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام عمر أمرهم بالأنطاع فبسطت في المسجد، وأمر بالأموال فأفرغت عليها، ثم اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأول من بدر إليه الحسن بن علي فقال: يا أمير المؤمنين أعطني حقي مما أفاء الله على المسلمين، فقال بالرحب والكرامة وأمر له بألف درهم ثم انصرف، فبدر إليه الحسين بن علي فقال يا أمير المؤمنين أعطني حقي مما أفاء الله على المسلمين فقال بالرحب والكرامة وأمر له بألف درهم، فبدر إليه ابنه عبد الله بن عمر فقال: يا أمير المؤمنين، أعطني حقي مما أفاء الله على المسلمين فقال له بالرحب والكرامة، وأمر له بخمسمائة درهم! فقال يا أمير المؤمنين أنا رجل مشتد أضرب بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين طفلان يدرجان في سكك المدينة، تعطيهم ألفاً وتعطيني خمسمائة? قال نعم! اذهب فأتين بأب كأبيهما وأم كأمهما وجد كجدهما وجدة كجدتهما وعم كعمهما وخال كخالهما فإنك لا تأتيني به، أما أبوهما فعلي المرتضى وأما أمهما ففاطمة الزهراء وجدهما محمد المصطفى وجدتهما خديجة الكبرى، وعمهما جعفر بن أبي طالب وخالهما إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالتاهما رقية وأم كلثوم ابنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجه ابن السمان في الموافقة ومما يلتحق به الذكر.

ذكر صلته أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته حقهم
عن الزهري قال:كان عمر إذا أتاه مال العراق أو خمس العراق، ولم يدع رجلاً من بين هاشم عزباً إلا زوجه، ولا رجلاً ليس له خادم إلا أخدمه. خرجه ابن البختري الرزاز.
وعن محمد بن علي قال: قدمت على عمر حلل من اليمن، فقسمها ما بين المهاجرين والأنصار ولم يكن فيها شيء يصلح على الحسن والحسين، فكتب إلى صاحب اليمن أن يعمل لهما على قدرهما ففعل وبعث بهما إلى عمر فلبساها، فقال عمر. لقد كنت أراها عليهم فما يهنيني حتى رأيت عليهما مثلها.
وعن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: أتيت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر فصعدت إليه فقلت له: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك، فقال عمر ليس لأبي منبر وأخذني فأجلسني معه، فجعلت أقلب حصاً بيدي، فلما نزل انطلق بي إلى منزله فقال لي من علمك? فقلت: والله ما علمني أحد، فقال يا بني لو جعلت تغشانا فأتيته يوماً وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر فرجعت معه، فلقيني بعد قال: لم أرك، فقلت يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية وابن عمر في الباب فرجع ابن عمر فرجعت معه، قال أنت أحق بالإذن من ابن عمر، إنما أنبت ما في رؤوسنا الله عز وجل ثم أنتم، خرجه ابن السمان والجوهري.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما دون عمر الدواوين قال بمن نبدأ? قلنا ابدأ بنفسك يا أمير المؤمنين، فبدأ ببني هاشم وفرض للحسن والحسين خمسمائة خمسمائة.
وفي رواية: قلنا ابدأ بنفسك فإنك الإمام، فقال: بل رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام فابدؤوا برهطه الأقرب فالأقرب. وفي رواية لما دون عمر الديون وكله لأبي زيد بن ثابت فقال له أبدا بمن يا أمير المؤمنين? فقال برهط النبي صلى الله عليه وسلم ثم بالأقرب فالقرب منهم.
وعن عبيد بن حنين قال: جاء الحسن والحسين يستأذنان على عمر وجاء عبد الله بن عمر فلم يؤذن لعبد الله فرجع، قال فقال الحسن أو الحسين: إذا لم يؤذن لعبد الله لا يؤذن لنا، فبلغ عمر فأرسل إليه فقال: يا ابن أخي ما أدراك? قال قلت: إذا لم يأذن لعبد الله بن عمر لم يؤذن لي، قال: يا ابن أخي فهل أنبت الشعر على الرأس غيركم، خرجهما ابن السمان في الموافقة.

ذكر محافظته على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
تقدم في الموافقات من خصائصه طرف من ذلك.
وعن ابن أبي نجيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الذي يحافظ على أزواجي بعدي فهو الصادق البار". فقال عمر: من يحج مع أمهات المؤمنين? فقال عبد الرحمن: أنا!! فكان يحج بهن وينزلهن الشعب الذي ليس فيه منفذ ويجعل على هوادجهن الطيالسة.
وعن أبي وائل أن رجلاً كتب إلى أم سلمة يخرج عليها في حق له فأمر عمر بن الخطاب فجلده ثلاثين جلدة، خرجه سفيان بن عيينة.
وعن المنذر بن سعد أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذن عمر في الحج فأبى أن يأذن لهن حتى أكثرن عليه فقال: سآذن لكن بعد العام وليس هذا من رأيي، فقالت زينب بنت جحش: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام حجة الوداع إنما هو هذه الحجة ثم الحصر، فخرجهن غيرها فأرسل معهن عثمان بن عفان وع الرحمن بن عوف وأمرهما ن يسير أحدهما بين أيديهن والآخر خلفهن ولا يسايرهن أحد، ثم أمرهما إذا طفن بالبيت لا يطوف معهن أحد إلا النساء، فلما هلك عمر غلبن من بعده، أخرجه سعيد في سننه.
وقد ورد أنه كان يحج بالناس كل عام فيحتمل أن يكون أمر عثمان وعبد الرحمن بتولي أمرهن لشغله هو بأمر العامة فخاف في التقصير في حقهن، ويدل هذا على ما رواه البخاري عن إبراهيم عن أبيه أن عمر أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها يعني في الحج وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف قال البرقاني: إبراهيم هذا هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
قال الحميدي: وفيه نظر، ولم يذكر ابن مسعود في الأطراف.

ذكر غضبه لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغمه لغمه على ابنساطه وتألمه لتألمه وبكائه لرقة حاله
تقدم في الخصائص في الموافقة الخامسة وغيرها طرف من ذلك عن عمر قال: كنا معِر قريش نغلب نساءنا فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت يوماً على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني. فقال: ما تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم حتى الليل، فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتهجره إحداكن اليوم حتى الليل? قالت نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا هي قد هلكت? لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئاً واسأليني ما بدا لك، ولا تغرنك جارتك إن كانت هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله - يريد عائشة - قال: ثم قيل طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقلت: قد خابت حفصة إذاً وخسرت، كنت أظنه يوشك أن يكون، فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم? قالت: لا أدري، هو هذا معتزل في المشربة، فأتيت غلاماً أسود فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج قال: قد ذكرتك، فقمت فانطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس فجلست قليلاً ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج فقال: قد ذكرتك، فصمت فوليت مدبراً فإذا الغلام يدعوني فقال: ادخل فقد أذن لك، فدخلت فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمال حصير قد أثر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك? فرفع رأسه إلي وقال: لا. فقلت: الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فعتبت على امرأتي يوماً فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك، وإن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم حتى الليل فقلت: قد خابت من فعلت ذلك منهن وخسرت، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله فدخلت على حفصة وقلت لها لا تغرنك جارتك إن كانت هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم أخرى، فقلت: استأنس برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم! فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر إلا أهباً ثلاثة، فقلت يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالساً وقال: أفي شاك أنت يا بن الخطاب? أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أخرجاه.
وفي روية أن عمر قال عند الاستئذان في إحدى المراتب يا رباح استأذن فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يظن أني جئت من أجل حفصة، والله إن أمرني أن أضرب عنقها لأضربن عنقها، قال: فرفعت صوتي وإنه أذن لي عند ذلك، وفيها أنه رأى الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يحدثه حتى انحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك، وكان من أحسن الناس ثغراً.
وعن أبي حميد الساعدي قال: استلف رسول الله صلى الله عليه وسلم تمراً لوناً من رجل فلما جاءه يتقاضاه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ليس عندنا اليوم وإن شئت أخرت عنا حتى يأتينا شيء فنقضيك، فقال الرجل: وا غدراه! فتذمر عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه يا عمر فإن لصاحب الحق مقالا". خرجه الطبراني. تذمر أي توعد. وتذامر القوم إذا حث بعضهم بعضاً على القتال.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 2:52 pm


ذكر أدبه مع النبي صلى الله عليه وسلم
تقدم في باب الشيخين طرف منه.
وعن ابن عمر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر على بكر صعب لعمر، وكان يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أبوه: يا عبد الله لا يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أحد. خرجه البخاري.

وعن أنس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبرز فلم يجد أحداً يتبعه، فهرع عمر فابتعه بمطهرة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم في شربة فتنحى عمر خلفه حتى رفع رأسه فقال: "أحسنت!! قد أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجداً فتنحيت عني، إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من صلى عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه بها عشراً ورفع له بها عشر درجات". خرجه الطبراني. الشربة بالتحريك حويض يتخذ حول النخلة لتروى منه. وخرجه الأنصاري أيضاً.
ذكر محبته للنبي صلى الله عليه وسلم
عن عبد الله بن هشام قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال له عمر، فإنه الآن، والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر" أخرجاه.
ذكر قوة إيمانه وثباته عليه حياً وميتاً
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتاني القبور فقال عمر: أترد إلينا عقولنا يا رسول الله? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم كهيئتكم اليوم" فقال عمر: بفيه الحجر. خرجه أحمد.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضع الرجل في قبره أتاه منكر ونكير، وهما ملكان فظان غليظان أسودان أزرقان ألوانهما كالليل الدامس أصواتهما كالرعد القاصف عيونهما كالشهب الثواقب أسنانهما كالرماح يسحبان بشعورهما على الأرض بيد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع الثقلان الجن والإنس لم يقدروا على حملها يسألان الرجل عن ربه وعن نبيه وعن دينه". فقال عمر ابن الخطاب: أيأتيانني وأنا ثابت كما أنا? قال نعم!! قال: فسأكفيكهما يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثني بالحق نبياً لقد أخبرني جبريل أنهما يأتيانك فتقول أنت: الله ربي فمن ربكما? ومحمد نبي فمن نبيكما? والإسلام ديني فما دينكما? فيقولان: وا عجباه!! ما ندري نحن أرسلنا إليك. أم أنت أرسلت إلينا?". خرجه عبد الواحد ابن محمد بن علي المقدسي في كتابه التبصير. وخرج الحافظ أبو عبد الله القاسم الثقفي عن جابر من أوله إلى ذكر السؤال وقال: فقال عمر: يا رسول الله أية حال أنا يومئذ? قال: "على حالك". قال: إذاً أكفيكهما، ولم يذكر ما بعده. وخرج سيعد بن منصور معناه، ولفظه: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أنا محمد بن علوان بن علقمة قال حدثني أصحابنا قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: "كيف بك إذا جاءك منكر ونكير يسألانك، صوتهما مثل الرعد القاصم وأبصارهما مثل البرق الخاطف يطآن في أشعارهما ويبحثان بأنيابهما?" فقال: يا رسول الله أنبعث على ما متنا عليه? قال: "نعم إن شاء الله تعالى". قال: إذاً أكفيكهما.

ذكر اعتقاد الصحابة قوة إيمانه
عن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن الدجال أنه يسلط على نفس يقتلها ثم يحييها فيقول: ألست بربك? فيقول: ما كنت قط أكذب منك الساعة، قال: فما كنا نراه إلا عمر بن الخطاب حتى مات أو قتل، خرجه أبو حفص عمر بن شاهين في السداسيات.
ذكر شدته في دين الله وغلظته على من عصى الله
وقد تقدم في فصل إسلامه ثم في فصل خصائصه طرف جيد من ذلك.
عن عمر قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتربصت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها? قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على أحرف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسله، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، ثم قال صلى الله عليه وسلم اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال هكذا أنزلت. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه". أخرجاه.

شرح - أساوره - أواثبه، ويقال: إن لغضبه لسورة وإن لسوار أي وثاب والتلبيب تقدم في إسلام عمر.
وعن ابن عمر أن غلاماً قتل غيلة فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم.. وعن منيرة بن حكيم أن أربعة قتلوا صبياً فقال عمر مثاله، أخرجه البخاري.د وعن العباس بن عبد المطلب أنه لما كان يوم فتح مكة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران قال: وا صباح قريش! والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إن لهلاك قريش إلى آخر الدهر، قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء فخرجت عليها حتى جئت لأراك فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة فيأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخل عليهم عنوة قال: والله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء يتراجعان، وأبو سفيان يقول ما رأيت كالليل نيران قط ولا عسكراً، قال فيقول بديل: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، قال يقول أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة! فعرف صوتي فقال أبو الفضل، قال قلت نعم، قال ما لك? فداك أبي وأمي، قال قلت: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس وإذا صباح قريش والله، قال فما هذه الحيلة فداك أبي وأمي! قال قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه اللغة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك، قال فركب خلفي ورجع صاحبه، قال فجئت به فكلما مررت بنار من المسلمين قالوا من هذا? فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا وقام إلي، رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال: أبو سفيان عدو الله، الحمد الله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني أضرب عنقه، قال قلت يا رسول الله إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه الليلة دوني رجل، فلما أكثر عمر في شأنه قلت مهلاً يا عمر، والله لو كان من رجال بن عدي بن كعب ما قلت هذا ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال مهلاً يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به". فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليه الإسلام فتلكأ، فقال له العباس ويحك أسلم قبل أن يضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق وأسلم خرجه ابن إسحاق.
حمشتها الحرب بالمهملة أي ساقتها بغضب، ومنه حديث أبي دجانة رأيت إنساناً يحمش الناس أي يسوقهم بغضب، قال المديني: وأحمشته أغضبته، قال الجوهري، قال بعضهم: يقال حمش النسر اشتد وأحمشته أنا، وأحمشت النار ألهبتها.
وعن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجر يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال دعوتي الجاهلية". قالوا يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: "دعوها فإنها منتنة". فسمعها عبد الله بن أبي فقال: قد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال "دعه!!! يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". أخرجه مسلم.

وعن عروة بن الزبير قال: تذاكر صفوان وعمير أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش خير بعدهم، قال عمير صدقت والله، أما والله لولا دين علي ليس عندي له قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي في قتلهم علة، ابني أسير في أيديهم، فاغتنمها صفوان فقال: علي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، ولا يسعني شيء ويعجز عنهم، قال له عمير: فاكتم عني شأني وشأنك، قال أفعل، ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم، ثم انطلق به حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون في يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله تعالى به، إذ نظر إلى عمر بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير نب وهب قد جاء متوشحاً سيفه، قال: فأدخله علي، قال فقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، وقال لرجل ممن كانوا معه من الأنصار، ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه ذلك الخبيث فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه، قال: "أرسله يا عمر ادن يا عمير". فدنا ثم قال أنعموا صباحاً - وكانت تحية أهل الجاهلية - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة". قال أما والله إن كنت يا محمد بها الحديث عهد، قال: "فما جاء بك يا عمير". قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك? قال قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً? قال: أصدقني ما الذي جئت له? قال ما جئت إلا لذلك، قال: بلى قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتم أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك، قال عمير: شهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لعلم أن ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق، ثم تشهد بشهادة الحق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره" ثم قال يا رسول الله إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله عز وجل وإلى الإسلام لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم، قال فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق بمكة وكان صفوان يسأل عنه الركبان فلما أخبره بإسلامه حلف أن لا يكلمه ولا ينفعه أبداً، خرجه ابن إسحق وقال: فأقام عمير بمكة يدعو إلى الإسلام ويؤذي من خالفه أذى شديداً فأسلم على يديه ناس كثير.
وعن ابن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمشي إذ مر بصبيان يلعبون فيهم ابن الصياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تربت يداك، أتشهد أني رسول الله". فقال هو: أتشهد أني رسول الله? قال فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضربن عنقه، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن يكن الذي يخاف فلن تستطيعه". خرجه أحمد وخرجه أيضاً مسلم بزيادة ولفظه: قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا بصبيان فيهم ابن الصياد، ففر الصبيان وجلس ابن الصياد، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "تربت يداك، أتشهد أني رسول الله" فقال لا بل تشهد أنت أني رسول الله? فقال عمر بن الخطاب ذرني يا رسول الله حتى أقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يكن الذي يرى فلن تستطيع قتله".

وعن ابن عباس قال كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبعث علياً والزبير في أثر الكتاب فأدركا امرأة على بعير فاستخرجاه من قرونها فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى حاطب فقال: "يا حاطب أنت كتبت هذا الكتاب". قال نعم يا رسول الله قال: "فما حملك على ذلك?" فقال يا رسول الله أما والله إني لناصح لله ولرسوله ولكني كنت غريباً في أهل مكة وكان أهلي بين ظهرانيهم وخشيت عليهم فكتبت كتاباً لا يضر الله ورسوله شيئاً، وعسى أن يكون منفعة لأهلي، قال عمر، فاخترطت سيفي ثم قلت أمكني من حاطب فإنه قد كفر فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بن الخطاب ما يدريك لعل الله قد اطلع على هذه العصابة من أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". خرجه مسلم.
وفي لفظ فقال ما فعلت ذلك ارتداداً عن ديني ولا رضي بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا صدقكم". فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب، الحديث، إلى قوله فقد غفرت لكم، وزاد فنزلت فيه، "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء". أخرجاه، وابن حبان واللفظ له.
وعن أبي سيد الخدري: قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً إذ أتاه ذو الخويصرة - وهو رجل من بني تميم - فقال يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك!! من يعدل إذا لم أعدل? قد خبت وخسرت إن لم أعدل". فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون مني الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فيهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر يخرجون على خير فرقة من الناس".
قال أبو سعيد: فاشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علياً قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد، فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعته، أخرجه مسلم.
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث شيبة بن عثمان إلى أمه أن أرسلي لي بالمفاتيح - يعني مفاتيح الكعبة - فأبت ثم أرسل فأبت ثم أرسل فأبت وقالت: قتلت رجالنا وتذهب بمكرمتنا? فقال عمر ابن الخطاب: دعني أضرب عنقه - أو قال أقتله - قال: لا، قال فذهب الغلام - يعني شيبة - فقال لأمه ن عمر أراد قتلي فأرسلت بالمفاتيح، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قذف بالمفاتيح بعد ما قبضها إلى الغلام وقال: "اذهب بها إلى أمك". خرجه ابن مخلد.
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر. إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقله، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرهاً، قال فقال أبو حذيفة: تقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس? والله لئن لقيته لألجمنه السيف، ويقال لألجمنه، قال: فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: "يا أبا حفص!". قال عمر: والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف - قال عمر: يا رسول الله دعني فلأضربن عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق، فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً، خرجه ابن إسحاق. وقال: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه.
وعن عمرو بن العاص قال: بينا أنا في منزلي بمصر إذ قيل هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة يستأذنان عليك، فقلت: يدخلان. فدخلا وهما منكسران، فقالا أقم علينا حد الله فنا أصبنا البارحة شراباً وسكرنا.

قال: فزجرتهما وطردتهما فقال عبد الرحمن: إن لم تفعله خبرت والدي إذا قدمت عليه، قال: فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب علي عمر وعزلني، قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد، ودخل عبد الرحمن بن عمر ناحية إلى بيت في الدار فحلق رأسه وكانوا يحلقون من الحدود، والله ما كتبت لعمر بحرف مما كان حتى إذا كتابه جاءني فيه "بسم الله الرحمن الرحيم" من عند عبد الله عمر إلى العاص بن العاصي عجبت لك يا بن العاص وجراءتك علي وخلافك عهدي فما أراني إلا عازلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك وقد عرفت أن هذا يخالفني، وإنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين ولكن قلت هو ولد أمير المؤمنين وعرفت أنه لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع، فبعث به كما قال أبوه وكتب إلى عمر يعتذر إليه ني ضربته في صحن داري، وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن داري على المسلم والذمي، وبعث بالكتاب مع عبد الله بن عمر فقدم بعبد الرحمن على أبيه فدخل وعليه عباءة ولا يستطيع المشي من سوء مركبه فقال: يا عبد الرحمن فعلت وفعلت، فكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد؛ فلم يلتفت إليه، فجعل عبد الرحمن يصيح ويقول: إني مريض وأنت قاتلين قال فضربه الحد ثانية وحبسه فمرض ثم مات.
وعن مجاهد قال: تذاكرنا الناس في مجلس ابن عباس فأخذوا في فضل أبي بكر ثم في فضل عمر فلما سمع ابن عباس ذكر عمر بكى بكاء شديداً حتى أغمي عليه فقال: رحم الله رجلاً قرأ القرآن وعمل بما فيه وأقام حدود الله كما أمر، لا تأخذه في الله لومة لائم، لقد رأيت عمر وقد أقام الحد على ولده فقتله فيه، فقيل له يا بن عم رسول الله حدثنا كيف أقام عمر الحد على ولده? فقال: كنت ذات يوم في المسجد وعمر جالس والناس حوله إذ أقبلت جارية فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال عمر: وعليك السلام ورحمة الله ألك حاجة? فقالت: نعم خذ ولدك هذا مني، فقال عمر: إني لا أعرفك فبكت الجارية وقالت: يا أمير المؤمنين إن لم يكن ولدك من ظهرك فهو ولد ولدك، فقال: أي أولادي? قالت أبو شحمة، فقال: أبحلال أم بحرام? فقالت: من قبلي بحلال ومن جهته بحرام، قال عمر: وكيف ذاك? اتق الله ولا تقولي إلا حقاً، قالت: يا أمير المؤمنين كنت مارة في بعض الأيام إذ مررت بحائط لبني النجار إذ أتى ولدك أبو شحمة يتمايل سكراً، وكان شرب عند نسيكة اليهودي، قالت ثم راودني عن نفسي وجرني إلى الحائط ونال مني ما ينال الرجل من المرأة وقد أغمي علي، فكتمت أمري عن أهلي وجيراني حتى أحسست بالولادة فخرجت إلى موضع كذا وكذا ووضعت هذا الغلام وهممت بقتله ثم ندمت على ذلك، فاحكم بحكم الله بيني وبينه، فأمر عمر منادياً فأقبل الناس يهرعون إلى المسجد ثم قام عمر فقال لا تتفرقوا حتى آتيكم، ثم خرج ثم قال: يا بن عباس أسرع معي، فلم يزل حتى أتى منزله فقرع الباب وقال: ههنا ولدي أبو شحمة? فقيل له إنه على الطعام فدخل عليه وقال: كل يا بني فيوشك أن يكون آخر زادك.

قال ابن عباس: فلقد رأيت الغلام وقد تغير لونه وارتعد وسقطت اللقمة من يده، فقال له عمر: يا بني من أنا قال أنت أبي وأمير المؤمنين، قال فلي حق طاعة أم لا? قال لك طاعتان مفترضتان: لأنك والدي وأمير المؤمنين، قال عمر: بحق نبيك وبحق أبيك هل كنت ضيفاً لنسيكة اليهودي فشربت الخمر عنده فسكرت? قال لقد كان ذلك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأس مال المؤمن التوبة". قال يا بني: أنشدك الله!! هل دخلت حائط بني النجار فرأيت امرأة فواقعتها? فسكت وبكى، قال عمر: يا بني أصدق فإن الله يحب الصادقين قال: قد كان ذلك وأنا تائب نادم، فلما سمع منه عمر قبض على يده ولببه وجره إلى المسجد فقال يا أبت لا تفضحني وخذ السيف واقطعني إرباً إرباً، قال: أما سمعت قوله تعالى: "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" ثم خرجه وأخرجه إلى بين يدي الصحابة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وقال: صدقت المرأة وأقر أبو شحمة بما قالت، وكان له مملوك يقال له أفلح، فقال: يا أفلح خذ ابني هذا إليك واضربه مائة سوط ولا تقصر في ضربه، فقال لا أفعل وبكى، فقال: يا غلام إن طاعتي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فافعل ما آمرك به، قال فنزع ثيابه وضج الناس بالبكاء والنحيب وجعل الغلام يشير إلى أبيه يا أبت ارحمني، فقال له عمر: وهو يبكي ربك يرحمك، وإنما أفعل هذا كي يرحمك ويرحمني، ثم قال: يا أفلح اضرب فضربه وهو يستغيث وعمر يقول: اضربه حتى بلغ سبعين فقال يا أبت اسقني شربة من ماء، فقال: يا بني إن كان ربك يطهرك فيسقيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبداً، يا غلام اضربه فضربه حتى بلغ ثمانين فقال يا أبت السلام عليك، فقال: وعليك السلام إن رأيت محمداً فأقره مني السلام وقل له: خلفت عمر يقرأ القرآن ويقيم الحدود، يا غلام اضربه فلما بلغ تسعين انقطع كلامه وضعف فرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا عمر انظر كم بقي فأخره إلى وقت آخر، فقال: كما لم يؤخر المعصية لا تؤخر العقوبة، وجاء الصريخ إلى مه فجاءت باكية صارخة وقالت: يا عمر أحج بكل سوط حجة ماشية وأتصدق بكذا وكذا درهما، فقال إن الحج والصدقة لا ينوب عن الحد، يا غلام تمم الحد فضربه فلما كان آخر سوط سقط الغلام ميتاً فصام وقال: يا بني محص الله عنك الخطايا، ثم جعل رأسه في حجره وجعل يبكي ويقول: يا بني من قتله الحق، يا بني من مات عن انقضاء الحد، يا بني من لم يرحمه أبوه وأقاربه، فنظر الناس إليه فإذا هو قد فارق الدنيا، فلم ير يوم أعظم منه، وضج الناس بالبكاء والنحيب، فلما كان بعد أربعين يوماً أقبل علينا حذيفة بن اليمان صبيحة يوم الجمعة فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وإذا الفتى معه وعليه حلتان خضراوان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقر عمر من السلام وقل له: هكذا أمرك الله أن تقرأ القرآن وتقيم الحدود، وقال الغلام: يا حذيفة أقرأ أبي السلام وقل له طهرك الله كما طهرتني والسلام. أخرجه شيرويه الديلمي في كتابه المنتقى.
وخرجه غيره مختصراً بتغيير اللفظ وقال فيه: لعمر ابن يقال له أبو شحمة فأتاه يوماً فقال له إني زنيت فأقم علي الحد، قال زنيت? قال نعم، حتى كرر عليه ذلك أربعاً، قال: وما عرفت التحريم? قال بلى، قال: معاشر المسلمين خذوه، فقال أبو شحمة: معاشر المسلمين من فعل فعلي في جاهلية أو إسلام فلا يحدني فقام علي ابن أبي طالب وقال لولده الحسن: فأخذ بيمينه وقال لولده الحسين فأخذ بيساره ثم ضربه ستة عشر سوطاً فأغمي عليه ثم قال إذا وافيت ربك فقل ضربني الحد من ليس لك في جبينه حد، ثم قام عمر حتى أقام عليه تمام المائة سوط، فمات من ذلك فقال: أنا أوثر عذاب الدنيا على عذاب الآخرة، فقيل يا أمير المؤمنين ندفنه من غير غسل ولا كفن كمن قتل في سبيل الله? قال بل نغسله ونكفنه وندفنه في مقابر المسلمين، فإنه لم يمت قتيلاً في سبيل الله وإنما مات.

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة وكان من أكبر بني عدي وكان أبوه شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: استعمل عمر قدامة بن مظعون على البحرين وكان شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خال ابن عمر وحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال تقدم الجارود من البحرين فقال: يا أمير المؤمنين إن قدامة بن مظعون قد شرب مسكراً، وإني إذا رأيت حداً من حدود الله حق علي أن أرفعه إليك، فقال له عمر من يشهد على ما تقول? فقال أبو هريرة، فدعا عمر أبا هريرة فقال: علام تشهد يا أبا هريرة? فقال لم أره حين شرب، وقد رأيته سكراناً يقيء، فقال عمر: لقد تنطعت أبا هريرة في الشهادة، ثم كتب عمر إلى قدامة وهو بالبحرين يأمره بالقدوم عليه، فلما قدم قدامة والجارود بالمدينة كلم الجارود عمر فقال: أقم على هذا كتاب الله، فقال عمر: أشهيد أنت أم خصم? فقال الجارود? أنا شهيد، فقال قد كنت أديت شهادتك، فسكت الجارود ثم قال لتعلمن أني أنشدك الله، فقال عمر: أما والله لتملكن لسانك أو لأسوئنك، فقال الجارود: أما والله ما ذاك بالحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني، فأوعده عمر.
فقال أبو هريرة وهو جالس: يا أمير المؤمنين، إن كنت تشك في شهادتنا فسل بنت الوليد امرأة ابن مظعون، فأرسل عمر إلى هند ينشدها بالله فأقامت هند على زوجها قدامة الشهادة فقال عمر: يا قدامة إني جالدك فقال قدامة والله لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني يا عمر، قال ولم يا قدامة? قال إن الله عز وجل قال: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين". فقلا عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله، ثم أقبل عمر على القوم فقال: ما ترون في جلد قدامة? قالوا لا نرى أن تجلده وهو مريض فسكت عمر عن جلده أياماً ثم أصبح يوماً وقد عزم على جلده فقال لأصحابه، ماذا ترون في جلد قدامة? فقالوا لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً، فقال عمر: إنه والله لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلي أن ألقى الله وهو في عنقي، إني والله لأجلدنه، ائتوني بسوط، فجاءه مولاه أسلم بسوط دقيق صغير، فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال لأسلم: قد أخذتك بدقرارة أهلك، ائتوني بسوط غير هذا، فجاءه أسلم بسوط تام، فأمر عمر بقدامة فجلد فغاضب قدامة عمر وهجره، فحجا وقدامة مهاجر لعمر حتى قفلوا من حجهم ونزل عمر بالسقيا ونام بها فلما استيقظ قال: عجلوا علي بقدامة، انطلقوا فأتوني به، فوالله إني لأرى في النوم أنه جاءني آت فقال سالم قدامة فإنه أخوك، فلما جاءوا قدامة أبى أن يأتيه، فأمر عمر بقدامة فجر إليه جراً حتى كلمه عمر واستغفر له، فكان أول صلحهما، خرج البخاري منه إلى قوله: وهو خال ابن عمر وحفصة، وتمامة خرجه الحميدي.
شرح - دقرارة أهلك - أي مخالفتهم. قال ابن الأعرابي الدقرارة الحديث المفتعل، والدقرارة المخالفة.
وعن عمر بن أبي سلمى عن أبيه قال قال عمر: لو أن أحدكم أومى إلى السماء بإصبعه لشرك يعني بالأمان، فنزل إليه على ذلك فقتله لقتلته، خرج المخلص.
وعن عائشة قالت: اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة، فناداه عمر نام النساء والصبيان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما من الناس أحد ينتظر الصلاة غيركم". قالت: ولم يكن يصلي يومئذ إلا بالمدينة، خرجه النسائي.
وعن عمران بن حصين أن امرأة زنت فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجمت، ثم أمر بها فصلى عليها، فقال عمر: يا رسول الله تصلي عليها وقد زنت? فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جاءت بنفسها لله عز وجل". أخرجه مسلم.
وعن السائب بن يزيد قال كنت نائماً بالمسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال اذهب فأتين بهذين الرجلين، فجئته بهما فقال ممن أنتما ومن أنتما? قالا من أهل الطائف، قال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجه البخاري.

وعن أبي النضر أن رجلاً قام إلى عمر وهو على المنبر فقال يا أمير المؤمنين ظلمني عاملك وضربني، فقال عمر والله لأقيدنك منه إذاً، فقال عمرو بن العاص أو تقيد من عاملك يا أمير المؤمنين? قال نعم والله لأقيدن منه، أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه، وأقاد أبو بكر من نفسه أفلا أقيد? فقال عمرو بن العاص أو غير ذلك يا أمير المؤمنين? قال وما هو? قال أو يرضيه، قال أو يرضيه، خرجه الحافظ الثقفي في الأربعين.
وعن أبي سعيد قال كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه معذور فقال استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، فقال ما منعك? فقلت استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع". فقال والله لتقيمن عليه بينه، أمنكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبي فوالله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغرهم فقمت معه، فأخبرت عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، خرجه مسلم.
وفي رواية أن عمر قال له: إن كان هذا شيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لأجعلنك عظة، وفيها أنه حين أتى الأنصار جعلوا يضحكون. فقال لهم: يأتيكم أخوكم قد أقرع وتضحكون، فقال: انطلق وأنا شريك في العقوبة فأتاه خرجه مسلم.
وعن المغير بن شعبة قال: سئل عمر عن إملاص المرأة هي التي تضرب بطنها فتلقي جنيناً قال: أيكم سمع من رسول الله فيها شيئاً? فقلت أنا، فقال: ما هو? قلت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فيه غرة عبد أو أمة". فقال: لا تبرح حتى تجئ بالمخرج مما قلت، فخرجت فجئت بمحمد بن مسلمة فشهد معي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فيه غرة عبد أو أمة". خرجه أبو معاوية بهذا السياق، وأخرجا معناه.
وعن صهيب أن عمر قال لصهيب: أي رجل لولا خصال ثلاث قال وما هي? قال: اكتنيت وليس لك ولد وانتميت إلى العرب وأنت من الروم وفيك سرف في الطعام، قال أما قولك: اكتنيت وليس لك ولد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى، وأما قولك: انتميت إلى العرب وأنت من الروم فإني رجل من النمر بن قاسط سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي، وأما قولك: فيك سرف في الطعام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خياركم من أطعم الطعام". خرجه أبو عبد الله ابن ماجة القزويني، وخرج النسائي معناه، وخرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين البلدانية.
وعن ... أن أبا موسى قدم على عمر ومعه كاتب نصراني فرفع كتابه فأعجب عمر وملم يعلم أن نصراني، فقال لأبي موسى: أين كاتبك هذا حتى يقرأ الكتاب على الناس? فقال أبو موسى. يا أمير المؤمنين إنه لا يدخل المسجد. قال: لم? أجنب هو? قال لا ولكنه نصراني، فانتهره عمر وقال: لا تدنوهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرموهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنوهم وقد خونهم الله، وقد نهيتكم عن استعمال أهل الكتاب، فإنهم يستحلون الرشا.
وعن ... أن عمر قال لأبي موسى: ائتني برجل ينظر في حسابنا، فأتاه بنصراني فقال: لو كنت تقدمت إليك لفعلت وفعلت، سألتك رجلاً أشركه في أمانتي فأتيتني بمن يخالف دينه ديني.
وعن سالم بن عبد الله بن عمر قال: كان عمر إذا نهى الناس عن أمر دعا أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإنما ينظر الناس إليكم نظر الطير اللحم، فإن وقعتم وقع الناس وإن هبتم هاب الناس، وإنه والله لا يقع أحد منكم في شيء نهيت الناس عنه إلا أضعف له العقوبة، لمكان مني، أخرجه عقيل بن خالد.
وعن ثعلبة بن أبي ملك القرظي أن عمر قسم مروطا بين نساء أهل المدينة فبقي منها مرط جيد، فقال بعض من عنده يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك - يريد أم كلثوم بنت علي - فقال: أم سليط أحق به، فإنها من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تزفن لنا القرب يوم أحد، خرجه البخاري، تزفن بالفاء تحمل.
وعن عمر أنه أرسل إلى كعب فقال: يا كعب كيف تجد نعتي? قال أجد نعتك قرن حديد، قال: وما قرن حديد? قال: لا تأخذك في الله لومة لائم، خرجه الضحاك.
وعنه أنه كان يقول: اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من مال عن الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين، خرجه ابن خيرون.

وروي أنه أقام خصمين بين يديه ثم عادا ثم أقامهما ثم عادا فقضى بينهما، فقيل له في ذلك: ني وجدت لأحدهما ما لم أجد للآخر، فعادا وقد ذهب بعض ذلك فقضيت بينهما.
ذكر تعبده
عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يحب الصلاة في كبد الليل - يعني وسط الليل - خرجه في الصفوة، وقد تقدم كيف يوتر في باب الشيخين.
وعن عبد الله بن ربيعة قال: صليت خلف عمر الفجر فقرأ سورة الحج وسورة يوسف قراءة بطيئة، خرجه أبو معاوية.
وعن عمرو بن ميمون قال: كان عمر ربما قرأ بسورة يوسف والسجدة ونحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس، خرجه البخاري.
وعن ابن عمر قال ما مات عمر حتى سرد الصوم، خرجه في الصفوة، وفيه دلالة لمن قال سرده أفضل من صوم يوم وفطر يوم.
وعنه أن عمر قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك". أخرجاه وزاد البخاري فاعتكف ليلة، وفيه حجة لمن قال يصح دون صوم، ونه يلزم الكافر بالتزامه، وإن لم يصح حال كفره.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "من أصبح صائماً اليوم?" قال عمر أنا، قال: "من تصدق اليوم"? قال عمر أنا، قال: "فمن عاد مريضاً?" قال عمر أنا، قال: "فمن تبع جنازة" قال عمر أنا، قال: قال: "وجبت لك". يعني الجنة. خرجه البغوي في الفضائل، وأبو عبد الله بن حبان وقد تقدم محمد في خصائص أبي بكر مثل ذلك من حديث مسلم عن أبي هريرة فإن صحت هذه الرواية كان ذلك في يوم آخر من غير أن يكون بينهما تضاد ولا تهافت.
وعن جعفر الصادق قال: كان أكثر كلام عمر الله أكبر، خرجه الخجندي.
وعن ابن عمر أن عمر أصاب أرضاً من أرض خيبر فقال: يا رسول الله أصبت أرضاً بخيبر لم اصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني? فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها". فتصدق بها عمر على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير ممول وفي لفظ: غير متماثل مالاً، أخرجاه.
وفي بعض الطرق أنه وصى بها إلى حفصة ثم إلى الأكابر من آل عمر وفي بعضها أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن المائة التي لي بخيبر لم أصب مالاً قط هو أعجب إلي منها وقد أردت أن أتصدق بها، فقال صلى الله عليه وسلم: "احبس أصلها وسبل ثمرتها". وفي بعضها قلت: يا رسول الله إن لي مالاً بثمغ أكره أن يباع بعدي قال: "فاحبسه وسبل ثمرته". خرج هذه الطرق وقد تقدم ذكر صدقته بسطر ماله وصدقة أبي بكر بجميع ماله في باب الشيخني. ثمغ مال لعمر معروف بالمدينة، وهو غير الذي تصدق به بخيبر.

ذكر زهده
وقد تقدم طرف منه في خصائصه، وفي النشر في أول الفصل.
وعن طلحة: ما كان عمر بأولنا إسلاماً ولا بأقدمنا هجرة ولكنه كان أزهدنا في الدنيا وأرغبنا في الآخرة.
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر العطاء فيقول له عمر أعطه يا رسول الله من هو أفقر إليه مني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك". قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسال أحداً شيئاً ولا يرد شيئاً أعطيه: خرجه مسلم.
وعن ابن أبي مليكة قال: بينا عمر قد وضع بين يديه طعام إذ جاء الغلام فقال. هذا عتبة بن فرقد بالباب، قال: وما أقدم عتبة ائذن له، فلما دخل رأى بين يدي عمر طعامه خبزاً وزيتاً فقال: اقرب يا عتبة فأصب من هذا، قال فذهب يأكل فإذا هو بطعام جشب لا يستطيع أن يسيغه فقال يا أمير المؤمنين: هل لك في طعام يقال له الحواري? قال: ويلك: أو يسع ذلك المسلمين? قال لا والله، قال يا عتبة: أفأردت أن آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها، أخرجه الفضائلي.
شرح - الجشب - والمجشوب الغليظ.
وعنه أنه دخل عليه وهو يكدم كعكاً شامياً ويتفوق لبناً حازراً فقلت يا أمير المؤمنين لو أمرت أن يصنع لك طعام ألين من هذا? فقال: يا ابن فرقد أترى أحداً من العب أقدر على ذلك مني? فقلت ما أجد أقدر على ذلك منك يا أمير المؤمنين، فقال عمر: سمعت الله عير أقواماً فقال: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها". خرجه الواحدي.

شرح: الكدم: العض والتفوق: الشرب شيئاً فشيئاً من فوقت الفصيل إذا سقيته فواقاً فواقاً، والفواق قدر ما بين الحلبتين، والحازر: بالحاء المهملة اللبن الحامض قال الجوهري.
وعن عمر أنه كان يقول لو شئت لدعوت بصلاء وصناب وصلائق كراكر وأسنمة وأفلاذ كثيرة من لطائف اللذات، ثم قال: ولكني لا أدعو بها ولا أقصد قصدها لئلا أكون من المتنعمين.
شرح - الصلاء - بالكسر والمد الشوي، والصناب: الخردل المعمول بالزيت وهو صناع يؤتدم به، والصلائق: الرقاق واحدتها صليقة، وقيل هي الحملان المشوية من صلقت الشاة إذا شويتها، ويروى بالسين المهملة وهو كل ما سلق من البقول وغيرها، والكراكر: جمع كركرة وهي الثفنة التي في زور البعير وهي إحدى الثفنات الخمس، والأفلاذ: جمع فلذة وهي القطعة و:انه أراد قطعاً من أنواع شتى.
وعنه أنه كان يقول والله ما يمنعنا أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ونأمر بالزبيب فينبذ لنا فنأكل هذا ونشرب هذا إلا أنا نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله تعلى يقول يذكر أقواماً: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها".
وعنه أنه اشتهى سمكاً طرياً وأخذ يرقي راحلة فسار ليلتين مقبلاً وليلتين مدبراً واشترى مكتلاً فجاء به، وقام يرقى إلى الراحلة يغسلها من العرق فنظرها عمر فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر! والله لا يذوق عمر ذلك.
وروي أنه كان يداوم على أكل التمر ولا يداوم على كل اللحم ويقول: إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر، أي أن له عادة نزاعة إليها كعادة الخمر، يقال منه ضري بالكسر به ضراً وضراوة وضراة إذا اعتاده.
وعن جعفر بن أبي العاص قال: أكلت مع عمر بن الخطاب الخبز والزيت والخبز واللبن والخبز والخل والخبز والقديد، وأقل ذلك اللحم الغريض، وكان يقول: لا تنخلوا الدقيق فإنه كله طعام، فأتي بخبز غليظ فجعل يأكل ويقول: لتأكلوا، فجعلنا نعتذر فقال: ما لكم لا تألون? فقلنا لا نأكله والله يا أمير المؤمنين، نرجع إلى طعام هو ألين من طعامك.
وعن حفصة قالت: دخل علي عمر فقدمت إليه مرقة باردة وصببت عليها زيتاً فقال: إدامان في إناء واحد، لا أذوقه أبداً حتى ألقى الله خرجه في فضائله.
وعن ابن عمر قال: دخل أمير المؤمنين عمر ونحن على مائدة فأوسعت له عن صدر المجلس فقال: بسم الله، ثم ضرب بيده في لقمة فلقمها ثم ثنى بأخرى ثم قال: إني لأجد طعم دسم غير دسم اللحم، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه فوجدته غالياً فاشتريت بدرهم من المهزول وجعلت عليه بدرهم سمناً فقال عمر: ما اجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين ولن يجتمعا عندي أبداً إلا فعلت ذلك.
وعن قتادة قال: كان عمر بن الخطاب يلبس وهو أمير المؤمنين جبة من صوف مرقعة بعضها من أدم ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس بها، ويهم بالنكث والنوى فيلقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا به. أخرجه الفضائلي.
شرح: النكث، الغزل المنقوض من الأخبية والأكسية ليغزل ثانية.
وعن أنس قال: لقد رأيت بين كتفي عمر أربعة رقع في قميص له، خرجه الفضائلي وصاحب الصفوة وقال ثلاث رقاع.
وعن الحسن قال: خطب عمر الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة. خرجه في الصفوة.
وعن عامر بن ربيعة قال: خرج عمر حاجاً من المدينة إلى مكة إلى أن رجع فما ضرب فسطاطاً ولا خباء إلا كان يلقى الكساء والنطع على الشجرة ويستظل تحتها.
وعن عمر أنه كان يقول: والله ما نعبأ بلذات العيش ولكنا نستبقي طيباتنا لأخرتنا، وكان رضي الله عنه يأكل خبز الشعير ويأتدم بالزيت ويلبس المرقوع ويخدم نفسه، خرجه الملاء.

وعن الأحنف بن قيس قال: أخرجنا عمر في سرية إلى العراق ففتح الله علينا العراق وبلد فارس وأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فحملناه معنا واكتسينا منها، فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمنا، فأشتد ذلك علينا، فشكونا إلى عبد الله بن عمر فقال: إن عمر زهد في الدنيا وقد رأى عليكم لباساً لم يلبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخليفة من بعده، فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا وأتيناه في البزة التي يعهدها منا، فقام فسلم علينا رجلاً رجلاً واعتنق رجلاً رجلاً حتى كأنه لم يرنا، فقدمنا إليه الغنائم فقسمها بيننا بالسوية، فعرض في الغنائم شيء من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر فذاقه عمر فوجده طيب الطعم طيب الريح فأقبل علينا بوجهه وقال: يا معشر المهاجرين والأنصار ليقتلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام، ثم أمر به فحمل إلى أولاد من قتل من المسلمين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ثم إن عمر انصرف ولم يأخذ لنفسه شيئاً. البزة بالكسر الهيئة.
وعن ... أنه لما فتح العراق وحملت إلى عمر خزائن كسرى قال له صاحب بيت المال ألا ندخله بيت المال? قال: لا والله! ولا يأوي تحت سقف حتى أقسمه، فبسط الأنطاع في المسجد وكشفوا عن الأموال فرأى منظراً عظيماً من الذهب والجوهر فقال: إن الذي أدى هذا لأمين، قالوا أنت أمين الله وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله فإذا زغت زاغوا، فقسمه ولم يأخذ منه لنفسه شيئاً خرجه في فضائله.

وروي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا في المسجد زهاء خمسين رجلاً من المهاجرين فقالوا: ما ترون إلى زهد هذا الرجل وإلى حليته وقد فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر وطرفي الشرق والغرب، ووفود العرب والعجم يأتون فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة فلم سألتموه معاشر أصحاب محمد أن يغير هذه الجبة بثوب لين فيهاب منظره، ويغدق عليه بحفنة من الطعام ويراح عليه بحفنة يأكلها من حضره من المهاجرين والأنصار، فقال القوم بأجمعهم ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب فإنه صهره، فكلموه فقال: لست بفاعل ذلك ولكن عليكم بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه، فقال الأحنف بن قيس فسألوا عائشة وحفصة وكانتا مجتمعتين فقالت عائشة: أسأله ذلك، وقالت حفصة: ما أراه يفعل وسيبين لك، فدخلتا عليه فقربهما وأدناهما، فقالت عائشة: أتأذن لي أن أكلمك? قال تكلمي يا أم المؤمنين فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مضى إلى جنة ربه ورضوانه لم يرد الدنيا ولم ترده، وكذلك مضى أبو بكر على أثره، وقد فتح الله عليك كنوز كسرى وقيصر وديارهما وحمل إليك أموالهما وذلك طرفا المشرق والمغرب، ونرجو من الله تعالى المزيد ورسل العجم يأتونك ووفود العرب يردون إليك وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة، فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك ويغدى عليك بحفنة من طعام ويراح عليك بأخرى تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار فبكى عمر عند ذلك بكاء شديداً ثم قال: سألتك بالله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبع من خبز بر عشرة أيام أو خمسة أو ثلاثة أو جمع بين عشاء وغداء حتى ألحق بالله? قالت لا، قال: أنشدك بالله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب إلهي على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض ويأمر بالمائدة فترفع قالت اللهم نعم، ثم قال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ولكما على المؤمنين حق وعلي خاصة، ولكن أتيتماني ترغبانني في الدنيا، وإني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة من صوف فربما حك جسمه من خشونتها، أتعلمان ذلك? قالتا نعم، قال فهل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقد على عباءة على طاق واحد وكان مسح في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطاً، وبالليل فراشاً ينام عليه ويرى أثر الحصير في جنبه، ألا يا حفصة أنت حدثتني أنك تثنيت المسح له ليلة فوجدها لينة فرقد عليه فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك يا حفصة: ماذا صنعت ثنيت المهد حتى ذهب بي النوم إلى الصباح، ما لي وما للدنيا وما للدنيا ومالي، شغلتموني بلين الفراش، يا حفصة: أما تعلمين أن رسول الله صلى الله علي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 3:00 pm


ذكر أدبه مع النبي صلى الله عليه وسلم
تقدم في باب الشيخين طرف منه.
وعن ابن عمر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر على بكر صعب لعمر، وكان يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أبوه: يا عبد الله لا يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أحد. خرجه البخاري.

وعن أنس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبرز فلم يجد أحداً يتبعه، فهرع عمر فابتعه بمطهرة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم في شربة فتنحى عمر خلفه حتى رفع رأسه فقال: "أحسنت!! قد أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجداً فتنحيت عني، إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من صلى عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه بها عشراً ورفع له بها عشر درجات". خرجه الطبراني. الشربة بالتحريك حويض يتخذ حول النخلة لتروى منه. وخرجه الأنصاري أيضاً.
ذكر محبته للنبي صلى الله عليه وسلم
عن عبد الله بن هشام قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال له عمر، فإنه الآن، والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر" أخرجاه.
ذكر قوة إيمانه وثباته عليه حياً وميتاً
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتاني القبور فقال عمر: أترد إلينا عقولنا يا رسول الله? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم كهيئتكم اليوم" فقال عمر: بفيه الحجر. خرجه أحمد.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضع الرجل في قبره أتاه منكر ونكير، وهما ملكان فظان غليظان أسودان أزرقان ألوانهما كالليل الدامس أصواتهما كالرعد القاصف عيونهما كالشهب الثواقب أسنانهما كالرماح يسحبان بشعورهما على الأرض بيد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع الثقلان الجن والإنس لم يقدروا على حملها يسألان الرجل عن ربه وعن نبيه وعن دينه". فقال عمر ابن الخطاب: أيأتيانني وأنا ثابت كما أنا? قال نعم!! قال: فسأكفيكهما يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثني بالحق نبياً لقد أخبرني جبريل أنهما يأتيانك فتقول أنت: الله ربي فمن ربكما? ومحمد نبي فمن نبيكما? والإسلام ديني فما دينكما? فيقولان: وا عجباه!! ما ندري نحن أرسلنا إليك. أم أنت أرسلت إلينا?". خرجه عبد الواحد ابن محمد بن علي المقدسي في كتابه التبصير. وخرج الحافظ أبو عبد الله القاسم الثقفي عن جابر من أوله إلى ذكر السؤال وقال: فقال عمر: يا رسول الله أية حال أنا يومئذ? قال: "على حالك". قال: إذاً أكفيكهما، ولم يذكر ما بعده. وخرج سيعد بن منصور معناه، ولفظه: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أنا محمد بن علوان بن علقمة قال حدثني أصحابنا قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: "كيف بك إذا جاءك منكر ونكير يسألانك، صوتهما مثل الرعد القاصم وأبصارهما مثل البرق الخاطف يطآن في أشعارهما ويبحثان بأنيابهما?" فقال: يا رسول الله أنبعث على ما متنا عليه? قال: "نعم إن شاء الله تعالى". قال: إذاً أكفيكهما.

ذكر اعتقاد الصحابة قوة إيمانه
عن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن الدجال أنه يسلط على نفس يقتلها ثم يحييها فيقول: ألست بربك? فيقول: ما كنت قط أكذب منك الساعة، قال: فما كنا نراه إلا عمر بن الخطاب حتى مات أو قتل، خرجه أبو حفص عمر بن شاهين في السداسيات.
ذكر شدته في دين الله وغلظته على من عصى الله
وقد تقدم في فصل إسلامه ثم في فصل خصائصه طرف جيد من ذلك.
عن عمر قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتربصت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها? قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على أحرف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسله، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، ثم قال صلى الله عليه وسلم اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال هكذا أنزلت. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه". أخرجاه.

شرح - أساوره - أواثبه، ويقال: إن لغضبه لسورة وإن لسوار أي وثاب والتلبيب تقدم في إسلام عمر.
وعن ابن عمر أن غلاماً قتل غيلة فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم.. وعن منيرة بن حكيم أن أربعة قتلوا صبياً فقال عمر مثاله، أخرجه البخاري.د وعن العباس بن عبد المطلب أنه لما كان يوم فتح مكة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران قال: وا صباح قريش! والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إن لهلاك قريش إلى آخر الدهر، قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء فخرجت عليها حتى جئت لأراك فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة فيأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخل عليهم عنوة قال: والله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء يتراجعان، وأبو سفيان يقول ما رأيت كالليل نيران قط ولا عسكراً، قال فيقول بديل: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، قال يقول أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة! فعرف صوتي فقال أبو الفضل، قال قلت نعم، قال ما لك? فداك أبي وأمي، قال قلت: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس وإذا صباح قريش والله، قال فما هذه الحيلة فداك أبي وأمي! قال قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه اللغة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك، قال فركب خلفي ورجع صاحبه، قال فجئت به فكلما مررت بنار من المسلمين قالوا من هذا? فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا وقام إلي، رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال: أبو سفيان عدو الله، الحمد الله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني أضرب عنقه، قال قلت يا رسول الله إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه الليلة دوني رجل، فلما أكثر عمر في شأنه قلت مهلاً يا عمر، والله لو كان من رجال بن عدي بن كعب ما قلت هذا ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال مهلاً يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به". فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليه الإسلام فتلكأ، فقال له العباس ويحك أسلم قبل أن يضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق وأسلم خرجه ابن إسحاق.
حمشتها الحرب بالمهملة أي ساقتها بغضب، ومنه حديث أبي دجانة رأيت إنساناً يحمش الناس أي يسوقهم بغضب، قال المديني: وأحمشته أغضبته، قال الجوهري، قال بعضهم: يقال حمش النسر اشتد وأحمشته أنا، وأحمشت النار ألهبتها.
وعن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجر يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال دعوتي الجاهلية". قالوا يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: "دعوها فإنها منتنة". فسمعها عبد الله بن أبي فقال: قد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال "دعه!!! يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". أخرجه مسلم.

وعن عروة بن الزبير قال: تذاكر صفوان وعمير أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش خير بعدهم، قال عمير صدقت والله، أما والله لولا دين علي ليس عندي له قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي في قتلهم علة، ابني أسير في أيديهم، فاغتنمها صفوان فقال: علي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، ولا يسعني شيء ويعجز عنهم، قال له عمير: فاكتم عني شأني وشأنك، قال أفعل، ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم، ثم انطلق به حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون في يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله تعالى به، إذ نظر إلى عمر بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير نب وهب قد جاء متوشحاً سيفه، قال: فأدخله علي، قال فقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، وقال لرجل ممن كانوا معه من الأنصار، ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه ذلك الخبيث فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه، قال: "أرسله يا عمر ادن يا عمير". فدنا ثم قال أنعموا صباحاً - وكانت تحية أهل الجاهلية - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة". قال أما والله إن كنت يا محمد بها الحديث عهد، قال: "فما جاء بك يا عمير". قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك? قال قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً? قال: أصدقني ما الذي جئت له? قال ما جئت إلا لذلك، قال: بلى قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتم أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك، قال عمير: شهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لعلم أن ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق، ثم تشهد بشهادة الحق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره" ثم قال يا رسول الله إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله عز وجل وإلى الإسلام لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم، قال فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق بمكة وكان صفوان يسأل عنه الركبان فلما أخبره بإسلامه حلف أن لا يكلمه ولا ينفعه أبداً، خرجه ابن إسحق وقال: فأقام عمير بمكة يدعو إلى الإسلام ويؤذي من خالفه أذى شديداً فأسلم على يديه ناس كثير.
وعن ابن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمشي إذ مر بصبيان يلعبون فيهم ابن الصياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تربت يداك، أتشهد أني رسول الله". فقال هو: أتشهد أني رسول الله? قال فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضربن عنقه، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن يكن الذي يخاف فلن تستطيعه". خرجه أحمد وخرجه أيضاً مسلم بزيادة ولفظه: قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا بصبيان فيهم ابن الصياد، ففر الصبيان وجلس ابن الصياد، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "تربت يداك، أتشهد أني رسول الله" فقال لا بل تشهد أنت أني رسول الله? فقال عمر بن الخطاب ذرني يا رسول الله حتى أقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يكن الذي يرى فلن تستطيع قتله".

وعن ابن عباس قال كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبعث علياً والزبير في أثر الكتاب فأدركا امرأة على بعير فاستخرجاه من قرونها فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى حاطب فقال: "يا حاطب أنت كتبت هذا الكتاب". قال نعم يا رسول الله قال: "فما حملك على ذلك?" فقال يا رسول الله أما والله إني لناصح لله ولرسوله ولكني كنت غريباً في أهل مكة وكان أهلي بين ظهرانيهم وخشيت عليهم فكتبت كتاباً لا يضر الله ورسوله شيئاً، وعسى أن يكون منفعة لأهلي، قال عمر، فاخترطت سيفي ثم قلت أمكني من حاطب فإنه قد كفر فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بن الخطاب ما يدريك لعل الله قد اطلع على هذه العصابة من أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". خرجه مسلم.
وفي لفظ فقال ما فعلت ذلك ارتداداً عن ديني ولا رضي بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا صدقكم". فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب، الحديث، إلى قوله فقد غفرت لكم، وزاد فنزلت فيه، "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء". أخرجاه، وابن حبان واللفظ له.
وعن أبي سيد الخدري: قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً إذ أتاه ذو الخويصرة - وهو رجل من بني تميم - فقال يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك!! من يعدل إذا لم أعدل? قد خبت وخسرت إن لم أعدل". فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون مني الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فيهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر يخرجون على خير فرقة من الناس".
قال أبو سعيد: فاشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علياً قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد، فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعته، أخرجه مسلم.
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث شيبة بن عثمان إلى أمه أن أرسلي لي بالمفاتيح - يعني مفاتيح الكعبة - فأبت ثم أرسل فأبت ثم أرسل فأبت وقالت: قتلت رجالنا وتذهب بمكرمتنا? فقال عمر ابن الخطاب: دعني أضرب عنقه - أو قال أقتله - قال: لا، قال فذهب الغلام - يعني شيبة - فقال لأمه ن عمر أراد قتلي فأرسلت بالمفاتيح، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قذف بالمفاتيح بعد ما قبضها إلى الغلام وقال: "اذهب بها إلى أمك". خرجه ابن مخلد.
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر. إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقله، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرهاً، قال فقال أبو حذيفة: تقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس? والله لئن لقيته لألجمنه السيف، ويقال لألجمنه، قال: فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: "يا أبا حفص!". قال عمر: والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف - قال عمر: يا رسول الله دعني فلأضربن عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق، فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً، خرجه ابن إسحاق. وقال: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه.
وعن عمرو بن العاص قال: بينا أنا في منزلي بمصر إذ قيل هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة يستأذنان عليك، فقلت: يدخلان. فدخلا وهما منكسران، فقالا أقم علينا حد الله فنا أصبنا البارحة شراباً وسكرنا.

قال: فزجرتهما وطردتهما فقال عبد الرحمن: إن لم تفعله خبرت والدي إذا قدمت عليه، قال: فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب علي عمر وعزلني، قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد، ودخل عبد الرحمن بن عمر ناحية إلى بيت في الدار فحلق رأسه وكانوا يحلقون من الحدود، والله ما كتبت لعمر بحرف مما كان حتى إذا كتابه جاءني فيه "بسم الله الرحمن الرحيم" من عند عبد الله عمر إلى العاص بن العاصي عجبت لك يا بن العاص وجراءتك علي وخلافك عهدي فما أراني إلا عازلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك وقد عرفت أن هذا يخالفني، وإنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين ولكن قلت هو ولد أمير المؤمنين وعرفت أنه لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع، فبعث به كما قال أبوه وكتب إلى عمر يعتذر إليه ني ضربته في صحن داري، وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن داري على المسلم والذمي، وبعث بالكتاب مع عبد الله بن عمر فقدم بعبد الرحمن على أبيه فدخل وعليه عباءة ولا يستطيع المشي من سوء مركبه فقال: يا عبد الرحمن فعلت وفعلت، فكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد؛ فلم يلتفت إليه، فجعل عبد الرحمن يصيح ويقول: إني مريض وأنت قاتلين قال فضربه الحد ثانية وحبسه فمرض ثم مات.
وعن مجاهد قال: تذاكرنا الناس في مجلس ابن عباس فأخذوا في فضل أبي بكر ثم في فضل عمر فلما سمع ابن عباس ذكر عمر بكى بكاء شديداً حتى أغمي عليه فقال: رحم الله رجلاً قرأ القرآن وعمل بما فيه وأقام حدود الله كما أمر، لا تأخذه في الله لومة لائم، لقد رأيت عمر وقد أقام الحد على ولده فقتله فيه، فقيل له يا بن عم رسول الله حدثنا كيف أقام عمر الحد على ولده? فقال: كنت ذات يوم في المسجد وعمر جالس والناس حوله إذ أقبلت جارية فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال عمر: وعليك السلام ورحمة الله ألك حاجة? فقالت: نعم خذ ولدك هذا مني، فقال عمر: إني لا أعرفك فبكت الجارية وقالت: يا أمير المؤمنين إن لم يكن ولدك من ظهرك فهو ولد ولدك، فقال: أي أولادي? قالت أبو شحمة، فقال: أبحلال أم بحرام? فقالت: من قبلي بحلال ومن جهته بحرام، قال عمر: وكيف ذاك? اتق الله ولا تقولي إلا حقاً، قالت: يا أمير المؤمنين كنت مارة في بعض الأيام إذ مررت بحائط لبني النجار إذ أتى ولدك أبو شحمة يتمايل سكراً، وكان شرب عند نسيكة اليهودي، قالت ثم راودني عن نفسي وجرني إلى الحائط ونال مني ما ينال الرجل من المرأة وقد أغمي علي، فكتمت أمري عن أهلي وجيراني حتى أحسست بالولادة فخرجت إلى موضع كذا وكذا ووضعت هذا الغلام وهممت بقتله ثم ندمت على ذلك، فاحكم بحكم الله بيني وبينه، فأمر عمر منادياً فأقبل الناس يهرعون إلى المسجد ثم قام عمر فقال لا تتفرقوا حتى آتيكم، ثم خرج ثم قال: يا بن عباس أسرع معي، فلم يزل حتى أتى منزله فقرع الباب وقال: ههنا ولدي أبو شحمة? فقيل له إنه على الطعام فدخل عليه وقال: كل يا بني فيوشك أن يكون آخر زادك.

قال ابن عباس: فلقد رأيت الغلام وقد تغير لونه وارتعد وسقطت اللقمة من يده، فقال له عمر: يا بني من أنا قال أنت أبي وأمير المؤمنين، قال فلي حق طاعة أم لا? قال لك طاعتان مفترضتان: لأنك والدي وأمير المؤمنين، قال عمر: بحق نبيك وبحق أبيك هل كنت ضيفاً لنسيكة اليهودي فشربت الخمر عنده فسكرت? قال لقد كان ذلك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأس مال المؤمن التوبة". قال يا بني: أنشدك الله!! هل دخلت حائط بني النجار فرأيت امرأة فواقعتها? فسكت وبكى، قال عمر: يا بني أصدق فإن الله يحب الصادقين قال: قد كان ذلك وأنا تائب نادم، فلما سمع منه عمر قبض على يده ولببه وجره إلى المسجد فقال يا أبت لا تفضحني وخذ السيف واقطعني إرباً إرباً، قال: أما سمعت قوله تعالى: "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" ثم خرجه وأخرجه إلى بين يدي الصحابة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وقال: صدقت المرأة وأقر أبو شحمة بما قالت، وكان له مملوك يقال له أفلح، فقال: يا أفلح خذ ابني هذا إليك واضربه مائة سوط ولا تقصر في ضربه، فقال لا أفعل وبكى، فقال: يا غلام إن طاعتي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فافعل ما آمرك به، قال فنزع ثيابه وضج الناس بالبكاء والنحيب وجعل الغلام يشير إلى أبيه يا أبت ارحمني، فقال له عمر: وهو يبكي ربك يرحمك، وإنما أفعل هذا كي يرحمك ويرحمني، ثم قال: يا أفلح اضرب فضربه وهو يستغيث وعمر يقول: اضربه حتى بلغ سبعين فقال يا أبت اسقني شربة من ماء، فقال: يا بني إن كان ربك يطهرك فيسقيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبداً، يا غلام اضربه فضربه حتى بلغ ثمانين فقال يا أبت السلام عليك، فقال: وعليك السلام إن رأيت محمداً فأقره مني السلام وقل له: خلفت عمر يقرأ القرآن ويقيم الحدود، يا غلام اضربه فلما بلغ تسعين انقطع كلامه وضعف فرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا عمر انظر كم بقي فأخره إلى وقت آخر، فقال: كما لم يؤخر المعصية لا تؤخر العقوبة، وجاء الصريخ إلى مه فجاءت باكية صارخة وقالت: يا عمر أحج بكل سوط حجة ماشية وأتصدق بكذا وكذا درهما، فقال إن الحج والصدقة لا ينوب عن الحد، يا غلام تمم الحد فضربه فلما كان آخر سوط سقط الغلام ميتاً فصام وقال: يا بني محص الله عنك الخطايا، ثم جعل رأسه في حجره وجعل يبكي ويقول: يا بني من قتله الحق، يا بني من مات عن انقضاء الحد، يا بني من لم يرحمه أبوه وأقاربه، فنظر الناس إليه فإذا هو قد فارق الدنيا، فلم ير يوم أعظم منه، وضج الناس بالبكاء والنحيب، فلما كان بعد أربعين يوماً أقبل علينا حذيفة بن اليمان صبيحة يوم الجمعة فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وإذا الفتى معه وعليه حلتان خضراوان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقر عمر من السلام وقل له: هكذا أمرك الله أن تقرأ القرآن وتقيم الحدود، وقال الغلام: يا حذيفة أقرأ أبي السلام وقل له طهرك الله كما طهرتني والسلام. أخرجه شيرويه الديلمي في كتابه المنتقى.
وخرجه غيره مختصراً بتغيير اللفظ وقال فيه: لعمر ابن يقال له أبو شحمة فأتاه يوماً فقال له إني زنيت فأقم علي الحد، قال زنيت? قال نعم، حتى كرر عليه ذلك أربعاً، قال: وما عرفت التحريم? قال بلى، قال: معاشر المسلمين خذوه، فقال أبو شحمة: معاشر المسلمين من فعل فعلي في جاهلية أو إسلام فلا يحدني فقام علي ابن أبي طالب وقال لولده الحسن: فأخذ بيمينه وقال لولده الحسين فأخذ بيساره ثم ضربه ستة عشر سوطاً فأغمي عليه ثم قال إذا وافيت ربك فقل ضربني الحد من ليس لك في جبينه حد، ثم قام عمر حتى أقام عليه تمام المائة سوط، فمات من ذلك فقال: أنا أوثر عذاب الدنيا على عذاب الآخرة، فقيل يا أمير المؤمنين ندفنه من غير غسل ولا كفن كمن قتل في سبيل الله? قال بل نغسله ونكفنه وندفنه في مقابر المسلمين، فإنه لم يمت قتيلاً في سبيل الله وإنما مات.

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة وكان من أكبر بني عدي وكان أبوه شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: استعمل عمر قدامة بن مظعون على البحرين وكان شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خال ابن عمر وحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال تقدم الجارود من البحرين فقال: يا أمير المؤمنين إن قدامة بن مظعون قد شرب مسكراً، وإني إذا رأيت حداً من حدود الله حق علي أن أرفعه إليك، فقال له عمر من يشهد على ما تقول? فقال أبو هريرة، فدعا عمر أبا هريرة فقال: علام تشهد يا أبا هريرة? فقال لم أره حين شرب، وقد رأيته سكراناً يقيء، فقال عمر: لقد تنطعت أبا هريرة في الشهادة، ثم كتب عمر إلى قدامة وهو بالبحرين يأمره بالقدوم عليه، فلما قدم قدامة والجارود بالمدينة كلم الجارود عمر فقال: أقم على هذا كتاب الله، فقال عمر: أشهيد أنت أم خصم? فقال الجارود? أنا شهيد، فقال قد كنت أديت شهادتك، فسكت الجارود ثم قال لتعلمن أني أنشدك الله، فقال عمر: أما والله لتملكن لسانك أو لأسوئنك، فقال الجارود: أما والله ما ذاك بالحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني، فأوعده عمر.
فقال أبو هريرة وهو جالس: يا أمير المؤمنين، إن كنت تشك في شهادتنا فسل بنت الوليد امرأة ابن مظعون، فأرسل عمر إلى هند ينشدها بالله فأقامت هند على زوجها قدامة الشهادة فقال عمر: يا قدامة إني جالدك فقال قدامة والله لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني يا عمر، قال ولم يا قدامة? قال إن الله عز وجل قال: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين". فقلا عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله، ثم أقبل عمر على القوم فقال: ما ترون في جلد قدامة? قالوا لا نرى أن تجلده وهو مريض فسكت عمر عن جلده أياماً ثم أصبح يوماً وقد عزم على جلده فقال لأصحابه، ماذا ترون في جلد قدامة? فقالوا لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً، فقال عمر: إنه والله لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلي أن ألقى الله وهو في عنقي، إني والله لأجلدنه، ائتوني بسوط، فجاءه مولاه أسلم بسوط دقيق صغير، فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال لأسلم: قد أخذتك بدقرارة أهلك، ائتوني بسوط غير هذا، فجاءه أسلم بسوط تام، فأمر عمر بقدامة فجلد فغاضب قدامة عمر وهجره، فحجا وقدامة مهاجر لعمر حتى قفلوا من حجهم ونزل عمر بالسقيا ونام بها فلما استيقظ قال: عجلوا علي بقدامة، انطلقوا فأتوني به، فوالله إني لأرى في النوم أنه جاءني آت فقال سالم قدامة فإنه أخوك، فلما جاءوا قدامة أبى أن يأتيه، فأمر عمر بقدامة فجر إليه جراً حتى كلمه عمر واستغفر له، فكان أول صلحهما، خرج البخاري منه إلى قوله: وهو خال ابن عمر وحفصة، وتمامة خرجه الحميدي.
شرح - دقرارة أهلك - أي مخالفتهم. قال ابن الأعرابي الدقرارة الحديث المفتعل، والدقرارة المخالفة.
وعن عمر بن أبي سلمى عن أبيه قال قال عمر: لو أن أحدكم أومى إلى السماء بإصبعه لشرك يعني بالأمان، فنزل إليه على ذلك فقتله لقتلته، خرج المخلص.
وعن عائشة قالت: اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة، فناداه عمر نام النساء والصبيان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما من الناس أحد ينتظر الصلاة غيركم". قالت: ولم يكن يصلي يومئذ إلا بالمدينة، خرجه النسائي.
وعن عمران بن حصين أن امرأة زنت فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجمت، ثم أمر بها فصلى عليها، فقال عمر: يا رسول الله تصلي عليها وقد زنت? فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جاءت بنفسها لله عز وجل". أخرجه مسلم.
وعن السائب بن يزيد قال كنت نائماً بالمسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال اذهب فأتين بهذين الرجلين، فجئته بهما فقال ممن أنتما ومن أنتما? قالا من أهل الطائف، قال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجه البخاري.

وعن أبي النضر أن رجلاً قام إلى عمر وهو على المنبر فقال يا أمير المؤمنين ظلمني عاملك وضربني، فقال عمر والله لأقيدنك منه إذاً، فقال عمرو بن العاص أو تقيد من عاملك يا أمير المؤمنين? قال نعم والله لأقيدن منه، أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه، وأقاد أبو بكر من نفسه أفلا أقيد? فقال عمرو بن العاص أو غير ذلك يا أمير المؤمنين? قال وما هو? قال أو يرضيه، قال أو يرضيه، خرجه الحافظ الثقفي في الأربعين.
وعن أبي سعيد قال كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه معذور فقال استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، فقال ما منعك? فقلت استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع". فقال والله لتقيمن عليه بينه، أمنكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبي فوالله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغرهم فقمت معه، فأخبرت عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، خرجه مسلم.
وفي رواية أن عمر قال له: إن كان هذا شيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لأجعلنك عظة، وفيها أنه حين أتى الأنصار جعلوا يضحكون. فقال لهم: يأتيكم أخوكم قد أقرع وتضحكون، فقال: انطلق وأنا شريك في العقوبة فأتاه خرجه مسلم.
وعن المغير بن شعبة قال: سئل عمر عن إملاص المرأة هي التي تضرب بطنها فتلقي جنيناً قال: أيكم سمع من رسول الله فيها شيئاً? فقلت أنا، فقال: ما هو? قلت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فيه غرة عبد أو أمة". فقال: لا تبرح حتى تجئ بالمخرج مما قلت، فخرجت فجئت بمحمد بن مسلمة فشهد معي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فيه غرة عبد أو أمة". خرجه أبو معاوية بهذا السياق، وأخرجا معناه.
وعن صهيب أن عمر قال لصهيب: أي رجل لولا خصال ثلاث قال وما هي? قال: اكتنيت وليس لك ولد وانتميت إلى العرب وأنت من الروم وفيك سرف في الطعام، قال أما قولك: اكتنيت وليس لك ولد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى، وأما قولك: انتميت إلى العرب وأنت من الروم فإني رجل من النمر بن قاسط سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي، وأما قولك: فيك سرف في الطعام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خياركم من أطعم الطعام". خرجه أبو عبد الله ابن ماجة القزويني، وخرج النسائي معناه، وخرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين البلدانية.
وعن ... أن أبا موسى قدم على عمر ومعه كاتب نصراني فرفع كتابه فأعجب عمر وملم يعلم أن نصراني، فقال لأبي موسى: أين كاتبك هذا حتى يقرأ الكتاب على الناس? فقال أبو موسى. يا أمير المؤمنين إنه لا يدخل المسجد. قال: لم? أجنب هو? قال لا ولكنه نصراني، فانتهره عمر وقال: لا تدنوهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرموهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنوهم وقد خونهم الله، وقد نهيتكم عن استعمال أهل الكتاب، فإنهم يستحلون الرشا.
وعن ... أن عمر قال لأبي موسى: ائتني برجل ينظر في حسابنا، فأتاه بنصراني فقال: لو كنت تقدمت إليك لفعلت وفعلت، سألتك رجلاً أشركه في أمانتي فأتيتني بمن يخالف دينه ديني.
وعن سالم بن عبد الله بن عمر قال: كان عمر إذا نهى الناس عن أمر دعا أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإنما ينظر الناس إليكم نظر الطير اللحم، فإن وقعتم وقع الناس وإن هبتم هاب الناس، وإنه والله لا يقع أحد منكم في شيء نهيت الناس عنه إلا أضعف له العقوبة، لمكان مني، أخرجه عقيل بن خالد.
وعن ثعلبة بن أبي ملك القرظي أن عمر قسم مروطا بين نساء أهل المدينة فبقي منها مرط جيد، فقال بعض من عنده يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك - يريد أم كلثوم بنت علي - فقال: أم سليط أحق به، فإنها من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تزفن لنا القرب يوم أحد، خرجه البخاري، تزفن بالفاء تحمل.
وعن عمر أنه أرسل إلى كعب فقال: يا كعب كيف تجد نعتي? قال أجد نعتك قرن حديد، قال: وما قرن حديد? قال: لا تأخذك في الله لومة لائم، خرجه الضحاك.
وعنه أنه كان يقول: اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من مال عن الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين، خرجه ابن خيرون.

وروي أنه أقام خصمين بين يديه ثم عادا ثم أقامهما ثم عادا فقضى بينهما، فقيل له في ذلك: ني وجدت لأحدهما ما لم أجد للآخر، فعادا وقد ذهب بعض ذلك فقضيت بينهما.
ذكر تعبده
عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يحب الصلاة في كبد الليل - يعني وسط الليل - خرجه في الصفوة، وقد تقدم كيف يوتر في باب الشيخين.
وعن عبد الله بن ربيعة قال: صليت خلف عمر الفجر فقرأ سورة الحج وسورة يوسف قراءة بطيئة، خرجه أبو معاوية.
وعن عمرو بن ميمون قال: كان عمر ربما قرأ بسورة يوسف والسجدة ونحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس، خرجه البخاري.
وعن ابن عمر قال ما مات عمر حتى سرد الصوم، خرجه في الصفوة، وفيه دلالة لمن قال سرده أفضل من صوم يوم وفطر يوم.
وعنه أن عمر قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك". أخرجاه وزاد البخاري فاعتكف ليلة، وفيه حجة لمن قال يصح دون صوم، ونه يلزم الكافر بالتزامه، وإن لم يصح حال كفره.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "من أصبح صائماً اليوم?" قال عمر أنا، قال: "من تصدق اليوم"? قال عمر أنا، قال: "فمن عاد مريضاً?" قال عمر أنا، قال: "فمن تبع جنازة" قال عمر أنا، قال: قال: "وجبت لك". يعني الجنة. خرجه البغوي في الفضائل، وأبو عبد الله بن حبان وقد تقدم محمد في خصائص أبي بكر مثل ذلك من حديث مسلم عن أبي هريرة فإن صحت هذه الرواية كان ذلك في يوم آخر من غير أن يكون بينهما تضاد ولا تهافت.
وعن جعفر الصادق قال: كان أكثر كلام عمر الله أكبر، خرجه الخجندي.
وعن ابن عمر أن عمر أصاب أرضاً من أرض خيبر فقال: يا رسول الله أصبت أرضاً بخيبر لم اصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني? فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها". فتصدق بها عمر على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير ممول وفي لفظ: غير متماثل مالاً، أخرجاه.
وفي بعض الطرق أنه وصى بها إلى حفصة ثم إلى الأكابر من آل عمر وفي بعضها أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن المائة التي لي بخيبر لم أصب مالاً قط هو أعجب إلي منها وقد أردت أن أتصدق بها، فقال صلى الله عليه وسلم: "احبس أصلها وسبل ثمرتها". وفي بعضها قلت: يا رسول الله إن لي مالاً بثمغ أكره أن يباع بعدي قال: "فاحبسه وسبل ثمرته". خرج هذه الطرق وقد تقدم ذكر صدقته بسطر ماله وصدقة أبي بكر بجميع ماله في باب الشيخني. ثمغ مال لعمر معروف بالمدينة، وهو غير الذي تصدق به بخيبر.

ذكر زهده
وقد تقدم طرف منه في خصائصه، وفي النشر في أول الفصل.
وعن طلحة: ما كان عمر بأولنا إسلاماً ولا بأقدمنا هجرة ولكنه كان أزهدنا في الدنيا وأرغبنا في الآخرة.
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر العطاء فيقول له عمر أعطه يا رسول الله من هو أفقر إليه مني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك". قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسال أحداً شيئاً ولا يرد شيئاً أعطيه: خرجه مسلم.
وعن ابن أبي مليكة قال: بينا عمر قد وضع بين يديه طعام إذ جاء الغلام فقال. هذا عتبة بن فرقد بالباب، قال: وما أقدم عتبة ائذن له، فلما دخل رأى بين يدي عمر طعامه خبزاً وزيتاً فقال: اقرب يا عتبة فأصب من هذا، قال فذهب يأكل فإذا هو بطعام جشب لا يستطيع أن يسيغه فقال يا أمير المؤمنين: هل لك في طعام يقال له الحواري? قال: ويلك: أو يسع ذلك المسلمين? قال لا والله، قال يا عتبة: أفأردت أن آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها، أخرجه الفضائلي.
شرح - الجشب - والمجشوب الغليظ.
وعنه أنه دخل عليه وهو يكدم كعكاً شامياً ويتفوق لبناً حازراً فقلت يا أمير المؤمنين لو أمرت أن يصنع لك طعام ألين من هذا? فقال: يا ابن فرقد أترى أحداً من العب أقدر على ذلك مني? فقلت ما أجد أقدر على ذلك منك يا أمير المؤمنين، فقال عمر: سمعت الله عير أقواماً فقال: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها". خرجه الواحدي.

شرح: الكدم: العض والتفوق: الشرب شيئاً فشيئاً من فوقت الفصيل إذا سقيته فواقاً فواقاً، والفواق قدر ما بين الحلبتين، والحازر: بالحاء المهملة اللبن الحامض قال الجوهري.
وعن عمر أنه كان يقول لو شئت لدعوت بصلاء وصناب وصلائق كراكر وأسنمة وأفلاذ كثيرة من لطائف اللذات، ثم قال: ولكني لا أدعو بها ولا أقصد قصدها لئلا أكون من المتنعمين.
شرح - الصلاء - بالكسر والمد الشوي، والصناب: الخردل المعمول بالزيت وهو صناع يؤتدم به، والصلائق: الرقاق واحدتها صليقة، وقيل هي الحملان المشوية من صلقت الشاة إذا شويتها، ويروى بالسين المهملة وهو كل ما سلق من البقول وغيرها، والكراكر: جمع كركرة وهي الثفنة التي في زور البعير وهي إحدى الثفنات الخمس، والأفلاذ: جمع فلذة وهي القطعة و:انه أراد قطعاً من أنواع شتى.
وعنه أنه كان يقول والله ما يمنعنا أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ونأمر بالزبيب فينبذ لنا فنأكل هذا ونشرب هذا إلا أنا نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله تعلى يقول يذكر أقواماً: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها".
وعنه أنه اشتهى سمكاً طرياً وأخذ يرقي راحلة فسار ليلتين مقبلاً وليلتين مدبراً واشترى مكتلاً فجاء به، وقام يرقى إلى الراحلة يغسلها من العرق فنظرها عمر فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر! والله لا يذوق عمر ذلك.
وروي أنه كان يداوم على أكل التمر ولا يداوم على كل اللحم ويقول: إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر، أي أن له عادة نزاعة إليها كعادة الخمر، يقال منه ضري بالكسر به ضراً وضراوة وضراة إذا اعتاده.
وعن جعفر بن أبي العاص قال: أكلت مع عمر بن الخطاب الخبز والزيت والخبز واللبن والخبز والخل والخبز والقديد، وأقل ذلك اللحم الغريض، وكان يقول: لا تنخلوا الدقيق فإنه كله طعام، فأتي بخبز غليظ فجعل يأكل ويقول: لتأكلوا، فجعلنا نعتذر فقال: ما لكم لا تألون? فقلنا لا نأكله والله يا أمير المؤمنين، نرجع إلى طعام هو ألين من طعامك.
وعن حفصة قالت: دخل علي عمر فقدمت إليه مرقة باردة وصببت عليها زيتاً فقال: إدامان في إناء واحد، لا أذوقه أبداً حتى ألقى الله خرجه في فضائله.
وعن ابن عمر قال: دخل أمير المؤمنين عمر ونحن على مائدة فأوسعت له عن صدر المجلس فقال: بسم الله، ثم ضرب بيده في لقمة فلقمها ثم ثنى بأخرى ثم قال: إني لأجد طعم دسم غير دسم اللحم، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه فوجدته غالياً فاشتريت بدرهم من المهزول وجعلت عليه بدرهم سمناً فقال عمر: ما اجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين ولن يجتمعا عندي أبداً إلا فعلت ذلك.
وعن قتادة قال: كان عمر بن الخطاب يلبس وهو أمير المؤمنين جبة من صوف مرقعة بعضها من أدم ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس بها، ويهم بالنكث والنوى فيلقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا به. أخرجه الفضائلي.
شرح: النكث، الغزل المنقوض من الأخبية والأكسية ليغزل ثانية.
وعن أنس قال: لقد رأيت بين كتفي عمر أربعة رقع في قميص له، خرجه الفضائلي وصاحب الصفوة وقال ثلاث رقاع.
وعن الحسن قال: خطب عمر الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة. خرجه في الصفوة.
وعن عامر بن ربيعة قال: خرج عمر حاجاً من المدينة إلى مكة إلى أن رجع فما ضرب فسطاطاً ولا خباء إلا كان يلقى الكساء والنطع على الشجرة ويستظل تحتها.
وعن عمر أنه كان يقول: والله ما نعبأ بلذات العيش ولكنا نستبقي طيباتنا لأخرتنا، وكان رضي الله عنه يأكل خبز الشعير ويأتدم بالزيت ويلبس المرقوع ويخدم نفسه، خرجه الملاء.

وعن الأحنف بن قيس قال: أخرجنا عمر في سرية إلى العراق ففتح الله علينا العراق وبلد فارس وأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فحملناه معنا واكتسينا منها، فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمنا، فأشتد ذلك علينا، فشكونا إلى عبد الله بن عمر فقال: إن عمر زهد في الدنيا وقد رأى عليكم لباساً لم يلبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخليفة من بعده، فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا وأتيناه في البزة التي يعهدها منا، فقام فسلم علينا رجلاً رجلاً واعتنق رجلاً رجلاً حتى كأنه لم يرنا، فقدمنا إليه الغنائم فقسمها بيننا بالسوية، فعرض في الغنائم شيء من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر فذاقه عمر فوجده طيب الطعم طيب الريح فأقبل علينا بوجهه وقال: يا معشر المهاجرين والأنصار ليقتلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام، ثم أمر به فحمل إلى أولاد من قتل من المسلمين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ثم إن عمر انصرف ولم يأخذ لنفسه شيئاً. البزة بالكسر الهيئة.
وعن ... أنه لما فتح العراق وحملت إلى عمر خزائن كسرى قال له صاحب بيت المال ألا ندخله بيت المال? قال: لا والله! ولا يأوي تحت سقف حتى أقسمه، فبسط الأنطاع في المسجد وكشفوا عن الأموال فرأى منظراً عظيماً من الذهب والجوهر فقال: إن الذي أدى هذا لأمين، قالوا أنت أمين الله وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله فإذا زغت زاغوا، فقسمه ولم يأخذ منه لنفسه شيئاً خرجه في فضائله.

وروي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا في المسجد زهاء خمسين رجلاً من المهاجرين فقالوا: ما ترون إلى زهد هذا الرجل وإلى حليته وقد فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر وطرفي الشرق والغرب، ووفود العرب والعجم يأتون فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة فلم سألتموه معاشر أصحاب محمد أن يغير هذه الجبة بثوب لين فيهاب منظره، ويغدق عليه بحفنة من الطعام ويراح عليه بحفنة يأكلها من حضره من المهاجرين والأنصار، فقال القوم بأجمعهم ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب فإنه صهره، فكلموه فقال: لست بفاعل ذلك ولكن عليكم بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه، فقال الأحنف بن قيس فسألوا عائشة وحفصة وكانتا مجتمعتين فقالت عائشة: أسأله ذلك، وقالت حفصة: ما أراه يفعل وسيبين لك، فدخلتا عليه فقربهما وأدناهما، فقالت عائشة: أتأذن لي أن أكلمك? قال تكلمي يا أم المؤمنين فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مضى إلى جنة ربه ورضوانه لم يرد الدنيا ولم ترده، وكذلك مضى أبو بكر على أثره، وقد فتح الله عليك كنوز كسرى وقيصر وديارهما وحمل إليك أموالهما وذلك طرفا المشرق والمغرب، ونرجو من الله تعالى المزيد ورسل العجم يأتونك ووفود العرب يردون إليك وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة، فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك ويغدى عليك بحفنة من طعام ويراح عليك بأخرى تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار فبكى عمر عند ذلك بكاء شديداً ثم قال: سألتك بالله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبع من خبز بر عشرة أيام أو خمسة أو ثلاثة أو جمع بين عشاء وغداء حتى ألحق بالله? قالت لا، قال: أنشدك بالله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب إلهي على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض ويأمر بالمائدة فترفع قالت اللهم نعم، ثم قال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ولكما على المؤمنين حق وعلي خاصة، ولكن أتيتماني ترغبانني في الدنيا، وإني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة من صوف فربما حك جسمه من خشونتها، أتعلمان ذلك? قالتا نعم، قال فهل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقد على عباءة على طاق واحد وكان مسح في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطاً، وبالليل فراشاً ينام عليه ويرى أثر الحصير في جنبه، ألا يا حفصة أنت حدثتني أنك تثنيت المسح له ليلة فوجدها لينة فرقد عليه فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك يا حفصة: ماذا صنعت ثنيت المهد حتى ذهب بي النوم إلى الصباح، ما لي وما للدنيا وما للدنيا ومالي، شغلتموني بلين الفراش، يا حفصة: أما تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفورا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 3:08 pm


ذكر خوفه
عن أبي موسى قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس: "سلوني عما شئتم". فقال رجل من أبي? فقال: أبوك حذافة، فقال آخر من أبي يا رسول الله? فقال: "أبوك مولى شيبة". فلما رأى عمر ما في وجه النبي صلى الله عليه وسلم من الغضب قال يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل أخرجاه.
وعن أنس قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان ونحن نرى أن معه جبريل عليه السلام حتى صعد المنبر فما رأيت يوماً كان أكثر باكياً منه، قال: "سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء غلا أنبأتكم". فقال رجل يا رسول الله من أبي? قال أبوك حذافة، فقام إليه آخر فقال يا رسول الله أفي الجنة أنا أم في النار? فقال: "في النار" فقام إليه آخر فقال يا رسول الله أعلينا الحج كل عام? فقال: "لو قلت نعم لوجب ولو وجب لم تقوموا بها، ولو لم تقوموا بها عذبتم". قال فقال عمر بن الخطاب: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، لا تفضحنا بسرائرنا واعف عنا عفا الله عنك، قال فسرى عنه، ثم التفت إلى الحائط فقال: لم أر كاليوم في الخير والشر أريت الجنة والنار وراء هذا الحائط، خرجه بتمام هذا السياق الحافظ الدمشقي في الموافقات، وفي المتفق عليه طائفة منه، وخرج ابن ماجة من قصة الحج إلى آخره.
وعن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صومه فغضب، فقال عمر رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، خرجه مسلم.
وعن أبي بردة عامر بن أبي موسى قال: قال لي عبد الله بن أبي عمر هل تدري ما قال أبي لأبيك? قال قلت لا، قال فإن بي قال لأبيك أبي موسى هل يسرك أن إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتنا معه وشهادتنا معه وعلمنا كله معه برد علينا وأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافاً رأساً برأس، فقال أبوك لأبي: لا والله جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا وصمنا وعملنا خيراً كثيراً وأسلم على أيدنا بشر كثير وإنا لنرجو ذلك، قال أبي ولكني والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك برد لنا، وأن كل شيء عملنا بعده نجونا منه كفانا رأساً برأس، فقلت إن أباك والله كان خيراً من أبي، خرجه البخاري.
شرح: - برد لنا - أي ثبت واستقر.
وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس يوماً قباء من ديباج أهدى له ثم نزعه فأرسل به إلى عمر وقال: "نهاني عنه جبريل عليه السلام". فجاءه عمر يبكي فقال يا رسول الله كهرهت أمراً وأعطيتنيه فما لي، فقال: إني لم أعطكه تلبسه وإنما أعطيتكه تبيعه، فباعه بألف درهم، خرجه مسلم.
قال ابن إسحاق: لما وقع الصلح يوم الحديبية وطال الكلام بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو وثب عمر بن الخطاب فقال يا أبا بكر أليس برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بلى، قال: أولسنا بالمسلمين? قال بلى، قال: أوليسوا بالمشركين? قال بلى، قال: فلم نعطي الدنية في ديننا? فقال أبو بكر يا عمر الزم غرزه فأنا أشهد أنه رسول الله، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألست رسول الله? قال بلى قال: أولسنا بالمسلمين? قال بلى، قال: أوليسوا بالمشركين? قال بلى قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا? قال أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني، قال: فكان يقول عمر: فما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً.
وعن يحيى بن أبي كثير عن عمر أنه قال: لو نادى مناد من السماء يا أيها الناس لا يدخل النار إلا رجل واحد، لخفت أن أكون أنا ذلك الرجل، خرجه الملاء، وزاد غيره: لو ناد أنكم داخلون النار إلا رجلاً واحدا لرجوت أن أكون أنا.
وعن عبد الله بن عامر قال: رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه التبنة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أك شيئاً ليتني كنت نسياً منسياً.
وعن مجاهد قال: كان عمر يقول: لو مات جدي بطف الفرات لخشيت أن يطالب الله به عمر.
شرح الطف: اسم موضع بناحية الكوفة، فلعله المراد وأضيف إلى الفرات لكونه قريباً منه من قولهم طف الصاع لما قرب من ملئه.
وعن عبد الله بن عيسى قال: كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء، خرجهن في الصفوة.
وعن الحسن قال: كان عمر يبكي في ورده حتى يخر على و جهه ويبقى في بيته أياماً يعاد، خرجه الملاء.

وعن ابن الزبير قال: ما حدث عمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله تعالى "لا ترفعوا أصواتكم". فيسمع كلامه حتى يستفهم مما يخفض صوته فأنزل الله فيه "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله" الآية، خرجه الواحدي، وقد تقدم في باب الشيخين.
وعن أم سلمة قالت: دخل عليها عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمه قد خشيت أن يهلكني كثرة مالي، أنا أكثر قريش كلهم مالاً، فقالت يا بني تصدق، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه". فخرج عبد الرحمن فلقي عمر فأخبره ذلك فجاء عمر فدخل عليها فقال بالله منهم أنا? قالت لا؛ ولن أقول لأحد بعدك.
وفي رواية فبلغ ذلك عمر فأتاها يشتد ويسرع فقال: أنشدك بالله، أنا منهم? قالت لا ولن أبرئ بعدك أحداً أبداً، خرجه أبو عمر.
وعن أبي جعفر قال: بينما عمر يمشي في طريق من طرق المدينة إذ لقيه علي ومعه الحسن والحسين رضي الله عنهم فسلم عليه علي وأخذ بيده فاكتنفاهما الحسن والحسين عن يمينهما وشمالهما قال فعرض لعمر من البكاء ما كان يعرض له فقال له ما يبكيك يا أمير المؤمنين قال عمر ومن أحق مني بالبكاء يا علي وقد وليت أمر هذه الأمة أحكم فيها ولا أدري أمسيء أنا أم محسن، فقال له علي: والله إنك لتعدل في كذا وتعدل في كذا قال فما منعه ذلك من البكاء ثم تكلم الحسن بما شاء الله فذكر من ولايته وعدله فلم يمنعه ذلك. فتكلم الحسين بمثل كلام الحسن فانقطع بكاؤه عند انقطاع كلام الحسين فقال أتشهدان بذلك يا ابني أخي فسكتا، فنظر إلى أبيهما فقال علي اشهدا وأنا معكما شهيد، خرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن عبيد بن عمير قال بينما عمر بن الخطاب يمر في الطريق فإذا هو برجل يكلم امرأة فعلاه بالدرة فقال يا أمير المؤمنين إنما هي امرأتي فقام عمر فانطلق فلقي عبد الرحمن بن عوف فذكر ذلك له فقل له يا أمير المؤمنين إنما أنت مؤدب وليس عليك شيء وإن شئت حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا لا يرفعن أحد من هذه الأمة كتابه قبل أبي بكر وعمر". خرجه ابن الغطريف وخرج الملاء منه إلى قوله إنما هي امرأتي ولم يذكر ما بعده وقال فقال له فلم تقف مع زوجتك في الطريق تعرضان المسلمين إلى غيبتكما? فقال يا أمير المؤمنين الآن قد دخلنا المدينة ونحن نتشاور أين ننزل فرفع إليه الدرة وقال: اقتص مني يا عبد الله فقال: هي لك يا أمير المؤمنين، فقال: خذ واقتص فقال بعد ثلاث هي لله قال الله لك فيها.
وعن عمر وقد كلمه عبد الرحمن بإشارة عثمان وطلحة والزبير وسعد في هيبته وشدته وأن ذلك ربما يمنع طالب الحاجة من حاجته فقال والله لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين واشتددت حتى خشيت الله في الشدة فأين المخرج وقام يجر رداءه وهو يبكي، خرجه في فضائله.
وروي عنه أنه قرأ "إذا الشمس كورت". حتى بلغ "وإذا الصحف نشرت". فخر مغشياً عليه وبقي أياماً يعاد.
وروي عنه أنه خرج يوماً ومعه عبد الرحمن بن مسعود فإذا هو بضوء نار فاتبع الضوء حتى دخل داراً فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه فلم يشعر حتى هجم عمر فقال ما رأيت كالليلة أقبح من شيخ ينتظر أجله فرفع الشيخ رأسه وقال بل ما صنعت يا أمير المؤمنين أقبح إنك تجسست وقد نهى الله تعالى عن التجسس وإنك دخلت بغير إذن وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال عمر صدقت ثم خرج عاضاً على ثوبه ويقول ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه، قال وهجر الشيخ مجالس عمر حيناً ثم إنه جاءه شبيه المستحي فقال له ادن مني فدنا منه فقال له: والذي بعث محمداً بالحق ما أخبرت أحداً من الناس بالذي رأيت منك ولا ابن مسعود وكان معي، فقال الشيخ وأنا والذي بعث محمداً بالحق ما عدت إليه إلى أن جلست هذا المجلس خرجهما في فضائله.
وعن عمر أنه أرسل إلى عبد الرحمن بن عوف يستسلفه أربعمائة درهم فقال عبد الرحمن أتستسلفني وعندك المال ألا تأخذ منه ثم ترده، فقال عمر إني أتخوف أن يصيبني قدري فتقول أنت وأصحابك اتركوها لأمير المؤمنين حتى تؤخذ من ميزاني يوم القيامة ولكن أستلفها منك لما أعلم من شحك فإذا مت جئت فاستوفتيها من ميراثي خرجه القلعي.

وعن جابر بن عبد الله قال رأى عمر بن الخطاب لحماً ملقى في يدي فقال ما هذا يا جابر قال اشتهيت لحماً فاشتريته فقال عمر أوكلما اشتهيت اشتريت يا جابر ما تخاف الآية يا جابر "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا". خرجه الواحدي مسنداً.
ذكر محاسبته نفسه
عن أنس بن مالك قال سمعت عمر بن الخطاب وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله بني الخطاب أو ليعذبنك خرجه ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس وروى أنه كان يقول ما صنعت اليوم صنعت كذا صنعت كذا ثم يضرب ظهره بالدرة خرجه في فضائله.
ذكر ورعه
عن المسور بن مخرمة قال كنا نلتزم عمر نتعلم منه الورع.
وعن سلمة بن سعيد قال أتى عمر بمال فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال يا أمير المؤمنين لو حبست هذا المال في بيت المال لنائبة تكون، أو أمر يحدث فقل: فقال كلمة ما عرض بها الشيطان لقاني الله حجتها ووقاني فتنتها أعصى الله العام مخافة قابل أعدلهم تقوى الله قال تعالى "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب". وتكون فتنة على من بعدي. خرجه الفضائلي. ون ابن عمر أن عمر فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف أربعة آلاف وفرض لابن عمر ثلاثة وخمسمائة فقيل له هو من المهاجرين فلم تنقصه عن أربعة آلاف قال إنما هاجر به أبوه يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه، خرجه البخاري.
وعنه قال اشتريت إبلاً وارتجعتها إلى الحمى فلما سمنت قدمت بها قال فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً فقال لمن هذه فقيل لعبد الله بن عمر فجعل يقول يا عبد الله بخ بخ ابن أمير المؤمنين قال فجئته أسعى فقلت ما لك يا أمير المؤمنين، قال ما هذه الإبل? فقلت إبلاً أنضاء اشتريتها وبعثت بها الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال فقال ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر، اغد عرى رأس مالك واجعل باقية في بيت مال المسلمين، خرجه الفضائلي.
شرح - بخ بخ - قد تكررت، قال أبو بكر معناه تعظيم الأمر وتفخيمه وسكنت الخاء فيه كما سكنت في هل وبل، ويقال بالخفض والتنوين تشبيهاً بالأصوات كصه، ويقال بخ بخ بتشديد الخاء في الأولى.
وقال ابن السكيت بخ بخ وبه به بمعنى واحد - أنضاء - جمع نضو وهو البعير المهزول والناقة نضوة وقد أنضتها الأسفار فهي منضاة.
وعن قتادة قال: قدم بريد ملك الروم على عمر، فاستقرضت امرأة عمر ديناراً فاشترت به عطراً وجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى امرأة ملك الروم، فلما أتاها فرغتهن وملأتهن جواهر وقالت: اذهب به إلى امرأة ملك الروم، فلما أتاها فرغتهن وملأتهن جواهر وقالت: اذهب به إلى امرأة عمر، فلما أتاها فرغتهن على البساط فدخل عمر فقال ما هذا? فأخبرته فأخذ عمر الجوهر فباعه ودفع إلى امرأته ديناراً وجعل ما بقي من ذلك في بيت مال المسلمين، خرجه الفضائلي.
شرح - البريد - الرسول. وعن الأحنف بن قيس قال: سمعت عمر يقول: لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين حلة للشتاء وحلة للصيف وما أحج به وأعتمر عليه من الظهور وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم ثم أنا برجل من المسلمين، خرجه أيضاً الفضائلي وخرجه القلعي وزاد بعد وأنا رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم.
عن البراء بن معرور أن عمر خرج يوماً حتى أتى المنبر، وكان قد اشتكى شكوى فنعت له العسل وفي بيت المال عكة فقال: إن أنتم أذنتم لي فيها أخذتها وإلا فإنها علي حرام فأذنوا له، خرجه الرازي والفضائلي.
وعن عاصم بن عمر عن عمر أنه قال: لا أجده يحل لي أن آكل من مالكم هذا إلا كما كنت آكل من صلب مالي الخبز والزيت والخبز والسمن قال فكان ربما أتي بالحفنة قد صنعت بزيت وما يليه بسمن، فيعتذر إلى القوم فيقول: إني رجل عربي ولست أستمرئ هذا الزيت. وعنه أن عمر لما زوجه أنفق عليه من مال الله شهراً ثم قال يا يرقا اضرب عنه، ثم دعاني فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أي بني، قد نحلتك من مالي بالعالية، فانطلق إليه فأجدده ثم بعه ثم استنفق وأنفق على أهلك، خرجهما أبو معاوية الضرير.

وعن أبي سنان الدؤلي أنه دخل على عمر بن الخطاب وعنده نفر من المهاجرين الأولين فأرسل إلى سفط أتى به من قلعة من العراق فكان فيه خاتم فأخذه بعض بنيه فأدخله في فمه فانتزعه عمر منه ثم بكى عمر، فقال له من عنده لم تبكي وقد فتح الله لك وأظهرك على عدوك وأقر عينك? فقال عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة". فأنا أشفق من ذلك، خرجه أحمد. وروي أن عمر أتى بمسك فأمر أن يقسم بين المسلمين، ثم سد أنفه فقيل له في ذلك، فقال: وهل ينتفع إلا بريحه? ودخل يوم على زوجته فوجد معها ريح المسك، فقال ما هذا? قالت: إني بعت في مسك في بيت مال المسلمين وزنت بيدي، فلما وزنت مسحت إصبعي في قناعي، فقال: ناوليني قناعك فأخذه فصب عليه الماء فلم يزل يدلكه في التراب ويصب عليه الماء حتى ذهب ريحه، خرجهما الملاء في سيرته.
وعن عمر قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه فظننت أنه يبيعه برخص فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم فإن العائد في هبته كالعائد في قيئه". أخرجاه وهذا الحكم من باب الورع وإلا فالجواب متفق عليه.
وعن أنس قال: قرأ عمر وفاكهة وأباً قال فما الأب? ثم قال ما كلفنا وما أمرنا بهذا، خرجه البخاري. وعنه قال: كنا مع عمر وعليه قميص وفي ظهره أربع رقع، فسئل عن هذه الآية وفاكهة وأباً فقال: ما الأب، ثم قال مه! قد نهينا عن التكلف، ثم قال يا عمر: إن هذا لمن التكلف وما عليك ألا تدري ما الأب. خرجه البغوي والمخلص الذهبي.
وعن سعيد بن المسيب قال سئل عمر عن قوله تعالى: "والذاريات ذرواً" قال: هي الرياح ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته: قيل: "فالحاملات وقراً" قال: السحاب ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قتله. قيل "فالجاريات يسراً" قال السفن. ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قتله. قيل: "فالمقسمات أمراً" قال هي الملائكة. ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته. خرجه في فضائله.

ذكر تواضعه
وقد تقدم في أول الفصل في النثر منه طرف صالح من ذلك. وروي عنه أنه كان إذا قيل له اتق الله فرح وشكر قائله. وكان يقول: رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا. خرجه في فضائله.
وعن طارق بن شهاب قال: قدم عمر بن الخطاب الشام فلقيه الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء قد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطه قالوا له يا أمير المؤمنين! الآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحال قال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نلتمس العز من غيره. خرجه الملاء وصاحب الفضائل.
وعن عبد الله بن عمر أن عمر حمل قربة على عاتقه فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين ما حملك على هذا? قال: إن نفسي أعيتني فأردت أن أذلها خرجه الفضائلي أيضاً.
وعن زيد بن ثابت قال: رأيت على عمر مرقعة فيها سبع عشرة رقعة فانصرفت إلى بيتي باكياً ثم عدت في طريقي فإذا عمر وعلى عاتقه قربة ماء وهو يتخلل الناس، فقلت يا أمير المؤمنين??! فقال لي: لا تتكلم وأقول لك، فسرت معه حتى صبها في بيت عجوز وعدنا إلى منزله فقلت له في ذلك فقال: إنه حضرني بعد مضيك رسول الروم ورسول الفرس فقالوا لله درك يا عمر! قد اجتمع الناس على علمك وفضلك وعدلك، فلا خرجوا من عندي تداخلني ما يتداخل البشر فقمت ففعلت بنفسي ما فعلت.
وعن محمد بن عمر المخزومي عن أبيه قال: نادى عمر بالصلاة جامعة فلما اجتمع الناس وكثروا صعد المنبر فحمد الله وثنى عليه بما هو أهله وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بين مخزوم فيقبض لي من التمر والزبيب فأظل يومي وأي يوم ثم نزل. قال عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين: ما زدت على أن قميت نفسك - يعني عبت - قال ويحك يا بن عوف! إني خلوت بنفسي فحدثتني قالت أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك? فأردت أن أعرفها نفسها. خرجه الفضائلي أيضاً.

وروي عنه أنه قال: - في انصرافه من حجته التي لم يحج بعدها: - الحمد لله ولا إله إلا الله يعطي من يشاء ما يشاء، لقد كنت بهذا الوادي - يعني - ضجنان أرعى إبلاً للخطاب وكان فظاً غليظاً، يتعبني إذا عملت ويضربني إذا قصرت قد أصبحت وأمسيت وليس دون الله أحد أخشاه.
شرح - ضجنان - بناحية مكة.
وروي أنه قال يوماً على المنبر: يا معاشر المسلمين ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا كذا - ومسل رأسه - فقام إليه رجل فسل سيفه وقال أجل! كنا نقول بالسيف كذا - وأشار إلى قطعه - فقال إياي تعني بقولك? قال نعم إياك أعني بقولي، فنهره عمر ثلاثاً وهو ينهر عمر، فقال عمر: رحمك الله! الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا تعوجت قومني، خرجه الملاء في سيرته.
وعن عمر قال: تأيمت حفصة من خنيس بن حذيفة السهمي وكان ممن شهد بدراً، فلقيت عثمان بن عفان فقلت إن شئت أنكحتك حفصة، فقال انظر ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا فلقيت أبا بكر فعرضت عليه فصمت، ثم ذكر تزويجها من النبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي في مناقب حفصة من كتاب مناقب أمهات المؤمنين.
وعن محمد بن الزبير عن شيخ التقت ترقوتاه من الكبر يخبره أن عمر استفتى في مسألة فقال اتبعوني حتى انتهى إلى علي بن أبي طالب فقال: مرحباً يا أمير المؤمنين فذكره له المسألة فقال: ألا أرسلت لي? فقال: أنا أحق بإتيانك، خرجه ابن البختري في حديث طويل سنذكره في فضائل علي.
وروي أن عمر جاءه برد من اليمن وكان من جيد ما حمل إليه، فلم يدر لمن يعطيه من الصحابة، إن أعطاه واحداً غضب الآخر ورأى أن قد فضله عليه، فقال عند ذلك: دلوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة، فسموا له المسور بن مخرمة؛ فدفع الرداء إليه، فنظر إليه سعد فقال له: ما هذا الرداء? قال: كسانيه أمير المؤمنين فجاء معه إلى عمر فقال له: تكسوني هذا الرداء وتكسو ابن أخي مسور أفضل منه? فقال له: يا أبا إسحاق إني كرهت أن أعطيه رجلاً كبيراً فتغضب أصحابه فأعطيته من نشأة حسنة، لا تتوهم أني أفضله عليكم، قال سعد: فإني قد حلفت لأضربن بالرداء الذي أعطيتني رأسك، فخضع له عمر رأسه وقال له: يا أبا إسحاق وليرفق الشيخ بالشيخ. وعن أسيد بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن يسألهم أفيكم أويس بن عامر? حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر? قال نعم!! قال من مراد ثم من قرن قال نعم!! قال: فكان بك برص فبرئت منه إلا موضع درهم قال نعم! قال: ألك والدة? قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم، له والدة هو لها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل لي، فاستغفر له". فقال له عمر: أين تريد? قال الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها? قال: أكون في غبراء الناس أ؛ب إلي، قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس فقال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، ثم قال له: فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فأتى أويساً فقال استغفر لي، فقال: أنت أحدث عهد بسفر صالح فاستغفر لي، قال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهد بسفر صالح فاستغفر لي، قال: لقيت عمر? قال نعم فاستغفر له، ففطن له الناس فانطلق على وجهه. خرجه مسلم.
شرح - الغبرات - البقايا الواحد غابر ثم يجمع غبراء ثم غبرات جمع الجمع.

ذكر شفقته على رعيته وتفقد أحوالهم وإنصافه لهم
ونصحه إياهم
عن قيس بن أبي حازم قال: كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف فقال عمر: لأفضلنهم على من بعدهم خرجه البخاري.
وعن أبي هريرة قال: قدمت من البحرين فسألني عمر عن الناس فأخبرته، ثم قال ماذا جئت به? فقلت خمسمائة ألف، قال: ويحك!! هل تدري ما تقول? قلت نعم مائه ألف، ومائة ألف، ومائة ألف، ومائة ألف ومائة ألف، فقال: إنك ناعس، ارجع إلى أهلك فنم، فلما أصبحت طلبني فأتيته فقال: ماذا جئت به? قلت جئت بخمسمائة ألف، قال: ويحك!! هل تدري ما تقول? قلت نعم مائة ألف وعددتها خمس مرات، فقال: أطيب? قلت لا أعلم إلا ذاك، قال: فدون الديوان وفرض للمهاجرين خمسة آلاف وأربعة آلاف ولأمهات المؤمنين اثني عشر ألفاً.

وعن عدي بن حاتم قال: أتيت عمر في أناس من قومي فجعل يفرض للرجل من طيئ في ألفين ويعرض عني، قال: فاستقبلته فأعرض عني، ثم أتيته من حيال وجهه فأعرض عني، قال: فاستقبلته فأعرض عني، قال قلت: يا أمير المؤمنين أتعرفني? قال فضحك ثم قال؛ والله إني لأعرفك آمنت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وإن أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيئ، حيث جئت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ يعتذر له ثم قال: إنما فرضت لأقوام أجحفت بهم الفاقة وهم سادات عشائرهم لما ينوب من الحتوف، قال عدي: فلا أبالي إذاً. خرجه البخاري بتمامه، وهو لمسلم مختصر.
وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحرث لقي عمر بن الخطاب بعسفان - وكان قد استعمله على مكة - فقال: من استعملت على أهل الوادي? قال: ابن إبزي? فقال: مولى من موالينا، فقال: استعملت علهم مولى? فقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب قوماً ويضع به آخرين. خرجه مسلم.
وعن ليث بن أبي سليمان قال: بلغني أن عمر بن الخطاب عوتب في جهده نهاراً في أمور الناس وفي إجهاده ليلاً في أمور آخرته فقال لهم: إن أنا نمت نهاري ضاعت الرعية، وإن نمت ليلي ضيعت نفسي، فكيف بالنوم معهما? خرجه الملك في أماليه.
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال، خرجت مع عمر إلى السوق فلحقته امرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كراعاً ولا لهم ضرع ولا زرع وخشيت عليهم الضيعة، وأنا ابنة خفاف بن أيمن الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف معها ولم يمض وقال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً وجعل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها خطامه فقال: اقتاديه فلن يفني هذا حتى يأتيكم الله بخير، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين أكثرت لها، فقال: ثكلتك أمك!! والله إني لأرى أب هذه وأخاه وقد حاصرا حصناً زماناً فافتتحاه ثم أصبحنا نستفئ سهامهما. خرجه البخاري.
شرح - ظهير - أي قوي وناقة ظهير، وأصله من الظهير المعين.
ومنه: "والملائكة بعد ذلك ظهير".
وعنه أن عمر بن الخطاب طاف ليلة فإذا بامرأة في جوف دار لها حولها صبيان يبكون، وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء فدنا عمر من الباب فقال يا أمة الله!! لأي شيء بكاء هؤلاء الصبيان? فقلت: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذه القدر التي على النار? قالت: قد جعلت فيها ماء أعللها بها حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئاً، فجلس عمر يبكي، ثم جاء إلى دار الصدقة وأخذ غرارة وجعل فيها شيئاً من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة ثم قال: أي أسلم، احمل علي، قلت يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك، قال: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله لأني المسؤول عنه في الآخرة، قال: فحمله على عاتقه حتى أتى به منزل المرأة وأخذ القدر وجعل فيها دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر - وكانت لحيته عظيمة فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته - حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا ثم خرج، خرجه الفضائلي.
وعنه أن عمر كان يصوم الدهر وكان زمان الرمادة إذا أمسى أتي بخبز قد ثرد بالزيت إلى أن نحر يوماً من الأيام جزوراً فأطعمها الناس وغرفوا له طيبها، فتي به فإذا قدر من سنام ومن كبد، فقال: أي هذا? فقالوا: يا أمير المؤمنين من الجذور التي نحرنا اليوم، قال: بخ بخ!! بئس الوالي أنا!! أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديشها، ارفع هذه الجفنة، هات لنا غير هذا الطعام، فأتي بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز، ثم قال ويحك يا يرفا! احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيثت بمغ فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام أحسبهم مقفرين، فضعها بين أيديهم. خرجه صاحب الصفوة.

شرح - الرمادة - الهلاك، يشير والله أعلم إلى زمن القحط. والقدر القطع جمع قدرة، - وهي القطعة من للحم إذا كانت مجتمعة - وتمغ اسم مال لعمر، وقد تقدم بخ بخ تقدم شرحه أيضاً في ذكر الورع. وروي أنه عام الرمادة لم إذا اشتد الجوع بالناس وكان لا يوافقه الشعير والزيت ولا التمر وإنما يوافقه السمن، فحلف لا يأتدم بالسمن حتى يفتح على المسلمين عامه هذا، فصار إذا أكل خبز الشعير والتمر بغير أدم يقرقر بطنه في المجلس فيضع يده عليه ويقول: إن شئت قرقر وإن شئت لا تقرقر، ما لك عندي أدم حتى يفتح الله على المسلمين.
وروي أن زوجته اشترت له سمناً فقال: ما هذا? قالت: من مالي ليس من نفقتك، قال: ما أنا بذائقه حتى يجيء الناس، خرجهما في فضائله.
وعن أبي هريرة قال: خرج عمر عام الرمادة فرأى نحواً من عشرين بيتاً من محارب، فقال عمر: ما أقدمكم? قالوا: الجهد، قال: وأخرجوا لنا جلد ميتة مشوياً كانوا يأكلونه ورمة العظام يسحقونها ويسفونها، قال: فرأيت عمر طرح رداءه ثم نزل يطبخ لهم ويطعم حتى شبعوا، ثم أرسل أسم إلى المدينة فجاءه بأبعرة فحملها عليها ثم كساهم ثم لم يزل يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك.
وعن ... أن عمر خرج حاجاً في نفر من أصحابه حتى بلغ الأبواء إذا هو بشيخ على قارعة الطريق فقال الشيخ: يا أيها الركب قفوا فوقفوا له، وقال عمر: قال يا شيخ قال: أفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم? قالوا: لا وقد توفي! قال: أوقد توفي? قالوا نعم. فبكى حتى ظننا أن نفسه ستخرج من جنبيه، ثم قال: من ولي الأمة بعده، قال: أبو بكر، قال نجيب بني تيم قالوا: نعم، قال: أفيكم هو? قالوا: لا وقد توفي. قال: توفي! قالوا: نعم فبكى حتى سمعنا لبكائه نشيجاً، وقال: من ولي الأمة بعده? قالوا: عمر بن الخطاب، قال: فأين كانوا من أبيض بني أمية - يريد عثمان بن عفان - فإنه كان ألين جانباً وأقرب، ثم قال: إن كانت صداقة أبي بكر لعمر لمسلمة إلى خير، أفيكم هو? قالوا: هو الذي منذ اليوم يكلمك، قال: أغثني فإني لم أجد مغيثاً، قال: ومن أنت بلغك الغوث? قال: أنا أبو عقيل أحد بني مليك، لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فآمنت به وصدقت بما جاء به، فسقاني شربة سويق شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولها وشربت آخرها، فما برحت أجد شبعها إذا جعت وريها إذا عطشت وبردها إذا سخنت ثم يممت في رأس الأبيض أنا وقطعة غنم، أصلي في يومي وليلتي خمس صلوات وأصوم شهراً هو رمضان وأذبح شاة بعشر ذي الحجة أنسك بها حتى إذا أتت علينا السنة فما أبقت لنا منها غير شاة واحدة ننتفع بدرها فأكلها الذئب البارحة الأولى فأدركنا زكاتها وأكلناها وبلغناك فأغث أغاثك الله، قال عمر: بلغك الغوث بلغك الغوث، أدركني على الماء، قال الراوي: فنزلنا المنزل وأصبنا من فضل أزوادنا فكأني أنظر إلى عمر متقنعاً على قارعة الطريق، آخذاً بزمام ناقته لم يطعم طعاماً ينتظر الشيخ ويرمقه، فلما رحل الناس دعا عمر صاحب الماء فوصف له الشيخ وقال: إذا أتى عليك فأنفق عليه وعلى عياله حتى أعود عليك إن شاء الله تعالى. قال: فقضينا حجنا وانصرفنا، فلما نزلنا المنزل دعا عمر صاحب الماء فقال: هل أحسنت إلى الشيخ? قال نعم يا أمير المؤمنين، أتاني وهو موعدك فمرض عندي ثلاثاً ومات فدفنته وهذا قبره، فكأني أنظر إلى عمر وقد وثب مباعداً ما بين خطاه حتى وقف على القبر فصلى عليه ثم اعتنقه وبكى، ثم قال: كره الله له صلتكم واختار له ما عنده، ثم أمر بأهله فحملوا فلم يزل ينفق عليهم حتى قبض رضي الله عنه.
وروي عنه أنه كان إذا جاءه وفد من الأقطار استخبرهم عن أحوال الناس فيقولون: أما البلد الفلاني فإنهم يرهبون أمير المؤمنين ويخافون سطوته ويحذرون عقوبته، وأما البلد الفلاني فإنهم قد جمعوا في الأموال ما لا تحمله السفن وهم موجهون بها إليك، وأما البلد الفلاني فقد وجدنا بها عابداً في زاوية من زوايا المسجد ساجداً يقول في سجوده: "اللهم اغفر لأمير المؤمنين عمر زلته وارفع درجته" فيقول عمر: أما من خافني فلو أريد بعمر خير لما أخيف منه، وأما الأموال فلبيت مال المسلمين ليس لعمر ولا لآل عمر فيها شيء، وأما الدعاء الذي سمعتم بظهر الغيب فإنه ما أرجو أن يعيد الله من بركات الصالحين ودعواتهم علي فيغفر لي. وعن عروة بن رويم قال: بينما عمر بن الخطاب يتصفح الناس يسألهم عن امراء أجنادهم إذ مر بأهل حمص فقال: كيف أنتم وكيف أميركم? قالوا خير أمير يا أمير المؤمنين إلا أنه قد بنى علية يكون فيها فكتب كتاباً وأرسل بريداً وأمره إذا جئت باب عليته فاجمع حطباً وأحرق باب عليته، فلما قدم جمع حطباً وأحرق باب العلية، فدخل عليه الناس وذكروا أن ههنا رجلاً يحرق باب عليتك فقال: دعوه فإنه رسول أمير المؤمنين، ثم دخل عليه فناوله الكتاب فلم يضع الكتاب من يده حتى ركب، فلما رآه عمر قال احبسوه عني في الشمس ثلاثة أيام، فحبس عنه ثلاثاً حتى إذا كان بعد ثلاث قال يا ابن قرط الحقني إلى الحرة - وفيها إبل الصدقة وغنمها - حتى إذا جاء الحرة ألقى عليه ثمرة وقال: انزع ثيابك واتزر بهذه ثم ناوله الدلو فقال: اسق هذه الإبل فلم يفرغ حتى لغب، فقال: يا بن قرط متى كان عهدك بهذا? قال ملياً يا أمير المؤمنين، قال: فلهذا بنيت العلية وأشرفت بها على المسلمين والأرملة واليتيم، ارجع إلى عملك ولا تعد. لغب: أي تعب، ومنه: "وما مسنا من لغوب". ملياً: أي زماناً وحيناً.
وعن إبراهيم أن عمر كان إذا بلغه عن عامله أنه لا يعود المريض ولا يدخل عليه الضعيف نزعه، خرجهما سعيد بن منصور في سننه.
وعن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن: هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق? فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك، ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه فأتى إلى أمه وقال: ويحك! إني لأراك أم سوء، ما لي لا أرى ابنك لا يقر منذ الليلة? قالت يا عهد الله قد أبرمتني منذ الليلة، إني أربعة على الفطام فيأبى، قال ولم? قالت لأن عمر لا يفرض إلا للمفطم، قال فكم له? قالت كذا وكذا شهراً، قال: لا تعجليه، فصلى الفجر وما يستبين الناس ثم غلبه البكاء، فلما سلم قال: يا بؤسا لعمر، كم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر منادياً ينادي أن لا تعجلوا صبيانكم على الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام، خرجه صاحب الصفوة.
شرح - أبرمتني - أضجرتني - أربعه - أحبسه وأمرنه - البؤسى - خلاف النعي.
وروي أن عمر جاءته برود من اليمن ففرقها على الناس برداً برداً ثم صعد المنبر يخطب وعليه حلة منها فقال: اسمعوا رحمكم الله! فقام إليه رجل من القوم فقال: والله لا نسمع، والله لا نسمع، فقال: ولم يا عبد الله! قال لأنك يا عمر تفضلت علينا بالدنيا، فرقت علينا برداً براً وخرجت تخطب في حلة منها، فقال. أين عبد الله بن عمر? فقال: ها أنا يا أمير المؤمنين، فقال لمنم أحد هذين البردين اللذين عليّ? قال لي، فقال للرجل: عجلت يا عبد الله، غني كنت غسلت ثوبي الخلق فاستعرت ثوب عبد الله، قال: قل الآن نسمع ونطيع، خرجه الملاء في سيرته.

وعن أنس بن مالك بينما أمير المؤمنين عمر يعس ذات ليلة إذ مر بأعرابي جالس بفناء خيمة فجلس إليه يحدثه ويسأله ويقول له: ما أقدمك هذه البلاد? فبينما هو كذلك إذ سمع أنيناً من الخيمة فقال: من هذا الذي أسمع أنينه? فقال: أمر ليس من شأنك، امرأة تمخض، فرجع عمر إلى منزله وقال: يا أم كلثوم شدي عليك ثيابك واتبعيني، قال: ثم انطلق حتى انتهى إلى الرجل فقال له: هل لك أن تأذن لهذه المرأة أن تدخل عليها فتؤنسها، فأذن لها فدخلت فلم يلبث أن قالت يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام، فلما سمع قولها أمير المؤمنين وثب من حينه فجلس بين يديه وجعل يعتذر إليه فقال: لا عليك!! إذا أصبحت فائتنا فلما أصبح أتاه ففرض لابنه في الذرية وأعطاه. وعن ... أن عمر لما رجع من الشام إلى المدينة انفرد عن الناس ليعرف أخبارهم فمر بعجوز في خباها فقصدها فقالت: يا هذا ما فعل عمر: قال: هو ذا قد أقبل من الشام، قالت: لا جزاه الله عني خيراً، قال: ويحك! ولم? قالت:لأنه والله ما نالني من عطائه منذ ولي إلى يومنا هذا دينار ولا درهم، فقال: ويحك ما يدري عمر حالك وأنت في هذا الموضع? فقالت: سبحان الله ما ظننت أن أحداً يلي على الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها، قال: فأقبل عمر وهو يبكي ويقول: وا عمراه! وا خصوماه! كل واحد أفقه منك يا عمر، ثم قال لها: بكم تبيعيني ظلامتك منه فإني أرحمه من النار، قالت: لا تهزأ بنا يرحمك الله، قال لها عمر: ليس بهزء، فلم يزل بها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين ديناراً، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب وابن مسعود فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين فوضعت المرأة يدها على رأسها وقالت: وإذا سوأتاه!! شتمت أمير المؤمنين في وجهه، فقال لها عمر: لا لعيك يرحمك الله، قال: ثم طلب عمر قطعة جلد يكتب فيه فلم يجد فقطع قطعة من فروة كان لبسها وكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم" هذا ما اشترى عمر من فلانة ظلامتها منذ ولي إلى يومنا بخمسة وعشرين ديناراً، فما تدعي عند وقوفي في المحشر بين يدي الله عز وجل فعمر منه بريء، شهد على ذلك علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود، ثم دفع الكتاب إلى علي وقال: إذا أنا تقدمتك فاجعلها في كفني.
وعن الأوزاعي أن عمر بن الخطاب خرج في سواد الليل فرآه طلحة فذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل بيتاً آخر فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك? قالت: إنه معاهدي منذ كذا وكذا بما يصلحني ويخرج عني الأذى! فقال طلحة: ثكلتك أمك! أعثرات تتبع? خرجه صاحب الصفوة والفضائلي.
وعن ... أن عمر كان يخرج ظاهر المدينة ويتفقد أحوال الناس فصلى الظهر تحت شجرة كافر ووقف على رأسه وقال: أحسنت يا عمر عدلت فنمت، فلما استيقظ قبل رجليه وأسلم، فبكى عمر وقال: يا رب هلك عمر إن لم ترحمه.
وعن ابن عمر أن عمر رأى رجلاً يحتش في الحرم فقال: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا? قال لا، وشكا إليه الحاجة فرثى له وأمر له بشيء، خرجه المخلص الذهبي.
وعن عبد الله بن جعفر قال: رأيت عمر بن الخطاب وإنه ليدعو بالإناء فيه الماء فيعطيه معيقيباً - وكان رجلاً قد أسرع فيه ذلك الوجع - فيشرب منه ثم يتناوله عمر من يده فيتيمم بفمه موضع فمه حتى يشرب منه، فعرف أنه إنما يصنع ذلك فراراً من أن يدخل نفسه في شيء من العدوى، قال: وكان يطلب له الطب من كل من يسمع له بطب حتى قدم عليه رجلان من أهل اليمن فقال: هل عندكم من طب لهذا الرجل الصالح فغن هذا الوجع قد أسرع فيه? قالا: ما شيء يذهبه، فإنا لا نقدر عله، ولكنا نداويه بدواء يقفه فلا يزيد، قال عمر: عافية عظيمة أن يقف فلا يزيد، قالا: هذا ينبت في أرضك هذا الحنظل، قال نعم، قالا فاجمع لنا منه، قال فأمر عمر فجمع له منه مكتلان عظيماً، قال فعمد إلى كل حنظلة فقطعاها باثنين ثم أضجعا معيقيباً فأخذ كل واحد منهما بإحدى قدميه ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظل حتى إذا محقت أخذ أخرى حتى رأينا معيقيباً ينتخمه، أخضر مراً، ثم أرسلاه فقلا لعمر: لا يزيد وجعه هذا أبداً، وقال: فوالله ما زال معيقيباً منها متماسكاً ما يزيد وجعه حتى مات. خرجه أبو مسعود أحمد بن الفرات الضبي.

وعن ابن عمر قال: كتب عمر بن الخطاب فيمن غاب من الرجال من أهل المدينة عن نسائهم أن يردوهم: فليرجعوا إليهن أو يطلقوهن أو ليبعثوا إليهن بالنفقة، فمن طلق بعث نفقة ما ترك خرجه الأبهري.
وروي أنه كان يطوف ليلة في المدينة فسمع امرأة تقول:



ألا طال هذا الليل وازور جانبه


وليس إلى جنبي خليل ألاعبـه

فوالله لولا الله تخشى عواقـبـه


لزعزع من هذا السرير جوانبه

مخافة ربي والحـياء يردنـي


وأكرم بعلي أن تنال مراكبـه

ولكنني أخشى رقيباً مـوكـلا


بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتـبـه
فسأل عمر نساء: كم تصبر المرأة عن الرجل? فقلن شهرين، وفي الثالث يقل الصبر، وفي الرابع ينفذ الصبر، فكتب إلى أمراء الأجناد: أن لا تحبسوا رجلاً عن امرأته أكثر من أربعة أشهر.
وعن الشعبي قال: سمع عمر امرأة تقول:



دعتني النفس بعد خروج عمرو


إلى اللذات تطلـع اطـلاعـا

فقلت لها عجلت فلن تطاعـي


ولو طالت إقامتـه ربـاعـا

أحاذر أن أطيعك سب نفسـي


ومخزاةً تجللنـي قـنـاعـا
فقال لها عمر: ما الذي يمنعك من ذلك? قالت الحياء وإكرام زوجي، قال عمر: إن في الحياة لهنات ذات ألوان؛ من استحى استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وقى. خرجه ابن أبي الدنيا.
وعن ... أن رجلاً من الموالي خطب إلى رجل من قريش أخته وأعطاها مالاً جزيلاً فأبى القرشي من تزويجها، فقال له عمر: ما منعك أن تزوجه فإن له صلاحاً وقد أحسن عطية أختك? فقال القرشي: يا أمير المؤمنين إنا لنا حسباً وإنه ليس لها بكفء، فقال عمر: لقد جاءك يحسب الدنيا والآخرة؛ أما حسب الدنيا فالمال، وأما حسب الآخرة فالتقوى. زوج الرجل إن كانت المرأة راضية، فراجعها أخوها فرضيت فزوجها منه.

ذكر محافظته على مال المسلمين ومباشرة ذلك بنفسه ووصف
عثمان وعلي رضي الله عنهما إياه بالقوة والأمانة رضي الله عنه
تقدم في صدر هذا الفصل في النثر طرف جيد، ثم في ذكر زهده وذكر ورعه طرف صالح منه، وكذلك تقدم في غضون الأحاديث كثيرة مما يتضمن معناه. وعن أبي بكر العبسي قال: دخلت مع عمر وعثمان وعلي مكان الصدقة فجل عثمان في الظل يكتب، وقام علي على رأسه يملي عليه ما يقول عمر وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر، عليه بردتان سوداوان مؤتزر بواحدة وقد وضع الأخرى على رأسه، وهو يتفقد إبل الصدقة يكتب ألوانها وأسنانها، فقال علي لعثمان: أما سمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله عز وجل "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين". وأشار إلى عمر وقال: هذا القوي الأمين، خرجه المخلص وبن السمان في الموافقة.
وعن محمد بن علي بن الحسين عن مول لعثمان بن عفان قال: بينما أنا مع عثمان في ماله له في العالية في يوم صائف إذ رأى رجلاً يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحر، فقال عثمان: ما علي هذا? فنظرت فقلت أرى رجلاً معمماً بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال: انظر فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين، فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا لفح السموم فأعاد رأسه حتى إذا حاذاه قال: ما أخرجك هذه الساعة? فقال بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت ن يضيعاً فيسألني الله عنهما فقال عثمان: يا أمير المؤمنين هلم الماء والظل وتكفيك قال: عد إلى ظلك، فقلت عندنا من يكفيك، فقال: عد إلى ظلك ومضى، فقال عثمان: من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا خرجه الشافعي في مسنده.

ذكر كتبه لعماله وما كان ي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 3:16 pm


ذكر اختصاصه بخلال عشر اختبأها عند الله عز وجل
عن أبي بشور الفهمي قال سمعت عثمان بن عفان يقول: لقد اختبأت ربي عشراً إني لرابع أربعة في الإسلام وجهزت جيش العسرة وجمعت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وائتمنني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته ثم توفيت فزوجني الأخرى، وما تغنيت مما تمنيت، وما وضعت يدي اليمنى على فرجي منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مرت بي جمعة إلا وأنا أعتق فيها رقبة أن لا تكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا سرقت. خرجه الحاكمي. وقوله تمنيت أي كذبت، وقد تقدم وتغنيت من الغناء والله أعلم.
ذكر اختصاصه بآي من القرآن نزلت فيه
وقد تقدم من ذلك قوله تعالى: "والذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا.. الآية" واختصاصه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي عبادة الليل كله: عن ابن عمر في قوله تعالى "أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه" قال نزلت في عثمان، خرجه الواحدي والحاكمي والفضائلي.
وعن محمد بن حاطب قال سمعت علياً رضي الله عنه يقول يعني "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى" عثمان، خرجه الحاكمي.
وعن ابن عباس في قوله تعالى "هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم" قال عثمان، خرجه النجار.

الفصل السابع
في أفضليته بعد عمر رضي الله عنهما
وأحاديث هذا الفصل تقدمت في باب الأربعة وباب الثلاثة من حديث ابن عمر وغيره مستوفياً فلتنظر ثمة.
وعن النزال قال: قال عبد الله بن مسعود حين استخلف عثمان اسخلفنا خير من بقي ولم نأله. خرجه خيثمة بن سليمان والقلعي وصاحب الصفوة.
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال لعلي بعد أن شاور الصحابة إني قد رأيت القوم لا يعدلون بعثمان أحداً فلا تجعلن عليك حجة، خرجه القلعي.
وعن علي بن الموفق قال: قمت في ليلة باردة فتوضأت بماء بارد وتوجهت إلى القبلة فصليت وقرأت ألف مرة قل هو الله أحد فلما فرغت غلبتني عيناي فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله، القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق فسكت فقلت يا رسول الله القدر خيره وشره حلوه ومرة فسكت، فقلت يا رسول الله الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية فسكت، فقلت يا رسول الله خير الناس بعدك أبو بكر، فسكت، ثم قلت عمر بعد أبي بكر فسكت، ثم أردت أن أقول عثمان فاستحييت منه صلى الله عليه وسلم فقلت علي بعد عمر فقال لي ثم عثمان ثم علي وجعل يرددها ثم عثمان ثم علي قال: ثم أخذ بعضدي وقال لي يا علي بن الموفق هذه سنتي فاستيقظت، خرجه الحافظ السلفي.

الفصل الثامن
في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
تقدمت أحاديث هذا الفصل في باب العشرة وما دونها والأربعة، وفي باب الثلاثة من حديث أبي موسى وحديث أنس وحديث عائشة وحديث زيد بن أرقم، وحديث عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، وتقدم في فصل الخصائص حديث زيد بن أسلم وطلحة بن عبد الله في اختصاصه بمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
وعن عبد الله بن حوالة قال: قال صلى الله عليه وسلم: يهجمون على رجل يبايع الناس، مدثر ببرد، من أهل الجنة، فإذا هو عثمان.
وعن علي رضي الله عنه وقد سئل عن عثمان فقال ذاك ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه ضمن له بيتا في الجنة خرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صعد المنبر فنزل حتى قال: عثمان في الجنة. خرجه الحاكمي.
وعن عبد الله بن ظالم أن رجلا جاء إلى سعيد بن زير فقال له إني أبغضت عثمان بغضاً لم أبغضه شيئاً قط، قال بئس ما قلت أبغضت رجلا من أهل الجنة، خرجه أحمد في المناقب.

ذكر وصف حورية لعثمان في الجنة
عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي دخلت جنة عدن فوضع في يدي تفاحة فانتلقت عن حوراء عيناء مرضية كأن مقادم عينيها أجنحة النسور فقلت لمن أنت? فقالت للخليفة من بعدك عثمان بن عفان. خرجه خيثمة بن سليمان، وخرجه الحاكمي، وقالت للخليفة المقتول من بعدك. وخرجه الملاء عن أنس ولفظه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فناولني جبريل تفاحة ثم ذكر معنى ما بقي، وقال: قالت للخليفة المظلوم المقتول ظلما عثمان بن عفان. ولم يقل بعدك.
ذكر فعله أشياء موجبة للجنة طمعا فيها
تقدم من ذلك ما ورد في بئر رومة وفي توسيع المسجدين.
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن عثمان ابتاع حائطاً من رجل فساومه حتى قام على عثمان ثم قال: أعطي عشرة آلاف، فالتفت عثمان إلى عبد الرحمن بن عوف فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل أدخل الجنة رجلا كان سمحا بائعا ومبتاعا وقابضا ومقبضا، ثم قال زدتك العشرة آلاف لأستوجب هذه الكلمة التي سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو الخير الحاكمي.

الفصل التاسع
في ذكر نبذ من فضائله
كان عثمان رضي الله عنه السابقين الأولين، وصلى إلى القبلتين، وهاجر الهجرتين، وتزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعد من البدريين، ومن أهل بيعة الرضوان، ولم يشهدهما كما تقدم بيانه، وهو أحد من توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض. وقد تقدم ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة في باب ما دون العشرة في أحاديث حراء، وفي باب الثلاثة في أحاديث أحد وثبير.
ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه على الحق
عن كعب بن عجرة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها وعظمها قال ثم مر رجل مقنع في ملحفة فقال: هذا يومئذ على الحق فانطلقت فأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله، قال: هذا فإذا هو عثمان بن عفان خرجه أحمد، وخرج الترمذي معناه عن مرة بن كعب البهزي وقال: هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه ثم ذكر ما بعده وقال: حسن صحيح.
ذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه عند ثوران الفتنة
عن مرة بن كعب البهزي قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة قال: كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر قالوا: فنصنع ماذا يا رسول الله? قال: عليكم بهذا وأصحابه، أو اتبعوا هذا وأصحابه قال: فأسرعت حتى عطفت الرجل فقلت هذا يا نبي الله? قال هذا، فإذا هو عثمان بن عفان، أخرجه أبو حاتم وأحمد، وقال فيه: فأسرعت حتى عييت فلحقت بالرجل فقلت هذا يا نبي الله، ثم ذكر ما بقي.
شرح- صياصي- قرون البقر، وربما ركبت في الرماح مكان الأسنة، والصياصي الحصون.

ذكر وصفه بالأمين والحث على الكون معه
عن أبي حبيبة قال سمعت أبا هريرة، وعثمان محصور، استأذن في الكلام فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنها تكون فتنة واختلاف أو اختلاف وفتنة، قلنا يا رسول الله فما تأمرنا? قال: عليكم بالأمين وأصحابه وأشار إلى عثمان بن عفان، خرجه القزويني الحاكمي.
وعن كعب قال: والذي نفسي بيده إن في كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان الأمين، فالله الله يا معاوية في أمر هذه الأمة. ثم نادى الثانية: إن في كتاب الله المنزل ثم أعاد الثالثة، خرجه الأنصاري.

ذكر أن له شأنا في أهل السماء
عن زيد بن أبي أوفى حديث مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين أصحابه: وفيه: ثم دعا عثمان وقال: ادن يا أبا عمرو ادن يا أبا عمرو فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبته بركبته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء وقال: سبحان الله ثلاث مرات ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزرها صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال: اجمع عطفي ردائك على نحرك، ثم قال: إن لك لشأنا في أهل السماء أبا عمرو، ترد على حوضي وأوداجك تشخب دما فأقول: من فعل بك هذا? فتقول فلان وفلان، وذلك كلام جبريل. خرج هذا القدر أبو الخير الحاكمي، وخرج حديث المؤاخاة بكماله أبو القاسم الدمشقي، وقد تقدم في باب العشرة.
ذكر استجابته الله ولرسوله في فضائل أخر
عن عبد الله بن عدي بن الخيار بن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن ابن الأسود بن عبد يغوث قال: ما منعك أن تكلم عثمان في أخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه? فقصدت لعثمان حين خرج إلى الصلاة، قلت: إن لي إليك حاجة وهي نصيحة لك قال: يا أيها المرء منك? قال معمر: أعوذ بالله منك، فانصرفت فرجعت، فجاء رسول عثمان فأتيته فقال: ما نصيحتك? فقلت: إن الله قد بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله: فهاجرت الهجرتين، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد قال: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم? قلت: لا ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في خدرها.
قال: أما بعد فإن الله بعث محمداً بالحق فكنت ممن استجاب لله ورسوله وآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين كما قلت، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فو الله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله تعالى، ثم أبا بكر مثله، ثم عمر مثله، ثم استخلفت أفليس لي من الحق مثل الذي لهم. قلت: بلى! قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم? أما ما ذكرت من شأن الوليد فنأخذ فيه بالحق إن شاء الله تعالى. ثم دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين? خرجه البخاري.
وعن حصين بن المنذر قال: لما جيء بالوليد بن عقبة إلى عثمان- وقد شرب الخمر- قال عثمان لعلي: دونك ابن عمك فأقم عليه الحد قال: فجلده أربعين.
وفي رواية فقال علي: يا حسين قم فاجلده فقال: ما أنت هذا!? ولي هذا غيرك، قال: لا!! ولكنك ضعفت ووهنت وعجزت، وقال: قم يا عبد الله بن جعفر فأجلده، وعد علي حتى بلغ أربعين خرجه مسلم.

ذكر تبشيره صلى الله عليه وسلم عثمان بثبوت الإيمان
عن أنس بن مالك قال: عطس عثمان بن عفان عند النبي صلى الله عليه وسلم عطسات متواليات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عثمان ألا أبشرك? قال: بلى!! بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: فهذا جبريل يخبرني عن الله عز وجل: أن من عطس ثلاث عطسات متواليات كان الإيمان ثابتا في قلبه، خرجه أبو الخير الحاكمي وقال: إنما أراد به من عطس ثلاثاً وهو على مثل مقام عثمان في الحياء والإيقان، قلت: وهذا تحكم لا مستند له، بل إن صح الحديث فظاهره العموم، وتكون هذه خصيصا للمؤمنين.
ذكر شهادته صلى الله عليه وسلم بأن له الشفاعة يوم القيامة
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليشفع عثمان يوم القيامة في سبعين الفا عند الميزان من أمتي ممن استوجبوا النار.
وعن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة مثل أحد الحيين ربيعة ومضر، قيل: وكانوا يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان، خرجهما الملاء في سيرته.
وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يشفع عثمان يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر، خرجه الحاكمي القزويني.

ذكر تشبيهه صلى الله عليه وسلم عثمان بإبراهيم عليه السلام
عن مسلم بن يسار قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فقال: شبيه بإبراهيم صلى الله عليه وسلم، وإن الملائكة لتستحي منه. خرجه المخلص الذهبي والبغوي في الفضائل.
وقد تقدم في مناقب الأعداد أنه شبيه بهارون، فيحتمل أن يكون شبيها بإبراهيم في استحياء الملائكة منه أو في بعض صفاته وهارون في بعض.

ذكر فراسته
روي أن رجلا دخل على عثمان وقد نظر امرأة أجنبية فلما نظر إليه قال: هاء!! أيدخل علي أحدكم وفي عينيه أثر الزنا? فقال له الرجل: أوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم? قال: لا!! ولكن قول حق وفراسة صدق. خرجه الملاء في سيرته.
ذكر كراماته
عن نافع أن جهجاه الغفاري تناول عصا عثمان وكسرها على ركبته فأخذته الأكلة في رجله.
وعن أبي قلابة قال: كنت في رفقة بالشام إذ سمعت صوت رجل يقول يا ويلاه النار!! قال: فقمت إليه وإذا رجل مقطوع اليدين والرجلين من الحقوين أعمى العينين منكباً لوجهه فسألته عن حاله فقال: إني قد كنت ممن دخل على عثمان الدار فلما دنوت منه صرخت زوجته فلطمتها، فقال: مالك قطع الله يديك ورجليك وأعمى عينيك وأدخلك النار، فأخذتني رعدة عظيمة وخرجت هارباً فأصابني ما ترى ولم يبق من دعائه إلا النار قال: فقلت له بعداً لك وسحقاً، خرجهما الملاء في سيرته.

وعن مالك أنه قال: كان عثمان مر بحش كوكب فقال: إنه سيدفن ههنا رجل صالح، فكان أول من دفن فيه. خرجه القلعي.
ذكر متابعته للسنة
عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أفضت مع ابن مسعود من عرفة، فلما جاء المزدلفة صلى المغرب والعشاء كل واحد منهما بأذان وإقامة وجعل بينهما العشاء ثم نام، فلما قال قائل: طلع الفجر صلى الفجر، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هاتين الصلاتين أخرتا عن وقتهما في هذا المكان- المغرب، فإن الناس لا يأتون ههنا حتى يعتموا، وأما الفجر فهذا الحين، ثم وقف فلما أسفر قال: إن أصاب أمير المؤمنين السنة دفع، قال فما فرغ عبد الله حتى دفع عثمان.
وعن أبي شريح الخزاعي قال: كسفت الشمس في عهد عثمان بن عفان وبالمدينة عبد الله بن مسعود قال: فخرج عثمان فصلى بالناس تلك الصلاة: ركعتين وسجدتين في كل ركعة قال: ثم انصرف ودخل داره وجلس عبد الله إلى حجرة عائشة وجلسنا إليه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر فإذا رأيتموه قد أصابهما فافزعوا إلى الصلاة فإنها إن كانت الذي تحذرون كانت وأنتم على غير غفلة، وإن لم تكن كنتم قد أصبتم خيراً اكتسبتموه، خرجهما أحمد.

ذكر تعبده
عن محمد بن سيرين قال: كان عثمان يحيى الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن وعنه قال: قالت امرأة عثمان- حين أطافوا به يريدون قتله- إن يقتلوه أو يتركوه فإنه كان يحيى الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن. خرجهما أبو عمر.
وعن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: قلت لأغلبن الليلة على المقام، قال: فلما صلينا العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه قال: فبينا أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي فإذا هو عثمان بن عفان: فبدأ بأم القرآن يقرأ حتى ختم القرآن فركع وسجد ثم أخذ نعليه فلا أدري صلى قبل ذلك شيئاً أم لا: خرجه الحاكمي والملاء.
وعن مولاة لعثمان قالت: كان عثمان يصوم الدهر، خرجه أبو عمر وصاحب الصفوة.
وعن الزبير بن عبد الله عن جدته قالت: كان عثمان يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله خرجه في الصفوة.
وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: قلت لأغلبن اللية على الحجر يعني المقام فقمت فلما قمت إذا برجل متقنع زحمني فنظرت فإذا عثمان بن عفان فتأخرت فإذا هو يسجد سجود القرآن حتى إذا قلت: هذه هوادي الفجر أو تر بركعة لم يصل غيرها ثم انطلق. خرجه الشافعي في مسنده.

ذكر كثرة إعتاقه
عن أبي نشور الفهمي قال: قدمت على عثمان، فبينما أنا عنده فخرجت فإذا وفد أهل مصر قد رجعوا فدخلت عليه فأعلمته، قال: كيف رأيتهم? قلت: رأيت في وجوههم الشر، وعليهم ابن عدس البلوي، فصعد ابن عدس منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الجمعة وتنقص عثمان في خطبته، فدخلت عليه فأخبرته بما قام فيهم فقال: كذب والله ابن عدس، لولا ما ذكر ما ذكرت ذلك، إني والله لرابع أربعة في الإسلام وأنكحني رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته، ثم توفيت فأنكحني ابنته الأخرى؛ ما زنيت ولا سرقت في الجاهلية ولا في الإسلام، ولا تغنيت ولا تمنيت منذ أسلمت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أتت جمعة إلا ولنا عتق رقبة منذ أسلمت إلا أن لا أجد تلك الجمعة فأجمعها في الجمعة الثانية. أخرجه الرازي والفضائلي.
ذكر صدقاته
تقدم في الخصائص طرف جيد منها، عن ابن عباس قال: قحط الناس في زمان أبي بكر، فقال أبو بكر: لا تمسون حتى يفرج الله عنكم. فلما كان من الغد جاء البشير إليه قال: قدمت لعثمان ألف راحلة براً وطعاماً، قال: فغدا التجار على عثمان فقرعوا عليه الباب فخرج إليهم وعليه ملاءة قد خالف بين طرفيهما على عاتقه فقال لهم: ما تريدون? قالوا: قد بلغنا أنه قد قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً، بعنا حتى نوسع به على فقراء المدينة، فقال لهم عثمان: ادخلوا. فدخلوا فإذا ألف وقر قد صب في دار عثمان، فقال لهم: كم تربحوني على شرائي من الشام? قالوا العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر، قال: قد زادوني. قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة? قال: زادني بكل درهم عشرة، عندكم زيادة? قالوا: لا!! قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة قال عبد الله: فبت ليلتي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي وهو على برذون أشهب يستعجل وعليه حلة من نور وبيده قضيب من نور وعليه نعلان شراكهما من نور، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد طال شوقي إليك، فقال صلى الله عليه وسلم: إني مبادر لأن عثمان تصدق بألف راحلة، وإن الله تعالى قد قبلها منه وزوجه بها عروسا في الجنة، وأنا ذاهب إلى عرس عثمان. خرجه الملاء في سيرته.
ذكر زهده
عن شرحبيل بن مسلم قال: كان عثمان يطعم الناس طعام الإمارة ويأكل الخل والزيت. خرجه صاحب الصفوة والملاء والفضائلي.
وعن عبد الله بن شداد قال: رأيت عثمان يوم الجمعة يخطب وهو يومئذ أمير المؤمنين وعليه ثوب قيمته أربعة دراهم أو خمسة دراهم. خرجه الملاء.
وعن الحسن- وقد سأله رجل-: ما كان رداء عثمان? قال: قطري، قال: كم ثمنه? قال: ثمانية دراهم، قال: ما كان قميصه? قال: سنبلاني، قال: كم ثمنه? قال: ثمانية دراهم، قال: ونعلاه معقبتان مخصرتان لهما قبالان. خرجه البغوي في معجمه، وخرجه ابن الضحاك مختصراً بزيادة، ولفظه: أنه سئل عن رداء عثمان فقال: قطري، قيل: فما كان قميصه? قال: سنبلاني، قيل: فما كان إزاره? قال: سراويل، ونعلاه لهما قبالان مخصرتان معقبتان.
القطر- ضرب من البرود، يقال لها: القطرية. وسنبلاني- قال الهروي: يجوز أن يكون منسوباً إلى موضع من المواضع، ويقال إذا نسب ثوب تبلاني، وسنبل ثوبه إذا أسبله وجره من خلفه إلا أنه غير مراد هنا، لأنه ذكره في معرض المدح له. ومحضرتان- أي حف خصريهما حتى صارا مستذكين، وخصر كل شيء وسطه.

ذكر خوفه
عن أبي الفرات قال: كان لعثمان عبد فقال له: إني كنت عركت أذنك فاقتص مني. فأخذ بأذنه، ثم قال عثمان: اشدد، يا حبذا قصاص في الدنيا لا قصاص في الآخرة. خرجه ابن السمان في الموافقة.
وروي عنه أنه قال. لو أني بين الجنة والنار لا أدري إلى آيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى آيتهما أصير. خرجه إملاء.
عن حماد بن زيد قال: رحم الله أمير المؤمنين عثمان، وحوصر نيفاً وأربعين ليلة لم تبد منه كلمة يكون لمبتدع فيها حجة. خرجه الفضائل.
شرح: النيف- يخفف ويشدد وأصله من الواو، ويقال عشرة ونيف ومائة ونيف وكل ما زاد على العقد فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني.

ذكر تواضعه
عن الحسن قال: رأيت عثمان نائما في المسجد ورداؤه تحت رأسه فيجيء الرجل فيجلس إليه، ثم يجيء الرجل فيجلس إليه فيجلس كأنه أحدهم. خرجه في الصفوة، وخرج خيثمة معناه ولفظه: قال رأيت عثمان نائماً في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين. وخرجه الملاء ولفظه: رأيت عثمان يقيل في المسجد ويقوم وأثر الحصا في جنبه فيقول الناس: هذا أمير المؤمنين.
وعن علقمة بن وقاص أن عمرو بن العاص قام إلى عثمان وهو يخطب الناس فقال: يا عثمان إنك قد ركبت بالناس النهابير وركبوها منك، فتب إلى الله عز وجل وليتوبوا، قال: فالتفت إليه عثمان وقال: وأنت هناك يا ابن النابغة، ثم رفع يديه واستقبل القبلة وقال: أتوب إلى الله تعالى! اللهم إني أول تائب إليك. خرجه القلعي.
-النهابير- الرمال المشرفة وأراد: إنك ركبت شدائد وأموراً صعبة كما يصعب السير في الرمال.

ذكر شفقته على رعيته
عن سليمان بن موسى: أن عثمان بن عفان دعي إلى قوم كانوا على أمر قبيح فخرج إليهم فوجدهم قد تفرقوا ورأى أمراً قبيحا، فحمد الله إذ لم يصادفهم وأعتق رقبة. خرجه في الصفوة.
ذكر حسن صحبته لأهله وخدمه
عن جده الزبير بن عبد الله مولاة لعثمان قالت: كان عثمان لا يوقظ أحداً من أهله من الليل إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه. خرجه أبو عمر وصاحب الصفوة.
ذكر كثرة الخير في زمن ولايته
عن محمد بن سيرين قال: كثر المال في زمن عثمان فبيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم، ونخلة بألف درهم. وعن الحسن قال: كانت الأرزاق في زمن عثمان دارة والخير كثير.
ذكر ما جاء في الحث على حبه والتحذير من بغضه
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة يؤتى بعثمان وأوداجه تشخب دما، اللون لون دم والرائحة رائحة المسك، يكسى حلتين من نور، وينصب له منبر على الصراط فيجوز المؤمنون بنور وجهه، وليس لمبغضه منه نصيب. خرجه الملاء في سيرته.
وعن علي بن زيد بن جدعان قال: قال لي سعيد بن المسيب انظر إلى وجه هذا الرجل، فنظرت فإذا هو مسود الوجه، فقلت: حسبي، قال: إن هذا كان يسب عليا وعثمان فكنت أنهاه فلا ينتهي. فقلت: اللهم إن هذا يسب رجلين قد سبق لهما ما تعلم، اللهم إن كان يسخطك ما يقول فيهما فأرني فيه آية. فاسود وجهه كما ترى. خرجه أبو عمر، وخرجه خيثمة ولفظه: كنت جالساً عند سعيد بن المسيب فقال لي: قل لقائدك يذهب ينظر إلى هذا الرجل حتى أحد أحدثك، قال: فذهب: قال فرأيت رجلا أسود الوجه أبيض الجسد، فقال سعيد: هذا كان يسب عليا وعثمان وطلحة والزبير فقلت: إن كان كاذباً سود الله وجهه، فخرجت بوجهه قرحة فاسود وجهه. وخرج عن أنس أنه ذكر عنده أنه لا يجتمع حب علي وعثمان في قلب أبدا، فقال: كذبوا، والله إنا نحب عليا وعثمان.
وفي رواية كذبوا والله الذي لا إله إلا هو، لقد اجتمع حبهما في قلوبنا، ونحن كذلك والحمد لله.

ذكر ثناء علي رضي الله عنه على عثمان
تقدم في الخصائص قول علي: كان عثمان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب.
وعن أم عمرو بنت حسان بن يزيد بن أبي الغض- قال أحمد بن حنبل وكانت عجوز صدق- قالت حدثني أبي قال: دخلت المسجد الأكبر- مسجد الكوفة- وعلي قائم على المنبر يخطب الناس وهو ينادي بأعلى صوته ثلاث مرات: يا أيها الناس!! يا أيها الناس!! إنكم تكثرون في عثمان وإن مثلي ومثله كما قال الله تعالى: "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين". أيها الناس، هذه لنا خاصة. وعنه- وقد قيل له إنهم يقولون إن عليا قتل عثمان- فقال: قتله الذي قتله، لعن الله قتلة عثمان.
قال علي: أنا وطلحة وعثمان والزبير كما قال الله تعالى "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين". خرجهما ابن السمان.
وعن محمد بن حاطب قال: دخلت على علي وهو بالكوفة فقلت: يا أمير المؤمنين إني أريد الحجاز وإن الناس سائلي عنك، فما تقول في?- وكان متكئا- فجلس وقال تسائلني يا ابن حاطب عما أقول في عثمان? والله إني لأرجو أن أكون أنا وأخي عثمان ممن قال الله تعالى "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين". خرجه ابن السمان.
وعنه عن علي قال: عثمان من الذين آمنوا، ثم قرأ "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا". خرجه ابن حرب الطائي.
وعن ثابت بن عبد قال جاء رجل من آل حاطب إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين إني راجع الى المدينة، وإنهم سائلي عن عثمان، فماذا أقول لهم? قال: أخبرهم أن عثمان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين.
وعن محمد بن الحنفية قال: قال علي: لو سيرني عثمان إلى كذا لسمعت وأطعت.
وعن عروة بن الزبير قال: لما زاد عثمان في المسجد قال علي: ما أحسن ما صنع! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بني مسجدا بنى الله له بيتاً في الجنة.

وعن أبي سعيد قال: رأيت غلاما ما أدرى غلام هو أم جارية ما رأيت أحسن منه جالساً إلى جنب علي بن أبي طالب، فقلت له: عافاك الله!! من هذا الفتى إلى جانبك? قال: هذا عثمان بن علي، سميته بعثمان بن عفان، وقد سميت بعمر وبالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسميت بخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، وأما حسن وحسين ومحسن فإنما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتق عنهم أو حلق رءوسهم وتصدق بزنتها ذهبا، وأمر بهم فسموا. خرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن سعيد بن المسيب أنه جرى بين عثمان وعلي نزغ من الشيطان فما ترك أحدهما من الآخر شيئاً ثم لم يقوما حتى استغفر أحدهما للآخر. خرجه ابن السمان.
وعن محمد بن الحنفية قال: جاء إلى علي ناس من الناس فشكوا سعاة عثمان. قال فقال لي أبي: اذهب بهذا الكتاب إلى عثمان فقل له: إن الناس قد شكوا من سعاتك، وهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة فلتأخذ به. قال: فأتيت عثمان فذكرت له ذلك، فلو كان ذاكراً عثمان بشيء لذكره- يهني بسوء- خرجه أحمد في المناقب.

ذكر رؤية الحسن حق عثمان
عن أرطأة بن المنذر قال: لقي علي بن أبي طالب الحسن بن علي وهو خارج من عند عثمان قال: يا بني أما لي عليك حق الوالد? فقال الحسن: حق الخليفة أعظم من حق الوالد. خرجه ابن الضحاك.
ذكر ما كان بين أولاد علي وعثمان من الصلة.
بالمصاهرة كما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أبهز بن ميرز قال: حججت مرة فإذا غلامان صبيحان أبيضان مقرطان يطوفان بالكعبة وقد أطاف الناس بهما، فقلت: من هذان? قالوا: هذان ابنا علي وعثمان، فقلت: ألا ترى هؤلاء تزوج بعضهم بعضا وحجا معاً ومن حوالينا يقول يشهد بعضهم على بعض بالكفر.
قال وكيع هما ابن لعبد الله بن الحسين والآخر محمد بن عمرو بن عثمان، أمه فاطمة بنت الحسين. خرجه ابن السمان.

ذكر ثناء ابن عمر على عثمان
عن ابن عمر أنه سئل عن علي وعثمان فقال للسائل: قبحك الله! تسائلني عن رجلين كلاهما خير مني!? تريد أن أخفض من أحدهما وأرفع من الآخر! خرجه أبو عمر.
وعن سعيد بن عبد قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر محاسن عمله ثم قال: لعل ذاك يسوءك!! قال: نعم. قال: فأرغم الله أنفك، ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله ثم قال: ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لعل ذلك يسوءك! قال: نعم. قال: فأرغم الله أنفك! انطلق فاجهد على جهدك. خرجه البخاري.

ذكر ثناء البراء على عثمان
عن البراء بن عازب قال: لا تسبوا عثمان فإنه أخي وخليلي، لا تسبوا عليا فإنه أخي وخليلي. والذي نفسي محمد بيده لموقف أحدهم ساعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من الدنيا وما فيها. خرجه ابن البختري هكذا موقوفا على البراء، ولعله مرفوع. وأسقط الناسخ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر ثناء خارجة بن زيد عليه بعد موته
عن النعمان بن بشير قال أبي رجل يقال له خارجة بن زيد قد سجى عليه بثوب فوقف عليه فإذا هو يقول: عبد الله عثمان أمير المؤمنين العفيف المتعفف الذي يعفو عن ذنوب كثيرة خلت ليلتان وبقيت أربع. خرجه ابن الضحاك وابن أبي الدنيا.
الفصل العاشر
في خلافته وما يتعلق بها ذكر ما تضمن الدلالة على خلافته بعد عمر
وقد تقدمت أحاديث هذا الذكر في نظيره من باب الأربعة والثلاثة من تصريح وتلويح، وتقدم الكلام على ما تضمنته الأحاديث من مشكل، وبيان وجه الدلالة على المطلوب، وتقدم في فصل الشهادة له بالجنة في ذكر وصفنا الحورية طرف منه أيضا.
وعن الأسود بن هلال عن رجل من قومه قال: كنا نقول في خلافة عمر بن الخطاب: لا يموت عثمان حتى يستخلف. قلنا: من أين تعلم ذلك? قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت الليلة في المنام كأن ثلاثة من أصحابي ودقوا. الحديث: وتقدم أيضا في باب الثلاثة، وفيه بحث دقيق فلينظر ثمة.
وروي أن أبا بكر لما أملى على عثمان وصيته عند موته، فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أغمي عليه، فكتب عثمان عمر، فلما أفاق قال: من كتبت? قال: عمر قال: لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا. خرجه في الصفوة.

وعن يزيد بن أسلم عن أبيه قال: كتب عثمان بن عفان عهد الخليفة من بعد أبي بكر فأمره أن لا يسمي أحدا، وترك اسم رجل، فأغمي على أبي بكر إغماءة. فأخذ عثمان العهد وكتب فيه اسم عمر. قال: فأفاق أبو بكر فقال: أرنا العهد فإذا اسم عمر. قال: من كتب هذا? قال عثمان أنا! قال: رحمك الله وجزاك خيرا، فو الله لو كتبت نفسك لكنت لذلك أهلا. أخرجه ابن عرفة العبدي.
وعن حذيفة قال: قيل لعمر- وهو بالموقف-: من الخليفة بعدك? قال: عثمان بن عفان. خرجه خيثمة بن سليمان، وهذا خبر عن كشف واطلاع لا عن عهد.
وعن حارثة بن مضرب قال: حججت مع عمر فكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده عثمان. وحججت مع عثمان فكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده علي. خرجه البغوي في معجمه، وخرجه خيثمة وقال: حججت مع عمر حجتين فسمعت الحادي إلى آخره.

ذكر بيعته
بويع بالخلافة يوم السبت عاشر المحرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بثلاثة أيام باجتماع الناس عليه. ذكره ابن قتيبة وأبو عمر وغيره، واتخذ رضي الله عنه حاجبا هو حمران مولاه وكاتبا هو مروان بن الحكم. ذكره الخجندي وغيره وخاتما نقشه آمنت بالله مخلصا، وقيل آمنت بالذي خلق فسوى، وقيل لتصبرن او لتذمن. ذكره الخجندي أيضا وكان في يده خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبع به إلى أن وقع منه في يئر أريس. وقد تقدم ذكره في فصل خلافة أبي بكر ثم عمر. قال ابن قتيبة: وافتتح أيام خلافته الإسكندرية، ثم سابور، ثم افريقية، ثم قبرص، ثم سواحل الروم واصطخر الأخيرة وفارس الأولى، ثم خوزو وفارس الأخيرة، ثم طبرستان ودار ابجرد وكرمان وسجستان، ثم الأساورة في البحر، ثم أفريقية من حصون قبرص، ثم ساحل الأردن، ثم مرو. ثم حضر عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
ذكر حديث الشورى
عن عمرو بن ميمون أنهم قالوا لعمر بن الخطاب لما طعنه أبو لؤلؤة: أوص يا أمير المؤمنين. استخلف. قال: ما أرى أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. فسمى عليا وطلحة وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، قال: ويشهد عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء- كهيئة التعزية له- فإن أصاب الأمر سعد فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة. فلما توفي وفرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن. اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. فخلا هؤلاء الثلاثة علي وعثمان وعبد الرحمن فقال عبد الرحمن للأخرين: أيكما يتبرأ من هذا الأمر ونجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه وليحرصن على إصلاح الأمة? قال فأسكت الشيخان علي وعثمان، فقال عبد ارحمن: أفتجعلونه إلي? والله على أن لا آلو عن أفضلكم، قال: نعم! فأخذ بيد علي فقال: إن لك القدم والإسلام والقرابة ما قد علمت، الله عليك، لئن امرتك لتعدلن ولئن أمرت إليك لتسمعن ولتطيعن، ثم خلا بعثمان فقال له مثل ذلك. فلما أخذ الميثاق قال لعثمان: ارفع يدك فبايعه، ثم بايعه علي. ثم ولج الدار فبايعوه. خرجه البخاري وأبو حاتم.
وفي رواية ذكرها ابن الجوزي في كتاب منهاج أهل الإصابة في محبة الصحابة أن عبد الرحمن لما قال لعلي وعثمان أفتجعلونه إلي? قالا نعم قال لعلي: أبايعك على سيرة أبي بكر وعمر? فقال علي: واجتهاد رأي. فخاف أن يترخص من المباح ما لا يحتمله من ألف ذلك التشدد من سيرة الشيخين. فقال لعثمان: أبايعك على سيرة أبي بكر وعمر? فقال نعم فبايعه، فسار سيرة أبي بكر وعمر مدة ثم ترخص في مباحات فلم يحتملوها حتى أنكروا عليه.
وعن المسور بن مخرمة أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم في هذا الأمر ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن. فلما ولوه أمرهم انثال الناس على عبد الرحمن ومالوا إليه حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أحدا من أولئك، ومال الناس إلى عبد الرحمن يشاورونه ويناجونه تلك الليالي إذ كان الليلة التي أصبحنا فيها فبايعنا عثمان.

قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت. فقال: ألا أراك نائما فو الله ما اكتحلت هذه الثلاث بكثير نوم، فادع إلى الزبير وسعدا، فدعوتهما له فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي عليا فدعوته فناجاه حتى ابهار الليل، ثم قال ادع لي عثمان فدعاه فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن للصبح، فلما صلى الناس الصبح اجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل عبد الرحمن إلى من كان خارجا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد- وكانوا قد وافوا تلك الحجة مع عمر فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن فقال أما بعد يا علي فإني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، أفلا تجعل على نفسك سبيلا، وأخذ بيد عثمان فقال: أبايعك على سنة الله وسنة رسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون أخرجاه.
شرح الرهط ما دون العشرة ليس فيهم امرأة ومنه: كان في المدينة تسعة رهط وانثال الناس عليه وتناثلوا إذا انصبوا. وهجع من الليل وهجعة منه أي نومة خفيفة من أوله، وابهار الليل. وابتهر انتصف ويقال ذهب معظمه وأكثره، فابهار علينا الليل طال، والإشارة بقوله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض إلى ما تضمنه الحديث المتقدم في باب ما دون العشرة.
عن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس- إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك. يا أيها الناس- إني راض عن عمر وعلي وعثمان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن مالك وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الأولين فاعرفوا لهم ذلك. خرجه الخلعي، والحافظ الدمشقي في معجمه، فلذلك خصهم عمر بالذكر ولم يتعدهم إلى غيرهم لمكان تخصيصه صلى الله عليه وسلم إياهم بالذكر مع تعميمه حكم الرضا في المهاجرين الأولين، وكان هذا القول بعد حجة الوداع قريب الوفاة على ما تضمنه الحديث واعتماد عمر عليه يؤيد ذلك، ولو بعد عنها كان الأصل بقاءه، ولكن قربه أنسب، لترتب الاعتماد عليه وأبعد من تغير حكم الرضا، وإن جاز فهو مرجوح. وقد يتبادر إلى الأفهام أن المراد بالذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض بقية العشرة، ولو كان المراد أولئك لدخل سعيد بن زيد فإنه كان حاضراً لأنه كان من أمراء الأجناد، وقد تقدم في الحديث آنفا أنهم حضروا في ذلك العام، وتوفي عمر في آخر ذي الحجة قبل أن يتفرقوا، ويدل على ذلك وجه التنصيص أعني دخول سعيد بن زيد ممن حضر في ذلك العام حديث السقيفة عن ابن عباس وفيه: أن عمر خطب في يوم جمعة مرجعه من حجة الوداع وذكر حديث السقيفة. وذكر ابن عباس انه عجل الرواح ذلك اليوم فوجد سعيد بن زيد جالسا إلى ركن المنبر فدل على ما قلناه آنفا، على أن العشرة رضي الله عنهم وغيرهم من المهاجرين ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، لكن لم يرد فيهم تنصيص على الرضا عنهم على التعيين كما ورد في هؤلاء، وللتخصيص بالذكر والتنصيص راجحية، فلذلك اعتمدها عمر رضي الله عنه، وهذا في الاعتذار عن ذكر غيرهم من سعيد وغيره رضي الله عنهم أولى من جواب محمد بن جرير الطبري لما قيل له: العباس بن عبد المطلب مع جلالته وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنزلته لم يدخله عمر في الستة في الشورى. فقال إنه إنما جعلها في أهل السبق من البدريين، والعباس لم يكن مهاجرا ولا سابقاً ولا بدرياً، وهذا يعترض عليه بعثمان وطلحة فإنهما لم يحضرا بدرا. ولئن قال: ثبت لهما أجر بدريين وسهمهما فعدا من البدريين، قلنا: يشكل بسعيد بن زيد فإنه أسبق السابقين إسلاما وهجرة، وكان ممن لم يحضر بدرا إلا أنه أعطي سهم بدري وأجره فلينسحب عليه حكمهما، فعلم والحالة هذه أن لا موجب للتنصيص عليهم وتخصيصهم بالذكر دون غيرهم إلا ما تضمنه الحديث المذكور مما اعتمده عمر. والله أعلم.

ذكر اختيار كل واحد من أهل الشورى عثمان رضي الله عنهم
عن أسامة بن زيد عن رجل منهم أنه كان- يعني عبد الرحمن بن عوف- كلما دعا رجلا منهم- يعني من أهل الشورى- تلك الليلة ذكر مناقبه وقال: إنك لها أهل، فإن أخطأتك فمن? يقول: إن أخطأتني فعثمان. خرجه أبو الخير القزويني الحاكمي.
الفصل الحادي عشر
في مقتله وما يتعلق به ذكر شهادة النبي له صلى الله عليه وسلم
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة فقال: يقتل فيها هذا مظلوما، وأشار إلى عثمان! خرجه في المصابيح الحسان، وخرجه الترمذي وقال: يقتل مظلوما لعثمان، وقال: حديث حسن غريب، وخرجه أحمد وقال: يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان.
ذكر ما روي عن الصحابة أنه مظلوم
عن موسى بن حكيم قال: أشرف عثمان على المسجد فإذا طلحة جالس في المسجد في المشرق، قال يا طلحة: قال يا لبيك! قال نشدتك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يشتري قطعة يزيدها في المسجد. فاشتريتها من مالي? قال طلحة اللهم نعم! فقال يا طلحة. قال: يا لبيك! قال نشدتك بالله هل تعلمني حملت في جيش العشرة على مائة? قال طلحة: اللهم نعم. ثم قال طلحة: اللهم لا أعلم عثمان إلا مظلوما. أخرجه الدارقطني.
وعن الأوزاعي: أن عمر أرسل إلى كعب فقال: يا كعب كيف تجد نعتي? قال: أجد نعتك قرن حديد. قال وما قرن حديد? قال: لا تأخذك في الله لومة لائم، قال: ثم مه قال: يكون بعدك خليفة تقتله أمة ظالمة له، قال: ثم مه. قال: يقع البلاء. أخرجه ابن الضحاك.
وعن طلق بن حبيب قال: انطلقت من البصرة إلى المدينة حتى انتهيت إلى عائشة فسلمت فردت السلام وقالت ممن الرجل? فقلت من أهل البصرة: قالت: من أي أهل البصرة قلت من بكر بن وائل، قالت: من أي بكر بن وائل? قلت: من بني قيس بن ثعلبة قالت: من قوم فلان? قلت يا أم المؤمنين فيم قتل عثمان? قالت: قتل والله مظلوما لعن الله قتلته. أخرجه الحاكمي.

ذكر رؤيا أنس النبي صلى الله عليه وسلم مشيرا له إلى قتل عثمان وإخباره بما ترتب على ذلك
عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتف عثمان وقال: كيف أنتم إذا قتلتم إمامكم وتجلدتم بأسيافكم، وورث دنياكم شراركم? فويل لأمتي! فويل لأمتي إذا فعلوه!. خرجه الحاكمي.
ذكر استشعار ابن عمر منهم قتل عثمان
عن ابن عمر قال جاءني رجل في خلافة عثمان فإذا هو يأمرني أن أعتب على عثمان، فلما قضى كلامه قلت له: إنا كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل أمة محمد بعده أبو بكر وعمر ثم عثمان، وإنا والله ما نعلم عثمان قتل نفسا بغير حق ولا جاء من الكبائر شيئا، ولكنه هذا المال، إن أعطاكموه رضيتم وإن أعطاه قرابته سخطتم. إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم، لا يتركون لهم أميرا إلا قتلوه، ففاضت عيناه بأربعة من الدمع ثم قال: اللهم لا ترد ذلك خرجه الحافظ الدمشقي.
ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالصبر وصبره على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
عن الزبير بن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم صبر عثمان بن عفان. خرجه خيثمة بن سليمان.
وعن أبي سهلة قال: عثمان يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا وأنا صابر عليه. خرجه الترمذي وقال حسن صحيح، وخرجه أحمد وزاد: قال قيس فكانوا يرونه ذلك اليوم.

ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عثمان أنه يرد على الحوض وأوداجه تشخب دما
عن زيد بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: ترد علي الحوض وأوداجك تشخب دما فأقول: من فعل بك هذا? فتقول فلان وفلان وذلك كلام جبريل. خرجه الحافظ الدمشقي. وقد تقدم طرف من هذا المعنى من حديث ابن عمر في ذكر التحذير من بغضه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 3:25 pm


ذكر قدوم أهل مصر وغيرهم ممن تمالأ على قتله
واعتذاره إليهم مما نقموا وانصرافهم ثم عودهم بسبب الكتاب المزور، وإتيانهم عليا وسؤالهم منه القيام معهم إلى عثمان فأبى، ودعواهم عليه أنه كتب إليهم ليقدموا، وحلفه على أنه لم يكتب إليهم كتباً قط، وخروجه من المدينة ودخولهم على عثمان وتقريرهم له وإنكاره الكتاب وحلفه على ذلك، وحصارهم له وصبره على ذلك، ومحاورات جرت بينه وبينهم ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم مبشرا له بالفطر عندهم، ودخولهم عليه وقتلهم إياه رضي الله عنه، وبيان من قتله ومن صلى للناس مدة حصاره ومن حج بهم، وكم كان معه في الدار وكم مدة الحصار.
عن أبي سعيد مولى أبي سيد الأنصاري قال: سمع عثمان أن وفد أهل مصر قد أقبلوا فاستقبلهم، فلما سمعوا به أقبلوا نحوه إلى المكان الذي هو فيه وقالوا له: ادع بالمصحف. فدعا بالمصحف، فقالوا له: افتح السابعة. قال: وكانوا يسمون سورة يونس السابعة فقرأها حتى أتى على هذه الآية "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله أذن لكم أم على الله تفترون" فقالوا له قف! أرأيت ما حميت من الحمى آلله أذن لك به أم تفتري! فقال: امضه نزلت في كذا وكذا، وأما الحمى في إبل الصدقة فلما ولدت زادت في إبل الصدقة فزدت في الحمى لما زاد في إبل الصدقة. امضه. قال فجعلوا يأخذونه بآية آية فيقول: امضه نزلت في كذا وكذا، فقال لهم ما تريدون? قالوا نأخذ ميثاقك قال؛ فكتبوا عليه شرطا وأخذ عليهم أن لا يشقوا عصا ولا يفارقوا جماعة. فأقام لهم شرطهم وقال لهم: ما تريدون? قالوا نريد أن لا يأخذ أهل المدينة عطاء، قال: لا. إنما هذا المال لمن قاتل عليه، ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: فرضوا وأقبلوا معه إلى المدينة راضين. قال: فقام فخطب فقال: ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه، ومن كان له ضرع فليحتل بهز ألا وإنه لا مال لكم عندنا، إنما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال فغضب الناس وقالوا: هذا مكر بني امية، قال: ثم رجع المصريون فبينما هم في الطريق إذا براكب يتعرض لهم يفارقهم ثم يرجع إليهم ويسبهم، قالوا: ما لك? إن لك الأمان ما شأنك? قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر، قال ففتشوه فإذا هم بكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه إلى عامله بمصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم، فأقبلوا حتى قدموا المدينة فأتوا عليا فقالوا: ألم تر إلى عدو الله كتب فينا بكذا وكذا، وإن الله قد أحل دمه. قم معنا إليه فقال: والله لا أقوم معكم، قالوا فلم كتب إلينا? قال: والله ما كتبت إليكم كتابا قط، فنظر بعضهم إلى بعض ثم قال بعضهم إلى بعض: لهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون فانطلق علي فخرج من المدينة إلى قرية وانطلقوا حتى دخلوا على عثمان فقالوا: كتبت كذا وكذا فقال: إنما هما اثنتان: أن تقيموا على رجلين من المسلمين أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت، وقد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل وقد ينقش الخاتم على الخاتم فقالوا: والله أحل دمك ونقضوا العهد والميثاق فحاصروه فأشرف عليهم ذات يوم وقال: السلام عليكم! فما أسمع أحدا من الناس يرد عليه السلام إلا أن يرد رجل في نفسه، فقال: أنشدكم الله هل علمتم أني اشتريت بئر رومة من مالي فجعلت رشاي كرشا رجل من المسلمين! قيل نعم! قال فعلام تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر. أنشدكم الله هل علمتم أني اشتريت كذا وكذا من الأرض فزدته في المسجد قيل: نعم! فهل علمتم أن أحدا من الناس منع أن يصلي فيه قبلي. أنشدكم الله هل سمعتم نبي الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا- أشياء في شأنه عددها، قال: ورأيته أشرف عليهم مرة أخرى فوعظهم وذكرهم فلم تأخذ منهم الموعظة، وكان الناس تأخذ منهم الموعظة في أول ما يسمعونها، فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ منهم، فقال لامرأته: افتحي الباب ووضع المصحف بين يديه، وذلك أنه رأى من الليل أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول له: أفطر عندنا الليلة فدخل عليه رجل فقال: بيني وبينك كتاب الله فخرج وتركه ثم دخل عليه آخر فقال بيني وبينك كتاب الله المصحف بين يديه قال: فأهوى إليه بالسيف واتقاه بيده فقطعها، فلا أدري أبانها أو لم يبنها، قال عثمان أما والله إنها لأول كف خطت المفصل، وفي حديث غير أبي سعيد فدخل البحتري فضربه مشقصا فنصح الدم على هذه الآية "فسيكفيكم الله وهو السميع العليم" قال: وإنها في المصحف ما حكت قال في حديث أبي سعيد وأخذت بنت الفرافصة حلتها فوضعته في حجرها وذلك قبل أن يقتل فلما قتل تفاجت عنه فقال بعضهم: قاتلها الله ما أعظم عجيزتها: فعلمت أن أعداء الله لم يريدوا إلا الدنيا، أخرجه أبو حاتم. وذكر ابن قتيبة أنه سار إليه قوم من أهل مصر منهم محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن زيد في جند، وكنانة بن بشر في جند، وابن عديس البلوي، ومن أهل البصرة حكيم بن جبلة العبدي، وسدوس بنعنبس الشني ونفر من أهل الكوفة فاستعتبوه فأعتبهم وأرضاهم، ثم وجدوا بعد انصرافهم كتابا من عثمان عليه خاتمة إلى أمير مصر إذا نلت القوم فاضرب رقابهم فعادوا به إلى عثمان فحلف لهم أنه لم يأمر ولم يهلم فقالوا إن هذا عليك شديد، يؤخذ خاتمك من غير علمك وراحلتك! فإن كنت قد غلبت على نفسك فاعتزل، فأبى أن يعتزل وأن يقاتلهم، ونهى عن ذلك وأغلق بابه فحصروه أكثر من عشرين يوما وهو في الدار في ستمائة رجل، ثم دخلوا عليه من دار أبي حزم الأنصاري فضربه سيار بن عياض الأسلمي بمشقص في وجهه فسال الدم على مصحف في حجره، وأقام للناس الحج تلك السنة عبد الله بن عباس وصلى بالناس علي بن أبي طالب وخطبهم.عنبس الشني ونفر من أهل الكوفة فاستعتبوه فأعتبهم وأرضاهم، ثم وجدوا بعد انصرافهم كتابا من عثمان عليه خاتمة إلى أمير مصر إذا نلت القوم فاضرب رقابهم فعادوا به إلى عثمان فحلف لهم أنه لم يأمر ولم يهلم فقالوا إن هذا عليك شديد، يؤخذ خاتمك من غير علمك وراحلتك! فإن كنت قد غلبت على نفسك فاعتزل، فأبى أن يعتزل وأن يقاتلهم، ونهى عن ذلك وأغلق بابه فحصروه أكثر من عشرين يوما وهو في الدار في ستمائة رجل، ثم دخلوا عليه من دار أبي حزم الأنصاري فضربه سيار بن عياض الأسلمي بمشقص في وجهه فسال الدم على مصحف في حجره، وأقام للناس الحج تلك السنة عبد الله بن عباس وصلى بالناس علي بن أبي طالب وخطبهم.
وروي عن عبد الله بن سلام أنه قال: لما حضر عثمان ولى أبا هريرة على الصلاة، وكان ابن عباس يصلي أحيانا، وقام للناس الحج في ذلك العام عبد الله وكان عثمان قد حج عشر حجج متواليات. خرجه القلعي وقال الواقدي: حاصروه تسعة وأربعين يوما وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يوما.
وذكر ابن الجوزي في شرح الصحيحين في شرح الحديث الخامس من مسند عثمان: أن الذين خرجوا على عثمان هجموا على المدينة، وكان عثمان يخرج فيصلي بالناس وهم يصلون خلفه شهرا ثم خرج من آخر جمعة خرج فيها فحصبوه حتى وقع عن المنبر ولم يقدر يصلي بهم، فصلى بهم يومئذ أبو أمامة بن سهل بن أبي حنيف ثم حصروه ومنعوه الصلاة في المسجد، فكان يصلي ابن عديس تارة وكنانة بن بشر أخرى- وهما من الخوارج على عثمان- فبقوا على ذلك عشرة أيام ثم قتلوه.
وفي رواية- أنهم حصروه أربعين ليلة وطلحة يصلي بالناس وفي روياة أن علياً صلى بهم أكثر تلك الأيام.
وروي أن الجهجاه الغفاري قال له- بعد أن حصبوه ونزل من المنبر والله لنغربنك إلى جبل الرمال، وأخذ عصا النبي صلى الله عليه وسلم وكسرها بركبته فوقعت الآكلة في ركبته.

طريق آخر في مقتله وفيه بيان الأسباب التي نقمت عليه على سبيل الإجمال
عن ابن شهاب قال: قلت لسعيد بن المسيب هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان? وما كان شأن الناس وشأنه? ولم خذله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم? قال: قتل عثمان مظلوما، ومن قتله كان ظالما، ومن خذله كان معذرا، فقلت: وكيف كان ذلك? قال: لما ولي كره ولايته نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن عثمان كان يجب قومه فولي اثنتي عشرة حجة، وكان كثيراً ما يولي بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يجيء من أمرأته ما يكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة، وكان يستغاث عليهم فلا يغيثهم، فلما كان في الستة الحجج الأواخر استأثر بني عمه فولاهم وأمرهم، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر فشكا منه أهل مصر، وكان من قبل ذلك من عثمان هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر، وكانت هزيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها لأجل عبد الله بن مسعود، وكانت بنو غفار وأحلافهم ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها، وكانت بنو مخزوم جفت على عثمان لأجل عمار بن ياسر، وجاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح فكتب إليه يهدده فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان ومن كان من أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله فخرج جيش أهل مصر سبعمائة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه علي بن أبي طالب- وكان متكلم القوم- قال: إنما سألوك رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله دما فاعزله عنهم، وإن وجب عليه حق فأنصفهم من عاملك. فقال لهم: اختاروا رجلا فأشار الناس إلى محمد بن أبي بكر فكتب عهده وولاه، وخرج معهم مدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين ابن أبي سرح، فخرج محمد ومن معه فلما كانوا على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير خبطا حتى كأنه يطلب أو يطلب فقال له أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب? فقال لهم: أنا غلام أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر، قال رجل: هذا عامل مصر معنا، قال ليس هذا الذي يريد، وأخبروا بأمره محمد بن أبي بكر فبعث في طلبه رجالا فأخذوه فجاءوا به إليه فقال: غلام من أنت? فاعتل: مرة يقول أنا غلام أمير المؤمنين، ومرة يقول أنا غلام مروان، فقال له محمد إلى من أرسلت? قال إلى عامل مصر، قال: بماذا؛ قال: برسالة، قال: معك كتاب? قال لا قال ففتشوه فلم يجدوا معه كتاباً، وكانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل فرادوه فلم يخرج فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح فجمع محمد من كان معه من المهاجرين والأنصار وغيرهم ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاك فلان ومحمد وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابه وقف على عملك حتى يأتيك أمري إن شاء الله تعالى فلما قرءوا والكتاب فزعوا ورجعوا إلى المدينة وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودفع الكتاب إلى رجل منهم وقدموا المدينة فجمعوا طلحة والزبير وعليا وسعدا ومن كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم وقرءوا عليهم الكتاب وأخبروهم بقصة العبد فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك ذلك من غضب ابن مسعود وأبي ذر وعمار وقام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى منازلهم وما منهم من أحد إلا مغتم وحاصر الناس عثمان، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال له علي: هذا الغلام غلامك? قال نعم! والبعير بعيرك? قال نعم! قال فأنت كتبت الكتاب? قال: لا حلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا علمت به ولا وجهت بهذا الغلام الى مصر، وأما الخط فعرفوا أنه خط مروان، وسألوه يدفعه إليهم وكان معه في الدار فأبى وخشي عليه القتل فخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده غضاباً وعلموا أن عثمان لا يحلف بباطل، فحصره الناس ومنعوه الماء فأشرف على الناس وقال أفيكم علي قالوا: لا: قال أفيكم سعد? قالوا: لا!! فقال: ألا أحد يسقينا ماء? فبلغ ذلك علي فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء؛ فما كادت تصل إليه حتى خرج بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية، ثم بلغعلي أنهم يريدون قتل عثمان فقال: إنما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا!! وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل إليه؛ وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه؛ وبعث عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان، ويسألونه إخراج مروان.علي أنهم يريدون قتل عثمان فقال: إنما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا!! وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل إليه؛ وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه؛ وبعث عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان، ويسألونه إخراج مروان.
فلما رأى الناس ذلك رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن علي بدمائه وأصاب مروان سهم وهو في الدر، وكذلك محمد بن طلحة. وشج قنبر مولى علي، ثم إن بعض من حصر عثمان خشي أن يغضب بنو هاشم لأجل الحسن والحسين فتنتشر الفتنة فأخذ بيد رجلين فقال لهما إن جاء بنو هاشم فرأوا الدم على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تريدون، ولكن اذهبوا بنا نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد فتسوروا من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان وما يعلم أحد ممن كان معه، لأن كل من كان معه كان فوق البيت ولم يكن معه إلا امرأته، فقتلوه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها من الجلبة فصعدت إلى الناس فقالت إن أمير المؤمنين قتل، فدخل عليه الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان مذبوحا فانكبوا عليه يبكون? ودخل الناس فوجدوا عثمان مقتولا فبلغ عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا، فاسترجعوا وقال علي لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب? ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير، وخرج علي وهو غضبان فلقيه طلحة فقال: ما لك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين وكان يرى أنه أعان على قتل عثمان فقال عليك كذا وكذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدري لم تقم عليه بينة ولا حجة، فقال طلحة: لو دفع مروان لم يقتل، فقال علي لو أخرج إليكم مروان لقتل قبل أن تثبت عليه حكومة وخرج فأتى منزله وجاء الناس كلهم إلى علي ليبايعوه فقال لهم: ليس هذا إليكم إنما هو إلى أهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو الخليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا قال: ما نرى أحق لها منك؛ فلما رأى علي ذلك جاء المسجد فصعد المنبر، وكان أول من صعد إليه، وبايعه طلحة والزبير وسعد وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وطلب مروان فهرب، وطلب نفرا من ولد مروان وبني أبي معيط فهربوا، خرجه ابن السمان في كتاب الموافقة.

ذكر ما قال لهم حين بلغه توعدهم له بالقتل
عن أبي أمامة بن سهل قال: كنا مع عثمان وهو محصور في الدار فقال إنهم يتوعدوني بالقتل قال قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين، قال: وبم يقتلوني? سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل كفر بعد إسلامه، أو زني بعد إحصانه، أو قتل نفساً فيقتل بها? فوالله ما أحببت بديني بدلا منذ هداني الله، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط، ولا قتلت نفساً فبم يقتلوني؛ خرجه احمد.
وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال عثمان: إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيد فضعوها. خرجه أحمد.

ذكر طلبهم منه أن يخلع نفسه فأبى
تقدم طرف منه في الذكر الأول.
وعن عبد الله بن سلام: أنه بعث إليهم فقال لهم ما تريدون مني? قالوا أن تخلع نفسك، قال: لا أخلع سربالا سربلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: فهم قاتلوك، قال: لئن قتلوني لا يتحامون بعدي، ويقاتلون بعدي عدوا جميعا أبدا، فلما اشتد عليه الأمر أصبح صائما يوم الجمعة، فلما كان في النهار قام فقال: رأيت الآن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنك تفطر عندنا الليلة، فقتل من يومه.

ذكر رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وسقيه إياه الماء وتخييره إياه بين النصر والفطر عنده فاختار الفطر عنده واستعد لذلك بالصوم وبالعتق وغير ذلك
تقدم ذكر رؤياه النبي صلى الله عليه وسلم في الذكر قبله، وفي الذكر الأول.
وعن عبد الله بن سلام أنه قال أتيت عثمان وهو محصور أسلم عليه فقال مرحبا بأخي، مرحبا بأخي أفلا أحدثك ما رأيت الليلة في المنام! فقلت بلى! قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخوخة- وإذا خوخة في البيت- فقال: حصروك? فقلت نعم! فقال: عطشوك? فقلت: نعم فأدلى لي دلوا من ماء فشربت حتى رويت، فإني لأجد بردا بين كتفي وبين ثديي، قال إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا، قال: فاخترت أن أفطر عندهم، فقتل في ذلك اليوم، خرجه أبو الخير الحاكمي القزويني.
وعن مسلم عن أبي سعيد مولى عثمان أن عثمان أعتق عشرين مملوكا ودعا بسراويل فشدها عليه ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة وأبا بكر وعمر فقالوا لي: صبرا فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بيد يديه. خرجه أحمد.
وعن ابن عمر: أن عثمان أصبح يحدث الناس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام قال: يا عثمان أفطر عندنا غدا، فأصبح يحدث صائما وقتل من يومه. واختلاف الروايات محمول على تكرار الرؤيا، فكانت مرة نهارا ومرة ليلا.

ذكر عرض علي رضي الله عنه وغيره على عثمان قتال من قصده ودفعهم عنه
عن شداد بن أوس قال: لما اشتد الحصار بعثمان يوم الدار أشرف على الناس فقال يا عباد الله- قال: فرأيت علي بن أبي طالب خارجا من منزله معتما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه، أمامه الحسن وعبد الله بن عمر في نفر من المهاجرين والأنصار حتى حملوا على الناس وفرقوهم ثم دخلوا على عثمان فقال له علي: السلام عليك يا أمير المؤمنين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحق هذا الأمر حتى ضرب بالمقبل المدبر، وإني والله لا أرى القوم إلا قاتلوك فمرنا فلنقاتل فقال عثمان: أنشد الله رجلا رأى الله حقا وأقر أن لي عليه حقا أن يهريق في سبيلي ملء محجمة من دم أم يهريق دمه في، فأعاد علي عليه القول فأجابه بمثل ما أجابه. قال: فرأيت عليا خارجا من الباب وهو يقول: اللهم إنك تعلم أنا بذلنا المجهود، ثم دخل المسجد وحضرت الصلاة فقالوا له: يا أبا الحسن تقدم فصل بالناس فقال: لا أصلي بكم والإمام محصور، ولكن أصلي وحدي، فصلى وحده وانصرف إلى منزله فلحقه ابنه وقال: والله يا أبت قد اقتحموا عليه الدار، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، هم والله قاتلوه قالوا: أين هو يا أبا الحسن؛ قال في الجنة والله زلفى: قالوا: وأين هم يا أبا الحسن? قال: في النار والله ثلاثا.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخل أبو قتادة ورجل آخر على عثمان وهو محصور فاستأذناه في الحج فأذن لهم، فقالا له: إن غلب هؤلاء القوم مع من نكون? قال: عليكم بالجماعة، قال: فإن كانت الجماعة هي التي تغلب عليك، مع من نكون? قال فالجماعة حيث كانت، فخرجنا فاستقبلنا الحسن بن علي عند باب الدار داخلا على عثمان فرجعنا معه لنسمع ما يقول: فسلم على عثمان ثم قال: يا أمير المؤمنين مرني بما شئت فقال عثمان: يا ابن أخي ارجع واجلس حتى يأتي الله بأمره، فخرج وخرجنا عنه فاستقبلنا ابن عمر داخلاً الى عثمان فرجعنا معه نسمع ما يقول، فسلم على عثمان ثم قال يا أمي المؤمنين صحبت رسول الله فسمعت وأطعت، ثم صحبت أبا بكر فسمعت وأطعت، ثم صحبت عمر فسمعت وأطعت، ورأيت له حق الوالد وحق الخلافة، وها أنا طوع يديك يا أمير المؤمنين فمرني بما شئت، فقال عثمان: جزاكم الله يا آل عمر خيرا مرتين: لا حاجة لي في إراقة الدم لا حاجة لي في إراقة الدم، ثم دخل أبو هريرة متقلدا سيفه فقال الآن طاب الضراب، فقال له عثمان: عزمت عليك يا أبا هريرة لما أليقيت سيفك، قال: فألقيته فما أدرى من أخذه، ثم دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء القوم قد اجتمعوا عليك وهموا بك، فإن شئت أن تلحق بمكة وإن شئت أن تلحق بالشام فإن بها معاوية، وإن شئت فاخرج إلى هؤلاء فقاتلهم فإن معك عددا وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل، فقال عثمان. أما أن أخرج وأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء، وأما أن أخرج إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد رجل من قريش بمكة يكون عذابه نصف عذاب العالم. فلن أكون أنا وأما أن ألحق بالشام وفيهم معاوية فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عبد الله بن الزبير أنه قال لعثمان- حين حصر- عندي نجائب قد أعددتها فهل لك أن تحول عليها إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك? قال لا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش عليه مثل أوزار نصف الناس.
وعن المغيرة بن شعبة أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال إنك إمام العامة وإني أعرض عليك خصالا ثلاثاً اختر إحداهن: إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عدداً وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل، وإما أن نخرق لك باباً سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية، فقال له عثمان ثم ذكر ما تقدم في حديث أبي سلمة. خرجهما أبو أحمد وعن أبي هريرة قال: إني لمحصور مع عثمان في الدار قال: فرمي رجل منا فقلت يا أمير المؤمنين الآن طاب الضراب قتلوا منا رجلا، قال: عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك فإنما تراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي. قال أبو هريرة: فرميت سيفي لا أدري أين هو حتى الساعة. خرجه أبو عمر.

ذكر خبر عن علي رضي الله عنه يوهم ظاهره أنه مضاد لما تقدم عنه
عن عطاء أن عثمان دعا عليا فقال يا أبا الحسن إنك لو شئت لاستقامت علي هذه الأمة فلم يخالفني واحد فقال علي: لو كانت لي أموال الدنيا وزخرفها ما استطعت أن أدفع عنك أكف الناس، ولكني سأدلك على أمر هو أفضل مما سألتني: تعمل بعمل أخويك أبي بكر وعمر وأنا لك بالناس لا يخالفك أحد منهم، خرجه ابن السمان ولا تضاد بينهما، بل ذلك في حالين مختلفين، فكان هذا في مبتدأ الأمر قبل اجتماع الناس عليه في وقت يتمكن فيه من العمل بسنة الشيخين بحيث يشتهر عنه فلا يبقى لأحد عليه حجة، وقال له علي هذه المقالة رجاء عمله بسنة الشيخين ولم يكن قطعا يخطئه فيما هو عليه، فلذلك لم ينكر عليه ولا كان مصوباً له، وإلا فما كان أمره باتباع غيره مع رؤيته أنه إمام حق لا محالة، وإلا كان مع المتمالئين عليه ولما دعت الضرورة إلى الدفع عنه واجتمع الناس عليه- عرض عليه الدفع عنه ولم ير أن يفتات عليه في ذلك، بل رأى طواعيته له أولى من الدفع، وكذلك كل من عزم عليه عثمان في ترك الدفع عنه، والله أعلم. وسيأتي في فصل خلافة علي ما يدل على أنه نهض بنصرته فوجده قد مات.
ذكر من كان معه في الدار ومن دفع عنه
تقدم في الذكر الأول أنه كان معه في الدار ستمائة رجل. قال أبو عمر: كان معه في الدار ممن يريد الدفع عنه عبد الله بن عمر، وعبد الله ابن سلام، وعبد الله بن الزبير، والحسن بن علي، وأبو هريرة، ومحمد ابن حاطب، وزيد بن ثابت، ومروان بن الحكم، والمغيرة بن الأخنس، يومئذ قتل- أعني يوم قتل عثمان وطائفة من الناس.
وعن كنانة مولى صفية بنت حي بن أخطب قال: شهدت مقتل عثمان فأخرج من الدار أمامي أربعة من شباب قريش مضرجين بالدم محمولين كانوا يدرءون عن عثمان: الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم، قال محمد بن طلحة فقلت له هي تدمى محمد بن أبي بكر شيء من دمه? قال معاذ الله! دخل عليه فكلمه بكلام فخرج ولم ينل شيئاً من دمه? قال: فقلت من قتله? قال: قتله رجل من أهل مصر يقال له جبلة بن الأيهم. أخرجه أبو عمر.

ذكر زجر عبد الله بن سلام عن قتله وإخبارهم بما يترتب على ذلك
عن حميد بن هلال أن عبد الله بن سلام قال لهم: إن الملائكة لم تزل محيطة بمدينتكم هذه منذ قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولئن قتلتموه لتذهبن ثم لا تعود اليكم أبدا، أو إن السيف لا يزال مغموداً فيكم ووالله لئن قتلتموه ليسلنه عليكم ثم لا يغمد عنكم أبدا أو قال: إلى يوم القيامة. وما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفا، ولا قتل خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا. أخرجه أبو الخير الحاكمي، وخرجه القاضي أبو بكر بن الضحاك مختصرا.
ذكر من قتله
قال أبو عمر: يروى أن محمد بن أبي بكر دخل عليه فقال له قولا فاستحيا وخرج، ثم دخل رومان بن سرحان- رجل أزرق قصير من أصبح، معه خنجر- فاستقبله فقال: على أي دين أنت يا نعثل? فقال عثمان: لست بنعثل ولكني عثمان بن عفان، أنا على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين، فضربه على صدغه الأيسر فقتله- فخر وأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها، وكانت امرأة جسيمة ودخل رجل من أهل مصر معه السيف مصلتا وقال: والله لأقطعن أنفه فعالج امرأته فقبضت على السيف فقطع إبهامها، فقالت لغلام لعثمان- يقال له رباح ومعه سيف عثمان أعني على هذا وأخرجه عني، فضربه الغلام بالسيف فقتله، وقيل: قتله جبلة بن الأيهم، وقيل الأسود التجيبي، وقيل يسار بن عياض.
وقد تقدم ذكر ذلك. وأكثرهم يروي أن قطرة من دمه أو قطرات سقطت على المصحف على قوله فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم.

ذكر ما روي عنه من القول حين ضرب
عن هارون بن يحيى أن عثمان جعل يقول- حين ضرب والدماء تسيل على لحيته- لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستعديك وأستعينك على جميع أموري وأسألك الصبر على بليتي.
وعن عبد الله بن سلام أنه قال لمن حضر قتل عثمان وهو يتشحط في دمه وهو يقول اللهم اجمع أمة محمد والذي نفسي بيده لو دعا الله عز وجل على تلك الحال أن لا يجتمعوا أبدا ما اجتمعوا إلى يوم القيامة. أخرجه الفضائلي.

ذكر تاريخ مقتله
قال ابن اسحاق. قتل يوم الأربعاء بعد العصر ودفن يوم السبت قبل الظهر وقيل: يوم الجمعة لثمان عشرة أو سبع خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ذكر المدائني عن أبي معشر عن نافع: وقال أبو عثمان النهدي: قتل في وسط أيام التشريق.
وعن الليث قال: قتل مصدر الحاج سنة خمس وثلاثين

ذكر دفنه وأين دفن وكم ومن دفنه ومن صلى عليه
قال أبو عمر لما قتل أقام مطروحا يومه ذلك إلى الليل فحمله رجال على باب ليدفنوه فعرض لهم ناس ليمنعوهم من دفنه فوجدوا قبرا كان قد حفر لغيره فدفنوه، وصلى عليه جبير بن مطعم.
وقال الواقدي دفن ليلا ليلة السبت في موضع يقال له حش كوكب وأخفي قبره، وكوكب- رجل من الأنصار والحش البستان، كان عثمان قد اشتراه وزاده في البقيع، فكان أول من قبر فيه. قال مالك: وكان عثمان مر بحش كوكب فقال. إنه سيدفن هنا رجل صالح. خرجه القلعي. قال الواقدي وغيره وحمل على لوح وصلى عليه جبير بن مطعم في ثلاثة نفر هو رابعهم وقيل: المسور بن مخرمة وقيل: حكيم بن حزام. وقيل الزبير، وكان أوصى إليه. رواه أحمد. وقيل: ابنه عمرو بن عثمان. ذكره القلعي.

وعن عروة أنه قال أرادوا أن يصلوا على عثمان فمنعوا، فقال رجل من قريش- أبو جهم بن حذيفة دعوه فقد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجه القلعي. وقد قيل إن الذين تولوا تجهيزه كانوا خمسة أو ستة جبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة، ويسار بن مكرم وزوجتاه نائلة بنت الفرافصة، وأم البنين بنت عقبة، نزل قبره بيان وأبو جهم وجبير وكان حكيم ونائلة وأم البنين يدلونه، فلما دفنوه غيبوا قبره.
وعن الحسن قال: شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه. خرجه في الصفوة. وعن إبراهيم بن عبد الله بن فروخ عن أبيه مثله ولم يغسل خرجه البخاري عن البغوي في معجمه. وذكر الخجندي أنه أقام في حش كوكب ثلاثاً مطروحا لا يصلى عليه حتى هتف بهم هاتف ادفنوه ولا تصلوا عليه فإن الله عز وجل قد صلى عليه. وقيل صلى: عليه وغشيهم في الصلاة عليه وفي دفنه سواد فلما فرغوا منه نودوا أن لا روع عليكم اثبتوا، وكانوا يرون أنهم الملائكة.
وروى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن عبد الملك بن الماجشون عن مالك قال- لما قتل عثمان ألقي على المزبلة ثلاثة أيام فلما كان في الليل أتاه اثنا عشر رجلا منهم حويطب بن عبد العزي وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير وجدي فاحتملوه فلما صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه إذا هم بقوم من بني مازن قالوا: والله لئن دفنتموه ههنا لنجرن الناس غدا، فاحتملوه وكان على باب وإن رأسه على الباب ليقول طق طق حتى صاروا به إلى حش كوكب فاحتفروا له، وكانت عائشة ابنته معها مصباح في حق فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت فقال لها الزبير، والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عيناك، فسكتت فدفنوه. خرجه القلعي.

ذكر شهود الملائكة عثمان
تقدم في الذكر قبله طرف منه، وتقدم في خصائصه أن الملائكة تصلي عليه يوم يموت.
وعن سهم بن خنيس- وكان ممن شهد قتل عثمان- قال: فلما أمسينا قلت لئن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد فأمكنا له من جوف الليل، ثم حملناه فغشينا سواد من خلفنا فهبناهم حتى كدنا نتفرق فإذا مناد؛ لا روع عليكم اثبتوا فإنا جئنا لنشهده معكم، وكان ابن خنيس يقول: هم الملائكة. خرجه ابن الضحاك.

ذكر وصيته
تقدم في ذكر عرض الصحابة عليه القتال والدفع عنه، ووصيته أبا قتادة بالكون مع الجماعة.
وعن العلاء بن الفضل عن أمه قال: لما قتل عثمان فتشوا خزانته فوجدوا فيها صندوقاً مقفلا ففتحوه فوجدوا فيه ورقة مكتوب فيها: هذه وصية عثمان بسم الله الرحمن الرحيم عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، عليها يحيي وعليها يموت وعليها يبعث إن شاء الله. خرجه الفضائلي والرازي وخرجه نظام الملك- وزاد، ووجدوا في ظهرها مكتوباً:



غنى النفس يغـنـي الـنـفـس حـتـى يجـلـهـا


وإن غـضـهـا حـتـى يضـربـهـا الـفـقـر

وما عسرة فاصبر لها إن لقيتهابكائنة إلا سيتبعها يسر



ومن لم يقاس الدهر لم يعرف الأسى


وفـي غـير الأيام مـا وعـــد الـــدهـــر
ذكر مدة ولايته لا وقدر سنه
قال ابن اسحاق: كانت ولايتاه اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما، وقتل وهو ابن ثمانين سنة. وقال غيره: كانت ولايته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً وأربعة عشر يوما. وقيل في عمره: ثمان وثمانون سنة، وقيل: تسعون. وقال قتادة. ستة وثمانون وقال الواقدي: لا خلاف عندنا أنه قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
ذكر بكاء الجن عليه
عن عثمان بن مرة قال: حدثتني أمي قالت بكت الجن على عثمان في مسجد المدينة أو قال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجه الملاه في سيرته.
ذكر محو ابن الزبير نفسه من الديوان لموت عثمان
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما قتل عمر محا الزبير نفسه من الديوان فلما قتل عثمان محا ابن الزبير نفسه من الديوان... خرجه أبو عمر.
ذكر رؤيا ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم بعد قتل عثمان مخبرا له بحاله
عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على برذون وعليه عمامة من نور متعمم بها وبيده قضيب من الفردوس فقلت يا رسول الله إني إلى رؤياك بالأشواق وأراك مبادراً فالتفت إلي وتبسم وقال: إن عثمان بن عفان أضحى عندنا في الجنة ملكا عروسا وقد دعينا إلى وليمته فأنا مبادر. خرجه أبو علي الحسين بن عبد الله بن البنا الفقيه، وهو حديث غريب من حديث العلاء بن المسيب انفرد به محمد بن معاوية عن جرير، وخرجه أبو شجاع شيرويه الديلمي في كتاب المنتقى ولفظه عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي على برذون أبلق، عليه عمامة من نور معتجرا بها، وفي رجليه نعلان خضراوان، شراكه من لؤلؤ رطب، بكفه قضيب من قضبان الجنة، فسلم علي فرددت عليه ثم قلت بأبي أنت وأمي قد اشتد شوقي إليك فإلى أين تبادر? قال إن عثمان أصبح ملكا عروسا في الجنة وقد دعيت إلى عرسه.
وقد تقدم عن ابن عباس من حديث الملاء مثله في ذكر صدقته من فصل الفضائل، ولعل الرؤيا تكررت وهو الظاهر، ألا ترى إلى بعض ألفاظها?

ذكر رؤيا الحسن بن علي حال عثمان بعد قتله وأن الله يطلب بدمه
عن الحسن بن علي قال: ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رأيتها- رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده على العرش، ورأيت أبا بكر واضعاً يده على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت عمر واضعا يده على منكب أبي بكر، ورأيت عثمان واضعا يده على منكب عمر، ورأيت دما دونه فقلت: ما هذا? قالوا دم عثمان يطلب الله به. خرجه الديلمي في كتاب المنتقى.
ذكر ما قال علي لما بلغه قتل عثمان
عن أبي جعفر الأنصاري قال: دخلت مع المصريين على عثمان فلما ضربوه خرجت أشتد حتى ملأت فروجي عدواً حتى دخلت المسجد فإذا رجل جالس في نحو عشرة عليه عمامة سوداء، فقال: ويحك، ما وراءك? قلت: والله قد فرغ من الرجل، فقال: تبالك آخر الدهر، فنظرت فإذا هو على خرجه القلعي، وخرجه ابن السمان ولفظه- قال: لما دخل على عثمان يوم الدار خرجت فملأت مجتازا بالمسجد فإذا رجل قاعد في ظله النساء عليه عمامة سوداء وحوله نحو من عشرة فإذا هو علي، فقال ما صنع الرجل? قال قلت: قتل الرجل، قال: تبا لهم آخر الدهر.
ذكر تبري علي من دم عثمان وشهادته له بالإيمان
عن علي رضي الله عنه قال: من تبرأ من دين عثمان فقد تبرأ من الإيمان. والله ما أعنت على قتله ولا أمرت ولا رضيت. خرجه أبو عمر وابن السمان وزاد- ولا شاركت. وعن قيس بن عباد قال: سمعت عليا يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة فقلت ألا أستحي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة??. وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل في الأرض لم يدفن بعد فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس يسألون البيعة فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، قال: فقالوا يا أمير المؤمنين؛ فكأنما صدع قلبي وقلت: اللهم خذ مني حتى ترضى. خرجه ابن السمان في الموافقة والخجندي في الأربعين.
وعن ابن عباس عن علي قال: والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله ولكني نهيت؛ والله ما قتلت عثمان ولا أمرت ولكني غلبت. قالها ثلاثاً.
وفي رواية ولكني غلبت في قتل عثمان.
وعن محمد بن سيرين قال: لما قدم علي البصرة اعتذر على المنبر من قتل عثمان فقال: والله ما مالأت ولا شاركت ولا رضيت. خرجه ابن السمان.
وعن محمد بن الحنفية قال: لما كان يوم الدار أرسل عثمان إلى علي فأراد إتيانه فتعلقوا به ومنعوه، قال: فلوى عمامة له سوداء ونادى ثلاثا: اللهم إني لا أرضى قتل عثمان ولا آمر به. خرجه ابن السمان أيضاً.

ذكر أولوية علي بعثمان
عن وائل بن حجر أنه قال لمعاوية- وقد عاتبه في تخلفه عن نصرته- فقال: إنك قاتلت رجلا هو أحق بعثمان منك، قال: وكيف يكون أحق بعثمان مني وأنا أقرب إلى عثمان في النسب!? قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آخى بين عثمان وعلي، فالأخ أولى من ابن العم، خرجه الطبراني في قصة طويلة.
ذكر لعن قتلة عثمان ودعائه عليهم
عن محمد بن الحنفية أن عليا قال يوم الجمل: لعن الله قتلة عثمان في السهل والجبل.
وعنه أن عليا بلغه أن عائشة تلعن قتلة عثمان فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال: أنا ألعن قتلة عثمان، لعنهم الله في السهل والجبل- مرتين أو ثلاثاً- خرجهما ابن السمان، وخرج الثاني الحاكمي.
وعن يحيى بن سعيد قال: حدثني عمي أو عم أبي قال: لما كان يوم الجمل نادى علي في الناس لا ترموا بسهم ولا تطعنوا برمح ولا تضربوا بسيف ولا تبدءوهم بقتال، كلموهم باللطف. وقال: إن هذا يوم من أفلح فيه يوم القيامة. قال: فتوافقنا على ذلك حتى أتانا حر الحديد. ثم إن القوم نادوا بأجمعهم يا قارات عثمان: قال: وابن الحنفية أمامنا معه اللواء فناداه علي: يا ابن الحنفية ما يقولون? قال يا أمير المؤمنين: يقولون يا ثارات عثمان! قال فرفع علي يديه وقال: اللهم أكب قتلة عثمان اليوم لوجوههم. خرجه الحسين القطان وابن السمان في الموافقة.
وعن إسماعيل بن أبي خالد عن بعض أصحابه قال: قال علي يوم الجمل: ما يريد هؤلاء القوم? قال: يقولون قتلت عثمان. قال: فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم جلل قتلة عثمان، منك اليوم نجزى. خرجه ابن السمان أيضاً.

ذكر لعن الحسن بن علي وغيره من الصحابة قتلة عثمان
عن عبيد الله بن الزراد قال: حدثني رجل كان مع الحسن بن علي في الحمام قال: فوضع الحسن يده على الحائط، وقال: لعن الله قتلة عثمان، فقال الرجل: إنهم يزعمون أن علياً قتله، قال: قتله الذي قتله، لعن الله قتلة عثمان. خرجه ابن السمان.
وقد تقدم في أول الفصل لعن عائشة قتلة عثمان، خرجه الحاكمي.

ذكر بكاء بعض أهل البيت على عثمان
عن عبد الله بن الحسن أنه قد ذكر عنده قتل عثمان فبكى حتى بل لحيته. أخرجه ابن السمان.
ذكر تبري حذيفة من دم عثمان
عن حذيفة أنه قال لما بلغه قتل عثمان قال: اللهم إنك تعلم براءتي من دم عثمان، فإن كان الذين قتلوا عثمان أصابوا بقتله فأنا بريء منهم، وإن كانوا أخطئوا فإنك تعلم براءتي منه. أخرجه القزويني الحاكمي.
ذكر شهادته بأن قتله عثمان في النار
عن جندب قال: دخلت على حذيفة فقال لي: ما فعل الرجل- يعني عثمان-? فقلت. أراهم قاتليه، فمه!. قال! إن قتلوه كان في الجنة وكانوا في النار. أخرجه خيثمة.
وتقدم في ذكر عرض علي على عثمان الدفع عنه شهادته أيضاً أنهم في النار وأنه في الجنة.

ذكر أن أول الفتن قتل عثمان وأن من كان في قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان تبع الدجال
عن حذيفة قال: أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال. والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره. أخرجه السلفي الحافظ.
ذكر عدهم النجاة من قتل عثمان عافية
عن طاووس قال: لما وقعت فتنة عثمان قال رجل لأهله: أوثقوني بالحديد فإني مجنون، فلما قتل عثمان قال: خلوا عني فالحمد لله الذي شفاني من الجنون وعافاني من قتل عثمان، خرجه خيثمة بن سليمان.
ذكر استعظامهم قتله
عن سعيد بن زيد قال: لو أن أحداً انقض للذي صنعتموه بعثمان لكان محقوقا أن ينقض. خرجه البخاري.
وعن عبد الله بن سلام قال: لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا يغلق عنهم إلى قيام الساعة. أخرجه أبو عمر.
وعن ابن عباس قال: لو اجتمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمي قوم لوط. أخرجه الحاكمي.

ذكر استعظامهم جرأة قاتله
عن طاوس- وقد قال له رجل: ما رأيت أحداً أجرأ على الله من فلان- قال. إنك لم تر قاتل عثمان. خرجه البغوي.
ذكر اقتتال قتلة عثمان
عن الحسن قال: لقد رأيت الذين قتلوا عثمان تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر أديم السماء، وإن إنساناً رفع مصحفاً من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألم تعلموا أن محمداً قد بريء ممن فرق دينه وكانوا شيعاً?! خرجه في الصفوة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 3:37 pm


ذكر ما نقم على عثمان مفصلا والاعتذار عنه بحسب الإمكان
وذلك أمور: الأول- ما نقموا عليه من عزله جمعا من الصحابة منهم أبو موسى عزله عن البصرة وولاها عبد الله بن عامر ومنهم عمرو بن العاص عزله عن مصر وولاها عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وكان ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولحق بالمشركين فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه بعد الفتح إلى أن أخذ له عثمان الأمان ثم أسلم، ومنهم عمار بن ياسر عزله عن الكوفة، ومنهم المغيرة بن شعبة عزله عن الكوفة أيضا، ومنهم عبد الله ابن مسعود عزله عن الكوفة أيضا وأشخصه إلى المدينة.
الثاني- ما ادعوا عليه في الإسراف في بيت المال، وذلك بأمور منها: أن الحكم بن العاص لما رده من الطائف إلى المدينة وقد كان طرده النبي صلى الله عليه وسلم وصله من بيت المال. بمائة ألف درهم وجعل لابنه الحارث سوق المدينة يأخذ منها عشور ما يباع فيها، ومنها: أنه وهب لمروان خمس إفريقية ومنها: أن عبد الله بن خالد بن أسد بن أبي العاص بن أمية قدم عليه فوصله بثلثمائة ألف درهم، ومنها: ما رواه أبو موسى قال: كنت إذا أتيت عمر بالمال والحلية من الذهب والفضة لم يلبث أن يقسمه بين المسلمين حتى لا يبقى منه شيء، فلما ولي عثمان أتيت به فكان يبعث به الى نسائه وبناته، فلما رأيت ذلك أرسلت دمعي وبكيت، فقال لي ما يبكيك? فذكرت له صنيعه وصنيع عمر فقال: رحم الله عمر!! كان حسنة وأنا حسنة ولكل ما اكتسب. قال أبو موسى: إن عمر كان ينزع الدرهم الفرد من الصبي من أولاده فيرده في مال الله ويقسمه بين المسلمين، فأراك قد أعطيت إحدى بناتك مجمراً من ذهب مكللا باللؤلؤ والياقوت وأعطيت الأخرى درتين لا يعرف كم قيمتهما، فقال: إن عمر عمل برأيه ولا يألو عن الخير، وأنا أعمل برأيي ولا ألو عن الخير؛ وقد أوصاني الله تعالى بذوي قرباي؛ وأنا مستوص بهم أبرهم ومنها: ما قالوا إنه أنفق أكثر بيت المال في ضياعه ودوره التي اتخذها لنفسه ولأولاده، وكان عبد الله بن الأرقم ومعيقيب على بيت المال في زمان عمر، فلما رأيا ذلك استعفيا فعزلهما وولاه زيد بن ثابت وجعل المفاتيح بيده؛ فقال له يوما- وقد فضل في بيت المال فضلة- فقال: خذها فهي لك. فأخذها زيد فكانت أكثر من مائة ألف درهم.
الثالث- أنهم قالوا: حبس عن عبد الله بن مسعود وأبي عطاءهما وأخرج ابن مسعود إلى الربذة فكان بها إلى أن مات، وأوصى إلى الزبير وأوصاه أن يصلي عليه ولا يستأذن عثمان لئلا يصلي عليه، فلما دفن وصل عثمان ورثته بعطاء أبيهم خمس سنين.
الرابع- ما روي أنه حمى بقيع المدينة ومنع الناس منه وزاد في الحمى أضعاف البقيع.
الخامس- قالوا: إنه حمي سوق المدينة في بعض ما يباع ويشترى فقالوا: لا يشتري منه أحد النوى حتى يشترى وكيله من شراء ما يحتاج إليه عثمان لعلف إبله.
السادس- زعموا أنه حمى البحر من أن تخرج فيه سفينة إلا في تجارته.
السابع- أنه أقطع أصحابه إقطاعات كثيرة من بلاد الإسلام مما لم يكن له فعله.
الثامن- أنه نفي جماعة من أعلام الصحابة عن أوطانهم منهم أبو ذر الغفاري وجندب بن جنادة؛ وقصته فيما نقلوه: أنه كان بالشام، فلما بلغه ما أحدث عثمان ذكر عيوبه للناس، فكتب إليه عثمان أن أشخصه إلي على مركب وعر وسائق عنيف؛ فأشخصه معاوية على تلك الصورة، فلما وصل عثمان قال له: لم تفسد علي? أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا ثم يريح الله العباد منهم. فقال عثمان لمن بحضرته من المسلمين: أسمعتم هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم? قالوا لا، فدعا عثمان عليا فسأله عن الحديث فقال: ألم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر. فاغتاظ عثمان وقال لأبي ذر: اخرج من هذه البلدة فخرج منها إلى الربذة فكان بها إلى أن مات.

التاسع- قالوا: إن عبادة بن الصامت كان بالشام في جند، فمر عليه قطار جمال تحمل خمراً وقيل إنها خمر تباع لمعاوية، فأخذ شفرة وقام إليها فما ترك منها راوية إلا شقها، ثم ذكر لأهل الشام سوء سيرة عثمان ومعاوية، فكتب معاوية إلى عثمان يشكوه وسأل إشخاصه إلى المدينة فبعث إليه واستدعاه، فلما دخل عليه قال: ما لنا ومالك يا عبادة تنكر علينا وتخرج عن طاعتنا? فقال عبادة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طاعة لمن عصى الله تعالى.
العاشر- هجره لعبد الله بن مسعود، وذلك أنه لما عزله عن الكوفة، وأشخصه إلى المدينة هجره أربع سنين إلى أن مات مهجوراً. وسبب ذلك فيما زعموا أن ابن مسعود لما عزله عثمان من الكوفة وولى الوليد بن عقبة ورأى صنيع الوليد في جوره وظلمه، فعاب ذلك وجمع الناس بمسجد الكوفة وذكر لهم أحداث عثمان ثم قال: أيها الناس- لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم وبلغه خبر نفي أبي ذر إلى الربذة فقال في خطبته بمحفل من أهل الكوفة: هل سمعتم قول الله تعالى "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم" وعرض بذلك لعثمان، فكتب الوليد بذلك إلى عثمان فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به الأرض وأمر بإحراق مصحفه وجعل منزله حبسه عطاءه أربع سنين إلى أن مات، وأوصى الزبير بأن لا يترك عثمان يصلي عليه. وزعموا- أيضا أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده وقال له: استغفر الله لي، فقال: اللهم إنك عظيم العفو كثير التجاوز، فلا تتجاوز عن عثمان حتى تقيد لي منه.
الحادي عشر- نقلوا أنه قال لعبد الرحمن بن عوف إنه منافق وذلك أن الصحابة لما نقموا على عثمان ما أحدثه وعاتبوا عبد الرحمن في توليته إياه في اختياره فندم على ذلك وقال: إني لا أعلم ما يكون والآن الأمر إليكم، فبلغ قوله عثمان فقال إن عبد الرحمن منافق، وإنه لا يبالي ما قال؛ فحلف ابن عوف لا يكلمه ما عاش، ومات على هجرته، وقالوا: فإن كان ابن عوف منافقا كما قال فما صحت بيعته ولا اختياره له، وإن لم يكن منافقا فقد فسق بهذا القول وخرج عن أهلية الإمامة.
الثاني عشر- ما رووا أنه ضرب عمار بن ياسر وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع منهم خمسون رجلا من المهاجرين والأنصار فكتبوا أحداث عثمان وما نقموا عليه في كتاب وقالوا لعمار: أوصل هذا الكتاب إلى عثمان ليقرأه فلعله يرجع عن هذا الذي ينكر، وخوفوه فيه بأنه إن لم يرجع خلعوه واستبدلوا غيره، قالوا: فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه، فقال له عمار لا ترم بالكتاب وانظر فيه فإنه كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا والله ناصح لك وخائف عليك؛ فقال: كذبت يا ابن سمية، وأمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه وأغمي عليه، وزعموا أنه قام بنفسه فوطيء بطنه، ومذاكيره حتى أصابه الفتق وأغمي عليه أربع صلوات فقضاها بعد الإفاقة واتخذ لنفسه تباناً تحت ثيابه، وهو أول من لبس التبان لأجل الفتق، فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات عمار من هذا لنقتلن من بني أمية شيخاً عظيما- يعنون عثمان- ثم إن عمار لزم بيته إلى أن كان من أمر الفتنة ما كان.
الثالث عشر- قالوا: إنه انتهك حرمة كعب بن عبدة البهري، وذلك أن جماعة من أهل الكوفة اجتمعوا وكتبوا إلى عثمان كتابا يذكرون فيه أحداثه ويقولون: إن أنت أقلعت عنها فإنا سامعون مطيعون، وإلا فإنا هنا بذوك ولا طاعة لك علينا، وقد أعذر من أنذر ودفعوا الكتاب إلى رجل من عنزة ليحمله إلى عثمان، وكتب إليه كعب بن عبدة كتابا أغلظ منه مع كتابهم فغضب عثمان وكتب إلى سعيد بن العاص أن يسرع إلى كعب بن عبدة ويبعث به من الكوفة إلى بعض الجبال، فدخل عليه وجرده من ثيابه وضربه عشرين سوطا ونفاه إلى بعض الجبال.

الرابع عشر- أنه انتهك حرمة الأشتر النخعي وذلك: أن سعيد بن العاص لما ولي الكوفة من قبل عثمان دخل المسجد، فاجتمع إليه أشراف الكوفة فذكروا الكوفة وسوادها فقال عبد الرحمن بن حنين- صاحب شرطة سعيد- وددت أن السواد كله للأمير، فقال الأشتر النخعي لا يكون للأمير ما أفاء الله علينا بأسيافنا، فقال عبد الرحمن: اسكت يا عبد الرحمن، لو رام ذلك لما قدر عليه، وقامت العامة على ابن حنين فضربوه حتى وقع لجنبه، وكتب سعيد إلى عثمان ليأمره بإخراج الأشتر من الكوفة إلى الشام مع أتباعه الذين أعانوه فأجابه إلى ذلك، فأشخصه مع عشرين نفراً من صلحاء الكوفة إلى الشام، فلم يزالوا محبوسين بها إلى أن كانت فتنة عثمان؛ ثم إن سعيداً لحق بالمدينة واضطربت الكوفة على عمال عثمان، وكتب أشراف الكوفة إلى الأشتر أما بعد: فقد اجتمع الملأ من إخواتك فتذاكروا أحداث عثمان وما أتاه إليك، ورأوا ألا طاعة عليهم في معصية الله، وقد خرج سعيد عنا، وقد أعطينا عهودنا ألا يدخل علينا سعيد بعد هذا والياً؛ فالحق بنا إن كنت تريد أن تشهد معنا أمرنا، فسار إليهم واجتمع معهم وأخرجوا ثابت بن قيس صاحب شرطة سعيد بن العاص وعزم عسكر الأشتر وأهل الكوفة على منع عمال عثمان على الكوفة، واتصل الخبر بعثمان فأرسل إليهم سعيد بن العاص؛ فلما بلغ العذيب استقبله جند الكوفة وقالوا له: ارجع يا عدو الله فإنك لا تذوق فيها بعد صنيعك ماء الفرات، وقاتلوه وهزموه، فرجع إلى عثمان خائباً، وكتب عثمان إلى الأشتر كتاباً توعده فيه على مخالفة الإمام فكتب اليه الأشتر كتابا عنوانه من مالك بن الحويرث إلى الخليفة الخارج عن سنة نبيه النابذ حكم القرآن وراء ظهره: أما بعد: فإن الطعن على الخليفة إنما يكون وبالا إذا كان الخليفة عادلا وبالحق قاضياً، وإذا لم يكن كذلك ففراقه قربة إلى الله تعالى ووسيلة إليه. وأنفذ الكتاب مع كميل بن زياد، فلما وصل إلى عثمان سلم ولم يسمه بأمير المؤمنين، فقيل له: لم لا تسلم بالخلافة على أمير المؤمنين? فقال: إن تاب عن فعاله وأعطانا ما نريد فهو أميرنا وإلا فلا. فقال عثمان: إني أعطيكم الرضى، من تريدون أن أوليه عليكم? فاقترحوا عليه أبا موسى الأشعري فولاه عليهم.
الخامس عشر- قالوا: إن عثمان أحرق مصحف ابن مسعود ومصحف أبي وجمع الناس على مصحف زيد بن ثابت، ولما بلغ ابن مسعود أنه أحرق مصحفه وكان به نسخة عند أصحاب له بالكوفة أمرهم بحفظها وقال لهم: قرأت سبعين سورة، وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان.
السادس عشر- قالوا: إن عثمان ترك إقامة حدود الله تعالى في عبيد الله بن عمر لما قتل الهرمزان وقتل حنيفة وبنتاً صغيرة لأبي لؤلؤة القاتل عمر، فاجتمعت الصحابة عند عثمان وأمروه بقتل عبيد الله بن عمر قصاصاً بمن قتل، وأشار علي بذلك فلم يقبله، ولذلك سار عبيد الله بعد قتل عثمان إلى معاوية خوفا من علي أن يقتله بالهرمزان.
السابع عشر- قالوا: إن عثمان خالف الجماعة بإتمام الصلاة بمنى مع علمه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قصروا الصلاة بها.
الثامن عشر- انفرد بأقوال شاذة خالف فيها جميع الأمة في الفرائض وغيرها.
التاسع عشر- قالوا: إنه كان غادرا مخلفاً لوعده لأن أهل مصر شكوا اليه عامله عبد الله بن سعد بن أبي السرح فوعدهم أن يولي عليهم من يرتضونه، فاختاروا محمد بن أبي بكر فولاه عليهم وتوجهوا به معهم إلى مصر ثم كتب إلى عامله ابن أبي السرح بمصر يأمره أن يأخذ محمد بن أبي بكر فيقطع يديه ورجليه، وهذا كان سبب رجوع أهل مصر المدينة وحصارهم عثمان وقتله.

والجواب: أما القضية الأولى- وهي عزل من عزله من الصحابة، أما أبو موسى: فكان عذره في عزله أوضح من أن يذكر، فإنه لو لم يعزله اضطربت البصرة والكوفة وأعمالها، للاختلاف الواقع بين جند البلدين. وقصته: أنه كتب إلى عمر في أيامه يسأله المدد فأمدد بجند الكوفة. فأمرهم أبو موسى قبل قدومهم عليه برامهرمز فذهبوا إليها وفتحوها وسبوا نساءها وذراريها فحمدهم على ذلك، وكره نسبة الفتح إلى جند الكوفة دون جند البصرة، فقال لهم: إني كنت قد أعطيتهم الأمان وأجلتهم ستة أشهر فرعوا عليهم فوقع الخلاف في ذلك بين الجندين، وكتبوا إلى عمر فكتب عمر إلى صلحاء جند أبي موسى مثل البراء وحذيفة وعمران بن حصين وأنس بن مالك وسعيد بن عمرو الأنصاري وأمثالهم وأمرهم أن يستحلفوا أبا موسى فإن حلف أنه أعطاهم الأمان وأجلهم ردوا عليهم. فاستحلفوه فحلف ورد السبي عليهم وانتظر لهم أجلهم، وبقيت قلوب الجند حنقة على أبي موسى، ثم رفع علي أبي موسى إلى عمر وقيل له: لو أعطاهم الأمان لعلم ذلك، فأشخصه عمر وسأل عن يمينه فقال: ما حلفت إلا على حق. قال: فلم أمرت الجند إليهم حتى فعلوا ما فعلوا? وقد وكلنا أمرك في يمينك إلى الله تعالى، فارجع إلى عملك فليس نجد الآن من يقوم مقامك، ولعلنا إن وجدنا من يكفينا عملك وليناه، فلما مضى عمر لسبيله وولي عثمان شكا جند البصرة شح أبي موسى، وشكا جند الكوفة ما نقموا عليه، فخشي عثمان ممالأة الفريقين على أبي موسى فعزله عن البصرة وولاها أكرم الفتيان عبد الله بن عامر بن كريز، وكان من سادات قريش، وهو الذي سقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ريقه حين حمل إليه طفلا في مهده. وأما عمرو بن العاص فإنما عزله لأن أهل مصر أكثروا شكايته، وكان عمر قبل ذلك عزله لشيء بلغه عنه، ثم لما أظهر توبته رده، كذلك عزله عثمان لشكاية رعيته، كيف والرافضة يزعمون أن عمرا كان منافقاً في الإسلام، فقد أصاب عثمان في عزله. فكيف يعترض على عثمان بما هو مصيب فيه عندهم? وأما توليته عبد الله فمن حسن النظر عنده، لأنه تاب وأصلح عمله، وكانت له فيما ولاه آثار محمودة، فإنه فتح من تلك النواحي طائفة كبيرة، حتى انتهى في إغارته على الجزائر التي في بحر بلاد الغرب، وحصل في فتوحه ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، سوى ما غنمه من صنوف الأموال؛ وبعث بالخمس منها إلى عثمان وفرق الباقي في جنده وكان في جنده جماعة من الصحابة ومن أولادهم: كعقبة بن عامر الجهني، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، قاتلوا تحت رايته، وأدوا طاعته ووجدوه أقوم بسياسة الأمر من عمرو بن العاص. ثم أبان عن حسن رأي في نفسه عند وقوع الفتنة فحين قتل عثمان اعتزل الفريقين ولم يشهد مشهداً ولم يقاتل أحداً بعد قتال المشركين وأما عمار بن ياسر فأخطئوا في ظن عزله، فإنه لم يعزله وإنما عزله عمر. كان أهل الكوفة قد شكوه فقال عمر: من يعذرني من أهل الكوفة. إن استعملت عليهم تقياً استضعفوه، وإن استعملت عليهم قوياً فجروه. ثم عزله وولى المغيره بن شعبة، فلما ولي عثمان شكوا المغيرة إليه وذكروا أنه ارتشى في بعض أموره فلما رأى ما وقر عندهم منه استصوب عزله عنهم؛ ولو كانوا مفترين عليه. والعجب من هؤلاء الرافضة كيف ينقمون على عثمان عزل المغيرة وهم يكفرون المغيرة? على أنا نقول: ما زال ولاة الأمر قبله وبعده يعزلون من عمالهم من رأوا عزله ويولون من رأوا توليته بحسب ما تقتضيه أنظارهم. عزل عمر خالد بن الوليد عن الشام وولى أبا عبيدة، وعزل عماراً عن الكوفة وولاها المغيرة بن شعبة، وعزل قيس بن سعد عن مصر وولاها الأشتر النخعي. ألا ترى إلى معاوية- وكان ممن ولاه عمر- لما ضبط الجزيرة وفتح البلاد إلى حدود الروم وفتح جزيرة قبرص وغنم منها مائة ألف رأس سوى ما غنم من البياض وأصناف المال وحمدت سيرته وسراياه أقره على ولايته? وأما ابن مسعود فسيأتي الاعتذار عنه فيما بعد. وأما القصة الثانية وهو ما ادعوه من إسرافه في بيت المال فأكثر ما نقلوه عنه مفتر عليه ومختلق؛ وما صح منه فعذره فيه واضح، وأما رده الحكم إلى المدينة فقد ذكر رضي الله عنه أنه كان استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في رده إلى المدينة فوعده بذلك، فلما ولي أبو بكر سأله عثمان ذلك فقال: كيف أرده إليها وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالله عثمان ذلك فقال له: إني لم أسمعه يقول له ذلك؛ ولم تكن مع عثمان بينة على ذلك، فلما ولي عمر سأله ذلك فأبى: ولم يريا الحكم بقول الواحد، فلما ولي عمر سأله ذلك فأبى: ولم يريا الحكم بقول الواحد، فلما ولي قضي بعلمه وهو قول أكثر الفقهاء، وهو مذهب عثمان، وهذا بعد أن تاب وأصلح عما كان طرد لأجله، وإعادة التائب مما تحمد. عثمان ذلك فقال له: إني لم أسمعه يقول له ذلك؛ ولم تكن مع عثمان بينة على ذلك، فلما ولي عمر سأله ذلك فأبى: ولم يريا الحكم بقول الواحد، فلما ولي عمر سأله ذلك فأبى: ولم يريا الحكم بقول الواحد، فلما ولي قضي بعلمه وهو قول أكثر الفقهاء، وهو مذهب عثمان، وهذا بعد أن تاب وأصلح عما كان طرد لأجله، وإعادة التائب مما تحمد.
وأما صلته من بيت المال بمائة ألف فلم تصح، وإنما الذي صح أنه زوج ابنه من ابنة الحارث بن الحكم وبذل لها من مال نفسه مائة ألف درهم، وكان رضي الله عنه ذا ثروة في الجاهلية والإسلام وكذلك زوج ابنته أم أبان من ابن مروان بن الحكم وجهزها من خاص ماله بمائة ألف لا من بيت المال. وهذه صلة رحم يحمد عليها.
وأما طعنهم على عثمان أنه وهب خمس أفريقية مروان بن الحكم فهو غلط منهم؛ وإنما المشهور في القضية أن عثمان كان جهز ابن أبي السرح أميراً على آلاف من الجند وحضر القتال بأفريقية، فلما غنم المسلمون أخرج ابن أبي السرح الخمس من الذهب وهو خمسمائة ألف دينار فأنفذها إلى عثمان، وبقي من الخمس أصناف من الأثاث والمواشي مما يشق حمله إلى المدينة فاشتراها مروان منه بمائة ألف درهم نقد أكثرها وبقيت منها بقية، ووصل إلى عثمان مبشراً بفتح أفريقية، وكانت قلوب المسلمين مشغولة خائفة أن يصيب المسلمين من أمر أفريقية نكبة؛ فوهب له عثمان ما بقي عليه جزاء ببشارته؛ وللإمام أن يصل المبشرين من بيت المال بما رأى على قدر مراتب البشارة.
أما ذكروا من صلته عبد الله بن خالد بن أسد بثلثمائة ألف درهم فإن أهل مصر عاتبوه على ذلك لما حاصروه فأجابهم بأنه استقرض له ذلك من بيت المال، وكان يحتسب لبيت المال ذلك من نفسه حتى وفاه.
وأما دعواهم أنه جعل للحرث بن الحكم سوق المدينة يأخذ عشور ما يباع فيه فغير صحيح؛ وإنما جعل إليه سوق المدينة ليراعي أمر المثاقيل والموازين، فتسلط يومين أو ثلاثة على باعة النوى واشتراه لنفسه، فلما رفع ذلك إلى عثمان أنكر عليه وعزله وقال لأهل المدينة: فإني لم آمره بذلك، ولا عتب على السلطان في جور بعض العمال إذا استدرك بعد علمه.
وقد روي أنه جعله على سوق المدينة وجعل له كل يوم درهمين، وقال لأهل المدينة: إذا رأيتموه سرق شيئاً فخذوه منه وهذا غاية الإنصاف.
وأما قصة أبي موسى فلا يصح شيء منها، فإنه رواه ابن إسحاق عمن حدثه عن أبي موسى؛ ولا يصح الاستدلال برواية المجهول، وكيف يصح ذلك وأبو موسى ما ولي لعثمان عملا إلا في آخر السنة التي قتل فيها? ولم يرجع إليه؛ فإنه لما عزله عن البصرة بعبد الله بن عامر لم يتول شيئا من أعماله إلى إرسال أهل الكوفة- في السنة التي قتل فيها- أن يوليه الكوفة فولاه إياها ولم يرجع اليه؛ ثم يقال للخوارج والروافض: إنكم تكفرون أبا موسى وعثمان، فلا حجة في دعوى بعضهم على بعض.
وأما عزله ابن الأرقم ومعيقيبا عن ولاية بيت المال: فإنهما أسنا وضعفا عن القيام بحفظ بيت المال.
وقد روي أن عثمان لما عزله خطب الناس وقال: ألا إن عبد الله بن أرقم لم يزل على جرايتكم زمن أبي بكر وعمر إلى اليوم وإنه كبر وضعف وقد ولينا عمله زيد بن ثابت.
وما نسبوه إليه من صرف مال بيت المال في عمارة دوره وضياعه المختصة فبهتان افتروه عليه؛ وكيف وهو من أكثر الصحابة مالا!? وكيف يمكنه ذلك بين أظهر الصحابة مع أنه الموصوف بكثرة الحياء، وأن الملائكة تستحي منه لفرط حيائه!? أعاذنا الله من فرطات الجهل وموبقات الهوى آمين أمين.
وقولهم إنه دفع إليه ما فضل من بيت المال افتراء واختلاق بل الصحيح أنه أمر بتفرقة المال على أصحابه ففضل في بيت المال ألف درهم فأمره بإنفاقها فيما يراه أصلح للمسلمين، فأنفقها زيد على عمارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما زاد عثمان في المسجد زيادة، وكل واحد منهما مشكور محمود على فعله.

وأما القضية الثالثة: وهو ما ادعوه من حبس عطاء ابن مسعود فكان ذلك في مقابلة ما بلغه عنه ولم تزل الأئمة على مثل ذلك، وكل منهما مجتهد، فإما مصيبان أو مخطىء ومصيب، ولم يكن قصد عثمان حرمانه البتة، وإنما التأخير إلى غاية اقتضى نظره التأخير إليها أدبا، فلما قضى عليه إما مع بلوغ حصول تلك الغاية أو دونها وصل به ورثته، ولعله كان أنفع لهم.
وأما القضية الرابعة:- وهي الحمى- فهذا مما كان اعترض به أهل مصر عليه فأجابهم بأنه حمى لإبل الصدقة، كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، فقالوا: إنك زدت، فقال: لأن إبل الصدقة زادت، وليس هذا مما ينقم على الإمام.
وأما الخامسة:- وهو أنه حمى سوق المدينة إلى آخر ما قرر- فهذا مما تقول عليه واختلق، ولا أصل له، ولم يصح إلا ما تقدم من حديث الحارث بن الحكم. ولعله لما فعل ذلك نسبوه إلى عثمان، وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على أنه فعله لإبل الصدقة وألحقه بحمى المرعى لها، لأنه في معناه.
وأما السادسة:- وهي حمى البحر فعلى تقدير صحة النقل فيها يحمل على أنها كانت ملكا له، لأنه كان منبسطا في التجارات، متسع المال في الجاهلية والإسلام، فما حمى البحر، وإنما حمى سفنه أن يحمل فيها متاع غير متاعه.
وأما السابعة: وهي إقطاعه كثيراً من الصحابة كثيراً من بلاد الإسلام- فعنه جوابان: الأول:- أن ذلك كان منه إذناً في إحياء كل ما قدر عليه من أموت أرض العراق، ومن أحيا أرضاً ميتة فهي له.
الثاني: أن أصحاب السير ذكروا أن الأشراف من أهل اليمن قدموا المدينة وهجروا بلادهم وأموالهم مثلها، فأعطى طلحة موضعاً وأخذ منه ما له بكندة، وهكذا كل من أعطى شيئاً فإنما هو شيء صار للمسلمين، وفعل ذلك لما رأى من المصلحة، إما إجارة إن قلنا أراضي السواد وقف، وإما تمليكا إن قلنا ملك.
وأما القضية الثامنة وهو ما ادعوه في نفيه جماعة من الصحابة: أما أبو ذر فروى أنه كان يتجاسر عليه ويجبهه بالكلام الخشن ويفسد عليه ويثير الفتنة، وكان يؤدي ذلك التجاسر عليه إلى إذهاب هيبته وتقليل حرمته ففعل ما فعل به صيانة لمنصب الشريعة وإقالة لحرمة الدين وكان عذر أبي ذر فيما كان يفعله أنه كان يدعوه إلى ما كان عليه صاحباه من التجرد عن الدنيا والزهد فيها، فيخالفه في أمور مباحة من اقتنائه الأموال، وجمعه الغلمان الذين يستعان بهم على الحروب، وكل منهما كان على هدى من الله تعالى. ولم يزل أبو ذر ملازماً طاعة عثمان بعد خروجه إلى الربذة حتى توفي.
ولما قدم إليها كان لعثمان غلام يصلي بالناس فقدم أبا ذر للصلاة فقال له: أنت الوالي، والوالي أحق. وهذا كله على تقدير صحة ما نقله الروافض في قصة أبي ذر مع عثمان؛ وإلا فقد روى محمد بن سيرين خلاف ذلك، فقال: لما قدم أبو ذر الشام استأذن عثمان في في لحوقه بالربذة فقال عثمان: أقم عندي تغدو عليك اللقاح وتروح فقال: لا حاجة لي في الدنيا، فأذن له في الخروج إلى الربذة.
وروى قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: إذا رأيت المدينة بلغ بناؤها سلعا فاخرج منها وأشار إلى الشام فلما كان في ولاية عثمان بلغ بناؤها سلعاً فخرج إلى الشام، وأنكر على معاوية أشياء فشكاه إلى عثمان، فكتب عثمان إلى أبي ذر: أقبل الينا فنحن أرعى لحقك وأحسن جواراً من معاوية فقال أبو ذر: سمعاً وطاعة فقدم على عثمان ثم استأذن في الخروج إلى الربذة فأذن له فمات. ورواية هذين الإمامين العالمين من التابعين وأهل السنة هذه القصة أشبه بأبي ذر عثمان من رواية غيرهما من أهل البدعة.

وأما القضية التاسعة وهي قضية عبادة بن الصمت- فهي دعوى باطلة وكذب مختلق؛ وما شكا معاوية عبادة ولا أشخصه عثمان، والأمر على خلاف ذلك فيما رواه الثقات الأثبات من اتفاقهم ورجوع بعضهم إلى بعض في الحق. ويشهد لذلك ما روي: أن معاوية لما غزا جزيرة قبرص كان معه عبادة بن الصامت، فلما فتحوا الجزيرة وأخذوا غنائمها أخرج معاوية خمسها وبعثه إلى عثمان وجلس يقسم الباقي بين جنده، وجلس جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ناحية، منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وشداد بن أوس وواثلة بن الأسقع وأبو أمامة الباهلي وعبد الله بن الصامت: ما هذان الحماران? فقالا: إن معاوية أعطاناهما من المغنم، وإنا نرجو أن نحج عليهما، فقال لهما عبادة: لا يحل لكما ذلك ولا لمعاوية أن يعطيكما فرد الرجلان الحمارين على معاوية: وسأل معاوية عبادة بن الصامت عن ذلك فقال عبادة: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين والناس يكلمونه في الغنائم فأخذ وبرة من بعير وقال: ما لي مما أفاء الله عليكم من هذه الغنائم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم فاتق الله يا معاوية واقسم الغنائم على وجهها ولا تعط منها أحداً أكثر من حقه، فقال له معاوية: قد وليتك قسمة الغنائم ليس أحد بالشام أفضل منك ولا أعلم، فاقسمها بين أهلها واتق الله فيها فقسمها عبادة بين أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو أمامة، وما زالوا على ذلك إلى آخر زمن عثمان فهذه قصة عبادة في التزامه طاعة عثمان وطاعة عامله بالشام، بضد ما رووه، قاتلهم الله.
وأما القضية العاشر:- ما رووه مما جرى على عبد الله بن مسعود من عثمان وأمره غلامه بضربه إلى آخر ما قرروه- فكله بهتان واختلاق لا يصح منه شيء، وهؤلاء الجهلة لا يتحامون الكذب فيما يرونه موافقاً لأغراضهم، إذ لا ديانة تردهم عن ذلك. ثم نقول: على تقدير صحة صدور ذلك من الغلام، فيكون قد فعله من نفسه غضبا لمولاه، فإن ابن مسعود كان يجبه عثمان بالكلام ويلقاه بما يكرهه، ولو صح ذلك عنه لكان محمولا على الأدب، فإن منصب الخلافة لا يحتمل ذلك، ويصنع ذلك منه بين العامة، وليس هذا بأعظم من ضرب عمر سعد بن أبي وقاص بالدرة على رأسه حين لم يقم له، وقال له: إنك لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف أن الخلافة لا تهابك. ولم يغير ذلك سعداً ولا رآه عيباً وكذلك ضربه لأبي بن كعب حين رآه يمشي وخلفه قوم فعلاه بالدرة وقال: إن هذه مذلة التابع وفتنة للمتبوع، ولم يطعن أبي بذلك على عمر، بل رآه أدباً منه نفعه الله به، ولم يزل دأب الخلفاء والأمراء تأديب من رأوا منه الخلاف، على أنه قد روي أن عثمان اعتذر لابن مسعود وأختاه في منزله، حين بلغه مرضه وسأله أن يستغفر له وقال: يا أبا عيد الرحمن هذا عطاؤك فخذه. قال له ابن مسعود: وما أتيتني به إذا كان ينفعني، وجئتني به عند الموت!? لا أقبله. فمضى عثمان إلى أم حبيبة، وسألها أن تطلب إلى ابن مسعود ليرضى عنه، فكلمته أم حبيبة، ثم أتاه عثمان فقال له: يا أبا عبد الله، ألا تقول كما قال يوسف لأخوته: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم"? فلم يكلمه ابن مسعود. وإذا ثبت هذا فقد فعل عثمان ما هو الممكن في حقه واللائق بمنصبه أولا وآخراً، ولو فرض خطؤه فقد أظهر التوبة والتمس الاستغفار، واعتذر بالذنب لمن لم يقبله حينئذ، فإن الله أخبر أنه: "يقبل التوبة عن عباده"، وفي ذلك حثهم على الاقتداء به على أنه قد نقل أن ابن مسعود رضي عنه واستغفر له. قال سلمة بن سعيد: دخلت على ابن مسعود في مرضه الذي توفي فيه، وعنده قوم يذكرون عثمان فقال لهم: مهلا فإنكم إن قتلتموه لا تصيبون مثله.
وأما عزله عن الكوفة وإشخاصه إلى المدينة وهجره له وجفاؤه إياه، فلم تزل هذه شيمة الخلفاء قبله وبعده على ما تقدم تقريره، وليس هجره إياه بأعظم من هجر علي أخاه عقيل بن أبي طالب وأبا أيدب الأنصاري حين فارقاه بعد انصرافه من صفين وذهبا إلى معاوية، ولم يوجب ذلك طعناً عليه ولا عيباً فيه.

وقد روي أن أعرابيا من همدان دخل المسجد فرأى ابن مسعود وحذيفة وأبا موسى الأشعري يذكرون عثمان طاعنين عليه فقال لهم: أنشدكم الله، لو أن عثمان ردكم إلى أعمالكم ورد إليكم عطاياكم أكنتم ترضون? قالوا: اللهم نعم. فقال الهمداني: اتقوا الله يا أصحاب محمد ولا تطعنوا على أئمتكم وفي هذا بيان أن من طعن على عثمان إنما كان لعزله إياه وتوليته غيره وقطع عطائه، وذلك سائغ للإمام إذا أدى اجتهاده إليه.
وأما الحادية عشرة:- وهي قولهم إن عبد الرحمن ندم على تولية عثمان- فكذب صريح، ولو كان كذلك لصرح بخلعه إذ لا مانع له، فإن أعيان الصحابة على زعمهم منكرون عليه ناقمون أحداثه، والناس تبع لهم، فلا مانع لهم من خلعه، وكيف يصح ما وصفوا به كل واحد منهما في حق الآخر، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فثبت لكل واحد منهما على الآخر حق الأخوة والاشتراك في صحبة النبوة، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لكل واحد منهما بالجنة، وترك التنزيل مخبراً بالرضى عنهم، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو عليهما راض. ويبعد مع كل هذا صدور ما ذكروه عن كل واحد منهما، وإنما الذي صح في قصته أن عثمان استوحش منه، فإن عبد الرحمن كان يبسط عليه في القول لا يبالي بما يقول له.
وروي أنه قال له: إني أخاف يابن عوف أن تبسط من دمي.
حاشية كذا وقع، ولعله أن تهدر دمي.
وأما الثانية عشرة وهي ضرب عمار فسياق هذه القصة لا يصح على النحو الذي رووه بل الصحيح منها أن غلمانه ضربوا عماراً، وقد حلف أنه لم يكن على أمره لأنهم عاتبوه في ذلك فاعتذر إليهم بأن قال: جاء هو وسعد إلى المسجد وأرسلا إلي أن ائتنا فإنا نريد أن نذاكرك أشياء فعلناها، فأرسلت إليهما أني عنكما اليوم مشغول، فانصرفا وموعدكما يوم كذا وكذا. فانصرف سعد وأبى هو أن ينصرف، فأعدت إليه الرسول فأبى ثم أعدته إليه فأبى، فتناوله رسولي بغير أمري. والله ما أمرته ولا رضيت بضربه؛ وهذه يدي لعمار فليقتص مني إن شاء. وهذا من أبلغ ما يكون من الإنصاف.
ومما يؤيد ذلك ويوهي ما رووه- ما روى أبو الزناد عن أبي هريرة أن عثمان لما حوصر ومنع الماء قال لهم عمار: سبحان الله! قد اشترى بئر رومة وتمنعوه ماءها! خلوا سبيل الماء، ثم جاء إلى علي وسأله إنفاذ الماء إليه، فأمر براوية ماء. وهذا يدل على رضائه عنه.
وقد روي أنه رضي عنه لما أنصفه بحسن الاعتذار، فما بال أهل البدعة لا يرضون! وما مثله فيه إلا كما يقال: رضي الخصمان، ولم يرض القاضي.
وأما الثالثة عشرة- وهي قولهم إنه انتهك حرمة كعب- فيقال لهم: ما أنصفتم إذ ذكرتم بعض القصة وتركتم تمامها، وذلك: أن عثمان استدرك ذلك بما أرضاه فكتب إلى سعد بن العاص أن ابعثه إلي مكرما؛ فبعث إليه فلما دخل عليه قال له: يا كعب إنك كتبت إلي كتاباً غليظاً ولو كتبت ببعض اللين لقبلت مشورتك، ولكنك حددتني وأغضبتني حتى نلت منك ما نلت. ثم نزع قميصه ودعا بسوط فدفعه إليه ثم قال: قم فاقتص مني ما ضربته. فقال كعب: أما إذا فعلت ذلك فأنا أدعه لله تعالى، ولا أكون أول من اقتص من الأئمة؛ ثم صار بعد ذلك من خاصة عثمان، وعذره في مبادرته الأمر بضربه ونفيه، وذلك سببيب أولي الأمر في تأديب من رأوا خروجه على امامه.

وأما الرابعة عشرة- وهي قضية الأشتر النخعي- فنقول: ظلمة البدعة والحمية الناشئة عن محض العصبية دون رؤية الحق، وهل آثار الفتنة في هذه إلا فعل الأشتر بالكوفة? من هتك حرمة السلطان، وتسليط العامة على ضرب عامله، فلا يعتذر عن عثمان في الأمر بنفيه? بل ذلك أقل ما يستوجبه ثم لم يمنعه ذلك حتى سار من الشام إلى الكوفة وأضرم نار الفتنة على ما تقدم تقريره، ثم لم يتمكن عثمان معهم من شيء إلا سلوك سبيل السياسة؛ وإجابتهم إلى ما أرادوا، فولى عليهم أبا موسى وبعث حذيفة بن اليمان على خراجهم، ثم لم يلبث ذلك حتى خرج إليه الأشتر مع رعاع الكوفة فانضم إليه غاغة أهل مضر وساروا إلى عثمان فقتلوه، وباشر الأشتر قتله على ما تقدم في بعض الروايات، وصار قتله سببا للفتنة الى أن تقوم الساعة، فعميت أبصارهم وبصائرهم عن ذم الأشتر وأنصاره وتعرضوا لذم من شهد لسان النبوة أنه على الحق، وأمر بالكون معه، وأخبر بأنه يقتل مظلوما؛ يشهد لذلك الحديث الصحيح على ما تقدم في أول فصل مقتله، وسعيد طرفا منه إن شاء الله تعالى.
الخامسة عشرة- وهي احراق مصحف ابن مسعود فليس ذلك إلا دواء لفتنة كبيرة في الدين لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكر عند أهل العلم بالقرآن، وبحذفه المعوذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة أنهما في القرآن. وقال عثمان لما عوتب في ذلك: خشيت الفتنة في القرآن. وكان الاختلاف بينهم واقعا حتى كان الرجل يقول لصاحبه قرآني خير من قرآنك؛ فقال له حذيفة: أدرك الناس. فجمع الناس على مصحف عثمان. ثم يقال لأهل البدع والأهواء إن لم يكن مصحف عثمان حقا فلم رضي علي وأهل الشام بالتحكم إليه حين رفع أهل الشام المصاحف? فكانت مكتوبة على نسخة مصحف عثمان.
وأما السادسة عشرة- وهي ترك اقامة حدود الله تعالى في عبيد الله بن عمر- فنقول: أما ابنة أبي لؤلؤة فلا قود فيها لأنها ابنة مجوسي صغيرة تابعة له؛ وكذلك جفينة فإنه نصراني من أهل الحيرة، وأما الهرمزان.. فعنه جوابان: الأول- أنه شارك أبا لؤلؤة في ذلك ومالأه، وإن كان المباشر أبا لؤلؤة وحده، ولكن المعين على قتل الإمام العادل يباح قتله عند جماعة من الأئمة، وقد أوجب كثير من الفقهاء القود على الآمر والمأمور. وبهذا اعتذر عبيد الله بن عمر وقال: إن عبد الرحمن بن أبي بكر أخبره أنه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون في مكان يتشاورون، وبينهم خنجر له رأسان مقبضه في وسطه، فقتل عمر في صبيحى تلك الليلة، فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله عن ذلك فقال: انظروا الى السكين، فإن كانت ذات طرفين فلا أرى القوم إلا وقد اجتمعوا على قتله فنظروا إليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن، فلذلك ترك عثمان قتل عبيد الله بن عمر، لرؤيته عدم وجوب القود لذلك أو ليردده فيه فلم ير الوجوب بالشك.
والجواب الثاني- أن عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة، لأنه كان بنو تميم وبنو عدي ما نعين من قتله ودافعين عنه، وكان بنو أمية أيضا جانحين إليه حتى قال له عمرو بن العاص: قتل أمير المؤمنين عمر بالأمس ويقتل ابنه اليوم!? لا والله لا يكون هذا أبدا. ومال في بني جمح، فلما رأي عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة وقال: أمره إلي وسأرضي أهل الهرمزان عنه.
وأما السابعة عشرة- وهي إتمام الصلاة بمنى- فعذره في ذلك ظاهر، فإنه ممن لم يوجب القصر في السفر، وإنما كان يتجه كما رآه فقهاء المدينة ومالك والشافعي وغيرهما، وإنما أوجبه فقهاء الكوفة، ثم إنها مسألة اجتهادية، ولذلك اختلف فيها العلماء فقوله فيها لا يوجب تكفيراً ولا تفسيقاً.
وأما الثامنة عشرة- وهي انفراده بالأقوال الشاذة- فلم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو من ذلك ينفرد الواحد منهم بالقول ويخالفه فيه الباقون؛ وهذا علي بن أبي طالب في مسألة بيع أم الولد على مثل ذلك.
وفي الفرائض عدة مسائل على هذا النحو لكثير من الصحابة.

وأما التاسعة عشرة- وهي قولهم أنه كان غادراً إلى آخر ما قرروه- فنقول: أما الكتاب الذي كان إلى عامله بمصر لم يكن من عنده؛ وقد حلف على ذلك لهم، وقد تقدم ذكر ذلك في فصل مقتله مستوفياً؛ وذكرنا من المتهم بالتزوير عليه؛ وقد تحققوا ذلك، وإنما غلب الهوى- أعاذنا الله منه- على العقول حتى ضلت في قتله رضي الله عنه. فهذا تمام القول في الاعتذار عن تلك القضايا التي نقموها على عثمان وأحسن ما يقال في الجواب. عن جميع ما ذكر دعاة أهل البدع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن وقوع فتنة عثمان، وأخبر أنه على الحق على ما تضمنه حديث كعب بن عجرة في فصل فضائله في ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه على الحق.
وفي رواية أنه على الهدى. خرجه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح، وأخبر أنه يقتل ظلماً على ما تضمنه حديث ابن عمر في فصل مقتله من حديث الترمذي وللبغوي وأمر صلى الله عليه وسلم باتباعه عند ثوران الفتنة على ما تضمنه حديث مرة بن كعب من حديث أبي حاتم وأحمد؛ وتقدم في ذكره في فصل فضائله. ومن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه على الحق وأنه يقتل ظلماً وأمر باتباعه كيف يتطرق الى الوهم أنه على باطل!? ثم ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أن الله يقمصه بقميص وأن المنافقين يريدونه على خلعه؛ وأمره أن لا يخلعه، وأكد عليه الأمر بأن لا يخلعه. وفي بعض الطرق أنه توعده على خلعه وأمره بالصبر- على ما تقدم تقريره في خصائصه- فامتثل أمره وصبر على ما ابتلى به. وهذا من أدل دليل أنه كان على الحق؛ وماذا بعد الحق الا الضلال!? فمن خالفه يكون على الباطل. كيف لا وقد وصف صلى الله عليه وسلم الذين أرادوا خلعه بالنفاق فعلم بالضرورة أن كل ما ورد عنه مما يوجب الطعن عليه دائر بين مفتر عليه ومختلق وبين محمول على تقدير صحته على أحسن التأويلات ليكون معه على الحق تصديقاً لخبر النبوة المقطوع بصدقه. هذا ما علم من سابقته وكثرة إنفاقه في سبيل الله وشرف منزله بالصهارة الثابتة له في ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم مكانته في الدين والصفات الجميلة والمآثر الحميدة على ما تضمنه فصل مناقبه، فكيف يتوهم فيه شيء مما ادعاه أهل الأهواء!? والبدع وأما كلفه بأقاربه وصلته أياهم وحبه الخير لهم فتلك صفة جبلة لم يودعها الله عز وجل الا في خيار خلقه، وقد كان صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك في بني هاشم على ما سنبينه في مناقب بني هاشم وقريش إن شاء الله تعالى، وذلك محمود فيما لم يؤد إلى معصية. ولم يتحقق في شيء مما أتاه عثمان معصية بل له من المحامل الجلية الطاهرة ما يمنع من اعتقاد الحرمة بل الكراهة. غاية ما في الباب أنه ترك الأولى، وما هو الأفضل اللائق به مما كان عليه الشيخان، ولعله اعتقد أنه ما لا يشبه الأفضل في زمانه وعصره فلكل عصر حكم. وعلى الجملة فالذي يجب اعتقاده ولا يحل خلافه أن شيئا مما يسنه عثمان لم يخرج فيه عن الحق ولا عن الهدى تصديقا لشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم وإن كان في شيء من ذلك له هوى فهو هوى بهدى من الله عز وجل، وقد وسع الله تعالى في ذلك فشهده قوله تعالى "ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله" فدل على أن ثم هوى بهدى من الله، وهوى عثمان منه بدليل شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه على الهدى وأنه على الحق وأنه مظلوم، وأمر باتباعه على ما قررناه. والله أعلم.

الفصل الثاني عشر
في ذكر ولده
وكان له من الولد ستة عشر ولداً تسعة ذكور وسبع أناث.
ذكور الذكور
عبد الله ويعرف بالأصغر: أمه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك صغيراً وقيل بلغ ست سنين ونقره ديك في عينه فمرض فمات، وعبد الله الأكبر أمه فاختة بنت غزوان، وعمرو وكان أسنهم وأشرفهم عقبا وتوفي بمنى، وأبان: شهد الجمل مع عائشة وعقبه كثير، وخالد وعمر وله عقب أيضاً أمهم بنت جندب بن الأزد، وسعيد والوليد وأمهما فاطمة بنت الوليد وعبد الملك، أمه أم البنين بنت عيينة بن حصن هلك غلاما.
ذكر الاناث
مريم أخت عمرو لأمه، وأم سعيد أخت سعيد لأمه، وعائشة وأم أبان وأم عمرو أمهن رملة بنت شيبة بن ربيعة، ومريم أمها نائلة بنت الفرافصة وام البنين وأمها أم ولد.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 3:48 pm


الباب الرابع
في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

وفيه اثنا عشر فصلا
الأول في نسبه. الثاني في اسمه وكنيته. الثالث في صفته الرابع في إسلامه. الخامس في هجرته. السادس في خصائصه السابع في أفضليته. الثامن في الشهادة له بالجنة. التاسع في فضائله. العاشر في خلافته. الحادي عشر في مقتله. الثاني عشر في ولده.
الفصل الأول
في ذكر نسبه
تقدم ذكر آبائه في ذكر الشجرة في أنساب العشرة وهو أقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبا، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد المطلب الجد الأدنى، وينسب إلى هاشم فيقال القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله لأبويه، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. قال أبو عمر وغيره: وهي أول هاشمية ولدت هاشميا. أسلمت وتوفيت مسلمة بالمدينة وشهدها النبي صلى الله عليه وسلم وتولى دفنها وأشعرها قميصه واضطجع في قبرها، ذكره الخجندي. وذكر السلفي أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليها وتمرغ في قبرها. وذكر الطائي في الأربعين أنه صلى الله عليه وسلم نزع قميصه وألبسها إياه وتولى دفنها واضطجع في قبرها فلما سوى عليها التراب سئل عن ذلك فقال: ألبستها لتلبس من ثياب أهل الجنة واضطجعت معها في قبرها لأخفف عنها من ضغطة القبر، إنها كانت أحسن خلق الله صنيعاً إلي بعد أبي طالب. وبكى وقال جزاك الله من أم خيرا، فلقد كنت خير أم. قال وكانت ربت النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وولدت لأبي طالب طالبا وعقيلا وجعفراً وعليا وأم هانىء واسمها فاختة وجمانة. قال ابن قتيبة وأبو عمر: وكان علي أصغر ولد أبي طالب: كان أصغر من جعفر بعشر سنين وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين.
الفصل الثاني
في اسمه وكنيته
ولم يزل اسمه في الجاهلية عليا وكان يكنى أبا الحسن. وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقا. عن ابن أبي ليلى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الصديقون ثلاثة، حبيب بن مري النجار مؤمن آل ياسين الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؛ وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم. خرجه أحمد في المناقب، وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي الريحانتين.
عن جابر بن عبد اله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: سلام عليك يا أبا الريحانتين، فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتي عليك فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علي: هذا أحد الركنين الذي قال صلى الله عليه وسلم فلما ماتت فاطمة قال: هذا الركن الآخر الذي قال صلى الله عليه وسلم خرجه أحمد في المناقب. وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا أبا تراب.
وعن سهل بن سعد أن رجلا جاءه فقال: هذا فلان أمير من أمراء المدينة يدعوك لتسب عليا على المنبر. قال أقول ماذا? قال تقول له أبا تراب. قال فضحك سهل وقال: والله ما سماه إياه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والله ما كان لعلي اسم أحب اليه منه. دخل علي على فاطمة ثم خرج؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال: أين ابن عمك قالت: هو ذا مضطجع في المسجد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فوجد رداءه قد سقط عن طهره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح التراب عن ظهره ويقول: اجلس أبا تراب ما كان اسم أحب اليه منه، ما سماه إياه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجاه وأبو حاتم واللفظ له. وقال البخاري بعد قوله فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره فجلس يمسح عن ظهره ويقول: اجلس أبا تراب مرتين.

وعنه قال: استعمل علي على المدينة رجلا من آل مروان، قال: فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليا، فأبى. فقال: أما إذ أبيت فقل لعن الله أبا التراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب اليه من أبي التراب إنه كان يفرح إذا دعي بها. فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب? قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال: أين ابن عمك? فقالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج ولم يقم عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: أنظر أين هو? فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب. أخرجاه.
وعن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي رفيقين في غزاة ذي العشيرة، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم قأقام بها رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال علي: يا أبا اليقظان هل لك أن تأتي هؤلاء فتنظر كيف يعملون? فجئناهم، فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلي فاضجعنا في صور من النخل في دقع من التراب فنمنا، فوالله ما أنبهنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يا أبا تراب، لما رأى عليه من التراب؛ قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس? فقلنا بلى يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك في هذه- يعني قرنه- حتى تبتل منه هذه، يعني لحيته. خرجه أحمد.
شرح- الصور: بفتح الصاد وتسكين الواو النخل المجتمع الصغار- والدقعاء: التراب، ودقع بالكسر أي لصق بالتراب- وأحيمر: تصغير أحمر وهو لقب قدار بن سالف عاقر ناقة صالح عليه السلام.
قال الخجندي وكان يكنى أبا قصم، ويلقب بيعسوب الأمة وبالصديق الأكبر.
وعن معاذة العدوية قالت: سمعت عليا على المنبر- منبر البصرة- يقول: أنا الصديق الأكبر. خرجه ابن قتيبة.
وعن علي أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر. خرجه القلعي.
وعن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: أنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل.
وفي رواية: وأنت يعسوب الدين، خرجهما الحاكمي.
شرح- يعسوب الدين: سيده ورئيسه ومنه الحديث الآخر هذا يعسوب قريش وأصله فحل النحل، ويلقب أيضا ببيضة البلد، وبالأمين، وبالشريف، وبالهادي، وبالمهتدي، وذي الأذن الواعي وقد جاء في الصحيح من شعره: أنا الذي سمتني أمي حيدرة.
وسيأتي في الخصائص إن شاء الله تعالى وحيدرة اسم الأسد وكانت فاطمة أمه لما ولدته سمته باسم أبيها، فلما قدم أبو طالب كره الاسم، فسماه عليا.

الفصل الثالث
في صفته
وكان رضي الله عنه ربعة من الرجال، أدعج العينين عظيمهما حسن الوجه كأنه قمر ليلة البدر، عظيم البطن.
وعن أبي سعيد التيمي أنه قال. كنا نبيع الثياب على عواتقنا ونحن غلمان في السوق، فإذا رأينا عليا قد أقبل، قلنا بزرك أشكم، قال علي. ما تقولون? قال: نقول عظيم البطن. قال: أجل أعلاه علم وأسلفه طعام. وكان رضي الله عنه عريض المنكبين، لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضاري لا يبين عضده من ساعده، قد أدمج إدماجا، شثن الكفين، عظيم الكراديس، أغيد: كأن عنقه إبريق فضة، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه.
عن أبي لبيد قال: رأيت علي بن أبي طالب يتوضأ، فحسر العمامة عن رأسه، فرأيت رأسه مثل راحتي عليه مثل خط الأصابع من الشعر. خرجه ابن الضحاك.
وعن قيس بن عباد قال: قدمت المدينة أطلب العلم فرأيت رجلا عليه بردان وله ضفيرتان، وقد وضع يده على عاتق عمر، فقلت: من هذا? قالوا: علي. خرجه ابن الضحاك أيضا، ولا تضاد بينهما، إذ يكون الشعر انحسر عن وسط رأسه وكان في جوانبه شعر مسترسل، جمع فظفر باثنتين، وكان كثير شعر اللحية؛ لم يصفه أحد بالخضاب إلا سوادة ابن حنظلة.
وروي أنه كان أصفر اللحية، والمشهور أنه كان أبيضها، ويشبه أن يكون خضب مرة ثم ترك.

وعن الشعبي أنه قال: رأيت علي بن أبي طالب ورأسه ولحيته قطنة بيضاء. خرجه ابن الضحاك. وكان إذا مشي تكفأ، وإذا أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس، وهو قريب إلى السمن، شديد الساعد واليد، وإذا مشي إلى الحرب هرول، ثبت الجنان، قوي ما صارع أحداً قط إلا صرعه، شجاع منصور على من لاقاه.
شرح- ربعة: أي مربوع الخلق لا طويل ولا قصير؛ وجمعه ربعات بالتحريك وهو شاذ لأن فعلة لا تحرك في الجمع إذا كان صفة وإنما تحرك إذا كان اسما ولم يكن موضع العين واو أو ياء- والدعج: شدة سواد العين مع سعتها، يقال عين دعجاء، والأدعج من الرجال: الأسود- والأشكم: بالعجمية البطن- وبزرك: بضم الباء والزاي وسكون الراء عظيم- شثن الكفين: بالتسكين عظيمهما، تقول منه شثنت كفه شثنا بالتحريك إذا خشنت وغلظت- الأغيد: الوسنان المائل العنق، والغيد النعومة، وامرأة غيداء غادة أيضا ناعمة بينة الغيد- المشاش: رءوس العظام اللينة، الواحد مشاشة- ودمج الشيء دموجاً إذا دخل في الشيء واستحكم فيه، وكذلك اندمج وادمج بتشديد الدال، يريد- والله أعلم- أن عظمي عضده وساعده للينهما قد اندمجا، وهكذا هو في صفة الأسد- والضاري المتعود الصيد، والضرو من أولاد الكلاب والأنثى ضروة- تكفأ: أي تمايل في مشيته.

الفصل الرابع
في إسلامه ذكر سنه يوم أسلم
عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن أنه بلغه أن علي بن أبي طالب والزبير أسلما وهما ابنا ثمان سنين.
وقال ابن إسحاق: وأسلم علي ابن عشرة. وعن الحسن: أسلم علي وهو ابن ذؤابة. حكاه الخجندي.
وعن ابن عمر أنه أسلم وهو ابن ثلاث عشرة. خرجه القلعي.
وعن أبي الحجاج مجاهد بن جبر قال: كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، ومما أراد الله به أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم: يا عباس، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه فلنخفف من عياله فآخذ من بنيه رجلا وتأخذ رجلا فنكفيهما عنه. فقال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه. فقال لهم أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما. وفي رواية إذا تركتما لي عقيلا وطالبا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبياً فتابعه علي وآمن به وصدقه، ولم يزل جعفر عند العباس.

ذكر أنه أول من أسلم
قد تقدم في نظير هذا الذكر من فصل إسلام أبي بكر طرف صالح من ذلك، وبيان الخلاف فيه وذكر المختلفين.
عن عمر قال: كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكب علي فقال: يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا، وأول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى. خرجه ابن السمان.
وعن زيد بن ارقم قال: كان أول من أسلم علي بن أبي طالب خرجه أحمد والترمذي وصححه.
عن ابن عباس قال: كان علي أول من أسلم بعد خديجة، قال ابن عمر: هذا حديث صحيح الإسناد لا مطعن في رواته لأحد، وهو يعارض ما تقدم عن ابن عباس في أبي بكر، والصحيح أن أبا بكر أول من أظهر الإسلام كما تقدم ذكره في بابه، وبه قال مجاهد ومن حكينا قوله من العلماء ثمة.
وعن معاذة العدوية قالت: سمعت عليا على المنبر- منبر البصرة- يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر. خرجه ابن فتيبة في المعارف.
وعن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: أنت أول من آمن بي وصدق. خرجه الحاكمي.
وعن سلمان أنه قال: أول هذه الأمة ورودا على نبيها صلى الله عليه وسلم أولها إسلاما علي بن أبي طالب. وقد روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه أول هذه الأمة ورودا على الحوض... الحديث.
وفي رواية أولكم ورودا على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب خرجه القلعي وغيره.
وعن ابن عباس قال السباق ثلاثة، يوشع بن نون إلى موسى وصاحب ياسين إلى عيسى، وعلي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. خرجه ابن الضحاك في الآحاد والمثاني.

ذكر أنه أول من صلى
عن ابن عباس أنه قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره وذكر منها أنه أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجه أبو عمر وخرج الترمذي منه عن ابن عباس: أول من صلى علي رضي الله عنه. وخرجه أبو القاسم في الموافقات كذلك.
وعن أنس قال: استنبىء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاث. خرجه الترمذي وأبو عمر؛ وفي بعض طرقه: بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاث خرجه البغوي في معجمه.
وعن الحكم بن عيينة قال: خديجة أول من صدق، وعلي أول من صلى إلى القبلة. خرجه الحافظ السلفي.
وعن رافع قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلت خديجة آخر يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاث من الغد قبل أن يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد سبع سنين وأشهر. خرجه القلعي.
وعنه قال: صليت قبل أن تصلي الناس بسبع سنين.
وفي رواية: أسلمت قبل أن يسلم الناس بسبع سنين.
وفي رواية: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين قبل أن يصلي معه أحد من الناس. خرجهن أحمد في المناقب.
وعنه أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا الصديق الأكبر ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين. خرجهن الخلعي.
وعن علي قال: عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين. خرجه أبو عمر.
وعن عفيف الكندي قال. كنت امرأ تاجرا فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة وكان امرأ تاجرا، قال فوالله. إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر إلى السماء فلما رآها قام يصلي ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء فقامت خلفه فصلت ثم خرج غلام حين راهق الحلم فقام معه يصلي، قال. فقلت للعباس يا عباس ما هذا? قال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، قال. قلت من هذه المرأة? قال هذه امرأته خديجة بنت خويلد، قال فقلت من هذا الفتى? قال هذا ابن عمه علي بن أبي طالب، قال. قلت فما الذي يصنع? قال يصلي وهو يزعم أنه نبي ولم يتبعه أحد على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى وهو يزعم أنه سيفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. قال فكان عفيف وهو ابن الأشعث بن قيس يقول- وأسلم بعد ذلك وحسن إسلامه- لو كان الله رزوقني الإسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي ابن أبي طالب.
وعن حبة العربي قال سمت عليا يقول. أنا أول رجل صلى على النبي صلى الله عليه وسلم خرجهما أبو أحمد. وعن حبة أيضا قال: رأيت عليا ضحك ضحكا أكثر منه حتى بدت نواجذه ثم قال ذكرت قول أبي طالب ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصلي ببطن نخلة قال ماذا تصنعان يا ابن أخي? فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال ما بالذي تصنعان أو الذي تقولان بأس ولكن والله لا تعلوني استي أبداً وضحك تعجباً من قول أبيه ثم قال: اللهم لا أعرف لك عبداً من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك- ثلاث مرات- لقد صليت قبل أن يصلي الناس. خرجه أحمد، وخرجه في المناقب وزاد: لقد صليت قبل أن يصلي أحد سبعاً. وحبة العربي ضعيف.
قال ابن اسحاق: وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفياً من عمه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوماً وهما يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن أخي ما هذا أراك تدين به? قال: أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم. أو كما قال صلى الله عليه وسلم: وبعثني الله به رسولا إلى العباد وأنت يا عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه أو كما قال: قال فقال أبو طالب: أي ابن أخي إني والله لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه ولكن والله لا يخلص إليك شيء تكرهه ما بقيت.
وذكروا أنه قال لعلي: أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه? قال: يا أبت آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقت بما جاء به، وصليت معه الله، واتبعته فزعموا أنه قال: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه خرجه ابن إسحاق.

الفصل الخامس
في هجرته
قال ابن إسحاق: وأقام علي بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن زهدم ولم يقم بقباء إلا ليلة أو ليلتين.
الفصل السادس
في خصائصه
ذكر اختصاصه بأنه أول من أسلم وأول من صلى
تقدم أحاديث هذا الذكر في الفصل قبله.
ذكر أنه أول من يجثو للخصومة يوم القيامة
عن علي قال: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة.
قال قيس: فيهم نزلت "هذان خصمان اختصموا في ربهم" قال هم الذين تبارزوا يوم بدر؛ علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة.
وفي رواية أن علياً قال: فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر: "هذان خصمان اختصموا في ربهم". خرجه البخاري.

ذكر أنه أول من يقرع باب الجنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي إنك أول من يقرع باب الجنة فتدخلها بغير حساب بعدي. خرجه الإمام علي بن موسى الرضا في مسنده.
ذكر اختصاصه بأحبية الله تعالى له
عن أنس بن مالك قال: كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير فجاء علي بن أبي طالب فأكل معه. خرجه الترمذي وقال غريب، والبغوي في المصابيح في الحسان، وخرجه الحربي وزاد بعد قوله: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير وكان مما يعجبه أكله وزاد بعد قوله فجاء علي بن أبي طالب فقال: استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما عليه إذن وكنت أحب أن يكون رجلا من الأنصار وخرجه عمر بن شاهين ولم يذكر زيادة الحربي، وقال بعد قوله: فجاء علي فرددته، ثم جاء فرددته، فدخل في الثالثة أو في الرابعة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما حبسك عني أو ما أبطأ بك عني يا علي قال جئت فردني أنس، ثم جئت فردني أنس، قال يا أنس، ما حملك على ما صنعت? قال: رجوت أن يكون رجلا من الأنصار خير من علي أو أفضل من علي. وخرجه النجار عنه وقال، قدمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طيراً فسعى وأكل لقمة وقال: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك وإلي. فأتى علي فضرب الباب، فقلت من أنت? قال: علي، قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة ثم أكل لقمة وقال مثل الأولى فضرب علي، فقلت من أنت? قال: علي، قلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة، ثم أكل لقمة وقال مثل ذلك، قال فضرب علي ورفع صوته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس افتح الباب قال فدخل فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم تبسم ثم قال: الحمد لله الذي عجلك فإني أدعو في كل لقمة أن يأتيني الله بأحب الخلق إليه وإلى فكنت أنت قال: فو الذي بعثك بالحق نبياً إني لأضرب الباب ثلاث مرات ويردني أنس.
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم رددته? قال. كنت أحب معه رجلا من الأنصار، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال. ما يلام الرجل على قومه.
وعن سفينة قال: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طيرين بين رغيفين فقدمت إليه الطيرين فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك. ثم ذكر معنى حديث البخاري وقال في آخره: فأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطيرين حتى فنيا.

ذكر اختصاصه بأحبية النبي صلى الله عليه وسلم
عن عائشة، سئلت أي الناس أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فاطمة فقيل من الرجال قالت: زوجها، أن كان ما علمت صواماً قواماً. خرجه الترمذي. وقال حسن غريب.
وعنها وقد ذكر عندها علي فقالت: ما رأيت رجلا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ولا امرأة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأته. خرجه المخلص والحافظ الدمشقي.
وعن معاذية الغفارية قالت: كان لي أنس بالنبي صلى الله عليه وسلم أخرج معه في الأسفار وأقوم على المرضى وأداوي الجرحى فدخلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة وعلي خارج من عنده فسمعته يقول يا عائشة إن هذا أحب الرجال إليي وأكرمهم علي فاعر في له حقه وأكرمي مثواه. خرجه الخجندي.

وعن مجمع قال: دخلت مع أبي عائشة فسألتها عن مسراها يوم الجمل فقالت كانت قدراً من الله، وسألتها عن علي فقالت: سألت عن أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنة أحب الناس كان إليه.
وعن معاوية بن ثعلبة قال: جاء رجل إلى أبي ذر وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر: ألا تخبرني باحب الناس إليك فإني أعرف أن أحب الناس إليك أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أي ورب الكعبة أحبهم إلي أحبهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الشيخ وأشار إلى علي. خرجه الملاء.
وقد تقدم لأبي بكر مثل هذا في المتفق عليه فيحمل هذا على أن علياً أحب الناس إليه من أهل بيته وعائشة أحب إليه مطلقاً جمعا بين الحديثين ويؤيده ما رواه الدولابي في الذرية الطاهرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: أنكحتك أحب أهل بيتي إلي وخرجه عبد الرزاق ولفظه أنكحتك أحب أهلي إلي.

ذكر اختصاصه بأنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الرأس من الجسد
عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي مني بمنزلة رأسي من جسدي. خرجه الملاء.
ذكر اختصاصه بأنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى
عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. أخرجاه وأخرجه الترمذي وأبو حاتم ولم يقولا: إلا أنه لا نبي بعدي.
وعنه قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان? قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي خرجه أحمد ومسلم وأبو حاتم.
وفي رواية غير أنه ليس معي نبي. خرجه ابن الجراح.
وعنه قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجرف- طعن رجال من المنافقين في إمرة علي وقالوا إنما خلفه استثقالا فخرج علي فحمل سلاحه حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالجرف فقال: يا رسول الله ما تخلفت عنك في غزاة قط قبل هذه؛ قد زعم المنافقون أنك خلفتني استثقالا فقال: كذبوا ولكن خلفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي، أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. خرجه ابن اسحق وخرج معناه الحافظ الدمشقي في معجمه.
وعن سفيان وقد قال له المهدي حدثني بأحسن فضيلة عندك لعلي قال: حدثني سلمة بن كهيل عن حجبة بن عدي عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي خرجه الحافظ السلفي في النسخة البغدادية.
وعن أسماء بنت عميس قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أقول- كما قال أخي موسى- اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي أخي علياً اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصراً. خرجه أحمد في المناقب والمراد بالأمر غير النبوة بذكر ما تقدم وقد تعلق بعض الرافضة بهذا الحديث في أنه الخليفة بعده؛ ولا دلالة فيه.
وقد سبق الكلام مستوفياً في شرح لفظه ومعناه في فصل خلافة أبي بكر.
وعن عمر وقد سمع رجلا يسب علياً فقال: إني لأظنك من المنافقين: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. خرجه ابن السمان.
وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: ثلاث خصال لوددت أن لي واحدة منهن، بينا أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذ ضرب النبي صلى الله عليه وسلم منكب علي فقال: يا علي أنت أول المؤمنين إيماناً وأول المسلمين إسلاماً وأنت مني بمنزلة هارون من موسى. خرجه ابن السمان.

ذكر اختصاصه بأنه من النبي صلى الله عليه وسلم كمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل
قال جاء أبو بكر وعلي يزورون قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ستة أيام. قال علي لأبي بكر. تقدم يا خليفة رسول الله فقال أبو بكر: ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مني بمنزلتي من ربي. خرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر اختصاصه بأنه أقرب الناس قرابة من النبي صلى الله عليه وسلم
عن الشعبي أن أبا بكر نظر إلى علي بن أبي طالب فقال: من سره أن ينظر إلى أقرب الناس قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعظمهم عنه غنى وأحظهم عنده منزلة فلينظر وأشار إلى علي بن أبي طالب. خرجه ابن السمان.
ذكر إخبار جبريل عن الله بأن عليا من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى
عن أسماء بنت عميس قالت: هبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك. خرجه الإمام علي بن موسى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
احمد العوض الكباشي

احمد العوض الكباشي


ذكر
عدد المساهمات : 2933
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
العمر : 37
الموقع : الكباشي

الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري    الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري  Icon_minitimeالجمعة يونيو 24, 2011 3:54 pm


ذكر اختصاصه بأن له من الأجر ومن المغنم مثل ما للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ولم يحضرها
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غزوة تبوك: أما ترضي أن يكون لك من الأجر مثل ما لي ولك من المغنم مثل ما لي? خرجه الخلعي.
ذكر اخصاصه بأنه مثل النبي صلى الله عليه وسلم
عن المطلب بن عبد الله أبي حيطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد ثقيف حين جاءوه: لتسلمن أو لأبعثن عليكم رجلا مني- أو قال مثل نفسي- فليضربن أعناقكم وليستبين ذراريكم وليأخذن أموالكم. قال عمر: فو الله ما تمنيت إلا مارة إلا يومئذ، فجعلت أنصب صدري رجاء أن يقول هو هذا، قال: فالتفت إلى علي فأخذه بيده وقال هو هذا. خرجه عبد الرزاق في جامعه وأبو عمر وابن السمان.
وعن زيد بن نفيع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لينتهين بنور ربيعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي يمضي فيهم أمري يقتل المقاتلة ويسبي الذرية. قال: فقال أبو ذر: فما راعني إلا برد كف عمر في حجرتي من خلفي فقال: من تراه يعني? قلت ما يعنيك ولكن يعني خاصف النعل يعني علياً.خرجه أحمد في المناقب.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نبي إلا وله نظير في أمته وعلي نظيري. خرجه الخلعي وقد تقدم مستوعباً في مناقب الأعداد.

ذكر اختصاص علي بأنه قسم النبي صلى الله عليه وسلم في نور كان عليه قبل خلق الخلق
عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزأين فجزء أنا وجزء علي. خرجه أحمد في المناقب.
ذكر اختصاصه بأن كفه مثل كف النبي صلى الله عليه وسلم
عن حبشي بن جنادة قال: كنت جالساً عند أبي بكر فقال من كانت له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم? فقام رجل فقال يا خليفة رسول الله وعدني بثلاث حثيات من تمر، قال فقال أرسلوا إلى علي فقال يا أبا الحسن إن هذا يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعده بثلاث حثيات من تمر فاحثها له قال فحثاها قال أبو بكر: عدوها. فوجدوا في كل حثية ستين تمرة لا تزيد واحدة على الأخرى فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ونحن خارجون من الغار نريد المدينة: يا أبا بكر كفي وكف علي في العدد سواء، خرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر اختصاصه بصلاة الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه لكونهما كانا يصليان قبل الناس
عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقصد صلت الملائكة علي وعلى علي لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا. خرجه أبو الحسن الخلعي.
ذكر اختصاصه بأنه والنبي صلى الله عليه وسلم يقبض الله أرواحهما بمشيئة دون ملك الموت
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسرى بي مررت بملك جالس على سرير من نور وإحدى رجليه في المشرق والأخرى في المغرب، وبين يديه لوح ينظر فيه، والدنيا كلها بين عينيه، والخلق بين ركبتيه، ويده تبلغ المشرق والمغرب، فقلت يا جبريل من هذا? قال: هذا عزرائيل تقدم فسلم، فتقدمت وسلمت عليه، فقال: وعليك السلام يا أحمد ما فعل ابن عمك علي? فقلت: وهل تعرف ابن عمي علياً، قال: وكيف لا أعرفه وقد وكلني الله بقبض أرواح الخلائق ما خلا روحك وروح ابن عمك علي بن أبي طالب فإن الله يتوفا كما بمشيئته. خرجه الملاء في سيرته.
ذكر اختصاصه أن من آذاه
فقد آذى النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبغضه فقد أبغضه، ومن سبه فقد سبه، ومن أحبه فقد أحبه. ومن تولاه فقد تولاه، ومن عاداه فقد عاداه، ومن أطاعه فقد أطاعه، ومن عصاه فقد عصاه.
عن عمر بن شاس الأسلمي وكان من أصحاب الحديبية قال: خرجت مع علي إلى اليمن فجفاني في سفري حتى وجدت في نفسي عليه فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فلما رآني أبدأني عينيه يقول حدد إلي النظر حتى إذا جلست قال: يا عمر والله لقد آذيتني. قلت: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله. قال: بلى من آذى علياً فقد آذاني. خرجه أحمد وخرجه أبو حاتم مختصراً.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله. خرجه أبو عمر.
وعن أم سلمة قالت: أشهد أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل. خرجه المخلص وخرجه الحاكمي عن عمار بن ياسر وزاد في أوله: من تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله ومن أحبه... الحديث.
وعن ابن عباس قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ابن أبي طالب فقال له: أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني وحبيبك حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، الويل لمن أبغضك. خرجه أحمد في المناقب.
وعن ابن عباس أنه مر بعدما حجب بصره بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون عليا فقال لقائده: ما سمعت هؤلاء يقولون? قال سبوا عليا قال فردني إليهم، فرده. قال أيكم الساب الله? قالوا سبحان الله من سب الله فقد أشرك قال أيكم الساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا سبحان الله من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر، قال فأيكم الساب لعلي? قالوا أما هذا فقد كان. قال فأنا أشهد بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله عز وجل أكبه الله على منخره. ثم تولى عنهم فقال لقائده ما سمعتهم يقولون? قال ما قالوا شيئاً قال فكيف رأيت وجوههم حيث قلت ما قلت? قال:



نظروا إليك بأعين محـمـرة


نظر التيوس إلى شفار الجازر
قال زدني فداك أبي


جزر الحواجب ناكسو أذقانهـم


نظر الذليل إلى العزيز القاهر
قال زدني فداك أبي. قال ما عندي غيرهما قال: لكن عندي


أحياؤهم حزني على أمواتهم


والميتون مسبة للـغـابـر
خرجه أبو عبد الله الملاء.
وعن أبي عبد الله الحدي قال: دخلت على أم سلمة فقال لي: أتسب رسول الله صلى الله عليه وسلم? فقلت معاذ الله قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سب عليا فقد سبني. خرجه أحمد.
وعن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: من أطاعك فقد أطاعني ومن أطاعني أطاع الله ومن عصاك عصاني. خرجه أبو بكر الاسماعيلي في معجمه وخرجه الخجندي بزيادة ولفظه: من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاعك فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصاك فقد عصاني.
وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا علي من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني. خرجه أحمد في المناقب والنقاش.
وعن عروة بن الزبير أن رجلا وقع في علي بن أبي طالب بمحضر من عمر فقال له عمر: أتعرف صاحب هذا القبر? هذا محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب؛ وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب، لا تذكر عليا إلا بخير فإنك إن تنقصه آذيت صاحب هذا في قبره صلى الله عليه وسلم. خرجه أحمد في المناقب وابن السمان في الموافقة.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله والويل لمن أبغضك بعدي. خرجه الحاكمي.

ذكر اختصاصه بإخاء النبي صلى الله عليه وسلم
عن ابن عمر قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه قال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة. خرجه الترمذي وقال غريب والبغوي في المصابيح في الحسان.
وعنه قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى بقي علي وكان رجلا شجاعا ماضياً على أمره إذا أراد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن أكون أخاك? قال بلى يا رسول رضيت، قال فأنت أخي في الدنيا والآخرة، خرجه الخلعي. وعن علي أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقوله أحد غيري إلا كذاب. خرجه أبو عمر وخرجه الخلعي وزاد: وأنا الصديق الأكبر ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين.
وعن علي قال: طلبني النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني في حائط نائما فضربني برجله وقال: قم فو الله لأرضينك، أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنتي من مات على عهدي فهو في كنز الجنة ومن مات على عهدك فقد قضى نحبه ومن مات محبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت. خرجه أحمد في المناقب.
وعن علي قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دعا بني عبد المطلب فهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق قال: فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا. قال وبقي الطعام كما هو كأن لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس أو لم يشربوا فقال يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي? فلم يقم إليه أحد، قال: فقمت وكنت أصغر القوم قال اجلس ثم قال ذلك ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول اجلس حتى كان في الثالث فضرب بيده على يدي. خرجه أحمد في المناقب.
وفي طريق آخر قال: لما نزل قوله "وأنذر عشيرتك الأقربين" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من أهله إن كان الرجل منهم لآكلا جذعة وإن كان لشاربا فرقا فقدم إليهم رجلا فأكلوا حتى شيعوا فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي? فعرض ذلك على أهل بيته فقال: أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقضي ديني وتنجز مواعيدي. خرجه أحمد في المناقب.
وعن ابن عباس وقد سئل عن علي قال: كان أشدنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لزوما وأولنا به لحوقا. خرجه ابن الضحاك. وعن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الناس وترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له أخاً فقال: يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني? قال: ولم تراني تركتك? إنما تركتك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك فإني أذاكرك قل أنا عبد الله وأخو رسوله لا يدعيها بعدي إلا كذاب. خرجه أحمد في المناقب.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على باب الجنة مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله على أخو رسول الله.
وفي رواية مكتوب على باب الجنة: محمد رسول الله علي أخو رسول الله قبل أن تخلق السموات بألفي سنة. خرجهما أبو أحمد في المناقب وخرج الأول الغساني في معجمه وقد تقدمت أحاديث المؤاخاة بين الصحابة مستوعبة في باب العشرة.

ذكر اختصاصه بأن الله جعل ذرية نبيه في صلبه
تقدم في الذكر قبله قوله صلى الله عليه وسلم أنت أخي وأبو ولدي.
وعن عبد الله بن عباس قال: كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علي بن أبي طالب فسلم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام وعانقه وقبل بين عينيه وأجلسه عن يمينه فقال العباس: يا رسول الله أتحب هذا? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم والله لله أشد حبا له مني: أن جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا. خرجه أبو الخير الحاكمي.

ذكر اختصاصه بأنه مولى من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولاه
عن رباح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا السلام عليك يا مولانا قال. وكيف أكون مولاكم وأنتم عرب? قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه.
قال رباح: فلما تبعتهم فسألت من هؤلاء? قالوا نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري خرجه أحمد وعنه قال: بينما علي جالس إذ جاء رجل فدخل عليه أثر السفر فقال: السلام عليك يا مولاي. قال. من هذا: قال أبو أيوب الأنصاري. فقال علي: افرجوا له ففرجوا فقال أبو أيوب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. خرجه البغوي في معجمه.

وعن البراء بن عازب قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد علي وقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قالوا بلى، فأخذ بيد علي وقال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
وعن زيد بن أرقم مثله. خرجه أحمد في مسنده وخرج الأول ابن السمان وخرج في كتاب المناقب معناه عن عمر وزاد بعد قوله وعاد من عاداه وانصر من نصره وأحب من أحبه قال شعبة: أو قال: ابغض من أبغضه وخرج ابن السمان عن عمر منه. من كنت مولاه فعلي مولاه. وخرجه المخلص الذهبي عن حبشي بن جنادة. وقال بعد وانصر من نصره وأعن من أعانه. ولم يذكر ما بعده.
وعن أبي الطفيل قال قال علي: أنشد الله كل امرىء سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم لما قام، فقام ناس فشهدوا أنهم سمعوه يقول: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قالوا بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فإن هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فخرجت وفي نفسي من ذلك شيء فلقيت زيد بن أرقم فذكرت ذلك له فقال: قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له، قال أبو نعيم: قلت لفطر- يعني الذي روى عنه الحديث- كم بين القول وبين موته? قال مائة يوم. خرجه أبو حاتم وقال يريد موت علي بن أبي طالب. وخرج الترمذي عنه من ذلك: من كنت مولاه فعلي مولاه وقال حسن غريب وخرجه أحمد عن سعيد بن موهب ولفظه قال: نشد علي فقام خمسة أو ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
وعن زيد بن أرقم قال: استنشد على الناس فقال أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام ستة عشر رجلا فشهدوا.
وعن زياد بن أبي زياد قال: سمعت علي بن أبي طالب ينشد الناس فقال: أنشد الله رجلا مسلماً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال، فقام اثنا عشر رجلا بدريا فشهدوا.
وعن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت علياً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير وقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم? قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه. خرجه احمد.
وعن عمر انه قال: علي مولى من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاه.
وعن سالم قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئا ما تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنه مولاي.
وعن عمر وقد جاء أعرابيان يختصمان فقال لعلي اقض بينهما يا أبا الحسن فقضى علي بينهما فقال أحدهما هذا يقضي بيننا? فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال ويحك ما تدري من هذا، هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
وعنه وقد نازعه رجل في مسألة فقال: بيني وبينك هذا الجالس وأشار إلى علي بن أبي طالب فقال الرجل: هذا الأبطن! فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه حتى شاله من الأرض ثم قال: أتدري من صغرت? مولاي ومولى كل مسلم. خرجهن ابن السمان.
شرح- غدير خم- موضع بين مكة والمدينة بالجحفة. وبيان معنى الحديث بيان متعلق من ذهب إلى إمامة علي رضي الله عنه والجواب عنه وحمل الحديث على المعنى المناسب- لما تقدم في إمامة أبو بكر- قد تقدم في فصل خلافة أبي بكر.

ذكر اختصاصه بأنه من النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ولي كل مؤمن بعده
قد تقدم طرف من أحاديث أنه من النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليها عليا، قال: فمضى على السرية فأصاب جارية فانكروا عليه وتعاقد أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا اذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه بما صنع علي، فقال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أحد الأربعة فقال يا رسول الله ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا? فأعرض عنه ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قال الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي- ثلاثا-? إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي. خرجه الترمذي وقال حسن غريب وأبو حاتم وخرجه أحمد وقال فيه: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرابع وقد تغير وجهه فقال: دعوا علي، دعوا عليا، علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي.
وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وأمر عليها رجلا وأنا فيها فأصبنا سبيا فكتب الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابعث لنا من يخمسه قال: فبعث عليا وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي. قال: فخمس وقسم قال: فخرج ورأسه يقطر، قلنا يا أبا الحسن ما هذا? قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي? فإني قسمت وخمست وصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ثم صارت في آل علي ووقع بها. فكتب الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابعثني مصدقا. قال: فجعلت اقرأ الكتاب وأقول صدق قال. فأمسك يدي والكتاب وقال: تبغض عليا قلت نعم قال: فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا فو الذي نفسي بيده لنصيب آل علي من الخمس أفضل من وصيفة قال: فما كان من الناس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي.
وفي رواية فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرىء عليه فرأيت الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم فقلت. يا رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أمرت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي. خرجهما أحمد.
وعنه قال. بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس فكنت أبغض عليا فاصطفى منه سبية فأصبح وقد اغتسل فقلت لخالد. أما ترى إلى هذا? فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال: يا بريدة أتبغض عليا? قلت نعم. قال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك. انفرد به البخاري.
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من كنت وليه فعلي وليه. أخرجه أبو حاتم.
وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنم ما جازها أحد حتى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب. خرجه الحاكمي في الأربعين والمراد بالولاية والله أعلم الموالاة والنصرة والمحبة.
وعن ابن مسعود قال: أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد علي وقال هذا ولي وأنا وليه، واليت من والاه وعاديت من عاداه خرجه الحاكمي.

ذكر حق علي على المسلمين
عن عمار بن ياسر وأبي أيوب قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حق علي على المسلمين حق الوالد على الولد. خرجه الحاكمي.
وعن أبي مقدم صالح قال: لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال: اللهم إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب. خرجه أحمد في المناقب.
والكلام على هذا الحديث وبيان متعلق الرافضة منه والجواب والجمع بينه وبين ما تقدم في خلافة أبي بكر تقدم في فصل خلافة ابي بكر.

ذكر اختصاصه بأن جبريل منه
عن أبي رافع قال: لما قتل علي أصحاب الألوية يوم أحد- قال جبريل: يا رسول الله إن هذه لهي المواساة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنه مني وأنا منه فقال جبريل: وأنا منكما يا رسول الله، خرجه أحمد في المناقب.
ذكر اختصاصه بتأييد الله نبيه صلى الله عليه وسلم به وكتبه ذلك على ساق العرش وعلى بعض الحيوان
عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي إلى السماء- نظرت إلى ساق العرش فرأيت كتاباً فهمته محمد رسول الله، أيدته بعلي، ونصرته به خرجه الملاء في سيرته.
وعن ابن عباس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بطائر في فيه لوزة خضراء، فألقاها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فأخذها فقبلها، ثم كسرها، فإذا في جوفها دودة خضراء مكتوب فيها بالأصفر: لا إله إلا الله محمد رسول الله، نصرته بعلي خرجه أبو الخير القزويني الحاكمي.

ذكر اختصاصه بالتبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي سعيد أو أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فلما بلغ ضجنان سمع بغام ناقة علي فعرفه فأتاه فقال: ما شأني? قال خير، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني ببراءة. فلما رجعنا انطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله مالي? قال: خير، أنت صاحبي في الغار غير أنه لا يبلغ غيري أو رجل مني يعني عليا.
شرح بغام الناقة. صوت لا تفصح به تقول منه بغمت تبغم بالكسر وبغمت الرجل إذا لم تفصح له عن معنى ما تحدثه به- ضجنان، جبل بناحية مكة.
وعن جابر أنهم حين رجعوا من الجعرانة إلى المدينة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج، فأقبلنا معه حتى إذا كان بالعرج ثوب بالصبح فلما استوى بالتكبير سمع الرغوة خلف ظهره فوقف على التكبير فقال. هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلي معه، فإذا علي عليها، فقال له أبو بكر. أمير أم رسول? فقال لا، بل رسول أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرؤها على الناس في مواقف الحج، فقدمنا مكة فلما كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس حتى إذا فرغ قام علي فقرأ براءة حتى ختمها ثم خرجنا معه، حتى إذا كان يوم عرفة، قام أبو بكر فخطب الناس، فعلمهم مناسكهم، حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم كان يوم النحر فأفضنا فلما رجع أبو بكر خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم وعن مناسكهم، فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، فلما كان يوم النفر الأول قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون وعلمهم مناسكهم فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها. خرجهما أبو حاتم وخرج الثاني النسائي.
شرح الجعرانة. موضع بقرب مكة معروف يعتمر منه أهل مكة في كل عام مرة في ذي القعدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها بعد مرجعه من الطائف لثنتي عشرة ليلة بقيت من القعدة وفيها لغتان إسكان العين والتخفيف وكسرها مع تشديد الراء- والعرج. منزل بطريق مكة وإليها ينسب العرجي الشاعر وهو عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان ذكره الجوهري والصواب عبد الله بن عمر بن عمر بن عثمان بن عفان- والتثويب. في الصبح أن يقول. الصلاة خير من النوم، ثم قد يراد به الإيذان بالصلاة ولعله المراد هنا- والرغوة. والرغاء بمعنى، وهو صوت ذوات الخف، يقول رغا البعير يرغو رغاء إذا ضج.
وعن علي رضي الله عنه قال. لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه وسلم دعا النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال لي أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله نزل في شيء? قال. لا، جبريل جاءنا فقال لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك.
شرح- قوله فرجع أبو بكر: الظاهر أن رجوعه كان بعد مرجعه من الحج، يشهد له الحديث المتقدم، وأطلق عليه لفظ الرجوع لوجود حقيقة الرجوع فيه جمعا بينهما.
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه ببراءة قال. يا رسول الله إني لست باللسن ولا بالخطيب، قال: ما بد لي أن يذهب بها أنا أو تذهب بها أنت، قال: فإن كان فأذهب أنا. قال: انطلق فإن الله يسدد لسانك ويهدي قلبك قال: ثم وضع يده على فمه. خرجهما أحمد.
وعن حبشي بن جنادة وكان قد شهد حجة الوداع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي. خرجه الحافظ السلفي.

شرح- قوله ولا يبلغ عني غيري أو رجل مني: أي من أهل بيتي، وكذلك قول جبريل: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، وهذا التبليغ والأداء يختص بهذه الواقعة لا مطلق التبليغ والأداء، وذلك معلوم بالضرورة يشهد له الوجود، فإن رسله صلى الله عليه وسلم لم تزل مختلفة إلى الآفاق في التبليغ عنه وأداء رسالاته وتعليم الأحكام والوقائع مؤدين لها عنه ومبلغين عنه، وليسوا كلهم منه، فعلم أن الإشارة والتبليغ في تلك الواقعة، وكان ذلك لسبب اقتضاه، وهو أن عادة العرب لم تزل جارية في نقض العهود أن لا يتولى ذلك إلا من تولى عقدها أو رجل من قبيلته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبا بكر ذلك على ما تضمنه حديث علي جرياً على عادته في عدم مراعاة العوائد الجاهلية، فأمره الله تعالى أن لا يبعث في نقض عهودهم إلا رجلا منه إزاحة لعللهم وقطعاً لحججهم لجواز أن يحتجوا على أبي بكر بعوائدهم ومألوفهم كما احتجوا عليه صلى الله عليه وسلم في كتاب صلح الحديبية لما قال لعلي: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقالوا: اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب في الجاهلية، وإن كان المعنى المقتضي لإجابتهم في صلح الحديبية إلى ما طلبوا مفقودا هنا لانتشار أمر الإسلام وعلو شأنه وظهوره وقوة أهله زمن حجة أبي بكر، لكن الإيناس بالمألوف المعروف أقرب إلى انقياد النفوس وأدعى إلى طاعتها، وإذا تقررت هذه المقدمة ثبت أن إرسال علي لم يكن عزلا لأبي بكر رضي الله عنه عن إمارته، وإنما عن التبليغ فقط لمقتض اقضاه كما قررنا، وكان أبو بكر الآمر والخطيب والإمام والمعلم مناسك الحج.
وقد صرح علي رضي الله عنه لما قال له أبو بكر: أمير أم رسول? فقال: بل رسول، وقال بعض منه أشبه قوله قول الرافضة ممن ينتمي إلى التحديث والتصوف إنما صرف النبي صلى الله عليه وسلم إمارة الحج عن علي، لما في الإمارة من شوائب الدنيا تنزيها له، إذ- كان سبيله صلى الله عليه وسلم في أهل بيته إبعادهم عن الدنيا وإبعاد الدنيا عنهم، وإنما كان توليته أمر التبليغ للضرورة التي لا تندفع إلا به كما تقدم تقريره، وهذا القول في هذا الموطن غلط من هذا القائل، والنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان سبيله في أهل بيته ما ذكره- فلا يمكن ادعاء هذا المعنى في هذا الموطن لوجوه، الأول: ما فيه من حط مرتبة أبي بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيثار الأولى في حقه ومكانته منه ومنزلته عنده المعلومة المشهورة التي لا يوازنها، مكانة، ولا يضاهيها مرتبة، حتى اتصف بأحب القوم إليه وألزمهم عنده،

واختص منه بخصائص لم يشاركه فيها غيره على ما تقدم تقريره في مناقبه، وذلك لا يناسب تخصيصه بالأدنى مع علمه برسوخ قدمه في الزهد والرغبة فيما عند الله تعالى، وإنما كان ذلك والله أعلم تنبيها على أفضليته المقتضية اقامه مقام نفسه، ولذلك صرف الأمور كلها إليه ابتداء ثم خص عليا بأمر التبليغ لما ذكرناه فكان صرف إمرة الحج إلى أبي بكر لاختصاصه بقيام المقتضى لها لا لأمر آخر وراء ذلك.
الوجه الثاني: لا نسلم أن هذا الأمر من الدنيا في شيء، بل هو محض عبادة كالصلاة والأمير فيها كإمام الصلاة وخطيب الجمعة ولا يقال في شيء من ذلك دنيا، وكيف يصح أن يقال فيه دنيا وعلى رضي الله عنه يقول: يا دنيا غري غيري طلقتك ثلاثاً بتاتاً. وقد تولى الخلافة العظمى فلو اعتقد أن ما قام فيه محض عبادة لله تعالى لا دنيا فيه لما صح هذا القول ولا شك في صحته وفي أن قدمه في الزهد في الدنيا من أرسخ الأقدام ومباينته لها مشهور بين الانام ثابت عند العلماء الأعلام، نعم تصير هذه الأمور دنيا إذا نوى بها الترفع على أبناء جنسه وأقام جاهه وعلو شأنه ونحو ذلك، وأعاذ الله أبا بكر وعليا وواحداً من الصحابة من ذلك وأعاذنا الله من اعتقاد ذلك فيهم بل قام والله أعلم أبو بكر فيما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم من إمرته فيه عبداً لله مؤدياً مناسكه ممتثلا أمر نبيه في نصب نفسه إماما يقتدى به تعبداً لله وتقربا إليه ليس إلا، وكذلك قيامه في خلافته وجميع أموره، وقام علي في المواطن التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وفي خلافته كذلك، وهكذا كل منهم رضوان الله عليهم أجمعين.

والوجه الثالث: سلمنا أن فيها شائبة دنيا لكنها مغمورة مضمحلة بالنسبة إلى ما فيها من التعبد والقربة إلى الله تعالى، إذ في ذلك إقامة منار الدين وإظهار شعائره وانتظام أمره، وإن ظهرت لها صورة بحكم التبعية فغير مقصودة، ولم تزل سنة الله تعالى في أنبيائه ورسله وأوليائه والصالحين من عباده جارية باعلاء منارهم وتكثير تابعهم وتحكمهم في أمور خلقه بحسب مراتبهم وهل الدنيا إلا عبارة عن ذلك? لكن لا يعد شيء من ذلك دنيا لعدم قصدها وإرادتها وإن حصلت صورتها ضمنا وتبعا.
الوجه الرابع: أن ما ذكره منتقص بالمواطن التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها عليا على ما تقدم تقريره، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وكل ما يتكلف فيه من غير ما أشرنا إليه فهو خلاف الظاهر.

ذكر اختصاصه بإقامة النبي صلى الله عليه وسلم إياه مقامه في نحر بقية بدنه وإشراكه إياه في هديه صلى الله عليه وسلم
عن جابر حديثه الطويل، وفيه: فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين بدنة بيده وأعطى عليا فنحر ما غبر منها وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها، وشربا من مرقتها. خرجه مسلم.
شرح- غبر: أي بقي ومنه إلا امرأته كانت من الغابرين، أي الباقين- والبضعة: القطعة بالفتح وأخواتها بالكسر مثل القطعة والفلذة والقدرة والكسرة والخرقة، وما لا يحصى، قاله الجوهري والبضع والبضعة في العدد مكسور وبعض العرب يفتحها وهو ما بين الثلاث والتسع، يقال بضع سنين وبضعة عشر رجلا، وبضع عشرة امرأة، فإذا جاوز لفظ العشر ذهب البضع فلا تقول بضع وعشرون قاله الجوهري.

ذكر اختصاصه بالقيام على بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن علي قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأن لا أعطي الجزار منها شيئا.
ذكر اختصاصه بأنه لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له على الجواز
عن قيس بن حازم قال: التقى أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب فتبسم أبو بكر في وجه علي، فقال له: ما لك تبسمت? قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجوز أحد الصراط الا من كتب له على الجواز. خرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر اختصاصه بمغفرة من الله يوم عرفة
عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة، فقال: إن الله عز وجل قد باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعلي خاصة، وإني رسول الله غير محاب بقرابتي. خرجه أحمد.
ذكر اختصاصه بسيادة العرب وحث الأنصار على حبه
عن الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعو الي سيد العرب، يعني علياً، قالت عائشة: ألست سيد العرب? قال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، فلما جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه فقال لهم: يا معشر الأنصار، ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، قالوا بلى يا رسول الله، قال: هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي، فإن جبريل عليه السلام أخبرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل. خرجه الفضائلي والخجندي، والمراد سيد شباب العرب لأنه تقدم في خصائص أبي بكر أنه سيد كهول العرب جمعا بين الحديثين.
ذكر اختصاصه بسيادة المسلمين وولاية المتقين وقيادة الغر المحجلين
عن عبد الله بن سعد بن زرارة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي انتهيت إلى ربي عز وجل، فأوحى إلي- أو أمرني، شك الراوي- في علي بثلاث: أنه سيد المسلمين وولي المتقين وقائد الغر المحجلين. خرجه المحاملي.
وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين خرجه علي بن موسى الرضا.

ذكر سيادته في الدنيا والآخرة
عن ابن عباس قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب فقال: أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة. خرجه أبو عمر وأبو الخير الحاكمي.
ذكر اختصاصه بالولاية والإرث
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي وصي ووارث، وإن علياً وصيي ووارثي. خرجه البغوي في معجمه.
وعن أنس قال قلنا لسلمان: سل النبي صلى الله عليه وسلم من وصيه? فقال سلمان: يا رسول الله من وصيك? قال: يا سلمان من كان وصي موسى? قال يوشع بن نون. قال فإن وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب. خرجه في المناقب. وهذان الحديثان لا يصحان، وإن صحا فالإرث محمول على ما تضمنه حديث المؤاخاة في باب العشرة وهو أنه قال له صلى الله عليه وسلم. أنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك يا نبي الله? قال؛ ما ورث الأنبياء من قبلي قال: وما ورث الأنبياء من قبلك? قال كتاب ربهم وسنة نبيهم. وعلى ما تضمنه حديث معاذ قال: قال علي: يا رسول الله ما أرث منك? قال: ما يرث النبيون بعضهم من بعض كتاب الله وسنة نبيه. خرجه ابن الحضرمي حملا للمطلق على المقيد، وهذا توريث غير التوريث المتعارف، فيحمل الإيصاء على نحو من ذلك كالنظر في مصالح المسلمين على أي حال كان خليفة أو غير خليفة ومساعدة أولي الأمر، وعليه يحمل توصيته بالعرب فيما رواه حبة العربي عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي أوصيك بالعرب خيراً. خرجه ابن السراج.
وعن حبشي قال: رأيت عليا يضحي بكبشين فقلت له: ما هذا? قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه. خرجه أحمد في المناقب، وهذا يدل على صرف الوصية إلى غير الولاية إذ لو كانت الولاية لاستوى فيها العرب والعجم، أو يحمل على إيصاله اليه في الضحية عنه، أو الإيصاء اليه في رد الأمانات حين هاجر، أو على حفظ الأهل حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ونحو ذلك، أو على قضاء دينه وإنجاز وعده على ما تضمنه حديث أنس المتقدم، أو على إيصائه بغسله.
عن حسين بن علي عن أبيه عن جده قال: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يغسله فقال علي: يا رسول الله أخشى أن لا أطيق ذلك. قال: إنك ستعان علي قال. فقال علي: فو الله ما أردت أن أقلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم عضواً إلا قلب لي. خرجه ابن الحضرمي، ويعضد هذا التأويل بالأحاديث الصحيحة في نفي التوريث والإيصاء على ما تقدم في فصل خلافة أبي بكر وأنه صلى الله عليه وسلم لم يعهد اليه عهداً غير ما في كتاب الله عز وجل وما في صحيفة فيها شيء من أسنان الإبل ومن العقل.
عن بريدة بن سويد بن طارق التيمي قال. رأيت عليا على المنبر يخطب فسمعته يقول. لا والله ما عندنا من كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة؛ وإذا فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات. وحديث المدينة حرم ما بين عير إلى ثور. أخرجاه.
وعن أبي الطفيل عامر بن وائلة قال. كنت عند علي فأتاه رجل فقال له. ما كان النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليك? قال. فغضب ثم قال. ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلى شيئا يكتمه على الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع. قال. ما هن يا أمير المؤمنين? قال: لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ادعى لغير أبيه ولعن الله من آوى محدثا ولعن الله من غير منار الأرض. خرجه مسلم.

ذكر اختصاصه بغسل النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي
قال ابن اسحاق. لما غسل النبي صلى الله عليه وسلم علي أسنده إلى صدره وعليه قميصه يدلكه به من ورائه ولا يفضي بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول. بأبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا!! ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يرى من الميت وكان العباس والفضل وقثم يساعدون عليا في تقليب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أسامة بن زيد وشقران يصبان الماء عليه.
ذكر اختصاصه بالرخصة في تسمية ولده باسم النبي صلى الله عليه وسلم وتكنيته بكنيته
عن محمد بن الحنفية عن أبيه علي قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ولد لك غلام فسمه باسمي وكنه بكنيتي، وهو لك رخصة دون الناس. خرجه المخلص الذهبي.
وعن علي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يولد لك ابن قد نحلته اسمي وكنيتي. خرجه أحمد.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alkabshi.forumarabia.com
 
الرياض النضرة في مناقب العشرة الطبري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» مناقب سيد الأولين والأخرين
» العشرة المبشرون بالجنة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكه الطريقه القادريه الكباشيه  :: المكتبه الشامله-
انتقل الى: